أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وديع العبيدي - النخبة.. غياب أم تغييب..!















المزيد.....


النخبة.. غياب أم تغييب..!


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 17:51
المحور: المجتمع المدني
    



لابد من الأخذ بالتقسيم الاجتماعي بين النخبة، والعامة. وأن الطفرات الوراثية والابداعية سوف تتحقق لدى أفراد، فرد في جيل، قبل أن تستفحل وتتحول الى حالة عامة (الحالة المصرية بعد 25 يناير- مثلا). وعندما أقرأ عن تاريخ المملكة البريطانية في مجالات الأدب والفكر والسياسة والاقتصاد والاخلاق والدين، أرى دور النخبة والتجمعات البسيطة في أيامها وما أسفرت عنه منجزاتها وأنشطتها في ذلك الوقت، أو ما ترتب على دراسة أعمالها ونشاطاتها من قبل أجيال لاحقة. اندهش أمام بساطة حياة اولئك الأفراد وما واجههم من ظروف وتعقيدات وتفاهات احيانا، ولكنها بالنتيجة، أضافت قطرات زاخرة في بحر الفكر والثقافة البريطانية اليوم. شخصية ملغزة مثل شيكسبير لم تمنع بلده من الاحتفاء بآثاره وفكره، بل تحول الى ألفباء الحياة الاوربية ولا يمر يوم او اسبوع في المانيا لا تكتب عنه الصحف ويورده التلفاز. ولشخصيته مكان في مواد التعليم الابتدائي في كثير من بلدان أوربا.
تعتد بريطانيا ببيرناردشو الفيلسوف والأديب الموسوعي، بينما تحتفل به ايرلندا لكونه أول ايرلندي يحصل على جائزة نوبل. وما من خلاف بين ايرلنده وانجلترا في هذا الصدد. كما تعتد الكنيسة بوليم بليك الذي أحرجها بنقده المبكر للفكر الديني.
الميول الاشتراكية والشيوعية لبيرناردشو وأورويل وباوند لم تمنع الدولة الراسمالية من الاعتداد بأعمالهم وأفكارهم التي تشكل لبنة اساس من تاريخ الفكر والثقافة والسياسة البريطانية. كل هؤلاء نخب خدموا المجتمع، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. ولكن بلدانهم تعتبر بهم بدون تهميش أو الغاء أو اعتماد نزعات انتقائية أو أستبداد عرقي أو ديني أو سياسي.
فلا غرو ان يكون للنخب الاكادمية والثقافية والاجتماعية دور محدود وبدائي في العهد الأول لبناء الدولة العراقية، لكن مجئ الجمهورية قلب المعايير الاجتماعية والقيمية في البلاد، وجرت عملية تدمير وتهميش للنخب، وربطها بمؤخرة العربة. ثم تبارت الحكومات المتتالية في تدمير وتهميش النخب، حماية لشرعنة وجودها السياسي. في كتابه، وصف حنا بطاطو تنامي حجم العسكر ودورهم كطبقة نخبوية جديدة، دخلت ساحة الصراع السياسي عبر ازاحة النخب التقليدية السابقة. وشهدت قيادة حزب البعث صراعا بين الجناح العسكري والجناح المدني، وبشكل تدريجي ومستمر [تشرين 1963- 1968]، انتهى لتسيد طبقة الفلاحين مقاليد السلطة على حساب المثقفين والاكادميين.
كأنما كتب على العراقيين، مع تغير كل حكومة أن يمسحوا آثار القديمة ويتبرءوا منها، ويعلنوا ولاءهم للحكومة الجديدة، أو ينولهم العقاب. الحكومة ليست -مجرد- هيئة ادارية لتسيير أمور البلاد وتحسين مستواها، وانما هي نقدم نفسها بمثابة نخبة اجتماعية سياسية على قطاعات المجتمع الالتفاف حولها والتصفيق الحاد والمستمر لها، وفق آلية الثواب والعقاب. الحكومة - غير الشرعية/ الاخلاقية- تستخدم اجهزة الدولة ومؤسساتها لخدمة أغراضها الخاصة واستمالة المجتمع للخضوع لها. فالمدرسة والجريدة والوظيفة الحكومية هي ممتلكات خاصة للخطاب الحكومي، لا يمكن المرور بها دون توقيع البراءة والولاء. والأنكى منه، تتحول المعاملات الادارية المتعلقة بحقوق الافراد وحياتهم إلى رهينة ومناسبة لاذلال المواطن لتوقيع البراءة والولاء، سواء عن طريق الرشوة أو التزكية الحزبية أو التهميش والحرمان.
في التسعينيات رافقت أحد الأخوة اللبنانيين لمراجعة سفارة بلده في فيننا لتبديل جوازه للمرة الثالثة. إذ عقب تغير كل حكومة تتغير الاجراءات وتجدد الجوازات (!!). و لأسباب معينة كان متوجسا من المراجعة، وربما بحاجة لمن يخبر عائلته إذا اختفى في السفارة. عندما تقدم بالطلب دعاه القنصل للمقابلة. حضرت معه المقابلة. نهض لاستقبالنا كأصدقاء. ثم دعانا للجلوس، وتحدث بكل ودية كأصدقاء قدماء، اعتذر عن كل الازعاجات والممارسات البيرقراطية، راجيا نسيان كلّ شيء واعتبار الأمر على ما يرام بعد الان. انتهت المعاملة بشكل حضاري ولائق. ولكن هل كل القناصل كذلك، ولا كل موظفي الحكومة أيضا. كم من الموظفين والقناصل والمسؤولين يشعرون بمعاناة المواطن الغريب والأسير والمنزوع الحقوق في بلده، لمجرد اختلاف العقائد أو الايديولوجيات وكل حاكم يتصور نفسه أكثر وطنية ونشرفا من عداه.
مع تغير الحكومات، -وهو تغير انقلابي-، تتغير هيكلية المجتمع وأولويات الدولة، وتضطرب الأدوار ويظهر لاعبون جدد، يعرفون طبيعة نهايتهم فيخدمون اغراضهم الخاصة قبل حلول موجة جديدة. ان المشكلة المترتبة هنا هي انعدام النخب الجديرة. فالنظام السياسي المهترئ المدعوم بعوامل خارجية وموازين صراعات دولية واقليمية ومحلية لا يصنع نخبة ولا ثقافة وتنمية ولا هوية وطنية.
تدمير النخب والمزايدة عليها، هو تدمير للعقل وتذييله، لصالح صراعات غريزية جسدية مؤقتة. وفي مقدمة مظاهر الغريزة الخوف والغيرة والحسد والحقد ونزعة الانتقام والاذلال وجداول الولاء والمحسوبيات المترتبة على ما سبق. في المثال البريطاني يمثل الملك رمز الوطن والضمير الأعلى المراقب والمحايد. وهذا ما يتجسد عبر آليتين: الانتخابات وترشيح رئاسة الوزارة من قبل الملك/ الملكة. فالملكة هي التي فضلت دزرائيلي على غلادستون الذي عدّه السياسيون نوعا من المجازفة حينها. ولكن دزرائيلي اثبت جدارته في خدمة مصالح بلده. والمجتمع البريطاني ما زال لليوم مجتمعا طبقيا ونخبويا. وتلعب النخبة دورها التاريخي في المحافظة والمراقبة والبناء والاضافة. ورئاسة الحكومة رغم صورتها السيادية إلا انها لا تتجاوز النخب ولا تنطق من ذاتها.
البيروقراطيا الثقافية..
لا وجود لمجتمع –فكرة أو حزب أو دولة- من غير نخبة فكرية - مؤسسة وقائدة-. والنظام الجمهوري في العراق بعد هجرة النخب السابقة (في العهد الملكي) وتهميشها، حاول سدّ هذا الفراغ، عبر صناعة نوع من الثقافة الرسمية وطبقة مثقفي الدولة، وهو ما دعاه الكاتب المصري عبد الحي دياب بالبيرقراطية الثقافية في كتابه (الاقطاع الثقافي)، وكان جيل الستينيات الأدبي هو مادة البيرقراطية الثقافية سواء في مصر أو العراق. ثقافة السلطة والبيرقراطية الثقافية المهيمنة على مؤسسات الاعلام والثقافة جعل لها ثقلا يتجاوز وظيفة تزويق السلطة إلى المزايدة على الريادة والتجديد في الحياة الثقافية. الثقافة الرسمية/ شبه الرسمية ومتصدروها يمثلون عنق زجاجة الاختبار لترويض العقل الاجتماعي والثقافي، وربطه بعجلة الحياة السياسية في البلاد. مع كل تغير سياسي تتغير رئاسات الصحف الرئيسة وطواقمها والصور التي تتصدر الصفحة الأولى، يتغير اتحاد الادباء وتسميته وادارته. تتغير عمادات الكليات وعناوين رئاسة الجامعة ورؤساء الاقسام، بل تتغير المرجعيات الدينية وقوائم زعماء العشائر ورؤساء الدوائر، وهكذا تنقلب البلاد والمجتمع ضمن لعبة سياسية طارئة، ولكل عملية تبدل خسائر فادحة ومكاسب أنانية وأبواب صراعات وحساسيات دفينة. انور السادات اصدر ما دعي بقانون العيب وقام حسني مبارك باخضاع المجتمع والاعلام لنفوذ جهاز الأمن ووزارة الداخلية، وخلال حكمه القصير تكررت مطالبات محمد مرسي لوضع قانون جديد للصحافة والاعلام. أستشهد بمصر لأنها حالة أكثر تحضرا وانفتاحا من حالة العراق المتكتم على أفاعيله وسياساته التنفيذية (جوه الحصير).
سيناريو الاحتلال المزدوج لا يختلف عن سيناريو أي انقلاب عسكري سابق، مصادرة حقوق الحكومة/ النظام السابق، اصطناع وجوه ونخب ولاعبين جدد، طرح سياسات اجتماعية وثقافية ومبادئ جديدة (تصحيحية) تناقض برامج النظام السابق. حتى 2005 كان الادباء ومنتسبو وزارات الثقافة والاعلام ضمن المتظاهرين المطالبين بالعمل وصرف الاجور والرواتب. ممثل ابراهيم الجعفري يعلن في امسية للمربد ان احتجاجات الادباء سوف تتراجع عندما تصلهم مكافآت رئيس الوزراء. في عام 2006 بدأت أوساط شيعية تعلن غياب الثقافة في العراق والحاجة لاصلاح حالها [حسين الصدر في موقع كتابات]. اتحاد ادباء بغداد ما زال منذ انتخاباته الاولى والفريدة –لم تتغير هيئته الادارية منذها- يشكو بشكل متواصل غياب الدعم المالي وشحة موارده.
الحقيقة الغائبة.. ان الثقافة العراقية – أدباء وأكادميين- انتقلوا نحو الخارج منذ التسعينيات، وترك ذلك فراغا -ثقافيا- داخل النظام بحيث جعل من بعض المصححين الشباب مسؤولي صفحات ثقافية ومحررين، وبعض –مداحي الرئيس- رؤساء تحرير صحف ولم يكن لرئيس التحرير الطارئ هذا شهادة متوسطة ولا باع ثقافي ولا ادبي. وكان اعتماد البرنامج الاساسي للاحتلال على نخب الخارج وليس الداخل. وهو ما جرى العمل فيه منذ بدايات التسعينيات. لكن نخب الخارج المعتمدة في الوضع الجديد خاصة بالجانب السياسي والذين تصدروا المشهد السياسي وطاقم الدولة ومؤسساتها. بينما جرى استبعاد النخب الثقافية في الخارج، واتبعت اجراءات وبرامج لعزلها وقطع طريق العودة أمامها أو تواصلها مع الداخل. ويلزم أدباء الداخل صمت غريب- مريب- في تطبيق القطيعة والمقاطعة ضد زملائهم في الخارج وأصدقائهم في العهد السابق. وذلك لانهاء دور النخب المعروفة – قامات لها تاريخ- [بالاستعارة من مقال الصديق حسن الخرساني] وصناعة نخب جديدة تتصدر المشهد السياسي وتزوق واجهته الاعلامية كأي نظام انقلابي سابق مرّ على البلاد. والغريب أن يجري تلقيح الوجاهات (قصدت - الواجهات) الثقافية بعناصر ستينية مخضرمة- محدودة- خدمت طيلة العهود السابقة ايضا.
دعوة حسين الصدر تفتقت في سلسلة مراكز ثقافية تحت عنوان –بيت السلام- توزعت عواصم الخارج والمحافظات العراقية بطواقم ادارية وفنية معظمها من اجيال محدثة. وصاحب السلسلة هو من عائلة دينية شيعية معروفة ومن فروعها المقيمة في مدينة الكاظمية من بغداد ومن أوائل الذين استقبلوا قادة الاميركان في بيوتهم (الكاظمية). ويلعب –منذها- دورا في محاولة استقطاب المثقفين العراقيين وقد نجح في استقطاب فئات من محبي الظهور والواجهات. والغريب أن ضيوفه وجمهوره يتداورون لدى المنتدى العراقي –تابع للسفارات العراقية انشئ العام الماضي على غرار المراكز الثقافية العراقية للعهد البعثي- ومراكز أخرى تابعة لجهات وخلفيات سياسية مختلفة تشترك في التنافس على تصدر المشهد السياسي الحاكم.
وظيفة النخبة في المجتمع هي وظيفة العقل في حياة الانسان. وظيفة النخبة صناعة ثقافة وتأسيس عقلية تحليلية ومنطق تفكير يعتمد المقارنة والربط والتعمق والاستقلالية ونبذ عقلية التسليم والاحكام الجاهزة. ولكن .. لكي تكون النخبة نخبة فكرية يقتضي ان تكون نخبة اجتماعية معروفة بالنزاهة والموضوعية والاستقلالية والسيرة العصامية، فلا تكون من انتاج مؤسسة سابقة أو حديثة، خارجية أو داخلية. والواقع العراقي الذي يعيش حالة من فوضى وتهشيم منذ نهاية الملكية، لم ينتج نخب حقيقية حتى اليوم. ومقارنة العراق بلبنان أو سوريا أو مصر أو تونس، تكشف نتيجة بائسة. وهو جزء محدود من جوانب الظاهرة.
السلوك الغريزي ولغة الجسد..
مع تأسيس قناة الجزيرة (2001) وأول ظهور لشخصية فيصل القاسم، انتشر تقليد سوسيوثقافي جديد، انتشر انتشار النار في الهشيم، وكأنه وحي جديد. ذلك هو استخدام الأيدي في الحديث والحوار. قام علماء الاجتماع والنفس والاعلام بدراسات مطولة ومفصلة عن الشخصية الخطابية/ الحوارية لأدولف هتلر، تشمل دراسات صوتية، دراسات ملامح الوجه وحركات الشفاه والأعين، حركات الايدي وصورة جسم المتحدث. وأعتقد ان العرب –سكان الشرق الوسط- بحاجة الى علماء اجتماع ونفس واعلام يدرسون شخصية فيصل القاسم الخطابية والحوارية ودورها السرطاني في اصابة ملايين العرب واولهم - المثقفين- بعدوى لغة الجسد. انت ايضا تستطيع ان تراقب الشخص المتحدث اليك في حركة قسمات وجهه وحركات يديه، ولا يهم معنى ما يقوله. –أكبر مدرسة تمثيلية في العالم انتجتها قناة الجزيرة خلال اقل من عقد من السنين-، ذلك ناهيك عن شخصية المحقق الامني المخابراتي بدل المحاور الثقافي أو الصحفي المتعارف سابقا [محاورات احمد منصور/ تركي الدخيل- مثلا ، بالاضافة]. هناك في الثقافة العربية والادب السياسي مبالغة ومغالاة عجيبة في وصف بشاعة الاعلام الرسمي للدولة العسكرية والقومية [مصر، عراق، سوريا]، محقونة بدرجة عالية من عناصر الادلجة والحرب الدعاية المضادة على حساب الواقع والحقيقة. بينما لا يهتم احد للان برصد ابعاد سياسات الفضائيات العربية والموجهة للشرق الأوسط. وغياب الاهتمام مصدره عدم تكفل حزب أو جماعة سياسية مؤدلجة باعلان الحرب المضادة.
لغة الجسد، تعتمد ترجيح الجسد على العقل، ترجيح الحركة على الصوت. ترجيح العنف الفيزياوي على قوة المنطق. محاور اليوم الذي يستخدم يده أكثر من عقله يتقصد وضع اصابعه في مستوى وجهك، وفي ذلك تهديد ضمني واهانة مباشرة، وهي تفيد موقف الدفاع [لاحظ وضعيه أيدي الملاكم في مواجهة الخصم]، وتفيد معنى الالغاء، لأنه عندما برفع كفيه عاليا يقوم بحجب وجهك من امام عينيه، وتلك رسالة مؤذية، ولكنها لغة منحطة.
ان حركات اليد تستخدم غالبا في حالات وصور انفعالية عنيفة، وحتى لو تتسم بالعنف تبقى معانيها منافية للخلق. الحيوان لا يستطيع استخدام يديه، لأنه بلا أيدي في الواقع. ولكن رسالة اليد لدى الانسان –يعتبرها بعض العلماء من مظاهر الرقي- هي البناء والخلق والابداع. لكن استخدام اليد للتخريب والقتل والفساد هي معاكسة للابداع الانساني، وتجسيد لسلطان الغريزة وعبودية الجسد الذي هو من مظاهر الانحطاط والتراجع الحضاري.
الغريب ان الثقافة الامبريالية وهي تبرر هيمنتها بمكافحة الدكتاتورية والنازية والعنف الوحشي، فهي تستخدم أدق تفاصيل السياسات الدكتاتورية والنازية والوحشية اللاانسانية لتسويغ سياساتها وتأمين اغراضها. ويبدو أن اللقاء الغريب بين الأعداء التقليديين [عدو عدوي صديقي] انتج ظاهرة تحالفات هجينة لاخوة اعداء، لابد ان تنفرط بعد زوال العدو المشترك (المفترض). هذه التحالفاات البراغماتية التي تقودها نخب مزورة هجينة، ما كان لها ان تكون قبل منتصف القرن الماضي، عندما كانت النخب الأصلية فاعلة.
في الايام الأخيرة- بعد مرور عشر سنوات من الاحتلال وبداية العصر الامريكي في الشرق الأوسط، كثر الكلام عن المثقف العضوي وجرى استعادة/ استحياء [انطونبو غرامشي (1891- 1937)] عبر فسلفته المعروفة (البراكسس)، ولكن من وجهة نظر عربية -رجعية- حسب المنظور الايديولوجي للراهن. ازاء تفاقم الأسواء وانتشار الفضائح، تبرز محاولات متزايدة من قبل بعض الجهات القلقة على مستقبلها السياسي، وهو ما يتجلى في تسويغ أفكار تبريرية ومحاولة تزوير صورة الواقع الفاسد، بدعوى وجود ايجابيات (مشرقة) مثل الدمقراطية والانتخابات. لقد مات غرامشي في السجن، ولم يستخدم فلسفته لترويض الناس وتبرير سياسات موسوليني وستالين، فهل كان الاميركان يتركونه طليقا لو كان حيا اليوم.
الفكر النخبوي ليس سياسيا ولكنه وطني عصامي مستقل ومبدأي. ليس يساريا ولا يمينيا بالتوصيف السياسي السائد اليوم، حيث زحف اليمين على اليسار، حتى داخل الاحزاب والايديولوجيات اليسارية والماركسية كالاحزاب الاشتراكية الغربية الاكثر يمينية من اليمين الابميرالي [الحزب الاشتراكي الالماني بقيادة شرودر، حزب العمل البريطاني بقيادة بلير، الحزب الدمقراطي الاميركي بقيادة كلنتون زعيم اللبرالية الجديدة].
قلب الهرم الاجتماعي..
انتفاضات الربيع العربي ليس لها قيادات.. انتفاضات عفوية قام بها مجموعات من الشباب العاطلين لتحسين ظروف المعيشة..
منذ البدء، تعمدت وسائل الاعلام قطع الصلة بين القيادات السياسية والنخب الاجتماعية والرسمية وانتفاضات الشارع العربي المدعوم من وسائل اعلام عالمية ودوائر البيت الأبيض. هذا التنكر والاستبعاد للقوى السياسية والثقافية ، عنوان مرحلة جديدة. مرحلة تتنكر للنخبة ودور النخبة والمثقف والقيادات التقليدية في المجتمع. فالنخبة هي حجر الزاوية في المجتمع. وبدونه يسود البلد من يسود، ممن يمكن ان تتلاعب به الأصابع والمصالح. [في رواية (خريف الغضب) للكاتب المصري نصرالله ابراهيم، والصادرة عام 2011، تكاد تتكرر مرة في كل فصل وبمعدل أكثر من عشر مرات عبارة (أدوات خشبية تحركها اصابع من فوق)]. ورئيس اللعبة يحتاج أدوات سهلة ومطيعة للتعامل معها. ولو لمس مرونة من النخب التقليدية لما استغنى عنها.
في يوميات الانتفاضة المصرية جرى التأكيد على الفنانين والادباء الذين نزلوا للشارع والذين لم ينزلوا. بعض الضباط خلعوا بزاتهم العسكرية وانضموا للمتظاهرين.. هل البلد أمام حالة فرز ومحاكمات شعبية.. وسائل تؤكد على مواقف الفنانين المؤيدين وتهاجم المعارضين.. حدث كذلك في سوريا، ضد مؤدي الحكومة، وجرى ترويج أغاني غيرهم من مؤيدي الاحتجاجات..
يوم 25 يناير هو بداية مرحلة جديدة في تاريخ مصر.. بعد ذلك التاريخ بدأ تأسيس احزاب وتكتلات سياسية وثقافية جديدة تعطي نفسها الشرعية ودخول العملية السياسية الجديدة، بينما تنحل الاحزاب السابقة وتدخل في تحالفات جديدة. التكتلات الجديدة يتصدرها شباب ويتحول كبار السن فيها الى تابعين وخاضعين للصوت الشاب. بعد ذلك التاريخ تأسست دور نشر مصرية جديدة، صحف ومجلات ومواقع الكترونية جديدة، فضائيات ورموز اعلامية جديدة ومتجددة باستمرار. تضاعفت حركة التأليف والنشر والانتاج الثقافي والسياسي في مصر.. وهناك تراكم روائي خلال السنتين الفائتتين يعادل انتاج عقد أو عقود، معظمهم اسماء جديدة ومؤلفون شباب، ويتناولون الراهن المصري . لكن مصر حاضرة ثقافية عريقة وأصيلة. والمصري لا يتنكر لماضيه وبلده وهويته ورموزه. ولذلك تحتفظ الاجيال السابقة ثقافيا وسياسيا وعسكريا بمكانتها الابائية، بينما يظهر جيل لا يصطنع قطيعة مع السابق والخارج، وانما يتكامل في بعضه، ليشكل كلا متينا.
ثمة نخب جديدة تتوالد في مصر يناير.. شخصية السيسي لا تتنكر للتاريخ العسكري والسياسي، ولم يصدر عنه هجوم اعلامي ضد احد.. الشارع المصري هو شارع الشباب الجديد.. جذوره الاجتماعية متفاوتة.. ولكنه غير مجير لحزب أو ايديولوجية أو اطار سياسي سابق. الحالة المصرية تطرح نفسها من قلب الراهن وتبلور خطابها السياسي وفق ثوابت وطنية مستقرة ولا تتزعزع بفعل التغيرات السياسية والخارجية..
الحالة المصرية تختلف عن سواها..
ربما يبدو السوريون في محاولة للاستفادة من الدروس المصرية ونبذ التطرف والمزايدات والشعارات المجانية (جنيف 2)، وهم في محاولة للاستفادة من الغرب واميركا دون السقوط تحت براثن شروطها السياسية.. -والعملية مستمرة-..
النخبة هي عقل المجتمع، وضمانة استقرار البلاد.. ولكن عندما تتذبذب النخبة أو يجري تهميشها وتغييبها، فالخاسر هو المجتمع والوطن.. الطارئ لا يصنع نخبة، وعقله بيد اللاعب الأكبر..
في 2005 وخلال برنامج مفتوح لقناة الفيحاء اتصلت سيدة عراقية (من مدينة الحلة) قالت ما معناه.. ان الفوضى في البلاد سببها انعدام العقل. العراق بحاجة الى عقل. ولكن حتى لو وجد العقل فمن يستعمله!.
تراجع العقل أو النخبة الحقيقية، معناه سيادة العنف ولغة الجسد ونزعات الغريزة وصراع الاطماع والحساسيات وهيمنة الخوف.



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في صراع العقل والغريزة..
- في علم الاجتماع القبلي (الكتاب كاملا)
- جدلية الوطن والمنفى في قصيدة أسعد البصري
- نحو علمنة الدين..! (الكتاب كاملا)
- في قصور الفلسفة..
- في رثاء الحضارة ..!
- شاكر النابلسي.. وعلم نقد الدين
- سعدي يوسف.. صورة في الثمانين (الكتاب كاملاً)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (18)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (17)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (16)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (15)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (14)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (13)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (12)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (11)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (10)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (9)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (8)
- احتفالية سعدي يوسف في عيده الثمانين (7)


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وديع العبيدي - النخبة.. غياب أم تغييب..!