أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - العقل الممنوع من التصرف















المزيد.....


العقل الممنوع من التصرف


زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)


الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 28 - 07:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل أن تموت عمَّتي بأيام قليلة ، وكانت قد تعدّت الثمانين من عمرها ، أذكر أنّي سألتها يوماً بعد أن أنهت صلاتها ، وكنت وقتها شاباً يافعاً ، ما هي الآيات أو السور التي تذكرينها في صلاتك؟ فأجابتني بالكردية بأنها تتلو سورتي " الحَمْدهْ اوو قلْوَليه " أي الفاتحة والأخلاص و قلْ وَلية أي قُلْ هو الله، وحين سألتها ما إذا كانت تعي معنى هاتين السورتين، قالت يكفي أن أعلم أنه من كلام الله.
تذكرت هذا بعد مايقارب الثلاثين سنةً وأنا أُطالع كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر" للرحالة والمؤرخ أبي الحسن بن علي المسعودي المتوفي سنة 346 للهجرة عندما يروي الواقعة التالية "حكي مثل هذا عن عبد الملك بن مهلهل الهمذاني، وكان سميراً لسليمان بن منصور،… فدخل فسلّم قائماً ثم قال: أصلح اللّه الأمير، إني انصرفْتُ بالأمسِ إلى نحو منزلي وقد أمسيت، فبينما أنا في طريقي إذ أذَّنَ مؤذن، فَدَنوْتُ، ثم صعدتُ إلى مسجدٍ مغلقٍ، فصعدتُ ثم صعدتُ ثم صعدتُ، قال سليمان: فَبَلَغْتَ السَّماءَ فكان ماذا؟. قال: فتقدم إنسانٌ إمّا كُرْدِيٌ أو طمطمانيٌ فأَمَّ القومَ بكلامٍ ما أفهمه ولُغَةٍ ما أعرفها، فقال: وَيْلٌ لكلِّ زممةٍ زماً مالاً وعده قال: يريد وَيْلٌ لكلِّ همَّزةٍ لمزةٍ الّذي جمع مالاً وَعَدّده، فإذا خلفه سكران ما يعقل سكراً، فلمّا سمعَ قراءته ضرب بيديه ورجليه وجعل يقول: أيْرُ عبكى درليلكا في حَرِّ أمِّ قارئكِ ومصلِّيكِ. فضحك سليمان حتى تمرَّغ على فراشه، وقال: ادْنُ مني يا أبا محمد، فأنت أطيب أمة محمد".
المسافة الزمنية بين زمن هذا الإمام الكُردي أو الطمطماني و زمن عمَّتي، هي أكثر من ألف عامٍ ، إلّا أنّ المسافةَ الثقافية أو العلمية كما يبدو من الروايتين معدومة. وعلى رغم بساطة هذيْنِ الحدثين ، فإنّ الدلالة كبيرةٌ ومفجعةٌ جداً وهي: إنَّ العَقْلَ الكُرديَّ لم يطرأ عليه تقدمٌ يذكر خلال هذه القرون العشرة. وكما أن عمتي كانت لاتعرف معنى هاتين السورتين "الحمده اوو قلْوَليه" ، فالإمام الكردي هذا أيضا لم يعلم معنى ماكان يتلوه للمصلّين من سورٍ وآياتٍ قرآنية، ناهيكَ عن هؤلاءِ المصلّينَ المساكين من خلفه.
وهذه الحقيقة المؤلمة تبين لنا بشكلٍ ما، سبباً رئيسياً من أسبابِ تخلُّفِ الكُردِ و وقوفهم في آخر الصف من بين الشعوب الاسلامية ، كما تشير هذه الحقيقة التي أمام أعيُننا كيفَ أنّ العقل الكردي امتنع أو أمتُنِع من القيام بوظيفته الأساسية، ألا وهي التفكير، التفكير بأيةِ ظاهرةٍ من ظواهرِ الحياة والطبيعة والانسان ، لأنه حُوصِرَ أو قُيِّدَ بكتابٍ لم يتمكّن أن يعلم أو حتّى أن يتعرَّفَ على ما يحمل بين دفتيه ، لأنه وصل إليهم بلغةٍ غريبةٍ عنهم، بعيدةً كلُّ البعدُ عن لغتهم المختلفة عنها في القواعِدِ والنُطقِ و طريقةِ تركيبِ الجُمَلِ وغيرها ، واكتفى المتنوِّرونَ الكُرد الذين قرَّروا الإنسلاخَ عن مجتمعهم الكُردي، بتلقين المجتمع وتحفيظهم بعض الآيات والسور القصيرة على طريقة "قلوليه و لكل زممة زماً مالاً وعده" لأداءِ صلواتهم ،وهذا الجهل الكبير بهذا الكتاب وسوَرِهِ ومعاني آياتهِ والجهل بالتناقضات التي يحفِلُ بها، بدءً من حرّيةِ الإيمانِ وفرضهِ، ثمَّ الموقف الإشكالي مِنَ المرتدِّ، إلى إعتبارِ النَّصارى واليهودَ مرّةً مؤمنين وأُخرى كافرين، مُروراً بالتَّرغيبِ في التَّآخي والسَّلام من جهة، والتحريض على القتال والجهاد من جهات اخرى، والإشكالاتِ الكبيرةِ الّتي طرحها دون إِيجاد حلٍّ لها، كمسألة القضاء والقدر، ودفع الشيطان لإيقاعِ الإنسان في الشّرور، و من ثمّ محاسبة كليهما، إلى الإقرار بوجود الجِنِّ والعفاريتِ والسِّحر و الحَسَدِ وغيرها من الظواهر الخرافيَّة، التي مازالت تَفتُكُ بالعقل المسلم (الكُردي خاصة) إلى اليوم، إلى تجاهل مسألة الناسِخُ و المنسوخِ من القرآن، الذي يُشكِّل أكثر من نصفِهِ، و ما إذا كانَ يصُّحُ الأخْذُ بِهِ أوْ لا، والذي لا يجرؤ على التطرُّقِ إليه أحَدٌ مِنْ رجالِ الدينِ في حاضرنا، على عكسِ ما كان يحدث في العهود الغابرة، حين تناول هذا الموضوع العديد من العلماء و الكتاب المسلمين القدماء ، إلى الموقف الإستعلائي للعرب و المسلمين على الأمم الاخرى غير الإسلامية ، إلى الموقف القوّامي للرجُلِ على المرأةِ ، إلى السَّماحِ بِتَعدُّدِ الزَّوجاتِ و إتِّخاذِ عددٍ غير مَحدودٍ مِنَ الجواري والإمات إلى جانِبِ الزَّوجاتِ، وإغداقِ الرَّجِلِ بالملذّاتِ الجِنسيةِ و الشَّهوانيّةِ في الجَّنةِ، وحُورِ عينٍ، إلى غِلمانٍ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ. بينما حَرَّمَ المرأةَ في الجنّة كما في هذه الحياة مِن أحَبَّ شيءٍ إلى قلبها، وهي خاصيّة أنْ تمتلك رجلاً يخصُّها هي وحدها فقط. إلى تحليلِ زواجِ المتعَةِ من قبل الله ورسوله "فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً" النساء24. وقصة تحريمها من قبل عمر بن الخطاب ومن سمَّوا أنفسهم بأهلِ السُّنةِ والجماعَة، إلى عدم إلغائه للرُّقِ، الذي ما يزال مستمراً إلى اليوم، وخاصة في السودان حيث ما تزال تجارة الرقيق رائجة الى الآن، و ذكرت العديد من المنظمات الانسانية أنّها تنفق جُلَّ ميزانيتها في سبيل تحرير العبيد في السودان.

إنَّ هذا الجهل الكبير بهذه المسائل الشائكة والمعضلات العويصة، التي شغلت الفقهاء والمتكلمين المسلمين ، شكَّلت لدى الكُرد قناعاتهم الراسخة بأَنَّ هذِهِ الآيات هي كلامُ الله، كان كافياً أن يَمتثلوا لأوامِرِ كلِّ مّنْ يَنطُقُ بلغةِ الله، ويصدِّقوهُ ويوقِّروهُ حتّى ولو كان مِنْ أتباعِ إبليس، ومن هنا شاعت المقولة بأنّ الكُرد هم أكثر تديناً وتمسكاً بالدينِ من غيرهم، إلا أنّ الأصحَّ أنْ يُقال: إنَّ الكُردَ هم أكثرُ المسلمينَ تصديقاً وإنخداعاً بالدين وليسَ أكثرُ تديناً. ومِنَ الخطأ أنْ يُقال عن قومٍ أكثر جهلاً بالدين بأنّهم أكثر تديناً.
وأغلبُ ظَنِّي أنَّ الشيخ الفيلسوف عُديْ بن مُسافر المتوفي سنة -555- هجرية، والمتعصب للامويين، هو الذي أسَّسَ الدِّيانةَ اليزيديّة ( أو الإيزيديّة كما يسمونها بعض الأكراد، لإبعاد اسم يزيد بن معاوية عن ديانتهم هذه، لما عُرِفَ عن هذا الخليفة الإسلامي من فُسقٍ وفُحشٍ وفسادٍ وكفرٍ ومُجونٍ) التي يَعتنقُها عددٌ لابأسَ بِهِ مِنَ الأكراد، حينَ وَفَدَ مِن بلادِ الشّامِ إلى مناطقِ سِنجار وهكاري في كردستان، و كان لا يخطرُ على بالهم إطلاقاً أن يُوجد مِنْ بينِ مَنْ يتكلمُ بلغةِ اللهِ مُنافقاً أو كذّاباً أو شرِّيراً، ممّا سهَّلَ كثيراً إنخداعهم وإنسياقهم له. وقد حاول العديد من الباحثين البحثَ في بطونِ الكتبِ القديمةِ لإثباتِ أنَّ هذهِ الدِّيانةَ مِنَ الدّياناتِ القديمة للكرُدِ، لكنَّهم لم يوفَّقوا في مساعيهم، وما حصلوا عليه لا يتعدى سوى أسماء شبيه بكلمة يزيد. وما يُزيد مِنْ إحتمالِ حداثةِ هذهِ الدّيانةِ أنّ أحداً من المؤرِّخينَ أوْ الرَّحالة القُدماء لم يُشِرْ لا من بعيد ولا من قريب إليها ، ثُمَّ إنَّ الأسماءَ المقدَّسة المذكورة في هذه الدّيانة أسماء عربية أو عِبرية مثل طاووس ملك و شيخ شمس و ناصرالدين و اسرافيل و فخرالدين و أبوبكر و يزيد وغيرها، تُبيِّنُ بوضوحٍ أَنّها ديانة محدثة ، ثم أَنّي عِندما تحدّثتُ مع بعضِ المعمِّرينَ اليزيدييَّن وجدُّتهم متعصِّبونَ للغايةِ لبني أميَّة، ونَفَوْا بَلْ وغضبوا، عندما ألمحتُ لهم أنّها ربَّما دِيانة متفرعة من الزَرْدَشتية.
وتحاولُ طائفةٌ أخرى بدوافعَ عاطفيةٍ، ربْطَها بالزَرْدَشتيَّةِ ربْطاً هشَّاً وعشوائيّاً، لا يقبله المنطق اطلاقاً، وأَعتقدُ أنّه كان سهلاً جداً لأيِّ مُتَنَبيٍّ يُجيدُ النُطقَ بلغةِ القرآنِ وذو لحيةٍ طويلةٍ أن يَنشُرَ مذهباً أو طريقةً أو ديانةً في أرجاءِ الأرضِ الكرديَّةِ الواسعةِ المترامية الأطراف، والّتي لا يربطها نسيجٌ ثقافيٌ قادرٌ على السريانِ في شرايينِ أمَّةٍ كبيرةٍ كالأمةِ الكردية، خاصةً أنَّ العقلَ الكرديَّ كانَ مَرتعاً خصباً لإنباتِ هكذا أشياء.
كما يُضافُ الى ذلكَ أنَّ المتنوِّرينَ الكُردَ رحلوا عن أرضهم و مجتمعهم بدافع تحصيل العلم والمساهمة في العلومِ الدينيّةِ ونادراً ما رجِعوا الى مواطنهم، لإفتقارها الى مراكز دينيّة لمواصلة علومهم وبحوثهم، وهذا ما دفع بأصحابِ أسماءٍ كبيرةٍ في التاريخ الإسلامي، أمثال ابن الأثير وأبو حنيفة الدينوري و ابن خلكان و الشهرزوري و الآمدي و صلاح الدين الايوبي و أبو الوفا الايوبي و ابن الحاجب و اسحق الموصللي الذي وصل الى الاندلس و عبد القادرالكيلاني و عشرات الاسماء الاخرى من الإنحدار من جبالِ وهضابِ كردستانَ الى مراكزِ العلمِ في بغدادَ ودمشقَ والبصرةَ والكوفة وتبريز.
طبعاً، هذا لا يعني أنّ كُردِستان كانت خاليةٌ كلياً من المراكز العلمية، ففي حرّانَ مثلاً انتشرت العديد من المراكز العلمية، ليس فقط لعلوم الدين وإنما أيضاً للعلوم العقلية، كالفلسفةِ والرياضياتِ والترجمةِ، و كانت حرّان مركز استقطاب للعديد من الباحثين و الفلاسفة كالفارابي مثلاً، و كذلك شهرزور (السليمانية حالياً) التي كانت في فترة ما مركزا نشطا للحضارة الإسلامية، إلّا أنّ مساهمات الكرد الكبيرة لم تفضِ الى أبناءِ قومهم بفائدةٍ تُرتَجى لعدم إنشار اللغةِ العربيةِ بينِ الكُردِ و التي بها تَمَّتْ تلكَ المساهمات، و قلائلٌ جداً من الكرد، الذين كتبوا بلغتهم الكُرديّةِ كالهمداني والجزيري والخاني، لكن لم يكن لكتاباتهم التأثيرَ المطلوب، لعدمِ إنتشارها بين الكرد على نطاقٍ يسمحُ بإنتشار كتاباتهم، لأسبابٍ موضوعيةٍ كعدم تداولِ الكرديّة كلغةِ كتابةٍ، و اختلافِ اللهجاتِ أحياناً، والأهمُّ مِنْ كلِّ ذلك، عدمُ توفُّرِ مراكز علميةٍ تقوم برعاية و نشر الكُتبِ المكتوبةِ باللغةِ الكرديّةِ، وكانت اللغةُ السريانيّة هي لغةُ العلومِ في ذلك الوقت، ثمّ تبعتها الفارسيّة والعربيّة، و مادفعني إلى التطرّقِ الى مساهماتِ الكردِ الفعّالةِ في الحضارةِ الإسلاميّةِ، كي لا يُفهم من بحثي عن العقل الكردي الممتَنِعِ مِنَ التَّصَرُّفِ، أنّ الكُرد عِرقٌ متخلفٌ و عاجزٌ عنِ التَّطورِ، فما أرمي إليه هو التحدُّث عن الفترةِ الزمنية التي حُجِبَتْ فيها الشّمسُ عنهم و مُنعوا من إستكمال تطورهم، الذي كانَ يسبِقُ مُستوى التَّطورِ عند الغازين العرب بألفِ سنةٍ على الأقل، حيثُ كانت الدِّيانةَ الزَرْدَشتيَّة مُنتشرةٌ بينَ الكُردِ على نطاقٍ واسعٍ، و كان الكُردُ بموجبها قد تعرَّفوا على إلهٍ سماويٍّ و على إعتقادٍ بيومِ الحسابِ وبالجّنةِ والجَحيمِ، و كانت العلاقاتُ الإنسانيَّةُ القائمة على ثلاثيَّة الفِكرِ الصّالحِ و القّوْلِ الصّالحِ و العَمَلِ الصّالحِ، متطورةً نسبياً، فَلَم يَكُنْ هناكَ أثَرٌ للرقِّ أو إستعباد المرأةِ ومن يقرأ كتاب "الأبستاه" وهو من أحدِ الكُتبِ الزردشتيّة القليلة التي سلمت من الضّياعِ أو الحرقِ، لا يجد أية مكاسب للرجل على حساب المرأة و يُحس المرء أنّ زَرْدَشت كانَ متسامحاً في العلاقات البشرية، ولم يَكن قاسياً في أحكامه على خطايا البشرِ، على عكس من سبقوه ومن لاحقوه، فمبدأ السَّنُ بالسِّنِ و العَيْنُ بالعينِ مثلاً لم يكن محبباً إليه و استعاضَ عنه بمبدأ التعويضِ الماديّ، و كان يكرهُ القتالَ ولم يحثُّ عليه، وأعتقد أنّ بُغْضَ المجتمع الكُرديّ للإرهابِ و ميْلهِ للتسامح مع خصومه، ما هو إلا إمتدادٌ للمبادئِ الزردشتيّة الموروثة في العَقلِ الكُرديِّ، و التاريخ الكُرديُّ يكادُ يخلو من المذابحِ والأعمالِ الشنيعةِ التي يَذخرُ بها تاريخُ الشّعوبِ المجاورةِ للكُردِ، ولم يكتب التاريخ أنّ الكرد غزوا أراضي الشعوب الاخرى، و كان قتالهم دائماً على أرضهم ضد الغزاة الطّامعينَ دفاعاً عن حقِّهم وحريّتهم، و قد ظهر ذلك أكثر ماظهر عند مؤسّس الدولة الأيوبيّة الكُردية صلاح الدين الأيوبي، الذي تربع على عرش الشرق دونَ أن يسيل دماء بريئة،بإستثناء الحرب مع الفاطميين في مصر، وهذا نادر مايحصل في التاريخ، حتّى في حروبه مع الصلبيين كان في منتهى التسامح والإنسانية، ولم يشهد التاريخ حسبَ معرفتي قائداً دينياً محارباً قوياً مُتسامحاً كصلاح الدين استحوذَ على إعجابِ الأعداء والأصدقاء بهذا القدر، وما إختيار دانتي لصلاح الدين و تصنيفه في خانة الحكماء والفلاسفة مع ابن سينا و ابن رشد و سقراط و أرسطو و أفلاطون و النبي ابراهيم، في الدرجة الأولى من الجحيم لهو أبلغ دليل على مكانة صلاح الدين عند الاوروبيين، بينما ذهب بالنبي محمَّد و ابن عمه عليّ إلى المستوى الاخير من جحيمه، قريباً مِنَ الشَّيطانِ الذي يرقد في قَعْرِ الجَّحيم. ولا يخفى على أحدٍ مدى التّسامح الذي يتَّصف به الكُرد في وقتنا هذا، فعلى الرُّغمِ من الظُّلمِ الفادحِ والشَّنيع الذي تعرَّض له الكرد في كردستان على أيدي العرب والترك والفرس، فإنّه لم يُبدِ تجاههم إلّا التّسامح و المحبة و الاخوة، ولا يجهل الشعب العراقي تعامل الزعيم الكُردي الملّا مصطفى البَرَزاني مع الأسرى العراقيين كأخوةٍ له، و اطلاق سراحهم، بينما كان الطَّرف الآخر يُذيق الأكراد الأسرى أقسى أنواع العذاب، التي لاتخطر إلا على بالِ الشَّياطين والأشرار، و برز هذا التسامح مرة أخرى قبل و بعد سقوط الطاغية صدام حسين، عندما بادر مسعود البرزاني الى إطلاق نداءاته لفتحِ صفحةٍ جديدةٍ من الأُخوةِ و المحبَّة و التسامح، بالرُّغم من أنّ النّظام العراقي أعدَمَ المئاتَ منَ المدنيين منْ عائلته و ثمانية الاف شخص من عشيرته، اختطفهم أزلام صدام من بيوتهم و قراهم ولم يُعرف بمصيرهم إلى الآن،(المقال كتب 2004 قبل إكتشاف المقابر الجماعية التي قام بها نظام صدام حسين) و بينما كان الآخرون يصرخون بالموتِ للأكراد في بغداد والنجف الأشرف، كان مسعود البرزاني وجلال الطالباني يدعوان إلى مؤتمر المصالحة مع أعداء الأمس من البعثيين و غيرهم، و بالرغم من المآسي التي تعرض لها الكرد في عموم كردستان لم يظهر كُرديٌّ واحدٌ يرتكب عملية إرهابية، بينما كان الآخرون يلاحقونهم حتى في أوروبا، حين لاحق أصحاب العمائم الخُمينيين القادةَ الأكراد و سفكوا دماءهم في كلٍّ من النمسا و ألمانيا، و حين ألقي القبض على عبدالله اوج آلان نتيجة لمؤامرةٍ دوليةٍ ، أظهر الأتراك أخلاقهم الدنيئة في تعاملهم مع هذا القائد الكردي على المستويين الرسمي والشعبي، حتى أنّ بعضهم تباهى بوحشيةٍ حيوانيةٍ على شاشات التلفزيون فاتحين أفواههم كالذئاب صارخين بأعلى أصواتهم، بأنَّهم سيأكلون اوج آلان بدون ملح، لو تمكنوا من الوصول اليه، وحتّى في قاعةِ المحكمة، لم يسلم من الرشقات البذيئة التي قيلت بحقه من قبل نسوة تركيات، و كثيرةٌ هي الوقائع التي تعبر عن التسامح الذي يتمتع به الكرد ، وربما يعتقد البعض أن هذا الفِكرَ التَّسَامُحيَّ لدى الكُرد هو نتيجة ثقافتهم الإسلامية، إلّا أنّ الواقع يشهد عكس ذلك، فلو كان ذلك بِفعلِ الثّقافةِ الإسلاميةِ، لكان الأولى بالتّسامح هم العرب والترك والفرس، لأنهم أكثر تفاعلاً وتشرباً للمبادئ الاسلاميّة، فثمة الآلاف من الكُتب الإسلامية تغذي عقولهم على مختلف لُغاتهم، و ثمة الآلاف من أئمَّتِهم يُلقنونهم دروس الجِّهاد والحَرْبِ والإرهاب، بينما نجد أئمَّةَ الكردِ لا يتحدثون إلّا عن بضعِ آياتٍ من القرآن، التي تحضُّ على الخيرِ و الأخوةِ و التَّقوى، حتّى لِيُخَيَّلَ للكردِ أنّ هذا الدين هو فقط بضعُ هذه الآيات لا غير، وللأسف فإن الكثير من المثقفين الكرد يرددون نفس الآيات لنظرائهم من العرب والترك والفرس ، وكأنهم يعتقدون بأنهم سيهدونهم الى طريق الصلاح والتقوى، وهم الأعلم منهم بها، بينما شيئٌ نادرٌ أن تجدَ كِتاباً إسلامياً باللغةِ الكُرديةِ، و معظم الكُرد لا يعرفون الإسلام سوى أنَّه دينُ أخوةٍ وتسامحٍ وتعايشٍ بين البشر، وهذا يُبيِّنُ بجلاء، إنّ الإسلام بما يحمل من ثقافةٍ غزويةٍ عدوانيةٍ قد ترسَّخت في عقولهم، وما تعديهم و إلحاقهم الظلم بالكرد، إلّا نتيجةً لهذه الثقافة الجهادية الإسلامية في قسمها الأعظم.
ومع أن الثقافة الإسلامية قطعت روابط الكُرد الثقافية القديمة و بخلت عليهم بنفسها، حتى أمسَوا معزولين متخلفين عنِّ الزَّمنِ و محكومين بثقافةٍ أجنبيةٍ مُمتَنِعَةٍ عنِّ العَقلِ لعدمِ توفرِّ الوسائل لذلك، ولأنّ العربَ المسلمون ركَّزوا على تحصيلِ المالِ و الغنائمِ من الكرد ولم يُعيروا أهمية لنشر العلوم والمعارف، ليس فقط بين الكرد، بل بين جميع المسلمين بمن فيهم العرب أنفسهم، اذ كان هدفهم الاول هو بَسط سلطانهم و تقوية نفوذهم و جمع ذهبهم بالدرجة الاولى، و لذلك فالكُرد يستحقون عن جدارة أن يُطلق عليهم صفة "المخدوعين" والأمثلة و الوقائع لا تحصى قديماً و حديثاً، و كان المعادين للكرد ينجحون بسهولة من خِداعِ الكرد والسيطرة عليهم عن طريق الدين، ولا أرى حاجة إلى إيراد الأمثلة الكثيرة و المعروفة للجميع، لكنّي أذكر فقط مارواه لي والدي كيفَ أنّ شخصاً تركياً مجهولاً جاءَ إلى منطقة جبال الكرد (في أقصى الشمال الغربي في إقليم كردستان سوريا) وقادهم لمحاربة الفرنسيين بسهولةٍ بالغةٍ، فقط بسبب لحيته الطويلة ولسانه المخادع، ولم يترك فتاةً أو إمراةً جميلةً صادفها، إلا و وقع عليها، إذ كانَ يكفيه أن يقول لوالد الفتاةِ المغفل الأبله أو لزوجها الأحمق المعتوه، أنّه رأها معه في الجَّنة في حلمه، ليخطفها من والدها أو يسحبها من تحت زوجها ويقضي منها وطره، وبالأمس القريب في الاول من شباط من هذا العام- 2004- اريقت دماء كوكبة من السياسيين الكورد في أربيل،إثر عمليتين إنتحارتين إسلاميتين، نفذاها اثنين من العرب المنتسبين لمنظمات إسلامية جهادية، بسبب حرمة الدين ، حين امتنع الأشايس عن تفتيش الوافدين إلى كردستان إحتراماً لقدسية عيد الأضحى، مع أنّ المعلومات كانت معروفة لديهم بأنّ ثمة عملياتٍ إرهابيةٍ إسلاميةٍ وشيكةَ الوقوع في كردستان.
ويشارك الكورد صفة "المخدوعين دينيّاً"، بعض الشعوب الأفغانية والباكستانية كالبشتونِ والبلوشِ الذين مازالوا يضحون بأنفسهم من أجل ثلةٍ عربيةٍ مهووسةٍ بالقتلِ، لإعتقادها المستوحى من كتاب الله بأنّ من يقتل النّاسَ المشتبه بإيمانهم أو الذين لايشاركونهم إعتقادهم ويُقتل، تنفتح له أبواب الجّنةِ، ويعيش خالداً مخلداً في أعلى طابقٍ من طوابقِ الجَّنةِ، مع النَّبييّن والرُّسل، مُتنعِّماً بأنهارٍ من العَسَلِ والخمورِ و مُتَلذِّذاً بأجمَلِ ما خلقَ الله من حورياتٍ وغلمانٍ و ولدانٍ، و تذكر كاتبة أفغانية تقيم في لندن، في كتاب لها ظهر مؤخرا، أنّ الشَّيخَ الكبير والعلامة الجليل أُسامة بن لادن، أشهر رجل في العالم في الألفية الثالثة، أطال الله في عمره،(كُتب المقال قبل قتله ورميه في البحر)، قد أقنع خليفة الله في الأرض الملّا عمر، بأنّ الرئيس الأمريكي جورج بوش متزوج من كلبته، وأنّ الزواج من الكلاب في الغرب أمرٌ طبيعيٌ عند الكفار، وكيف لا يصدق المخدوع الملا عمر ما يقوله أعرابيٌ جاهلٌ من موطن الرسول طالما يتحث بلغة الله المقدسة وعنده لحية طويلة، مع أن"الأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً".

من الظواهر العادية في بلاد الكرد أن تجدَ في كلِّ بيتٍ نسخةً من القرآن موضوعة أومعلقة في مكانٍ بارزٍ من صدر الغرفة، بإعتقادهم الراسخ أن وجود هذا الكتاب في البيت يمنع الشرور والمصائب من أن تفتك بأهل هذا البيت، و كانت العجائز الكرديات في غاية الإطمئنان من تعدي الأشرار عليهن، وحينَ جاءَ الجنود الأتراك المدججين بالسلاح يفتكون بالكرد ويحرقونَ قُراهم، كانت هذه العجائز تُبرِزْنَ كِتابَ القرآن في وجهِ هؤلاءِ الجنود، لإعتقادِهنَّ الرّاسخ بأنّ هؤلاء الجنود عندما يرون هذا الكتاب، سيركعونَ و يسجدونَ و يقيمونَ الصلاةَ و ينصرفوا، لكنَّهُنَّ أُصِبْنَ بالصدمة عندما رَأتْنَ أَنَّ الجنودَ الأتراك المسلمون يُمزِقُونَ هذا الكتاب و يبعثرونَ أوراقَه على الأرض تحتَ حَوافِرِ خيولِهم، دونَ أنْ يَحصلَ لهم مَكروه، وكنَّ يَعُضْنَ على شفافهنَّ بشدّةٍ، من الإندهاش و الفزع عندما كان هؤلاء الجنود يبقرون بطونَ الحواملِ من كناتهنَّ و بناتهنَّ، و كانت الحيرةُ تَأكلهنَّ، كيفَ أنَّ القرآن لم يَمنع وقوعَ هذا الشَرَّ العظيم، و كانت بَعضُهُنَّ يَلقينَ حَتفَهُنَّ تحتَ حوافرِ الخيولِ وهُنَّ يَجمعنَ أَوراقَ القرآن، لإعتقادِهُنَّ أنَّ غَضَبَ الله سَيَحُلُّ عليهنَّ إنْ لم يَقُمْنَ بجمعِ أورواقِ كتابِهِ العزيز.
وهذا كان حالُ كلِّ العجائز الكُردياتِ مع أفرادِ حرسِ الثورة الخمينيّة الإسلاميّة و عساكر صدام وهم يحملون رايات الخداع "الله أكبر". وكانت بعض العجائز اللواتي كنَّ في حافلات الجيش العراقي حين كانت تسوقهم الى معسكرات الموت ثم الى المقابر الجماعية، تَعتقدنَ أن صدام أمر عسكره بستويقهنَّ إلى بيت الله الحرام، على خلفية ما كان ينويه صدام حسين حبيب الملايين من العرب وخاصة المثقفين منهم أمثال عبد الباري عطوان ومصطفى بكري وفيصل القاسم، من ترحيل الأكراد إلى صحراء السعودية، ومن يدري فلربما يكون هكذا حالهنَّ أيضاً مع جيش المهديّ المعجَّل والمؤجَّل، لأنهنَّ مازلنَّ راسخات العقيدةِ والإيمان بهذا الكتاب الإلهي المنزَّل مِنَ السَّمواتِ العُلى.




#زاغروس_آمدي (هاشتاغ)       Zagros__Amedie#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤى سياسية مختصرة (تجاهل الحقائق يعمق تعقيد العلائق)
- مقالات في كلمات
- بشار عل عرش يزيد، لكن ما من جديد
- تأريض الإسلام (14)
- الكلاب فقط تتجول بحرية
- تأريض الإسلام (13)
- فتاة كردية تغزو عرش الطرب العربي الأصيل
- تأريض الإسلام (12)
- لا بدّ من ثمن إضافي لنجاح الثورة السورية
- تأريض الإسلام (11)
- إلى من يتغنى بالفسيفساء الجميلة في سوريا
- الضربة الإسرائيلية الأخيرة ومفارقات مضحكة
- هل جاء الدور على غوّار بعد البوطي على مذبح الفداء ؟
- سوريا الجديدة بحاجة إلى أسلحة كيميائية ؟
- فلتحترق سورية، ولا للتدخل الأجنبي؟
- قبل أن يفوت الأوان
- تحذير! قتل الأكراد السوريين قد يقوض الثورة
- جمهورية البجع السورية
- أكراد سوريا... من دكتاتورية الأسد إلى دكتاتورية ال PYD ؟
- قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (4)


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - العقل الممنوع من التصرف