عُشَّاقُ لغَةِ الضَّاد، المقالُ العاشِرُ ..بقلم الكاتب ماهر عبد الواحد

محمود سلامة محمود الهايشة
(Mahmoud Salama Mahmoud El-haysha)

الحوار المتمدن-العدد: 4347 - 2014 / 1 / 27 - 22:46
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

ذكرَ الجاحِظُ في كتابِ البيان والتبيين : أنه عندما سُئِلُ الفارسى عن البلاغةِ قال : هى معرفة الفصْلِ من الوصل .
وعندما سُئِلَ اليونانى عنها قال : هى تصحيح الأقسام ، واختيار الكلام .
وعندما سُئِلَ الرومي عنها ، قال : هي حُسْنُ الاقتضاب عند البَدَاهة ، والغزارة يوم الإطالة .
وعندما سُئِلَ الهندي عنها ، قال : وضُوحُ الدلالةِ ، وانتهازُ الفرصَةِ ، وحُسْنُ الإشارة .
وقال أن جُمَاعَ البلاغةِ هو التماسُ حُسْن المَوْقِع ، والمعرفة بساعات القول ، وقلة الخُرْق بما التبس من المعاني ، أو غَمُضَ وشرُدَ مِنَ اللفظ ، وزَيْنُ ذلك كله وبهاؤه وحلاوته وسناؤه أن تكونَ الشمائلُ موزونة ، والألفاظ معدَّلة ، واللهجة نقية ، وأن لا يكلم سيد الأمة بكلام العامة ، ويكون في قوله فضْلُ التصرف في كلِّ طبقة ، وأن يدقق المعاني كلّ التدقيق ، وأن ينقح الألفاظ كل التنقيح وأن يصفيها كل التصفية .
وقد عَرَّفَ أهْلُ البلاغة " البراعَة " بأنها : هى الحَذقُ بطريقةِ الكلام وتجويده ، وقد قالوا عن الفصَاحَةِ بأنها : " جَزالة اللفظ مع حُسْن المَعْنى " ، وقدْ قيلَ مَعْناها : الاقتدارُ على الإبانةِ عن المعاني الكامِنةِ في النفوس ، بعباراتٍ جليَّة ، ومعان نقيَّة بهيَّة .
والآن بعد أن تكلمنا عن البلاغة والبديع ، دعنا صديقى العزيز ، نرى بعضًا مما رآه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين قال : " إنَّ مِنَ البَيَانِ لسِحْرا " ، دعني أكشف لك عن بعضِ السِحْر ، لتعرف أن لغتنا الجميلة ، كما قال شاعِرُ النيل (حافظ ابراهيم) على لسانها : أنا البَحْرُ في أحْشائِهِ الدرُّ كامِنُ فهل ساءلوا الغواصَ عن صَدَفاتِى
------------------------------
انطر بارك الله فيك إلى مطلع معلقة امرىء القيس وهو يقول :

قفا نبْكِ من ذِكرى حَبيبٍ ومنزلِ بسِقطِ اللِّوى بَيْنَ الدَّخولِ فحَوْمَلِ

* إنك تجد أنَّ امرأ القيس وقفَ واستوقفَ ، وبكى واستبكى ، وذكر العهد والحنين ، والمنزل وموقعه، والحبيبَ وذكرياته ، وألم العشق ولوعته ، وتوجع واستوجع ، في بيتٍ واحِد .
تنويه : الفارس مرتبط بسيفه وفرسه ، وتوجد علاقة قوية بين ثلاثتهم ، وكم صرح عنترة بعلاقته بفرسه ، وهو يقول :

فازْوَرَّ مِنْ وَقْـعِ القنــا بِلبــانِهِ وشكا إلىَّ بِعَبْرَةٍ وَنحَمْحُمِ
لوْ كانَ يَدْري ما المُحاوَرَةُ اشتكى ولكانَ لوْ عَلِمَ الكلامَ مُكَلَّمي
كما قال ابن خفاجه في قصيدة الجبل ، يقول عن جاره :

ولا جار إلا من حسامٍ مُهنَّدْ ولا دارَ إلا من قتودِ الركائِبِ

لذلك كان من الطبيعى ان يخاطب امرؤ القيس فرسه وسيفه وهما صديقاه اللصيقان ، ويقول لهما : قفا نبك .
وقد قيل خاطب صاحبيه ، وقيل خاطب واحدا وأخرج الكلامَ مخرج الخطاب مع الاثنين ، لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد ، ومن ذلك قول الشاعر :
فإن تزجراني يا ابن عفَّان أنزجر وإن ترعياني أحمِ عرضا ممنعا
* معاني الكلمات :
السقط : منقطع الرمل ، حيث يستدق من طرفه ، وهو أيضا ما يتطاير من النار ، وهو كذلك المولود لغير تمام وهو ( سَقط ، سِقط ،و سُقط).
اللوى : رمل يعوج ويلتوى .
الدخول وحومل : موضعان
*المعنى : قفا نذكر ونبكى أياما خالية مع الحبيبة ومنزلها ، بمنقطع رمل سقط اللوى بين الدخول وحومل .
*التصريع : العَروض هنا : ومنزلِى على وزن مفاعلن //0//0
الضرب هنا : فحوملى على وزن مفاعلن //0//0
التصريع هو أن يجانس الشاعر بين شطرى البيت الواحد في مطلع القصيدة أى يجعل العَروض كالضرب وزناً وقافية ، والقافية كما عرفها الخليل ابن احمد الفراهيدى " تبدأ مع أول متحرك قبل آخر ساكنين وهى هنا حوملى.
*المعلقة من بحر الطويل ، وقد قال فيه صفى الدين الحلى :
طويلٌ له دون البحور فضائلٌ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
- عروض الطويل : لا تستعمل تامة حيث يحذف الحرف الخامس فتصير مفاعيلن مفاعلن //0//0 .
- ضرب الطويل : قد تكون مقبوضة في قصيدة، أو غير مقبوضة في أخرى
- حشو البيت : يحدث فيه تغيير اختيارى حيث تصير فعولن فعول .
تقطيع الشطر الأول :
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ
قفا نبْ كمن ذكرى حبيبن ومنزلى
//0 /0 //0 /0/0 //0/0 //0//0
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
تقطيع الشطر الثانى :
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
بسقطلْ لوابينل دخولى فحوملى
//0/0 //0/0/0 //0/0 //0//0
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
وإلى المقال القادمِ إن شاء الله .
بقلم/ مـاهر عبد الواحـــــد (نشر بتصرف).

#محمود_سلامة_محمود_الهايشة (هاشتاغ)       Mahmoud_Salama_Mahmoud_El-haysha#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات