|
وأخيرا عقد البعث مؤتمره
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
وأخيرا عقد حزب البعث السوري مؤتمره العاشر خلال الفترة من السادس وحتى التاسع من حزيران 2005، تحت شعار " رؤية متجددة...فكر يتسع الجميع". وقد سبق انعقاد المؤتمر الكثير من الرهانات حول مستوى النتائج التي يمكن أن تتمخض عنه، سواء من داخل الحزب ذاته، أو من خارجه، وخصوصا من قبل المعارضة السورية بكل أطيافها. ولم يكن غائبا أيضا عن أنظار العديد من الجهات الخارجية التي كانت تتابع ما يجري في سورية، خصوصا بعد أن وضعتها الإدارة الأمريكية في بقعة الضوء. وكان واضحاً لكل مراقب أن التشاؤم هو الذي سيطر على رهانات الجميع، انطلاقاً من تصور معين لبنية السلطة في سورية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لكون البعث ذاته قد فقد قوامه ودوره كحزب، وحولته السلطة إلى مجرد جهاز من أجهزتها. يضاف إلى ذلك أن المعارضة كانت تنظر إلى المؤتمر من منطلق فهم معين لممكنات سلطة البعث ذاتها، فجاءت توقعاتها منخفضة جداً، وغير واثقة. وفي مجمل الأحوال لم تخرج المعارضة عن نطاق تقديم المطالب، إلى نطاق تقديم المقترحات. وبالعودة إلى نص البيان الختامي للمؤتمر سوف نجد أن توصيات المؤتمر في مجال السياسة الداخلية قد فاجأت المعارضة إلى حد كبير، إن لجهة " تأكيد المؤتمر على مراجعة أحكام دستور الجمهورية العربية السورية بما يتناسب مع التوجهات والتوصيات"، أو لجهة " دعم أجهزة السلطة القضائية واستقلاليتها"، والمطالبة بوضع " آليات ناجعة لمكافحة الفساد والحد من ظاهرة الهدر في المال العام". والمفاجأة كانت أكبر لجهة تأكيد المؤتمر على" أهمية إصدار قانون أحزاب يضمن المشاركة الوطنية في الحياة السياسية"، وضرورة مراجعة " قانون الانتخاب لمجلس الشعب والإدارة المحلية وتطوير هذا القانون". وكذلك توصية المؤتمر بضرورة تعزيز " مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع واعتبار المواطنة هي الأساس في علاقة المواطن بالمجتمع والدولة"، و " مراجعة قانون الطوارئ وحصر أحكامه بالجرائم التي تمس أمن الدولة" ، وإلغاء " المرسومين التشريعيين رقم 6 لعام 1965 المتعلق بمناهضة أهداف الثورة، ورقم 4 لعام 1965 المتعلق بعرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية، وإلغاء القانون رقم 53 لعام1979 المتعلق بأمن الحزب". من المعروف أن المرسومين المشار إليهما برقم 6 ورقم 4 لعام 1965 ،شكلا المرجعية القانونية لمحاكمة جميع الوطنيين الديمقراطيين في سوريا، وإن إلغاؤهما سوف يلغي الكثير من مبررات وجود المحاكم الاستثنائية، مثل محكمة أمن الدولة العليا، والمحاكم العسكرية المختصة بالنظر في الجرائم المنصوص عليها في المرسومين المذكورين. كما أكد المؤتمر على ضرورة " حل مشكلة إحصاء عام 1962"، وإعادة النظر بـ " قانون المطبوعات، وإصدار قانون جديد للأعلام بأنواعه كلها". ويجب أن لا ننسى مسألة التخلص مما أصطلح على تسميته بالحرس القديم، في عملية تشبه الانقلاب الأبيض من حيث اتساعها، ومن حيث ثقل الأشخاص الذين تم التخلص منهم، ودورهم السياسي في حياة سورية المعاصرة. ومع أننا لم ننظر في أي وقت من الأوقات إلى السلطة بدلالة ازدواجيتها بين حرس قديم وحرس جديد، فإن تنحية ما يسمى بالحرس القديم من السلطة، وضع السلطة "الجديدة" أمام مسؤولياتها وحصر الإحالة فيها، وبالتالي لم يعد ثمة عذر تتذرع به لتأخير عمليات الإصلاح التي تحتاجها سورية للخروج مما هي فيه. من الناحية النظرية على الأقل يمكن القول أن ما يسمى بالتيار الإصلاحي في حزب البعث قد حسم أمر موقعه في السلطة وفي قيادة حزب البعث، وهو مطالب الآن بتبرير ذلك من خلال الإقلاع بعملية إصلاح جدي وعميق. بالطبع لم يأتي المؤتمر على ذكر القانون 49 المتعلق بإعدام كل منتسب إلى الإخوان المسلمين، لأسباب معروفة، فلا يزال الأخوان المسلمون خط أحمر بالنسبة للسلطة، وهذا شيء مؤسف حقاً. إن ما صدر عن المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية، من توصيات يجب النظر إليها كخطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، يجب أن يقابلها من المعارضة خطوات. وخير ما تبدأ به المعارضة من خطوات هو أن تعلن بكل وضوح برنامجا متكاملا للتغيير والإصلاح كنوع من مساهمتها الخاصة. يمكنها مثلا أن تعرض رؤيتها لتعديل الدستور، وما هي المواد التي يجب أن يطاولها التعديل، بدلا من التوقف عند حدود المطالبة بجمعية تأسيسية تعد دستورا جديدا للدولة،الأمر الذي يتطلب موازين قوى مختلفة وظروفا مختلفة. مطلوب منها أيضا أن تساهم بمقترحات عملية تتعلق بقانون الأحزاب، و تفعل خيرا إذا عرضت مشروعا كاملا في هذا المجال، بدلا من التوقف عند حدود المطالبة بقانون عصري للأحزاب السياسية. ينطبق المطلب ذاته على قانون المطبوعات، وعلى قانون الإعلام..الخ. مطلوب منها أيضا في هذه المرحلة المساهمة بتحديد نطاق تطبيق إعلان حالة الطوارئ، والجرائم التي يطاولها، بحيث تنحصر فعلا في نطاق الأمن القومي ذي الصلة بالصراع مع العدو الإسرائيلي، طالما أنه من المتعذر في الوقت الراهن، من منظور السلطة، إلغاء إعلان حالة الطوارئ..الخ. من جهة أخرى لا يزال الكثير يتوقف على السلطة باعتبارها المسؤولة عما وصلت إليه البلاد من تردي وضعف، وأيضا باعتبارها الطرف الأقوى في المعادلة الداخلية. وقبل كل شيء عليها أن تبرهن على مصداقيتها وجديتها، وخير ما يمكن أن تبدأ به هو إخلاء سبيل جميع السجناء السياسيين، وسجناء الرأي وإغلاق ملف الاعتقال السياسي نهائياً، والسماح بعودة المنفيين طوعا أو كرها إلى الوطن، فهذا إجراء في متناول السلطة مباشرة ولا يحتاج إلى أكثر من عفو رئاسي.وبعد ذلك يمكن الشروع بتسوية أوضاع الذين تضرروا من حالة الطوارئ ورد المظالم إلى أهلها. ومما له مغزى كبير في مجال اكتساب المصداقية والجدية، أن تبادر القيادة البعثية الجديدة بحملة تطهير في صفوف حزبها، تخلصه من جميع المفسدين في صفوفه، وتخرجه من جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها. و يمكنها أيضا في خطوة موازية، أن تدعو إلى ندوة وطنية، تشارك فيها جميع القوى والفعاليات والأحزاب السياسية للتوافق على مشروع وطني للتغير والإصلاح، تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية. وفي هذا المجال على السلطة أن تعلن صراحة نيتها تعديل المادة الثامنة من الدستور، وكذلك طريقة انتخاب الرئيس خلال أجل محدد يمكن التوافق عليه في ضوء الانتقال السلمي المتدرج والآمن من وضعية الدولة الأمنية إلى دولة الحق والقانون، من نظام الاستبداد الشمولي إلى فضاءات الحرية والديمقراطية. على السلطة أيضا أن تعلن صراحة مفهومها لأمن الدولة، وتحدد الجرائم التي لا تزال مشمولة بإعلان حالة الطوارئ، على أن تقتصر على الجرائم التي لها علاقة بالصراع مع العدو الإسرائيلي. ومما له صفة الاستعجال إلغاء المرسومين رقم 6 ورقم 4 لعام 1965 سيئي السيط، اللذين أوصى المؤتمر بإلغائهما، والكف عن ملاحقة الوطنيين الديمقراطيين بالاستناد إليهما. إن الإصلاح السياسي الجدي والعميق، ومشاركة الجميع في الحياة السياسية الوطنية دون إقصاء أو تمييز، الذي طالبنا به باستمرار، هو المدخل الوحيد الجدي للإصلاح والتغيير في جميع المجالات الأخرى، هو الرافعة الأقوى للنهوض بالمجتمع والدولة وتحصينهما في مواجهة قوى الفساد والنهب والتدمير الذاتي الداخلي، وكذلك في مواجهة الضغوطات الخارجية، والمشاريع الإمبريالية والصهيونية التي لا تريد بنا خيراً. فهل تدرك قيادة البعث الجديدة خطورة المرحلة، وإنه من غير المسموح به تضييع خمسة سنوات أخرى.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السوريون يكسرون القاعدة الذهبية لنظامهم
-
في سبيل مشروع وطني ديمقراطي لإنقاذ سورية
-
نحو حزب سياسي منفتح على المستقبل
-
مساهمة في نقد العقلية البعثية
-
الليبرالية وحذلقة المثقفين
-
بحث في طبيعة السلطة في سورية واحتمالات انفتاحها على العصر
-
حتى لا يخطئ أحد في قراءة التحركات الشعبية
-
نحو حزب بلا تاريخ-ضروراته وهويته
-
مبروك للشعب المصري
-
حرية المرأة من حرية الرجل
-
اغتيال الحريري:اغنيال لمشروع العلاقات المميزة
-
حول محاضرة نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السيد عبد الح
...
-
كيف ستبدو سورية بعد الانسحاب من لبنان
-
مستقبل العلاقات السورية اللبنانية
-
ملاحظات على البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي السو
...
-
ملاحظات حوا البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي 2
-
ملاحظات على مشروع البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماع
...
-
حول الإصلاح في سورية: رؤية من الداخل
-
الديمقراطية ذات اللون الواحد
-
هواجس لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي في سورية
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|