أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوري المرادي - صرخة هاليفي















المزيد.....



صرخة هاليفي


نوري المرادي

الحوار المتمدن-العدد: 313 - 2002 / 11 / 20 - 03:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


صرخة هاليفي!  (تعقيب على مقالتي الأستاذ قاسم خضير عباس)


 


نشر الأستاذ قاسم خضير عباس مقالين على موقع (كتابات) الأغر يحذر فيهما من المنظور الإستشراقي في الثقافة والأدب العربي. وكم أود لو طالع القارئ مقالي الأستاذ قاسم قبل أن يقرأ مقالي هذا.
للعشر سنين الأخيرة وبشكل لا إرادي وجدتني ولوعا بدراسة القصص الإسرائيلي في الإسلام، وجذورها الأسطورية والبيئية. وهو ما نتج عنه كتابي قيد الإعداد (أسفار ميسان) الذي يتحدث عن بيئة أساطير التوراة وقصصها، والذي سأستعين ببعض منه للبرهنة على ما ذهب إليه الأستاذ قاسم. 
وليعذرني القارئ، لكوني سأختصر الموضوع بشدة، مما قد يعرضه وكأنه نتف متفرقة.
إن المسلّمة الأساسية للإيمان هي: ((كمال النص المقدّس بإعتباره آت من الرب )). والإيمان هو التصديق المقرون بالثقة والإطمئنان. فإذا ما ظهر خلل أو منافاة للوقائع في هذا النص، فسيعالجه المؤمن، بمسلمة أخرى وهي: (( لم تظهر كل الحقيقة بعد )).
ولا جدال في واقعية هتين المسلمتين وبالأخص الثانية. لكن لا جدال أيضا بأن الوقائع تظهر بغض النظر عما نؤمن به. فإذا زادت الهوة بين الوقائع والنص المقدس، فسيلجأ هذا المؤمن إلى الظنون والتفاسير والتراقيع وبما يفوق طاقة النص ليجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما:
- أن يعود إلى النص المقدس الأصلي ليقبله كما هو ويغلق قناعاته عليه
-  أن يهجر النص جملة ليبحث عن مقدس آخر يستجيب لما تولد عنده من حقائق
من هذا نستطيع القول إن قبول الحقيقة أو نكرانها مرهون بقوة الموروث الإيماني.
وهذه هي القاعدة الطبيعية للتعامل مع المأثور في المجتمعات التي تتطور وئيدا وبمعزل عن المؤثرات المحيطة. وهذا مستحيل، خصوصا في الأزمنة الأخيرة حيث زادت الكثافة السكانية على الكرة الأرضية، لذا، لابد من إحتكاك أو تأثير. والإحنكاك والتأثير ينشآن غالبا على المصالح، لذا لازمت السياسة هذا المأثور وغالبا ما إحتوته. ومن هنا، أستطيع صياغة القاعدة الطبيعية أعلاه بشكل: (( أن قبول الحقيقة أو نكرانها، مرهون بقوة الموروث الإيماني ذاته، وبمقدار مسايرته للسياسة أيضا))
وفي بحوث كتاب (العهد القديم) تحديدا طغت السياسة على الموروث فغيرت أسسه. فنتيجة لأوضاع عديدة أهمها إفرازات الحروب الصليبية والنهضة الأوربية الحديثة، كان مستشرقوا الغرب المسيحي أول من عالج المأثور التوراتي علميا، وأول من بدأ الدراسات الأحفورية (الأرخيولوجية) في المناطق التي يفترض أن قصص التوراة غطتها، وبالأخص الساحل الشرقي للمتوسط. ونتيجة، فهؤلاء الستشرقون، لابد وكانوا أول من إنتبه إلى الخلل ما بين النص التوراتي والوقائع، وبالأخص جغرافيا التوراة ذاتها. ولا أشك بأن هؤلاء المستشرقين، صاروا ولو لمرة واحدة وجها لوجه مع الحقيقة المرة التي تنفي البيئة المستحدثة لقصص التوراة، ونتيجة صاروا وجها لوجه مع إحتمالين لا ثالث لهما:
- أن يرفضوا الموروث ويتساوقون مع الوقائع
- أن يمعنوا بطمس الوقائع تساوقا مع السياسة، أي ما يجوز تسميته: (( مؤامرة اللاهوت))

ورفض الموروث ثقيل جدا. لأن حجم ما سيجب رفضه (كالحق الرباني بأرض ساحل المتوسط الجنوبي، والجبل المقدس والإستيطان، ،،،ألخ) يشكل نصف المعتقد اليهومسيحي. ناهيك عن إنه دخل الموروث اللاهوتي، ومن هنا فإزالته أصعب بكثير من العمل بالإحتمال الثاني، أي بالتآمر على الوقائع!
ومما يدعم عامل التآمر هو غرق المنطقة التي غطتها قصص التوراة، في سبات طويل، مهد الطريق لمؤسسات تسلسلت إليها مع النهضة. وأخطر هذه المؤسسات هي بلا مراء حركة الإستشراق الماسنيونية، التي كان من جملة ما تمكنته هو رسم خرائط جديدة لمنطقة الأحداث. بل الأخطر أنها تمكنت من إعادة تسمية المواقع بأسماء قادة أو أحداث جدد وما إلى ذلك.

وقد قارنت خارطتين لحوض الرافدين في مكتبة مدينة مالمو السويدية، أحداهما موضوعة قبل عام 1920 والأخرى عام 1990م فلاحظت أن أسماءً في غاية الخطورة على تاريخ المنطقة، مثل: أرواد، جوفير، مصر، كنانة، أورشليم، دمشق، كبتوريا ،،الخ، هذه الأسماء إستبدلت بأخرى، لتسدل الستار على الوقائع التاريخية، فتتيح الإمكانية لظهور الوقائع المفبركة على مبررات سياسية. وليس هذا فحسب، بل وفي هذا السياق أيضا، أو أخطر منه، تمكنت من توجيه البحث اللاهوتي شطر التيه كلما خص الأمر جغرافيا التوراة.
وسأورد أدناه أمثلة على هذا التتيه المقصود.
والأمثلة هي مقتبسات من كتب مؤلفين تراثيين يؤخذ بحوثهم كالمفاتيح في اللاهوت اليهومسيحي.

أولا:
عام 1869م إكتشف الباحث أوبرت رقيمات كثيرة مكتوبة بلغة يبدو أنها ليست آشورية ولا بابلية ولا كلدانية. وبعد بحث توصل إلى أن هذه الرقيمات تدل على وجود شعب قديم في وادي الرافدين، أقدم من البابليين والأكديين وإسمه السومريون وحضارته هي التي مهدت للحضارات التالية. حين ذاك صرخ بوجهه أوبرت، باحث يهودي إسمه جوزيف هاليفي مرعوبا ومؤكدا أن: ((لا شعب غير الشعب السامي قد بنى حضارات العراق، وإن اللغة السومرية هذه مجرّد إختراع مصطنع قام به الساميون أنفسهم لأغراض سرّيّة وكهنوتية )) (خزعل الماجدي، متون سومر ص 24)
المهم إن الأحافير توالت وأثبتت حقيقة الشعب السومري، وأنه هو من بنى الحضارات وأسس لها، وليس ما إصطلح على تسميته خطأ بالشعب السامي. لذا ذهبت صرخة هاليفي سدى، لكن حتى حين. فالباحث اليهودي هاليفي هذا، لم يكن باحثا، تهمه الوقائع التشريحية، بله مجند ضمن سياق خاص لو حاد عنه لصرخ أحدهم بوجهه. لذا وحين توالت وقائع الأرخيولوجيا تباعا وتحكي قصة الشعب السومري العظيم، لجأ هاليفي ومن على خطاه إلى الترقيع، عبر البحث عن أصل غير شنعاري (رافدي) للسومريين ليثبت ان الشعب السامي الشنعاري هو الذي بنى الحضارة وليس السومريين.

ثانيا:
(( ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبيله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب، فيقضي بين الأمم وينتصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل، لا ترفع أمة على أمة سيفا،، وإمتلأت أرضهم فضة وذهبا ولا نهاية لكنوزهم وإمتلأت أرضهم خيلا ولا نهاية لمركباتهم وإمتلأت أرضهم أوثانا )) (سفر أشعيا إص 2)
وهذا الوصف الدقيق، إعتبره التوراتوسياسيين نبوءة بمملكة المسيح (ع) رغم إنه لم يذكر إسم المسيح (ع). فإذا تركنا كلمة (صهيون) جانبا، فسنجد أن هذا النص هو نبوءة دقيقة جدا بمملكة محمد (ص). فكل الأمم تجري (على كل ضامر - دابة) أو تسير (رجّالا) حجاجا إلى بيت الله - الكعبة المحاط بالجبال والمرتفع عن البحر أيضا. وكانت فيها الأوثان. وكل الناس يصعدون جبل عرفات للإبتهال والدعاء. وكل ما حول الكعبة حرام لا يدخله سلاح، وخيول مكة ومن والاها سارت إلى الأقطار بلا عدد وحصر لتفتح البلدان. وهي إستغنت من الفتوحات. وكنوز أرضها (النفط والمعادن) تظهر الواحد تلو الآخر. وأحد أسماء مكة هو (دار السلام) أي (أورشليم). أما صهيون أو (سي اي يا ن ) أو ( سه يان ) فمنها حقيقة خرجت الشريعة، شريعة موسى وشريعة حمورابي وشريعة يحيى وشريعة المسيح. وهي ليست صهيون السياسة، بل صهيون الحقيقية - مدينة داود الشنعارية! (ولنا مع هذا بحث رسمنا بموجبة خارطة ما أفترض أنه إسرائيل القديمة والتي لا علاقة لها باليهود)

ثالثا:
(( واليهود كانوا من أنقى أجناس الشرق الأدنى غير النقية لأنهم لم يتزوجوا بغيرهم من الأجناس إلا كارهين، ومن أجل هذا حافظوا على جنسهم. أما نساء اليهود فهن من أجمل نساء الأمم القديمة. واللغة العبرية هي من أعظم اللغات الطنانة الرنانة على ظهر الأرض، ألفاظها مليئة بالأنغام الموسيقية القوية رغم ما فيها من حروف حلقية )) (ديورانت، تاريخ الحضارة ج2ص329)
والمفروض أن المؤرخ، كالسيد ديورانت، لا يكتب إلا ما عاشه، أو ما بناه على مصادر موثوقة إذا كان يعالج تاريخا سبابقا. لكن السيد ديورانت كتب صدى صرخة هاليفي، لذاه جانب الحقيقة.
فنقاء الجنس اليهودي، مشكوك فيه مقدما إذا ما صدقنا قول التوراة بأن نسل إبراهيم أبي اليهود الأول وسارة أم اليهود الأولى من إلعازر الدمشقي وفرعون وأبيمالك. والنقاء اليهودي، وإن صدقنا التوراة ذاتها، مشكوك فيه منذ موسى على إعتبار أن موسى ذاته ليس إسرائيليا بل لاويا واللاويون ليسوا من بني إسرائيل كما يقول (سفر العدد) وهم أساسا كهنة إسرائيل ذوو القرار. وبني إسرائيل وحسب معطيات التوراة كانوا قبائل مترحلة والنسل فيها يعود للفراش، أي يكون المولود فيها تابعا لزوج الأم، وإن حملت به من غيره. وحتى اليوم لازالت بين اليهود عادة جعل النسل للميت، فإذا مات شخص دون أن يولد له، فيجامع أخوه أو الأقرب إليه أرملته لتلد ويحمل المولود إسم ولقب المتوفي. وهي الحالة التي عوقب عليها النبي أونان بالموت لأنه جامع شامار زوجة أخيه لكنه لم يطرح في رحمها (خطيئة أونان، سفر التكوين). والنقاء الإبراهيمي أو اليعقوبي في النسل اليهودي سيكون مستحيلا إذا. ولا ندري كيف سيجيب السيد ديورانت، لو شاهد ثلاثة يهود: أشقر وحنطي وبنّي!
وخارج الحالة المختبرية، لا يمكن تحسين صفات جنس يتضريبه على بعضه. بينما في المختبر وحيث الأمر خاضع للسيطرة، يمكن تنقية صنف ما (وليس جنس) من المحاصيل أو الحيوانات، بعملية الإختيار المقننة. وهذه العملية تتم بقتل (أو إبعاد) الأجيال الدميمة وإنتقاء الأقوى قسريا. وهو ما لا يمكن إجراؤه على الإنسان، حيث لا يقتل الدميم ولا يبعد. وتضريب الجنس على بعضه، كالحالة السائدة بين اليهود المنعزلين عن المجتمعات الأخرى، وحسب معطيات علم الوراثة سيؤدي إلى الدمامة غالبا. وهو ما يؤخذ على بعض السلالات الفرعونية الحاكمة التي كان العديد من أفرادها دميما بسبب محاولة إنقاء الدم الملكي. ولا يوجد جنس أو صنف أو نوع لا يخضع لقوانين علم الوراثة، يهوديا كان أم غوييميا (*). ولم يلحظ أحد في عالم اليوم أن خلقة الأصوليين اليهود تختلف عن غيرها من الخلق. وسجلات ملكات جمال العالم أقوى البراهين.
كما إن السيد ديورانت، لم يعش ذلك الماضي السحيق ولم يكن في الشرق الأدنى القديم لنعتبر ما قاله عن جمال نساء يهود ذلك الماضي ناتج عن ذوقه الشخصي أو معاييره الخاصة لعلم الجمال. ولم تقل بجمال نساء اليهود أشعار الغناء القديمة البابلية والسومرية والآشورية وغيرها. وعلى العكس فالتوراة ذاتها، وفيما عدا قولها عن سارة إنها شابة حسنة، قالت وبصريح العبارة أن قبائل اليهود التي قادها موسى كانت مصابة بأمراض جلدية أهمها البرص.
ولو قال مختص لغة وفي هذا العصر بأن اللغة العبرية هي أجمل اللغات لوجد من فنده أو ناقشه. لكن ديورانت سجل الحدث كمسلّمة، حين لم يحشر أية واحدة من أدوات الإحتمال كـ ربما، يقال، قد،،الخ. وكثرة الحروف الحلقية (ع، ح، خ،  هـ) حسب قول ديورانت هو أحد معوقات جمالية اللغة. لكن هذا يسري على كل لغات العالم، ما عدا اليهودية. بل هذه الحروف الصعبة عينها جعلت العبرية من أجمل اللغات. ثم لم لم يمتدح ديورانت اللغات العربية، الفارسية، الهندية التي تحتوي على الحروف الحلقية ذاتها؟
طبعا وحتى أيام السبي البابلي، لا وجود لليهود بالمعنى المتعارف عليه، مثلما لا يعرف أحد حتى الآن موقع دولة إسرائيل ولا إسمها التاريخي الخقيقي ولا فترتها الزمنية.

رابعا:
(( ومملكة ميتاني التي حاربت فرعون مجهولة، وهي تجاور مملكة بإسم عرقاتا )) (فراس السواح - الحدث التوراتي، ديورانت، ساكس وغيرهم)
وهكذا أخفيت مملكة من التاريخ بسبب حرف واحد هو أصلا منسوخ. فالحروف: ت، ث، س، ش،  هي ذات أصل واحد وتتبادل النطق حسب الألسنة. والأسماء: شامار، سامار، ثامار، تامار مثلا هي إسم واحد، غيّره اللسان وحسب. ومثل هذا ناتانيا، ناثانيا، ناسانيا، ناشانيا ،،الخ. وحتى لو لم نر أن عرقاتا موجودة إلى اليوم وبالإسم ذاته شرقي نهر الكارون، فالأولى البحث في الخارطة عن الإسم ميتاني الذي يمكن أن يرد على شكل: ميساني، ميثاني، ميشاني. وجميع هذه المواقع كانت موجودة ومتكررة، ولازالت حتى الييوم، ما بين جبال الطيب ونهر دجلة إبتداءً من جنوب الكوت حتى القرنة. بل والموقع موسيان موجود إلى اليوم على الحدود الإيرانية العراقية (40كم شمالشرق عمارا). وإلى اليوم يطلق على هذه المنطقة إيرانيا إسم (دشت ميسان) وعراقيا (سهول ميسان) وهو أصلا إسم المحافظة التي مركزها مدينة عمارا الحالية. وسنتحدث عن أصل الإسم ميسان، في الفصل  الخامس.
أما سبب إخفاء ممكلة ميتاني فهو معلوم، وهو لعبة لاهوتية. فهي تضم أخطر المدن التوراتية من قبيل: يعزر التي تجسس فيها موسى على العموريين، عمارا، هورا، صهيون، حوريب، مديان ،،الخ. فإذا ما تبين أن هذه المدن موجودة شرقي دجلة وليس حنوبشرقي المتوسط، فستسقط وبلا مراء أسطوة الوعد الرباني بفلسطين.

خامسا:
أورد كتاب (ديوان الأساطير - سومر وأكد وآشور ص 198) هوامش عن توراة القدس وتفسيراتها لجمل من ((نشيد الأنشاد )) المنسوب إلى سليمان بن داود. وهي الهوامش التي لابد وبنيت على الصرخة ذاتها، حيث هي في بعض منها مجانبة تامة لروح وجوهر النص المراد تفسيره. على سبيل المثال:

النص في (نشيد الأنشاد)   التفسير توراة القدس
-----------------------   ------------------
لذلك أحبتك العذارى   أي الأمم
أدخلني الملك إلى حجاله    أدخلني يهوة إلى المعبد
بنو أمي غضبوا علي    أي الكلدانيون بزمن نبوخذ نصر
جعلوني ناطورة للكروم    إشارة إلى عبودية السبي
إن لم تعرفي أيتها الأجمل بين النساء  بمعنى إسرائيل هي الأمة المختارة
وأرعى جدائك عند مسكن الرعاة  أي على جبل صهيون مقر ملوك إسرائيل
تصنع لك سلاسل من ذهب مع جمان  أي الزينة بعد العودة من السبي
من فضة
جوائز بيتنا أرز وروافدنا سرو الأرز والسرو من المواد البنائية المستعملة من قبل سليمان لبناء المعبد والقصر ويعني الشاعر إقتران يهوه وإسرائيل على جبل صهيون
كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي  تأكيد يهوه بأن أسرائيل لا تزال تتمتع
بين البنات      بمزية الإختيار
أدخلني بيت خمره    أي فلسطين بيت خمر يهوه
إمسكوا لنا الثعالب الثعالب الصغار   هم جيران السوء السامريون والعمونيون
مفسدة للكروم    والعرب والفلسطينيون
من هذه الطالعة من البرية كأعمدة  طلع من البرية أي صعد من أورشليم وهنا
من دخان     رمز إلى العودة من السبي كخروج ثان
هوذا تخت سليمان حوله ستون جبارا  يقول المفسر المقصود هنا ليس سليمان
      التاريخي وليس يهوه بالطبع بل إسم
سليمان إستعمل كرمز لفترة سلام
وسعادة مرتبطين بنهاية العالم
إخرجن يا بنات صهيون وأنظرن الملك  سليمان هو الملك التاريخي والعرس عرس
سليمان بالتاج الذي توج به أمه يوم   صوفي بين الملك والأمه التي تتوجه
عريه
كلك جميل يا حبيب ليس فيك عيب  أن إسرائيل قد طهرت نهائيا بسبب السبي
أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة  الجنة المقفلة أو الحديقة المسورة تعني
وينبوع مختوم     إسرائيل الجديدة بخصبها والأقفال والختم
      هما الحق الحصري للزوج على زوجته
دخلت جنتي يا أختي العروس كلوا  الأحباء هم الإسرائيليون
أيها الأحباء
حبيبي أبيض وأحمر معلّم بين ربوة  وصف الحبيب المهم نوعا ما يحتوي على
ذهب أبريز إشارات مستمرة إلى معبد أورشليم وحوض شبه النحاس أي بحر الشبه
هن ستون ملكة وثمانون سرية وعذارى  بما أن الحبيبة هي إسرائيل فالحريم هي إذن
بلا عدد     الأمم الغريبة من عبدة الأصنام
لنبكرن إلى الكروم هناك أعطيك حبي  بهذا الإقتران يتحقق الوعد الجديد
والنهائي بين يهوة وإسرائيل
تحت شجرة التفاح شوّقتك هناك خطبت تفسره توراة القدس بأن يهوه يوقض
لك أمك هناك خطبت لك والدتك  إسرائيل وشجرة التفاح هو رمز لفلسطين

وهكذا يرى القارئ الفرق الشاسع ما بين نص النشيد وبين التفسير - الترقيع المقحم والمفتعل له الذي وضعه كهنة التوراة ليبرهنوا على وعد وبلد تائه.
مع العلم إنّ التوراة التي المفروض أن يهوى قالها لموسى، هذه التوراة تحدث بأدق التفاصيل عن الزواج والنكاح والأكل، أحيانا بفظاظة وأخرى بإسهاب وتكرار، وأحيانا بتخصيص لا يقبل الجدل كالقول: ((ثور إبن بقر، يقتل قتلا، موتا يموت )) هكذا تحدثت وبإسهاب عن أمور ثانوية صرفة بينما تركت ركائز دينية كالتي في التفسير أعلاه للتكهنات،  أو مسوغا لصرخة هاليفي!

سادسا:
يورد الأستاذ هنري ساكس عن الملك الآشوري تغلات بلاصر الأول 1114 - 1076قم قوله: (( تنفيذا لأوامر إلهي آشور فقد قهرت البلدان الواقعة بين الزاب الأدنى والبحر الأعلى الذي في الغرب مضيت إلى لبنآني حيث قطعت أخشاب الأرز لبناء معبد آنو وحدد ثم تحركت نحو آمورو وأخذت كل بلاد آمورو تلقيت الجزية من جوبال وسيدوني وأرمادا وعبرت بسفن أرواد عند شاطئ البحر إلى مدينة ساموري على مسافة ثلاثة أميال مضاعفة داخل البر وقتلت النهيرو التي يسمونها‏ ‏هناك حصان النهر، في بلاد آمور. وفي طريق عودتي أخضعت بلاد حاتي وفرضت على ملكها الجزية )) وتعليقا على هذا النص يقول ساكس: (( قد أهدر المفسرون ‏الكثير من الحبر والورق ليعرفوا ما المقصود بالنهيرو هل هو الدلفين أم هو نوع‏ ‏من الحيتان، وأن سيدوني هي صيدا ،،الخ )) ثم يضيف قائلا: ((إن التاريخ الأرخيولوجي يسكت سكوتا تاما عن الملكين داوود وسليمان ولم يعثر لهما على أثر، وإثر ذلك راحت دولة إسرائيل تحت حكم داود‏ ‏وسليمان تتوسع لتمتد حتى نهر الفرات وإن لفترة وجيزة مما يدل على وهن‏ ‏الآشوريين)) (هنري ساكس جبروت آشور ص 97 وما بعدها)
وهكذا، فالتاريخ الأحفوري قطع بلا وجود للملكين الإسرائيليين داوود وسليمان لا في الشام وساحل المتوسط الشرقي ولا فيما دعي بـإسرائيل لاحقا. وهذه حقيقة يعترف بها الأستاذ ساكس. لكنه رغم ذاك إتخذ إدعاء التوراة بإمتداد سلطة هذين الملكين الإسرائيليين إلى الفرات، إتخذه دليلا على ضعف سلطة الآشوريين! أي إنه إعتمد دليلا كاذبا للبرهنة على تحليل علمي.
وساكس يعتمد نص تغلات بلاصر أعلاه كبرهان أحفوري ويعتمد محتوياته كلها لكن ليس فيما يخص ((النهيرو )) الذي عرّفه هذا النص وبما لا يقبل الجدل على إنه حصان (فرس) النهر. مع ذلك أثار ساكس الشك عمّا إذا كان النهيرو هو الدلفين أم الحوت. ذلك لأن ساكس يعتنق التفسير السياسي للتوراة، الذي يقول أن هناك سامورا واحدة تاريخيا وهي في إسرائيل الحالية. وإسرائيل الحالية هذه على ساحل البحر. وفي البحر لا يعيش فرس النهر بل الحوت والدلفين. ولابد من تكذيب الأحافير لتصدق بالمقابل التوراتوسياسة. وقد قطع التاريخ والجغرافيا معا بعدم وجود ميناء إسمه أرواد على ساحل المتوسط الشرقي ولا مدينة إسمها سامورا في البحر ليركب إليها تغلات بلاصر من ميناء أرواد هذا. وصور التي إفترضها ساكس وغيره هي سامورا، صور هذه حقا كانت تبتعد عن الساحل، ولكن بأقل من كيلومتر واحد بحيث ربطها الإسكندر بطريق ترابي فجعلها ضمن الساحل اللبناني. أي لا يحتاج الوصول إليها ثلاثة ساعات مضاعفة (ست ساعات بتوقيتنا الحالي). ولنا عودة مع مواقع نص تغلات بلاصر لاحقا. المهم أن فرس النهر يعيش في الأنهار والمناطق الغدقة حيث النباتات الكثيفة، أي حيث كانت عليه منطقة ساميرو الحقيقية (200كم شرق الأهواز) المحاطة بالأنهار وأهمها فروع الكرخة والكارون.

وسنعثر في الفصول القادمة على مغالطات أكبر وأخطر بكثير ما ذكرناه أعلاه. وبالأخص تفسير الكلمة السومرية البابلية (( سار )) التي لها أخطر الأثر على ميثولوجيا التوارة.

على إن صرخة هاليفي هذه، لم تطن في آذان الباحثين من اللاهوت اليهودي المسيحي وحسب، بل تخطته لباحثين، يفترض أنهم أبعد ما يكونون عن الإستشراق التوراتوسياسي في بحث التراث. وأدناه بعض الأمثلة.

أولا:
رغم فطنة الأستاذ الجليل فراس السواح ودقة تحليلاته، أراه تأثر في موقع واحد على الأقل بالفكر السائد. فقد أورد نصا من (أنشودة دبورة) الواردة في سفر القضاة، على الشكل التالي: ((‏جلعاد في عبر الأردن سكن. ودان لماذا بقي مرتاحا. وأشير لماذا أقام على ساحل البحر وفي فُرضه سكن )) ( الحدث التوراتي ص 222)
والنشيد نصا هو: ((جلعاد في عبر الأردن سكن. ودان لماذا إستوطن لدى السفن. وأشير أقام على ساحل البحر وفي فُرضه سكن )) أي إن السيد فراس السوّاح أبدل كلمة (السفن) بكلمة (مرتاحا)
والتوراة لم تقل مطلقا أن (عبر الأردن) هو نهر الأردن الحالي، والأستاذ فراس السواح ذاته قال هذا في عدة أماكن من كتابه (الحدث التوراتي) والنص العبري للتوراة أورد كلمة (نيوت) فقط، والتي تعني السفن وليس غيرها، كما يقول الأستاذ فراس نفسه. لكن الفكر التوراتوسياسي السائد يدعي أن سبط دان سكن عند نهر الأردن الحالي. ولا تمخر السفن البحر الميت الذي ينتهي به نهر الأردن كما هو معلوم قديما وحديثا. والأستاذ فراس إبدل كلمة (سفن) بـ (مرتاحا) تماشيا مع إدعاء هذا الفكر وليس مع وقائع الجغرافيا. ووقائع الجغرافيا ستثبت أن دان سكن عند البحر حقا - عند آب دان، على الجانب الشرقي لشط العربـ،،ـه.

ثانيا:
في صفحات متفرقة من كتابه ((النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة)) قال الدكتور قمني ما يلي: أن خليج السويس هو الخليج العربي، وكان عدد ملوك بابل العرب 9 حكموا‏ ‏نحو 225 عاما وكلمة حمورابي تعني الحمار أبي والحمور من البتراء لأن تلالها حمراء وهو ما يشابه لغويا إسم الحمار، ومن الحمار جاء إسم الحميريين وقد كان تبادل الرسائل نشيطا بصفة خاصة مع ملكي بابل كادشمان‏ ‏إنليل وبورنا بورياش،، وهذا الإسمان أفريقيان والبان والتين هما شجرة واحدة ووادي السدير هو وادي سيت أو سيترويت وهو وادي الساتير حيث قامت مدينة الفرعون رعمسيس وفيثوم، وفيها قصر الفرعون السدير‏ ‏الذي تغنت به العرب‏ في البيتين:
 ‏وتبين رب الخورنق إذ 
أشرف يوما وللهــدى تغمير‏
 ‏سره حاله وكثر ما يملك 
والبر معرضــا والسديــر‏
و‏البحر المعرض هنا هو قناة سيزوستريس، وقصر الخورنق هو قصر الكرنك وهو القصر الشتوي لفرعون مصر بينما السدير هو قصره الصيفي وفيهما قال الشاعر دعبل الخزاعي:
ولقد شربت من المدامة بالصغير وبالكبير
فإذا إنتشيت فإنني رب الخورنق والسدير.
ولقد كان في مصر بركانا في وقت موسى لكنه همد ونهبت الناس أحجاره لذا لم يبق له أثر، ويقول معجم أوكسفورد أن البيرسيا شجرة مقدسة في فارس ومصر والحُور‏ بلغة العراقيين تعني غَرْب أي جهة الغرب، و‏إسحق هو الأله الضاحك أو الضحاك والضحك هو ضحك الفم والأسنان لكنه أيضا ضحك الفرْج‏ ‏أي إنفتاحه. فالفم والفرج ينفتح كلاهما عند الضحك)) (ج2 ص 213 وما بعدها حتى 600)
ووصل الشطط التفسيري عنده حدا غير معقول بالقول بحيث وضع الميناء العراقي الشهير - الفاو شرق الطائف (ج2ص524).

 
وتراث العرب التاريخي والأدبي، قال أن قصري الخورنق والسدير في الحيرة، وإن الخورنق عربيا تعني جرو الأرنب، والسدير كلمة معربة من ((سه دلّي )) الفارسية التي تعني: ذي الثلاث شعب (لسان العرب)
كما لم تفد المصادر بوجود ملك أفريقي على بابل. وتنفي مبادئ الجيولوجيا، أن بركانا ما في جبل كاترين كان ناشطا وهمد ومسح عن الأرض نهائيا بسبب نهب أحجاره. ذلك وبكل بساطة، أن أحجار البركان، مهما صغر حجمه تكفي لبناء مدينة بكاملها، وهذه الأحجار لا تتعرى وتذوب بسهولة، فأين هي المدينة المبنية بالأحجار البركانية حصرا؟
والدكتور قمني مسلم ولابده يعرف الآية القرآنية (( والتين والزيتون )) التي تحكي عن التين ومواطنه، بحيث لا حاجة للبحث في معجم أكسفورد أو غيره. وكلمة الحور في جنوب العراق فعلا تعني الغرب ولكن بفتح الراء وليس تسكينها. وشجر الغَرَب هو الحور النهري تحديدا. أما ضحك الفَرْج المشار إليه، فنضع مسؤوليته على من تجرّأت وتحدثت عن خصوصيات ضحـ،،ــكها!

ثالثا:
وقال الأستاذ فاضل الربيعي ما يلي: ((وبطبيعة الحال لم تكن اليهودية أبان ظهورها في الجزيرة العربية كديانة توحيدية تعمل خارج نطاق معتقدات القبائل العربية القديمة، ولعل في نسبة بناء مدينة تدمر إلى الجان وإرم إلى القهرمانات وأنن إلى الآلهة ما يشير إلى أن المدينة في الأصل كانت منشأة ذات مصدر إلاهي. فالخلط بين إرم ودمشق على عهد معاوية كان مقصودا من قبل الجماعات الخارجة مع الإسلام من عزلتها الصحراوية إلى المدن، لقد كان عليها أن تقوم بهذا الخلط المقصود تعبيرا عن رغبتها في إسترداد الجنة الأرضية التي خربها سيل العرم في مأرب. الظن أن الخروج الإسرائيلي كا سيستهدف أصلا العودة إلى المكان المقدس الأول. ومن الجائز أن نقرا قادش على إنها مكة، وإن شعب إسرائيل يندرج في مجموعة قبائل العرب البائدة، محاولات مسيحية روما الإنتشار في الجزيرة بمواجهة يهودية فارس ،، إضرام النار بإبراهيم هو إشارة ميثولوجية على تحطيم مدينة لذا خرج إبراهيم من المدينة المحطمة بفعل الطوفان إلى الصحراء، وخروج بني إسرائيل من جنة مدمرة إلى الصحراء، والخروج الإسرائيلي سيشكل بنظرنا تعبيرا دينيا طقوسيا من تعبيرات وتجليات عقيدة خراب الجنة أو الطرد منها لتأسيس جنة بديلة. والخروج الإسرائيلي برأينا مجرد صدى من أصداء التجربة التي عاشتها العرب البائدة قبل ظهور إبراهيم بوقت طويل في عصر الهجرات الكبرى أو ما يعرف بالهجرات السامية التي أسست سلالات حاكمة في بلاد ما بين النهرين والشام)) (إرم ذات العماد ص 48، 67، 83، 149، 262، 376)

والفرق الزمني ما بين غزو إبرهة لمكة، وبين فتح المسلمين لفارس، هو 70 سنة فقط. فأين ذابت اليهودية خلال هذه الفترة الوجيزة في دولة فارس المترامية الأطراف، بحيث حين فتحها المسلمون، لم يجدوا غير الزرادشتية والشامانية والمجوسية! بل وكأن فارس هذه كانت تنتظر الإسلام لدرجة أن كلمة (( فتح )) تكاد لا تناسب الواقع، حيث إنتشر الإسلام وبسرعة البرق في كل فارس المترامية الأطراف، وأصبحت مرفدا للفكر الإسلامي بحث خرجت العديد من فلاسفته. وإذا كان اليمن مصدر اليهودية فمن أين أتته؟ ولم ذابت إسرائيل في اليمن ولم يبق لمملكتها أثر يذكر، وكم هي نسبة معتنقي اليهودية في الجزيرة العربية التي إنتشرت اليهودية منها؟؟؟
ولابدها جرأة عالية من الأستاذ فاضل حين عالج المأثور الديني عبر مجال الحلم والأسطورة؛ الفرع الذي هو أعقد مجالات السايكولوجيا. ونحن لا نراه توفق بإستنتاجات أعلاه كأن يكون خروج إبراهيم من النار حيـّا هو إنعكاس لحلم الخروج من المدينة المدمرة لغرض البحث عن الجنة، وأن النار ذاتها هي إنعكاس عن رمز أسطوري للطوفان، وأن الخروج الإسرائيلي إنعكاس لحلم.
وهنا نذكر أن طقس الخروج من النار، لازال قائما إلى اليوم في الشامانية والمجوسية. حيث تحرق فرشة من الحطب، ثم وحين يهفت اللهب يسير العابد على الجمر. وبالتالي لا مبرر لإنساب حادثة خروج إبراهيم من النار للحلم المعكوس ولا لنقيضها بإفتراض أن النار هي الطوفان، أي غمر الماء. وإبراهيم كلداني كما يفهم عنه وعاش قرب أو عاصر مدينة كلد (خلد) التي كانت تمجد عبادة آتون (الشمس) وأحد تجلياتها النار.

رابعا:
والإستنتاجات الأكثر مدعاة للحيرة والأسف التي وردت في الكتب: ( التوراة جاءت من جنوب الجزيرة العربية) و (خفايا التوراة) وغيرها من كتب السيد كمال الصليبي. وهي إستنتاجات أدخلت ولأول المرة عنصرا جديدا في تناول التراث، ألا وهو الخرافة الملبسة بفذلكة السبق الصحفي. وأعني بالسبق الصحفي هو تقديم الحدث وكأنه إكتشاف ما، مزوقا بالربّماهات والأظنهات (جمع ربّما وأظن) ليعفي المكتشف نفسه عن العهدة بينما يقع بها من يصدقه.
فالسيد كمال الصليبي، ولكي يبرهن على إن التوراة جاءت فعلا من اليمن، تراه يعتمد التحوير اللفظي (الميتاتونزم) وبطريقة كيفية تماما. على سبيل المثال، قال إن قرية جعافر اليمنية، هي ذاتها مدينة قرعوش التوراتية. ذلك لأن الكلمة (جعافر) تحتوي حرفين من كلمة قرعوش وهما (ع ر)؟! كما إعتبر أن قرية طناطن اليمنية هي مدينة نيتينيم التوراتية، وكذلك عثابيات هي طباعوت، وكرباس هي برقوس، ورصفة هي هسوفرت، والقائم هي أدونيقام ومشاجب هي مغبيش، وضيق هي زكاي، ومفاتيح هي نفتوحيم، وشرفات هي فتروسيم، ورفقات هي كفتوري، وجرعان عقرون، وآل شريم هي أورشليم، ومساك هي دمشق.
وهذا النمط من الإستنتاجات، إن أبعدناه عن نظرية المؤآمرة المبنية على صرخة هاليفي، يلقي بالبحث إلى عقلية دون مستوى الحكاية الشعبية. وبقدر ما رد الأستاذ فراس السواح على الكتاب الأول للصليبي (راجع الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم - السواح) سنعطي نموذجا لمنهج البحثي للأستاذ كمال الصليبي من كتابه ((خفايا التوراة )). فالصليبي يقول فيه: ((ويبدو أن الحنش أيضا كان من الآلهة الموجودين ويبدو أنه كان إلها مساعدا، وربما كانت حواء إلهة للأمومة، ومساعدة لقبيلة أو قرية آل الحياة. لأنه هناك قرية في وادي بيشة إسمها آل حيّة وهو إسم حواء وهنك قرية إسمها آل سلعي (وهو إسنم قريب من الضلع) والضلع هو كإله، وهناك قرية إسمها آل حنيش. وكلمة دعيا لغويا من العبرية تعني معرفة وهناك قرية إسمها الدعية أو آل دعية. وشجرة المعرفة المذكورة في التوراة، هي شجرة لقبيلة أو قرية آل دعيا. وربما أراد الرب يهوه أن يعتدي على آل دعيا وآل حياة فخلق الإنسان من تراب من وادي أدمة القرية المجاورة لهتين القريتين ثم قام بغرس أشجار في مكان كان إصلا لآل دعية وآل حياة. وكان الرب عارفا بأن آل دعية وآل حياة لابد ويسلبوا الإنسان منه. لأنه خلقه ليساعده. لذا نبهه أن لا يأكل من آل دعيا وخدعه ولم يخبره بوجود آل حياة، فأكل آدم من أشجار آل دعيا، فأسرع الرب وطرده من الجنة قبل أن يأكل من آل حياة. لأنه لو أكل من قرية أو قبيلة آل حياة، فسيصير من الآلهة ويخلد! ومن هنا، فأسطورة خلق الإنسان قد وقعت في اليمن بين القريتين آل دعية وآل حيّة. والدلائل التي تدعم ذلك هي قرية البوالة بمنطقة محايل والتي هي هابيل، ووادي تولب هو توبال إبن لامك، ولامك هو مالك، ومهلئيل هم بني مهلهل ))
وهكذا، يحور الأستاذ الصليبي الإسم، وبشكل خارق للعادة، ومنه لا يضع إستنتاج جغرافي وحسب بل وهيكل أسطوري أيضا. المضحك، والمؤسف له في آن، أن الإله حسب نظرية الصليبي، خلق الإنسان في اليمن، لكي يساعده، خلقه بين قريتي قبيلتي آل دعيا وآل حياة، أي بين قبيلتين بشريتين موجودتين كغيرهما من آلاف القبائل البشرية. أي إن يهوه خلق الإنسان، بعد أن تناسل البشر وصاروا شعوبا وقبائل وقطنوا الأرض وشيدوا القرى، التي منها قريتا آل دعيا وآل حيّا! ويا للبحث؟!
ويستمر الأستاذ الصيبي في إستنتاجاته قائلا: (( وقد حدث الطوفان من السيول الجارفة في اليمن، ونوح هو نح وهو إسم قبيلة تعرف اليوم بإسم النحايين ويكمن أن نفترضها من قبائل اليمن، ولابد أنهم كانوا يصنعون طوافات من الخشب مطلية بالقار يستخدمونها للتنقل فوق المياه أثناء الحاجة. ولا وجود للسفينة في الطوفان، بل الأمر يخص دواب التنقل، وعليه فالـ 150 يوما التي بقيت فيها مياه الفيضان فوق الأرض في أسطورة الطوفان، لا علاقة لها بسفينة، وإنما هي الفترة التي قضتها قبيلة نوح في الرحيل من وادي نجران إلى وادي أرط بجبل طويق، والمسافة هي 750كم، حيث سارت القبيلة بمعدل 5 كيلومترات يوميا سيرا أو ركوبا على البغال وهو المعدل العادي لمثل هذا السير. بينما الـ 163 يوما التي مضت ما بين إستقرار الفلك على أراراط وجفاف المياه، كما تقول الأسطورة، فهي مدة إنتقال قبيلة نوح من منطقة أرط إلى الطابة في جبل سلمى. ومدة 57 يوما التي قضاها نوح ما بين جفاف المياه وخروجه من السفينة هي مدة الرحلة ما بين جبل سلمى ونحا وهي 500كم وبمعدل 8 ونيف كم يوميا. وبرج بابل لم يكن في بابل بل في الطائف، وأبرام يمني وكلد في اليمن، وأبرام هو أبو رهم في جبال السراة. وخظم طاوي في عسير تهامة هي ختم طئوي أي مصر. وفلسطين هي قرية في الجزيرة ))
وهكذا أبعد الصليبي أحداث التوراة عن موقعها الأصلي بفذلكة مضحكة. ثم ألغى وبدون أية مبررات بحثية، سفينة الطوفان وأحل بدلها حيوانت ركوب، وألغى نوح ووضع بدله نحايين وألغى المواقع المعلومة في الطوفان ووضع بدلها جبال سلمى والسراة وأرط، ورهم ،،الخ. وهنا أما أن يكون الرقيم الذي يحتوي على نص ملحمة جلجامش والذي يعود إلى خمسة آلاف عام على الأقل، أما أن يكون هذا الرقيم كاذبا أو أن يكون الأستاذ الصليبي مخطئا في إستنتاجاته. أو أما أن يكون كاتب نص الملحمة فذلك وحوّر وتذاكى علينا وغير الوقائع، أو أن الصليبي إخترع قصصا تشطب أي حرمة للمأثور وتلغية كتراث بشري.
الجميل أن الأستاذ الصليبي ينسى أبسط الوقائع ومنها إن المترحل الماشي سيقطع ما لا يقا عن 30 كيلومترا يوميا، بينما الراكب سيقطع ضعف هذه المسافة، وليجرب السيد الصليبي هذا بنفسه.

 


------
الماسنيونية: نسبة إلى الضابط الفرنسي ماسنيون الذي كان مسؤولا كبيرا في وزارة الداخلية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ثم إستشرق وإهتم بالتراث العربي حصرا وجاب الشام وعمل الكثير من الدراسات، وهو بالمناسبة مؤسس محفلي القاهرة وبيروت الماسونيين اللذين أنتجا غالبية مفكري النهضة العربية على عتبة القرن العشرين.
الغوييم: غير اليهودي. وهو بإعتبار اليهودية التلمودية نجسا وأدنى درجة من اليهودي حتى جنينيا.
الميتاتونزم: الإنقلاب اللفظي. أي تبديل ما بين حرفين في الكلمة. وهو أكثر ما يكون في اللهجات الشعبية، كأن يقول الشامي معلقة بدل ملعقة، وسداجة بدل سجادة. وتبديل الحرفين المتجاورين مع بعضهما يسمى أورثوتونزم، والحرفين المفصولين بحرف الميتاتونزم، والحرفين المفصولين بأكثر من حرف باراتونزم. لكن ساد مصطلح الميتاتونزم كمعنى شائع للقلب اللفظي عموما.


ملاحظة: قرأت الخطاب الكريم الذي نشره السيد حمد الشريدة عني. وأنا أقدر عاليا هذه الإلتفاتة منه، وأعطيه عنواني البريدي، وفي حال جاء إلى مالمو ولم يزرني فسأعتب عليه
Almoradi noori
Furu 5
213 63 Malmo
 

 



#نوري_المرادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النموذج !!
- إلى السيد سيف الرحبي المحترم
- مع الأحداث
- سِر القصيدة المغيـّـبة!!
- الليلة التالية في الحان!!،،
- الموت الرابع!!
- نحوَ لقاء!!،،
- الهلاكوست (مذابح اليهود) حقيقة أم خيال؟!
- يا مرحبا، يا أشبال بدر!!
- الماركسية ووجود الله!!
- كشمير الشرق الأوسط - فدرالية كردستان
- ومضة اليأس
- شـَمـَاتـــة
- دكتاتورية البروليتاريا
- الى السيد عمرو موسى رئيس الجامعة العربية!!
- موت في المِهجر!!،،،
- سلاما آل البيت!!،،
- الدمع المراق لِما رسمته كُندليزا للعراق!!،،
- ما هي خلفيات هؤلاء حقيقة؟
- ديدن الجاهل!!


المزيد.....




- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نوري المرادي - صرخة هاليفي