|
اغتصاب سلفي
زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)
الحوار المتمدن-العدد: 4347 - 2014 / 1 / 27 - 08:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لعل الكثيرين ممن يعرفونني شخصياً سيستغربون عندما يعلمون أنني أمضيت حياتي المدرسية متنقلة بين المدارس السلفية و منهجها الأوحد..نعم فقد كان المنهج السلفي هو المنهج الذي تربيت عليه و لُقن إليَّ..فلم أكن أعرف ما معنى كلمة "اختلاف" عقائدي أو حتى مذهبي لأن كلمة اختلاف بكل ببساطة لم تكن في مُدرجة في قاموسي..فالمختلف غريب شرير يجب تجنبه مهما كان الثمن لأنه لا يريد منك إلا إغوائك عن طريق الحق الذي أنت فيه سائر.
لم تكن الكارثة أني كنت كذلك و لكن الكارثة أني لم أكن أعلم أني "كذلك"..و لعل نقطة التحول في حياتي حدثت عندما كنت في الرابعة عشر من عمري..فقد التقيت حينها بياسمين التي لن أنساها مهما تقدم بي العمر..فهي نقطة تحولي و إعادة توجيه بوصلتي و لحظة استعادتي لعفتي التي كدت أفقدها.
ياسمين كانت معلمتي..و كانت مختلفة..و لأنها مختلفة عن السائد كان الجميع يراها غريبة..جميلة؟؟..أبداً و لكنها في عينيَّ كانت و ما زالت أجمل نساء الأرض..فالِطُهر الروح سطوته على العقول أكثر من الأجساد..لنقل أنها كانت "فقط" صادقة جداً مع نفسها قبل أن تكون كذلك مع من هم حولها..لعل لهذا السبب لم تستطع أن تستمر طويلاً في نصب خيامها في عالمي "السلفي".
ياسمين كانت حينها قادمة تواً من الولايات المتحدة و تصادف أن تم تعيينها لتعليمنا لمدة ثلاثة شهور كمعلمة مؤقتة..و خلال هذه الشهور تغيرت حياتي كلياً و للأبد..فياسمين المختلفة عني علمتني كيف أنه يجب عليَّ أن أحترم الاختلاف لأني قد أقع في حبه يوماً ما فأصبح من رعاياه و حينها سأتمنى أن أجد من يقبلني و يقبل "عُهر" اختلافي.
ياسمين كانت الوحيدة التي تحدثت معي بصدق بينما كان الجميع يحاول أن يجعلني أكذوبة تتكرر كما في كل من هم حولي..كان عقلي و روحي يتعرضان يومياً لاغتصاب سلفي و لم تستطع ياسمين إلا أن تحاول أن تنقذني منه فلم يكن هناك على ما يبدو من يرغب في أن يتم إنقاذه سواي و لم يكن هناك من يرغب في إستعادة "عُذريته" سواي..فالجميع كان يخاف أن يصبح مثلها منبوذاً و التهمة "إنسان"!!.
عندما أخبرتها يوماً أني سمعت من الطالبات أنهن شاهدنها تدخن في أحد المقاهي -و كان هذا الأمر يُقارب شهادة فقدان العفة في عرف مجتمعي السلفي- قالت لي عبارة لن أنساها أبداً ما حييت:"هل تفضلين أن تحبي إنسانة أم أن تُحبي أكذوبة مُتقنة الصنع؟؟"..حينها لم أفهم عبارتها جيداً و لكني بعد عدة سنوات أدركت معنى كلامها..فياسمين لم تكن تريد مني أن أكبر في عالم يُقدَّس الخداع و يتبرك به و يُحج إليه كل يوم بل كانت تريد أن تخبرني أنه يجب أن نحب الآخرين كما هم و ليس كما نريد لهم أن يكونوا..أن نحبهم بعيوبهم و ليس بمقدار إجادتهم لارتداء قناع المثالية و العفة و التدين..أن نتطرف فيهم لأنهم "هم" و ليس لأنهم "نحن".
ياسمين كانت لا تكترث لأمر المذاهب و تعتبر أن الحديث عنها أو حتى الانتماء إليها نوع من العبث و الرغبة في إشباع هوسنا بتصنيف أنفسنا قبل الآخرين و لأني في مدرسة سلفية المذهب فلقد كان هذا الأمر يُعادل جريمة سب الرب جهراً..فأنت إن لم تكن من ضمن حدود مذهبي فهذا يعني "بالتأكيد" أنك من الأعداء..ياسمين لم تخبرني مُطلقاً ما هو مذهبها و لم أكن لأتجرأ على سؤالها بعد ما قالته لي..و هكذا كلما تذكرتها تساءلت بيني و بين نفسي:"هل حقاً كان يهم؟؟".
رحلت ياسمين بعد تلك الثلاثة شهور و لكنها أيضاً لم ترحل..فقد جعلتني أتدارك إنسانيتي التي كنت أفقدها يومياً دون أن أعلم..جعلتني أبدأ في أن "أحاول" أن أكون إنسانة..لا يهم أن نجحت في ذلك أو فشلت المهم أن أظل أحاول..جعلتني أفهم أن كون الآخرين يختلفون عني في المذهب أو في اللون أو حتى في العقيدة فهذا لا يعطيني الحق أبداً لكي أحاسبهم نيابة عن خالقهم..جعلتني أبدأ في إعادة عقلي من إجازة التقاعد التي وهبتها له و التي وضعه فيها من هم حولي..جعلتني أبدأ أحلل و أفكر في كل كلمة تُلقنَّ لي..جعلتني أمارس ثاني أبشع مهنة عرفها التاريخ لدى البعض و هي "التفكير".
ياسمين فقط لو تعلمين كم أتوق لأن أقابلك قبل رحيل الروح فقط لأُقبل يديك و أخبرك أني تحررت على يديك و نلت عفتي بين دفتي عقلك و استحققت إنسانيتي عندما سرت على خطاك..آه فقط لو تعلمين كم أتوق لأن أخبرك أنك بالنسبة إلي كنت و ما زلت أكثر أنبياء الرب طُهراً إلى عباده الضالين..فلك يا من أصبحت من بعدك أوصف بالغريبة -"فقط" لأني أصبحت إنسانة- "لا" أقول شكراً..لأنك تستحقين أمراً تعجز حتى تلك الكلمة عن منحه.
#زين_اليوسف (هاشتاغ)
Zeina_Al-omar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أولويات مريم العذراء
-
بضعة رجال عُقماء
-
الإلحاد في اليمن..اختيار يُحترم أم رِدة لا تُغتفر؟؟ - 3
-
الإلحاد في اليمن..اختيار يُحترم أم رِدة لا تُغتفر؟؟ - 2
-
الإلحاد في اليمن..اختيار يُحترم أم رِدة لا تُغتفر؟؟ - 1
-
أن تكون جنوبياً فهذا يعني
-
الرسول عاشقاً
-
مُنادي الرب -قصة-
-
في بلد العُميان
-
3..2..1..أكشن
-
أحبكِ و كفى -قصة-
-
ردة الله
-
القُبلة الأولى
-
القافلة تسير و نحن ننبح
-
بين ساقيَّ أنثى
-
خطيئةٌ بلا حواء
-
تباً لدين محمد*
-
اغتصاب بالتراضي!!
-
عند ركن الجنة -قصة-
-
شعب الله الغير مُختار
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
-
الضربات الجوية الأمريكية في بونتلاند الصومالية قضت على -قادة
...
-
سوريا.. وفد من وزارة الدفاع يبحث مع الزعيم الروحي لطائفة الم
...
-
كيفية استقبال قناة طيور الجنة على النايل سات وعرب سات 2025
-
طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2025 TOYOUR BAB
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال اقتحم المسجد الأقصى المبارك 21
...
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
زعيم المعارضة المسيحية يقدم -ضمانة- لتغيير سياسة اللجوء إذ أ
...
-
21 اقتحامًا للأقصى ومنع رفع الأذان 47 وقتاً في الإبراهيمي ا
...
-
24 ساعة أغاني.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|