سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهدت القاهرة أمس ، السبت ، وقائع توقيع الاتفاق "النهائي" للمصالحة بين الحكومة السودانية والتجمع الوطني المعارض.
والاتفاق بالغ الأهمية ، سواء من حيث مضمونه، أو من حيث مغزى مكان توقيعه. فغنى عن البيان أن الاتفاق "الأول" بين حكومة الخرطوم وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق تم توقيعه في نيفاشا، وكان الراعي الرئيسي له هو الإدارة الأمريكية، في ظل غياب – أو على الأقل خفوت صوت – الدور المصري خصوصا والدور العربي عموماً.
الجديد فى اتفاق الأمس أمران : أولهما أنه وسع دائرة المصالحة لتشمل أطراف أخرى غير الطرفين الوحيدين في الاتفاق الأول وهما حكومة البشير وحركة قرنق.
الأمر الثاني هو حضور اكثر نشاطاً للقاهرة في احتضان الشان السوداني بعد طول إهمال أو تجاهل .. أو استبعاد.
والأمران يستحقان الاهتمام .. والاحتفاء .. والتفاؤل.
لكن لا يجب الإفراط في التفاؤل .. لأن سلام السودان ووحدته وتنميته وتقدمه تظل كلها بحاجة إلى المزيد من الخطوات الشجاعة التي تتعامل مع مشكلات متفجرة مثل دارفور فى غرب السودان والبجا في شرقه. ولا يمكن توقع نجاح المصالحة السودانية دون معالجة هذه الملفات الخطيرة والتي تحتاج بدورها جولات أخرى من المفاوضات والوساطات.
وهذا يعنى أن الفرحة بمصالحة سودانية شاملة مازالت فرحة مؤجلة..
والمسألة الثانية التي تفرض نفسها على المرء ونحن نشاهد مراسم توقيع هذه المصالحات في نيفاشا أو القاهرة ، تتعلق بهؤلاء الذين يوقعونها.
إنهم هم أنفسهم الأشخاص الذين أشعلوا فتيل الأزمة، والذين تسببوا في إزهاق أرواح مئات الآلاف وتشريد الملايين وإلقاء ملايين أخرى في براثن المجاعات.
وهم أنفسهم الذين زرعوا الكراهية، ونفخوا رياحها في كافة أرجاء السودان، وأطلقوا على خصومهم – الذين يصافحونهم ويصالحون اليوم - كل الصفات الشريرة والسلبية، والتي كان أهونها وأخفها الاتهام بالخيانة والعياذ بالله!
وأبسط قواعد المنطق تقول أن من زرعوا بذور الفتنة لا يمكن أن يكونوا هم أنفسهم من يمكن أن يزرعوا بذور السلام والوحدة.
وأبسط قواعد المنطق تقول كذلك أن من تورط في مثل هذه الجرائم والأخطاء والخطايا لا يمكن أن يتحول من ذئب إلى حمل بين عشية وضحاها، وأن ينتقل من النقيض إلى النقيض دون كلمة اعتذار أو نقد ذاتي.
وليس المقصود بهذه التحفظات إطفاء أنوار الفرح بخطوة مهمة على طريق المصالحة السودانية.
المقصود – بالأحرى – هو التحذير من أن عملية المصالحة مازالت بعيدة عن الاكتمال ، ومازالت محفوفة بالمخاطر ، لأسباب موضوعية وأخري ذاتية .. مما يستدعى عدم الإفراط في التفاؤل .. وعدم الاسترخاء والاستنامة إلى طمأنينة سابقة لأوانها.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟