|
التشريعات القانونية والمبادئ الدستورية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:41
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يستند بناء الدولة الحديثة على جملة من التشريعات القانونية والمبادئ الدستورية المنظمة لآليات عمل مؤسسات الدولة وعلاقتها بعضها بالبعض الآخر وما تقدمه من خدمات للمواطنين، إضافة إلى أنظمتها الداخلية المنظمة لهيكلية عملها وصلاحية العاملين فيها. في حين أن المبادئ الدستورية تعمل على إقرار شروط العقدين السياسي والاجتماعي بما يحقق مصالح المجتمع، ويمنح الحكومة الشرعية اللازمة لإدارة شؤون مؤسسات الدولة والحفاظ على أمن واستقرار المجتمع ليصار إلى تفعيل عملية البناء والتطور بما يحقق المستقبل المنشود لأفراد المجتمع. إن إصدار الحكومة للتشريعات القانونية دون الاستناد إلى المبادئ الدستورية، قد يؤدي إلى نوع من التعارض بينهما. ومع الزمن قد تعمل الحكومة على التنصل من أحكام الدستور واستئثارها بالسلطة، وبالتالي تعريض مصالح المجتمع للانتهاك والتجاوز!. عمدت الدول الحديثة على حل هذه الإشكالية من خلال فصلها للسلطات الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) للحد من التجاوزات المحتملة على مبادئ الدستور. وبذات الوقت منحت السلطة التنفيذية الحق في اقتراح التشريعات اللازمة، لتفعيل عملها ليتم مناقشتها وإقرارها من قبل السلطة التشريعية لتكون نافذة. وبما أن السلطة التشريعية (البرلمان) مؤلفة من ممثلي الشعب، فإنها تتمتع بالشرعية اللازمة لإقرار وإصدار التشريعات اللازمة لتفعيل عمل الحكومة بما يخدم المصالح العامة للناخبين. إن الصلاحيات وما تتمتع بها السلطة التشريعية من كونها مؤلفة من ممثلي الشعب غير كافية دون أن يقرها دستور دائم يقرًّ بشروط العقدين السياسي والاجتماعي، ويحدد صلاحيات ومهام السلطات الثلاثة المستند إليها هرم الدولة. ولايعد الدستور شرعياً ما لم يخضع إلى التصويت الشعبي، ليتم إقراره من قبل أفراد الشعب كونهم القاعدة الأساس لنشوء الدولة. يرى ((توماس بين))" لكي يكون الدستور قانونياً لاينبغي له أن يكون من صنع الحكومة، بل من صنع الشعب. ويجب أن تعمل على صياغته لجنة منتخبة، لأنه القانون الأساسي الذي لايخضع لإدارة الحاكم". صحيح أن ثقافة الجمهور متفاوتة، وليس بمقدور جميع أفراد المجتمع على مناقشة مبادئ وماهية الدستور للتصويت عليه. لكن بذات الوقت هناك عدداً ليس بالقليل منهم منضوي تحت مظلة أحزاب سياسية أو منظمات مهنية أو اجتماعية، تضم في قياداتها نخب مثقفة قادرة على المساهمة الفعالة في صياغة مبادئ الدستور وشرح ماهية بنوده لجمهورها ومن ثم إقناعه بالتصويت مع أو ضد. عموماً هناك عدد من المهام الأساسية التي يجب أن يقرها أي دستور حديث في العالم خاصة منها شروط العقدين السياسي والاجتماعي اللذان يضمنان حقوق وواجبات الفرد في المجتمع ويحدد صلاحيات السلطة ومؤسساتها الأساسية بما يخدم مصالح المجتمع. يعتقد ((أنور مغيث)) أن مهام الدستور الحديث، يجب أن يأخذ بالاعتبار:" تنظيم أداء السلطات العامة للدولة عن طريق تحديد مجال الاختصاص. وحماية حقوق الفرد ضد أي تعدي محتمل من جانب السلطة. وأن يفرض بوصفه قانوناً فوق كل قانون أخر، ويكون معياراً لشرعية ما يستحدث من قوانين". إن اعتباطية إصدار التشريعات القانونية من قبل الحكومة، يعد انتهاكاً حقيقياً لمبادئ الدستور المنضم الأساسي لآلية إدارة شؤون الدولة والمجتمع. وحتى المبادئ الدستورية ذاتها، إن لم تخضع إلى شروط قانونية محددة تكون عديمة الجدوى، وفي الكثير من الأحيان تكون معيقة للعملية السياسية برمتها. ويتوجب الإشارة إلى أن مبادئ الدستور ليست كتاباً مقدساً، لايمكن المساس بها أو تعديله أو إلغاء أحد بنوده حتى لو تم إقراره من قبل الشعب!. إن آليات عمل مؤسسات الدولة عند تحديثها (في بعض الأحيان) لتتوائم مع الأنظمة العالمية قد تتعارض ومبادئ الدستور، مما يتطلب إجراء تغيير أو تعطيل أحد بنود الدستور وإلا فإن عملية التحديث والتطور ستراوح مكانها. وبهذه الحالة تأخذ السلطة التشريعية على عاتقها إجراء التغيير أو التعطيل لبند واحد أو أكثر من بنود اللدستور، لما يخدم مصالح المجتمع. ولكن يتوجب لفت الانتباه إلى أن القرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل الشعب، لايحق للسلطة التشريعية اتخاذ إجراء ما بشأنها دون إخضاعها للتصويت الشعبي. وهذا الإجراء متبع في الدول الديمقراطية التي قطعت أشواطاً طويلة في العملية الديمقراطية، فعلي سبيل المثال: لجأت السويد إلى التصويت الشعبي للدخول إلى الاتحاد الأوروبي ونالت موافقة الشعب، ولجأت مرة أخرى إلى التصويت الشعبي لاستبدال العملة السويدية بالعملة الأوروبية ولم تحصل على موافقة الشعب. ورفض الشعبان الفرنسي والهولندي، من خلال الاستفتاء على تبني الدستور الأوروبي!. يشترط ((هيغل)) خضوع المبادئ القانونية في الدولة إلى: 1-" لكي يكون القانون شرعياً (لأبد أن يعرف على نحو كلي) لأن تطبيقه ملزماً على كل المواطنين، لذا فلابد لكل مواطن أن يعرف مضمونه وإلا سوف يكون من الصعوبة القصوى أن نعتبر المواطنين مسؤولين أمام بنود هذا القانون، فالقانون يختص بالحرية فهو أثمن وأقدس شيء في الإنسان والشيء الذي لابد أن يعرفه هو هل هناك قوة تضغط عليه أم لا؟. 2-لايكون قانوناً ما شرعياً إلا أن تدعمه وتنفذه سلطة عادلة، ومهمتها أن تتحقق من أن العدالة قد أخذت مجراها في الحالات التي ينشب فيها صراع بين المواطنين أو ينتهك فيها القانون. 3- لايصبح القانون شرعياً إلا من خلال الدستور الذي لايحدد فقط تنظيم المجتمع، بل أيضاً نوع المؤسسات التي تتطور بداخلها شخصية المواطن النامية وتصل إلى درجة النضج. 4-يكون الدستور عقلياً، عندما يعبر عن غاية الإنسان القصوى ألا وهي الحرية (إن غاية العقل المطلق تحقيق الحرية الفعلية). 5-ينبغي على الدستور أن يعامل الإنسان كغاية في ذاته ولايعامله كوسيلة. أي أن الدولة يجب أن تعامل أعضاءها كأفراد. غير أن الفرد، هو موجود وذو حقوق. ولايستطيع أن يبلغ شخصيته ما لم تحترم الدولة الحقوق وتصونها. 6-إن يشارك المواطن في صياغة القوانين من خلال تصويته المباشر وغير المباشر عليه. ومشاركته في مؤسسات الدولة بفعالية، تعني إبداء رأيه المباشر في إدارة شؤون الدولة". عموماً يجب أن تشمل مبادئ الدستور ضمان حرية الأفراد والجماعات في اعتناق الأفكار والديانات والمعتقدات، وضمان حقوق الأقليات العرقية والدينية في ممارسة تقاليدها وشعائرها، والتوزيع العادلة للثروة والموارد بما يحقق مصالح المجتمع، والإقرار بتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وفصل السلطات الرئيسية الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) واحترام خصوصيتها وقراراتها، وضمان حقوق المرأة والطفل، ومجانية التعليم في كافة مراحله التعليمية، وضمان حقوق التقاعد لكافة المواطنين، وإقرار مبدأ الحوافز والمنح لتطوير العلم وتشجيع العلماء، وإقرار حقوق الملكية للنشر والثقافة، وإقرار مبدأ التعويض المالي عن أي انتهاك السلطة لحقوق المواطن، وإقرار حقوق المواطنة ومسؤولية الدولة في الدفاع عن مواطنيها في كافة أرجاء العالم، وإقرار مبدأ ازدواج الجنسية للمواطن، وإقرار حق الولايات في إقامة الأقاليم بما يحقق مصالح مواطني كل إقليم، واعتماد مبدأ الاقتصاد الحر لتنمية موارد الدولة، وإقرار قانون ضريبي يتناسب ودخل المواطن، وإقرار حرية الصحافة والأعلام، وإقرار مبدأ التعويض المالي والمعنوي لضحايا الإرهاب والقمع السياسي.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطاغية والسلطة
-
ممارسات الطاغية
-
شريعة الطاغية
-
حاشية الطاغية
-
الطاغية والاستبداد
-
الطاغية ووعاظ السلاطين
-
الطاغية والدين
-
الفلسفة وعلم المنطق
-
مفهوم الخير والشر في الفلسفة
-
الفرق بين العالم والجاهل
-
مفهوم الحب عند جلال الدين الرومي
-
*الصراع بين السياسي والمثقف: قيم أم مصالح؟
-
دولة القبيلة بين القيم والمصالح
-
أسلوب المقاومة السلمية ضد الأنظمة المستبدة
-
انماط السلوك غير السوي في المجتمعات المقهورة
-
الخطاب العلني للقوى المقهورة ضد القوى القاهرة
-
لقاء صحافي مع الباحث وخبير المياه في الشرق الأوسط السيد صاحب
...
-
سمات الخطاب المستور للقوى المقهورة
-
ردًّ الفعل الشعبي ضد ممارسات القهر والاستبداد
-
الصراع السياسي المستور بين القوى القاهرة والمقهورة
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|