|
خريطة المتاهة الكُبرى - في اليهوديه المسيحيه الاسلام - 2 -
سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4342 - 2014 / 1 / 22 - 09:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
خريطة المتاهة الكُبرى - في اليهوديه المسيحيه الاسلام - 2 -
في تصريحات تخيّليّة لشخصياتها
27 – شاول (طالوت): أنا "شاول" ابن "قيس" ابن "أبيئيل" (أبي إيل) من سبط "بنيامين" ابن يعقوب.. كنتُ أطول أترابي فلُقّبتُ بـ "طالوت".. اختارني النبي الرائي "صموئيل" ليمسحني ملكاً على شعب إسرائيل.. كنتُ أعرف أن "يهوه" هو الملك في وسط شعب إسرائيل، فكيف سأصبح أنا الملك؟!.. وكُنتُ أعرف أن الكهانة ومسحة الدهن محصورة بنسل "العازار" و"إيثامار"، فكيف سأُمسح وأُصبح ملكاً يأمر الكهنة فيُطاع؟!.. قال لي "صموئيل" إن روح الإله ستنزل عليّ حين يمسحني بالدهن.. صدّقتُ في البداية، ثم بدأ الشك يعتمر قلبي.. حين أعلن "صموئيل" أنني بتُّ ملكاً على شعب إسرائيل، إختبأتُ بين الأمتعة.. هل حقاً أنا الملك على شعب إسرائيل بدل الرب "يهوه"؟!.. رفض الكهنة من بنو "بليعال" مسحتي ولم يقبلوا بي ملكاً.. لكنّ نبوّة "صموئيل" كانت أقوى من كهانتهم.. فبتُّ ملكاً.. أطعتُ أوامر "صموئيل".. ولكن حين ازدادت قوتي وسلطتي وخالفته، قرر أن يقيم ملكاً غيري.. خفتُ على مصيري، وتأكّدتُ بأن لا سلطة لي.. فلا "يهوه" وكهنته معي ولا "إيل" ونبيّه الرائي ظل من خلفي.. رجوتُ "صموئيل" الصفح.. وجثوتُ على ركبتيّ أمامه.. : أنتَ الملك حقاً.. أنتَ الملك حقاً يا "صموئيل".. بل أنتَ الإله.. لكنّه لم يغفر عدم طاعتي العمياء له.. خوفاً على عرشي وعلى نفسي استقويتُ بسبط "بنيامين"، وقُلتُ لـ "صموئيل" أنهم يقفون خلفي.. فلم يأبه.. بل نبهني أنهم إن فعلوا فسوف يشقون وحدة صف شعب إسرائيل.. أيّ سلطة لديك يا "صموئيل"!!.. بتُّ ملكاً ممسوحاً ومُلقاً على الأرض.. جُنّ جنوني.. وأصابني مسٌّ.. وحين علمتُ أن "صموئيل" قد اختار الغلام الراعي "داود" ليمسحه، زاد حنقي وجنوني.. حاولتُ استمالة "داود"، فعرضتُ عليه ابنتي "ميكال" لتكون امرأة له.. لكن مادام "صموئيل" خلفه ما كنتُ لأستطيع التحكّم به.. تباً لك يا "داود".. تباً لـ "صموئيل".. تباً لكل ملك يمسك غيره بسلطته ويحكم من خلفه باسم الرب.. تباً لي.. 28 – داود: أنا "داود" أصغر أولاد "يسّى".. أنا ابن "يسّى" الثامن.. وأبي من نسل "حشون".. يقول كهنة "يهوه" أن "نحشون" هو من سبط "يهوذا"، لكن أبناء "نحشون" وأحفاده يتناقلون فيما بينهم أنهم من سبط "لاوي".. كما ويقولون أن أخو "نحشون" هو "قورح".. ونحن، كوننا أحفاد "نحشون" و"قورح"، مانزال نتناقل فيما بيننا أن لنا حقّ في الكهانة.. وأننا من بقي من النصارى.. أنصار المسيح الذي ننتظر عودته ليملك على شعب إسرائيل.. أقوال وأقوال يتداولها أقاربي ولكنّ الكهنة ينكرونها.. كهنة "يهوه" ينكرونها.. لكنّ النبيّ الرائي "صموئيل" اختارني ليمسحني بسلطة "إيل"، فأصبحتُ ملكاً على شعب إسرائيل.. هل رأى فيَّ حقاً ملكاً بدل "شاول" (طالوت)؟!.. أم أراد استغلال الأقاويل بين أقاربي بحقّنا بالمسح والكهانة والمُلك؟!.. كُنتُ لم أزل غلاماً حين مسحني "صموئيل" مسحة ملكيّة.. فبتُّ الغلام الملك تحت رعاية وتوجيه "صموئيل".. حاول "شاول" (طالوت) استمالتي بأن عرض عليّ ابنته "ميكال" امرأة لي.. لكننا تحاربنا.. وظللتُ أهرب من وجهه.. وحين مات "صموئيل" فقدتُ سندي ومصدر سلطتي فهربتُ من وجه "شاول" الذي أعطى ابنته "ميكال"، التي كانت امرأتي، لـ فلطي بن لايش فباتت امرأته.. فاتخذتُ لي امرأتين هما "أبيجايل" (أبيج إيل) و"أخينوعم" التي من "يزرعيل" (يزرع إيل).. والتجأتُ إلى أرض الفلسطينيين (الفلشتيم) مع جماعتي هروباً من وجه "شاول".. حتّى قُتل "شاول" وبنيه في حرب مع الفلسطينيين (الفلشتيم).. فعدتُ إلى حبرون، وهناك مسحني أقربائي الذين من نسل "نحشون" و"قورح" ملكاً عليهم.. في حين أن باقي شعب إسرائيل قد ملك عليهم "إيشبوشث" ابن "شاول".. وباتوا يقولون عن مملكتي (مملكة داود) أنها مملكة "يهوذا" لكونهم كانوا يظنون أن من اتبعني من نسل "نحشون" و"قورح" إنما هم من سبط "يهوذا" على ما يقول كهنة "يهوه".. انقسمت المملكة إلى اثنتين.. مملكة إسرائيل التي يملك عليها ملك من سبط "بنيامين" من بيت "شاول".. ومملكتي التي دُعيت بمملكة يهوذا أو مملكة داود.. ولكن حين قُتل "إيشبوشث" ابن "شاول"، أصبح المُلك كلّه لي والمملكة عادت موحّدة.. فوحّدتُ كل شيء.. مركز المملكة في "صهيون".. ووحدتُ "إيل" و"يهوه" فاعتبرتهما واحداً، ونقلتُ تابوت عهد الرب "يهوه" إلى مدينتي.. ووحدتُ الجيش.. لكنني قسّمتُ الكهانة إلى اثنتين وذلك لأضعف من سلطة الكهنة الذين من نسل "العازار" و"إيثامار".. فجعلتُ كلاً من "صادوق" بن "أخيطوب" من نسل "العازار"، و"أخيمالك" بن "أبياثار" من نسل "إيثامار"، كاهنين ككبيري كهنة، كما وجعلتُ عدداً من أبنائي كهنة أيضاً، حتى يتقاسموا السلطة مع نسل "العازار" و"إيثامار".. لكن مُلكي لم يكن مستقراً.. فأبنائي قتل أحدهم أخيه وحاول أخذ المُلك مني فقُتل.. ونشب أيضاً خلاف بين ابنين آخرين لي حول مَن سيملك من بعدي.. فناصر الكاهن "أبياثار" ابني "أدونيا" في حين أن الكاهن "صادوق" ناصر ابني "سليمان".. ووقفتُ أنا مع "سليمان" لأنه ابن زوجتي "بثشبع" الجميلة المحببة إلى قلبي، والتي كُنتُ قد اضجعتُ معها وحبلت مني وهي بعد زوجة "أوريّا" الحثّي.. ثم تخلّصتُ من زوجها وأخذتها زوجة لي.. وبات "سليمان"، ابني منها، هو أيضاً المحبب إلى قلبي فأعلنتُ أنه الملك من بعدي.. أجل، سلّمته المُلك وأنا بعد حيّ.. فقد بتُّ شيخاً متقدماً في الأيام، دثروني بالثياب فلم أدفأ، وما عدتُ ذا قوّة.. حتى أنني لم استطع مضاجعة الفتاة الجميلة "أبيشج" الشونميّة العذراء التي جلبوها لتحضنني فأدفأ.. يكفيني ما حييتُ من الأيام.. ويكفيني ما ضاجعتُ من النساء.. ويكفيني ما دفنتُ من الأبناء.. ويكفيني ما أنشدتُ من المزامير.. فلأترك الملك لابني الحكيم "سليمان".. عسى أن يستقرّ مُلكه ويتسع ويُنجز ما لم أنجزه للإله إسرائيل وشعب إسرائيل ونسل "نحشون" و"قورح".. 29 – سليمان: أنا "سليمان" ابن "داود" الملك.. اختارني أبي لأصبح الملك بعد أن تقدّم به العمر.. رغم أني أصغر من أخي "أدونيّا".. وحين ملكتُ بعد صراع على المُلك مع أخي.. وبعد أن مات أبي.. أمرتُ بقتل أخي "أدونيّا" بحجة أنه أراد الجميلة "أبيشج" الشونميّة لتكون امرأة له.. قُتل أخي.. وطردتُ "أبياثار" الكاهن الذي نصر أخي "أدونيّا" في مسعاه للمُلك.. وثبّتُ كهانة "صادوق" الذي نصرني.. وأمرتُ بقتل كلّ من وقف في صف أخي.. فاستقرّ مُلكي على جميع إسرائيل.. ووضعتُ إثنا عشر وكيلاً على إسرائيل.. وأمرتُ ببناء بيتاً وهيكلاً للرب في "أور شاليم" (قرية/مدينة أورشليم).. وبعد أن تم بنائه نُقل تابوت الرب من "صهيون" إلى الهيكل في "أورشليم".. كما وبنيتُ لي بيتاً في "أورشليم".. وكان لي الكثير من النساء الإسرائيليّات وغير الإسرائيليّات.. ولأجل نسائي الغريبات بنيتُ معبداً لـ "عشتورث" (عشتار) وغيرها من الآلهة.. وكنتُ حكيماً وشاعراً وراوياً لقصص عن الأشجار والبهائم والطيور والدبيب وعن السمك.. وقصصاً غير مباشرة عن ابن الرب الذي مايزال أحفاد "نحشون" و"قورح" يتناقلون قصته.. لكن في أواخر عمري بدت ملامح انقسام جديد في مملكة إسرائيل.. وبات من الظاهر أن مَن حُسبوا أنهم من سبط "يهوذا" سيظلون يدعمون المُلك في نسلي.. أما باقي أسباط إسرائيل فلن يفعلوا.. يا أيتها الآلهة.. يا "إيل" ويا "عشتورث" (عشتار) ويا "يهوه" ويا باقي الآلهة.. هل حُكم على شعب إسرائيل أن يظلّ يتصارع على الكهانة وعلى المُلك؟!.. هل هي لعنة الرب "يهوه" أن يضيع شعب إسرائيل بين الممسوحين؟!.. متى سيعود المسيح ابن الرب الذي يتناقل قصته أحفاد "نحشون" و"قورح" والنصارى؟!.. متى يعود المسيح ليحكم ويملك على شعب إسرائيل الموحَّد؟!..
مرور الأجيال.. ننتقل هنا إلى حقبة زمنية لاحقة بعد مرور حوالي خمس وعشرون جيلاً على الأقل.. وأربعون جيلاً على الأكثر.. 30 – يوسف: أنا "يوسف".. رجلٌ فقير ولكنني من نسل الملوك.. فأنا من نسل "داود" الملك و"سليمان" الملك.. فقدت سلالتي المُلك بعد السبي إلى بابل.. وبات الحكم والسلطة بين اليهود وشعب إسرائيل في أيدي الكهنة الصادوقيين الذين من نسل "صادوق" الذي من نسل "العازار" ابن هارون.. وظلّت سلالتي الملكيّة حبيسة حلم المُلك.. لكنني تناسيتُ هذا الحلم وعملتُ نجّاراً.. أما ابني الأكبر "يسوع" فلم يفقد حلمه.. وكيف ينساه وأنا الذي أسميتُه على اسم "يشوع بن نون"، بطل شعب إسرائيل، "يشوع" البطل المقدام الشجاع الذي لا يهاب التحديات.. تركني ابني "يسوع" ليتعلّم شفاء المرضى الذي مازال النصارى يتناقلون أسراره.. سمعتُ أنه جمع حوله إثنا عشر تلميذاً ليصبحوا وكلاء على أسباط إسرائيل حين سيملك عليهم، وغادروا إلى مصيرهم.. 31 – يسوع: أنا "يسوع" ابن "يوسف" الذي من نسل "داود" الملك.. لم أستطع التأقلم على الحياة كابن نجّار ونحن من نسل الملوك.. كيف تأقلمتَ يا أبي؟!.. يا يوسف النجّار.. أفتسميني "يسوع" على اسم "يشوع بن نون" المقدام وتُريدني أن أظل نجّاراً مثلك؟!.. ونحن الأحق بالحكم والملك والمسح بالدهن كملوك لإسرائيل.. اتخذتُ قراري.. واعتمدتُ على إلهي "إيل" إله "إسرائيل" لينصرني.. وظننتُ أنه لن يتركني حتى أملك على شعبه "إسرائيل" كما نصر أجدادي الملوك، من "داود" ومَن بعده من الملوك.. بحثتُ بين اليهود عمن بقي من النصارى (أنصار حق نسل "قورح" و"نحشون" بالمُلك.. وأنصار "المسيح" المُنتظر..) وتعلّمتُ منهم عن شفاء المرضى وعلاجهم، فلُقبتُ بالنصرانيّ (الناصريّ).. وجمعتُ إثنا عشر تلميذاً ليصبحوا وكلائي على أسباط إسرائيل حين سأصبح ملكاً ممسوحاً على إسرائيل.. حين بات عمري ثلاثون عاماً ذهبتُ مع تلاميذي بجولة على القرى والمدن اليهوديّة نشفي المرضى ونجمع أنصاراً لمُلكي.. جمعنا الكثير من الأنصار والداعمين ووضعتُ أموال تبرعاتهم في صندوق حمله تلميذي "يهوذا سمعان الاسخريوطي" الذي أحببته أكثر من باقي التلاميذ.. وتبعني أيضاً أمي وأخوتي: يعقوب، سمعان، يوسي ويهوذا.. وتزوجتُ من مريم المجدليّة (من "المجدل" – ربما كان أصل اسم المجدل: المجد لـ "إيل"..) في "قانا" التي في "الجليل" (جلّ إيل).. واستغليّتُ تبشير بعض الأنبياء، مثل "يوحنا"، بقرب مجيء المسيح المنتظر، عسى أن ينضمّ مَن معه لدعمي كوني المسيح الموعود.. وحين قُطع رأس "يوحنا" بأمرٍ من "هيرودس أنتيباس" (رئيس ربعٍ على "الجليل") هربتُ.. ثم عدتُ.. ودخلتُ أورشليم كملكٍ ممسوح.. فاستقبلني الشعب بغبطة على أمل أن أخلّصهم من حكم الرومان وأُعيد إقامة مملكة "إسرائيل".. لكنّ الكهنة الصادوقيين (من نسل "صادوق" الذي من نسل "العازار" ابن هارون) خافوا أن تصبح السُلطة والمُلك بين يديّ فيخسروا سلطتهم.. فتآمروا عليّ مع السلطة القائمة بيد "هيرودس أنتيباس" (رئيس ربعٍ على "الجليل") تحت حكم الرومان.. وتم تسليمي للوالي الرومانيّ "بيلاطس البنطيّ"، ففر تلاميذي وداعميّ.. وأمر "بيلاطس" بصلبي لأني أطالب بالمُلك على اليهود، وإعادة إقامة مملكة "إسرائيل"، والخروج عن الحكم الرومانيّ وسلطة "طيباريوس" قيصر روما.. وكتب ورقة لتعلّق على صليبي دوّن عليها "يسوع النصرانيّ (الناصريّ) ملك اليهود"، حتى لا يجرؤ أي يهودي على المطالبة بالمُلك وإعادة إقامة مملكة "إسرائيل".. هل حقاً تركتني يا "إيل" لأُصلب!!!.. لماذا تركتني يا إلهي "إيل" يا إله "إسرائيل"؟!.. 32 – يوحنا: أنا "يوحنا".. نبيٌّ لشعب إسرائيل.. لم تُرضني حال اليهود وشعب "إسرائيل" لكونهم تحت حكم الرومان.. وإن كان لديهم رؤساء ربع يحكمون بعض مناطقهم.. فسلطتهم تظل تحت سُلطة الوالي الروماني.. أما آن الأوان لأن يعود المسيح المنتظر ليُعيد إقامة مملكة إسرائيل؟!.. بشّرتُ بعودة المسيح.. أكان "عيسى" المسيح ابن الرب الذي سيعود يوم القيامة ويملك في الدهر الآتي كما يقول النصارى والفريسيين.. أو كان مسيحاً ملكيّاً من نسل "داود" الملك ليُعيد مُلك إسرائيل.. سمعتُ عن شخصٍ يُدعى "يسوع" وهو يزعم أنه من نسل "داود" وأنه المسيح الموعود.. أرسلتُ تلاميذي لسؤاله عن حقيقته.. فجائني جوابه غامضاً.. ربما هو المسيح الموعود.. دعمته على أمل أن يكون هو المسيح الموعود.. لكن حين سمع "هيرودس أنتيباس" (رئيس ربعٍ على "الجليل") بما يجري، خشي على سلطته.. فأمر بسجني.. ويبدو أنه سيقطع رأسي.. إلى متى سيظل شعب "إسرائيل" بلا ملكٍ ومملكة.. آمل أن ينجح "يسوع" المسيح في مسعاه للمُلك.. 33 – يهوذا الأسخريوطي: أنا "يهوذا" ابن سمعان الأسخريوطي (من أسخريوط).. اختارني "يسوع" المسيح الملك الموعود لأكون أحد تلاميذه الإثني عشر الذين سيصبحوا وكلائه على أسباط إسرائيل حين سيعيد إقامة مملكة إسرائيل ويصبح ملكاً.. كنتُ أكثر تلاميذ "يسوع" محبة إلى قلبه وأكثرهم اندفاعاً وأمانة.. فأتمنني على صندوق تبرعات المال.. ما دفع بعض التلاميذ للغيرة مني كوني المُقرّب والمحبوب والمؤتمن.. وكان أكثرهم غيرة مني هو "يوحنا" ابن "زبدي" الذي ادعى لنفسه لقب "الحبيب" غيرة مني أنا الأحبّ إلى قلب "يسوع".. حين ألقى الرومان القبض على "يسوع" ليحاكموه لمسعاه للخروج عن سلطة الرومان وإعادة إقامة مملكة "إسرائيل".. هرب أغلب التلاميذ.. قبّلتُ "يسوع" مودعاً وهو بين أيدي الجنود وطلبتُ منه أن يسامحنا نحن التلاميذ لخذلاننا له وقت الشدة.. كم كان الحُلم هشاً!.. كم كان الهروب سهلاً!!.. صُلب "يسوع".. وأطلق بعض التلاميذ عنان غيرتهم وحقدهم عليّ.. اتهموني بأني من وشى على "يسوع"!.. وكأن دعوة "يسوع" كانت سريّة!!.. أفلم يدخل "يسوع" وجميع من معه علناً إلى "أورشليم" على أنه الملك الموعود؟!.. واتهموني بأنني قبضتُ ثمن دمه!.. وكأني لم أكن المؤتمن على صندوق المال!!.. أفلا يحوي الصندوق الذي بين يدي أكثر مما زعموا من ثمن دم "يسوع"؟!.. وقالوا أنني ندمتُ ومضيتُ وخنقتُ نفسي!.. وكأنهم لا يعلمون أن كذبهم سيظهر!!.. أفلم يسمعوا بأني اشتريتُ بما معي من مال في الصندوق حقل الفخاري ليُصبح مقبرة للغرباء، ولم أمت ولا خنقتُ نفسي؟!.. أبهذه السهولة ينهار الحلم؟!.. أبهذه السهولة تهون العشرة بين التلاميذ؟!؟!.. أبهذه السهولة تُشوّه سمعتي أنا التلميذ الحبيب المؤتمن؟!؟!؟!.. 34 – شاول (بولس): أنا الذي كان اسمي "شاول" على اسم الملك "شاول" (طالوت) ملك إسرائيل الأوّل.. وأنا الذي كنتُ يهوديّاً فريسيياً متقدّماً على كثيرين من أترابي بالتشدد في تقاليد الآباء.. وكُنتُ أطهد جماعة "يسوع" المسيح وأنصاره لرفضي فكرة المُلك لنسل "داود".. كانت أفكاري مشوّشة.. فبعد ما قرأتُ وتبحّرتُ وحاولتُ تفسير التوراة كما يفعل الفريسيين من أترابي، بتُّ ضائعاً.. المُلك مِن حق مَن!؟.. نسل "داود" أم نسل "شاول" الملك!؟.. هل مملكة داود (مملكة يهوذا) فيها خيرٌ أم مملكة إسرائيل!؟.. هل السلطة بيد الكهنة أم بيد الملوك!؟.. مَن المُسحاء الحقيقيّون ومن الكذبة!؟.. مَن هم الأكثر صدقاً!؟.. الصادوقيون أم الفريسيين!؟.. هل هناك قيامة أم لا!؟.. من هو الإله!؟.. هل هو "يهوه" أم "إيل"!؟.. في خضم صراع أفكاري وأسئلتي.. وأنا ألاحق أتباع "يسوع" الباقين بعد صلبه.. أصابني مسّ.. ورأيتُ رؤية.. فتوقفتُ عن ملاحقة أتباع "يسوع" المسيح.. بل وحاولتُ أن أتفهّم أفكارهم فأعجبتني وآمنتُ بها.. غيّرتُ اسمي إلى "بولس".. وأخبرني أحدهم بأنهم يُدعون بالنصارى لتعلّمهم طرق شفاء المرضى.. قررتُ معرفة المزيد عنهم.. وللوقت لم أستشر لحماً ودماً ولا ذهبتُ إلى أورشليم إلى التلاميذ الإثنا عشر الباقين.. بل ذهبتُ إلى مركز تواجد من بقي من النصارى.. ذهبتُ إلى العربيّة.. حيث تتبعتُ كل خبرٍ عن المسيح.. فوصلتُ إلى إنجيل المسيح المكتوب باللغة العبريّة: "إنجيل العبرانيين".. فنسختُ ما نسختُ منه على رقوقٍ وعدتُ بها إلى دمشق ثم إلى أورشليم.. حيثُ قابلتُ للمرة الأولى "سمعان" (بطرس) الذي بقي من التلاميذ الإثني عشر وقد بات "يعقوب" أخو "يسوع" هو قائدهم وملكهم المنتظر.. ما زلتُ ضائعاً في أفكاري.. من هو المسيح حقاً!؟.. كاهنٌ أم ملك!؟.. من نسل "داود" أم ابن الرب!؟.. هو iesou "يسوع"، "عيسى" (عيسو/إشو).. المسيح.. هو ابن مريم التي لم تعرف رجلاً أم ابن يوسف!؟.. أم كان يوسف خطيب مريم وحبلت قبل أن يتزوجها!؟.. عُمّد على يد ابن "زكريا" أم بشّر النبي "يوحنا" باقتراب عودة المسيح ليحكم!؟.. أم أن النبي "يوحنا" هو المعمدان!؟.. صُلب المسيح أم رُفع!؟.. أم صُلب وقام من الموت ورُفع!؟.. هل اقترب يوم القيامة أم أنه حدث يوم قام "يسوع" من الموت ليُرفع!؟.. وهل سيعود المسيح بعد صعوده فيدين كل البشر في يوم الحساب ويملُك في الدهر الآتي أم إن مملكته هي مملكة سماوية!؟.. تداخلت أفكاري.. وبات عقلي ينسج حقيقة ما حدث كما يتوقها وكما يجب أن تكون ليتوافق الواقع مع كل ما أعرفه من التوراة و"إنجيل العبرانيين" وما يُفسّره الفريسيين وما قاله تلاميذ "يسوع" الذين عاينوه.. اختلفتُ مع بعض تلاميذ "يسوع" على نشر الدعوة للغلف (غير المختونين) لتصبح الدعوة أممية - كما كنتُ أراها - وليست فقط موجهة لشعب إسرائيل، وحول حقيقة ما حدث وحقيقة قصة المسيح.. ولكن مَن هم!؟.. هم العاميين عديمي العلم.. وأين هم مني أنا الفريسي الذي يقرأ ويكتب ويعرف تفاسير التوراة والذي حصل على نسخة من إنجيل المسيح "إنجيل العبرانيين"!.. أنا الذي تتبعتُ كل شيء من الأول بتدقيقٍ رغم أني لم أعاين المسيح.. ولكن معرفتي وعلمي ورقوقي أوصلتي لحقيقة ما حدث.. وقوّة شخصيتي جعلتي قادراً على مواجهة باقي التلاميذ الذين عاينو المسيح.. رافقني كلاً من "مرقس" و"لوقا" فبدأنا معاً بكتابة ما حدث.. فنحن من يعرف التدوين والكتابة.. ثم تابعتُ مع "لوقا" بكتابة ما حدث.. فكتبنا إنجيل المسيح بتدقيق لنرسله للعزيز "ثاوفيلس".. ثم أتبعناه بكتابة أعمال الرسل لنرسلها أيضاً لـ "ثاوفيلس".. كنتُ مجتهداً في التبشير وإرسال الرسائل إلى كل مجموعة ممن اتبعوا دعوتنا.. وأصبحتُ أكثر الرُسل نشاطاً وتبشيراً بإنجيل المسيح ابن الرب (الله) بين الأمم.. وبتنا على أمل قرب يوم القيامة وعودة المسيح ليملك في مملكته السماويّة.. ملكوت السموات.. 35 – سمعان (بطرس): أنا "سمعان" ابن "يونا".. أنا وأخي "أندراوس" تركنا كل حياتنا السابقة – من عائلة ومهنة صيد السمك – وتبعنا آمالنا في الثراء، فبتنا من التلاميذ الاثنا عشر الذين اختارهم "يسوع" ابن "يوسف" ليصبحوا وكلاءه على أسباط إسرائيل حين سيملك.. تعلمتُ مثل باقي التلاميذ كيفيّة شفاء المرضى، علّمنا "يسوع" (الناصريّ) ما تعلّمه من النصارى.. وكنا أنا و"يوحنا" ابن "زبدي" من أكثر التلاميذ تقرباً من "يسوع".. لم يفقنا تقرباً سوى "يهوذا سمعان الاسخريوطي" المؤتمن على صندوق المال.. كنتُ شديد البأس والصلابة دفاعاً عن "يسوع" ودعماً له.. حتى أن "يسوع" لقبني بـ "صفا" أو "بطرس" التي تعني الصخرة.. ولكن حين تم القبض على "يسوع" لمحاكمته، أصابني الخوف، وهرب باقي التلاميذ.. حتى أن "يوحنا" ابن "زبدي" حين أمسك الجنود بإزاره، خلعه وهرب عرياناً.. ووصل بي الخوف إلى أنني أنكرتُ معرفتي بـ "يسوع".. أيّ صخرة بتُّ بعد القبض على "يسوع"!!!.. أيّ صخرة مهشّمة بتُّ أنا "بطرس"!!!.. ندمتُ على خذلاني لـ "يسوع" فقررتُ دعم أخيه "يعقوب" ابن "يوسف" في مطالبته بحقه بالمُلك بعد أن صُلب "يسوع" البكر.. ولكن أيّ ضعفٍ أصاب التلاميذ وأيّ تشتت.. فبعد صلب "يسوع" مَن بات يجرؤ أن يُظهر دعمه لأخيه "يعقوب"!.. ظلت الدعوة لملك "يعقوب" سريّة.. حتى أتانا "شاول" الذي بات نصيراً لنا بعد أن كان مُطهداً لدعوتنا.. "شاول" هذا قد غيّر اسمه فبات "بولس"، وغيّر إيمانه اليهوديّ الفرّيسي ليصبح ناصريّاً (نصرانيّاً) وداعياً لحق المسيح بالمُلك في الدهر الآتي، وغيّر باندفاعة ومعلوماته، التي استقاها من إنجيل المسيح كما قال، كل توجّه دعوتنا.. قال بإن المسيح لم يمت!.. بل قام من الموت ورُفع!!.. وقال بأن يسوع مولود من أم عذراء اسمها مريم!.. وانه ابن الرب!!.. هو المسيح الموعود.. الذي سيعود يوم القيامة.. وتحدّث عن تحليل المسيح للطعام الذي حرّمه موسى!.. وعن إنزاله لمائدة من السماء!!.. عن أيّ مسيح تتحدث يا "بولس" (شاول)؟!.. نعم هو شفى المرضى.. نعم هو طالب بحقه بملك إسرائيل.. ولكن.. نحن لا نعلم قصة ولادته من العذراء مريم.. ربما كانت صحيحة.. فنحن لا نعلم عن حياته قبل أن يصبح في الثلاثين من عمره.. ربما.. لا أدري.. لكنّ اندفاع "بولس" (شاول) ودعمه لنا كان كالخشبة التي تُنقذ الغريق.. توافقنا على الاستفادة من دعمه.. فاقترح التبشير بالدعوة بين جميع الأمم (الذين ليسوا من شعب إسرائيل)!.. بين الغلف (غير المختونين)!!.. وافق "يعقوب" أخو "يسوع" على فكرة "شاول" (بولس) فأتمنه على التبشير بين الأمم.. ولم لا.. كل دعمٍ، لدعوتنا التي تخبو، كان مفيداً.. وحين قُتل "يعقوب" أخو "يسوع" هو الآخر، باتت دعوة "بولس" (شاول) هي الدعوة السائدة.. فتمسكنا بها نحن الباقين.. عسى أن يكون كلام "بولس" (شاول) صحيحاً.. تعلقنا بأمل قرب عودة المسيح - الذي رُفع - في يوم القيامة ليدين ويحاسب ويملك في الدهر الآتي على مملكته السماوية.. المسيح الذي بات في نظرنا – بتأثير من "بولس" – هو ابن الرب (الله) من مريم العذراء.. وماذا لدينا نحن اليائسون من تحقيق حلمنا بالمُلك على إسرائيل غير السعي وراء ملكوت السموات.. لم أتعلّم الكتابة فلقنتُ "مرقس" تلميذ "شاول" (بولس) ما أعرفه عن حياة "يسوع".. ونصحته بتجنّب الكتابة عن ميلاد "يسوع" لأنني لستُ متيقناً من رواية "شاول" (بولس).. لكن يبدو أن أفكار "بولس" ظلّت تؤثر على ما كتبنا.. هل حقاً ضعنا نحن التلاميذ الذين عاينوا "يسوع" وغرقنا وتهنا في آمال وأفكار "بولس" الرسول؟!.. 36 – متّى: أنا "متّى" اللاويّ (من سبط لاوي) العشّار (جامع الضرائب.. العشر).. تبعتُ "يسوع" الذي يسعى للمُلك على إسرائيل فبتُّ من تلاميذه الإثني عشر.. تبعتُه طمعاً.. وحين صُلب.. كنتُ الخاسر الأكبر.. أنا الذي وضعتُ كل أموالي في صندوق المال الذي كان بين يدي "يهوذا الأسخريوطي".. وضاعت كل أموالي وأحلامي بأن أصبح أحد وكلاء "يسوع" على أسباط إسرائيل حين سيملك عليهم.. تخيلوا حلمي بأن أصبح وكيلاً للملك على سبط لاوي.. أفلا أقامر بكل أموالي لتحقيق هذا الحلم.. ضاع الحلم.. وضاعت أموالي.. اشترى "يهوذا الاسخريوطي" بأموال الصندوق – وأموالي بينها – حقل الفخاري ليصبح مقبرة الغرباء.. دفنتَ حلمي في مقبرتك يا "يهوذا".. أفلا أتبنى الشائعة التي أطلقها "يوحنا" ابن "زبدي" عن كون "يهوذا" قد ندم على خيانته لـ "يسوع" فمضى وخنق نفسه؟!.. آه لو أستطيع أن أحقق هذه الشائعة بيديّ.. ضعتُ مع الضائغين.. وتعلّقتُ بالأفكار الغريبة التي نشرها "شاول" (بولس) بعد مجيئه من "العربيّة".. هو حلمٌ بملكوت السموات.. فتبعتُ ذلك الحلم الجديد.. أنا اللاويّ (من سبط لاوي) الذي يُجيد القراءة والكتابة استقيتُ مما كتب "مرقس" ومما أشاع "شاول" (بولس) ومما ورد في "التوراة" لأكتب قصة حياة "يسوع" المسيح.. وحاولتُ فيما كتبتُ وألّفتُ من القصص أن أثبت أن كل النبوآت المكتوبة في "التوراة" قد تحققت في شخص "يسوع" المسيح.. عسى أن يكون ما كتبته وألّفته وأثبتُّه حول النبوآت صحيحاً.. ويكون حلمي الجديد في ملكوت السموات ممكناً.. فلا أكون أكبر الخاسرين مجدداً.. 37 – يوحنا (الإنجيلي): أنا "يوحنا" ابن "زبدي".. أنا وأخي "يعقوب" تركنا كل حياتنا السابقة وتبعنا آمالنا في الثراء وفي البحث عن الحق، فبتنا من التلاميذ الاثنا عشر الذين اختارهم "يسوع" ابن "يوسف" ليصبحوا وكلاءه على أسباط إسرائيل حين سيملك.. آمنتُ بحقّ "يسوع" بالملك على شعب إسرائيل.. تعلمتُ مثل باقي التلاميذ كيفيّة شفاء المرضى، علّمنا "يسوع" (الناصريّ) ما تعلّمه من النصارى.. وكنا أنا و"سمعان" ابن "يونا" – الملقب بـ "بطرس" - من أكثر التلاميذ تقرباً من "يسوع".. لم يفقنا تقرباً سوى "يهوذا سمعان الاسخريوطي" المؤتمن على صندوق المال والمُلقب بالتلميذ الحبيب لأن "يسوع" كان يُحبه أكثر من الجميع.. أكلتني الغيرة من الأسخروطيّ هذا.. التلميذ الحبيب.. كما وتنافستُ دوماً مع "سمعان" (بطرس) على التقرّب من "يسوع".. أطلق "يسوع" عليّ وعلى أخي "يعقوب" لقب "بوانرجس" أي إبني الرعد.. لأننا – وخصوصاً أنا – كنا ننتفض كالرعد غيرة من باقي التلاميذ.. وحتى أني كنتُ أغار من مريم المجدليّة التي أصبحت زوجة "يسوع".. وكنتُ دوماً أشارع بالحق وأطالب "يسوع" بحقي في التميّز من بين تلاميذه.. الحق الحق.. ولي حقٌّ بالتميّز.. ولكن حين تم القبض على "يسوع" وهربنا جميعاً نحن التلاميذ.. فقدتُ كل إيماني بالحق وبإمكانيّة إحقاقه.. لا حق بعد الآن.. ما هو الحق؟!.. السلطة.. القوّة.. الكلمة.. إذاً فلآخذ حقي بيدي.. ولأقول ما شئتُ من الكلام عما حدث.. سواء كان حقٌّ أم لم يكن.. أنا التلميذ الحبيب و"يهوذا الاسخريوطي" هو التلميذ الخائن الذي قبض ثمن دم "يسوع" ثم ندم ومضى وخنق نفسه.. لا لم يشتري الأسخريوطي بمال الصندوق الذي معه حقل الفخاري وجعله مقبرة للغرباء.. الاسخريوطي السارق.. مريم المجدليّة ليست بشيء ولا تزوجها "يسوع" في "قانا" التي في "الجليل".. أنا الشجاع الذي ظل مع "يسوع" حين ألقوا القبض عليه.. لا لم أهرب عرياناً حين أمسكوا بإزاري.. وأنا الشجاع الذي دخل إلى داخل دار رئيس الكهنة أثناء محاكمة "يسوع".. لا لم أهرب.. وحتى أنّي دخلتُ إلى دار الولاية حين تحاور "يسوع" مع الوالي الروماني "بيلاطس البنطي" وحدهما.. نعم وحدهما.. كان طيفي هناك.. حين تناقشا عن الحق.. وحين حُكم عليه بالصلب.. لا لم أختبئ.. وقفت تحت الصليب مع النساء بعد أن هرب باقي التلاميذ.. لا لم أهرب.. أنا التلميذ الحبيب الذي أوكله "يسوع" للاعتناء بأمه.. وأنا من اعتنى بأم "يسوع" وليس باقي أبنائها يعقوب، سمعان، يوسي ويهوذا.. أنا التلميذ الحبيب.. أنا التلميذ الحبيب.. أفرغتُ كل رعود غيرتي وضعفي بكلامي.. ولكن حين حقّ الحق.. وسمعتُ بأن "شاول" (بولس) بات يبشّر بأفكارٍ عن المسيح على أنه ابن الرب (الله) وأنه سيعود يوم القيامة.. أعجبتني الفكرة.. لا لم أسرقها منه وأتبناها وأسرد ما أسرد حولها وحول الحق.. ولأسرد حتّى أحلامي عما سمعت من قصص ونبوآت عن نهاية العالم ويوم القيامة.. وسأتنبّأ أيضاً.. كل حلمٍ عجيبٍ لي هو نبوءة أو رؤية.. ولكن دعوني أكون صادقاً معكم ولو مرّة.. أنا أعرف حقاً أن اسم أم "يسوع" لم يكن "مريم" كما أشاع "شاول" (بولس).. ولمّحتُ لذلك مراراً دون أن أوضّح.. لا أجرؤ على مواجهته ومواجهة تلك الشائعة.. إذاً فلأُلمّح.. لعل تلميحي هذا يكون الحقيقة الحقّة الوحيدة التي أنطقها ومن ثم أكتبها فيما رويتُ عن حياة "يسوع" المسيح.. لم أكتب قط اسم أم "يسوع" بل وأضفتُ بأن اسم أختها هو "مريم" زوجة "كلوبا".. لمّحتُ.. واليوم أُصرّح.. الحق الحق أقول لكم.. أم "يسوع" ليست "مريم".. هذا هو الحق..
مرور الأجيال.. ننتقل هنا إلى حقبة زمنية لاحقة.. في عام 333 م 38 – قسطنطين: أنا "قسطنطين" ابن "كونستانتيو" (قسطنطين كلوروس) من "هيلانة" (هيلينا) الجميلة خادمة إحدى الحانات في "بيثينيا" والتي أصبحت المحظيّة (الشرعيّة) لـ "كونستانتيو".. اعتنقت أمي "هيلانة" الديانة المسيحيّة بعد أن تخلى عنها أبي "كونستانتيو".. فعرفتُ من أمي أن أطهاد المسيحيين هو ظلم بحقهم.. أبي ظلمها.. فالتجأت هي إلى دين المظلومين الذين يحلمون بالقيامة بعد الموت والحياة بلا ظلم في الدهر الآتي!!!.. وقالت أنها ولدت من جديد بعد أن أعتنقته وتم تعميدها!!!.. ما هذا الدين الذي ينتشر بسرعة في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانيّة؟!.. دينٌ عجيب.. كتبه متنوّعة ومتناقضة أحياناً.. يسمونها أناجيل.. ما معنى هذه الكلمة "إنجيل"؟!.. هل هي حقاً كما يقولون "بشرى الخلاص"، خلاص المستضعفين والمظلومين؟!.. أم هي مرتبطة بإله من الآلهة.. "إيل" (إنج إيل)؟!.. ويمارسون طقوس العماد للولادة من جديد في دينهم الجديد!.. فهل الماء الذي نستحم به في حماماتنا الرومانيّة هو وسيلة للولادة الجديدة في دين جديد!!!.. ويأملون بالحياة في الدهر الآتي بعد أن يموتوا ويقوموا من الموت!.. فهل يقوم الموتى!!!.. لا يهم.. لا يهم إن كان iesou أو iesous أو Jesus هذا الذي يبشرون به هو ابن "إيل" أم غيره.. فأغلب آلهاتنا الوثنيّة هم أبناء آلهة.. ولكن ما يهم هو سرعة انتشار هذا الدين الجديد في شرقي الامبراطوريّة وبين المظلومين خصوصاً.. فهل استفيد من دعمهم عند الحاجة؟.. بعد موت أبي.. كان الصراع محتدماً من أجل تحديد الحاكم على الامبراطورية الرومانيّة.. ستة أشخاص نودي بهم قياصرة (قيصراً) أو أغاطسة (أغسطساً) وأنا أحدهم.. وبعد صراع طويل وتحالفات مع المتنافسين.. تواجهتُ وجيشي مع جيش "مكسنتيوس" قرب روما.. وحين رأيت أن "مكسنتيوس" يرفع لواء "إله الشمس"، وهو لواء الشمس التي لا تقهر.. قررتُ ابتداع شعاراً جديداً أخوض معركتي تحت لوائه.. وادعيتُ بأنه ظهر لي في الحلم أو في رؤية ليكون شعار نصري.. هو شعار يمزج بين رمز الشمس التي لا تُقهر ورمز الصليب وأحرف اسم المسيح.. هي ضربة حظ أو دهاء.. فهل أكسب بهذا اللواء عقل وقوّة المسيحيين من جنودي وجنود عدوّي؟!.. هؤلاء الجنود المسيحيين الذين لا يهابون الموت أملاً بالحياة بعد الموت.. خضتُ المعركة خلف لواء "عرف من ذلك الوقت باسم اللبارم" Labarum .. وحقاً.. أنتصرتُ.. هو حظّ أم دهاء!.. من ثم، ومع منافسي الأخير"فلافيوس ليسنيوس"، الذي بات حليفاً مؤقتاً، أصدرنا مرسوم ميلانو للتسامح الديني.. والذي أُعلن فيه إلغاء العقوبات المفروضة على من يعتنق المسيحيّة، فانتهت بذلك فترة إطهاد المسيحيين.. وبعد أن تخلصتُ من منافسي الأخير "ليسنيوس".. وبتُّ الإمبراطور الأوحد.. وبعد أن استقرّت أوضاع الإمبراطوريّة تحت حكمي.. ونقلتُ مركز حكمي إلى "بيزنطة" (القسطنطينيّة).. قررتُ أنه كما أن الإمبراطورية هي واحدة والإمبراطور هو واحد (أنا).. فكذلك يجب أن يكون الدين واحداً.. دعوتُ لعقد المجمع المسكوني الأول في مدينة "نيقية".. وألزمت المجتمعين من رجالات الدين المسيحي في المجمع بتحديد أناجيلهم الصحيحة وتوحيد أفكارهم وطقوسهم ومراسيمهم.. ودمجها مع ماهو متداول من طقوس ومراسيم عبادة إله الشمس.. هو دينٌ خليطٌ موحّد.. تم تحديد الأناجيل المعتمدة وتقرر إتلاف جميع الأناجيل الأخرى حرقاً.. كما وتقرر أيضاً اعتبار يوم العطلة المسيحي يوم الأحد (يوم الشمس Sun day)، واعتبار يوم مولد إله الشمس (وهو يوم الخامس والعشرين من كانون الأول - ديسمبر) يوم ميلاد المسيح، واستعارة الصليب، وهو رمز إله الشمس، رمزاً للمسيحية.. ومع أن تمثال المسيح حل محل صنم إله الشمس، قرر المجتمعون دمج جميع المراسم التي كانت تجري في احتفالات عيد ميلاد إله الشمس، واتخاذها احتفالات ومراسم وطقوساً للمسيحية.. فبات المسيح نور العالم.. أيّ إنجازٍ هذا.. دينٌ واحد.. امبراطوريّة واحدة.. امبراطور واحد.. بعدها أعلنتُ "بيزنطة" (القسطنطينيّة) عاصمة للامبراطوريّة بدل روما.. كل هذا أنجزته بقوّة سلطاني وسلطتي وحكمتي السياسيّة وتحكمي بالأفكار الدينيّة التي تُسيّر العوام.. رغم أني لم أصبح مسيحيّاً ولم أتعمّد بحسب الطقوس المسيحيّة حتى الآن.. ربما أفعل في آخر حياتي.. وما الضير.. هو دينٌ ساهمتُ بصنعه وبتأليفه.. أفلا أعتنقه في آواخر عمري!!!.. وإن حقاً قمتُ من الموت في يوم القيامة الذي يؤمنون به.. وعشتُ في الدهر الآتي كما يحلمون.. فلم لا أصبح هناك امبراطوراً من جديد!!!.. أو قديساً مع القديسين!!!.. لم لا..
مرور الأجيال.. ننتقل هنا إلى حقبة زمنية لاحقة.. بدايات ظهور الإسلام.. 39 – ورقة بن نوفل: أنا "ورقة" ابن "نوفل" ابن "أسد" ابن "عبد العزّى" ابن "قصيّ".. أنا راعي النصارى في مكة.. حيث ماتزال الأفكار والكتب وبعض المخطوطات الدينيّة ناجية من إطهاد الكنيسة الرسوليّة التي تنادي بوحدة العقيدة المسيحيّة وتحرّم كل فكرٍ آخر - حتى لو كان صحيحاً - بحجة الهرطقة.. لم ينجو من إطهاد هؤلاء ذوي الفكر البيزنطي لا الآريوسيّة ولا النسطوريّة ولا اليعقوبيّة ولا الغنوصيّة ولا الكسائيّة إلا ما ندر.. ولكن.. لحسن حظنا نحن المقيمين عند أطراف الإمبراطوريّة البيزنطيّة نجونا حتى الآن.. نحن النصارى الأبيونيون وغيرنا.. كان معلمي "قس ابن ساعدة ابن حذافة الإياديّ" يقول: "هو الله الواحد المعبود، ليس بوالد ولا مولود".. فهل كان ليظل حياً لو جاهر بقوله هذا في القسطنطينيّة أو انطاكية أو الاسكندرية أو روما؟!.. نحن هنا في "مكة" مازلنا نحظى بنعمة تعدد الآراء والأفكار.. وحتّى تعدد الآلهة.. فها هو "هبل" (هـ بعل) وها هي "اللات" (إيلات) وغيرهم من الآلهة ماتزال تُعبد وأفكار أتباعهم الدينيّة ماتزال متداولة.. هناك في "القسطنطينيّة" كل ما هو مخالف للعقيدة المسيحيّة التي يعتبرونها صحيحة هو هرطقة!!!.. فمات الفكر والنقاش وساد القسر والتسليم.. وأيّ هرطقة أعظم من إيمانهم أن "مريم" هي أم الله!؟.. كل علم أو فلسفة أو شرح هناك – في القسطنطينيّة – لا يوافق عقيدتهم، هو هرطقة.. ومصيره الإتلاف والحرق.. فمات العلم وأُتلفت الكتب والمخطوطات وعمّ الجهل حتى بالقراءة والكتابة.. وبات رجالات الدين المسيحي هم المتعلمون الوحيدون.. وأيّ علم!!!.. أما هنا في "مكة" فلكل ملةٍ أفكارها.. ولكل جماعة كتبها.. ولكل قبيلة شاعرها.. اللغة مازالت مقروءة ومكتوبة وتُعلّق الدواوين على جدران الكعبة.. وهاك سوق عكاظ.. وتلك الأديان تتآلف وتتنافس.. ولكن.. ما الدين الصحيح؟.. ما الإله الحق؟.. ما الكتاب الذي لم يُحرّف؟.. بحثتُ مُطوّلاً في شبابي.. وكان "زيد بن عمرو بن نفيل" صاحبي في البحث.. وما أكثر ما قرأنا وسمعنا في مختلف المخطوطات والكتب وبمختلف اللغات.. بعدها تبيّن لي أن المسيح "عيسى" هو ليس "يسوع".. فـ "عيسى" لم يُصلب.. كيف عرفتُ هذا؟!.. من إحدى المخطوطات الناجية من الإتلاف.. هو "إنجيل العبرانيين".. كتاب النصارى الأبيونيّين (الفقراء).. "إنجيل عيسى ابن مريم".. إنجيلٌ كتبه أتباعه من النصارى الفقراء (الأبيونيّين) الذين سلّموا أمرهم لله بعد أن رُفع "عيسى".. فباتوا مُسلمين لمشيئة الله كما ابراهيم.. موحّدين، يرفضون الأصنام.. وهم كما أوصاهم "عيسى" قبل رفعه.. يداومون على الاغتسال بالماء للوضوء والتطهير، ويشددون على أعمال البر والاهتمام باليتامى، يُطعمون الجوعى ويشفقون على المساكين وإن كانوا هم أنفسهم فقراء، ويصومون طوال شهر رمضان، ويتحنثون (يعتزلون) في البراري.. هم أسلموا أمرهم لله حقاً.. فباتوا مسلمين يحيون على أمل يوم القيامة.. وممن اتبع ملتهم مثلي – إن جهاراً أو في الخفاء – كلاً من قس بن ساعدة الإياديّ وعبيد الله بن جحش وزيد بن عمرو بن نفيل وعبدالله ابن جدعان وأسعد بن كريب الحميري وأبي أمية ابن المغيرة وعبد المطلب بن هاشم وأبو طالب بن عبد المطلب وأبي قبيس بن صرمة وأبي بكر ابن أبي قحافة وقثم ابن عبدالله ورباب البراء وأبو ذؤيب وميسرة وغيرهم كثيرين في الخفاء.. لماذا الخفاء؟!.. الخفاء بعد ما فعله ابن عمي عثمان ابن الحويرث.. فقد كان من ملتنا (النصرانيّة) ولكنّه ذهب إلى أرض الروم وأصبح تحت سلطة المسيحيّة الرسوليّة البيزنطيّة المؤمنة بالتثليث.. وحسُنت منزلته عند القيصر فعيّنه بطريركاً وملكاً على مكة.. وبات يقال له البطريق.. ولكن رفضه نصارى مكة ومات بالشام مسموماً.. نحن النصارى في مكة ونحن من يختار قساوستنا وأساقفتنا.. ولكننا علمنا الآن – بعد موت البطريرك عثمان ابن الحويرث – أن عين الإمبراطوريّة البيزنطيّة باتت مفتوحة علينا.. فهل نتركهم يحكموننا ويتحكّمون بنا وبأفكارنا؟!.. وينشرون عقيدتهم ويهرطقون عقائدنا!.. بتنا في خطر.. وباتت كتبنا ومخطوطاتنا مهددة بالإتلاف.. أما عن قس بن ساعدة فاختارني لأصبح قس أو اسقف النصارى في مكة حين سيموت.. ولكن نصحني أن أظلّ قسّاً أو اسقفاً ولكن في الخفاء خوفاً عليّ من تهمة الهرطقة.. وأما عن النصارى في مكة فباتوا نصارى في الخفاء.. يتحنّثون ويجتمعون ولكن في الخفاء في غار حراء.. وأما عن كتابنا وهو "إنجيل العبرانيين" (الإنجيل العبراني).. وبين يدي نسخة منه أحرص عليها كل الحرص خوفاً من تلفها أو إتلافها وضياعها.. وهي باللغة العبريّة (الآراميّة) الأعجميّة بالنسبة للعرب.. فقررتُ ترجمتها للغة العربيّة خوفاً من ضياعها أو تلفها أو إتلافها.. سأجعل ترجمتها العربيّة أقرب للشعر أو للنثر ليتناقلها العرب تلاوة.. ويحفظوها كما تُحفظ روائع القصائد.. ترجمتها مع المحافظة على الأسماء كما تنطق باللغة الأصليّة.. فهل سأترجم "إسرائيل" (إسرا إيل) إلى "اسرا الله"!.. وهل سأترجم "جبريل" (جبرا إيل) إلى "جبر الله"!!.. وهل سأترجم كل اسم مركّبٍ من "إيل" وكلمة أخرى إلى اسم يحوي اسم الله!!!.. هي ترجمة أمينة ميسّرة ومبسّطة إلى العربيّة ولكن بلغة شعريّة تضاهي أدب وبلاغة المُعلقات.. وأضفتُ على ترجمتي هذه كل ما أعرفه من قصص الأولين.. وبعض ما سمعته أو قرأته من التوراة السبعونيّة المكتوبة باللغة اليونانيّة وهي أيضاً أعجميّة بالنسبة للعرب.. وغيرها مما جمعتُ من قصص وعلوم وأساطير الأولين.. هو كتابي الذي أضعتُ عليه عمري وبصري.. وأنا "العليم الخبير" الذي قام بالترجمة (التعريب) والتفصيل والتفسير.. كتابٌ يُقرأ باللغة العربيّة سأخرجه من لدني أنا العليم الخبير.. "قرآن عربيّ".. قرآن عربيّ تيسيراً للذكر وتصديقاً على ما قبله من الكتب الأعجميّة اللغة.. فهل أحتفظ به لنفسي؟!.. وما فائدة القرآن إن لم يُقرأ ويُتلى ويُحفظ ويُتداول بين الحفظة فلا يَتلف أو يُتلف.. قررتُ تعليم قرآني للأقدر من تلاميذي عساه يكون رسولاً عربيّاً لما بين يدي.. أو نبيّاً للعرب الأميين بالكتب الأعجميّة.. وهل "صموئيل" ماسح وصانع الملوك – شاول (طالوت) وداود – بخيرٍ مني؟!.. وأما عن تلاميذي الذين سأختار منهم الرسول النبي.. وهم القلائل.. "قثم" و"أبو بكر" وغيرهما.. فلا يهمني فيهم النسب.. فنسب أغلب الأعراب يعود إلى "إسماعيل" ابن "ابراهيم" كما يزعمون.. وأنا ممن يزعمون بنسبي لـ "إسماعيل" رغم أنني لم أستطع التأكد من عودة نسبي لاسماعيل ابن ابراهيم.. في الحقيقة لم أصل بالعودة في نسبي إلى ما قبل "معد".. لم أتجاوز "معد"!.. وإن كان جدي الثالث هو "قصيّ" مُؤسس وزعيم "قريش" (سدنة الكعبة وسكان مكة وأصحاب دار الندوة).. "قصيّ" باني الكعبة (بعد بناء تبّع اليمني) في مكة.. "قصيّ" منظم شؤون مكّة ومُظهر الحجر الأسود بعد دفنه.. نحن أحفاد "قصيّ" سادة العرب وقادتهم.. فهل رفعني نسبي؟!.. لم يرفعني سوى إيماني وتديّني وعملي وعلمي.. فبتُّ قس ثم أسقف مكة – في الخفاء – وقائد النصارى الحنفاء.. فهل أبحث عن نسبٍ لرسولٍ أو نبيٍّ للعرب وتلاميذي المتحنثين معي في غار حراء من أنسابٍ مشرّفة كنسبي؟.. ولا يهمني في تلاميذي جاهٌ أو ثراء.. فذاك يأتي ويذهب.. لا بل ويمكن صناعته بالسلطة والدهاء.. ما يهمني فيهم رجاحة العقل وبلاغة الإلقاء.. وحُسن التدبّر بين العقلاء.. وهذا كلّه عندي ويمكنني تقويمه فيهم.. أما ما ينقصني وأبحث عنه بحقّ فيهم فهو فتوّة الشباب والعزم والإقدام.. كان أمامي خيارين اثنين.. صبيين فتيّين.. "قثم" و"أبو بكر".. فاخترتُ الأوّل.. وهو اليتيم الفقير كما "عيسى" وكما بتنا نحن الأبيونيّون (الفقراء) بعد رفع "عيسى".. وإن كان قد ولد بعد وفاة عبدالله ابن عبد المطلب بأكثر من ثلاث سنوات!.. أفليس "عيسى" ولد بلا أب؟!.. وإن كان غير ذي شأنٍ في مكّة.. أفليس ذلك خيراً لسريّة ما نفعل؟!.. لا أعين تراقب ولا ألسنة تتناقل أحاديث حول تعليمي له في غار حراء.. كل شيء يتم في الخفاء.. وفوق هذا كله هو يُنسب لقريشٍ ولـ "قصيّ".. زد على ذلك أنّ مربيته "بركة" الحبشيّة المكناة بـ "أم أيمن" هي نصرانيّة.. فتشرّب منها أفكار وأخلاق النصارى.. هو.. هو.. هو الرسول المنشود.. آهٍ كم استفدتُ منك يا "صموئيل" ومما فعلتَ مع داود.. هذا الفتى الغلام "قثم" هو النبيّ المحمود.. أرسلتُ لاستشارة من أعرف من الرهبان النصارى المهددين بتهمة الهرطقة قبلاً ومجدداً.. وطالبتهم بالدعم لخطتي وتدبيري بإظهار بشائر النبوّة في "قثم" الذي أصبح محمداً.. فأتاني ردّ الراهب "بحيرى" بالإيجاب بعد أن عاينه.. هو.. هو.. هو الرسول المنشود.. ولكنّ بالي لم يهدأ.. ماذا عن الراهب "عيصا" (عيسى).. وماذا عن باقي الطوائف والشيع المهددة بتهمة الهرطقة؟!.. هل سيدعمون خطتي وتدبيري ويعتصمون بحبل الله الذي أمدّه لهم؟!.. ماذا عن الرهبان النساطرة (النسطوريّة) المهددين بتهمة الهرطقة؟!.. هل سيدعمون خطتي وتدبيري؟!.. ماذا عن الراهب "نسطور"؟!.. هو أيضاً قدّم دعمه بأن قال.. هو.. هو.. هو الرسول المنشود.. وماذا عن الراهب "عدّاس النينوي"؟!.. هو أيضاً ساهم.. لا بل وحتّى "سلمان الفارسيّ" ساهم بالدعم.. ولكن ماذا لو افتضح أمرنا؟!.. وماذا لو استشفّ أو علم المسيحيين ذوي العقيدة الرسوليّة أنّ قرآني هذا يُعارض أفكارهم؟!.. وهو حقاً يعارضها.. مهما حاولتُ التلميح لا التصريح.. ومهما تجنّبتُ تبيان حقيقة كون "عيسى" ليس "يسوع".. ومهما حاولتُ اللعب على الألفاظ لإظهار حقيقة قصة "عيسى" المسيح.. فلن أستطيع أن أكذّب أو أحوّر ما أنقل عن "إنجيل العبرانيين".. وهل سأقرّ بأنه صُلب!؟.. وهل سأقر بأنه ابن الله؟!؟!.. هل سأشرك وأصبح من أتباع عقيدة التثليث؟!؟!؟!.. استغفرك يا الله.. يا إيل غفرانك.. لن أفعل.. وهم – المسيحيين أتباع عقيدة التثليث – سيعرفون، سيستشفون وسيظهر لهم ما استبطنتُ.. فإن افتضح أمرنا.. فهل سأخاطر بحياة تلميذي ورسولي محمد؟!.. وهل سأعرّضه لخطر تهمة الهرطقة؟!.. وهل سيضيع كل تدبيري ومجهودي هباءاً منثورا؟!.. لا بد من حل.. هي إذاً الأحرف السريّة.. تلك الرموز التي كان يستعملها المسيحيون القدماء أيام اطهادهم من قبل الوثنيين.. هي رموز مازالوا يعرفونها ويتداولونها سراً.. إذاً فلتكن لي ولمحمد غطاءاً يحمينا من تهمة الهرطقة.. هي حروف مثل ا ل م ر والتي تعني "المسيح صلب".. لا بأس فهذا المسيح هو "يسوع" وليس "عيسى".. ك هـ ي ع ص والتي تعني "المسيح إلهي".. أستغفرك يا الله.. حـم عسق والتي تعني "المسيح هو بن الله".. يا إيل غفرانك.. أنا ومحمد لا نؤمن بها.. ولن أكتب جهاراً حقيقة معناها في قرآني فأصبح من الكافرين.. ولكنّه المكر.. فلأستخدم أحرف المسيحيين لخداعهم.. فننجوا من هرطقتهم لنا.. هم مكروا وأنا أمكر.. وأنت يا الله خير الماكرين.. فهل ستغفر لي يا الله استخدامي لهذه الأحرف؟!.. وأنت العالم بنيّتي.. وإنما الأعمال بالنيّات.. وأنت الحافظ لكتابك (إنجيل العبرانيين).. أفليس بمكرك يا الله حُفظ كتابك من التلف والإتلاف؟!.. وأنا وسيلتك يا الله وأداتك يا إيل لحفظ كتابك وترجمته إلى قرآنك العربي.. فهل ستغفر لي مكري باستخدامي هذه الأحرف وأنت خير الماكرين؟!.. غفرانك يا إيل غفرانك.. وعسى أن ينجح تدبيري مع محمد.. وعسى أن تزول غمّة الهرطقة.. وها نحن صابرين.. ونعلم أنك يا الله معنا.. وأنك ستجعلنا فوق الذين كفروا وستحكم بيننا فيما اختلفنا.. طال الصبر.. وطالت الغمّة.. وها إنّ محمداً قد بات مُهيّئاً ليكون رسولاً.. ولكن.. أيّ رسولٍ بلا مالٍ ولا قوتٍ يكفيه عوز السؤال؟!.. وإن بدأ دعوته الآن.. فهل سيستطيع الوقوف في وجه من يعارضها من أثرياء مكّة ووجهائها؟!.. هو الإعداد.. وسأعدّه بما استطعت.. أما بالمكر فتم.. وأما بعلم الكتاب فتم.. وأما بحسن الخُلق والسيرة فتم.. وأما بالدعم من الرهبان مع الأنصار فتم.. وأما بالمال فما لم يأتي بالحَسب وبالدم فبصلة الرحم.. وإليك "خديجة" بنت العم.. وإن كانت أكبر بسنين.. لا ضير.. وإن كانت أرملة لاثنين.. لا ضير.. وإن كانت ذات بنات وذات بنين.. لا ضير.. تردد "محمد".. نحن له بدافعين.. عارض عمي "خويلد".. نحن له بمقنعين.. تسائلت "قريش" ومكّة.. هو أمر الله وأمر الرغبة وأمر الدين.. فزوجتهما.. زوّجتُ خديجة بنت خويلد من محمد بن عبدالله وجمعتهما.. زوجتهما برضاهما.. زوجتهما أمام الشهود من معشر قريش وأقربائهما وأنسبائهما.. زوجتهما برابطٍ لا ينفكّ حتى موت أحدهما.. ودعوني لا أنكر هنا دور "أبو طالب" في تدبير هذا الزواج وما قبله وما يليه.. أبو طالب كفيل محمد وحاميه.. من بعد وصول الموت لأبيه وأبي أبيه.. أبو طالب الذي شاركني جزءاً من تدبيري، ما ظهر منه وما نخفيه.. فاستبشر بعد زواج محمد بقرب زوال كرب الاطهاد وغمّ هذا التيه.. واستبشر بمستقبلٍ عظيمٍ وشأنٍ خطيرٍ لابن أخيه.. ولو أنه كان يشتهي مجداً مرتقباً لأحد بنيه.. أفلم يكن خيراً لو نزل الوحي على "عليّ" البليغ ذو الفيه؟!.. ما تم قد تم.. عليٌّ أم أبا بكر أم قثم.. لا يهم.. فلكلٍ دوره المهم.. أم هل أخطأنا الخيار وأنزلنا الوحي على محمد وليس على آخر من الفريق؟!.. لا يهم، هم كأفراس رهان، واحد يسبق والآخرين يتبعون على الطريق.. وأما خياري الثاني "أبو بكر" فبات دوره التصديق.. الرسول يقول والآخر يُصدّق ما قال الصديق.. ولتكن لك حصّة يا أبا بكر الصدّيق.. وبعد أن تم توزيع الأدوار.. واقترب أفول نجمي مع بزوغ الأنوار.. وبعد الطواف حول الكعبة وبعد الدوار.. بات الإعلان والدعم أمام الملأ واجبي واتخذتُ القرار.. هو.. هو.. هو الرسول المُختار.. فليجتمع حوله الأنصار.. ولتروى عنه الأحاديث والأخبار.. ولتُتلى الآيات والأشعار.. ولن تظل الدعوة بعد الآن في الخفاء ولتغدو في الجهار.. ثم أدنيتُ رأسه منّي وقبّلتُ يافوخَه والدمع من مُقلتيّ انهمار.. يا الله.. يا إيل.. يا جبّار.. يا خالق السموات السبع والأرض والليل والنهار.. أفنيتُ في سبيلك وفي سبيل كتابك الأبصار.. فهلا منحتني في الحياة الآخرة نعمة الإقامة في بطنان جنّة - أو جنتين - تجري من تحتها الأنهار.. 40 – قثم (محمد): أنا "قثم" الملقب بـ محمد.. أنا ابن أبيه.. يقولون أن أبي هو "عبدالله" ابن "عبد المطلب" ابن "هاشم" ابن "عبد مناف" ابن "قصيّ".. ويقولون أن أبي "عبدالله" توفي قبل ولادتي بأكثر من ثلاث سنوات.. فكفلني جدي عبد المطلب وأنشأني أنا وعمي حمزة.. وكان جدي عبد المطلب يرفض عبادة الأصنام.. وكان موحداً ويتحنّث بغار حراء مع النصارى ومنهم ورقة بن نوفل.. فكان نصرانيّاً في الخفاء.. نصرانياً أبيونيّاً.. يشفق على المساكين ويُطعم الفقراء وحتى طيور السماء، فكان يُقال له: "مُطعم الطير" و "الفيّاض".. وقد كان يجتمع مع الأحبار والرهبان والقساوسة وحتى أنه اجتمع بأسقف نصرانيّ.. واذكر أنني حين كنتُ في السابعة من عمري أصابني رمد شديد فأخذني جدي ناحية عكاظ إلى راهب يعالج الأعين، فعالجني بطرق الطب التي مايزال النصارى يتداولونها.. أما عن مربيتي "بركة" الحبشيّة والمكناة "أم أيمن" فكانت أيضاً نصرانيّة.. وهي التي دربتني على الحياة والهداية.. وحين توفي جدي عبد المطلب وأنا بعمر ثمان سنوات كفلني عمي "أبو طالب" الذي كان على ملّة أبيه عبد المطلب.. هو أيضاً نصرانيّ في الخفاء.. يهتم بالفقراء والمساكين ويطعمهم.. وإن كان هو نفسه فقيراً كثير العيال قليل المال.. أما عن الفقر فكان دائي الأولّ.. أنا اليتيم الفقير.. أسرتني جملة: "طوبى للفقراء (الأبيونيين)".. قالها مرة معلمي ورقة بن نوفل عن أقوال المسيح "عيسى" ابن مريم.. معلمي "ورقة" القس ثم الأسقف في الخفاء.. تعرفتُ على معلمي "ورقة" عن طريق جدي عبد المطلب حين كانا يتحنثان معاً في الخفاء في غار حراء.. فبتُّ تلميذ "ورقة".. وكان من بين تلاميذ "ورقة" الكثير من الفقراء وأيضاً بعض الميسورين أو الأثرياء.. وكان من بين التلاميذ صديقي أبا بكر ابن أبي قحافة.. وأما أنا اليتيم الفقير الذي يكفلني عمي كثير العيال قليل المال.. فرأيتُ نفسي على حافة الفقر المدقع.. هنا في مكة.. حيث الجوع واليتامى والمساكين الغارقين في ديونهم المكبّلة بالربا.. ما يوصل بعضهم لعوز السؤال المذل طلباً للكلأ أو يوصلهم للوأد أو لدفع نسائهم أو بناتهم للبغاء.. "الأذلّة"، الأذلاء.. الذين كانوا أحياناً يُفضلون "الاعتفاد" (إغلاق الباب على النفس حتى الموت جوعاً).. بعد اليأس وانقطاع الأمل والرجاء.. هل سأصبح مثلهم؟!.. وأنا راعي الأغنام.. أصابتني الهلاوس والأوهام.. وبتُّ ممسوساً بنوباتٍ من البرد حين أنام.. فبات عمي أبا طالب يخاف عليّ.. ويقربني منه في نومي مستبدلاً بي ابنه "عليّ".. ولم يكن يطيق الابتعاد عني حين يلبي نداء الرحيل على ظهور القوافل.. وأخذني معه - رغم العناء الطويل - على طريق الشام بأمرٍ من ورقة بن نوفل.. هل هو الخوف أم التحسّب من أيّ شيء مرتقب أم بوحيٍ من ابن نوفل؟!.. وفي الطريق نزلنا عند صومعة الراهب بحيرى.. فتفحصني واستنطقني وأوصى عمي وفي عينيّ حيرة.. بعدها زاد اهتمام عمي وحرصه عليّ.. وازداد تعليم "ورقة" توجيهاً إليّ.. حفّظني.. وهيأني.. وعلّمني.. كي لا أظل بالكتاب أميّ.. كل شيء في الخفاء.. نتحنّث في غار حراء.. علمني الفصاحة والإلقاء.. والصبر وقتُ البلاء.. وحُسن التدبّر بين العقلاء.. وكيف أرعى المساكين والفقراء.. لكنّ فقري ظلّ هو الداء.. فأتاني الحظ بذاك الدواء.. أم هو تدبيرٌ أو دهاء؟!.. هل هي المشورة بين النصارى الحنفاء؟!.. عمي "أبو طالب" يتدخّل لأقود تجارة سيدتي فاستوضعني على خير مسار.. و"ميسرة" غلامٌ ينقل ما ينقل بين الرهبان، ولسيدته نقل الأخبار.. و"خديجة" تصغي لابن العم وما أرشد فإليّ أشار.. وها هي ذي بعثت بـ "نفيسة" إليّ دسيسة للاستفسار.. فإذا بي بتُّ مُسلّماً مستسلماً لما دبّر "ورقة" مع الأقدار.. فرحتُ وابتهجتُ ثم تفكّرتُ فاتخذتُ القرار.. إن كان زواجي من "خديجة" دواءاً لفقري القهّار، فنِعم القيد ونِعم السوار.. وتزوجنا.. والأسقف "ورقة" زوّجنا أو باركنا.. ونصارى مكة شهود لنا.. فجمّعنا وبإسم الله برباطٍ صُلبٍ لا ينحلّ ولا ينفكّ إلا بوفاتٍ لأحدنا.. وبعمر الخامسة والعشرين دُفنتُ هنا.. أما عن "الفقر" دائي الأوّل فباء.. وأما عن "النكاح" دائي الثاني فابتدأ بلا دماء.. فلا سروالٌ على الباب يُعلّق ولا هي بعذراء.. ولا ملك اليمين ولا جواري ولا سراري ولا إماء.. وهي تكبرني عمراً وتجارب، وما هي مِن فتيّات النساء.. ولها باعٌ في تربيتي، وكما أمي، فلها أبناء.. فهل قدري أن أستبدل داءاً بالداء!؟.. عادت نوباتٌ تمسسني بالبرد وتتركني مثل الصُرعاء.. نوباتي تشتد بنومي لتبشّرني أم تُنذرني أم هلوسة من فرط مُصابي أم هي من أحوالي هذاء؟!.. أخشى من وهمي على نفسي فأرى روحي منطلقة هاربةً بخلاء.. بردٌ ورجافٌ بفؤادي هاتوا لي غطاء.. هاتوا رقية هاتوا حرزاً هاتوا حُجباً رقّوني من عينٍ أو جنّ وإليّ بماء.. فلسوف أُجن.. قالوا إثبت.. قالوا إصبر.. فلربما خيرٌ للفقراء عليك نزل ومن العالي وبعون الله سيأتي المَن.. وأنا سأُجن.. هل ذا جبريلٌ ما أسمع أم إبليسٌ أم مَلَكٌ، أم "ورقة" من جِن؟!.. يا "ورقة" أحكمتَ نطاقي أم هي أخلاقي وأحلامي أو ما هو منها باقي؟!.. لا أعرف مَن ربط وثاقي.. لكن ما أعرف أن الطوق يشدّ خناقي.. مَن يخنقني مَن يحرقني مَن ساهم في إغراقي؟!.. عمي أم "ورقة" أم زوجي أم هي أحوالي وثرائي من بعد شفير الفقر وإملاقي؟!.. أم خوفي من الفقر القهّار يحاصرني أم حدبي على الأيتام على الفقراء وإشفاقي!؟.. والطوق ثقيل.. وأنا المنقاد.. أنا المقهور أنا المنقاد أنا المدفوع بوجه القهر أنا الباقي.. وبوجهي ليس شياطينٌ.. بل سيف المال مع العادات مع الأحلاف مع خطر قتالي وشقاقي.. يدعمني عمي ومَن خلفه.. يعضدني "ورقة" كما علمه.. ونصارى مكة وكل فقير مع أمله.. وأنا الواقف في أوّل صف أتلقّى الريح.. فهل أخذل كل البنيان؟ أم هل أستريح!.. أطلقها "ورقة" بقبلته على يافوخي.. ولكن لم يعلم ما أطلق.. ليست بمجرّد كلماتٍ أو آياتٍ بفمي تُنطق.. ولئن أعلن "ورقة" أني رسولاً لله، ولئن دبّر، ولئن حضّر، لم يقف مكاني بشالوخي.. ولم يعلم ماذا أطلق.. هي ليست قرآنٌ يُتلى أو فليُحرق.. هي حلم فقيرٍ معدومٍ أن يحيى بيسرٍ أو يُرزق.. أمل المقهور بأن يأتيه العون فلا يُسحق.. أو أن يُعتق.. حلمٌ بالجنة على السندس أو إستبرق.. وعدٌ بخلاص المظلومين، وإن كان الوعد مُعلّق.. والأخطر أنّ بوجه الحلم كما الأوهام مع الآمال كل العادات كما الأحلاف مع الأموال.. لا مُلكٌ بات يغيّرني لا جاهٌ لا شمسٌ بيميني لا ذهبٌ لا قمرٌ أشرق.. فهل أخذل مَن ضحّى بعمره كي ينصرني عسى حلمه أن يتحقق!.. أمّا مَن ناء لكثرة ظلمٍ فإلى الحبشة عدلاً يرجو.. علّه ينجو.. فأفادهم ما قد دبّر "ورقة" بالسرّ، بأحرفه لغزٌ مُغلق.. فهم الملك الحامي مكنون القول وقد دقق.. يا "ورقة" أعجزتَ بعلمك كلّ الشعراء وكلّ الكتب وما يلحق.. إعذرني يا "ورقة" إن زدتُ أو استحدثتُ فمن نبعك مائي رقرق.. يا "ورقة" يا خير معلّم، تلميذك ضاع وما مَن يهدي أو يُبرِق.. أنتَ العامود الأوّل والآخر والطيف الواقف مِن خلفي كي لا أُطرِق.. أفترتَ الوحي بفقدانك، يا جبريلي يا مَلَكي النازل من علياء الله، يا من وثَّق.. أفبعد الصمم وبعد ضياع البصر بحكم العمر، موتُ يَسرِق!.. ما عاد بمقدوري الخذلان ولا الإنكار لما أُطلِق.. رغم الفاقات ورغم النبذ ورغم الجور وما أُهرِق.. وأنا مُرهَق.. وأتاني بعدها عام الحزن، من حزني قلبي يتشقق.. وفقدتُ ثلاثة أعمدة كانت تدعم صُلب البنيان فهل أُسحق؟!.. عامودٌ قبل وهذا الثاني فلمن أشكي ولمن أرثي ولمن أشجاني تتفتق.. يا زوجاً يا أماً أخرى، طفلكِ مفطومٌ في الخمسين وها يعشق.. تباً لقيودك يا "ورقة"، تباً لقيودي وما تَخنق.. تباً لزواجي وما حقق.. من قهرٍ من كبتٍ مُغرِق.. أهٍ مِن دائي الثاني.. ومِن حرماني.. عذراً يا زوجي سأتزوّج وأفرّغ من بعدك عُقداً وسأتعشّق.. مثناً وثلاثاً لا أقلق.. حتى العذراء الطفلة فلألعق.. أهوائي في عقلي تنعق.. إنكح عذراءاً وتذوّق.. إنكح عذراء بعمر الزهر ولا تُشفق.. إنكح عذراء ومهما جرى، وإن حملَتْ حقداً قد يفضح أسرار الوحي الربّاني.. وأما في عام الحزن فعاموديني كسراني.. زوجٌ قبل وعمّي الحاني.. يا عماً يا جدّي الثاني، يا من آواني وربّاني، يا من قدّمني وحماني، سند الأيام.. يا نسراً ظلل أشجاني.. هل تتركني أذوي وحدي من دون سلام!.. وكيف أنام؟!.. من بعدكم يا عِمداني مَن لي في مكة غير الحلم الزائف.. فإذاً للطائف.. وذهبنا اثنين على أملي بإيجاد النصرة.. فإذا بالقوم كما الصخرة.. قذفوني جرحوني بحجرة.. فالعودة إذاً إلى أمّ قرى.. يا مكة ناديتُ حجيجك.. عاماً والتالي.. لا أحد يبالي.. حجاج البيت الحجريّ لا تحفل برسول العالي.. ويلٌ لضجيجك.. الحجّ ضجيج والطوف عجيج وأنا واقف لا رأفة بحالي.. تباً لكلامك يا "ورقة"، أفهذا مآلي!.. في الآخر وافتني البُشرى.. أوسٌ خزرج عرضوا النصرة.. فإلى يثرب أرض الهجرة.. أرسلتُ الكل.. وبقينا ثلاثة مختبئين هنا في الظل.. قد يغدر بي من شاء الغدر.. فإذاً للمكر.. في الليل الحالك غادرتُ ومعي بو بكر.. وتركنا سراجاً في بيتي وعليٌّ باقٍ بفراشي بغطائي قَر.. وأما نحن المحميين بليلٍ، فعلى ظهر النوق مضينا.. وأخذنا درباً لا يمضِ إلى غايتنا، ولآثارٍ لخفاف النوق خفينا.. وبجوف الغور تخفّينا.. حتى تأكدنا بئلا أحد يلاحقنا ولا من يتتبع آثاراً أو يقفينا.. ثم على ظهر النوق تابعنا رحيلاً لمدينة.. في الدرب مع الصدّيق أبا زوجي واتتني الفكرة.. القول بأن الله حمانا بقدرة.. أن تبعونا.. وعلى باب الغور أتونا.. فإذ بحمامة قد قبعت تخفي بيضاً وبأوهن بيتٍ مغزولٍ لعناكب ربضوا يحمونا.. كي يعلموا أنّا منصورين بعون الله، أفليس بهذا نُثبت ألا حزن لنا.. لأنّ الله هنا معنا.. قال الصدّيق: "وماذا عن النوق!.. إن سأل القوم عن الناقة من تحتك أو تحتي وكيف اختفتا! ألم يجدوها؟".. فقلتُ له: "يا صدّيقي وحموّي وخَلفي ومسند ظهري في ياسر أوقاتي وفي ضيقي، وافقني وصدّق، وإن سألوا آتي بالآية فأتلوها.. أفيعجز ربي على ناقة من صخرٍ صُمٍ يُخرجها أو يُخفيها!.. والله بواسع رحمته يخلق ويبيد عاداً وثمود بمن فيها.. من نوقٍ من طفلٍ غضٍ هو باريها هو يفنيها أو يطويها.. أنتَ الصدّيق لمن أسرى من مكة بإحدى لياليها.. أفلا تفعلها ثانية! ما مَن يشهد غيرك فيها".. أطرق صدّيقٌ إذ فكّر في الأمر.. لا شيء يضر.. صدّقني بأمورٍ أكبر.. أفلا يفعل في ما يَصغُر!.. في يثرب لاقَونا بهتافٍ يَشكُرُ ويُحمِّد.. والناقة من تحتي باتت ذات البركات فإذا ناخت قد إختارت للقومِ مكاناً للمسجِد.. وتصالحت الأقوام بفضلي وطوائف تحتكم لأمري والكل هنا لله سيعبد.. وإذا بكلامٍ يتردَّد.. أن سُرقت منّا أملاكٌ، أن نُهبت دورٌ ومتاجر في أرض المولِد.. أصوات نداءٍ لقتالٍ باتت تصعَد.. فقوافل مكة فيها المال ومنها غنيمة لمن هُجّر وعليها الرد.. ماذا أفعل ماذا آمر ماذا سأرد؟!.. يا "ورقة" هل أكسر قيداً آخر في تسليمك أو إسلامك؟!.. وهل أنهي آخر أحلامك!.. بسلام الدعوة والتبشير وما أسمعتني بكلامك.. لا رفع سلاح.. لا زهق مزيداً من أرواح.. لا سيفٌ لا قتلٌ لا دم.. هل أكسر قيداً آخر يا "ورقة"؟ أفلن أندم؟!.. جرّبتُ قيودك، آذتني.. نحنُ عربٌ، ودمائهمُ قد نادتني.. قد واتتني.. ها داحس والغبراء.. ها حرب بسوس وسيل دماء.. ها أوسٌ خزرج بقتال ذوي القربة قد باتوا خبراء.. ومَن يبغي صوناً للفقراء.. فإليه سلاحاً وعليه رجاء.. وها قيداً آخر قد حطّمت.. ولمَن قوتلوا بالقتل أذنت.. ولقد أمسيتُ ناهباً لقوافل مِن بعد أن مِن حُماتها كنتُ.. قتلاً، غزواً، أسراً في الشهر الحُرم أنا حللت.. ولجيش الغزو إلى بدرٍ أعددتُ وسرت.. وعُريشي جاهز لهروبي إن بي من طرف الله خُذلت.. هل حقّاً ربي ينصرني أم يتركني وعصابته فلا يُعبد بعد لأني قُتلت!.. نيران الحرب قد اشتعلتْ.. ومَن ذا سيُخمد ثأراً لثأرٍ إن النار للأهلون أكَلَتْ.. الجنة لمن أمسكه الموت والغنيمة لمن أفلتْ.. وها أنا قد غرقت بدماءٍ وبين جثثٍ في مياه بدر طافت.. وما بعد الحرب غير الحرب.. وما بعد القتل غير القتل.. وبعد النصر الهزيمة جاءت.. ومَن المهزوم غير أولاد العموم.. وكم مِن مجازر هنا وهناك والدماء تعوم.. حان وقتُ الصُلح.. فأخذتُ البيعة والنصح.. بسم الله الرحمن الرحيم أم بسمك اللهم.. ما الفرق يا قوم.. هو نفس الله وذات الظلم.. فهل هو رحمانٌ رحيم لأنه إله الفقراء الضعفاء.. وهو ليس برحيمٍ ولا رحمان عند الأقوياء الأغنياء.. وهم الأقوى اليوم.. إذاً بسمك اللهم (إيلوهيم).. هي هدنة لعشر سنين، خيرٌ، وما الهم.. نشحذ فيها الهمم.. وندعو فيها الأمم.. وها هو "خالد" قد أسلم.. سيفٌ كان علينا فإلينا انضم.. زال القهر وزال الغم.. وازداد العدد وكثر اللم.. إذاً فلنقض الصلح بأيّة فعلة ولا نهتم.. هم قتلوا أَم قطّاع طرق أَم، أَم؟!.. أَم مَن يعلم؟!.. لا فرق ولا أحفل فالحادث تم.. منا القتلى وعلى الأعداء سنلقي اللوم.. مهما فعلوا ومهما عرضوا فأنا حكمٌ وإليك الحُكم.. القوّة بنا والعدد هنا وسيفٌ مسلولٌ لله قد بات لنا وعليكم دم.. أأبا سفيانٌ ماذا لكم؟!.. وسندخل مكة.. سنرجع مكّة.. وسنحكم مَن هي للقرى أُم.. وعقدنا العزم.. وحشدنا القوم.. وزحفنا إلى أرض المولد لنحقق حلم.. وأقمنا نراقب ظِلّ الوجم.. فعاد أبو سفيان وأسلم.. وإلينا مكّة قد سلّم.. لكن يبقى في عينيه ما يشبه سُم.. فهل حقاً أسلم قلبه أَم لم!.. وهل أظهر حقاً وجه ندم!!.. أم أنه مكراً لم يعدم!!!.. هل يُبطن مكراً ودهاءاً في روحه أَم في ولده أَم في نسله أَم!!!!.. مَن ذا يعلم!!!!!.. ودخلنا مكة من دون دم.. وإلى الكعبة لتحطيم صنم.. ومسحنا كل المرسومات على الجدران بمياهٍ جُلبت من زمزم.. إلا مريم.. عذراء إلى صدرٍ مولودها تمسك وتضم.. وا "ورقة" قيدك لا يرحم.. فتّقتَ جراحي، لو تعلم.. حبي لكلامك ولدينك ولذاك العلم.. عذراءٌ تَجلس في سُكنى تحضن تهتم.. والطفلُ يتيمٌ بوقارٍ يجلس يحكم.. يأمر بشريعة تنير الأرض تزيل الظلم.. وعيوني تدمع أو كادت لحنيني لأم.. وخرجتُ من الكعبة كي أشهد أن الدنيا غدت نوراً لا عتم.. في مكة أرفل وأدور ولرائحة الأرض المبروكة ها أشتم.. اليوم اليوم.. اليوم أكملتُ لكم دينكم.. وها قد تم..
رابط "المتاهة الكُبرى..": https://docs.google.com/document/d/1jLILQq0Qp5AA8tX55Yo-2QWtEIS7JcvlpGyygXAUmrg/edit?usp=sharing
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خريطة المتاهة الكُبرى - في اليهوديه المسيحيه الاسلام - 1 -
-
المتاهة الكبرى في ( اليهوديه - المسيحيه - المندائيه – الاسلا
...
-
القطيعة الايديولوجيّة بين اليهود النصارى و العرب - إنجيل الع
...
-
الجذور الوثنية للديانات التوحيدية
-
وثيقة يوحنا الدمشقي المسماة الهرطقات
-
الدافع إلى التدين اليهوديه - المسيحيه
-
كاتب مجهول قصة الاسلام
-
عقيدة الثالوث
-
كتابك المقدس يختلف - نبذة عن التراجم
-
مختطفات اسلاميه ( 3 )
-
المسيحيه و مجمع نيقية
-
نداء الى كل مسيحي معتدل
-
انجازات الحكومه العراقيه للاردن الشقيق
-
ألانسان هو الأله
-
أحمد صبحي منصور و علي بن ابي طالب
-
علي بن ابي طالب برئ
-
الكعبه والقرآن في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي
-
الزرادشتيه و الاسلام
-
رساله الى المؤمنيين
-
أرض الميعاد في اليمن
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|