|
في جيوب من تصب عوائد النفط العراقي ؟
أحمد عبد العال الصكبان
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بين التهريب و التسليب :أين هيئة النزاهة !
تطالعنا وكالات الأنباء كل ساعة - و ربما أكثر من مرة في الساعة الواحدة- بالتغييرات و الطفرات في أسعار النفط بالسوق العالمية، و غالب التغيير يكون بالزيادة إذ تعدى سعر البرميل حاجز ال55 دولارا ، و هو أمر كان من الممكن أن يبهجنا كعراقيين و يثلج قلوبنا لو أن لنا في هذه السوق العالمية منفذ أو لو ضمنا أن تعود هذه الزيادة بالخير على أبناء العراق أو تصب في ميزانية الدولة لتتحسن بعدها بنود الإنفاق على الخدمات العامة ،المحزن حقا و ربما المضحك معا أن ميزانية عام 2005 للحكومة العراقية قد وضعت على أساس أن سعر النفط الخام يبلغ 26 دولار برميل في حين زادت أسعار النفط لأكثر من ضعف هذا الرقم، و لكن ما يحدث للأسف هو العكس تماما ، فكمية غير قليلة من النفط يتم تهريبها بانتظام عبر الجنوب و يكفي مراجعة تصريح وزارة النفط العراقية قبل شهر بأنها "تدفع ما يقارب 200 مليون دولار شهريا لاستيراد المنتجات البترولية التي سرعان ما يتم تهريبها إلى خارج البلاد"، و المعلن عما يكتشف أمره من هذه العمليات هو أقل بكثير مما يتم أو يُدارى عليه من مسئولين فسدة لا يراعون الله في ثروات بلادهم التي هي نصيب كل مواطن و شيخ و طفل، كان يمكن أن نفرح بزيادة أسعار البترول لو كان هناك مخططون حاذقون يتحينون الفرصة لضخ بترول البلاد للسوق العالمية في هذه الفترة، كنا سنبتهج لو أننا نعلم أين كانت ستصب هذه العوائد و هل ستوجه للخدمات العامة أم لجيوب السماسرة و تنفق على كماليات لا لزوم لها .
و عدم استغلال الحكومة الحالية للطفرة الكبرى في أسعار النفط ،يعني أننا نمنع خيرا هو من حق كل مواطن عراقي ، فسيكون هناك مبالغ ضخمة مهدرة بسبب عدم زيادة الإنتاج واغتنام فرصه الأسعار العالية،و لا تتوقعوا أن تظل الأسعار عالية انتظارا لتفكير و تحليل ثم تدبير و اغتنام الحكومة العراقية الفرصة ،فهاهي السعودية ستزيد من إنتاجها بعد مفاوضات و اتفاقات مع الولايات المتحدة لخفض السعر مثلما حدث من قبل ، و سيخسر العراق كثيراً إن لم يسارع باغتنام السعر المرتفع الآن .
أما الخبر الثاني الذي أحزنني حقاً فهو ما أوردته الوكالات في 18 حزيران الجاري نقلا عن شركة "بريطانية" من أن قراصنة مسلحين هاجموا ناقلة نفط عملاقة كانت راسية في مرفأ البصرة العراقي لتصدير النفط في الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي في أحدث خرق أمني خطير بالمرفأ. و العجيب يا سادتي أن هذا الهجوم السافر في عقر الميناء لم يكن الأول فقبل أسبوعين فقط هاجم قراصنة طاقم ناقلة عملاقة كانت تنتظر تحميلها بالنفط في المرفأ الذي يمر عبره أغلب صادرات النفط العراقية. و معلوم أن الصادرات من البصرة توفر الآن أغلبية دخل العراق تقريبا، و حسب المراسل الصحفي ستيف تيفون - نقلا عن المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب- فإن إحدى مناطق شمال البصرة خسرت حوالي 90% من مخصصاتها من البترول في فبراير و ثبت لاحقا أن ذلك تم على يد بعض المسئولين المحليين الذين يعملون مع وحدة القوات البريطانية المسئولة عن المنطقة وطبعا هيئه النزاهة في سباتها المعهود بخصوص هذه العملية.
أقول هذا و كلي ألم، و للإنصاف ألمي ليس وليد اليوم فقط بل هو بأثر رجعي، فنفطنا المراق يواصل انسكابه منذ عقود و يصب عوائده في جيوب الكثيرين باستثناء الشعب المغلوب على أمره، و منذ سقوط نظام ابن العوجة استبشرنا خيرا في نصيب الشعب المهضوم من عوائد النفط خاصة وبعد أن صرح سياسي عراقي هو اليوم بموقع كبير في الحكومة العراقية بأن المواطن العراقي سيحصل على نسبه من عائدات النفط. كان نظام صدام يشجع عمليات تهريب النفط إلى خارج العراق كوسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية وكان يقدم علاوات جيدة للصيادين من اجل تشجيعهم للتحول لهذا النوع من النشاط حيث كانت تحمل مراكبهم بالمنتجات البترولية وتبحر عبر شط العرب ومنها إلى المياه الدولية لتتوجه بعدها لموانئ خليجية ثم لموانيء أخرى بالعالم ، بعد سقوط صدام على أقل تقدير توقعنا أن تسدد عنا هذه العوائد ديونا لم نشترك فيها أو ترفع من مستوى معيشتنا عندما توضع هذه العوائد في الخزانة العامة و ليس الخزانات الحديدية لمسئولين و وسطاء، منهم العراقي و منهم العربي و العجمي و الأجنبي ...
أقول أن سرقة البترول العراقي تواصلت مثلما كان الأمر في عهد صدام كما في عهد الكابتن بريمر ، فحسب دراسة متعددة الأجزاء أصدرتها شركة التدقيق العالمية (كي بي ام جي)، و غطت في أجزاء منها أداء سلطة التحالف بإدارة السفير بول بريمر أكدت الدراسة أن هناك تخبط و فساد في إدارة صندوق تنمية العراقI المموّل بصورة رئيسية من واردات النفط العراقي المصدر ومن تحويلات برنامج النفط في مقابل الغذاء . مثلما كان هناك انتقادات أخرى لنفس تلك الفترة و جاءت هذه المرة من (اي ايه ام بي) و هي الهيئة المشرفة على صندوق تنمية العراق (محمد علي زيني- الحياة - 2005/06/2).
و حسب تلك المصادر فإن عيوبا خطيرة شابت عمل هذه الفترة و بعضها ربما فُصِّل على قياس الرغبة في السرقة المغطاة ، فما معنى ألا يوجد عدادات لقياس كميات النفط العراقي المصدرة من الجنوب، رغم طلب الهيئة الدولية من سلطة التحالف ضرورة استعمال العدادات،إن الأمر اقرب ببساطة لتصريح بالسرقة أو بالأحرى تهيئة الفرصة لسرقات و جرائم نظيفة لا يمكن حسابها مره أخرى نقول صح النوم يا هيئة النزاهة .
الأمر الثاني الصارخ و الدال على مدى الفساد الذي اعترى عمليات تهريب - معذرة تصدير - النفط العراقي في فترة السيد بريمر ، أنه تم إتباع سياسة تعود للعصر الحجري و هي مقايضة المنتجات النفطية ببعض المستوردات، ولا يزال العراق يستورد الكهرباء من دولة مجاورة من طريق المقايضة، حيث يصعب التأكد من أنه يحصل على قيمة عادلة بهذه الطريقة في مقابل صادراته النفطية.
ثم يأتي الانتقاد الكارثة و هو عدم احتفاظ مجلس مراجعة البرامج التابع لسلطة التحالف والمسئول عن دراسة مشاريع الصرف من صندوق تنمية العراق والموافقة عليها بأي " سجلات وافية تبرر قبول مشاريع الصرف أو رفضها" ، كما لم يتبع المجلس نظام سلطة التحالف (رقم 3) الذي نص على وجوب حضور 70 في المائة على الأقل من أعضاء المجلس، أي ثمانية من أصل 11 عضواً يتكون منهم المجلس، من أجل الموافقة على عشرة برامج للصرف. فقد تمت الموافقة على عشرة برامج للصرف دون حضور العدد الأدنى من أعضاء المجلس، كما تمت إحالة أحد المشاريع من دون الحصول على موافقة المجلس، وكذلك تمت الموافقة على برامج للصرف من دون اجتماع المجلس في صورة رسمية وحتى من دون تدوين ذلك الأمر لاحقاً في سجلات المجلس.
ماذا يعني هذا ؟ يعني ببساطة أن النفط وزع و هرب و بيع بطرق غير شفافة أو معلنة أو خاضعة للقوانين و اللوائح المعلنة بل لم يوثق شيء في هذا الصدد و هو أمر متوقع فمن يسرق شيئا لا يكتب تفاصيل ما "سرقه" في وثيقة .. بل و ذكر التقرير أن " التعاقد الخاص بالمشاريع التي كان المجلس يوافق عليها والتي كانت تنفذها وحدة التعاقد التابعة لسلطة التحالف، كان يتم على أساس اعتباطي،ناهيك عن العديد من النقاط المتعلقة بمغالطات محاسبية و قانونية و إدارية عدة ،بل و الأدهى أن بريمر أبى ألا يترك العراق و قد كبله بقيد جديد إذ وقعت سلطة التحالف على مقاولات قيمتها نحو 1.9 مليار دولار قبل تسليم السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة. و حتى الآن لازالت التركة الثقيلة قائمة، فلا يوجد أجهزة كافية و بكفاءة جيدة لقياس إنتاج وتصدير النفط رغم وعد السلطات الأميركية بتأمينها بصورة عاجلة منذ عام فمن المسئول عن ضياع المداخيل النفطية والتخبط في السياسة النفطية في العراق ؟
نقطة أخرى أطرق عليها بخفة و اللبيب بالإشارة يفهم، و هي التخبط - المقصود أو غير المقصود - في السياسة الاقتصادية من ناحية توجيه الموارد المخصصة لوزارة النفط،حيث أن الأخبار تتوارد بفرح أننا نعمل على مد خط أنابيب تصدير النفط في صورته الخام إلى معامل عبدان لتكرير النفط في ايران ، و ذلك بدلا من تأهيل المعامل الموجودة على ارض بلادنا، و سيتم إرسال النفط عن طريق الأنابيب تشق بالفعل حالياً و المضخات تثبت في أماكنها على طول الطريق بين البلدين ،أي أن الأمر منهجي و مدروس ليصبح عرفا في علاقات البلدين التجارية لسنوات عدة ، فلمصلحة من هذا التخبط؟ و هو تكبيل البلاد بعقود و تصدير لمادة خام و صرف الملايين على تصديرها بخطوط ثابتة و ليس فقط في حاويات و على أسطح المراكب ؟ وهل هذا هو التخطيط بعيد المدى؟ ، يبدو انه كذلك بالفعل هو حقاً تخطيط بعيد المدى لكنه يقف عند حدود الجارة إيران فقط.
يا سادة : إنكم بقراراتكم هذه تعطون الاقتصاد الإيراني الأولوية في التفكير ،بدلا من تأهيل معامل البصرة و زيادة الطاقة الإنتاجية لمصافي الجنوب أو لتأهيل المتبقي من مصافي مثلا لتوفير فرص عمل لآلاف و ملايين الشباب العراقيين العاطلين عن العمل سواء مهندسين أو عمالة يدوية ، و معلوم أن الفراغ و البطالة طريقان ميسران لوصول المارقين لعقول شبابنا ، ماذا سنجني عندما يذهب الخام لإيران ؟ سيكسب العامل الإيراني فرص عمل كبيرة ونضطر نحن لدفع أموال لعملية التكرير عندما نستورد و بأسعار باهظة المشتقات النفطية التي تم تكريرها و و معاملتها حسب سعر سوق المستهلك .
و بالإضافة لذلك، يمكن مراجعة ما يتم الكشف عنه كل يوم من اكتشاف "عشرات الخزانات بسعات أطنان بل و مضخات نفطية وخراطيم" لنقل الوقود المهرب إلى سفن راسية في مياه شط العرب على الضفة الأخرى لحدودنا المائية مع الجارة إيران " حسب تصريحات أدلى بها مؤخراً العقيد إبراهيم كريدي مدير كمارك المنطقة الرابعة في أهل العيد جنوب قضاء أبي الخصيب، و هناك أمثلة أخرى صادمة تطالعنا بها الجرائد البغدادية كل صباح و لكن لا أحد يتابع للأسف .
و هناك حادثة أخرى تدلل على أن أسرارا عديدة يتم التستر عليها في وزارة النفط ، و المسئولين الحكومة الحالية ، و إلا ما هو تفسير القائمين على الأمر لقرار إبعاد مدير سومو إلى دور ثانوي‘ فإذا كان هذا المسئول مذنبا أو بعثيا أجرم بحق الشعب لماذا لم يطرد، و لماذا عين أصلا في موقعه ؟ وان لم يكن فهل هي المزاجية والمحسوبية التي تحكم تغيير المناصب ؟ وهل هذا في مصلحه استقرار قطاع هام و خطير مثل القطاع النفطي بالذات ؟غريب أمور و عجيب قضية : أنه ينقل لدرجة وظيفية أقل ، فإذا كان قد ارتكب أخطاء في قطاع حساس كقطاع النفط فكيف لم يحاسب ؟؟ إن تفسير المواطن العادي لمثل هذا القرار هو أن هذا الشخص - و لسنا معه أو ضده - لديه مستمسكات ما ضد المسئولين الأعلى منه لذا أردوا إسكاته دون فصله، و عندما أقول أن هذا هو رأي المواطن العادي فلا يعني أنني أتبناه و لكن فقط أوجه الحكومة الحالية و بها من المخلصين الكثيرين لما قد ينتج عن أخطاء البعض بها، علها تتدارك هذا التخبط.
أعلم أن هناك مخاوف أخرى غير ما ذكرنا تتعلق بالنفط في بلادي، و ربما كان لنا وقفة أخرى قريبة معها، و منها ما أورده مراقبون من أن العمليات المسلحة التي تطال العراقيين و القوات المتعددة الجنسيات سوف تنتقل بعد التضييق على القائمين بها إلى قطاع الكهرباء في صيف العراق الحار ،و ذلك حسب تنبؤات أطلقها مؤخراً غاري آندرسون و هو ضابط متقاعد في سلاح مشاة البحرية الأميركية، مما يعني أن الطلب على مشتقات النفط و بالأخص الغازولين سوف يزداد لتشغيل المولدات الكهربية و مع ذلك لازالت أزمة الحصول على البانزين و الغازولين قائمة بكل مدينة عراقية . و لا نلبث أن نذكر أيضا باحتمال يلوح في الأفق بإلغاء الدعم الحكومي على المشتقات النفطية بالنظر للضغوط التي يقوم بها صندوق النقد الدولي و الذي يطالب بتخفيض الإنفاق الحكومي بصفة عامة ، و إلغاء الدعم الحكومي للمواد النفطية وارد رغم الحديث في الآن ذاته عن إصدار بطاقات تموينية بنصيب كل مواطن من المشتقات النفطية ، و لهذا مقال آخر ..
#أحمد_عبد_العال_الصكبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القانون إذ يصبح أداة للاسقاط السياسي
-
مفوضية النزاهة و فساد ما قبل الثلاثين من حزيران!
المزيد.....
-
الجمهوري أرنولد شوارزنيجر يعلن دعمه للديمقراطية كامالا هاريس
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل
-
كوريا الشمالية: تصرفات الولايات المتحدة أكبر خطر على الأمن ا
...
-
شاهد.. ترامب يصل إلى ولاية ويسكونسن على متن شاحنة قمامة
-
-حزب الله- ينفذ 32 عملية ضد إسرائيل في أقل من 24 ساعة
-
بريطانيا وفرنسا وألمانيا تدعو إلى التجديد العاجل للخدمات الم
...
-
وسائل إعلام: تقدم في المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين إسرائ
...
-
وفد روسي يصل الجزائر في زيارة عمل (صور)
-
إعصار كونغ-ري يقترب من تايوان والسلطات تجلي عشرات الآلاف وسط
...
-
ما هي ملامح الدبلوماسية الأميركية المستقبلية في الشرق الأوسط
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|