أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (14) أحمد صبحى منصور















المزيد.....


مثقفون مع الأصولية الإسلامية (14) أحمد صبحى منصور


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4344 - 2014 / 1 / 24 - 12:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الدكتور أحمد صبحى منصور(مواليد 1949) نموذج (من بين نماذج عديدة فى الثقافة المصرية السائدة والبائسة) ل (المثقف) الذى ينقسم علقه إلى نصفيْن متعارضيْن : نصف مع الحرية والعدالة (وهما لا يتحققان إلاّ بالتشريعات الوضعية) ونصف مع المرجعية الدينية (وهى مرجعية أسّستْ للتمييز بين البشر) فمن بين اجتهاداته المهمة اعتبار زواج اليهودى والمسيحى من المسلمة حلال . وخالف أهل السنة فى مسائل تدعو العقل الحر للتفكير فيها ومنها : إنكاره لصيغة التشهد وقال إنّ الشهادة للرسول أثناء الصلاة نوع من الشرك لأنّ الصلاة يجب أنْ تـُقام لله وحده. وكذلك ذِكر النبى إبراهيم فى التشهد نوع من الشرك . واختلف مع السنة فى ذِكر اسم النبى محمد فى الأذان وهذا نوع من الشرك . وقال إنّ النبى محمد ليس أفضل الأنبياء لنهى القرآن عن التفريق بين الأنبياء . وهو هنا استند إلى الآية التى تكلمتْ عن الأنبياء من إبراهيم إلى عيسى وفى ختامها ((لا نفرق بين أحد منهم)) (البقرة/136) وكرّرها فى آل عمران/84 بنفس الألفاظ ولكنه رغم أنه (قرآنى) تجاهل آيتيْن نفتْ ما سبق ((تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات)) (البقرة/ 253) و((ولقد فضّـلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زابورًا)) (الإسراء/55) وأعتقد أنّ طغيان اللغة الدينية على تفكيره جعلته يتحرّج من الإشارة إلى رأييْن متعارضيْن . ولكن يُحمد له شجاعته عندما كتب أنّ ((الفتوحات الإسلامية عبارة عن استعمار من أجل المصالح المادية)) ومن آرائه الجريئة المُخالفة لأهل السنة أنه يمكن الحج خلال أشهر الحرم وليس شهر ذى الحجة فقط .
د. منصور أحد رموز تيار(القرآنيين) وهو مصطلح أطلقه عليهم خصومهم ، فكان رد فعل (القرآنيين) أنه لا بأس من نسبتهم للقرآن بل إنه تشريف لهم وأطلقوا على أنفسهم (أهل القرآن) لأنّ القرآن هو ما أجمع المسلمون على صحته ، بينما اختلفوا حول صحة الأحاديث النبوية ليس بين المذاهب والفرق فقط ، وإنما داخل المذهب الواحد والفرقة الواحدة. ورغم أنّ (القرآنيين) على حق فيما ذهبوا إليه ، فإنّ المرجعية الدينية أوقعتهم فى مغالطات لا يمكن للعقل الحر الدفاع عنها، مثال ذلك رأيهم فى أنّ ((الإسلام يدعو للدولة العلمانية التى لا تـُفرّق بين المواطنين على أساس عرقى أو دينى ، كما أنها دولة ديمقراطية وتضمن حرية الرأى وحقوق الإنسان وليست مسئولة عن دخول المواطنين الجنة)) والجملة الأخيرة صحيحة. ويُحمد لهم ذكرها ويؤيدها العقل الحر. ولكن هل الإسلام يدعو للعلمانية ؟ إنّ التعريف العلمى (للعالمانية) أنّ البشر هم الذين يضعون التشريعات التى تحكم علاقاتهم بعضهم ببعض كمحكومين وعلاقاتهم بالحكام . ومعناها فى اللغات الأوروبية (الزمانكية) فى إشارة واضحة للزمان والبيئة لكل مجتمع ، وأهمية (حرف الألف) فى اللغة العربية حتى يكون المعنى نسبة إلى العالم الذى يعيش البشر على أرضه. بينما الفقه الإسلامى (سنى بكل فرقه وشيعى بكل طوائفه) يرى أنّ المشرّع هو الله . فلماذا تجاهل القرآنيون هذه البديهيات ؟ أما مسألة الديمقراطية وحرية الرأى وعدم التفرقة بين المواطنين على أساس دينى ، فإنّ القرآن صريح فى تمييز الرجل عن المرأة وتمييز (الحر) عن (العبد) ووضع أسس منظومة (ملك اليمين) والأساس (الإيمانى) لقتل المختلفين الذين أطلق عليهم القرآن (الكفار) مع ملاحظة أنّ قتلهم أخذ شكل المتوالية الدائمة ، أى ليس له أى ارتباط بفترة زمنية معينة مثل الآيات التى تناولتْ مشركى وكفار قريش ، وهذه المتوالية نصّتْ عليها آية ((يا أيها الذين آمنوا اقتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)) (التوبة/ 123)
ويُحمد للقرآنيين قولهم أنه لا عصمة للنبى وأنّ الصحابة اكتسبوا العصمة لمجرد رؤيتهم للرسول بينما ((كان منهم المنافق والفاسق)) وهو رأى مخالف لرأى أهل السنة.
تعرّض القرآنيون للهجوم الشديد من الثقافة المصرية السائدة لدرجة اتهامهم بالكفر وإقامة حد الردة عليهم . وأما الذين رفضوا استخدام لغة التكفير، فقد لجأوا إلى القرآن لنفى مزاعم القرآنيين الرافضين الأحاديث النبوية مثلما ورد فى سورة الحشر/ 7 والعلاقة العضوية بين الله والرسول ((من يطع الرسول فقد أطاع الله)) و((يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم فإنْ تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول)) (النساء/59، 80) والأحزاب/71 وآل عمران/32. ومن الذين هاجموا الرافضين للأحاديث النبوية ابن حزم الأندلسى (994- 1064م) الذى قال ((لو أنّ أحدًا قال لا نأخذ إلاّ ما وجدنا فى القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة. ومن قال بالقرآن فقط كافر حلال الدم والمال)) وذكر الشاطبى ( ت 1388م) أنّ من يرون الاقتصار على القرآن فقط قوم لا خلاق لهم ومن الخارجين عن أهل السنة (الموافقات فى أصول الشريعة- ج4ص17) لعلّ هذا الهجوم سببه أنّ القرآنيين لا يعتبرون أقوال السلف أو إجماع (العلماء) أو القياس وغيرها من مصادر التشريع الإسلامى (سنية وشيعية) أو غيرها من الفرق التى أطلق القرآنيون عليها (الأديان الأرضية) ومن هذا المنطلق فهم (فى نظر منتقديهم) يُخالفون الفكر الإسلامى السائد منذ عصر الإمام الشافعى ، وهو فكر يعتبره القرآنيون متطرفـًا ومخالفـًا للإسلام الصحيح . ويعتقد البعض أنّ إنكار السنة بدأ مع الخوارج الذين رفضوا إقامة حد رجم (الزانى) ومسح الخـُفيْن وغيرها من التشريعات عبر الروايات المنقولة عن الرسول وليس لها وجود فى القرآن . وفى العصر الحديث ظهر القرآنيون فى الهند على يد أحمد خان وجاء بعده (عبدالله جكرالوى) فى باكستان.
000
أعترف بحق القرآنيين فى الاجتهاد. واعترف بوجهة نظرهم لأسباب رفض الأحاديث التى تم تدوينها بعد وفاة الرسول بحوالى 200سنة. وأعترف أنّ معظمها مشكوك فى صحتها وأنها ليست من أقوال الرسول ، بدليل أنّ البخارى (809- 869) اختار7593حديثــًا (فى بعض الموسوعات الرقم 7397 بخلاف الأحاديث المُكرّرة وعددها 2762) من بين 600 ألف حديث. وكتب أبو حنيفة النعمان ((هناك أحاديث كثيرة موضوعة : تـُفرّق وتـُشتــّتْ . وأخطر ما فى الدين النقل . والأحاديث التى وضعها الوضّاعون هى التى تـُفرّقنا وتـُضعفنا . وما جاء به الرسول فعلى العين والرأس – لأنه معصوم- وما جاء به أصحاب الرسول اخترنا لأنهم غير معصومين فنحن رجال وهم رجال)) كذلك فإننى أؤيد ما قاله د. منصور من أنّ (الأمويين عملوا على ترسيخ حكمهم من خلال تلفيق أحاديث ترفع من شأن معاوية ابن إلى سفيان جد الأمويين للتقليل من شأن على بن إلى طالب وذريته. ثم فعل العباسيون مثلهم فى تمجيد ابن عباس والتعظيم من شأنه. وعمل الكهنوت فى الدولتيْن على خلق أحاديث ونسبتها للنبى تـُساعد على تثبيت حكمهم . وأحاديث أخرى للتخلص من معارضيهم مثل حديث قتل المرتد . وأحاديث عن (الجبرية) فى العصر الأموى التى اعتبرتْ أنّ كل شىء مُقرّر على الإنسان ، وبالتالى فإنّ (القدر) مع وجود الحاكم فى السلطة)) ومن رأى د. منصور أنّ هذه الأحاديث من أجل الهاء الناس بأمور فرعية حتى لا يُطالبوا بحقوقهم وكذلك من أجل تقييد حرية الرأى . كل هذا أعترف به وأقره ، ولكن غاب عنه دراسة الأحاديث وتحليل مضمونها بغض النظر عن (اسم) قائلها سواء كان محمد أو (الوضـّاعون)
فمثلا حديث ((لا تكون العرب كفؤًا لقريش والموالى لا يكونون كفؤًا للعرب)) (شمس الدين السرخسى الذى نسب هذا الحديث لمحمد فى (المبسوط) طبعة دار المعرفة ببيروت عام 86- ج3 ص24) فهذا الحديث- بغض النظر عن قائله- تعبير عن نزعة العرب العنصرية. وهى نزعة كتب عنها كثيرون سواء فى العصر الوسيط ، أو فى العصر الحديث ، فهل يمكن فصل هذا الحديث عن كلام معاوية بن أبى سفيان الذى قال ((وجدتُ أهل مصر ثلاثة أصناف فثلث ناس وثلث يُشبه الناس وثلث لا ناس . فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب . والثلث الذين يُشبهون الناس فالموالى والثلث الذين لا ناس المُسالمة يعنى القبط)) (المقريزى- المواعظ والاعتبار- ج1ص50 وابن إيّاس فى بدائع الزهور- ص 48، 49) وذكر كعب الأحبار أنّ شرّ نساء على وجه الأرض نساء مصر. ومصر أرض نجسة)) (المقريزى- المصدر السابق- ص50) وذكر الطبرى أنّ النعمان كان يفتخر بالعرب ((وفضلهم على جميع الأمم ، لا يستثنى فارس ولا غيرها)) (ج4ص25) وذكر أ. أحمد أمين ((افتخرتْ نزار على اليمن . وافتخرتْ اليمن على نزار. وثارتْ العصبية فى البدو والحضر. وفى العصر العباسى لما تولى معن بن زائدة الشيبانى اليمن قتل من أهلها تعصبًا لقومه من ربيعة)) وبعد احتلال العرب لفارس والشام ومصر((شعروا أنّ الدم الذى يجرى فى عروقهم دم ممتاز. ليس من جنسه دم الروم والفرس وأشباههم . وتملكهم هذا الشعور بالسيادة والعظمة فنظروا على غيرهم من الأمم نظرة السيد إلى المسود)) ضحى الإسلام – ص40)
أما الموقف من الزراعة فقد نصّ الحديث على ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)) (محمد عبد الرؤوف المناوى فى فيض القدير شرح الجامع الصغير- دار النهضة الحديثة- عام 71) فهذان الحديثان (العنصرية العرقية ومعاداة الزراعة) أدق تعبير عن الذهنية العربية ، وتبعًا لذلك فإنّ العقل الحر لا يتوقف أمام (اسم) قائل الحديث ، وإنما يتأكد لديه (= العقل الحر) أنّ هذه الأحاديث وغيرها قالها شخص (عربى) سواء كان محمد أو غيره. وهكذا فى باقى الأحاديث المنافية للعقل وللإنسانية مثل الموقف من المرأة أو الأحاديث التى يتجنبها الأصوليون مثل ((أراد رسول الله أنْ يبعث معاذا بن جبل إلى اليمن قال ((كيف تقضى إذا عرض لك قضاء ؟ قال بكتاب الله. قال فإنْ لم تجد فى كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله . قال : فإنْ لم تجد فى سنة رسول الله ؟ قال أجتهد رأيى ولا آلو. فقال الرسول : الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله)) (سنن أبى داود ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذى) والحديث الذى وجّهه الرسول ل (بـُريدة) عندما أرسله فى غزوة من الغزوات فقال له ((إذا حاصرتَ أهل حصن فأرادوك أنْ تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا)) (صحيح مسلم) فى الحديث الأول فإنّ محمد يُقر بأنّ القرآن ليس فيه (كل شىء) كما يزعم الأصوليون وفى الحديث الثانى يأمر (بـُريده) عندما يغزو ويحاصر أهل أى حصن بأنْ لا يحكمهم بحكم الله حتى لو طلبوا منه ذلك ، ونظرًا لأهمية وخطورة هذيْن الحديثيْن فإنّ الأصوليين يتجنـّبون – ولو- الإشارة إليهما . وطالما أنّ (القرآنيين) يرفضون الأحاديث ، فكان المفترض إجراء دراسة تهتم بتحليل مضمون الأحاديث والتركيز على المعنى وعلى البنية العقلية للعرب ، بغض النظر عن (اسم) قائل الحديث ، فلا يُعقل أنْ يكتب أى مواطن تم احتلال أرضه من العرب حديثــًا يُمجد فيه العرب قائلا أنهم أفضل شعوب الأمم . ولا يُعقل أنْ يكتب مواطن ابن لثقافة النهر والزرع حديثــًا يحتقر فيه الزراعة.
000
فى مايو92 تقدّم د. منصور ببحث للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان حشده بكم هائل بالآيات القرآنية. وعن الحوار مع الخصوم كتب أنّ ((الله تعالى ينهى عن الوقوع فى سب الخصم وتسفيه معتقداته ومقدساته حتى لا يندفع الخصم فى سب الله تعالى)) ثم ذكر جزءًا من الآية 108من سورة الأنعام . وكان تعليق أ. خليل عبد الكريم أنّ ((الباحث ترك آيات قرآنية كثيرة لمجرد أنها لا تؤيد مذهبه. لأنها تعرّضتْ لمعتقدات ومقدسات خصوم محمد ووصفتهم بأوصاف تـُفصح عنها بذاتها . مثل تشبيه حملة التوراة بالحمار الذى يحمل أسفارًا (الجمعة/5) وصفهم بالقردة والخنازير (المائدة/60) وكرّرها بصيغة أخرى ((كونوا قردة خاسئين)) (البقرة/65) واستخدم لفظ السفهاء (البقرة/ 142) وتكفير من قال إنّ الله هو المسيح ابن مريم (المائدة/ 72، 73) هذا بخلاف الآيات التى تناولتْ من أطلق عليهم القرآن (المشركين والكفار) ووصفهم بالأنعام (الأعراف/179) وبالنجاسة (التوبة/28) وغير ذلك من الآيات. وكتب د. منصور أنّ الإسلام قرّر الحرية الدينية للخصم وتركه لما اختاره ، فاختار بعض الآيات المؤيدة لوجهة نظره وتجاهل الآيات التى نفتْ كل الأديان بحيث لا يبقى إلاّ الإسلام فقط (آل عمران/19، 85) والتحريض على القتل (البقرة/191، 193والنساء/89، 91) وعليهم أداء ضريبة (الجزية) أو القتال (التوبة/29)
كان من رأى أ. خليل عبد الكريم أنّ مجرد اعتناق (الآخر) لعقيدة مغايرة يعطى الحق فى نفيه من أرضه التى استقرّ عليها مئات السنين قبل ظهور الدين الجديد . وهل الشيخ منصور أكثر فقهًا للإسلام من عمر بن الخطاب الذى قرّر إجلاء (أهل الكتاب) من الجزيرة العربية ؟ (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- سينا للنشر- عام 95- ص97) وقد تأكد ذلك فى سورة البقرة/221. وأضاف أنّ ((الشيخ منصور يرى أنّ الجهاد قد شـُرّع لتقرير حرية الرأى ، ويبدو التناقض ومجافاة المنطق واضحيْن ، إذ كيف يسوغ فى العقل أنّ الجهاد أو الكفاح المسلح أو القتال قد شـُرّع لتقرير حرية الرأى ، لو أنه قال للدفاع عن حرية الرأى لبدا ذلك مستساغًا ، أما لتقرير حرية الرأى فهذا لا يقبله المنطق ، ويناقض نفسه فيما ذكره عن تقرير الحرية الدينية للخصوم . فكيف يتوافق القتال المسلح مع الصبر والإعراض والتسامح بأرقى أسلوب فى التعامل ؟ ومن الغريب أنْ يصدر هذا الإدعاء من أستاذ تخصصه الأصيل هو التاريخ الإسلامى . وسكت عن إجلاء اليهود والنصارى عن الجزيرة العربية لسبب يتيم وهو اختلاف العقيدة)) وعن الآية ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)) (التوبة/5) كتب أ. خليل ((وهذه الآية هى المشهورة فى كتب علوم القرآن والتفسير (بآية السيف) والتى يرى كثير من أصحابها أنها نسختْ آيات الصفح . وأورد القرطبى فى تفسيره لها ((قال الحسين بن فضل : نسختْ هذه الآية كل آية فى القرآن فيها ذِكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء . وقال مجاهد وقتادة بل هى ناسخة لقوله تعالى ((فإما مَنـّا بعد وإما فداء)) وأنه لا يجوز فى الأسارى من المشركين إلاّ القتل)) أى أنه حتى الأسرى لا يفلتون من القتل وهو ما تأكد فى حديث ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) الذى جاء فى الصحيحيْن البخارى ومسلم ومسند أحمد . كما تحكـّمتْ العاطفة الدينية فى الشيخ منصور لرجة إنكاره واقعة ثابتة فى كتب السيرة والتفسير وهى واقعة إحراق وتدمير مسجد بنى عوف الذى سُمى مسجد ضرار. وهى واقعة ذكرها القرطبى وابن هشام الذى كتب ((فلما انصرف النبى من تبوك وقد أتوه (بنو عوف بن غنم قوم أبى عامر الراهب وقد سماه النبى الفاسق) وقد فرغوا من بناء مسجد ضرار وصلوا فيه. فنزل على محمد القرآن بخبر المسجد . فدعا النبى مالك بن الدخشم ومعن بن عدى وعامر بن السكن ووحشيًا قاتل حمزة وقال انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه. فخرجوا مسرعين فأحرقوا المسجد وهدموه)) وهى نفس التقاصيل التى ذكرها القرطبى . وفى حين أنكر د. منصور هذه الواقعة ، فإنّ أ. خليل كتب ((لماذا لم يظل المسجد باقيًا كغيره من المساجد)) (المصدر السابق- من ص99- 104)
الإسلام وحقوق الإنسان :
وبينما د. منصور يرى أنّ الإسلام لا يُفرّق بين المواطنين ، وضمنَ لهم حرية الرأى والعقيدة إلخ ، فإنّ أ. خليل عبدالكريم يرى خلاف ذلك ، فكتب أنّ الإسلاميين عندما سمعوا بمسألة (حقوق الإنسان) بادروا إلى الزعم بأنّ (النصوص المقدسة) نادتْ بها قبل أنْ يُعلنها (الفرنجة) بأكثر من عشرة قرون وعلى ذلك طلعوا علينا بما أطلقوا عليه (الإعلان الإسلامى العالمى لحقوق الإنسان) فى شهر سبتمبر81 بهيئة اليونسكو نتيجة إلحاح من المجلس الإسلامى . وفات الجهابذة البهاليل الذين دبّجوا الإعلان الإسلامى أنّ حقوق الإنسان انتزعها البشر بجهودهم انتزاعًا وبتضحياتهم ودمائهم وأنها ليست منحة إلهية أو عطية نبوية أو هبة خليفية. وأنّ الإعلان الإسلامى يفتقر إلى بُعديْن : البُعد الأول بشرى ومفاده أنّ البشر هم الذين ناضلوا حتى حصلوا على (حقوق الإنسان) أما إذا جاءت تلك الحقوق من سلطة فوقية فمن اليسير أنْ تـُنتزع منهم لأنّ من وهب شيئــًا يستطيع أنْ يرجع فى هبته. البعد الثانى تاريخى : (1) التراكمات التاريخية أى حلقات الصراع التى خاضها البشر فى كل مكان وعلى طول التاريخ لانتزاع حقوقهم من الحكام. وهذه التراكمات هى التى تـُجذر حرص البشر على حقوقهم (2) الاختلاف فى المضمون من حقبة إلى أخرى : فحقوق الإنسان منذ قرنيْن ولا نقول منذ عشرة قرون تختلف عن حقوقه فى الوقت الحاضر. وسوف تختلف عن حقوقه بعد قرن وهذا الاختلاف مرده إلى الطبيعة الديناميكية للبشر، بخلاف ما إذا كانت حقوق الإنسان مرجعيتها (نصوص مقدسة) فإنها تتسم بالاستاتيكية والثبات وعدم التغيير، لأنّ هذه المرجعية لا يجوز تخطيها لقداستها. كل هذا فات على الإسلاميين الذين فى غمرة حماستهم الفجة للإسلام أذاعوا (الإعلان العالمى الإسلامى لحقوق الإنسان) وأرجعوه إلى نصوص مقدسة ولو أنهم أرجعوه إلى نضالات المسلمين والعرب التى خاضوها خلال الثورات التى رفعتْ لواءها الفرق المتباينة : الخوارج والشيعة والمعتزلة والقرامطة والزنج والثورات الشعبية فى مصر ومنها الثورة العارمة التى انفجرتْ فى عهد المأمون الذى حضر من بغداد عاصمة خلافته ونجح فى إخمادها بوحشية ودموية ، لو فعلوا ذلك لكان لإعلانهم مصداقية (مصدر سابق- من91- 93)
وكتب أنّ الكهنوت من (فقهاء الدين) كلهم ودون استثناء ، لم يكن لهم همٌ إلاّ استرضاء الخلفاء والتزلف إليهم . ومن غريب- وكم فى مبحث الشيخ صبحى منصور من غرائب- أنه لم يذكر المعتزلة أصحاب (ثورة العقل) فى الفكر الإسلامى . أما إذا كان الشيخ منصور يقصد بالكهنوت سواء الأموى أو العباسى : الخلفاء فهذا توصيف خاطىء ، فالخلافة منصب (مدنى) وهذا ما أكده كثيرون أمثال على عبد الرازق والمستشار محمد سعيد العشماوى الذى أثار عليه نقمة الإسلاميين الذين لا يطيقون سماع كلمة فيها بصيص من استنارة. ولم يعد يجرؤ أحد على القول أنّ الخلافة منصب دينى بل كهنوتى إلا دعاة الدولة الدينية التى يحاول الشيخ منصور أنْ يُقنعنا أنه يناصبهم العداء . كما أنّ القول ب (دينية الخلافة) هو ما يؤكده دعاة (الدولة الدينية) أى أنّ الشيخ منصور يقف معهم فى خندق واحد (مصدر سابق- ص 126، 127)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (13) محمد أحمد خلف الله
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (12) د. قاسم عبده قاسم
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (11) رجاء النقاش
- رد على الأستاذ أحمد المصرى
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (10) الدكتور جلال أمين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (9) فاروق عبد القادر
- رد على الأستاذة ساره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (8) صلاح عبد الصبور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (7) أحمد بهاء الدين
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (6) نعمان عاشور
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (5) د. محمد عماره
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (4) محمد سيد أحمد
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (3) نجيب محفوظ
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (2) د. مصطفى محمود
- مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى
- المؤسسة الإعلامية والأصولية الدينية
- وزارة الشئون الاجتماعية والأصولية الإسلامية
- المؤسسة التعليمية والأصولية الإسلامية
- مؤسسة الأوقاف
- نماذج من مؤسسات دولة البكباشية الدينية


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مثقفون مع الأصولية الإسلامية (14) أحمد صبحى منصور