|
الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
محمد عمامي
الحوار المتمدن-العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 13:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يصرّ محترفو السياسة في بلادي على تحويل وجهة ثورة المحرومين من مواطني الجهات والأحياء والقطاعات المحرومة وعلى إنتاج مسخ لها من صنع أجهزة الكذب المنظم والتشويه الممنهج. وهي أجهزة متشابكة ومتنوعة تتفاوت خطورتها حسب قوة صداها وقدرتها على المخاتلة والتعتيم وبث البلبلة. وبطبيعة الحال يحتل الإعلام الرسمي الدولي والعربي والمحلي المرتبة الأولى بما لديه من إمكانات وتمويل وقدرة تكنولوجية وجيش من "الخبراء" في كل الميادين. تليه أجهزة الأحزاب والمنظمات التي تشارك الرأسماليين وخدمهم في التوافق حول تلك المهمة، مهمة عزل"فوضى" الدهماء وتجاوزات المتمردين عن نواميس وأعراف "العملية السياسية" السلمية والمعقولة. وهي عملية تقوم على التوافقات الكبرى لتنظيم لعبة التباري بين السياسيين ضمن أرضية "قانونية" متفق عليها سلفا عبر حوارات المقاسمة والتقيد بأطر وضعها كفلاء الثورة المسخ من قوى الهيمنة على المستويات الدولية والإقليمية.
بعض الملاحظات حول الموضوع أسوقها على وجه السرعة لعلها تساهم في دفع نقاش تأخر كثيرا رغم كونه مصيريا وضرورة أوّلية لدفع المسار الثوري نحو تحقيق رهانات الطبقات والشرائح الاجتماعية التي أطلقته:
1/ اختزال الثورة الاجتماعية ( وهي بالضرورة ثورة شاملة تشمل كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية) في ثورة "ديمقراطية" ومن ثمّ اختزال المسار الثوري الجاري وأهدافه إلى "مسار انتقال ديمقراطي" لا يمس جوهر المنظومة الرأسمالية الوحشية المسؤولة الرئيسية عن فقر وبؤس ومرض وجهل الشعب التونسي وعذابات القطاعات والجهات والأحياء المحرومة المنتفضة، وكذا الأمر بالنسبة لباقي البنى الاجتماعية البالية التي تعيق تطور المجتمع وتحرره من التخلف والجهل والهامشية.
2/ ينجر عن هذا الاختزال اختزال أخطر لمطالب الشعب إلى مجرد إعادة تهيئة "ديمقراطية" وفاقية فوقية مغشوشة لنفس النظام الذي هبّ الشعب من أجل قلبه قلبا جذريا وتركيز مكانه بديل اجتماعي قائم على العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة لجميع المواطنين.
3/ الدفاع عن الدولة البوليسية المسؤولة عن عقود من القمع والمشرّع الرئيسي للنهب والاضطهاد بشتى أنواعه الاجتماعية والفكرية والدينية والجهوية إلخ، والمدافعة عن مصالح كبار المستغلين الأجانب والعرب والمحليين بشتى طرق القهر والتركيع.
4/ التمسك بالمركزية المراتبية وحصر الحكم في طغمة قليلة العدد من السياسيين المتنفذين المتحدرين من سلالات سياسية تربت في هياكل الدولة والأحزاب والمنظمات بدعوى الكفاءة والاختصاص والخبرة. وكأنهم ولدوا ليحكموا وولد البقية ليطيعوهم.
5/ تحضير إطار دستوري وتشريعي جديد في شكله، قديم في محتواه، ينظم عملية إقصاء شباب الثورة ونسائها وكهولها عن دائرة التسيير والتصرف في ما يهم حياتهم العامة والخاصة وذلك بحصر "ديموقراطية" الانتخابات في نطاق القوى السياسية المنضوية تحت غطرسة الكفلاء الممولين، وهو ما سيكرر نفس النظام ببعض الرتوش الشكلية، ويمهد لبسط جديد لسيطرة الدولة عن المجتمع وتشريع القمع باسم الشرعية الدستورية لتصفية ما تبقى من المسار الثوري.
6/ الهراء حول "حلول" سحرية "لأزمة" اقتصادية واجتماعية خانقة، وتتلخص تلك الحلول في بعض "الإجراءات المؤلمة"و"تقاسم التضحيات" و"هدنة اجتماعية" في كنف الوحدة الوطنية باعتبار أنها أزمة قدرية أصابتها جميعا بفعل قوى شر خارج سيطرتنا لا بوصفها أزمة نهب وتفقير مطلق واعتداء وحشي على الشعب ومقدراته وثرواته من قبل غزاة مسلحين من جميع الجنسيات تجمعهم شراكة طبقية متضامنة وتحميهم الدولة القائمة نفسها، وهي في الحقيقة أزمة نظامهم وثمرة جشعهم وجنونهم، تحلّ بالإطاحة بسيطرتهم واستعادة المنهوب وتوزيع ثماره توزيعا عادلا بين المواطنين.
7/ التعتيم الكامل على خيرات وثروات البلاد التي تكفي لإعالة أضعاف عدد الشعب التونسي إذا ما وقع استعادتها من أيدي النهابين وعُهد بتسييرها والتصرف فيها للشعب نفسه عبر لجان قطاعية ومحلية وجهوية منتخبة انتخابا مباشرا للغرض لا للتحكم في مصائر المواطنين، وتكون خاضعة للمحاسبة والعزل متى اقتضى الأمر ذلك؛ وهو ما يتعارض مع مجرد "تأميمها" ووضعها من جديد بأيدي حفنة من السراق نصبوا أنفسهم بحيلة انتخابية شكلية كمتصرفين فيها نيابة عن الشعب، وهو المدخل الأمثل لعودتها بين أيدي النهابين.
8/ التذرع بالفقر والغرق في المديونية الخارجية ومحدودية الموارد الطبيعية لتبرير التبعية والارتماء في أحضان المستعمرين الجدد والتفريط في سيادة الشعب عن أرضه وما تحتها، وعن مجمل ثرواته ومرافقه واستقلاله وهي أكاذيب تخفي حقيقة النزيف الهائل من الأموال والثروات المهربة للبلدان الامبريالية والرشاوي والعمولات التي يكسبها العملاء من جراء مشاركتهم في ذلك النزيف.
9/ إن تشابك مصالح الوكلاء الاستعماريين مع العملاء والمرتشين و"الشركاء"، كبارهم وصغارهم، هو ما يرسي ستارا كثيفا من المغالطات ويحرف وعي المنتفضين ويبث البلبلة في صفوفهم حول أهداف ثورتهم ويصنع رأيا عاما غارقا في ما هو ظرفي وفوري ومحدود النتائج باسم الواقعية ومقتضيات المرحلة وأولوية الأمني و/أو الهوية واستقرار الدولة...
10/ لم يعد، إذن، النهابون يكتفون بقوة الدولة أو بعض الأحزاب الكبرى كمرتكز للاستعمار والتبعية والنهب بل أصبحت ترتكز أيضا،وفي نفس الوقت، على مجرّة من القوى السياسية المعارضة والمتعارضة وأكثر من ذلك على حركات اجتماعية وحقوقية وثقافية وإعلامية ومنظرين وخبراء وغيرهم في ما يدعى بالمجتمع المدني كي تخلق حالة من الاستقرار والمراوحة والتواطؤ حول "بديهيات"أو "معايير دولية" أو "قيم كونية" إلخ، تصب جميعها في خانة استعادة كل نفس ثوري جماهيري وكسر تجذره على صخرة تلك "الأرضية"المتواطئ عليها.
#محمد_عمامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي
...
-
الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
-
تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
-
السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
-
الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا
...
-
نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
-
الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.
-
القوى الثورية وحرب استنزاف حكم الالتفاف
-
مسيرة اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل، وماذا بعد؟
-
رسالة مفتوحة إلى مناضلات ومناضلي النقابيين الأتحاد العام الت
...
-
قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني
...
-
قراءة أولية لمشروع دستور حزب النهضة: نحو جمهورية إسلامية سني
...
-
مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل: دار لقمان على حالهاً(2)
-
مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل: دار لقمان على حالهاً (1)
-
ديموقراطية الحكماء وديموقراطية الدهماء
-
الإسلاميون وحالة الكمون الجديدة
-
تونس في مفترق الطرق
-
المطالب الاجتماعية الملحة والمهام الثورية
-
ليسقط جلاد الشعب لنستكمل مهام ثورتنا!
-
اعتصام المصير: استقالة النقابيين لا يجب أن تستمر
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|