بلال غرسلي
الحوار المتمدن-العدد: 4344 - 2014 / 1 / 24 - 13:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تستوقفني بين الفينة و الأخرى تلك الأفكار السرّمدية وتلك التنظيرات الشرقية عن مفهوم الدّين وذات الله فالربّ في إعتقادهم هو ذلك المزمّجر الغضوب الآمر الناهي ينهر إمرأة و يتوعدها بالعذاب المهين فقط لأنّها لا ترتدي ما يخفي خصلات شعرها التي هو نفسه أعطاها إياه و أعطى مثيلا له لرجل لم يأمره بتغطيته ولا حدّثه عن فتنته أو لأنّها أظهرت تفاصيل جسدها ففتنت و
إستوجيت أن تستتاب أو تذوق سوء العذاب ... قد تكون مذنبة بكونها خُلقت إمرأة و ليست برجل في مجتمع ذكوري بالأساس
الربّ عندهم هو ذلك الذي يستشيط غضبا لأنّ عبدا من عباده إرتّد عن الإيمان به و عن تعاليمه و لا يُلقي بالاً لآلاف و ملاين البّشر الذين يرّزحون تحت خط الفقر والظلم والمعاناة.... بل هو ذلك الربّ الذي يبيعك حلما بالجنّة و يعدّك بالحوريات و الخلود في نعيم لاينتهي مقابل أن تستّرجيه وتخاف منه و تدفع فاتورة هاته الجنّة مسبقا فهو في نظرهم تاجر يلغي إنسانيتك و يجعلك لا تفعل شيئا إلا لأنّك تنتظر جزاء فليس مُهمًّا أن تكون مقتنعا أو حتى سعيدا بما تفعله بل فقط المهمّ هو السمع و الطاعة وعدم السؤال فالإتباع والتّبعية و التصديق دون بحث أو تمحيص هو السبيل الرشيد والوحيد كي تقطع تسكرتك وتحجزا مكانا لك في جنّة الخُلد
لا يهمّ إن كنت فقيرا فهناك سيكون لك قصرك و خدمك و أملاكك و رزق ما رأت العين أو سمعت بمثله ,لايهمّ إن كنت مريضا أو معوقا تتّرصدك الأوجاع و الآلام و المعاناة في هاته الحياة الدنيا,فهناك حيث هو ستصبح عليلا ,جميلا, وسيما و متّرفا و دوام صحتّك سيكون إلى مالا نهاية... و لا يهم أيضا كم ستشقى وتظلم و تُقهر حين يغتصبك التخلّف والجهل و حينما تُنهب بإسم التّهميش و تُسرق أموالك و رزقك و يضيع حقك بين الحاكم والوالي و الشيخ والقديس.... لا يهمّ كل هذا فأنت أصلا خُلقت لتكون عبدا ذليلا محتاجا و ربما ضريرا أو أصمّا لا تدرك أصلا لماذا تم اختيارك انت لتكون جنّديا في رقعة شطرنج يموت دفاعا عن ملك لم يعرف منه سوى إسمه؟؟ لا تعرف سببا لسوء خلقتك أو لتشوّه في بنّيتك أو أمر جلّل يُلّم بك فينغّض عيشتك و يعذّبك ما ذنبك؟؟ ماذا إقترفت حتى تكون أنت ما يلعب هذا الدّور وليس غيرك؟؟
كلّها أسئلة قد تراودك لوهلة ثم تستغفر وتقول الله أعلم في هروب واضح من مداركك وأيقونة أسئلة جادت بها قريحتك و عقل الله نفسه الذي منحك إيّاه و أمرك أن تستخدمه .... أنت مطالب بأن تُحبّه غصبًا و تُقدّمه على أمّك و أبيك و زوجك و ذويك فويحك و الويل لك إنّ أطنبّت في السؤال كيف ولماذا و أنّ لي ذلك ؟؟...وأنا الذي لي نفس تهوى وتعشق نفوسا رأتها وكابرت فيها حبّها للحياة وحرصها أن أعيش حياتي في سعادة و إن كانت على حسابهم وعلى تضحياتهم
هو الذي همس إليهم ليعلموك ويلقونك أنّك ضعيف ,زائل ,صغير, محتاج إليه في كل خطوة وهذا لعمري محمود في صيغته منبوذ و مكروه في طريقة تلقينه و دلالته التي يمتّزج فيها الصبّر والقناعة كثنائية تختزل ركائز إيمانك فالصبّر مفتاح الفرج فتجدك ضعيفا ,قليل الحيلة ,متذلّلا تطلبه ليل نهار و تبقى هكذا حتى تموت على أمل أن يكون الغدّ أفضل و بإنتظار تعويضك في الآخرة التي لا تعرف متى تأتي ولا ماذا تحمل في طيّاتها.... في حين المعادلة سهلة فالصبر حيلة الضعفاء وما وجدت قويا ولا غنيا ولا واحدا من وجهاء قوم و أعيانهم صبّورا بل تجده مقبلا غير مدّبر متلهف متعطّش يزيد ربّحه و يتحسن حاله فلا يعرف معنى الصبّر و لا يحتاج له أصلا أمّا عن القناعة فهي كنز الفقراء الذين اُلزمو بها بعد أن عجزو عن العيش بكرامة و تحقيق مآربهم الدنيّوية وأحلامهم البسيطة فهي إذن مُسكّنات لعاهة الفقر والخصاصة والمعاناة يُلبسونك إيّاها كي تُصنّف حقّك الذي لم تنلّه على انّه إبتلاء او إختبار من ربّك وحتى تخضع لتقسيمات تجعلك تُضاجع ضنك الحياة في حين غيرك ينّعم بالملذّات
لا تشكّ ,لا تسأل, لا تشكّك, لا تفعل فهو يحرّم و يزمجر و يفسّر و لا يُسئل عن ما يفعل فالأكيد أنّه عليم ويعرف كيف يعدل هكذا يجيبونك إن تجرأت وأردّت أن تعلم و الحال أنّ ربّك وربّي و ربّ هذا الوجود لن يرضى بعبد يعيش تخت الخضوع ويؤمن بدّجل الشيوخ و يعبده خوفا وطمعا لا حبّا وشغفا فإنّ إعتبرت علاقته بك أبّوية فهل هناك من يعذّب إبّنه؟؟ و إنّ إعتبرت علاقتك به عبودية فهل تراه خلقك و صوّرك وكتب خطواتك و قدّر لك كل شيء ثم يحاسبك و يخلّدك في عذاب لأجّل شيء هو قدّره و وفّر له الظروف وسيّره ...وعلى هاته الشاكلة من المتناقضات التي تلوكها لبِّنات أفكاري لا يسعني إلّا أن أقول يحيا ديّن ربّي الذي يّلهمني أن أتصفح مجريات حياتي و أطالع بصماتي قبل أن يتوفاني ويسألني في ما قضيت حياتي ......
ولد الغرسلي
#بلال_غرسلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟