|
مستقبل الصحافة.. أولي بالرعاية
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1236 - 2005 / 6 / 22 - 09:29
المحور:
الصحافة والاعلام
فجأة.. أصبح وضع رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف »القومية«.. حديث الساعة، وتذكر الجميع أن كل هؤلاء »الرؤساء« قد تجاوزوا سن الخامسة والستين، وأن استمرارهم في مواقعهم ـ بعد تجاوز هذه السن ـ أصبح مخالفا لأحكام القانون 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة. وموضع العجب فيما يتعلق بهذا الاهتمام المفاجئ أن رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف »القومية« لم يتجاوزوا السن القانونية، أمس أو الأسبوع الماضي، أو الشهر الماضي، أو حتي السنة الماضية.. بل إن بعضهم تجاوزها بسنوات كثيرة. وبطبيعة الحال فإنهم لم يستمروا في مواقعهم رغم أنف الحكومة، ولم يجبروا مجلس الشوري ـ الذي يمارس حق الملكية للصحف القومية ـ علي إبقائهم في كراسيهم.. بل إن مجلس الشوري ـ وغيره من الهيئات والجهات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتعيين و»عزل« رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير ـ هو الذي كلف هذه القيادات بالاستمرار في عملها خلال فترة تجاوز السن. ورغم »تململ« أغلبية الصحفيين في سائر المؤسسات الصحفية »القومية« من تلكؤ مجلس الشوري في تطبيق القانون وتغيير القيادات الصحفية التي ضربت الرقم القياسي في »حكم« مؤسساتهم و»التحكم« في كل كبيرة وصغيرة بها، فإن مجلس الشوري صنع أذنا من طين وأخري من عجين أمام المطالبات بالتغيير الذي هو سنة الحياة قبل أن يكون امتثالا لأحكام القانون. حتي اللغط الذي ظهر أخيرا علي السطح لم يكن بسبب استياء الجماعة الصحفية، فهذا الاستياء موجود منذ شهور وسنين ولا يوليه أصحاب الشأن أدني اهتمام، بل جاء بسبب تبرم بعض رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف »القومية« من خروج »معلومات« من جهات لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتعيين وعزل القيادات الصحفية »القومية« تفيد بأن تغيير هذه القيادات الحالية أصبح قاب قوسين أو أدني من الحدوث بعد بقاء بعض هؤلاء في كراسي »السلطة« الصحفية أكثر من ربع قرن! وقيل إنه تم إبلاغ هؤلاء »الرؤساء« بقرار الاستغناء عن خدماتهم. وقيل أيضا إن بعضهم حزم أمتعته بالفعل وقام بإفراغ أدراج مكتبه ـ أو مكاتبه ـ من متعلقاته الشخصية ونقلها إلي البيت. وتم تسريب قوائم بأسماء الرؤساء الجدد. وقيل إن بعض من وردت أسماؤهم في هذه القوائم تلقي التهاني وباقات الورود. وفجأة.. توقف كل شيء.. وقيل إن نفس الجهات الرسمية التي أوعزت بأن التغيير في خلال ساعات، عادت وأبلغت »الرؤساء« الحاليين بالبقاء في مواقعهم لحين إشعار آخر. ونتيجة لهذه البلبلة.. أصبح رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف القومية في وضع حرج فعلا وأصبحت هذه الصحف القومية تعاني من حالة غير مسبوقة تصل في بعض الأحيان إلي حالة من الشلل والارتباك. ووصل الحال إلي درجة تقديم الأستاذ إبراهيم سعدة رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير واحدة من كبريات هذه المؤسسات القومية استقالة كتابية نشرها في سياق مقال احتل الصفحة الأولي لـ»أخبار اليوم«، وتضمن المقال ذاته انتقادات شديدة اللهجة لرئيس مجلس الشوري صفوت الشريف ووزير الإعلام أنس الفقي ولجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم التي يتزعمها جمال مبارك. وفي حدود علمنا فإن هذه أول مرة يحدث فيها مثل هذا الأمر في تاريخ الصحافة »القومية«. وفي رأينا فإن المسئولية عن هذا الارتباك العظيم تقع أولا وقبل كل شيء علي عاتق الدولة التي ضربت عرض الحائط بأحكام القانون. أما تبريرات التقاعس عن القيام بالتغيير في وقته القانوني.. فهي تبريرات غير مقنعة. من ذلك قول السيد صفوت الشريف في بيانه أمام مجلس الشوري أمس الأول، الاثنين، إن الموضوع »يحكمه عدة ضوابط واعتبارات ذلك أن قضية التغيير هي في المقام الأول قضية قانونية يحكمها قانون تنظيم الصحافة وأن مجلس الشوري يؤكد احترامه لأحكام القانون ويراعي في ذات الوقت الصالح العام. ومن هنا كان قرار المجلس بتكليف قيادات تلك المؤسسات بالاستمرار في عملها خلال فترة تجاوز السن«. ووجه الاختلاف علي ما يقوله السيد صفوت الشريف إنه يتضمن وضع تناقض بين أحكام القانون وبين الصالح العام، وهو تناقض غير قائم أصلا، أو علي الأقل يجب عدم افتراضه، لأن المفروض أن القانون يراعي الصالح العام.. وإلا وجب تغييره. المبرر الثاني الذي ساقه السيد صفوت الشريف ـ أثناء حوار تليفوني في برنامج »علي الهواء« الذي يديره الزميل جمال عنايت علي قناة الصفوة بتليفزيون أوربت ـ هو أن الرؤساء الحاليين للمؤسسات »القومية« بدأوا مشروعات كبري في مؤسساتهم مما اقتضي إعطاءهم الفرصة لاستكمالها. وهو منطق يصعب التسليم به لأكثر من سبب. أولها أن هذه ليست مشروعات خاصة بهؤلاء »الأشخاص« وإنما هي مشروعات مؤسسية وبالتالي فإن إنجاز هذه المشروعات لا يتوقف علي وجود شخص من عدمه مهما كانت مكانة هذا الشخص. وثانيا: ماذا لو أن أحد هؤلاء »الرؤساء« توفاه الله ـ لا قدر الله ـ هل يتوقف المشروع؟ وثالثا: ألا تقدم هذه الحجة مبررا لبقاء أي مسئول ـ وزيرا كان أو خفيرا ـ في موقعه إلي أبد الآبدين! المبرر الثالث أن مكتب مجلس الشوري يعكف علي وضع خريطة.. شغل المواقع القيادية في المؤسسات الصحفية »واضعا في الاعتبار أن يحقق الاختيار تكامل الإدارة القادرة إلي جانب رئاسات ذات خبرة مهنية عالية في مجال العمل الصحفي«. فإذا سلمنا بأن مكتب مجلس الشوري هو الذي يقرر تلك الأسماء بالفعل ـ وليس أية جهة أخري ـ فإن السؤال يظل معلقا: لماذا تقاعس عن القيام بذلك في إطار المدة القانونية؟ ولماذا ترك الموضوع معلقا ـ ولا يزال ـ رغم مخالفة ذلك القانون ورغم ارتباك في المؤسسات الصحفية القومية؟ إن الإجابة علي كل التساؤلات السابقة تجعلنا ننظر إلي موضوع القيادات الصحفية »القومية« باعتباره الجزء البارز فقط من جبل الجليد. فالواضح أن هذه مجرد مسألة جزئية من قضية أكبر هي مصير الصحافة المسماة بالقومية في عصر الثورة المعلوماتية، وكيفية التعامل مع المشاكل الهيكلية لهذا النوع من الصحافة، مثل مشكلة الملكية ومشكلة التمويل.. إلخ. والواضح كذلك أن تغيير القيادات الصحفية »القومية« جزء من مسألة التغيير في المجتمع بشكل عام، وعلي كل المستويات. وهي بهذا تحيلا إلي ملف الإصلاح السياسي الأشمل والأعم، علما بأن »الإصلاح الإعلامي« ـ إذا جاز التعبير ـ يحتل مكانة متميزة بهذا الصدد، من حيث إن الإعلام يلعب دورا متعاظما في الشأن السياسي في عصر العولمة ومجتمع المعلومات والمعرفة. وخلاصة ذلك.. أن بقاء أو رحيل هذا الشخص أو ذاك، من هذه المؤسسة الصحفية »القومية« أو تلك، ليس هو بيت القصيد، رغم التسليم بضرورة تجديد الدماء واحترام القانون. بيت القصيد هو مستقبل الصحافة، والإعلام، في إطار الإصلاح الشامل في المجتمع، وفي ظل عصر ثورة المعلومات ومجتمع المعرفة. هذا ما يجب أن يشغلنا.. مع كل احترامنا للرؤساء السابقين والحاليين والقادمين للمؤسسات الصحفية. هذا ما يجب أن يشغل المجتمع.. ونخبته.. مع كل الاحترام لـ»شخصيات« القيادات الصحفية الراحلة ـ إذا رحلت ـ والقادمة.. إذا دقت ساعة التغيير المتوقفة منذ سنين.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر والسودان
-
نعم.. »ك« وريا.. وليست »س« وريا
-
مبادرة هيكل
-
الانتماء للوطن.. أهم من النوم في سرير الحكومة
-
العالم يضبط البيت الأبيض متلبساً بالنصب علي القارة السوداء
-
! الأجانب يمتنعون
-
مبادرة من أجل بناء الثقة.. المفقودة
-
اعتذار.. لفنان محترم
-
السياسة المصرية خرجت من غرفة الإنعاش.. وهذا هو المهم
-
مبادرات علي الهواء
-
!الحقونا : لماذا يبيع المصريون أعضاءهم؟
-
لماذا نتفاوض مع أمريكا.. ولا نتحاور مع أنفسنا؟!
-
مفاجآت من الوزن الثقيل فى استطلاع رأى رجال الأعمال
-
!فضيحة العرب بجلاجل.. حتي في برازيليا
-
أخيراً .. شئ يستحق القراءة !
-
إرهابيون عشوائيون .. وإعلاميون على باب الله
-
البريطانيون يقاطعون.. والعرب يطبّعون !
-
القرن الآسيوي .. يدق الأبواب
-
عناد الوزير الذى تجاهل وعد الرئيس
-
علمـاء بـريطـانيا يهـددون بمقـاطعة الإسـرائيليين المتـواطئين
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|