|
الدافع إلى التدين اليهوديه - المسيحيه
سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4341 - 2014 / 1 / 21 - 08:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدافع إلى التدين اليهوديه - المسيحيه
كاتب مجهول الهويه ذو خلقيه اسلاميه حيادي البحث في الاديان - اقتباس و نقل بعض الفقرات كما وردت من الكاتب وإليك بعض هذه الأقوال وهي كلها لغير المسلمين: قال بعضهم: إن الدافع إلى التدين الخوف من الطبيعة حوله بما فيها من برق، ورعد، وزلازل، وبراكين، وحيوانات متوحشة، جعلت الإنسان في الأزمان القديمة- وهو الضعيف الذي لا حول له ولا طول مع هذه الأحوال المتغيرة حوله- يبحث عن قوة غيبية لها سيطرة وتأثير في هذه الطبيعة حوله، ولها قدرة على حمايته وحفظه، فأله وعبد ما يرى أنه أقوى وأقدر على حمايته من المخلوقات التي حوله كالشمس والقمر والبحر ونحو ذلك. وقال بعضهم وهو (ماكس موللر): (إن العقل هو الباعث على التدين، وذلك أن العقل ميزة الإنسان عن الحيوان، وهو باعث على النظر والتفكر في هذه المخلوقات، والإعجاب بها، وتعظيمها، ومن هنا أخذ العقل يفكر فيما وراء الطبيعة، وأداه عقله مع اللغة المستخدمة في الحديث عن الجمادات إلى صبغها بصبغة الأحياء ذوات الأرواح، مما جعله يتعبد لها ويتخذها إلها(. وهناك قول ثالث في الباعث قال به )دوركايم( الفرنسي، وهو: أن الحاجة الاجتماعية هي الباعث على التدين، وذلك أن المجتمعات البشرية تحتاج إلى نظم وقوانين تحفظ الحقوق وتصون الحرمات، ويؤدي كل إنسان واجبه بمراقبة داخلية، مما جعل بعض الأفذاذ وذوي القيادة يتولد في أذهانهم الدين، ويبثونه في جماعتهم، فتقبله الجماعة لحاجتها لذلك. هذه الأقوال يظهر منها واضحاً ادعاء أن الدين مصدره الإنسان، وأن باعثه أمر من الأمور المتعلقة بالطبيعة حول الإنسان، أو دوافع داخلية في الإنسان. ولا تحتاج هذه الأقوال إلى كثير عناء في إبطالها وردها؛ إذ إن هذه البواعث المذكورة كثيراً ما تكون غير موجودة، ومع ذلك يكون التدين ظاهراً واضحاً يصدم دعاة الإلحاد ويهدم تخرصاتهم. ولا يعدو ما ذكر هنا من باعث التدين أن يكون تخرصا وفرضاً باطلاً؛ إذ إن الحديث عن باعث التدين يحتاج إلى سبر أغوار النفس البشرية، ودراسة تاريخية متعمقة، تشمل الإنسان الأول، وتسير معه سيراً متأنياً، كاشفة عن مشاعره وأحاسيسه وتقلباتها حسب الظروف والأحوال التي تحيط به؛ إذ إن الدين له أوقات يظهر بها ويتضح جليًّا في حياة الإنسان، وهي أوقات الأزمات والمخاوف التي يقع فيها الإنسان، كما أن له أوقاتاً يكمن فيها ولا يظهر، وهي أوقات الرخاء والغنى، إذ يقع الإنسان فيها فريسة سهلة للغفلة والبعد عن الدين. كما أن الباحث يجب أن يكون في حال بحثه خاليا من المؤثرات البيئية والدينية والثقافية، وذلك من أجل أن يكون حكمه على الظواهر التي يقع عليها سليما من المؤثرات الخارجية، وأنَّى للباحث أن يتخلص من ذلك. يقول الباحث )آدمسون هيوبل( المتخصص في دراسة الملل البدائية: ) د مضى ذلك العهد الذي كان يتهم الرجل القديم بأنه غير قادر على التفكير فيما يتعلق بالذات المقدسة أوفي الله العظيم، ولقد أخطأ )تيلور( حيث جعل التفكير الديني الموحد نتيجة للتقدم الحضاري والسمو المعرفي، وجعل ذلك نتيجة لتطور بدأ من عبادة الأرواح والأشباح ثم التعدد ثم أخيراً العثور على فكرة التوحيد(. ويقول الباحث (اندري لانج) من علماء القرن الماضي: (إن الناس في أستراليا وأفريقيا والهند لم ينشأ اعتقادهم في الله العظيم على أساس من الاعتقاد المسيحي، وقد أكد هذا الرأي العالم الأسترالي (وليم سميث) حيث ذكر في كتابه (أسس فكرة التوحيد) مجموعة من البراهين والأدلة جمعها من عدة مناطق واتجاهات تؤكد أن أول تعبد مارسه الإنسان كان تجاه الله الواحد العظيم). ويقول الدكتور الحاج (أورانج كاي) من علماء الملايو في إندونيسيا (: عندنا في بلاد أرخبيل الملايو دليل أكيد على أن أهل ديارنا هذه كانوا يعبدون الله الواحد، وذلك قبل أن يدخل الإسلام إلى هذه الديار، وقبل أن تدخل النصرانية، وفي عقيدة جزيرة كلمنتان بإندونيسيا لوثة من الهندوسية ورائحة من الإسلام، مع أن التوحيد كعبادة لأهل هذه الديار كان هو الأصل قبل وصول الهندوسية أو الإسلام إليها، وإذا رجعنا إلى اللغة الدارجة لأهل هذه الديار قبل استخدام اللغة السانسكريتية أو قبل هجرة الهندوسية أو دخول الإسلام تأكدنا من أن التصور الاعتقادي لأجدادنا حسب النطق والتعبير الموروث هو أن الله في عقيدتهم واحد لاشريك له) المبحث الأول: تعريف اليهودية:
اليهودية: هي ديانة العبرانيين المنحدرين من إبراهيم عليه السلام والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى عليه السلام مؤيداً بالتوراة؛ ليكون لهم نبيًّا. واليهودية ديانة يبدو أنها منسوبة إلى يهود الشعب، وهذه بدورها قد اختلف في أصلها، وقد تكون نسبة إلى يهوذا أحد أبناء يعقوب، وعممت على الشعب على سبيل التغليب .
اليهودية: مصطلح حادث يطلق على الديانة الباطلة المحرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى عليه السلام. ولعل هذا هو التعريف الصحيح لليهودية، ومن خلاله يتبين الخلل في بعض التعريفات التي تقول: إنها الدين الذي جاء به موسى - عليه السلام -. أو: إنها دين موسى عليه السلام. وهذا خطأ؛ إذ موسى عليه السلام لم يجئ باليهودية، وإنما جاء بالإسلام - بمفهومه العام- الذي يعني الاستسلام لله وحده؛ فهو دين جميع الأنبياء من لدن نوح إلى محمد عليهم السلام. قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67]. وقال - تبارك وتعالى - عن موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ [يونس:84 ]. وقال عن عيسى عليه السلام: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: 52]. فهذا هو الإسلام العام الذي جاء به جميع الأنبياء.أما الإسلام الخاص فهو: شريعة القرآن التي جاء بها محمد . وهذا الإسلام الخاص يشترك مع كافة الشرائع بالتوحيد والأصول، ويختلف في تفصيل بعض الشرائع. ومن خلال ما مضى يتبين أن اليهودية ديانة باطلة محرفة عن الدين الحق الذي جاء به موسى عليه السلام.
سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود، وقد تعددت أسباب تسمية اليهود بهذا الاسم؛ فقيل في ذلك أقوال منها: -1 أنهم سموا يهوداً نسبة إلى يهوذا بن يعقوب، الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى عليه السلام فقلبت العرب الذال دالاً. -2 نسبة إلى الهَوَد: وهو التوبة، والرجوع، وذلك نسبة إلى قول موسى عليه السلام لربه: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف: 156]. أي: تبنا ورجعنا إليك يا ربنا.قال ابن منظور: الهود: التوبة، هادَ يهود هوداً، وتهوَّد: تاب ورجع إلى الحق؛ فهو هائد، وقومٌ هُوْد مثل حائك وحُوك، وبازل وبُزْل . -3 نسبة إلى التقرب والعمل الصالح، قال زهير بن أبي سلمى: سوى رَبَعٍ لم يأتِ فيه مخافةً ولا رهقاً من عابد متهود فالمتهود: المتقرب، والتهود: العمل الصالح . -4 من الهوادة، وهي المودة، فكأنهم سموا بذلك؛ لمودة بعضهم بعضاً
لليهود عدة أسماء منها: -1 اليهود. -2 بنو إسرائيل: وإسرائيل لقب يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: (عبد الله). لأن إسرا بمعنى عبد، وإيل: اسم الله.أي: أنه مركب من كلمتين: إسرا، وإيل، كما يقولون: بيت إيل . -3 الذين هادوا: كما قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ [البقرة: 62]. وقال: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ [المائدة: 44]. -4 أهل الكتاب: إشارة إلى اسمهم المتأخر خاصة بعد ظهور عيسى عليه السلام، وتميزهم عن أتباعه النصارى. ولذلك يطلق هذا الاسم عليهم وعلى النصارى؛ إشارة إلى أن الله أنزل عليهم كتاباً من السماء، وهو التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى عليهما السلام. وعلى أية حال فاسم اليهود أشمل من بني إسرائيل؛ لأنه يطلق على الذين اعتنقوا الديانة سواء كانوا من بني إسرائيل أو من غيرهم. في حين أن بني إسرائيل وهم ذرية يعقوب عليه السلام قد يكون منهم اليهودي، أو النصراني، أو المسلم، أو سواهم المطلب الأول: النشأة:
يُعَدُّ الخليل إبراهيم عليه السلام الأب المشترك للعرب، واليهود، والنصارى.والخليل هو إبراهيم بن تارِخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر ابن شالخ بن أَرْفَخْشَذ بن سام بن نوح عليه السلام . اختلف في مكان ولادة الخليل عليه السلام. قال ابن كثير: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (ولد إبراهيم بغُوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون).ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل . وتذكر كتب التواريخ أن إبراهيم عليه السلام تزوج سارة، وكانت عاقراً لا تلد، وأن تارخ انطلق بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين، أي: من العراق إلى بيت المقدس فلسطين. وقد حصل له من البلاء، والجهاد في سبيل الله ما يطول ذكره. ولما وصل إلى بيت المقدس، ومكث فيها عشر سنين قالت له سارة: إن الرب حرمني الولد؛ فادخل على أَمَتي هذه - تعني هاجر -لعل الله يرزقنا منها ولداً. فلما وهبتها له دخل بها إبراهيمُ عليه السلام فحملت ووضعت إسماعيل عليه السلام، وكان للخليل حينئذ ست وثمانون سنة. ثم أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحاق من سارة، فخر له ساجداً؛ فولد له إسحاق بعد إسماعيل بثلاث عشرة سنة، فحمد الله إبراهيم كما قال عز وجل عنه: الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء [إبراهيم: 39]. ثم انتقل بعد ذلك إبراهيم من أرض كنعان بابنه إسماعيل إلى واد غير ذي زرع عند موقع البيت فيما عرف باسم مكة. وكان ذلك بسبب أمر الله عز وجل، وقيل: بسبب غيرة سارة عليها السلام. ويقال: إن إسماعيل كان إذ ذاك رضيعاً؛ فلما تركه وأُمَّه هناك، وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر، وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا ؟ فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها، قالت: آلله أمرك بهذا ؟قال: نعم. قالت: فإذاً لا يضيعنا . جاء في (صحيح البخاري) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ((أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقاً، لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم قفَّى إبراهيم منطلقاً، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال: نعم. قالت: إذاً لا يضيعنا. ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ حتى بلغ يَشْكُرُونَ[ إبراهيم37: ]. وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى- أو قال: يتلبط - فانْطَلَقَتْ؛ كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحداً فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس: قال النبي: فذلك سعي الناس بينهما. فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت: صه؛ تريد نفسها، ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أَسْمَعْتَ إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بِعَقِبِه- أو قال بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوضه، وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يفور بعد ما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم - أو قال: لو لم تغرف من الماء- لكانت زمزم عيناً معيناً. قال: فشربت، وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله. وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول؛ فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جُرْهم- أو أهل بيت من جرهم- مقبلين من طريق كداء، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائفاً، فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء. فأرسلوا جرياً أو جريين فإذا هم بالماء، فرجعوا، فأخبروهم بالماء، فأقبلوا. قال: وأم إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم. قال ابن عباس: قال النبي: فألفى ذلك أم إسماعيل، وهي تحب الأنس. فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم، فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشبَّ الغلام، وتعلم العربية منهم، وأنْفَسهم وأعجبهم حين شبَّ، فلما أدرك زوَّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل، فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضيق وشدة. فشكت إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له: يغيِّر عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئاً، فقال: هل جاءكم من أحد ؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك، فأخبرته، وسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنَّا في جهد وشدة. قال: فهل أوصاك بشيء ؟ قالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول: غيِّر عتبةَ بابك. قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك؛ الحقي بأهلك. فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد، فلم يجده فدخل على امرأته، فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا. قال: كيف أنتم ؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة. وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم ؟ قالت: اللحم. قال: فما شرابكم ؟ قالت: الماء. قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي: ولم يكن لهم يومئذ حَبٌّ، ولو كان لهم دعا لهم فيه. قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُرِيه يثبِّت عتبة بابه. فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد ؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك، فأخبرته، فسألني كيف عيشنا ؟ فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء ؟ قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبِّت عتبة بابك. قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك. ثم لبث عنهم ما شاء الله، ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلاً له تحت دوحة قريباً من زمزم، فلما رآه قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر. قال: فاصنع ما أمرك ربك. قال: وتعينني ؟ قال: وأعينك. قال: فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتاً. وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعد من البيت، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة، وإبراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر، فوضعه له، فقام عليه وهو يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة، وهما يقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة ]127: قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: ربَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) . ثم حصل لإبراهيم ما حصل من البلاء بذبح ابنه وغير ذلك من البلايا. وبعد أن بلغ إبراهيم عليه السلام مائة سنة رزقه الله تعالى بإسحاق. وكان عمر سارة آنذاك تسعين سنة. قال الله تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ [الصافات: 112-113]. قال ابن كثير: وذكر أهل الكتاب أن إسحاق لما تزوج رفقا بنت ثبوائيل في حياة أبيه كان عمره أربعين، وأنها كانت عاقراً، فدعا الله فحملت، فولدت غلامين توأمين: أولهما سمَّوه عيصو، وهو الذي تسميه العرب العيص، وهو والد الروم.والثاني خرج وهو آخذ بعقب أخيه؛ فسمَّوه يعقوب، وهو إسرائيل الذي ينسب إليه بنو إسرائيل . ومما جاء في سيرة يعقوب عليه السلام أنه رحل من بيت المقدس إلى خاله لابان بأرض حران؛ فلما قدم على خاله إذا له ابنتان اسم الكبرى: لَيّا، ويقال لها: ليئة، واسم الصغرى: راحيل؛ فخطب إليه راحيل، وكانت أحسنهما وأجملهما؛ فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى على غنمه سبع سنين؛ فلما مضت المدة عمل خاله لابان طعاماً، وجمع الناس عليه، وزفَّ إليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين، وليست بذات جمال. فلما أصبح يعقوب، قال لخاله: لم غدرت بي وإنما خطبت إليك راحيل ؟فقال: إنه ليس من سننا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وأزوجكها؛ فعمل سبع سنين، وأدخلها عليه مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم، ثم نسخ في شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كافٍ على وقوع النسخ؛ لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا وإباحته؛ لأنه معصوم . وبعد ذلك وهب خالُه لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية؛ فوهب لليا جارية اسمها زلفا، وقيل: زلفة، ووهب لراحيل جارية اسمها بلها، وقيل: بلهة. وقد جبر الله تعالى ضعفَ ليا بأن وهب لها أولاداً؛ فكان أول من ولدت ليعقوب: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا. وكانت راحيل لا تحبل؛ فوهبت ليعقوب جاريتها بلها؛ فوطئها؛ فحملت وولدت له غلاماً سمَّته دان، وحملت وولدت غلاماً ثانياً سمَّته يفثالي، وقيل: اسمه ثفيالي، أو نفتالي. فعمدت عند ذلك ليا؛ فوهبت جاريتها زلفا من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد، وأشير، ثم حملت ليا، فولدت غلاماً خامساً وسمته أيساخر، ويقال: إنه يساكر. ثم حملت وولدت غلاماً سادساً سمَّته زابلون، أو زوبلون، ثم حملت وولدت بنتاً سمَّتها دنيا، فصار لها سبعة من يعقوب. ثم دعت راحيل الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب؛ فسمع الله نداءها، وأجاب دعاءها؛ فحملت، وولدت غلاماً عظيماً شريفاً، حسناً جميلاً سمَّته يوسف. كل هذا وهم مقيمون بأرض حران، وهو يرعى على خاله غنمه، ثم طلب يعقوب من خاله أن يأذن له بالرحيل؛ فأذن له ورحل إلى فلسطين عند أبيه إسحاق عليهما السلام.وبعد رجوعه إليها حملت زوجته راحيل؛ فولدت غلاماً وهو بنيامين إلا أنها جهدت في طلقها به جهداً شديداً، وماتت عقيبه، فدفنها يعقوب في بيت لحم . وبعد ذلك مرض إسحاق، ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه: العيص، ويعقوب مع أبيه الخليل عليهم السلام. وهكذا استقر يعقوب هو وأبناؤه الأسباط الاثنا عشر في فلسطين. ومن ذرية الأسباط يتكون نسب بني إسرائيل. ثم حصل ما حصل بين يوسف وإخوته، وبعد ذلك دعا يوسف والده وإخوته إلى مصر، فنزحوا من فلسطين، ومات يعقوب في مصر، فذهب به يوسف وإخوته وأكابر أهل مصر إلى فلسطين، فلما وصلوا حبرون دفنوه في المغارة التي اشتراها الخليل.ثم رجعوا إلى مصر، وعزى إخوة يوسفَ يوسفَ، وترققوا له؛ فأكرمهم، وأحسن منقلبهم؛ فأقاموا بمصر، ثم حضرت يوسف الوفاة؛ فأوصى أن يحمل معهم إذا خرجوا من مصر؛ فيدفن عند آبائه، فحنطوه، ووضعوه في تابوت، فكان بمصر حتى أخرجه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه، كما يقول ابن كثير فيما نقله عن نصوص أهل الكتاب . وبعد ذلك تناسل الأسباط، وكثروا، وأبوا أن يندمجوا مع المصريين؛ فعزلوا أنفسهم عنهم، وتواصوا فيما بينهم أن يكون لكل سبط نسله المعروف المميز عن بقية الأسباط، وذلك ليضمنوا الاحتفاظ بنسبهم؛ اعتزازاً به، وتعالياً على غيرهم، باعتبار أنهم من ذرية الأنبياء.وهذه العزة التي عاشها اليهود في مصر، مع الشعور المصاحب لهم من التعالي بنسبهم، جعل مقامهم في مصر قلقاً مضطرباً . وبعد ثلاثة قرون أو تزيد اضطهدهم الفراعنةُ حكامُ مصر واستعبدوهم, فبعث الله موسى نبيًّا فيهم، ورسولاً إليهم وإلى فرعون. وقد بيَّن لنا القرآن الكريم سيرة موسى عليه السلام مع فرعون، حيث منَّ الله على بني إسرائيل ونجَّاهم من سوء العذاب الذي كان فرعون يسومهم به، ونصرهم عليه بقيادة موسى عليه السلام حيث إنهزم فرعون وأهلكه الله بالغرق. وكان جديراً ببني إسرائيل بعد هذا النصر أن يحمدوا الله ويطيعوه، إلا أنهم أبوا إلا الكفر والذلة والمسكنة، فآذوا موسى عليه السلام وتعنَّتوا حين أُمِرُوا أن يدخلوا فلسطين، الأرض المقدسة. وقد أكرمهم الله وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، ولما ذهب موسى لمناجاة ربه استضعفوا هارون، وعبدوا العجل الذهب، وتعنَّتوا على موسى بعد عودته، وقالوا له: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:55 ]. ورفع الله فوقهم الطور؛ تهديداً لهم، فاستسلموا؛ خوفاً، وأعطوا مواثيقهم، ولكنهم نقضوا، واعتدوا فيالسبت؛ فمسخهم الله قردة وخنازير . وتوالت عليهم الآيات والعبر، كقصة البقرة، والخسف، وغيرها، ولكن قست قلوبهم، ولم تنفعهم الآيات والعبر؛ فهي كالحجارة أو أشد قسوة. ثم توالت بعد ذلك غطرستهم، وتبجحهم، وعنادهم، وتحريفهم، وتبديلهم مع كليم الله ومَنْ بعده من الأنبياء عليهم السلام. ثم بعث الله فيهم عيسى عليه السلام، وبدلاً من أن يصححوا خطأهم وانحرافهم، ويكفوا عن خبثهم وتزييفهم أجمعوا على قتله عليه السلام، ولكن الله عز وجل نجَّاه منهم، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ [النساء: 157]ولم يكتفوا بما فعلوه بالمسيح عليه السلام في حياته، وإنما دوَّنوا افتراءات كثيرة على المسيح عليه السلام واتهموا أمه مريم عليها السلام بالبهتان، وعاثوا في الأرض فساداً . واستمروا على جرمهم بعد رفع عيسى عليه السلام وأخذوا يكيدون لأتباعه، ويطاردونهم، ويعملون على تحريف الإنجيل، حتى تمكنوا من ذلك بالسر والعلن، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً حتى حقدت عليهم الأمم والشعوب؛ فشردوا في الأرض أكثر من مرة، فتفرَّقوا قبل الإسلام بالشام ومصر والعراق وجزيرة العرب، في يثرب وخيبر ونجران واليمن. وفي كل أرض يحلون بها يكون ديدنهم التفريقَ بين الناس - كما فعلوا مع الأوس والخزرج في المدينة- واحتكارَ التجارة، والربا، وإشاعة الرذيلة والبغاء، وأكل أموال الناس بالباطل. واستمروا على هذه الحالة إلى أن بُعث محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا قبل بعثته يستفتحون على الذين كفروا، ويخبرونهم بأنه سوف يخرج نبي، وأنهم سوف يحاربون مع هذا النبي، فلما ظهر النبي، كذَّبوه، وآذوه، واستهزؤوا به، وسحروه، وهموا بقتله، وألَّبوا عليه المشركين، وبدؤوا يبثون سمومهم داخل الصف المسلم، وظهر فيهم النفاق، واستمرَّ كيدهم للإسلام والمسلمين إلى اليوم؛ حيث أسهموا إسهاماً كبيراً في إثارة الفرقة ونشر الفرق الضالة كالشيعة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة بمختلف طوائفها، والصوفية بمختلف طرقها إلى اليوم، والشيوعية الحمراء، وغيرها من الفرق والطوائف التي لا تحصى. كل هذه الفرق والطوائف إما من صنعهم، أو من تشجيعهم، ومساندتهم, وصدق الله تعالى إذ يقول: وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33 ]، ويقول: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ [البقرة: 217] .
من المعلوم أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، ويعقوب هو الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، وكان يسكن في منطقة فلسطين، متنقلاً في مناطق عدة فيها، وكان توطنها هو وأبناؤه من بعد إبراهيم الخليل عليه السلام يعيشون فيها حياة البداوة، قال عز وجل فيما حكاه من كلام يوسف عليه السلام: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ [ يوسف: 100]. قال ابن كثير: مِنَ الْبَدْوِ أي: من البادية، قال ابن جريج وغيره: (وكانوا أهل بادية وماشية).
المطلب الثاني: انتقال يعقوب عليه السلام بأولاده من بادية فلسطين إلى مصر:
بعد أن مكَّن الله ليوسف عليه السلام في أرض مصر وصار على خزائنها، أرسل إلى أبيه وأهله جميعاً أن يأتوا إليه، فأقبل يعقوب عليه السلام بأولاده وأهله جميعاً إلى مصر واستوطنوها، ويذكر اليهود في كتابهم أن عدد أنفس بني إسرائيل حين دخلوا مصر سبعون نفساً. وكانوا شعباً مؤمناً بين وثنيين، فاستقلوا بناحية من الأرض أعطاهم إياها فرعون مصر، فعاشوا عيشة طيبة زمن يوسف عليه السلام. ثم بعد وفاة يوسف عليه السلام بزمن- الله أعلم بطوله- تغيَّر الحال على بني إسرائيل وانقلب عليهم الفراعنة طغياناً وعتوًّا واستضعافاً لبني إسرائيل، فاستعبدوهم وأذلوهم، وبلغ بهم الحال ما ذكر الله عز وجل في قوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص: 4-6]. فكان الفراعنة يقتلون الذكور ويستحيون الإناث، واستمرت هذه المحنة وهذا البلاء عليهم زمناً طويلاً، إلى أن بعث الله عز وجل موسى عليه السلام، فدعا فرعون إلى الإيمان بالله، وأن يترك دعوة الناس إلى عبادة نفسه، وأن يرفع العذاب عن بني إسرائيل، ويسمح لهم بالخروج من مصر، فأبى فرعون ذلك بغطرسة وكبر، واستمرَّ في تعذيب بني إسرائيل، كما قال عز وجل: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ [الأعراف: 127]. فأخذ الله تعالى فرعون وقومه بالجدب وهلاك الزروع، وأرسل عليهم الطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم، ولكنهم استكبروا وجحدوا، فأوحى الله إلى موسى عليه السلام بعد ذلك بالخروج ببني إسرائيل
المطلب الثالث: خروج بني إسرائيل من مصر:
خرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل ليلاً بأمر الله عز وجل له بذلك، قال عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ. [الشعراء:52-66] فأنجى الله عز وجل موسى ومن معه، وأهلك فرعون وجنوده. ويذكر اليهود في كتابهم أن مدَّة مكثهم في مصر كانت أربعمائة وثلاثين عاماً، وكان عدد الرجال عند الخروج دون النساء والأطفال نحو ستمائة ألف رجلٍ، وهذا عدا بني لاوي أيضاً الذين لم يحسبوهم، وهو عدد مبالغ فيه جدًّا؛ إذ معنى ذلك أن عددهم كان وقت خروجهم بنسائهم وأطفالهم قرابة مليوني نسمة، وهي دعوى مبالغ فيها جدًّا ولا يمكن تصديقها؛ إذ إن ذلك يعني أنهم تضاعفوا خلال فترة بقائهم في مصر قرابة ثلاثين ألف ضعف؛ إذ كان عددهم وقت الدخول سبعين نفساً، والله عز وجل قد ذكر قول فرعون: إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [ الشعراء: 54] ومليونا شخص لا يمكن أن يعبَّر عنهم بهذا، كما أن تحرك مليوني شخص في ليلة واحدة مستحيل، إذا علمنا أن في هذا العدد أطفالاً ونساءً وشيوخاً
المطلب الرابع: ما حدث من بني إسرائيل بعد الخروج:
حدث من بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر حوادث عدة، فمن هذه الحوادث: طلبهم من موسى أن يجعل لهم صنماً إلهاً، وفي هذا يقول الله عز وجل: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. [الأعراف: 138-140] ولا شك أن هذا الطلب من بني إسرائيل مدعاة للعجب والاستنكار، فقد رأوا من الآيات ما فيه مقنع وكفاية لو كانوا يعقلون. ومنها: عبادتهم للعجل: وذلك أن موسى عليه السلام لما ذهب لموعده مع ربِّه، أضلَّ السامري بني إسرائيل، وصنع لهم عجلاً مسبوكاً من الذهب الذي استعاره بنو إسرائيل من المصريين عند خروجهم من مصر، ودعاهم إلى عبادته، فعبدوه في غياب موسى عليه السلام، وقد حذَّرهم هارون عليه السلام ونهاهم عن ذلك. قال الله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى [ طه:90-91]. ولما رجع موسى عليه السلام إلى قومه غضبان أسفا، أنَّبهم وأحرق العجل وذره في اليمِّ، ثم حكم عليهم بأن يقتل عبدة العجل أنفسهم؛ ليتوب الله عليهم. ورُوي في كيفية قتلهم أن يقوم أناس منهم بالسكاكين ومن عبد العجل جلوس، فتغشاهم ظلمة فيبتدئ الواقفون بطعن الجالسين حتى تنقشع الظلمة، فتكون توبة لمن مات ولمن بقي منهم. ومنها: نكولهم عن قتال الجبابرة: دعا موسى عليه السلام قومه إلى قتال الجبابرة، وهم قوم من الحيثانيين والفزريين والكنعانيين، وكانوا يسكنون الأرض المقدسة، فأبى بنو إسرائيل القتال وجبنوا عنه، واقترحوا على موسى عليه السلام ما ذكره الله عز وجل في قوله: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [ المائدة: 24]، فهناك دعا موسى عليه السلام ربَّه عزَّ وجلَّ بقوله: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:25]، فحكم الله عليهم بالتيه بقوله: قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [ المائدة: 26]، فظلوا تائهين المدة التي قضى الله عليهم. ومات في هذه الفترة موسى عليه السلام، وكان هارون عليه السلام مات قبله أيضاً. ويقول اليهود في كتابهم التوراة: إنه قد مات في زمن التيه كل من كان بالغاً وقت نكولهم، ولم يدخل الأرض المقدسة منهم سوى يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، وهما -فيما قيل- اللذان قال الله عنهم: قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ [ المائدة:23] .
المطلب الخامس: دخول بني إسرائيل أرض فلسطين:
بعد انقضاء المدة المحكوم على بني إسرائيل فيها بالتيه، فتح بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون عليه السلام، ويذكر اليهود أنهم دخلوها من ناحية نهر الأردن. ويقسم المؤرخون تاريخهم في فلسطين إلى ثلاثة عهود: أ - عهد القضاة: والمراد به أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الأرض المقدسة، قسم الأرض المفتوحة على أسباط بني إسرائيل، فأعطى لكل سبط قسماً من الأرض، وجعل على كل سبط رئيساً من كبرائهم، وجعل على جميع الأسباط قاضياً واحداً يحتكمون إليه فيما شجر بينهم، وهو يمثل الرئيس لجميع الأسباط، واستمر هذا الحال ببني إسرائيل قرابة أربعمائة عام فيما يذكر اليهود، وكان بينهم وبين أعدائهم حروب دائمة يكون النصر فيها لبني إسرائيل مرَّة ولأعدائهم أُخرى. ب - عهد الملوك: وهو العهد الذي بدأ فيه الحكم ملكيًّا، وقد قصَّ الله علينا خبر أول ملوكهم في قوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [ البقرة:246]. فجعل الله عزَّ وجلَّ عليهم طالوت ملكاً، فقبلوه على كره منهم، ويسمونه في كتابهم شاؤول. وملك عليهم بعده داود عليه السلام، ثم ابنه سليمان عليه السلام، وكان عهدهما أزهى العهود التى مرت على بني إسرائيل على الإطلاق، وذلك لما أوتيه هذان النبيَّان الكريمان من العدل والحكمة مع الطاعة والعبادة لله عزَّ وجلَّ. ج - عهد الانقسام: هو العهد التالي لسليمان عليه السلام حيث تنازع الأمر بعده رحبعام بن سليمان عليه السلام ويربعام بن نباط، فاستقل رحبعام بسبط يهوذا وسبط بنيامين، وكوَّن دولة في جنوب فلسطين عاصمتها (بيت المقدس)، وسُميت دولة يهوذا نسبة إلى سبط حكامها، وهو سبط يهوذا الذي من نسله داود وسليمان عليهما السلام وملوك تلك الدولة. واستقلَّ يربعام بن نباط بالعشرة أسباط الأخرى، وكوَّن دولة في شمال فلسطين، سُميت دولة إسرائيل وجعل عاصمتها نابلس، وأهل هذه الدولة يسمون لدى اليهود بـ (السامريين)، نسبة إلى جبلٍ هناك يسمَّى (شامر) اشتراه أحد ملوكهم وهو (عمري) وسمَّاه نسبة إلى صاحبه السامرة، وسُميت منطقتهم (السامرة). ويلاحظ أن السامريين - وهم شعب دولة إسرائيل- غيَّروا قبلتهم من بيت المقدس إلى جبل يسمى (جرزيم) ويعتبرهم اليهود من شعب يهوذا ملاحدة وكفاراً؛ لتغييرهم القبلة. ثم إنَّ الدولتين كان بينهما عداء وقتال، وكان يحدث في بعض الفترات من تاريخهما توافق وتعاون، وكانت دولة إسرائيل كثيرة القلاقل والفتن وتغيَّرت الأسرة الحاكمة فيها مراراً عديدة. أما دولة يهوذا فاستقر الحكم في سبط يهوذا في ذرية سليمان بن داود عليه السلام، وكانت تقع على الدولتين حروب من جيرانهم الأراميين، والفلسطينيين، والأدوميين والموآبيين كما أن الدولتين وقع من حكامهما وشعبيهما عبادة للأصنام في كثير من الأوقات وخاصة دولة إسرائيل واليهود السامريين .
المطلب السادس: استيلاء الأجنبي عليهم:
استمرت دولة إسرائيل مستقلة، لها سيادتها على أرضها قرابة (244) عاماً حيث سقطت بعدها في يد الآشوريين زمن ملكهم سرجون عام (722) ق. م تقريباً فسبي شعبها، وأسكنهم في العراق، وأتى بأقوام من خارج تلك المنطقة وأسكنهم إياها، فاعتنقوا فيما بعد ديانة بني إسرائيل وبذلك تمَّ القضاء على تلك الدولة. أما دولة يهوذا فاستمرت قرابة (362) عاماً ثم سقطت بأيدي فراعنة مصر عام (603) ق. م تقريباً، وفرضوا عليها الجزية، وامتدَّ حكم الفراعنة في ذلك الوقت إلى الفرات. ثم جاء بعد ذلك حاكم بابل الكلداني بختنصر، واسترجع منطقة الشام وفلسطين، وطرد الفراعنة منها، ثم زحف مرة أخرى على دولة يهوذا التي تمردت عليه، فدمَّرها ودمَّر معبد أورشليم وساق شعبها مسبيًّا إلى بابل، وهذا ما يسمَّى بالسبي البابلي، وكان في هذا نهاية تلك الدولة التي تسمَّى يهوذا وذلك في حدود عام (586) ق. م. ثم سقطت دولة بابل في يد الفرس في عهد ملكهم (قورش) سنة (538) ق. م. الذي سمح لليهود بالعودة إلى بيت المقدس، وبناء هيكلهم وعيَّن عليهم حاكماً منهم من قبله. ومن الجدير بالذكر أن اليهود ذكروا في كتابهم أن (قورش) أرسل النداء في مملكته قائلاً: (جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا...). وهذا النص إذا صدق اليهود فيه يكون دليلاً على أن ( قورش) كان مؤمناً بالله. واستمرَّ حكم الفرس من (332-538) ق. م، ثم زحف على بلاد الشام وفلسطين الإسكندر المقدوني اليوناني واستولى عليها، وأزال حكم الفرس بل استولى على بلادهم وبلاد مصر والعراق، فدخلت هذه المناطق تحت حكمهم من نهاية القرن الرابع قبل الميلاد إلى منتصف القرن الأول قبل الميلاد، حيث زحف بعد ذلك على البلاد القائد الروماني (بومبي) سنة (64) ق. م، وأزال حكم اليونانيين عنها، فدخل اليهود تحت حكم الرومان وسيطرتهم .
المطلب السابع: تشتتهم في الأرض:
في زمن سيطرة الرومان على منطقة فلسطين بُعث المسيح عليه السلام، وبعد رفعه وقع بلاء شديد على اليهود في فلسطين، حيث قاموا بثورات ضد الرومان، مما جعل القائد الروماني تيطس عام (70) م يجتهد في استئصالهم والفتك بهم وسبي أعداد كبيرة منهم وتهجيرها، ودمَّر بيت المقدس ومعبد اليهود، وكان هذا التدمير الثاني للهيكل، وقد زاد في تدمير الهيكل الحاكم الروماني أدريان سنة (135) م، حيث أمر جنوده بتسوية الهيكل بالأرض، وبنى فيها معبداً لكبير آلهة الرومان الذي يسمونه (جوبتير) وهدم كل شيءٍ في المدينة، ولم يترك فيها يهوديًّا واحداً، ثم منع اليهود من دخول المدينة، وجعل عقوبة ذلك الإعدام، ثم سمح لليهود بالمجيء إلى بيت المقدس يوماً واحداً في السنة، والوقوف على جدار بقي قائماً من سور المعبد، وهو الجزء الغربي منه، وهو الذي يسمَّى (حائط المبكى). وبهذا تشتَّت اليهود في أنحاء الأرض، وسلَّط الله عليهم الأمم يسومونهم سوء العذاب ببغيهم وفسادهم وسوء أخلاقهم. وفي هذا يقول الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [ الأعراف: 167]. وكان من الجزاء الذي حكم الله به عليهم- مع هذا العذاب المستمرِّ إلى يوم القيامة- تقطيعهم في الأرض وتشتيتهم فيها جزاء كفرهم وفسادهم، قال عزَّ وجلَّ: وَقطّعْنَاهُم في الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُم الصَّالِحُون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيِّئات لعلَّهم يرجعونَ فَخَلَفَ مِن بعدهم خلْفٌ ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا وإن يأتهم عرضٌ مثلُهُ يأخذوه ألم يُؤخَذْ عليهم ميثاقُ الكِتَابِ ألاَّ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إلاّ الحقَّ ودَرَسُوا ما فِيهِ والدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يتَّقُونَ أفلا تَعْقِلُون [الأعراف:168-169]. فهذه الآيات الكريمة تشرح واقع اليهود، فالآية الأولى تفيد بأن الله قضى عليهم بالعذاب المستمر بأيدي الناس إلى يوم القيامة. والآية الثانية: تفيد بتمزيقهم في الأرض، وتمزيقهم أدعى إلى أن يقع بسببه البلاء الشديد عليهم جماعة جماعة، ولا يستطيع أن ينصر بعضهم بعضاً بسببه. وقد خلف المسلمون الرومان النصارى في القرن الأول الهجري الذي يوافق القرن السابع الميلادي على الشام وفلسطين وجميع ما كان في يد الرومان في هذه المناطق. وكان اليهود في حالة تشتت وتفرُّق في جميع أنحاء الأرض، ولم يكن يسمح وقتها لليهود بالسكنى في بيت المقدس، كما سبق بيانه، بل كان من بنود المعاهدة بين نصارى بيت المقدس وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن لا يسمح لليهود بالسكن في بيت المقدس. فاستمرَّ اليهود في التشتت والتمزُّق في أنحاء الأرض إلى بداية القرن العشرين .
المطلب الثامن: تجمعهم في فلسطين في العصر الحديث:
لقد ابتدأت الفكرة لدى العالم الغربي في تجميع اليهود في دولة، من أيام حملة نابليون بونابرت الفرنسي عام (1799) م حيث دعا يهود آسيا وأفريقيا للانضمام إلى حملته من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جنَّد منهم عدداً كبيراً في جيشه، إلاَّ أنَّ هزيمة نابليون واندحاره حال دون ذلك. ثم ابتدأت الفكرة تظهر على السطح مرَّة أخرى، وبدأ العديد من زعماء الغرب وكبار اليهود يهتمون بها، ويؤسسون كثيراً من الجمعيات المنادية لهذا الأمر، وابتدأ التخطيط الفعلي من إصدار(تيودور هرتزل) الزعيم الصهيوني عام (1896) م كتابه (الدولة اليهودية)، حيث عقد مؤتمر بال في سويسرا سنة ( 1897) م، وجاء في خطاب افتتاح هذا المؤتمر: (إننا نضع حجر الأساس في بناء البيت الذي سوف يؤوي الأمة اليهودية). ثم اقترح برنامجاً يدعو إلى تشجيع القيام بحركة واسعة إلى فلسطين، والحصول على اعتراف دولي بشرعيَّة التوطين. وكان من قرارات ذلك المؤتمر: إنشاء (المنظمة الصهيونية العالمية) لتحقيق أهداف المؤتمر، والتي تولّت أيضاً إنشاء جمعيات عديدة علنية وسرِّية؛ لتخدم هذا الهدف، ودرس اليهود حال المستعمرين، فوجدوا أن بريطانيا أنسب الدول لهذا الأمر التي تتفق رغبتها في وضع داء في وسط الأمة الإسلامية موالٍ للغرب، مع رغبة اليهود في وطن قومي لهم، وكانت أكثر البلاد العربية تحت سيطرتها، فدبروا معها المؤامرة، وأخذوا بذلك وعداً من (بلفور) رئيس وزراء بريطانيا، ثم وزير خارجيتها عام (1917) م، أعلن فيه أن بريطانيا تمنح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وأنها ستسعى جاهدة في تحقيق ذلك. وكان اليهود قد بدؤوا الهجرة إلى فلسطين في الوقت الذي كانت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني، فاستطاع اليهود بسبب الهجرة من تكوين دولة داخل دولة، وكانت الحكومة البريطانية تحميهم من بطش المسلمين، وتتعامل معهم بكل التسامح، في الوقت الذي تتعامل فيه مع المسلمين بكل شدَّة وتنكيل. ولما ضعفت بريطانيا عن تحقيق أماني اليهود أحالت الأمر إلى الأمم المتحدة، والتي تتزعمها الولايات المتحدة، التي بدورها استلمت الدور البريطاني في المنطقة، فأرسلت الأمم المتحدة لجانها إلى فلسطين، ثم قررت هذه اللجان تقسيم فلسطين بتخطيط يهودي وضغط أمريكي، فأعلن قرار التقسيم لفلسطين بين المسلمين واليهود في 29/11/1947م. فقررت الحكومة البريطانية بعده الانسحاب من فلسطين، تاركة البلاد لأهلها، وذلك بعد أن تأكَّدت أن اليهود قادرون على تسلم زمام الأمر، فحال خروجها في مايو عام (1948) م، أعلن اليهود دولتهم التي اعترفت بها أمريكا بعد إحدى عشرة دقيقة، وكانت روسيا قد سبقتها بالاعتراف، ثم استطاعت هذه الدولة اليهودية أن تقوم على قدميها، وأن تخوض ضد المسلمين عدَّة حروب، مني فيها المسلمون بهزائم، بسبب بعدهم عن دينهم، وتفرقهم إلى أمم وأحزاب، وخيانة بعضهم، ولا زالت هذه الدولة قائمة في قلب الأمة الإسلامية داءً سيفجر كثيراً من الفساد والشرور، ما لم يقتلع من جذوره، فاليهود منذ أزمان بعيدة وهم داء، أينما حلوا نشروا الفساد والشحناء والعدوان بين أهل البلاد التي يحلون فيها، وقد رأت الدول الغربية أنها ستكسب مكسبين عظيمين من إقامة هذا الكيان في جسد الأمة الإسلامية: أحدهما: أنها تسلم من شرور اليهود وسيطرتهم، وفسادهم وتحكمهم في البلاد وثرواتها. ثانيهما: أنها تضع في قلب الأمة الإسلامية دولة حليفة لهم، وهي في نفس الوقت علة تستنزف قوى الأمة الإسلامية، وتضع بذور الفرقة والخلاف بين أفرادها، حتى لا تقوم لها قائمة. وهذا الوضع لا زال قائماً، والأيام مليئة، وكل يوم يظهر الهدف واضحاً، وتظهر الشخصية اليهودية الحقيقية أكثر وأوضح، وما لم يفق المسلمون لواقعهم المرير، وينظروا لمستقبلهم بالعين المستبصرة بنور الله، المهتدية بشرعه الواثقة من نصره، فإنه لن يتغير الحال، بل ستزداد الأزمات والمصائب على العالم الإسلامي، حتى يأذن الله بأمره وتعود الأمة إلى ربها ودينها، فتكون جديرة بنصر الله واستعادة مقدساتها. ونرى أن تجمعهم هذا مقدمة لتحقيق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأن المسلمين يقتلون اليهود. ولعل فلسطين ستكون مقبرتهم، والله غالب على أمره، ولن يفلح قوم سجل الله عليهم غضبه، ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة، بل لعلها مؤذنة بفنائهم والقضاء على بذرتهم الخبيثة، كما نرى أنهم ما توصلوا إلى ما توصلوا إليه إلَّّا بعد أن صار المسلمون في غاية التخلف والضعف والبعد عن الدين الذي به يتوصلون إلى خير الدنيا والآخرة .
أولا: مسألة: ادعاء اليهود أن لهم حقًّا تاريخيًّا ودينيًّا في فلسطين:
قد تقدَّم بيان أن بني إسرائيل هم سلالة يعقوب عليه السلام، وأن أول دخول لهم إلى فلسطين كان مع يوشع بن نون بعد وفاة موسى عليه السلام في التيه وبعد نكولهم عن القتال أول الأمر. وقد كان في فلسطين قبل استيلاء بني إسرائيل عليها ثلاث قبائل وهم: الفينيقيون: وسكنوها حوالى سنة (3000) ق. م، واستوطنوا المنطقة الشمالية منها على البحر الأبيض المتوسط. الكنعانيون: نزلوا جنوب الفينيقيين، وشغلوا المنطقة الوسطى من فلسطين سنة (2500) ق. م. وهذه كانت من القبائل العربية المهاجرة من شبه الجزيرة العربية، ثم جاءت جماعات من جزيرة كريت حوالي عام (1200) ق. م، وكانت تسمى فلستين، ونزلت بين يافا وغزَّة على البحر الأبيض المتوسط. وسمَّى الكنعانيون هولاء القوم فلسطين، وغلبت التسمية على المنطقة كلها، فأًصبحت تدعى فلسطين. وحسب ما أورده اليهود في كتابهم، وما كُتب في تاريخ المنطقة، فإن هذه الشعوب استمرَّت في المنطقة، وكان بينها وبين بني إسرائيل واليهود حروب عديدة، استمرت طوال فترة وجود اليهود في تلك المنطقة. فمن الناحية التاريخية، يتبيَّن لنا أن اليهود ليسوا أول من سكن فلسطين، بل دخلوها أو بعضها واستولوا على أجزاء منها بعد أن كانت في يد هؤلاء القوم. أما من الناحية الدينية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ [ المائدة: 21]. فقوله تعالى: كَتَبَ الله ُ لَكُمْ قال ابن اسحاق: (التي وهب الله لكم). وقال السدي: (التي أمركم الله بها). وقال قتادة: (أمر القوم بها كما أمرنا بالصلاة والزكاة والحج والعمرة) . إذاً قوله تعالى: كَتَبَ الله ُ لَكُمْ. ليس هو تمليكا على رأي بعض العلماء، وعلى الرأي الآخر هو تمليك لهم بشرط أن يدخلوها. وعلى رأي البعض: هي هبة لهم. فهذا يبيِّن معنى كَتَبَ الله ُ لَكُمْ، ومع هذا فليس فيه دليلٌ على أن لهم الحق في فلسطين، وذلك لأن الله ينعم على عباده المؤمنين في حال الإيمان بنعم كثيرة، وهي لهم في حال الإيمان، أما في حال الكفر فلا حق لهم بها، وبنو إسرائيل حين أمرهم الله بالدخول نكلوا، فمنعهم منها، وحين استجابوا وأطاعوا منحها الله لهم؛ لهذا قال ابن كثير في الآية: (التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل، إنه وراثة من آمن منكم) . فعليه فهي لهم في حال إيمانهم، أما في حال كفرهم فليس لهم فيها حق. يدل على هذا قول الله جلَّ وعلا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: 13]. وقال: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[الأنبياء:105]. وبما أن اليهود كفروا بالله وبأنبيائه، وسجل الله عليهم غضبه ولعنته، فليس لهم حق في الأرض المقدسة، بل هي من حق عباده المؤمنين، كما قال تعالى:أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ [الأنبياء:105] .
ثانيا: مسألة: كذب اليهود المعاصرين في ادعائهم أنهم نسل بني إسرائيل:
اليهود المعاصرون يشيعون وينشرون أنهم نسل بني إسرائيل الأوائل الذين قطنوا فلسطين، وهم في زعمهم وارثو أولئك الإسرائيليين الأوائل الذين كانوا في فلسطين، ويجتهد اليهود في نشر دعوى نقاء العنصر اليهودي من الاختلاط بالأمم الأخرى، فهم جنس حافظ - في زعمهم - على نقاء عنصره، ولليهود في ذلك هدف خطير وحيوي بالنسبة لهم، وهو أن هذه الدعوة تجعلهم في نظر النصارى أبناءً ليعقوب ومن ذريَّته، فيكونون بذلك مقصودين بالوعود الواردة في العهد القديم لبني إسرائيل، فيستدرون بذلك عطف النصارى وإحسانهم ونصرتهم، خاصة إذا علمنا أن النصارى يقدسون التوراة، ويعتقدون أن ما فيها وحي من الله عزَّ وجلَّ، كما سيأتي بيانه. لكن الواقع يكذب اليهود في دعواهم نقاء جنسهم، وذلك أن نظرة عامة في هيآتهم وسحنتهم تدل على تباين أصولهم، ففيهم ذو السحنة الأوروبية، وذو السحنة العربية، وفيهم ذو السحنة الأفريقية. ومع هذا التباين لا يمكن إدعاء أن أصلهم واحد؛ إذ لا بد من أن يكونوا قد اختلطوا بأمم أخرى أورثتهم هذا التباين في السمات. ثم إن اليهود ذكروا في كتابهم أن كثيراً منهم تزوَّجوا بنساء أجنبيات، وأن نساءهم أخذهن رجال أجانب حتى إنهم ينسبون إلى سليمان عليه السلام ذلك. كما أنه ثبت تاريخيًّا أن أمة كبيرة- وهي شعب دولة الخزر- تهوَّدوا في القرن الثامن الميلادي، وكان ذلك الشعب من قبل وثنيًّا، وهو شعب تركي آري كان يقطن منطقة آسيا الوسطى، ودولتهم التي تسمَّى باسمهم دولة الخزر كانت تقع في المنطقة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وتشغل منطقة شمال أذربيجان وأرمينية وأوكرانية وجميع منطقة جنوب آسيا إلى حدود موسكو عاصمة روسيا، وكان بحر قزوين يسمى بحر الخزر. وقد جاء في (الموسوعة اليهودية) عن الخزر ما يلي: (.. الخزر شعب تركي الأصل، تمتزج حياته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا.. أكرهته القبائل البدوية في السهول من جهة أخرى على توطيد أسس مملكة الخزر في معظم أجزاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفرانجيين سنة (855) م بتأسيس الملكية الروسية، في هذا الوقت (855) م كانت مملكة الخزر في أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة، وعند نهاية القرن الثامن تحوَّل ملك الخزر ونبلاؤه وعدد كبير من شعبه الوثنيين إلى الديانة اليهودية.. كان عدد السكان اليهود ضخماً في جميع أنحاء مقاطعة الخزر خلال الفترة الواقعة بين القرن السابع والقرن العاشر الميلادي.. بدا عند حوالي القرن التاسع أن جميع الخزر أصبحوا يهوداً وأنهم اعتنقوا اليهودية قبل وقت قصير فقط). ثم إن هذه الدولة سقطت بعد ذلك في يد الروس، الذين احتلوها وقضوا عليها تماماً، واستولوا على جميع أراضيها، وقد تلاشت هذه الدولة من خارطة أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي، وتوزع شعبها على دول أوربا الشرقية والغربية، وكانت أكبر تجمعاتهم في أوربا الشرقية هنغاريا وبولندا ورومانيا والمجر وروسيا. فهذا يدل دلالة واضحة أن اليهود الذين يسمون الإشكنازيم- وهم يهود أوربا- لا يمتون بصلة إلى يعقوب عليه السلام وذريته. ونحن المسلمين نعتقد أن انتسابهم إلى يعقوب عليه السلام أو غيره لا يغير من موقفنا منهم ما داموا يهوداً ومحاربين لنا ومعتدين على إخواننا؛ إذ إن الأنساب لا وزن لها مع الكفر، ولا حاجة إليها مع الإسلام.
المبحث الأول: التأسيس وأبرز الشخصيات:
1- موسى عليه السلام: رجل من بني إسرائيل، ولد في مصر أيام فرعونها رمسيس الثاني على الأرجح (1301ـ 1234) ق. م، وقد تربى في قصر هذا الفرعون بعد أن ألقته أمه في النهر داخل تابوت، عندما خافت عليه من فرعون الذي كان يقتل أبناء بني إسرائيل. ولما شبَّ قتل مصريًّا مما دفعه للهرب إلى مدين حيث عمل راعياً لدى شيخ صالح هناك- قيل: إنه شعيب عليه السلام- الذي زوَّجه إحدى ابنتيه. ـ في طريق عودته إلى مصر أوحى الله إليه في سيناء بالرسالة، وأمره أن يذهب هو وأخوه هارون إلى فرعون لدعوته ولخلاص بني إسرائيل، فأعرض عنهما فرعون وناصبهم العداء، فخرج موسى ببني إسرائيل وقد كان ذلك سنة (1213)ق. م في عهد فرعونها منفتاح الذي خلف أباه رمسيس الثاني، ولحق بهم هذا الفرعون، لكن الله أغرقه في اليم، ونجَّى موسى وقومه. ـ في صحراء سيناء صعد موسى الجبل ليكلم ربه وليستلم الألواح، لكنه لما عاد وجد غالب قومه قد عكفوا على عجل من ذهب صنعه لهم السامري فزجرهم موسى، ولما أمرهم بدخول فلسطين امتنعوا عليه وقالوا له: قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة: 22] فلما حاورهم رجال من بني جلدتهم في ذلك قالوا لموسى: قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24] هنا دعا موسى على قومه: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة: 25] فغضب الله عليهم وتركهم يتيهون في الصحراء أربعين سنة، مات خلالها موسى ودفن في كثيب أحمر دون أن يدخل فلسطين. مات كذلك أخوه هارون ودفن في جبل هور، ويذكر المؤرخون أن الذين كانوا مع موسى ماتوا كلهم في التيه، باستثناء اثنين كان يوشع أحدهما. 2- يوشع بن نون: تولى القيادة بعد موسى، ودخل ببني إسرائيل عن طريق شرقي الأردن إلى أريحا، وقد مات يوشع سنة (1130)ق. م. تم تقسيم الأرض المفتوحة بين الاثني عشر سبطاً، الذين كان يحكمهم قضاة من الكهنة، ......... 3- آخر القضاة صموئيل شاءول صار ملكاً عليهم، وهو الذي يسميه القرآن طالوت، وهو الذي قادهم في معارك ضارية ضد من حولهم، وكان داود واحداً من جنوده، وفي إحدى المعارك تغلب داود على جالوت قائد الفلسطينيين، ومن هنا برز داود النبي القائد. 4- داود عليه السلام أصبح الملك الثاني فيهم، وقد بقي الملك في أولاده وراثيًّا، واتخذ من أورشليم (القدس) عاصمة ملكه مشيداً الهيكل المقدس، ناقلاً إليه التابوت، وقد دام حكمه أربعين سنة. 5- سليمان بن داود عليهما السلام: خلف أباه، وقد علا نجمه حتى إنه صاهر فرعون مصر شيشنق ودانت له سبأ، لكن ملكه انكمش بعد مماته مقتصراً على غرب الأردن. 6- رحبعام: الذي صار ملكاً سنة (935) ق. م، إلا أنه لم يحظ بمبايعة الأسباط، فمال عنه بنو إسرائيل إلى أخيه يربعام، مما أدى إلى انقسام المملكة إلى قسمين: ـ شمالية اسمها إسرائيل، وعاصمتها شكيم. ـ جنوبية اسمها يهوذا، وعاصمتها أورشليم. ـ حكم في كل من المملكتين (19) ملكاً، واتصل المُلك في ذرية سليمان في مملكة يهوذا فيما تنقل في عدد من الأسر في مملكة إسرائيل. 7- عاموس: نبي ظهر حوالي سنة (750) ق. م، وهو أقدم أنبياء العهد القديم الذين وردت أقوالهم إلينا مكتوبة؛ إذ عاش أيام يربعام الثاني (783ـ 743) ق. م. وقع اليهود الإسرائيليون في سنة (721) ق. م تحت قبضة الآشوريين في عهد الملك سرجون الثاني ملك آشور فزالوا من التاريخ، وسقطت مملكة يهوذا تحت قبضة البابليين سنة (586) ق. م، وقد دمر نبوخذ نصر (بختنصر) أورشليم والمعبد، وسبى اليهود إلى بابل، وهذا هو التدمير الأول. 8- أشعيا: عاش في القرن الثامن ق. م، وقد كان من مستشاري الملك حزقيال ملك يهوذا (729ـ 668) ق. م. 9- أرميا: (650ـ 580) ق. م ندد بأخطاء قومه، وقد تنبأ بسقوط أورشليم، ونادى بالخضوع لملوك بابل مما جعل اليهود يضطهدونه ويعتدون عليه. 10- حزقيال: ظهر في القرن السادس قبل الميلاد، قال بالبعث والحساب وبالمسيح الذي سيجيء من نسل داود ليصبح ملكاً على اليهود، وقد عاصر فترة سقوط مملكة يهوذا، أبعد إلى بابل بعد استسلام أورشليم. 11- دانيال: أعلن مستقبل الشعب الإسرائيلي؛ إذ كان مشتهراً بالمنامات والرؤى الرمزية، وقد وعد شعبه بالخلاص على يد المسيح. - سنة (538) ق. م احتل قورش ملك الفرس بلاد بابل، وقد سمح لهم قورش بالعودة إلى فلسطين، ولكن لم يرجع منهم إلا القليل. - في سنة (320) ق. م آل الحكم في فلسطين إلى الإسكندر الأكبر ومن بعده إلى البطالمة. - اكتسح الرومان فلسطين سنة (63) ق. م. واستولوا على القدس بقيادة بامبيوس. - وفي سنة (20) ق. م بني هيرودس هيكل سليمان من جديد، وقد ظل هذا الهيكل حتى سنة (70) م حيث دمر الإمبراطور تيطس المدينة وأحرق الهيكل، وهذا هو التدمير الثاني. وقد جاء أوريانوس سنة (135) م ليزيل معالم المدينة تماماً، ويتخلص من اليهود بقتلهم وتشريدهم، وقد بنى هيكلاً وثنيًّا (اسمه جوبيتار) مكان الهيكل المقدس، وقد استمر هذا الهيكل الوثني حتى دمره النصارى في عهد الإمبراطور قسطنطين. ـ في سنة (636) م فتح المسلمون فلسطين وأجلوا عنها الرومان، وقد اشترط عليهم صفرونيوس بطريرك النصارى أن لا يسكن المدينة أحد من اليهود. ـ في سنة (1897) م بدأت الحركة الجديدة لليهود تحت اسم الصهيونية، لبناء دولة إسرائيل على أرض فلسطين (يراجع بحث الصهيونية) .
أولا: السفاردSephardim:
(سفارد) مصطلح مأخوذ من الأصل العبري (سفارديم). ويُشار إلى السفارد أيضاً بكلمة (إسبانيولي)، وباليديشية بكلمة (فرانك) التي تشبه قولنا بالعربية (الفرنجة) (ومن هنا تسمية جيكوب فرانك، أي جيكوب السفاردي). و(سفارد) اسم مدينة في آسيا الصغرى تم ربطها بإسبانيا عن طريق الخطأ فتُرجمت الكلمة في الترجوم (الترجمة الآرامية لأسفار موسى الخمسة) إلى (إسباميا)، و(سباميا)، أما في البشيطا (الترجمة السريانية لأسفار موسى الخمسة) فهي (إسبانيا). وابتداءً من القرن الثامن الميلادي، أصبحت كلمة (سفارد) هي الكلمة العبرية المستخدمة للإشارة إلى إسبانيا. وتُستخدَم الكلمة في الوقت الحاضر للإشارة إلى اليهود الذين عاشوا أصلاً في إسبانيا والبرتغال، مقابل الإشكناز الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوربا. وقد استقر أعضاء الجماعة اليهودية في شبه جزيرة أيبريا في أيام الإمبراطورية الرومانية. ولكن أهم فترة في تاريخهم هي الفترة التي حكم فيها المسلمون شبه جزيرة أيبريا والتي يُشار إليها باسم (العصر الذهبي). وكان أعضاء الجماعة اليهودية يتحدثون العربية في تلك الفترة، ويفكرون ويكتبون بها. ثم جاء الغزو المسيحي لشبه الجزيرة واستردادها، فاكتسب اليهود الصبغة الإسبانية وتحدثوا باللادينو، وهي لهجة إسبانية، ثم تم طردهم من إسبانيا عام 1492م، ومن البرتغال عام 1497م، فاتجهت أعداد منهم إلى الدولة العثمانية التي كانت تضم شبه جزيرة البلقان وشمال أفريقيا. ويُعَدُّ ميناء سالونيكا (في شبه الجزيرة اليونانية) عاصمة السفارد في العالم حتى الحرب العالمية الأولى، فقد كانت هذه المدينة تضم أغلبية سفاردية. ومن أهم المدن الأخرى التي استقر فيها السفارد في الدولة العثمانية: أدرنة والأستانة وصفد والقدس والقاهرة .
ثانيا: الإشكناز Ashkenazim:
(الإشكناز) من (إشكنازيم) العبرية. و(الإشكناز) هم يهود فرنسا وألمانيا وبولندا. و(إشكناز)، حسب الرواية التوراتية، اسم أحد أحفاد نوح. ومن المحتمل أن تكون الكلمة قد استُخدمت للإشارة إلى قبيلة ظهرت في زمن أسرحدون تَحالَف أعضاؤها مع آشور. وهم الذين تشير إليهم المدونات الآشورية في القرن السابع قبل الميلاد بلفظ (إشوكوزا)، وهم الذين أشار إليهم اليونانيون بكلمة (إسكيثيانز Scythians) وهم الإسكيثيون. ويبدو أن هذه الأقوام كانت تشغل المنطقة الموجودة على حدود أرمينيا في أعالي الفرات، وجزءاً من مملكة الميديين. ويقرن يوسيفوس كلمة (إشكناز) بمدينة في مركز ميديا. وفي بعض الكتابات الحاخامية، يُشار إلى آسيا بأسرها باعتبارها (إشكناز)، كما كان يُشار إلى الخَزَر باعتبارهم (إشكناز)، بل واستُخدمت الكلمة للإشارة إلى حملات الفرنجة. أما الاشتقاق الحالي لكلمة (الإشكناز)، فهو من كلمة (إشكناز) بمعنى (ألمانيا). ومن الصعب معرفة متى حدث هذا التَرادُف. وثمة آراء احتمالية عدة، فهناك من يربط بين إشكناز وإسكندنافيا، وهناك من يربط بينها وبين الساكسون ومن ثم بينها وبين ألمانيا. ومع زمن راشي، أصبح هذا الترادف أمراً مقبولاً تماماً، فهو يشير إلى (لشون إشكناز)، أي (اللسان الألماني) أو (اللغة الألمانية). وكان يشير إلى (إرتس إشكناز) أي (أرض ألمانيا). ومن هنا، أصبح المصطلح يشير إلى يهود فرنسا وألمانيا ونسلهم من اليهود الذين هاجروا إلى إنجلترا وشرق أوربا (بولندا وليتوانيا) بعد حروب الفرنجة. ويطرح آرثر كوستلر نظرية أخرى عن أصل أكبر كتلة بشرية إشكنازية (أي يهود بولندا)، فيرى أن الجماعات اليهودية في فرنسا وألمانيا قد أبيدت تماماً أو اختفت، وأن يهود بولندا هم في الواقع بقايا يهود الخزر الذين نزحوا عن أراضيهم بعد سقوط دولتهم وأسسوا دولة المجر ثم هاجروا منها إلى بولندا. وبالتالي، فإن الإشكناز عنصر تركي غير سامي. وقد انتشر الإشكناز من بولندا إلى أوربا، خصوصاً بعد هجمات شميلنكي في أوكرانيا (1648م)، فاستقرت أعداد منهم في بولندا وألمانيا وإنجلترا والعالم الجديد. ثم هاجر الملايين منهم في نهاية القرن التاسع عشر إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأستراليا ونيوزيلندا، بعد الانفجار السكاني الذي حدث في صفوفهم. كما أنهم توجهوا إلى آسيا وأفريقيا مع حركة التوسع الإمبريالي. ولما كان يهود شرق أوربا هم أهم كتلة بشرية يهودية، فقد ارتبط المصطلح بهم، ولكننا نُفضِّل أن نشير إلى هؤلاء باعتبارهم (يهود اليديشية) .
ثالثا: اليهود الغربيون Western Jews:
(اليهود الغربيون) مصطلح يُستخدَم للإشارة إلى اليهود الذين هاجروا من العالم الغربي إلى إسرائيل. ولما كانت أغلبيتهم من الإشكناز، أي من يهود بولندا ذوي الأصول الألمانية، فإن مصطلح (اليهود الغربيون) أصبح مرادفاً لمصطلح (الإشكناز). ولكن مصطلح (اليهود الغربيون) يظل (مقابل اليهود الشرقيون) هو المصطلح الأدق والأشمل لأنه يشير إلى الانتماء العرْقي والحضاري والإثني لهؤلاء اليهود، في حين نجد أن مصطلح (الإشكناز) تداخله أبعاد دينية تطمس معالمه وتجعله أداة غير دقيقة. فيهود هولندا يُشار إليهم بلفظ (إشكناز)، مع أن بعضهم يتبع التقاليد السفاردية في العبادة. وأغلبية اليهود الغربيين من يهود اليديشية (يهود شرق أوربا)، إلا أنهم فقدوا هويتهم اليديشية هذه وأصبحت أغلبيتهم تتحدث الإنجليزية (في الولايات المتحدة وإنجلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا) وبقيتهم تتحدث لغات بلادهم. كما أن هناك جماعات من يهود الغرب، مثل: يهود اليونان (الرومانيوت أو الجريجوس)، ويهود إيطاليا، ويهود جورجيا. لكن هؤلاء الغربيين لا ينتمون إلى التشكيل الإشكنازي (إن صح التعبير) من قريب أو بعيد. واليهود الغربيون في إسرائيل هم الأقلية العرْقية والحضارية المسيطرة على الحكومة والجيش والأحزاب والاقتصاد وعلى التوجه الحضاري العام، وهو ما يسبب حالة اغتراب شديدة لليهود الشرقيين، ويعمق الفوارق الاجتماعية. ويُلاحَظ أن مصطلح (اليهود الغربيون) مصطلح حضاري ثقافي، ومن ثم يُشار إلى يهود جنوب أفريقيا بوصفهم غربيين، مع أن أفريقيا جزء من الشرق .
رابعا: اليهود الشرقيون Oriental Jews:
(اليهود الشرقيون) مصطلح كان يُطلَق على نسل أولئك اليهود الذين اتجهوا، عندما غادروا فلسطين قديماً، إلى العراق وإيران وأفغانستان وشبه الجزيرة العربية ومصر وبلدان شمال أفريقيا، وعلى يهود القوقاز (يهود جورجيا والجبال). ولكنه يشير الآن، في التجمع الاستيطاني الصهيوني، إلى اليهود الذين لا ينحدرون من أصل غربي، وقد أصبح لفظ (سفارد) مرادف للفظ (شرقيين) لأن معظم اليهود الشرقيين، في البلاد العربية على وجه الخصوص، يتبعون التقاليد السفاردية في العبادة. ولكن مصطلح (سفارد) غير دقيق، فبعض اليهود الغربيين في هولندا وإنجلترا وإيطاليا من السفارد. كما أن الحسيديين يتبعون بعض التقاليد السفاردية في العبادة. لذا، يجب أن نستخدم مصطلح اليهود الشرقيين باعتبار أنه الكل الذي يضم معظم السفارد كجزء، وهذا الكل يضم يهود الفلاشاه ويهود الهند وغيرهم، وباعتبار أن مصطلح اليهود الشرقيين ذو مضمون طبقي عرْقي ثقافي مُتعيِّن، على عكس مصطلح (سفارد) ذي المضمون الديني غير المُحدَّد. كما يُستخدَم مُصطلَح (اليهود الغربيون) للإشارة إلى كل يهود الغرب .
خامسا: اليهود المستعربة Arabized Jews:
اليهود المستعربة هم يهود البلاد العربية الذين اكتسبوا خصائص الحضارة العربية فأصبحوا عرباً، وهم أغلبية يهود العالم العربي، ولا سيما قبل دخول الاستعمار الغربي الذي فرنج عدداً منهم. وهم يُسمَّون خطأ (السفارد). والواقع أن كثيراً منهم يتبع المنهاج السفاردي في العبادة، ولكن هذا لا يجعلهم من السفارد بالمعنى الإثني، الذي لا ينطبق إلا على اليهود الذين خرجوا من إسبانيا والذين ينتمون إلى أولئك الذين كانوا يتحدثون اللادينو ومنهم المارانو (أو البرتغاليون). واليهود المستعربة جزء ممن نُطلق عليهم الآن مصطلح (يهود الشرق)
سادسا: الصابرا: جيل ما قبل عام 1967م
Sabra: Pre 1967 Generation صابرا كلمة عبرية مُشتقَّة من الكلمة العربية (الصبار) أو (التين الشوكي)، وقد تَردَّد المصطلح بمعناه الاجتماعي، لأول مرة، في أعقاب الحرب العالمية الأولى مباشرة حيث أطلق في مدرسة هرتزليا الثانوية في تل أبيب على التلاميذ اليهود من مواليد فلسطين والذين كانوا يُحسّون نقصاً حيال أقرانهم الأوربيين الأكثر تَفوُّقاً في الدراسة مما كان يجعلهم يلجأون إلى تعويض هذا الشعور بتَحدِّي هؤلاء الأوربيين بنوع من النشاط الخشن يرد لهم اعتبارهم. وقد تمثل ذلك النشاط في الإمساك بثمرات التين الشوكي وتقشيرها بالأيدي العارية، وهي مهارة يدوية تأتي بالمران والممارسة وليس من خلال الدراسة الفكرية. وقد أصبحت كلمة (الصابرا) تُطلَق اسماً على كل يهودي يُولَد في فلسطين. ومن المصطلحات الأخرى المرتبطة بها كلمة (شوتسباه) اليديشية التي تشير إلى مجموعة من الصفات مثل الجرأة الزائدة، التي قد تصل إلى حد الوقاحة، والسذاجة المختلطة بالذكاء. وحسب الرؤية الإسرائيلية الشائعة، فإن جيل الصابرا يتسم بالشوتسباه، أي الجرأ الزائدة هذه. ومن صفات الصابرا أيضاً ما يُسمَّى (تسيفتسوف إيحاد جادول)، وهي عبارة عبرية تعني (تصفيرة واحدة كبيرة)، وتشير إلى مقدرة جيل الصابرا على أن يسخر من كل المشاكل ويقابلها بهذه التصفيرة .
7- حركة الكنعانيين Canaanite Movement-;- Semitic Action: حركة الكنعانيين حركة سياسية ثقافية ذات نظرة خاصة لما يُسمَّى (التاريخ اليهودي). بدأت نشاطها في الأربعينيات في فلسطين. وينطلق دعاتها من أسطورة مفادها أن اليهود عندما عادوا من مصر إلى أرض كنعان لم يجدوا قبائل معادية لهم أو مختلفة عنهم من الناحية العرْقية، وإنما وجدوا شعباً يتكلم العبرية ويُشبههم في الملامح والخصائص البدنية، ولذلك فإن اليهود أو العبرانيين ليسوا إلا كنعانيين وما الإسرائيليون المحدثون سوى (الكنعانيين الجدد)، وبهذا تكون للأمة الإسرائيلية الجديدة جذور راسخة في الأرض الفلسطينية، وهي جذور تمتد إلى العبرانيين القدامى قبل أن تنتشر بينهم اليهودية، وهم بهذا يؤكدون وحدة الشعب الإسرائيلي وتربة فلسطين، أو كما يقول يتسوري (الذي اشترك في اغتيال اللورد موين في القاهرة عام 1934م): ( نحن لسنا صهاينة، نحن الأبناء الطبيعيون لتربة إسرائيل). وعن طريق تأكيد هذه الوحدة، يُسقط الكنعانيون من حسابهم تراث يهود الدياسبورا (أعضاء الجماعات اليهودية في العالم) بل والتراث اليهودي كله، فيهود الدياسبورا ـ حسب تَصوُّرهم ـ ليست لهم أية سمات قومية متميِّزة، فلغتهم وأنماطهم الثقافية وجنسيتهم أو مواطنتهم، تنتمي جميعاً إلى البلدان التي يعيشون فيها، فهم من البولنديين أو الإنجليز أو الأمريكيين، ولهذا السبب فإن لهم أثراً ضاراً على الإسرائيليين لأنهم يعوقون تَطوُّر الأمة العبرانية الجديدة. وهذه الأمة الجديدة تتكون من كل المولودين في إسرائيل، حتى ولو كانوا مسلمين أو مسيحيين، شريطة أن يَتقبَّلوا الهوية الكنعانية الجديدة .
المطلب الثاني: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية: • تمهيد: الجماعات اليهودية المنقرضة والهامشية. • أولا: اليهود المتخفون Crypto-Jews: . • ثانيا: البرتغاليون The Portuguese:. • ثالثا: يهود المارانو: تاريخ وعقيدة The Marranos History and Doctrine:. • رابعا: جديد الإسلام Jedid al-Islam: . • خامسا: تشويتاس Chuetas:. • سادسا: الرومانيوت Romaniot:. • سابعا: يهود الهند Indian Jews:. • ثامنا: بنو إسرائيل: Bene Israel:. • تاسعا: يهود كوشين Cochin Jews:. • عاشرا: يهود مانيبور Mainpur Jews:. • حادي عشر: اليهود البغدادية Baghdadi Jews:. • ثاني عشر: يهود القوقاز The Jews of the Caucasus:. • ثالث عشر: يهود جورجيا Georgian Jews:. • رابع عشر: يهود بخارى Bukhara Jews:. • خامس عشر: يهود الجبال (يهود التات، يهود داغستان):. • سادس عشر: يهود الخَزَر Khazar Jews:. • سابع عشر: الكرمشاكي (تاريخ يهود شبه جزيرة القرم). • ثامن عشر: اليهود الأكراد Kurdish Jews:. • تاسع عشر: يهود الصين (يهود كايفنج):. • عشرون: اليهود الزنوج Negro Jew:. • واحد وعشرون: العبرانيون السود. • اثنان وعشرون: الفلاشاه: تاريخ وهوية
الباب الثالث: النصرانية وما تفرع عنها: • الفصل الأول: النصرانية: التعريف والنشأة والتاريخ:. • الفصل الثاني: عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام: . • الفصل الثالث: التأسيس وأبرز الشخصيات:. • الفصل الرابع: التبشير وبداية الانحراف:. • الفصل الخامس: مراحل الصراع الديني:. • الفصل السادس: مصادر النصرانية:. • الفصل السابع: عقيدة النصارى:. • الفصل الثامن: بعض العبادات والشعائر عند النصارى:. • الفصل التاسع: البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس:. • الفصل العاشر: تحريفات النصارى ومزاعمهم:. • الفصل الحادي عشر: علاقة النصارى بالمسلمين وأساليب نشر ديانتهم:. • الفصل الثاني عشر: النصارى في التاريخ الإسلامي: . • الفصل الثالث عشر: الانتشار ومواقع النفوذ:. • الفصل الرابع عشر: فرق النصارى:. • الفصل الخامس عشر: التنصير:. • الفصل السادس عشر: الاستشراق:.
الفصل الأول: النصرانية: التعريف والنشأة والتاريخ: • المبحث الأول: التعريف:. • المبحث الثاني: أصلها: . • المبحث الثالث: هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية ؟. • المبحث الرابع: نشأتها وتاريخها:. • المبحث الخامس: التعريف بالمسيح عليه السلام:. • المبحث السادس: تاريخ النصرانية إجمالاً:. • المبحث السابع: نشأة الرهبانية والديرية وتأثير الفلسفة على النصرانية:. • المبحث الثامن: الكنيسة في عصر النهضة:. • المبحث التاسع: الكنيسة والماسونية:. • المبحث العاشر: الكنيسة في خدمة الاستعمار الغربي:.
المبحث الأول: التعريف:
النصرانية لغة: قيل: نسبة إلى نصرانة، وهي قرية المسيح عليه السلام من أرض الجليل، وتسمى هذه القرية ناصرة ونصورية، والنسبة إلى الديانة نصراني، وجمعه نصارى. النصرانية اصطلاحاً: هي دين النصارى الذين يزعمون أنهم يتبعون المسيح عليه السلام، وكتابهم الإنجيل .
التعريف: هي الرسالة التي أُنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام، مكمِّلة لرسالة موسى عليه الصلاة والسلام، ومتممة لما جاء في التوراة من تعاليم، موجهة إلى بني إسرائيل، داعية إلى التوحيد والفضيلة والتسامح، ولكنها جابهت مقاومة واضطهاداً شديداً، فسرعان ما فقدت أصولها، مما ساعد على امتداد يد التحريف إليها، فابتعدت كثيراً عن أصولها الأولى؛ لامتزاجها بمعتقدات وفلسفات وثنية .
تطلق النصرانية على الدين المنزل من الله تعالى على عيسى عليه السلام، وكتابه الإنجيل . وأتباعها يقال لهم: (النصارى) نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، وهي التي ولد فيها المسيح. أو إشارة إلى صفة: وهي نصرهم لعيسى عليه السلام، وتناصرهم فيما بينهم. وهذا يخص المؤمنين منهم في أول الأمر، ثم أطلق عليهم كلهم على وجه التغليب. ويشهد لذلك قوله تعالى: قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ [آل عمران: 52].
المبحث الثاني: أصلها:
فالنصرانية في أصلها دين منزل من الله تعالى، لكنها غيِّرت وبدِّلت وحرِّفت نصوصها، وتعددت أناجيلها، وتحوَّل أتباعها عن التوحيد إلى الشرك (وذلك باعتراف مؤرخي النصارى أنفسهم) ثم نسخت بالإسلام، فأصبحت باطلة؛ لتحريفها ولنسخها كاليهودية .
المبحث الثالث: هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية ؟
وقد أطلق على أتباع الديانة النصرانية في القرآن الكريم نصارى، وأهل الكتاب، وأهل الإنجيل، وهم يسمون أنفسهم بالمسيحيين نسبة إلى المسيح عليه السلام، ويسمون ديانتهم (المسيحية). وأول ما دُعيَ النصارى (بالمسيحيين) في أنطاكية حوالي سنة (42) م، ويرى البعض أن ذلك أول الأمر كان من باب الشتم. ولم ترد التسمية بالمسيحية في القرآن الكريم ولا في السنة، كما أن المسيح حسب الإنجيل لم يسمِّ أصحابه وأتباعه بالمسيحيين، وهي تسمية لا توافق واقع النصارى؛ لتحريفهم دين المسيح عليه السلام. فالحقُّ والصواب أن يطلق عليهم نصارى، أو أهل الكتاب؛ لأن في نسبتهم للمسيح عليه السلام خطأ فاحشا؛ إذ يلزم من ذلك عزو ذلك الكفر والانحراف إلى المسيح عليه السلام، وهو منه بريء .
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن إطلاق المسيحية على النصرانية ؟ والمسيحي على النصراني ؟ فأجاب بقوله: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم انتساب غير صحيح؛ لأنه لو كان صحيحا لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين [الصف: 6], ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به؛ لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلا، فضلا عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولي العزم، عيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي بشَّر به عيسى ابن مريم بنى إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ [الصف: 6]. وهذا يدل على أن الرسول الذي بشَّر به قد جاء، ولكنهم كفروا به وقالوا: هذا سحر مبين. فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشَّّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا: إنهم مسيحيون. إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشَّر به المسيح ابن مريم؛ لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين [آل عمران: 81]. والذي جاء مصدقًا لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِما أنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ [المائدة: 48]. وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع؛ لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام.
وسئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله هل الصحيح أن يقال: مسيحي أو نصراني ؟ فأجاب قائلا: معنى مسيحي نسبة إلى المسيح ابن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم ، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله . فالأولى أن يقال لهم نصارى، كما سمَّاهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ... [البقرة:113
المبحث الرابع: نشأتها وتاريخها:
النصرانية تعتبر امتدادا لليهودية؛ لأن عيسى عليه السلام أرسل إلى بني إسرائيل مجددا في شريعة موسى عليه السلام، ومصححا لما حرفه اليهود منها، وليحل لهم بعض الطيبات التي حرِّمت عليهم. قال تعالى عن عيسى عليه السلام: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيل وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ... إلى قوله تعالى: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [ آل عمران: 48- 50]. علاقتها باليهودية: الديانة النصرانية امتداد لليهودية، ومكملة لها؛ لأن عيسى عليه السلام- كما أسلفنا- جاء رسولا إلى بني إسرائيل، مصححا ما حرَّفوه من الدين المنزل على موسى عليه السلام في التوراة، وليحل لهم بعض الطيبات التي حرِّمت عليهم، ومبشرا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا يأتي من بعده. فقال تعالى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين [ الصف: 6] . لكن غالب بني إسرائيل (اليهود) كذَّبوا عيسى عليه السلام، وأنكروا رسالته وحاربوا أتباعه، ولمَّا رفعه الله إليه حرَّفوا الدين الذي جاء به، وحاولوا طمسه بمكرهم ودسائسهم، ولم يمض ثلاثة قرون على الديانة النصرانية حتى تحوَّلت تماما عن مسارها الصحيح المتمثل في التوحيد إلى الشرك المتمثل في التثليث، وتبدَّلت نصوصها وأحكامها. كما فعلوا بدين موسى عليه السلام من قبل. فالنصرانية الحاضرة صنعة اليهود، تسير في ركابهم، لذلك نرى النصارى لا يزالون يعترفون بكتاب اليهود (التوراة)، ووصايا الأنبياء الذين جاءوا بعد موسى عليه السلام رغم تحريف اليهود، ويسمونها (العهد القديم) بالإضافة إلى كتابهم الإنجيل المحرَّف الذي يسمونه (العهد الجديد). أما اليهود فهم ينكرون كل ما عدا التوراة، إلا ما ورد عن علمائهم ومفسريهم ويسمونه (التلمود)، وهو مقدم عندهم على التوراة. والنصارى يكفِّرون اليهود؛ لتكذيبهم عيسى عليه السلام. واليهود يكفِّرون النصارى؛ لأنهم يرونهم مبتدعين، ودينهم باطل؛ لأن عيسى عليه السلام بزعمهم ساحر كذاب. قال الله تعالى عن الفريقين: وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [ البقرة: 113] - أهل الكتاب (اليهود والنصارى): ويطلق على اليهود والنصارى معا (أهل الكتاب) إشارة إلى أن أديانهم سماوية منزلة من الله تعالى إليهم بكتاب. وأحيانا يطلق على أحدهما، والكتاب هو التوراة المنزلة على موسى عليه السلام، والإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام. وقد ورد هذا الإطلاق في الكتاب والسنة. ومع أن اليهود والنصارى (أهل الكتاب) يكفِّر بعضهم بعضا إلا أنهم يجتمعون على الكيد للإسلام، والإضرار بالمسلمين. وقد ذكر الله عنهم ذلك في أكثر من آية، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [ البقرة: 109]. وقال تعالى: مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [ البقرة: 105]. والذين كفروا من أهل الكتاب هم من لم يسلم من اليهود والنصارى. وأهل الكتاب مكلفون بإقامة التوراة والإنجيل معا، لكنهم كفروا بهما، قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [ المائدة: 68]. ومن إقامة التوراة والإنجيل: الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم حيث بشَّرت به هذه الكتب، واتباع الإسلام الذي نسخ ما قبله من الأديان.
المبحث الخامس: التعريف بالمسيح عليه السلام:
إجمالاً من خلال القرآن الكريم وما يتفق معه مما ورد في أناجيل النصارى: المسيح عليه السلام نبي من أنبياء بني إسرائيل، دعا إلى الله عزَّ وجلَّ، وبلَّغ رسالة ربه عزَّ وجلَّ، وقد ذكر الله عزَّ وجلَِّ هذا النبي الكريم في القرآن الكريم، وذكر دعوته في مواضع عديدة، من أشملها قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِما أنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِين [آل عمران: 45-60]. هذا هو المسيح عليه السلام في كلام الله عزَّ وجلَّ، بشر خلقه الله بكلمته، كما خلق من قبله آدم عليه السلام بكلمته، وهي قوله: (كن) وجعله الله سبحانه آية حيث خلقه في بطن أمه مريم بدون أن يكون لها زوج أو يمسها بشر، بل كانت- رضوان الله عليها- عبدة صالحة طاهرة مبرأة من الخبث والفساد. وبيَّن الله عزَّ وجلَّ لنا حقيقة دعوة المسيح عليه السلام، وأنه رسول دعا إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ وحده لا شريك له، وقد وجَّه دعوته لبني جنسه، وهم بنو إسرائيل الذين كانوا في ذلك الوقت قد انحرفوا كثيراً عن دين موسى عليه السلام، إلا أن قومه كذَّبوه وسعوا إلى قتله، فأنجاه الله منهم ورفعه إلى السماء. وإذا نظرنا إلى الأناجيل الموجودة بين يدي النصارى نجد أنها صرَّحت بما ذكره القرآن تصريحاً واضحاً لا لبس فيه، ومن ذلك: 1- بشرية المسيح: ذكر الله عزَّ وجلَّ بشرية المسيح في الآيات السابقة، وقد قصَّ لنا الربُّ جلَّ وعلا خبره من لدن جدته امرأة عمران ثم أمه ثم خبر ولادته. وقد ذكرت جميع الأناجيل أنه ولد من مريم، وأنه طرأ عليه ما يطرأ على البشر من الوجود بعد العدم، والأكل والشرب والتعب والنوم والموت، وسائر الخصال البشرية. 2- أنه رسول الله: وذلك في قوله عز وجل: ما الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ [المائدة: 75]. وقد صرَّّح النصارى أن المسيح عليه السلام قال لهم في مواطن كثيرة في الأناجيل بأنه رسول من عند الله، فقد ورد في إنجيل متى (10/40): (من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني). وفي إنجيل لوقا (4/43): (فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشِّر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله؛ لأني لهذا أرسلت. فكان يكرز في مجامع الجليل). ويقول لتلاميذه الذين أرسلهم إلى المدن لدعوة الناس للإيمان به وبرسالته حسب قول لوقا(10/16): (الذي يسمع منكم يسمع مني، والذي يرذلكم يرذلني. والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني). وفي إنجيل يوحنا ذكر أنه رسول من الله في مواطن كثيرة منها (4/34): (قال لهم يسوع: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله). وفي (17/3) يذكر عن المسيح أنه قال: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). 3- أنه رسول إلى بني إسرائيل خاصة: قال الله عزَّ وجلَّ في الآيات السابقة: وَرَسُولاً إلى بَنِي إِسْرائيلَ [آل عمران:49]. وقـد ورد في إنجيل متى (15/24) أن المسيح عليه السلام لحقته امرأة كنعانية تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، فقال المسيح: (لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ). وكذلك في إنجيل متى (10/5) أن المسيح أرسل تلاميذه إلى القرى اليهودية، وقال لهم: (إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة). 4- أنه دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له: قال جلَّ وعلا عن المسيح أنه قال: إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [آل عمران: 51]. وذكر متى في إنجيله (4/10) عن المسيح أنه قال: (للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد). وفي إنجيل مرقص (12/29) أن المسيح أجاب من سأله عن أول الوصايا والواجبات بقوله: (إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك). وفي إنجيل لوقا (4/8) أن المسيح قال للشيطان لمـا طلب منه أن يسجد له: (اذهب يا شيطان، إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد). وفي إنجيل يوحنا (17/3) أن المسيح قال: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). وكذلك قال للمرأة التي رأته بعد القيامة في كلامهم في إنجيل يوحنا (20/17): ( قال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم). 5- إنه متبع لشريعة موسى عليه السلام ومكمل لها: قال عزَّ وجلَّ: وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ . [آل عمران: 50]. قال متى في إنجيله (5/17) عن المسيح أنه قال: (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل). 6- أنه دعا إلى التوبة: وهو معنى قوله عزَّ وجلَّ: وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُون [آل عمران: 50] وقد ذكر بعض الكُتَّاب أن لبَّ دعوة المسيح عليه السلام حسب الأناجيل هو: الدعوة إلى التوبة، والأخذ بشريعة موسى عليه السلام. وفي هذا ورد في إنجيل متى (9/13): (لأني لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة). وفي إنجيل مرقص (1/14): (وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة ملكوت الله، ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل). فهذه النصوص يظهر منها واضحاً بشرية المسيح عليه السلام، وأنه رسول دعا بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا يتفق تمام الاتفاق مع ما ذكره الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم عنه، ويتفق مع دعوة الأنبياء السابقين الذين ورد ذكرهم في القرآن، أو ذكرهم اليهود في كتبهم. كما يتفق ذلك مع العقل وترتاح له النفس. وهذا بخلاف ما تدَّعيه الكنيسة وتزعمه من الأمور المناقضة للعقل والشرع، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك عند الحديث عن عقائد النصارى .
تمهيد:
إن الحديث عن تاريخ النصارى الأوائل والنصرانية من المصادر النصرانية يعتبر من أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيداً؛ لأن التاريخ إنما يعتمد على النصوص والروايات المحفوظة التي تبين تاريخ حقبة ما. والناظر في المصادر النصرانية يواجه مشكلة الانقطاع التاريخي في فترة من أهم الفترات المتعلقة بالنصرانية، وهي الفترة التي تعقب رفع المسيح عليه السلام إلى منتصف القرن الثاني من الميلاد، فإن هذه الفترة تعتبر فترة حرجة جدًّا، والمصادر التي يمكن أن يعتمد عليها في بيان تاريخ تلك الفترة تعتبر نادرة جدًّا، بل لا يوجد بين يدي النصارى سوى كتاب (أعمال الرسل) الذي تحدَّث كاتبه في أوله عمن يزعم أنهم تلاميذ المسيح حديثاً محدوداً، ثم خصَّص بقية كتابه للحديث عن بولس وأعماله، ورغم ذلك فإن المعلومات عن بولس تنقطع قبل موته بعد وصوله روما، وهذه النهاية التي انتهى إليها صاحب الكتاب هي نهاية المعلومات المتوفرة لدى النصارى عن تلك الفترة، يضاف إلى ذلك ما يمكن استفادته واستخلاصه من رسائل بولس الأربع عشرة التي فيها إشارات قليلة تخص بولس من ناحية تاريخية، إلا أنها شبه خالية من المعلومات عن الحواريين الذين هم تلاميذ المسيح عليه السلام الحقيقيون. ومع ذلك فسنحاول ذكر تاريخ إجمالي للنصارى والنصرانية إلى عهد ما بعد الإمبراطور قسطنطين حسب المعلومات المتاحة، وذلك لإعطاء القارئ تصوراً عن النصرانية من ناحية تاريخية، ربما يكون قريباً من الواقع
>> > > <<
المبحث الثاني: المرحلة الثانية:
ويسميها مؤرِّخو الكنيسة بالعصر الرسولي، وينقسم هذا العصر إلى قسمين: التبشير وبداية الانحراف، والاضطهاد الذي يستمر حتى بداية العهد الذهبي للنصارى .
المبحث الأول: التبشير:
بعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، اشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد، فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذِّب سائر الرسل، وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية أن تفنى. وفي ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل، أعلن شاول- الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب- إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنِّباً له على اضطهاده لأتباعه، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخفَّ الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدِّقه بعضهم، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدَّمه إلى الحواريين فقبلوه، وبما يمتلكه من حدَّة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين، وتسمَّى بـ بولس. - انطلق الحواريون للتبشير بين الأمم اليهودية في البلدان المجاورة، التي سبق أن تعرَّفت على دعوة المسيح عليه السلام أثناء زيارتها لبيت المقدس في عيد العنصرة، وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن متَّى ذهب إلى الحبشة، وقُتل هناك بعد أن أسس فيها كنيسة ورسَّم - عيَّن- لهم أسقفها. وكذلك فعل مرقس في الإسكندرية بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما، وقتل في عهد نيرون عام (62) م. - أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية، وأسَّس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم، ورسَّم لهم أساقفة. وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فوجدا خلافاً حادًّا بين أتباع الكنيسة حول إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة، فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين؛ لحسم الخلاف بينهم.
المبحث الثاني: بداية الانحراف:
- فيما بين عام (51- 55) م, عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة (62) م, ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر- إعمالاً لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية، على أنها خطوة أولى يُلزم بعدها بشريعة التوراة. كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذُبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة. - عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة؛ نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله أنها: (كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد) و(أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد). ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم الحشر. وهكذا كرَّر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه وانفصل عنه، مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَّنها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة (65) م. - قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدَّى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قُتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها. المبحث الثالث: الاضطهاد:
- عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة؛ مابين الحمل على الخُشبِ، والنشر بالمناشير، إلى التمشيط مابين اللحم والعظم، والإحراق بالنار. - من أعنف الاضطهادات وأشدها: 1- اضطهاد نيرون سنة (64) م, الذي قُتل فيه بطرس وبولس. 2- واضطهاد دمتيانوس سنة (90) م، وفيه كتب يوحنا إنجيله في أفسس باللغة اليونانية. 3- واضطهاد تراجان سنة (106) م, وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم، فحدثت مذابح مُروِّعة، قُتل فيها يعقوب البار أسقف أورشليم. 4- ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهادُ الإمبراطور دقلديانوس (284) م, الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه، وقد نفذ تصميمه؛ وهدم الكنائس، وأحرق الكتب، وأذاقهم من العذاب صنوفاً وألواناً، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم (29) أغسطس (284) م, بداية لتقويمهم تخليداً لذكرى ضحاياهم. - هكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الإمبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية. - سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع النصارى إلى استمالة تأييدهم له؛ لفتح الجزء الشرقي من الإمبراطورية حيث يكثر عددُهُم، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية في الدعوة، والترخيص لديانتهم، ومساواتها بغيرها من ديانات الإمبراطورية الرومانية، وشيَّد لهم الكنائس، وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاريخ النصراني قسوة، التي ضاع فيها إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام، وقُتل الحواريون والرسل، وبدأ الانحراف والانسلاخ عن شريعة التوراة، ليبدأ النصارى عهداً جديداً من تأليه المسيح عليه الصلاة والسلام وظهور اسم المسيحية
المبحث الأول: العهد الذهبي للنصارى:
يطلق مؤرخو الكنيسة اسم العهد الذهبي للنصارى ابتداء من تربُّع الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية عام (312) م, لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النصرانية. ويمكن تقسيم ذلك العهد إلى مرحلتين رئيسيتين: [ مرحلة جمع النصارى على عقيدة واحدة (عصر المجامع أو عهد الخلافات والمناقشات):] - ما أن أعلن قسطنطين إعلان ميلان حتى قرَّب النصارى، وأسند إليهم الوظائف الكبيرة في بلاط قصره، وأظهر لهم التسامح، وبنى لهم الكنائس، وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب المقدس، الذي اتخذه شعاراً لدولته بجانب شعارها الوثني، فنشطت الدعوة إلى النصرانية، ودخل الكثير من الوثنيين أصحاب الفلسفات في النصرانية، مما كان له أثره البالغ في ظهور الكثير من العقائد والآراء المتضاربة، والأناجيل المتناقضة، حيث ظهر أكثر من خمسين إنجيلاً، وكل فرقة تدعي أن إنجيلها هو الصحيح، وترفض الأناجيل الأخرى. - وفي وسط هذه العقائد المختلفة والفرق المتضاربة مابين من يُؤَلِّه المسيح وأمه (الريمتين) أو من يؤله المسيح فقط، أو يدعي وجود ثلاثة آلهة: إله صالح، وإله طالح، وآخر عدل بينهما (مقالة مرقيون). أعلن آريوس أحد قساوسة كنيسة الإسكندرية صرخته المدوية بأن المسيح عليه الصلاة والسلام ليس أزليَّا، وإنما هو مخلوق من الأب، وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر، فالتف حوله الأنصار، وكثر أتباعه في شرق الإمبراطورية حتى ساد مذهبه..... كنائس مصر والإسكندرية وأسيوط وفلسطين ومقدونيا والقسطنطينية وأنطاكية وبابل، مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده، ولعنه وطرده من الكنيسة، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر، ثم الشماس إثناسيوس، وضماناً لاستقرار الدولة أمر الإمبراطور قسطنطين عام (325) م, بعقد اجتماع عام يجمع كل أصحاب هذه الآراء للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها، فاجتمع في نيقية (2048) أسقفاً منهم (338) يقولون بألوهية المسيح، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح ولينفضّ على القرارات التالية: 1- لعن آريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وحرق كتبه، ووضع قانون الإيمان النيقاوي (الأثناسيوسي) الذي ينص على ألوهية المسيح. 2- وضع عشرين قانوناً لتنظيم أمور الكنيسة والأحكام الخاصة بالأكليريوس. 3- الاعتراف بأربعة أناجيل فقط: (متى، لوقا، مرقس، يوحنا) وبعض رسائل العهد الجديد والقديم، وحرق باقي الأناجيل لخلافها عقيدة المجمع. - للتغلب على عوامل انهيار وتفكك الإمبراطورية أنشأ قسطنطين مدينة روما الجديدة عام (324) م, في بيزنطة القديمة باليونان على نفس تصميم روما القديمة، وأنشأ بها كنيسة كبيرة (أجياصوفيا)، ورسَّم لهم بطريركاً مساوياً لبطاركة الإسكندرية وأنطاكية في المرتبة، على أن الإمبراطور هو الرئيس الأعلى للكنيسة. وعُرفت فيما بعد بالقسطنطينية، ولذلك أطلق عليها بلاد الروم، وعلى كنيستها كنيسة الروم الشرقية أو كنيسة الروم الأرثوذكس. - تمهيداً لانتقال العاصمة إلى روما الجديدة (القسطنطينية) اجتمع قسطنطين بآريوس حيث يدين أهل القسطنطينية والجزء الشرقي من الإمبراطورية بعقيدته، وإحساساً منه بالحاجة إلى استرضاء سكان هذا القسم أعلن الإمبراطور موافقته لآريوس على عقيدته، وعقد مجمع صور سنة (334) م, ليعلي من عقيدة آريوس، ويلغي قرارات مجمع نيقية، ويقرر العفو عن آريوس وأتباعه، ولعن أثناسيوس ونفيه، وهكذا انتشرت تعاليم آريوس أكثر بمساندة الإمبراطور قسطنطين
المبحث الثاني: مرحلة الانفصال السياسي:
قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام (337) م, على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال أفريقيا، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده؛ لترسيخ حكمه. فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي، بينما شجع أخوه قسطنطين الثاني المذهب الأثناسيوسي، مما أصَّل الخلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني. - توحَّدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام ( 353– 361) م, بعد وفاة قسطنطين الثاني، ومقتل قنسطانس، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الآريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقاً وغرباً. - لم يلبث الأمر طويلاً حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية ( 379– 395) م, الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي. ولذا ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس، فقرَّر عقد مجمع القسطنطينية الأول (382) م، وفيه فرض الإمبراطور العقوبات المشددة على أتباع المذهب الآريوسي. كما تقرر فيه أن روح القدس هو روح الله وحياته، وأنه من اللاهوت الإلهي، وتم زيادته في قانون الإيمان النيقاوي، ولعن من أنكره مثل مكدنيوس، وذلك بالإضافة إلى عدة قوانين تنظيمية وإدارية تتعلق بنظام الكنيسة وسياستها
المبحث الثالث: نشأة البابوية:
على إثر تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية، ونتيجة لضعف الإمبراطورية الغربية تم الفصل بين سلطان الدولة والكنيسة، بعكس الأمر في الإمبراطورية الشرقية، حيث رسخ الإمبراطور قسطنطين مبدأ القيصرية البابوية، ومن هنا زادت سلطات أسقف روما، وتحوَّل كرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في بلدان العالم المسيحي الغربي (روما – قرطاجة). وقد لعب البابا داماسوس الأول ( 366– 384) م, دوراً هامًّا في إبراز مكانة كرسي روما الأسقفي - سيادة البابوية - وفي عهده تمَّ ترجمة الإنجيل إلى اللغة اللاتينية، ثم تابعه خلفه البابا سيرى كيوس( 384– 399) م, في تأليف المراسم البابوية
المبحث الرابع: بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين:
ظهر الصراع والتنافس بين كنيسة روما بما تدعي لها من ميراث ديني، وبين كنيسة القسطنطينية عاصمة الدولة ومركز أباطرتها في مجمع أفسس الأول عام (431) م حيث نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام، وبالتالي فإن اللاهوت لم يولد ولم يصلب، ولم يقم مع الناسوت، وأن المسيح يحمل الطبيعتين منفصلتين: اللاهوتية والناسوتية، وأنه ليس إلهاً، وأمه لا يجوز تسميتها بوالدة الإله، وقد حضر المجمع مائتان من الأساقفة بدعوة من الإمبراطور ثاؤديوس الصغير، الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه، والنص في قانون الإيمان بأن مريم العذراء والدة الإله. - وبسبب دعوى أرطاخي باتحاد الطبيعتين في السيد المسيح عقد له أسقف القسطنطينية فلافيانوس مجمعاً محليًّا، وقرر فيه قطعه من الكنيسة ولعنه؛ لكن الإمبراطور ثاؤديوس الصغير قبل التماس أرطاخي، وقرر إعادة محاكمته، ودعا لانعقاد مجمع أفسس الثاني عام (449) م, برئاسة بطريرك الإسكندرية ديسقورس لينتهي بقرار براءته مما نسب إليه .
المبحث الخامس: انفصال الكنيسة مذهبيًّا:
لم يعترف أسقف روما ليو الأول بقرارات مجمع أفسس الثاني (449) م، وسعى الإمبراطور مركيانوس لعقد مجمع آخر للنظر في قرارات ذلك المجمع، فوافق الإمبراطور على عقد المجمع في القسطنطينية، ثم في كلدونية (451) م, لمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس: من أن للمسيح طبيعتين في طبيعة واحدة (المذهب الطبيعي – المونوفيزتية)، ليتقرر لعن ديسقورس وكل من شايعه ونفيه، وتقرير أن للمسيح طبيعتين منفصلتين. فكان ذلك دافعاً أن لا تعترف الكنيسة المصرية بهذا المجمع، ولا بالذي يليه من المجامع. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت في كنيسة مستقلة تحت اسم الكنيسة المرقسية – الكنيسة الأرثوذكسية – أو القبطية تحت رئاسة بطريرك الإسكندرية، وانفصلت معها كنيسة الحبشة وغيرها؛ ليبدأ الانفصال المذهبي عن الكنيسة الغربية. بينما اعترفت كنيسة أورشليم الأرثوذكسية بقرارات مجمع كلدونية، وصارت بطريركية مستقلة تحت رئاسة البطريرك يوفيناليوس
المبحث السادس: نشأة الكنيسة اليعقوبية:
واجه الإمبراطور جستنيان ( 527– 565) م, صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي الإمبراطورية؛ لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معاً. وبعد انتصاره في إيطاليا ودخول جيوشه روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزتية) على البابا فجليوس الذي رفض ذلك بشدة، مما عرَّضه إلى القبض عليه وترحيله إلى القسطنطينية، ليعقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة (553) م, الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح، وتقرير أن عيسى عليه السلام كان شخصية حقيقية وليست بخيالية. - ومن آثار هذا المجمع استقلالُ أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة، إقامةُ كنيسة منفصلة لهم، تعرف بالكنيسة اليعقوبية، تحت رئاسة مؤسسها يعقوب البرادعي أسقف الرَّها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية. المبحث السابع: نشأة الكنيسة المارونية:
في عام ( 678–681 ) م, عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام؛ لفتح المسلمين لهما، فتمَّ عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام (680) م؛ للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة المبحث الثامن: انفصال الكنيسة إداريًّا:
- جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداءً من الإمبراطور ليو الثالث (726) م, الذي أصدر مرسوماً يُحرِّم فيه عبادة الأيقونات، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية، متأثراً بدعوة المسلمين لإزالة هذه التماثيل التي بالكنائس في داخل الدولة الإسلامية. - تصدى لهذه الدعوة البابا جريجوري الثاني، ثم خَلَفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قراراً بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية، وجعلها تحت سلطان بطريرك القسطنطينية. واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين الخامس (741 – 775) م، وازدادت الثورات اشتعالاً ضد دعاة اللاأيقونية، فعقد مجمعاً في القسطنطينية؛ لتبرير سياسة تحريم الصور والأيقونات. وقد رفضت البابوية حضوره، ولم يحضره سوى ثلاثمائة وأربعين أسقفًّا تحت رئاسة بطريرك القسطنطينية، ليقضي بتحريم تصوير المسيح في أي شكل، وكذلك تحريم عبادة صور القديسين، وتحريم طلب الشفاعة من مريم؛ لأن كل هذا من ضروب الوثنية. - ولكن هذه القرارات لم تدم طويلاً حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إيرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام (787) م, بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للأيقونية بطريركاً على القسطنطينية، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقديسين، ووضع الصور في الكنائس والأديرة والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم يدعو للتفكير فيها. - في عام (869) م, أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس من الأب وحده، فعارضه – كالعادة – بطريرك روما وقال: إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معاً، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع (869) م, (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرَّر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً، وأن جميع النصارى في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما، وأن من يريد معرفة ما يتعلق بالنصرانية وعقائدها عليه برفع دعواه إلى بابا روما. ولذلك تم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه، إلا أن فوسيوس استطاع أن يعود إلى مركزه مرة أخرى. وفي عام (879) م, عقد المجمع الشرقي اليوناني (القسطنطينية الخامس) ليلغي قرارات المجمع السابق، ويعلن أن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية (787) م. - وهكذا تمَّ الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك القسطنطينية، ومذهباً بأن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، على أن الكنيسة الغربية أيضاً تميَّزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية، وبزعم أن لبابا روما سيادة على كنائس الإمبراطورية، وأنها أم الكنائس ومعلمتهن، وتميزت بالقول بأن الروح القدس منبثقة عن الأب والابن معاً. ولم يتمَّ الانفصال النهائي – الإداري – إلا في عام (1054) م، وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية، وحلَّت محلَّها المؤتمرات الإقليمية أو سلطات البابا المعصوم، لتستكمل مسيرة الانحراف والتغيير في رسالة عيسى عليه السلام. ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة - القرون الوسطى - الفساد، ومحاربة العلم والعلماء، والتنكيل بهم، والاضطهاد لهم، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات الداعية لإصلاح فساد الكنيسة، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر ترنت عام ( 1542- 1563) م, لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني، وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني. ومن هنا انشقَّت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت، ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة، وهي: الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل: المارونية، والنسطورية، واليعقوبية، وطائفة الموحدين، وغيرهم .
تمهيد:
النصارى يستمدون عقائدهم وتشريعاتهم ومعارفهم الدينية من مصدرين أساسيين هما: أولاً: الكتاب المقدس: ثانياً: المجامع النصرانية: المبحث الأول: الكتاب المقدس: • المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا:. • المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلاً:. • المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً:. • المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل:. • المطلب الخامس: إنجيل برنابا
المطلب الأول: إسناد وتاريخ الأناجيل الأربعة إجمالا: • تمهيد:-. • الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً:.
الفرع الأول: إسناد الأناجيل الأربعة وتاريخها إجمالاً:
قبل الحديث عن تاريخ الأناجيل الأربعة لدى النصارى لا بد من بيان أن الكتب الدينية لها مكانة عظيمة لدى أتباعها، ولها دور خطير في الحياة؛ إذ يعتمد عليها في توضيح الطريق إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة. فلهذا يجب أن تكون الكتب ثابتة الإسناد إلى أصحابها الذين هم رسل الله، والمبلغون عن الله عزَّ وجلَّ، فإذا لم تكن كذلك فإنها تفقد قيمتها؛ إذ تكون عرضة للتحريف والتبديل من قبل أصحاب الأهواء والمقاصد الخبيثة، أو من قبل العوارض البشرية كالنسيان، وقلة العلم، والوهم ونحو ذلك. فصحة الإسناد بعدالة رواة الأخبار وضبطهم، وعدم انقطاعه، هو السبيل الذي يمكن به وصول هذه الكتب إلى الناس سليمة صحيحة كاملة، فيتعرَّف الناس على الحق من خلالها. وإذا نظرنا في كتب الحديث عند أهل الإسلام- والتي تتضمن أقوال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وجميع ما يتعلق به- عرفنا الجهد العظيم الذي بذله أولئك الأئمة في المحافظة على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليماً صحيحاً، حيث يستطيع المسلم في القرن الخامس عشر الهجري أن يعرف صحة الحديث من عدمه. وإذا بحثنا في التاريخ لدى النصارى عن إسناد لهذه الأناجيل إلى من تنسب إليه لا نجد من ذلك شيئاً البتة لا قليلاً ولا كثيراً. ورسائل بولس، وكذلك الرسائل الأخرى، وأعمال الرسل ليس في شيء منها إشارة إلى واحد من هذه الكتب الأربعة، الأمر الذي يترتب عليه أن هذه الكتب لم تكن معروفة في ذلك الزمن، ولم يطَّلع عليها أحد منهم، وفي هذا دلالة قوية على أن نشأة هذه الكتب وظهورها كان متأخراً عن هذه الرسائل، بخلاف إنجيل الله أو إنجيل المسيح فقد ورد ذكره في كلام بولس مراراً عديدة، كما ورد ذكره في إنجيل مرقص، وأعمال الرسل مما يدل على وجوده وأنه معروف معلوم. وقد حاول النصارى أن يجدوا لهذه الكتب إسناداً أو إخباراً عنها في كلام متقدميهم يتفق مع الزمن الذي يزعمون أنها كتبت فيه، وهو الربع الأخير من القرن الأول الميلادي على أكثر تقدير. إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع، مما اضطرهم إلى الاعتراف بأن هذه الكتب لم تعرف إلا بعد موت من تنسب إليه بعشرات السنين، فتكون نسبتها إلى أولئك الناس نسبة لا تقوم على أدنى دليل، وإليك بعض كلام النصارى في هذا الأمر: يقول القس (فهيم عزيز) الأستاذ بكلية اللاهوت الإنجيلية: (لكن قانونية أسفار العهد الجديد لم تتم في وقت واحد ولم يكفها جيل أو جيلان، بل استمرت مدة طويلة، ولم تقف الكنائس المختلفة موقفاً موحداً من الأسفار المختلفة، بل اختلفت آراؤها من جهة بعض الأسفار، واستمرت في ذلك حقبة طويلة، فلهذا يلزم تتبع هذا التاريخ الطويل لقانونية أسفار العهد الجديد. الكنيسة الأولى: يوم الخمسين ( 100) م: من المعلوم جيداً أنه لم تكن في تلـك الفـترة كتب مقدسـة تسمـى العهـد الجديد، ولكن الكنيسة لم تمكث بدون مصادر إلهية تستند عليها في كل شيء من وعظ وتعاليم وسلوك ومعاملات، وقد كان لها في هذا المجال ثلاثة مصادر). ثم ذكر أن المصادر الثلاثة هي: العهد القديم، المسيح، الرسل، ثم قال: ( ثانياً: ( 100-170) م, ظهور الكتب القانونية في العهد الجديد: كانت أول مجموعة عرفتها الكنيسة من العهد الجديد هي مجموعة رسائل بولس. فهي أول ما جمع من كل كتب العهد الجديد، ولقد كتب بولس رسائله إلى كنائس وأفراد لظروف خاصة ومواقف محددة..). ثم قال: (أما المجموعة الثانية: فهي مجموعة الأناجيل الأربعة، وقد ظهرت هذه المجموعة متأخرة بعض الوقت عن مجموعة كتابات بولس. ومع أن تاريخ اعتبارها كتباً قانونية مقدسة متساوية في ذلك مع كتب العهد القديم لا يزال مجهولاً، لكن الاقتباسات العديدة التي وجدت في كتابات آباء الكنيسة الرسوليين وشهاداتهم تلقي بعض الضوء على هذه الحقيقية الجوهرية في العصر المسيحي، ويلاحظ الدارس الأمور الآتية: أن بولس لم يشر في كتاباته إلى أي من الأناجيل المكتوبة، ولا إلى أي كتاب عن حياة المسيح أو أقواله..). ثم ذكر المصنف سبع نقاط أخرى أورد في بعضها اقتباسات لمتقدمين من النصارى تتوافق في بعضها مع ما ورد في بعض الأناجيل بدون النص على اسم الإنجيل. وأهم ما ذكره من الملاحظات هي قوله في الملاحظتين السابعة والثامنة: 7- أما جاستن أو يوستينوس الشهيد الذي كان سامريًّا يونانيًّا، وتحوَّل إلى المسيحية، ودرس في روما، واستشهد حوالي (165) م، فيؤخذ من كتاباته أنه قد عرف الأناجيل الأربعة مرتبطة معاً، مع أنه لم يكشف النقاب عمن جمعها، ولا في أي مكان جمعت، وهو يصفها عندما يذكرها في دفاعه ضد الوثنيين بأنها الذكريات، ولكنه عندما كان يكتب للمسيحين كان يقول عن الرسل: (هم أولئك الذين كتبوا ذكرياتهم عن كل الأشياء التي تختص بيسوع المسيح المخلص). ثم يقول مرة أخرى: (الذكريات التي عملها الرسل التي تسمى الأناجيل. 8- أما الشاهد الأخير فهو (الديا طسرن) الذي كتبه (تاتيان)، وأراد أن يجمع فيه الأناجيل الأربعة معاً في إنجيل واحد، وقد أضاف تاتيان هذا بضعة كلمات للمسيح لا توجد في هذه الأناجيل، ولكنها أخذت من كتب أبوكريفية أخرى، وهو بذلك يشهد أن الأربعة الأناجيل وجدت معاً، ولكن إضافاته مجرد اقتباسات لا تدلُّ على أنه كان يعتبر أن هناك كتباً أخرى تضارعها في سلطانها وقداستها). وبعد هذا النقل عن أحد القسس المتعمقين والمتخصصين في دراسات العهد الجديد، ننقل كلام مجموعة من المتخصصين النصارى عن أناجيلهم وذلك في المدخل إلى العهد الجديد قالوا في التعريف بتاريخ وقانونية العهد الجديد ما يلي: ( لقد سيطرت على المسيحيين الأوائل فكرة تناقلتها الألسن شفاهاً - تعلن انتهاء هذا العالم سريعاً وعودة المسيح ثانية إلى الأرض؛ ليدين الناس، وكان من بين نتائج هذا المعتقد أن توقف التفكير في تأليف كتابات مسيحية تسجل أخبار المسيح وتعاليمه، فتأخر لذلك تأليف الأناجيل؛ إذ لم يشرع في تأليف أقدمها - وهو إنجيل مرقس الذي لم يكن قط من تلاميذ المسيح - إلا بعد بضع عشرات من السنين، لقد كانوا يؤمنون بنهاية العالم وعودة المسيح سريعاً إلى الأرض: قبل أن يكمل رسله التبشير في مدن إسرائيل، وهي عملية لا تستغرق أكثر من عدة أشهر أو بضع سنين على أكثر تقدير..... (الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان) متى ( 10/ 23)) . - وقبل أن يموت عدد من الذين وقفوا أمامه يستمعون إلى تعاليمه ومواعظه. وهي فترة يمكن تقديرها دون خطأ يذكر في حدود خمسين عاماً على أقصى تقدير: (الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته) متى (16/28) - وهو يعود ثانية إلى الأرض قبل أن يفنى ذلك الجيل الذي عاصر المسيح، وهي فترة لا تتجاوز أقصى ما قدرناه، أي: خمسين عاماً: ....... (الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله) متى (24/24). ومعلوم أن ذلك كله لم يحدث؛ إذ لا يزال الكون قائماً، وبنو آدم يعيشون في عالمهم الدنيوي حتى يأتي أمر الله، هذا - ولما بردت الحمية التي أثارتها فكرة عودة المسيح سريعاً إلى الأرض، ظهرت الحاجة ماسة إلى تدوين الذكريات عنه وعن تعاليمه، ومن هنا كانت النواة لتأليف أسفار- ما صار يعرف فيما بعد باسم - العهد الجديد، وهي الأسفار التي لم يعترف بشرعيتها إلا على مراحل وعلى امتداد أكثر من ثلاثة قرون. إن كلمة (قانون) اليونانية مثل كلمة (قاعدة) في العربية قابلة لمعنى مجازي يراد به قاعدة للسلوك أو قاعدة للإيمان، وقد استعملت هنا للدلالة على جدول رسمي للأسفار التي تعدها الكنيسة ملزمة للحياة وللإيمان. ولم تندرج هذه الكلمة بهذا المعنى في الأدب المسيحي إلا منذ القرن الرابع، كانت السلطة العليا في أمور الدين تتمثل عند مسيحي الجيل الأول في مرجعين. أولهما: العهد القديم، وكان الكتبة المسيحيون الأولون يستشهدون بجميع أجزائه على وجه التقريب استشهادهم بوحي الله. وأما المرجع الآخر الذي نما نموًّا سريعاً، فقد أجمعوا على تسميته: الرب. ولكن العهد القديم كان يتألف وحده من نصوص مكتوبة، وأما أقوال الرب وما كان يبشر به الرسل، فقد تناقلتها ألسنة الحفاظ مدة طويلة، ولم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة كل من: تدوين أهم ما علَّمه الرسل، وتولى حفظ ما كتبوه. ويبدو أن المسيحيين حتى ما يقرب من السنة (150) م, تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر -إلا قليلاً جدًّا- إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس واستعملوها في حياتهم الكنسية، ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقاً بالكتاب المقدس، بل كانوا يَدَعُون الأحداث توجِّههم، فقد كانت الوثائق البولسية مكتوبة، في حين أن التقليد الإنجيلي كان لا يزال في معظمه متناقلاً على ألسنة الحفاظ. ولا يظهر شأن الأناجيل طوال هذه المدة ظهوراً واضحاً كما يظهر شأن رسائل بولس. أجل لم تخل مؤلفات الكتبة المسيحيين الأقدمين من شواهد مأخوذة من الأناجيل أو تلمح إليها، ولكنه يكاد أن يكون من العسير في كل مرة الجزم: هل الشواهد مأخوذة من نصوص مكتوبة كانت بين أيدي هؤلاء الكتبة، أم هل اكتفوا باستذكار أجزاء من التقليد الشفهي ؟ ومهما يكن من أمر، فليس هناك قبل السنة (140) م, أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة، ولا يذكر أن لمؤلَفٍ من تلك المؤلفات صفة ما يلزم، فلم يظهر إلا في النصف الثاني من القرن الثاني شهادات ازدادت وضوحاً على مرِّ الزمن بأن هناك مجموعة من الأناجيل، وأن بها صفة ما يلزم، وقد جرى الاعتراف بتلك الصفة على نحو تدريجي. فيمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة (170) م, بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين. لم يوضع (لم يستقر) الجدول التام للمؤلفات العائدة إلى القانون إلا على نحو تدرجي، وكلما تحقق شيء من الاتفاق، فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة (150) م, والسنة (200) م, إذ حدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني، وقد حصل شيء من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى. ولكن ما زال هناك شيء من التردد في بعض الأمور: فإلى جانب مؤلفات فيها من الوضوح الباطني ما جعل الكنيسة تتقبَّلها تقبُّلها لما لابد منه، هناك عدد كبير من المؤلفات الحائرة يذكرها بعض الآباء ذِكْرَهم لأسفار قانونية، في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة ذلك شأن: الرسالة إلى العبرانيين، ورسالة بطرس الثانية، وكل من رسالة يعقوب ويهوذا. وهناك أيضاً مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها في ذلك الوقت على أنها من الكتاب المقدس، ومن ثم جزء من القانون، لم تبق زمناً على تلك الحال، بل أخرجت آخر الأمر من القانون، ذلك ما جرى لمؤلَّف: هرماس، وعنوانه (الراعي)، وللديداكي ورسالة إكليمنضس الأولى، ورسالة برنابا، ورؤيا بطرس، وكانت الرسالة إلى العبرانيين، والرؤيا، موضوع أشد المنازعات، وقد أنكرت صحة نسبتها إلى الرسل إنكاراً شديداً مدة طويلة. ولم تقبل من جهة أخرى إلا ببطء: رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية، ورسالة يهوذا. ولا حاجة إلى أن نتتبع تتبعاً مفصلاً جميع مراحل هذا التطور الذي أدَّى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون الذي نعرفه اليوم). من خلال هذا البيان والنقل المطول عن النصارى أنفسهم في حديثهم عن كتبهم يتلخص لنا ما يلي: 1- أن الله أنزل كتاباً على المسيح سماه الإنجيل، ودعا المسيح عليه السلام الناس إلى الإيمان به، وذكره أوائل النصارى، كما ذكره بولس في رسائله. 2- أن النصارى لا يعرفون شيئاً عن مصير ذلك الإنجيل، ولا أين ذهب !!. 3- أنه كانت هناك روايات شفوية ووثيقة مشتركة متداولة كان يتناقلها الحواريون ودعاة النصارى الأوائل، ويعتقد أنها كانت المصدر الأساسي لأوجه الاتفاق بين الأناجيل. و تلك الروايات الشفوية لا يبعد أن يكون الإنجيل الأصلي من ضمنها، إلا أن النصارى لم يدوِّنوه مجموعة واحدة، كما أنهم لم يميزوه عن غيره من الروايات، مما جعله غير محدد، ولا يستطيع أحد الجزم والاعتقاد بشيء من النصوص أنها منه، وهذا تصديق قول الله عزَّ وجلَّ: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [ المائدة:14]. 4- أن المتقدمين من النصارى لم يشيروا إلى الأناجيل الأربعة، ولم يذكروها ألبته، فبولس- على كثرة رسائله- لم يذكرها في رسائله أبداً، وكذلك لم يذكرها سفر أعمال الرسل الذي ذكر دعاة النصارى الأوائل، وهذا يدلُّ على أن هذه الكتب لم تكن موجودة في ذلك الزمن، وأنها أُلِّفت وكتبت بعد ذلك. 5- أن أول من ذكر مجموعة من الكتب المدونة ذكراً صريحا هو جاستن الذي قتل عام (165) م، وهذا لا يدل صراحة على الأناجيل الأربعة نفسها، وأما أول محاولة التعريف بها ونشرها فكانت عن طريق (تاتيان) الذي جمع الأناجيل الأربعة في كتاب واحد سماه (الدياطسرن) في الفترة من (166-170) م, وهذا هو التاريخ الذي يمكن أن يعزى إليه وجود هذه الكتب، وهو تاريخ متأخر جدًّا عن وفاة من تعزى إليهم هذه الكتب؛ إذ إنهم جميعاً ماتوا قبل نهاية القرن الأول، مما يدلُّ على أنهم برءاء منها، وأنها منحولة إليهم. 6- أنه حتى بعد هذا التاريخ- وهو (170) م, إلى القرن الرابع الميلادي- لم تكن الأناجيل الأربعة وحدها هي الموجودة، بل كانت هناك أناجيل كثيرة موجودة منتشرة ربما تبلغ مائة إنجيل، ولم يكن لأيٍّ منها صفة الإلزام والقداسة، وذلك أمر تكون الأناجيل الأربعة معه عرضة للتحريف والتغيير خلال تلك الفترة أيضاً. 7- أن النصارى لا يعرفون بالضبط تاريخ إعطاء هذه الكتب صفة الإلزام والقداسة، وإنما يرون أنه خلال القرن الرابع الميلادي أخذت كتبهم صفة القداسة بشكل متدرج، يعني: رويداً رويداً. 8- أن النصارى لا يملكون السند لكتبهم، ولا يعرفون مصدرها الحقيقي، ولا تعدو أن تكون كتباً وجدوها منحولة إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم فنسبوها إليهم، واعتقدوا صحة ذلك بدون دليل، وهذا أمر لا يمكن أن يعطي النفس البشرية القناعة المناسبة لما تراد له هذه الكتب في الأصل من تجنب سخط الله وبلوغ رضوانه. 9- أننا نعجب غاية العجب من زعم النصارى: أن هذه الكتب حقيقية وصادقة، وتنقل بأمانة وإخلاص كلام المسيح، وتروي أخباره. كيف تجرؤوا على مثل هذا الكلام، وكيف قبله أتباعهم مع أنهم لا يملكون الدليل على ذلك، وكل دعوى عريت عن الدليل فهي باطلة. قال الله عزَّ وجلَّ: قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ [الأنعام:148]. وكل من تحدث في دين الله بلا علم فهو ضال مضل، قال عزَّ وجلَّ: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ [الحج:3]. وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:8-9]. ولأن دعاويهم عارية عن الدليل فهي نابعة من الهوى، فلهذا سمى الله عز وجل ما عند اليهود والنصارى من دين أهواء في قوله عزَّ وجلَّ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [ البقرة:120]. ولكن ذلك العجب يذهب، وتلك الدهشة تزول إذا علمنا أن للآباء والكبراء والسادة من أهل الضلالة الذين يسعون إلى المحافظة على مكاسبهم الدنيوية الدور الأكبر في إضلال العوام والدهماء الذين لا يستخدمون ما وهبهم الله من عقل وسمع وإدراك، وإنما يتابعون وينقادون انقياد الأعمى، وفي هذا يقول الله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى ما أنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة:104]. وقال عزَّ وجلَّ: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:66- 68]. والواجب على الإنسان أن لا يخضع للتقليد فيما تتعلق به نجاته وسعادته أو هلاكه وشقاوته، بل يتحقق من الأمر، ويتأكد من صحته، ويسأل الله الهداية والتسديد والرشد إلى أن يصل إلى الحق والنور الذي لن يخطئه بإذن الله تعالى إذا أخلص الطلب، واجتهد في الدعاء، وتحرَّر من الأهواء والتقليد والعصبية .
المطلب الثاني: تاريخ الأناجيل الأربعة تفصيلاً: • أولاً: إنجيل متى:. • ثانياً: إنجيل مرقص:. • ثالثاً: إنجيل لوقا:. • رابعاً: إنجيل يوحنا:.
أولاً: إنجيل متى:
يصدر النصارى كتابهم المقدس بهذا الإنجيل، فهو أول كتبهم في الترتيب، وهو أطولها؛ إذ يحوي ثمانية وعشرين إصحاحاً. ويزعم النصارى أن (متى) الذي ينسب الكتاب إليه هو أحد الحواريين، وكان قبل اتباعه للمسيح عشاراً (جابي ضرائب). إلا أن النصارى لم يستطيعوا أن يبرزوا لنا دليلاً يُعتمد عليه في صحة نسبة هذا الكتاب إلى (متى)، وأقدم من يعتمدون على قوله في نسبة الكتاب إلى (متى) أحد كتابهم، ويسمى (يوسابيوس القيصري) في كتابه (تاريخ الكنيسة) حيث نقل عن أسقف كان لهيرا بوليس سنة (130) م, يدعى (بابياس)، أنه قال: (إن متى كتب الأقوال باللغة العبرانية). وهذا القول ولدى جميع العقلاء لا يمكن أن يعتمد عليه في إثبات صحة نسبة الكتاب إلى (متى) الذي يزعمون أنه حواري. وذلك لأن (بابياس) المذكور هنا لم يكن سمع تلك التعاليم وتلك الكتب من أصحابها، بل كان يسمعها بواسطة، حيث يقول عن نفسه فيما ذكر عنه (يوسابيوس): (وكلما أتى واحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم؛ لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيد بقدر ما يصل من الصوت الحي). فهو هنا لا يتحرى في النقل، ومما لاشك فيه أن أولئك الوسائط لابد أن تثبت عدالتهم، وإلا فلا يعتد بما يروونه ويقولونه. كما أن (يوسابيوس القيصري) قد طعن في بابياس نفسه حيث قال عن رواياته: (ويُدوِّنُ نفس الكاتب روايات أخرى يقول: إنها وصلته من التقليد غير المكتوب. وأمثالاً وتعاليم غريبة للمخلص وأموراً خرافية...). ثم قال عنه وعن آرائه: (وأظن أنه وصل إلى هذه الآراء بسبب إساءة فهمه للكتابات الرسولية، غير مدرك أن أقوالهم كانت مجازية؛ إذ يبدو أنه كان محدود الإدراك جدًّا كما يتبين من أبحاثه، وإليه يرجع السبب في أن كثيرين من آباء الكنيسة من بعده اعتنقوا نفس الآراء مستندين في ذلك على أقدمية الزمن الذي عاش فيه). فهذه طريقة (بابياس) في النقل حيث ينقل عن كل من اتبع المشايخ بدون تحر لمقدرة التلميذ على الحفظ والضبط للروايات والعدالة وما إلى ذلك من شروط صحة الخبر، كما أن (بابياس) نفسه ضعيف التمييز بين الأقوال محدود الإدراك جدًّا. فكيف تعتبر أقوال من هذه حاله في أخطر قضية، وهي الشهادة لكتاب بأنه كلام رب العالمين ؟ كما أن في المقابل هناك عدة أدلة تدل على عدم صحة نسبة الإنجيل إلى (متى) الذي يزعمون أنه حواري وهي: 1- أن النصارى لم ينقلوا الإنجيل بالسند، وقول (بابياس) السابق لم يعين فيه من هو (متى)، هل هو الحواري أم رجل آخر ؟ كما أنه لم يعين الكتاب بل قال: (الأقوال). وأيضاً فقد ذكر أمراً آخر يختلف تماماً عما عليه إنجيل متى الموجود، وهو أنه قال: إنه كتبه باللغة العبرانية، مع أن النصارى يجمعون على أن:الكتاب لم يعرفوه إلا باللغة اليونانية، ولا يعرفون للكتاب نسخة عبرانية، بل الكثير منهم يرى أن: الكتاب يظهر من لغته أنه أول ما كتب إنما كتب باللغة اليونانية، وليس العبرانية، فهذا يدل على أن قول (بابياس) لا ينطبق على إنجيل متى الموجود بين يدي النصارى. كما أن هناك استفساراً آخر في حالة أن يكون الإنجيل مترجماً من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية، وهو: من هو مترجمه ؟ وهذا أمر مهم؛ لأنه ما لم يعلم دين المترجم، وصدقه، وضبطه، وقوة معرفته باللغتين لا يمكن أن يعتمد على ترجمته. 2- إن الدارسين لهذا الكتاب والباحثين من النصارى وغيرهم يرون أن كاتب هذا الإنجيل اعتمد كثيراً على إنجيل مرقص، ومرقص في كلام النصارى تلميذ بطرس، فهل من المعقول أن يعتمد أحد كبار الحواريين في زعمهم على تلميذ من تلاميذهم في الأمور التي هم شاهدوها وعاينوها وعايشوا أحداثها ؟ هذا يدل على أن كاتبه غير (متى) الذي يزعمون أنه حواري، وأن دعوى النصارى أن كاتب الإنجيل هو متى الحواري دعوى عارية عن الدليل، وهي من باب الظن والتخمين الذي لا يغني من الحق شيئاً.
ثانياً: إنجيل مرقص:
هذا الإنجيل الثاني في ترتيب الأناجيل لدى النصارى، وهو أقصرها؛ إذ إنه يحوي ستة عشر إصحاحاً فقط. أما كاتب الإنجيل فهو في زعم النصارى رجل من أتباع الحواريين، والمعلومات عنه قليلة جدًّا وغامضة، ولا تتضح شخصيته وضوحاً يُطمئن النفس؛ إذ إن كل ما ورد عنه الإشارة إلى أن اسمه يوحنا، ويلقب مرقص، وأنه صاحَبَ بولس وبرنابا في دعوتهما، ثم افترق عنهما، ثم ذكر بولس في رسائله اسم مرقص ذكراً مقتضباً لا يعطي غناء في التعريف به، وورد ذكر اسمه مع بطرس حيث يقول عنه: (تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقص ابني). فهذه المعلومات يفهم منها أن الرجل مجهول؛ إذ إنها لم تعط تعريفاً بدينه، وعلمه، وأمانته، ونحو ذلك مما يجب توافر معرفته فيمن يكون واسطة لكتاب مقدس. أما الكتاب وهو الإنجيل: فأقدم المعلومات التي عزته إلى من يسمَّى مرقص ما نقله (يوسابيوس) في تاريخـه الكنسي عن بابياس حيث قال: (ولقد قال الشيخ أيضاً: إن مرقص الذي صار مفسراً لبطرس قد كتب بكل دقة كل ما تذَكَّره من أقوال وأعمال الرب، ولكن ليس بالترتيب؛ لأنه لم يسمع الرب ولم يتبعه، ولكن كما قلت قبلاً عن بطرس الذي ذكر من تعاليم السيد ما يوافق حاجة السامعين، بدون أن يهدف إلى كتابة كل ما قاله الرب وعمله، وهكذا فصل مرقص أنه لم يعمل خطأً واحداً في كل ما ذكره وكتبه..). هذه أقدم شهادة لدى النصارى عن الكتاب والكاتب، فهي شهادة مطعون فيه، لمجهول الحال- وهو مرقص- عن أمر مجمل، حيث ذكر أنه كتب ما تذكر، ولم يفصل في المكتوب ما هو!! فهل تكفي هذه الشهادة في إثبات صحة الكتاب !!، لاشك أنها لا تكفي؛ فإن مثل هذه الأدلة والشواهد لو قدِّمت لدى قاض في قضية لم يقبلها ولم يحكم وفقها.
ثالثاً: إنجيل لوقا:
هذا الإنجيل الثالث في ترتيب النصارى لكتابهم، ويحوي أربعة وعشرين إصحاحاً. وكاتب الإنجيل في زعم النصارى هو أحد الوثنيين الذين آمنوا بالمسيح بعد رفعه، وكان رفيقاً لبولس (شاؤول اليهودي) حيث ذكره بولس في ثلاثة مواضع من رسائله، واصفاً إياه بأنه رفيقه. ولا يوجد لدى النصارى معلومات عنه سوى أنه أممي رافق بولس في بعض تنقلاته، حيث ورد اسمه في تلك الرحلات. فهو بذلك يعتبر شخصية مجهولة وغير معروفة ولا متميزة بعدالة وديانة، ومع هذا أيضاً لا يوجد لدى النصارى دليل يعتمد عليه في صحة نسبة الكتاب إليه. ولندرة المعلومات التي توثق نسبة الكتاب إلى لوقا المذكور يستشهد النصارى بكلام مجهول، حيث يقول القس (فهيم عزيز) في كتابه (المدخل إلى العهد الجديد) في استدلاله على صحة نسبة الكتاب إلى لوقا ما يلي: (هناك مقدمة كتبت لإنجيل لوقا فيما بين (160-180), اسمها (ضد مارسيون) فيها يقول الكاتب عن لوقا: إنه من أنطاكية في سوريا، مهنته طبيب، وكان أعزب بدون زوجة، مات وهو في سن (84) في بواتييه ممتلئاً بروح القدس، وقد كتب إنجيله كله في المناطق التي تحيط بأخائيه؛ لكي يفسر للأمم القصة الصحيحة للعهد الجديد الإلهي..) ثم قال صاحب الكتاب معلقاً: (هذه مقتطقات عن هذه الشهادة التي لا يعرف كاتبها، وقد قبلها كثير من العلماء؛ لأنهم لم يجدوا من أتباع مارسيون من يكذبها، مما يدل على أنها تقليد كنسي قوي). بمثل هذه الشهادة المجهولة يثبت النصارى صحة كتابهم إلى ذلك الرجل المجهول لوقا، وهي لاشك شهادة لا قيمة لها ولا تفيد شيئاً، ويدل استدلالهم بها على أنهم لا يملكون أدلة على صحة نسبة الكتاب إلى من يسمونه (لوقا)، وذلك يبين لنا أن النصارى حين زعموا أن إنجيل لوقا كتاب صحيح وصادق، فإن ذلك مجرد دعوى بدون بينة.
رابعاً: إنجيل يوحنا:
هذا الإنجيل الرابع في ترتيب العهد الجديد، وهو إنجيل متميز عن الأناجيل الثلاثة قبله؛ إذ تلك متشابهة إلى حد كبير، أما هذا فإنه يختلف عنها؛ لأنه ركَّز على قضية واحدة، وهي إبراز دعوى ألوهية المسيح وبنوته لله- تعالى الله عن قولهم - بنظرة فلسفية لا تخفى على الناظر في الكتاب، لهذا يعتبر هو الكتاب الوحيد من بين الأناجيل الأربعة الذي صرَّح بهذا الأمر تصريحاً واضحاً. وإذا بحثنا في صحة نسبة الكتاب إلى يوحنا الذي يزعم النصارى أن الكتاب من تصنيفه نجده أقل كتبهم نصيباً من الصحة؛ لعدة أدلة أبرزها منكروا نسبة الكتاب إلى يوحنا الحواري وهي: 1- أن بوليكاربوس الذي يقال: إنه كان تلميذاً ليوحنا. لم يشر إلى هذا الإنجيل عن شيخه يوحنا، مما يدلُّ على أنه لا يعرفه، وأن نسبته إلى شيخه غير صحيحة. 2- أن الكتاب مملوء بالمصطلحات الفلسفية اليونانية التي تدلُّ على أن لكاتبه إلماماً بالفلسفة اليونانية، أما يوحنا فكما يذكر النصارى فقد كان يمتهن الصيد، مما يدلُّ على أنه بعيد عن الفلسفة ومصطلحاتها. 3- أن النصارى الأوائل لم ينسبوا هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري المزعوم، وأن (يوسابيوس) الذي كان يسأل (بابياس) عن هذه الأمور يقول: (الواضح أن بابياس يذكر اثنين اسمهما يوحنا: الأول: الرسول وقد مات، والثاني: الشيخ وهو حيٌّ. ويلوح أنه هو الذي كتب الإنجيل). فلهذا يقول القس (فهيم عزيز) بناء على ذلك: (إن الكنيسة كانت بطيئه في قبولها لهذا الإنجيل). وبناءً على ذلك فمنذ نهاية القرن التاسع عشر ظهر الاعتراض على نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا بشكل واسع، ووصفته (دائرة المعارف الفرنسية) بأنه إنجيل مزور، وهذه الدائرة اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى، ونص كلامهم: (أما أنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولاشك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض، وهما القديسان يوحنا ومتى، وقد ادَّعى هذا الكاتب المزور في متن الكتاب أنه الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصًّا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهودهم ليربطوا- ولو بأوهى رابطة- ذلك الرجل الفلسفي الذي ألَّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى). نقول مع هذه الاعتراضات، ومع عدم وجود أدلة تثبت صحة نسبته إلى يوحنا الحواري المزعوم، فلا يجوز لعاقل أن يدعي صحة نسبته إلى يوحنا، فضلاً عن أن يزعم أنه كتاب مقدس موحى به من الله، فهذا فيـه افتراء عظيم علـى الله عزَّ وجلَّ، وإضلال لعباد الله بالباطل. بعد هذا كله يتضح للناظر اللبيب أن النصارى- وكذلك اليهود من قبلهم- لا يملكون مستنداً صحيحاً لكتبهم يثبت صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، وإن من المعلوم أن أي إنسان أراد أن يقاضي إنساناً آخر لدى محكمة فلا يمكن أن تنظر المحكمة في دعواه ما لم يقدم من الإثباتات الصحيحة ما يصح اعتباره دليلاً، والنصارى لم يقدِّموا لأنفسهم ولا لأهل ملتهم من المستندات والأدلة شيئاً يثبتون به صحة كتبهم، بل لا يعرفون طريقاً إلى شيء من المستندات الصحيحة، يقول الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه العظيم (إظهار الحق): (ولذلك طلبنا مراراً من علمائهم الفحول السند المتصل، فما قدروا عليه، واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على النصارى إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة). وفي هذا كفاية ودلالة على أن تلك الكتب التي تُسمَّى الأناجيل كتب لا يملك أصحابها أي مستند يمكن الاعتماد عليه في صحة نسبتها إلى من ينسبونها إليه، فضلاً عن أن يصحَّ نسبتها إلى المسيح عليه السلام أو إلى الله عزَّ وجلَّ . المطلب الثالث: الأناجيل الأربعة متناً:
إن الكتب المقدسة كتب معصومة عن الخطأ، محفوظة من الخلل والزلل؛ لأن المفترض فيها أن تكون من قبل رب العالمين الذي يعلم السرَّ وأخفى، وهو الحق لا يصدر منه إلا الحق جلَّ وعلا. والنصارى يسندون كتبهم إلى الله عزَّ وجلَّ عن طريق الإلهام إلى كتَّابها، والدارس لهذه الكتب يستطيع أن يتبين صدق هذه الدعوى من كذبها؛ إذ إن الحقَّ لا خفاء فيه. وقد سبق أن ذكرنا نبذة عن هذه الكتب من ناحية السند، حيث تبين أن النصارى لا يوجد عندهم دليل يثبت صحة نسبة كتبهم إلى أولئك الناس الذين نُسبت إليهم، فعليه لا يمكن اعتبارها كتباً صحيحة، ولا يجوز لعاقل أن ينسبها إلى أولئك الرجال، فضلاً عن أن ينسبها إلى الله عزَّ وجلَّ. ومما يؤكد عدم صحتها الاختلافات الكثيرة بينها، وكذلك الأغلاط العديدة فيها، وسنضرب لذلك أمثلة: أولا: الاختلافات: إذا قارنا بين الأناجيل الأربعة نجد بينها اختلافات جوهرية تدل على خطأ كُتَّابها، وأنهم غير معصومين ولا ملهمين، وأن الله عزَّ وجلَّ بريء منها، ورسوله عيسى عليه السلام، ومن الأمثلة على ذلك: 1- نسب المسيح عليه السلام: إن مما يدهش له الإنسان أشدَّ الدهش أن النصارى لم يستطيعوا أن يضبطوا نسب المسيح عليه السلام، ولم يتفقوا عليه، فأعطاه كلٌّ من صاحب إنجيل متى وصاحب إنجيل لوقا نسباً مختلفاً عن الآخر، وإليك جدولاً بذلك يوضح الفرق بينهما:
إنجيل لوقا إنجيل متى
المسيح ابن المسيح ابن
1ـ يوسف 15ـ شمعي 29ـ اليعازر 1ـ يوسف 15ـ آمون
2ـ هالي 16ـ يوسف 30 ـ يوريم 2ـ يعقوب 16ـ منسى
3ـ متثاب 17ـ يهوذا 31ـ متثات 3ـ متان 17ـ حزقيا
4ـ لاوي 18ـ يوحنا 32ـ لاوي 4ـ اليعازر 18ـ أحاز
5ـ ملكي 19ـ ريسا 33- شمعون 5ـ أليود 19ـ يوثام
6ـ ينا 20- زربايل 34- يهوذا 6ـ أخيم 20ـ عزيا
7- يوسف 21ـ شألتئيل 35 ـ يوسف 7ـ صادوق 21ـ يورام
8ـ متاثيا 22ـ نيري 36ـ يونان 8ـ عازور 22ـ يهوشافاط
9ـ عاموص ـ 23 ـ ملكي 37ـ مليا 9ـ الياقيم 23ـ أسا
10ـ ناحوم 24ـ أدى 38ـ مليا 10ـ ابيهود 24ـ أبيا
11ـ حسلي 25ـ قصم 39 ـ مينان 11ـ زربابل 25ـ حبعام
12ـ نجاي 26ـ ألمودام 40 ـ متاثا 12ـ شألتئيل 26ـ سليمان
13ـ مآث 27ـ عير 41ـ تاثان 13 ـ يكنيا 27ـ داود
14ـ متاثيا 28ـ يوسى 42ـ داود 14ـ يوشيا
ففي هذا النسب فوارق وأغلاط عدة هي: 1- أن متى نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب، وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود عليهما السلام. أما لوقا فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام. 2- أن متى جعل آباء المسيح إلى داود عليه السلام سبعة وعشرين أباً، أما لوقا فجعلهم اثنين وأربعين أباً، وهذا فرق كبير بينهما يدل على خطئهما أو خطأ أحدهما قطعاً. والنصارى يدَّعون أن أحد الإنجيلين كتب فيه نسب مريم، والآخر كتب فيه نسب يوسف، وهذا كلام باطل؛ إذ إن صاحب إنجيل متى (1/16) يقول: (يعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح). أما أنجيل لوقا (3/23) فيقول: (ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي). فكلاهما صرح بنسب يوسف. أما الأغلاط في هذا النسب فعديدة منها: 1- أن نسبة المسيح عليه السلام إلى يوسف خطيب مريم في زعمهم خطأ فاحش، وفيه تصديق لطعن اليهود في مريم أم المسيح عليه السلام، وكان الواجب على النصارى أن ينسبوه إلى أمه مريم لا إلى رجل أجنبي عنه. خاصة وأن ولادته منها كانت معجزة عظيمة وآية باهرة، فنسبته إليها فيه إظهار لهذه المعجزة، وتأكيد لها وإعلان، أما نسبته إلى رجل وليس هو أبوه فيه إخفاء لهذه المعجزة واستحياء. والله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم صرَّح في مواطن عدة بنسبته إلى مريم الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17 ، 72، 75]. عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ[آل عمران: 45], [النساء: 157، 171]. 2- أن صاحب إنجيل متَّى أسقط أربعة آباء من سلسلة النسب: ثلاثة منهم على التوالي بين (عزيا ويورام) حيث النسب كما هو في أخبار الأيام الأول (3/11-13) (عزريا بن أمصيا بن يواش بن أخزيا بن يورام)، كما أسقط واحداً بين (يكنيا ويوشيا) وهو (يهو ياقيم) وسبب إسقاط اسم يهوياقيم بين يوشيا ويكنيا هو أن (يهوياقيم) هذا مَلَكَ دولة يهوذا بعد أبيه، إلا أنه كان عابدا للأوثان فكتب له (إرميا) يحذره من قبيح صنعه، ويبين له مغبة أفعاله، فأحرق (يهوياقيم) الكتاب ولم يرجع عن غيه، فقال عنه إرميا حسب كلامهم: (لذلك هكذا قال الرب عن يهوياقيم مَلِكِ يهوذا لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً) سفر إرميا(36/30). ومعنى هذا الكلام أنه لا يكون من نسله ملك، فأسقطه (متى) لهذا السبب، وعلل صاحب تفسير العهد الجديد ذلك التصرف بأن (متى) أراد أن يجعل كل مجموعه من النسب تحوي أربعة عشر اسماً. ونقول: إذا كانت هذه العلة التي لا معنى لها من أجلها حذف أربعة آباء من نسب المسيح، فذلك يعني أن الكاتب قد كتبه لخدمة أهداف في نفسه، وأنه لا يكتب ما علم وسمع مجرداً من الهوى والآراء الخاصة، ومن هنا يمكن أن ندرك كيفية تعامل النصارى الأوائل مع المعلومات الواردة إليهم، وأنهم يصوغونها وفق ما يرون ويعتقدون، لا وفق الحق مجرداً عن الهوى والآراء الخاصة. ولنا أن نبحث هنا عن السبب في هذا الخطأ الفاحش والاختلاف في نسب المسيح عليه السلام، فنقول: إن سبب خطأ النصارى في نسب المسيح عليه السلام أنهم نسبوه إلى رجل مغمور غير مشهور هو (يوسف النجار) خطيب مريم في زعمهم، فلهذا أخطؤوا في نسبه، فأعطاه (متَّى) نسباً ملوكيًّا، وأعطـاه (لوقا) نسباً آخـر غير معروف ولا معلوم. ولكن لماذا أعرض كُتَّاب النصارى عن مريم، ولم يعطوه نسبها، فيجعلونه كما هو الحق عيسى بن مريم بنت عمران ؟. السبب في هذا ظاهر وهو: أن مريم بنت عمران امرأة عابدة مشهورة، تربَّت في بيت النبي زكريَّا عليه السلام، الذي كان من نسل هارون عليه السلام حيث كان كاهن بيت المقدس والمسؤول عن البخور عندهم هو زوج (أليصابات) خالة مريم، وهي من نسل هارون عليه السلام أيضاً، فتكون مريم من السبط نفسه، وهو سبط لاوي بن يعقوب عليه السلام، وذلك أن تشريع اليهود يأمرهم أن تتزوج المرأة من سبطها، ولا تتزوج من سبط آخر حتى تستمر الأموال في نفس السبط، ولا تنتقل إلى أسباط أخرى بواسطة الميراث. فلهذا تكون مريم من سبط زكريا عليه السلام وزوجته، وكذلك خطيبها المزعوم إن صحَّ كلامهم في ذلك يكون من السبط نفسه، وهو سبط لاوي الذي منه هارون عليه السلام، ومما يدلُّ على أن مريم من سبط هارون قول الله عزَّ وجلَّ: يَا أُخْتَ هَارُونَ [مريم:28]. قال السدي: قيل لها: يَا أُخْتَ هَارُونَ . أي: أخي موسى؛ لأنها من نسله كما يقال للتميمي: يا أخا تميم. وللمضري: يا أخا مضر. وهذا الأمر فيما يبدو علمه كتَّاب الأناجيل فأزعجهم إزعاجاً شديداً؛ لأنهم يظنون أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام فأعطوه ذلك النسب المخترع إلى داود عليه السلام، وذلك حتى ينطبق عليه ما يزعمه اليهود، وهو أن المسيح لابد أن يكون من نسل داود عليه السلام حتى يكون مسيحاً. والله أعلم. 3- ذكر إنجيل متَّى (11/13) من كلام المسيح عن يوحنا المعمدان (يحيى عليه السلام ) قوله: (لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبؤوا، وإن أردتم أن تقبلوا فهذا إيليا المزمع أن يأتي من له أذنان للسمع فليسمع). وورد في إنجيل متَّى أيضاً (17/1) أنهم سألوا المسيح عليه السلام فقال: (وسأله تلاميذه قائلين: فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم: إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء، ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضا سوف يتألم منهم، حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان). فالمسيح هنا يبين أن يحيى عليه السلام هو إيليا. ويخالف هذا قول يوحنا في إنجيله (1/19) حين جاء اليهود يسألون يحيى عن نفسه حيث قال: (أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت، فاعترف ولم ينكر وأقر أني لست أنا المسيح، فسألوه من أنت، إيليا أنت ؟ فقال: لست أنا. النبي أنت ؟ فأجاب لا. فقالوا له: من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا ؟ ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: أنا صوت صارخ في البرية قَوِّمُوا طريق الرب كما قال إشعيا النبي). فهنا أنكر يحيى عليه السلام أن يكون هو إيليا، وهذا تناقض واضح. 4- أن متى ذكر في إنجيله (20/29-34) أن عيسى عليه السلام لما خرج من أريحا قابله أعميان فطلبا منه أن يشفيهما من العمى فلمس عيونهما فشفيا. وقد ذكر هذه القصة مرقص في (10/46-52) وبين أن بارينماوس الأعمى ابن نيماوس هو الذي طلب ذلك فقط. 5- أن مرقص ذكر في (6/8) أن عيسى عليه السلام أوصى حوارييه حين أرسلهم للدعوة في القرى بأن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط لا مزوداً، ولا خبزاً، ولا نحاساً، وذكر ذلك لوقا في (9/3) إلا أنه قال: إن عيسى عليه السلام أوصاهم وقال لهم: (لا تحملوا شيئاً للطريق لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً ولا فضة) ففي الأول أجاز لهم حمل العصا، والثاني نهاهم عن حمل العصا أيضاً. 6- أن إنجيل متى ذكر فيه في (15/21) أن المرأة التي طلبت من المسيح شفاء ابنتها كانت كنعانية. وذكر القصة مرقص في إنجيله (7/24) ونص عبارته عن جنس المرأة: (وكانت المرأة أممية وفي جنسها فينيقية سورية). 7- أن إنجيل متى ذكر أسماء تلاميذ عيسى الاثني عشر فقال (10/2): (وأما أسماء الاثني عشر رسولاً فهي هذه: الأول سمعان الذي يقال له: بطرس، وإندراوس أخوه، يعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه، فيلبس، وبرثولماوس، توما، ومتى العشار، يعقوب بن حلفى، ولباوس الملقب تداوس، سمعان القانوني، ويهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه). وذكر مرقص في(3/16) الأسماء فوافق فيها متى، وخالفهما لوقا حيث حذف من قائمة متى (لباوس الملقب تداوس) ووضع بدلاً عنه (يهوذا أخا يعقوب). 8- اختلافهم في الذين حضروا لمشاهدة قبر المسيح بعد دفنه المزعوم ووقت ذلك، حيث يقول متى (28/1): (وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية، ومريم أخرى لتنظرا القبر). وفي إنجيل مرقص (16/1) يقول: (وبعد ما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جدًّا في أول الأسبوع أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس). وفي إنجيل لوقا (24/1) يقول: ( ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس) وفي إنجيل يوحنا (20/1) يقول: ( وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر). فهذه الاختلافات وغيرها كثير- ذكرها علماء الإسلام وغيرهم- تدلُّ دلالة واضحة على أن في الكتاب صنعة بشرية، وتحريف وتبديل .
المطلب الرابع: الأغلاط في الأناجيل:
كما بين الأناجيل اختلافات يوجد بها أغلاط وأخطاء كثيرة أيضاً، نذكر منها: 1- قال متَّى في إنجيله (1/3) مستدلًّا للمسيح وولادته من مريم بنبوءة سابقة جاءت على لسان إشعيا: (وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه (عمانوئيل) الذي تفسيره الله معنا). وهذا غلط؛ لأن هذا اللفظ الذي ورد على لسان إشعياء لا ينطبق على المسيح، فإن له قصة تدل على المراد به، وهي: أن (رصين) ملك أرام، (وفقح بن رمليا) ملك إسرائيل، اتفقا على محاربة (آحاز بن يوثان )ملك يهوذا، فخاف منهما (آحاز)خوفاً شديداً، فأوحى الله إلى النبي إشعياء أن يقول لآحاز: بأن لا يخاف؛ لأنهما لا يستطيعان أن يفعلا به ما أرادا وأن ملكهما سيزول أيضاً، وبين له إشعياء آية لخراب ملكهما وزواله، أن امرأة شابة تحبل وتلد ابناً يسمى (عما نوئيل)، فتصبح أرض هذين الملكين خراباً قبل أن يميز ذلك الابن بين الخير والشر، ونص كلامه: (ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه (عمانوئيل) زبداً وعسلاً يأكل، متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير؛ لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير تخلى الأرض التي أنت خاش من ملكيها) سفر إشعياء (7/14). وقد وقع ذلك فقد استولى (تغلث فلاسر) الثاني ملك آشور على بلاد سوريا، وقتل (رصين) ملكها، أما (فقح) فقتله في نفس السنة أحد أقربائه، وتولَّى الملك مكانه، كل ذلك حدث بعد هذه المقولة بما يقارب إحدى وعشرين سنة، أي: قبل ميلاد المسيح بما يقارب سبعة قرون. 2- قال متى في إنجيله (27/51) بعد الصلب المزعوم للمسيح وإسلامه الروح: (وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تفتقت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين). فهذه الحكاية التي ذكرها متَّى لم يذكرها غيره من كتَّاب الأناجيل مما يدلُّ على أن كلامه لا حقيقة له؛ لأنها آية عظيمة تتوافر الهمم على نقلها. 3- أنه ورد في إنجيل متَّى (12/40) وكذلك في (16/4) أن المسيح قال: (إنه لن يعطي لليهود آية إلا آية يونان (يونس عليه السلام ). ونصه: (لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال). وهذا غلط؛ لأن المسيح عليه السلام في زعمهم صلب ضحى يوم الجمعة، ومات بعد ست ساعات، أي: وقت العصر، ودفن قبيل غروب الشمس، وبقى في قبره تلك الليلة، ونهار السبت من الغد، وليلة الأحد، وفي صباح الأحد جاؤوا ولم يجدوه في قبره، مما يدل على أنه مكث في زعمهم ليلتين ويوماً واحداً فقط، فيكون كلام متَّى السابق غلط واضح. 4- أن متَّى ذكر في مواضع من كتابه أن القيامة ستقوم على ذلك الجيل، ومن ذلك قوله في (16/27) على لسان المسيح: (فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته). كما ورد في الإنجيل نفسه (3/23) قولهم على لسان المسيح: (فإن الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان). فهذه النصوص تؤكد القيامة قبل موت الكثيرين من ذلك الجيل، وقبل أن يكمل الحواريون الدعوة في جميع مدن بني إسرائيل، وهذا أمر لم يتحقق، ......... 5- جاء في إنجيل لوقا (1/30) في البشارة بالمسيح قوله: (ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية). وهـذا خطأ بيِّن؛ لأن المسيح عليه السلام لم يكن ملكاً لليهـود، ولا ملكـاً على آل يعقوب، بل كان أكثرهم معادين له إلى أن رفع إلى السماء بسبب محاولتهم قتله. 6- ورد في إنجيل مرقس (11/23): ( فأجاب يسوع وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله؛ لأن الحق أقول لكم: إن من قال لهذا الجبل: انتقل وانطرح في البحر. ولا يشك في قلبه، بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له، لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم). وورد أيضا في إنجيل مرقس (16/17): (وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي، ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون ). وفي إنجيل يوحنا (14/12): ( الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها؛ لأني ماض إلى أبي، ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله). فهذه النصوص الثلاثة لاشك في أنها خطأ، فلا يستطيع النصارى أن يدعو ذلك لأنفسهم. كما أن عبارة إنجيل يوحنا فيها مغالات شديدة، حيث زعم أن من آمن بالمسيح يعمل أعظم من أعمال المسيح نفسه، وهذا من الترهات الفارغة. وبمجموع ما ذكر عن الأناجيل من ناحية تاريخها، ومتنها يتبين لنا أن هذه الكتب لا يمكن أن تكون هي الكتاب الذي أنزل الله عزَّ وجلَّ على عبده ورسوله المسيح عليه السلام، وأحسن أحوالها أن تكون متضمنة لبعض ما أنزل الله عزَّ وجلَّ على عيسى عليه السلام
المطلب الخامس: إنجيل برنابا:
إنجيل برنابا لا يعتبر من الأناجيل القانونية لدى النصارى، ولا يعترفون به، ولأهمية ما يحتويه من معلومات، ولما بينه وبين الأناجيل الأربعة من تشابه في التعريف بالمسيح عليه السلام ودعوته نُعرِّف به هنا في نقاط مختصرة. أ- التعريف بـ (برنابا): برنابا: اسمه (يوسف) ويلقب ابن الوعظ، وهو لاوي قبرصي الجنسية، وهو خال (مرقس) صاحب الإنجيل فيما يقال، وكان من دعاة النصرانية الأوائل، ويظهر من إنجيله أن له مكانة لدى المسيح عليه السلام، والنصارى يرون أنه من الدعاة الذين لهم أثر ونشاط ظاهر، وكان من أعماله البارزه أنه باع حقله وأتى بقيمته من النقود ووضعها تحت تصرف الدعاة، وحين ادَّعى بولس (شاؤول اليهودي) الدخول في دين المسيح عليه السلام خاف منه الحواريون لما يعلمون من سابق عداوته، فشفع له برنابا عندهم فقبلوه ضمن جماعتهم، ثم اختلف معه بعد فترة من العمل في الدعوة سويا وانفصلا. ب- التعريف بإنجيله: أقدم خبر عن إنجيل برنابا كان قريباً من عام (492) م، وذلك حين أصدر البابا (جلاسيوس) الأول أمراً يحرم فيه مطالعة عدد من الكتب، كان منها كتاب يسمَّى (إنجيل برنابا) وهذا كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يظهر له خبر بعد ذلك إلا في أواخر القرن السادس عشر الميلادي حيث عثر أحد الرهبان اللاتينيين وهو (فرامرينو) على رسائل (لإريانوس) يندد فيها ببولس، وأسند (إريانوس) تنديده هذا إلى إنجيل برنابا. فحرص هذا الراهب على الاطِّلاع على هذا الإنجيل. واتفق أنه أصبح مقرباً للبابا (سكتس) الخامس، ودخل معه يوماً إلى مكتبته فأخذت البابا غفوة نام فيها، فأخذ (فرامرينو) يطالع في مكتبته رغبة في قطع الوقت، فوقعت يده على هذا الكتاب فوضعه في ثوبه وأخفاه، ثم استأذن بعد أن أفاق البابا، وخرج فطالع الكتاب بشغف شديد، ثم أسلم على إثر ذلك - بيَّن هذه المعلومات المستشرق سايل في مقدمة ترجمته للقرآن الكريم- ثم في أوائل القرن الثامن عشر عام (1709) م, عثر (كريمر) أحد مستشاري ملك بروسيا على نسخة لإنجيل برنابا باللغة الايطالية، عند أحد وجهاء مدينة أمستردام- حيث كان يقيم وقتئذ - وأهداها (كريمر) إلى الأمير (إيوجين سافوي) لولعه بالعلوم والآثار التاريخية، ثم انتقلت تلك النسخة فيما بعد- وذلك عام (1738) م- مع جميع مكتبة ذلك الأمير إلى مكتبة البلاط الملكي في فينا، حيث هي موجودة الآن، ثم ترجمت إلى الإنجليزية، وعنها إلى العربية من قبل الدكتور خليل سعادة، وهو لبناني نصراني. وكان يوجد لهذا الكتاب نسخة أخرى بالإسبانية، يظن أنها منقولة عن الإيطالية عُثِرَ عليها في أوائل القرن الثامن عشر أيضاً، وكانت عند رجل يدعى الدكتور (هلم) أهداها إلى المستشرق (سايل)، ثم دفعها هذا بدوره إلى الدكتور (منكهوس) الذي ترجمها إلى الإنجليزية، ودفعها مع ترجمتها عام (1784) م, إلى الدكتور (هويت) أحد مشاهير الأساتذة في إكسفورد ببريطانيا، وعنده اختفت تلك النسخة مع ترجمتها. وقد أورد الدكتور (هويت) مقتطفات عديدة منها في دروسه، وقد اطَّلع على تلك المقتطفات خليل سعادة، مترجم كتاب إنجيل برنابا إلى العربية. وحين ظهر هذا الإنجيل أحدث دويًّا في الأوساط النصرانية لما فيه من المعلومات المضادة لعقائدهم، فحاولوا دفعه بوسائل كثيرة، ومما زعموه: أنه تأليف عربي مسلم، أو يهودي أندلسي تنصر ثم أسلم- وهذا في الواقع من التخرصات، ويدلُّ على بطلان تلك الدعاوى أمور منها: 1- لماذا يؤلف رجل أسلم كتاباً للنصارى، ويفتري الكذب وهو قد دخل في الإسلام. 2-أن في الكتاب معلومات غير موجودة في كتب اليهود والنصارى الآن. 3- أن مترجم الكتاب إلى العربية- وهو خليل سعادة النصراني- قد وصف صاحب الإنجيل بأنه على إلمام واسع جدًّا بالعهد القديم والنصرانية أكثر ممن نذروا أنفسهم للدين النصراني وتفسيره وتعليمه، حتى إنه ليندر أن يكون فيهم من يقرب من إلمام صاحب هذا الإنجيل، فكيف يكون مسلماً وله هذا الإلمام الواسع ؟! 4- إن مما يدفع أن يكون صاحبه مسلم أن فيه أخطاء لا يمكن أن تقع من المسلم لبداهتها، ومنها قوله: إن السموات عشرة. وخلطه بين اسم ميخائيل وميكائيل، ويقول: أدريل بدل إسرافيل. وعلى كل حال فهذا كتاب ظهر في بلاد نصرانية، وبخط ولغة نصرانية، ولم يرد عن أحد المسلمين أنه اطَّلع على الكتاب مع سعة اطلاع علماء المسلمين، وحرصهم على الرد على النصارى، وهو لاشك مما يظهره الله عزَّ وجلَّ دليلاً للحق ودحراً للباطل وردًّا له. ج- أهم مبادئ إنجيل برنابا التي يختلف بها عن الأناجيل الأربعة: إن الذي جعل النصارى يحملون على هذا الإنجيل حملتهم، ويتنصلون منه، هو مخالفته لأناجيلهم المعتمدة وعقيدتهم في أخطر وأهم نقاطها، وهي:- أولاً: أنه صرح أن المسيح عليه السلام إنسان، وليس إله ولا ابن إله، وبيَّن أن سبب تأليف إنجيله هو رد هذه الفرية التي أطلقها بولس مع غيرها من الافتراءات، كترك الختان وإباحة أكل اللحوم النجسة، وفي هذا يقول في أول إنجيله: ( أيها الأعزاء، إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة، للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً مجوزين كل لحم نجس، الذين ضلَّ في عدادهم أيضاً بولس، الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته وسمعته أثناء معاشرتي ليسوع لكي تخلصوا، ولا يضلكم الشيطان فتهلكوا في دينونة الله. ثانياً: أنه نقل عن المسيح التصريح بأن الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، وليس إسحاق كما يزعم اليهود، وفي هذا يقول:- (أجاب يعقوب: يا معلم قل لنا من صنع هذا العهد، فإن اليهود يقولون بإسحاق، والإسماعيليون يقولون بإسماعيل ؟ أجاب يسوع: صدقوني؛ لأني أقول لكم الحق، إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق. حينئذ قال التلاميذ: يا معلم، هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحاق ؟. أجاب يسوع متأوهاً: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله. الحق أقول لكم: إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون حديث كتبتنا وفقهائنا؛ لأن الملاك قال: يا إبراهيم، سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقًّا، يجب عليك أن تفعل شيئاً لأجل محبة الله، أجاب إبراهيم: هاهو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله، فكلَّم الله حينئذ إبراهيم قائلاً: خذ ابنك بكرك إسماعيل، واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة. فكيف يكون إسحاق البكر وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين ؟ فقال حينئذ التلاميذ: إن خداع الفقهاء لجلي، لذلك قل لنا أنت الحق؛ لأننا نعلم أنك مرسل من الله). وذكر برنابا أيضاً أن المسيح خاطب رئيس كهنة اليهود قائلاً له: (إن إبراهيم أحب الله حيث إنه لم يكتف بتحطيم الأصنام الباطلة تحطيماً ولا بهجر أبيه وأمه، ولكنه كان يريد أن يذبح ابنه طاعة لله. أجاب رئيس الكهنة: إنما أسألك هذا ولا أطلب قتلك، فقل لنا: من كان ابن إبراهيم هذا ؟ أجاب يسوع: إن غيرة شرفك يا الله تؤججني ولا أقدر أن أسكت. الحق أقول: إن ابن إبراهيم هو إسماعيل الذي يجب أن يأتي من سلالته مسيا الموعود به إبراهيم أن به تتبارك كل قبائل الأرض. فلما سمع هذا رئيس الكهنة حنق وصرخ: لنرجم هذا الفاجر؛ لأنه إسماعيلي، وقد جدف على موسى وعلى شريعة الله). ثالثاً:- أنه نقل عن المسيح التصريح بالبشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم باسمه وذلك في مواطن عدة من كتابه منها: أن اليهود سألوا المسيح عليه السلام عن اسم النبي المنتظر فقال: (فقال الكاهن حينئذ: ماذا يسمى مسيا، وما هي العلامة التي تعلن مجيئه ؟ فأجاب يسوع: إن اسمه المبارك (محمد). حينئذ رفع الجمهور أصواتهم قائلين: يا الله، أرسل لنا رسولك، يا محمد، تعال سريعاً لخلاص العالم. وأورد أيضاً برنابا حواراً تمَّ بينه وبين المسيح عليه السلام بعد أن رفع إلى السماء، ثم عاد مرة أخرى ليطمئن أمه وحوارييه بأنه لم يمت، ثم ارتفع مرة أخرى إلى السماء، وهذا نصه: ( فقال حينئذ الذي يكتب: يا معلم إذا كان الله رحيماً فلماذا عذبنا بهذا المقدار بما جعلنا نعتقد أنك كنت ميتاً، ولقد بكتك أمك حتى أشرفت على الموت، وسمح الله أن يقع عليك عار القتل بين اللصوص على جبل الجمجمة وأنت قدوس الله ؟ أجاب يسوع: صدقني يا برنابا إن الله يعاقب على كل خطيئة- مهما كانت طفيفة- عقاباً عظيماً؛ لأن الله يغضب من الخطيئة، فلذلك لما كانت أمي وتلاميذي الأمناء الذين كانوا معي أحبوني قليلاً حبًّا عالميًّا، أراد الله البر أن يعاقب على هذا الحب بالحزن الحاضر حتى لا يعاقب عليه بلهب الجحيم، فلماذا كان الناس قد دعوني الله وابن الله على أني كنت بريئاً في العالم، أراد الله أن يهزأ الناس بي في هذا العالم بموت يهوذا، معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب؛ لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة، وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله، الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله). رابعاً: أن برنابا صرَّح أن المسيح لم يُصلب، وإنما رُفع إلى السماء، وأن الذي صلب هو يهوذا الإسخريوطي، وهو الذي وشى بالمسيح لدى اليهود، حيث أُلْقِي عليه شبه المسيح، فقبض عليه وصلب بدلاً عن المسيح عليه السلام. وهذا نص كلامه:- (ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذي كان فيه يسوع، سمع يسوع دنو جم غفير، فلذلك انسحب إلى البيت خائفاً، وكان الأحد عشر نياماً، فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل وميخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم، فجاء الملائكة الأطهار، وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب، فحملوه ووضعوه في السماء الثالثة في صحبة الملائكة التي تسبِّح الله إلى الأبد. ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع، وكان التلاميذ كلهم نياماً. فأتى الله العجيب بأمر عجيب، فتغيَّر يهوذا في النطق وفي الوجه، فصار شبيها بيسوع حتى إننا اعتقدنا أنه يسوع، أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم، لذلك تعجبنا وأجبنا: أنت يا سيد هو معلمنا أنسيتنا الآن ؟ أما هو فقال متبسماً: هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الإسخريوطي. وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا؛ لأنه كان شبيهاً بيسوع من كل وجه). وبعد أن ذكر محاكمة يهوذا وجلده من قبل اليهود والوالي الروماني وهم يظنون أنه يسوع قال: (وأُسْلِمَ يهوذا للكتبة والفريسيين كأنه مجرم يستحق الموت، وحكموا عليه بالصلب وعلى لصين معه. فقادوه إلى جبل الجمجمة حيث اعتادوا شنق المجرمين، وهناك صلبوه عرياناً مبالغة في تحقيره). هذه أهم مبادئ هذا الكتاب الذي أحدث بمبادئه وقت ظهوره دويًّا لدى النصارى، أما نحن المسلمين فلا يقدم عندنا هذا الكتاب ولا يؤخر، فنحن مطمئنون لكتاب ربنا الذي بين أيدينا نعرف به الحق، وعلى ضوئه نقيس الحق.
تمهيد:
المجامع النصرانية يعرفها النصارى بأنها: هيئات شورية في الكنيسة تبحث في الأمور المتعلقة بالديانة النصرانية وأحوال الكنائس. والمجامع النصرانية نوعان: مجامع محلية: وهي التي تبحث في الشؤون المحلية للكنائس التي تنعقد فيها. ومجامع مسكونية (عالمية): تبحث في العقيدة النصرانية، ومواجهة بعض الأقوال التي يرى غرابتها ومخالفتها للديانة. وأول المجامع كما يذكر سفر أعمال الرسل، كان مجمع أورشليم الذي عقد أيام الحواريين من أجل النظر في حكم إلزام غير اليهود بالشريعة الموسوية، فقرَّر المجتمعون هناك أنهم لا يلزمون بالختان ولا بالشرائع الموسوية، وإنما يلزمون فقط بالامتناع عن الذبح للأصنام والزنى وأكل المخنوق والدم
1- مجمع نيقية سنة (325) م:
كان هذا المجمع أول المجامع المسكونية وأخطرها أيضاً. سبب انعقاده: سبب انعقاد هذا المجمع هو التعارض والاختلاف العقدي الموجود في الكنسية في تلك الأزمان، وذلك أنه ما أن توقف الاضهاد الواقع على النصارى من قبل الرومان بمرسوم ميلان، حتى ظهر على السطح ذلك الخلاف العقائدي الكبير بين طوائف النصارى، والذي كان يخفيه من قبل الحالة الاضطهادية الواقعة على جميع أصناف النصارى، والذي كان من أسباب رسوخ هذه الانحرافات العقدية كما سيتبين. وكان أبرز وجوه الاختلاف: ذلك الخلاف والتعارض بين دعـوة كنيسـة الإسكندرية- التي كانت تنادي بألوهية المسيح على مذهب بولس- وبين دعوة الأسقف الليبي (آريوس) في الإسكندرية أيضاً. الذي وُصِفَ بأنه عالم مثقف، وواعظ مفوه، وزاهد متقشف، وعالم بالتفسير، حيث أخذ ينادي بأن الله إله واحد غير مولود أزلي، أما الابن فهو ليس أزليًّا وغير مولود من الأب، وأن هذا الابن خرج من العدم مثل كل الخلائق حسب مشيئة الله وقصده. وشايع آريوس في دعوته العديد من الأساقفة، منهم أسقف نيقوميديه المسمى أوسابيوس وغيره. وكان الإمبراطور (قسطنطين) في ذلك الوقت قد أبدى تعاطفاً قويًّا تجاه النصارى، ورفع عنهم الاضطهاد، واهتم بشؤونهم، فهاله ما رأى من انقسام النصارى، وأدرك خطورة تلك الانقسامات على دولته، والتي كان أخطرها ما كان بين أسقف كنيسة الإسكندرية الكسندروس وآريوس وأتباعه. وكان الخلاف قد تطور بينهما، وذلك بـأن طلب أسقف الإسكندرية عقد مجمع في الإسكندرية للنظر في قضية آريوس ودعوته، فقرَّر ذلك المجمع قطع آريوس من الخدمة، وهذا جعل (آريوس) يخرج من الإسكندرية ويتوجه إلى آسيا، حيث عقد في (بثينيه) بآسيا الصغرى مشايعوه من الأساقفة مجمعاً قُرر فيه قبول آريوس وأتباعه وكتابة طلب إلى أسقف الإسكندرية برفع الحرمان الذي قرروه على (آريوس)، فهذا ما جعل الإمبراطور (قسطنطين) يدعو إلى مجمع عام في نيقية سنة (325) م, لبحث هذه القضية. - عدد الحاضرين ومذاهبهم: اختلف كلام النصارى في ذكر عدد المجتمعين فالبعض يرى أن عدد المجتمعين كان (318) أسقفًّا فقط، وبعضهم يرى أنهم ما بين( 300- 5201)، ويذكر مارى سليمان في كتاب (المجدل) وكذلك ابن البطريق أن عددهم كان (2048) أسقفًّا. أما مذاهب الحاضرين فكانت متباينة تبايناً شديداً. وكما يقول ابن البطريق بأنهم كانوا مختلفين في الآراء والأديان. - فمنهم من كان يقول: إن المسيح وأمه إلهان من دون الله، وهم البربرانية. - ومنهم من كان يقول: إن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس. - ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مرَّ في بطنها كما يمر الماء في الميزاب. - ومنهم من كان يقول: إن المسيح إنسان مخلوق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وأن الابن من مريم، ويرون أن الله جوهر قديم واحد وأقنوم واحد، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بالروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية، ومنهم من كان يقول: إنهم ثلاثة آلهة لم تزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما. وهي مقالة مرقيون وأصحابه. - ومنهم من كان يقول بألوهية الميسح، وهي مقالة بولس ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًّا. قرارات المجمع ونتيجته: بعد أن تداول المجتمعون الآراء في ذلك المجمع خرجوا بتقرير ألوهية المسيح عليه السلام، وأنه ابن الله - في زعمهم - أي: من ذات الله، وأنه مساوٍ لله جلَّ وعلا، وأنه مولود منه غير مخلوق، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. كما قرروا أن هذا الإله تجسد بصورة البشر؛ لخلاص الناس، ثم ارتفع إلى السماء بعد قيامته من الموت، كما تم لعن (آريوس) ومشايعيه وحرق كتبه. وقد وقع كثير من المجتمعين على هذه القرارات لمناصرة قسطنطين لهـا، ويرى ابن البطريق أن (318) أسقفًّا فقط هم الذين أظهروا هذا القول ووقعوا عليه، وخالفهم بقية الأساقفة، والبعض الآخر يرى أن الجميع وقعوا عليها ما عدا يوسابيوس أسقف نيقوميديه في قول بعضهم، وشخص آخر فقد رفضا التوقيع على ذلك النص. وهكذا انتصر في أول الأمر القائلون بألوهية المسيح بمساندة وتأييد الإمبراطور، حيث ينص بعض المؤرخين على ترأسه لذلك المجمع ومما يدلُّ على أن المجتمعين في نيقية لم يقبلوا ذلك القول بألوهية المسيح، ولم يكن عند القائلين به حجة مقنعة أنهم كما يذكر القس (حنا الخضري) بعد ذكر الانتصار الذي حقَّقه مشايعو مقولة بولس قال: (ولكن للأسف الشديد كانت الحقيقة الواقعة تختلف الاختلاف كله عن القرارات السنودسية والمجمعية، فقد رجع الأساقفة بعد مجمع نيقية إلى أبرشياتهم والقسوس إلى كنائسهم، وبدأ كل منهم يعلم ما كان يعلم به قبلا، بل إن البعض تطرف في الهرطقة التي فاقت هرطقة ( آريوس) نفسه. فمع أن (آريـوس) وبعض أتباعـه نُفُوا إلا أن الآريوسية بنت عشها في حدائق كثيرين من الأساقفة والرعاة). ولما كان قرار نيقية بألوهية المسيح فرض بقوة السلطان، فإن السلطان- وهو الإمبراطور- رجع فيما بعد عنه، وأمر بعقد مجمع صور سنة (334) م، وقرر فيه إعادة (آريوس) إلى الكنيسة، وخلع (أثنا سيوس) أسقف الإسكندرية، أحد أكبر المدافعين عن عقيدة ألوهية المسيح، كما أن الإمبراطور نفسه قد عُمِّد، وهو على فراش الموت على مذهب (آريوس) حيث عمده الأسقف (أوسابيوس النيقوميدي) أكبر أنصار آريوس. وهكذا يتبين أن هذا المجمع الذي يعد من أخطر المجامع كان ألعوبة بيد الإمبراطور الذي كان وثنيًّا، ولم يكن من أهل تلك الملة وقت ترأسه ذلك المجمع، كما أن المجتمعين لم يكونوا يعتمدون على نصوص متفق عليها مقبولة لدى الجميع، وإلا لتمَّ الإذعان لمدلولها، وإنما كانوا يعتمدون على تصوراتهم أو تصورات أمثالهم من الناس، فلهذا وقع الإعراض عنها بعد عودتهم إلى كنائسهم. 2- مجمع القسطنطينية:
دعـا الإمبراطور ( ثيودسيوس ) سنة (381) م, إلى عقد مجمع القسطنطينية لمواجهة دعوات كانت منتشرة بين الكنائس. - منها دعوة (مقدونيوس) الذي كان أسقفًّا للقسطنطينية، الذي نادى بأن الروح القدس مخلوق وليس إلها. - ودعوة (صابيليوس) الذي كان ينكر وجود ثلاثة أقانيم. - ودعوة (أبوليناريوس) الذي كان أسقفًّا على اللاذقية والشام، والذي أنكر وجود نفس بشرية في المسيح. فحضر ذلك المجمع مائة وخمسون أسقفًّا، قرروا فيه ألوهية الروح القدس، ولعن وطرد من خالف ذلك، فاكتمل بذلك ثالوث النصارى. وكما هو ظاهر فإن هذا المجمع عقد بدعوة من الإمبراطور (ثيودسيوس) الذي كان قد سن القوانين والتشريعات لمصلحة القائلين بألوهية المسيح والمثلثين من النصارى.
3- مجمع أفسس سنة (431) م:
انعقد هذا المجمع لمواجهة قول ( نسطور) أسقف القسطنطينية، الذي قيل عنه: إنه كان يقول بأن المسيح له طبيعتان: إلهية وإنسانية بشرية، وأن مريم والدة الإنسان وليست والدة الإله. فعقد المجمع في أفسس سنة (431) م, بحضور مائة وستين أسقفًّا، وقُرِّر فيه أن المسيح إله وإنسان ذو طبيعة واحدة وأقنوم واحد، وأن مريم أم إلههم، وحكم على (نسطور) بالطرد من الكنيسة. وبعد مجمع أفسس عُقدت مجامع عديدة كلها تبحث في طبيعة المسيح عليه السلام، منها:
4- مجمع خلقيدونيه سنة (451) م:
في هذا المجمع عادوا للبحث في طبيعة المسيح، وقرَّر المجتمعون: أن المسيح له طبيعتان: إلهية وبشرية بلا اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال! وكان المناصرون لهذا القول هم الأساقفة الغربيين الذين لعنوا وطردوا من لا يقول بهذا القول. ولم توافقهم الكنائس الشرقية على هذا، وقد أصروا على قرارهم السابق في مجمع (أفسس) بأن المسيح له طبيعة واحدة إلهية وبشرية، وهذا من أهم الفوارق بين الكاثوليك القائلين بالطبيعتين، والأقباط والأرمن والسريان القائلين بالطبيعة الواحدة. بعد هذا عقدت مجامع عديدة من أهمها:
5 - المجمع السابع سنة (754، 787) م:
المراد بالمجمع السابع مجمعان: المجمع الأول انعقد سنة (754) م, بدعوة من الإمبراطور قسطنطين الخامس وذلك للنظر في موضوع الصور والتماثيل، وما يقدم لها من التقديس والعبادة. وخرج بقرار يلعن به كل من يصور المسيح أو أمه أو آباء الكنيسة باعتبار أنها وثنية. ثم أمر الإمبراطور أن يُمحى ويُدمر كل ما في الكنائس من صور وتماثيل، كما حمل على الرهبان فأغلق الأديرة وصادر أموالها، كما أرغم الرهبان على أن يتزوجوا الراهبات، وبعد وفاة الإمبراطور قسطنطين الخامس سنة (775) م, تولى على الإمبراطورية زوجته إيريني التي كانت تؤيد الصور والتماثيل، فدعت إلى مجمع عام سنة (787) م في نيقية حضره (350) أسقفًّا خرجوا بقرار وجوب تعليق الصور والتماثيل للمسيح وأمه وقديسيهم وكذلك الملائكة، ويقدم لهم صنوف التكريم من التقديس والسجود، ويستشفع بهم إلى الله في الحاجات لما لهم من المكانة، والدالة على الله - تعالى الله عن قولهم - كما لعن المجمع كل من لا يكرم تلك الصور والتماثيل، واستمر النصارى على هذا إلى أن جاء البروتستانت فحملوا على الصور والتماثيل، وحرَّموها وانشقوا بذلك عن بقية النصارى من الكاثوليك والأرثوذكس. 6 - المجمع الثامن سنة (869) م:
وكان سبب انعقاده: الخلاف بين كنيسة القسطنطينية، وكنيسة روما في الروح القدس: هل انبثق من الأب فقط -وهو زعم كنيسة القسطنطينية- أم من الأب والابن معاً، كما هو زعم كنيسة روما ؟ وقد قرر في هذا المجمع قول كنيسة روما بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معاً. ولم يوافق على ذلك بطريرك القسطنطينية ومن كان معه وأصروا على قولهم، وعقدوا لذلك مجمعاً سنة (879) م, قرروا فيه أن الروح القدس انبثق من الأب وحده، فانقسمت بسببه الكنيسة إلى قسمين: 1) الكنيسة الغريبة ويتزعمها البابا في روما وهم الكاثوليك. 2) الكنيسة الشرقية ويتزعمها بطريرك القسطنطينية وهم الأرثوذكس.
7- المجمع الثاني عشر الذي عقد سنة (1215) م:
وقد تقرر فيه أن العشاء الرباني يتحول إلى جسد ودم المسيح، وأن الكنيسة البابوية الكاثوليكية تملك حق الغفران، وتمنحه لمن تشاء.
8- مجمع روما عام (1769) م:
والذي تقرر فيه عصمة البابا في روما. من خلال هذا الاستعراض السريع لبعض المجامع النصرانية وقراراتها يتبين لنا ما يلي: أولاً- أن النصارى لا يملكون أدلة صحيحة صريحة في أكثر دعاويهم؛ لهذا اختلفوا تلك الاختلافات الخطيرة التي تمس جميع نواحي العقيدة لديهم. ثانياً - أن ما يستنـد إليـه النصارى ويتحمسـون له لا يعدو أن يكون فهما خاصا يسعى أصحابه لتثبيته عن طريق تلك المجامع، ولا يخلو الأمر من الأهواء والأغراض الخاصة من حب الرئاسة وفرض السيطرة. ثالثاً- أن المجامع لم تكن يوماً من الأيام هيئات شوريـة يتباحث القسس فيها الآراء، ويتوصلون فيها إلى الحق بأدلته، بل كانت في الأغلب تعقد لفرض رأي أو تصور عن طريق تلك المجامع وبقوة السلطان أو قوة الكنيسة. رابعاً- أن تلك المجامع كانت أداة بيد الأباطرة الرومان يسخرونها لرغباتهم في التوسع والسيطرة، أو تحقيق أغراض سياسية. خامساً - أن تلك المجامع كانت من أعظم أسباب الفرقة وتثبيتها في العالم النصراني، بحيث إنهم لم يخرجوا في واحد منها متفقين، بل كلما اجتمعوا في مجمع من تلك المجامع يزداد اختلافهم، وبالتالي انقسامهم. سادساً - أن المجامع صاغت العقيدة وقررتها بعد خلاف طويل، وهذا يدلُّ على أن العقيدة النصرانية في الإله وفي المسيح، وفي نقاط عديدة ليس لأدلتها من الوضوح ما يكفي لجعلها مسلمات وقطعية الدلالة لكل نصراني نظر في الأناجيل وعلم أقوال المسيح، وهذا أمر يجب التوقف عنده والتفكير في مهمة المسيح ماذا كانت ؟ فإنه إذا لم يكن وضَّح وجلَّى تلك القضايا، وأبان عنها البيان الكامل الذي لا يفتح مجالاً للاختلاف فيها، وخاصة أنها من أصول الديانة، وأهم العقائد، فما هي مهمته إذاً ؟ هل جاء ليلقي كلاماً مبهماً لا يعرف معناه يحار الناس فيه قروناً ؟ أم أنه تكلم بكلام واضح وجلي كما هي حقيقة مهمة الرسل إلا أن الناس حرَّفوا كلامه بعد ذلك، وحملوه على غير محامله ونسبوا إليه ما لم يقل ؟! سابعاً- إن المجامع قررت قرارات ولعنت وحرمت من لم يقل بها، وقررت أن سبيل النجاة هو اعتقاد تلك الأقوال- وهنا سؤال يطرح نفسه ماهو حال حواريي المسيح وأوائل النصارى الذين لم يكونوا يعتقدون تلك العقيدة ولم يتكلموا فيها بكلمة، كالتثليث، وطبيعة المسيح وانبثاق الروح القدس من الأب أو الأب والابن معاً إلى غير ذلك. ثامناً- إن المجامع قد صاغت العقيدة النصرانية بكل تفاصيلها، وذلك يدل على أن تلك العقيدة بتفاصيلها صنعة بشرية لم ينزلها الله تعالى على المسيح عليه السلام. تاسعاً- أن المجامع النصرانية هي المصدر الحقيقي للديانة النصرانية المحرفة؛ لأن تلك الفهوم التي كانت تقرر وتصدر وفقها القرارات لم تكن تعتمد على نصوص قطعية واضحة، بل أحياناً كانت تعتمد على نصوص متشابهة وكلام محتمل لأكثر من معنى، ويكون من أقلها احتمالاً المفهوم الذي تدعيه الكنيسة، كما في دعوى ألوهية المسيح عليه السلام. وأحياناً كانت لا تعتمد على أي نصوص موجودة لديهم وهو الأكثر، بل يكون تركيباً ذهنيًّا وهميًّا، أو تصوراً خاطئاً بني على تصور خاطئ، كما في قراراتهم المتعلقة بألوهية الروح القدس، وطبيعة المسيح، وتقديس الصور والتماثيل، وعصمة البابا ونحو ذلك. ويصدق عليهم فيما يدعونه من عقيدة ويشرعونه للناس أنهم جعلوا أنفسهم أرباباً من دون الله يحلون ويحرمون، فينطبق عليهم قول الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:30-31] .
تمهيد:
المسيح عليه السلام جاء بالديانة بيضاء نقية توحيدا خالصا، ومنهجا ربانيا واضحا، كما تقدم بيانه أول الكلام على النصرانية. إلا أن النصارى انحرفوا بهذه الديانة عن وجهها الصحيح، إلى وثنية خالصة، وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح عليه السلام ولا حواريوه. وقد كان ابتداء تحريفها من دخول بولس (شاؤول اليهودي) هذه الديانة بعد رفع المسيح عليه السلام. وهذه الديانة المحرفة لم تقرر على ما هي عليه في الوقت الحاضر إلا بعد انصرام ما يقارب خمسة قرون من رفع المسيح عليه السلام، حيث أصبحت تقوم على ثلاثة أسس هي: 1- التثليث. 2- الصلب والفداء. 3- محاسبة المسيح للناس. وسنبين بيانا مختصراً مقولتهم في كل واحد من هذه العقائد، ونبين بإذن الله بطلانها
المطلب الأول: استدلالات النصارى على التثليث:
ليس للنصارى على التثليث ما يستحق أن يسمَّى دليلا؛ إذ إن ما ذكروه يدل على أنهم لفَّقوا كلاماً زعموا أنه دليلٌ، فمن ذلك قولهم: 1- إن الله عزَّ وجلَّ ورد اسمه بالعبرية (ألوهيم) الذي يدل على الجمع، وأنه استخدم صيغة الجمع في التحدث عن نفسه في مثل ما ورد في سفر التكوين (1/26) (وقال الله: نعمل الإنسان). 2- ألفاظ الصورة الموضوعة للمعمودية، وهي (عمدوا باسم الآب والابن والروح القدوس) الواردة في إنجيل متى (28/19). 3- الأحوال التي واكبت تعميد المسيح حيث ورد في إنجيل متى (3/16) (فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماوات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت). بهذه الأدلة التي هي أوهى من خيوط العنكبوت يزعم النصارى أن الله ثلاثة، وأن هؤلاء الثلاثة واحد، ويتركون جميع أسفار العهد القديم التي نصت على وحدانية الله، وانفراده جلَّ وعلا في وحدانية الذات، والصفات، والعبادة، وكذلك جميع النصوص الواردة في العهد الجديد التي تدل على ذلك أيضاً، وسيأتي إيراد بعض ذلك. المطلب الثاني: إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث:
أدلة النصارى المذكورة هي من الضعف بحيث يَهُمُّ العاقل بالإعراض عنها، إلا أنه لابد من الرد عليهم؛ لأن استدلالهم بها يعني أن لها شأناً عظيماً في نفوسهم، فنقول: أما الدليل الأول: فدعواهم أن (ألوهيم) تعني الجمع، فهذا باطل بنص التوراة التي نصت على أن الله واحد. كما أن اليهود الذين وجِّه إليهم الخطاب بهذا لم يفهموا ذلك، ولم يعملوا به، بل يعتبرون أن ادعاء إله غير الإله الواحد الذي هو الله شرك أكبر، يستحق معتقده القتل. كما أن كلمة (ألوهيم) كما يذكر الدارسون واردة في نص من النصوص التي تتكون منها التوراة الحالية، وأنه يقابلها في النص الآخر لنفس القصة لفظ (يهوه). أما ما أوردوه من سفر التكوين وهو قول: (وقال الله: نعمل الإنسان). فلا يعني أكثر من أنها وردت على صيغة التعظيم. ومن أولى بالتعظيم والتفخيم في الخطاب من الله عزَّ وجلَّ ؟ كما أن مئات الأقوال واردة في العهد القديم على لفظ الإفراد، فكيف تترك تلك المئات، ويؤخذ بهذه اللفظة الواحدة وشبهها ؟. أما الدليل الثاني: وهو لفظ المعمودية (عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس) فهؤلاء ثلاثة وليسوا واحدا، ولا تعني أكثر من طلب الإيمان بهؤلاء الثلاثة الذين هم: الله جلَّ جلاله، ورسوله المسيح عليه السلام، والملك جبريل عليه السلام، كل على ما يليق به، إذا صدق راوي هذه العبارة، وسيأتي زيادة إيضاح لهذه العبارة في الكلام على الروح القدس. أما الدليل الثالث: فعلى فرض صحة الرواية بذلك فهي تدل على ثلاثة، وهم: المسيح الذي اعتمد، والروح القدس الذي نزل على شكل حمامة، وقائل من السماء: (هذا ابني الحبيب). أين أن هؤلاء الثلاثة واحد، هذا ما لا يستطيع النصارى إثباته لا نقلا ولا عقلا المطلب الثالث: أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:
التوحيد دين الرسل جميعاً ولم يخالف في ذلك إلا النصارى الذين ادعوا على المسيح عليه السلام أنه جاء بالتثليث، والتوحيد أوضح مطالب التوراة والكتب الملحقة بها؛ إذ يقوم الكتاب كله على التوحيد ومحاربة الشرك والوثنية بكل أشكالها. ومن الأدلة على هذا ما ورد في سفر التثنية (4/35) (إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه). وكذلك ما ورد في سفر التثنيه (6/4) ( اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد). وفي إنجيل متى (4/7) (قال له يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد) ومثله ورد في إنجيل لوقا (4/8). وفي إنجيل مرقس (12/28) أن أحد اليهود سأل المسيح ( أية وصية هي أول الكل ؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد... فقال له الكاتب: جيدا يا معلم بالحق قلت لأنه الله واحد وليس آخر سواه). فهذه وصية المسيح وبيَّن أنها أول الوصايا وأعظمها، ولو كان يقول بالتثليث لوجب عليه أن ينص عليه في مثل هذا الموطن؛ إذ كيف يمكن أن يكون مبلغاً عن الله عزَّ وجلَّ، ولم يوضح أهم ما أمر به ؟ وفي إنجيل يوحنا (17/3) أن المسيح عليه السلام قال في آخر أيامه: (وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته). لقد أنطق الله هؤلاء الكتاب بالحق والصدق، وهو أن لا إله إلا الله وحده، وعيسى المسيح رسوله، فأين هذا الكلام النوراني الواضح من دعوى التثليث المظلمة التي افتراها ضلال النصارى، وغلوا في دينهم، وقالوا بها على الله غير الحق ؟ قال الله عز وجل: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً [النساء:171] .
المبحث الأول: المرحلة الأولى:
النصرانية المُنزَّلة من عند الله التي جاء بها عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: - هي رسالة أنزلها الله تعالى على عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية. وافترقوا بسبب ذلك إلى فرق شتى، فمنهم من يؤمن بأن غاية الإنسان هي الحياة الدنيا، حيث لا يوم آخر، ولا جنة ولا نار، ومنهم من يعتقد أن الثواب والعقاب إنما يكونان في الدنيا فقط، وأن الصالحين منهم يوم القيامة سيشتركون في ملك المسيح الذي يأتي لينقذ الناس؛ ليصبحوا ملوك العالم وقضاته. كما شاع فيهم تقديم القرابين والنذور للهيكل؛ رجاء الحصول على المغفرة، وفشا الاعتقاد بأن رضا الرهبان ودعاءهم يضمن لهم الغفران؛ لذا فسدت عقيدتهم وأخلاقهم، فكانت رسالته ودعوته عليه الصلاة والسلام داعية إلى توحيد الله تعالى حيث لا رب غيره ولا معبود سواه، وأنه لا واسطة بين المخلوق والخالق سوى عمل الإنسان نفسه، وهي رسالة قائمة على الدعوة للزهد في الدنيا، والإيمان باليوم الآخر وأحواله، ولذا فإن عيسى عليه الصلاة والسلام كان موحِّداً على دين الإسلام ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. - المبلِّغ: عيسى بن مريم عليه السلام، أمُّه البتول مريم ابنة عمران أحد عظماء بني إسرائيل، نذرتها أمها قبل أن تحمل بها لخدمة المسجد، وكفلها زكريا أحد أنبياء بني إسرائيل وزوج خالتها، فكانت عابدة قانتة لله تعالى، حملت به من غير زوج بقدرة الله تعالى، وولدته عليه السلام في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأنطقه الله تعالى في المهد دليلاً على براءة أمه من بهتان بني إسرائيل لها بالزنا، فجاء ميلاده حدثاً عجيباً على هذا النحو؛ ليلقي بذلك درساً على بني إسرائيل الذين غرقوا في الماديات، وفي ربط الأسباب بالمسببات؛ ليعلموا بأن الله تعالى على كل شيء قدير. - بُعث عيسى عليه السلام نبيًّا إلى بني إسرائيل، مؤيَّداً من الله تعالى بعدد من المعجزات الدالة على نبوته، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله. كما كان يخبر الناس بما يأكلون وما يدَّخرون في بيوتهم بإذن الله. وقد أيَّده الله هو وحواريِّيه بمائدة من السماء أنزلها عليهم؛ لتكون عيداً لأولهم وأخرهم. - تآمر اليهود على قتله برئاسة الحبر الأكبر (كايافاس) وأثاروا عليه الحاكم الروماني لفلسطين (بيلاطس) لكنه تجاهلهم أولاً، ثم لما كذبوا عليه وتقوَّلوا على عيسى عليه السلام بأنه يدعو نفسه مسيحاً ملكاً، ويرفض دفع الجزية للقيصر، دفع ذلك الحاكم إلى إصدار أمر بالقبض عليه، وإصدار حكم الإعدام ضده عليه السلام. - اختفى عيسى وأصحابه عن أعين الجند، إلا أن أحد أصحابه دلَّ جند الرومان على مكانه، فألقى الله تعالى شبه عيسى عليه الصلاة والسلام وصورته عليه، ويقال: إنه يهوذا الإسخريوطي. وقيل غيره، فنُفِّذ حكم الصلب فيه بدلاً من عيسى عليه الصلاة والسلام، حيث رفعه الله إليه، على أنه سينزل قبل قيام الساعة؛ ليحكم بالإسلام، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ثم يموت كما دلَّت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة الصحيحة. - آمن بدعوة المسيح عليه السلام الكثير، ولكنه اصطفى منهم اثني عشر حواريًّا، كما هم مذكورون في إنجيل متى. - وهناك الرسل السبعون الذين يقال بأن المسيح عليه السلام اختارهم ليعلِّموا النصرانية في القرى المجاورة. >> << المبحث الثاني: المرحلة الثانية:
ويسميها مؤرِّخو الكنيسة بالعصر الرسولي، وينقسم هذا العصر إلى قسمين: التبشير وبداية الانحراف، والاضطهاد الذي يستمر حتى بداية العهد الذهبي للنصارى .
المبحث الأول: التبشير:
بعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، اشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص؛ حيث قُتل يعقوب بن زبدي أخو يوحنا الصياد، فكان أول من قتل من الحواريين، وسجن بطرس، وعذِّب سائر الرسل، وحدثت فتنة عظيمة لأتباع المسيح عليه الصلاة والسلام حتى كادت النصرانية أن تفنى. وفي ظل هذه الأجواء المضطربة أعلن شاول الطرسوسي اليهودي الفريسي، صاحب الثقافات الواسعة بالمدارس الفلسفية والحضارات في عصره، وتلميذ أشهر علماء اليهود في زمانه عمالائيل، أعلن شاول- الذي كان يُذيق أتباع المسيح سوءَ العذاب- إيمانه بالمسيح بعد زعمه رؤيته عند عودته من دمشق، مؤنِّباً له على اضطهاده لأتباعه، آمراً له بنشر تعاليمه بين الأمم، فاستخفَّ الطرب النصارى، في الوقت الذي لم يصدِّقه بعضهم، إلا أن برنابا الحواري دافع عنه وقدَّمه إلى الحواريين فقبلوه، وبما يمتلكه من حدَّة ذكاء وقوة حيلة ووفرة نشاط استطاع أن يأخذ مكاناً مرموقاً بين الحواريين، وتسمَّى بـ بولس. - انطلق الحواريون للتبشير بين الأمم اليهودية في البلدان المجاورة، التي سبق أن تعرَّفت على دعوة المسيح عليه السلام أثناء زيارتها لبيت المقدس في عيد العنصرة، وتذكر كتب التاريخ النصراني بأن متَّى ذهب إلى الحبشة، وقُتل هناك بعد أن أسس فيها كنيسة ورسَّم - عيَّن- لهم أسقفها. وكذلك فعل مرقس في الإسكندرية بعد أن أسس أول مدرسة لاهوتية وكنيسة فيها بتوجيه من بطرس الذي أسس كنيسة روما، وقتل في عهد نيرون عام (62) م. - أما بولس فذهب إلى روما وأفسس وأثينا وأنطاكية، وأسَّس فيها كنائس نصرانية نظير كنيسة أورشليم، ورسَّم لهم أساقفة. وفي أحد جولاته في أنطاكية صحبه برنابا فوجدا خلافاً حادًّا بين أتباع الكنيسة حول إكراه الأمميين على اتباع شريعة التوراة، فعادا إلى بيت المقدس لعرض الأمر على الحواريين؛ لحسم الخلاف بينهم
المبحث الثاني: بداية الانحراف:
- فيما بين عام (51- 55) م, عقد أول مجمع يجمع بين الحواريين – مجمع أورشليم – تحت رئاسة يعقوب بن يوسف النجار المقتول رجماً سنة (62) م, ليناقش دعوى استثناء الأمميين، وفيه تقرر- إعمالاً لأعظم المصلحتين- استثناء غير اليهود من الالتزام بشريعة التوراة إن كان ذلك هو الدافع لانخلاعهم من ربقة الوثنية، على أنها خطوة أولى يُلزم بعدها بشريعة التوراة. كما تقرر فيه تحريم الزنا، وأكل المنخنقة، والدم، وما ذُبح للأوثان، بينما أبيحت فيه الخمر ولحم الخنزير والربا، مع أنها محرمة في التوراة. - عاد بولس بصحبة برنابا إلى أنطاكية مرة أخرى، وبعد صحبة غير قصيرة انفصلا، وحدث بينهما مشادة عظيمة؛ نتيجة لإعلان بولس نسخ أحكام التوراة، وقوله أنها: (كانت لعنة تخلَّصنا منها إلى الأبد) و(أن المسيح جاء ليبدل عهداً قديماً بعهد جديد). ولاستعارته من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الناس في يوم الحشر. وهكذا كرَّر بولس نفس الأمر مع بطرس الذي هاجمه وانفصل عنه، مما أثار الناس ضده، لذا كتب بولس رسالة إلى أهل غلاطية ضمَّنها عقيدته ومبادئه، ومن ثم واصل جولاته بصحبة تلاميذه إلى أوروبا وآسيا الصغرى؛ ليلقى حتفه أخيراً في روما في عهد نيرون سنة (65) م. - قد استمرت المقاومة الشديدة لأفكار بولس عبر القرون الثلاثة الأولى: ففي القرن الثاني الميلادي تصدَّى هيولتس، وإيبيي فايتس، وأوريجين لها، وأنكروا أن بولس كان رسولاً، وظهر بولس الشمشاطي في القرن الثالث، وتبعه فرقته البوليسية إلا أنها كانت محدودة التأثير. وهكذا بدأ الانفصال عن شريعة التوراة، وبذرت بذور التثليث والوثنية في النصرانية، أما باقي الحواريين والرسل فإنهم قُتلوا على يد الوثنيين في البلدان التي ذهبوا إليها للتبشير فيها. المبحث الثالث: الاضطهاد:
- عانت الدعوة النصرانية أشدَّ المعاناة من سلسلة الاضطهادات والتنكيل على أيدي اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، ومن الرومان الذين كانت لهم السيطرة والحكم، ولذلك فإن نصيب النصارى في فلسطين ومصر كان أشد من غيرهم، حيث اتخذ التعذيب والقتل أشكالاً عديدة؛ مابين الحمل على الخُشبِ، والنشر بالمناشير، إلى التمشيط مابين اللحم والعظم، والإحراق بالنار. - من أعنف الاضطهادات وأشدها: 1- اضطهاد نيرون سنة (64) م, الذي قُتل فيه بطرس وبولس. 2- واضطهاد دمتيانوس سنة (90) م، وفيه كتب يوحنا إنجيله في أفسس باللغة اليونانية. 3- واضطهاد تراجان سنة (106) م, وفيه أمر الإمبراطور بإبادة النصارى وحرق كتبهم، فحدثت مذابح مُروِّعة، قُتل فيها يعقوب البار أسقف أورشليم. 4- ومن أشدها قسوة وأعنفها اضطهادُ الإمبراطور دقلديانوس (284) م, الذي صمم على أن لا يكف عن قتل النصارى حتى تصل الدماء إلى ركبة فرسه، وقد نفذ تصميمه؛ وهدم الكنائس، وأحرق الكتب، وأذاقهم من العذاب صنوفاً وألواناً، مما دفع النصارى من أقباط مصر إلى اتخاذ يوم (29) أغسطس (284) م, بداية لتقويمهم تخليداً لذكرى ضحاياهم. - هكذا استمر الاضطهاد يتصاعد إلى أن استسلم الإمبراطور جالير لفكرة التسامح مع النصارى لكنه مات بعدها، ليعتلي قسطنطين عرش الإمبراطورية. - سعى قسطنطين بما لأبيه من علاقات حسنة مع النصارى إلى استمالة تأييدهم له؛ لفتح الجزء الشرقي من الإمبراطورية حيث يكثر عددُهُم، فأعلن مرسوم ميلان الذي يقضي بمنحهم الحرية في الدعوة، والترخيص لديانتهم، ومساواتها بغيرها من ديانات الإمبراطورية الرومانية، وشيَّد لهم الكنائس، وبذلك انتهت أسوأ مراحل التاريخ النصراني قسوة، التي ضاع فيها إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام، وقُتل الحواريون والرسل، وبدأ الانحراف والانسلاخ عن شريعة التوراة، ليبدأ النصارى عهداً جديداً من تأليه المسيح عليه الصلاة والسلام وظهور اسم المسيحية
المبحث الأول: العهد الذهبي للنصارى:
يطلق مؤرخو الكنيسة اسم العهد الذهبي للنصارى ابتداء من تربُّع الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية عام (312) م, لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تاريخ النصرانية. ويمكن تقسيم ذلك العهد إلى مرحلتين رئيسيتين: [ مرحلة جمع النصارى على عقيدة واحدة (عصر المجامع أو عهد الخلافات والمناقشات):] - ما أن أعلن قسطنطين إعلان ميلان حتى قرَّب النصارى، وأسند إليهم الوظائف الكبيرة في بلاط قصره، وأظهر لهم التسامح، وبنى لهم الكنائس، وزعمت أمه هيلينا اكتشاف الصليب المقدس، الذي اتخذه شعاراً لدولته بجانب شعارها الوثني، فنشطت الدعوة إلى النصرانية، ودخل الكثير من الوثنيين أصحاب الفلسفات في النصرانية، مما كان له أثره البالغ في ظهور الكثير من العقائد والآراء المتضاربة، والأناجيل المتناقضة، حيث ظهر أكثر من خمسين إنجيلاً، وكل فرقة تدعي أن إنجيلها هو الصحيح، وترفض الأناجيل الأخرى. - وفي وسط هذه العقائد المختلفة والفرق المتضاربة مابين من يُؤَلِّه المسيح وأمه (الريمتين) أو من يؤله المسيح فقط، أو يدعي وجود ثلاثة آلهة: إله صالح، وإله طالح، وآخر عدل بينهما (مقالة مرقيون). أعلن آريوس أحد قساوسة كنيسة الإسكندرية صرخته المدوية بأن المسيح عليه الصلاة والسلام ليس أزليَّا، وإنما هو مخلوق من الأب، وأن الابن ليس مساوياً للأب في الجوهر، فالتف حوله الأنصار، وكثر أتباعه في شرق الإمبراطورية حتى ساد مذهبه..... كنائس مصر والإسكندرية وأسيوط وفلسطين ومقدونيا والقسطنطينية وأنطاكية وبابل، مما أثار بطريرك الإسكندرية بطرس ضده، ولعنه وطرده من الكنيسة، وكذلك فعل خلفه البطريرك إسكندر، ثم الشماس إثناسيوس، وضماناً لاستقرار الدولة أمر الإمبراطور قسطنطين عام (325) م, بعقد اجتماع عام يجمع كل أصحاب هذه الآراء للاتفاق على عقيدة واحدة يجمع الناس حولها، فاجتمع في نيقية (2048) أسقفاً منهم (338) يقولون بألوهية المسيح، وانتهى ذلك المجمع بانحياز الإمبراطور إلى القول بألوهية المسيح ولينفضّ على القرارات التالية: 1- لعن آريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وحرق كتبه، ووضع قانون الإيمان النيقاوي (الأثناسيوسي) الذي ينص على ألوهية المسيح. 2- وضع عشرين قانوناً لتنظيم أمور الكنيسة والأحكام الخاصة بالأكليريوس. 3- الاعتراف بأربعة أناجيل فقط: (متى، لوقا، مرقس، يوحنا) وبعض رسائل العهد الجديد والقديم، وحرق باقي الأناجيل لخلافها عقيدة المجمع. - للتغلب على عوامل انهيار وتفكك الإمبراطورية أنشأ قسطنطين مدينة روما الجديدة عام (324) م, في بيزنطة القديمة باليونان على نفس تصميم روما القديمة، وأنشأ بها كنيسة كبيرة (أجياصوفيا)، ورسَّم لهم بطريركاً مساوياً لبطاركة الإسكندرية وأنطاكية في المرتبة، على أن الإمبراطور هو الرئيس الأعلى للكنيسة. وعُرفت فيما بعد بالقسطنطينية، ولذلك أطلق عليها بلاد الروم، وعلى كنيستها كنيسة الروم الشرقية أو كنيسة الروم الأرثوذكس. - تمهيداً لانتقال العاصمة إلى روما الجديدة (القسطنطينية) اجتمع قسطنطين بآريوس حيث يدين أهل القسطنطينية والجزء الشرقي من الإمبراطورية بعقيدته، وإحساساً منه بالحاجة إلى استرضاء سكان هذا القسم أعلن الإمبراطور موافقته لآريوس على عقيدته، وعقد مجمع صور سنة (334) م, ليعلي من عقيدة آريوس، ويلغي قرارات مجمع نيقية، ويقرر العفو عن آريوس وأتباعه، ولعن أثناسيوس ونفيه، وهكذا انتشرت تعاليم آريوس أكثر بمساندة الإمبراطور قسطنطين
المبحث الثاني: مرحلة الانفصال السياسي:
قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام (337) م, على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق، وأخذ قنسطانس الجزء الأوسط من شمال أفريقيا، وعمد كل منهم إلى تأييد المذهب السائد في بلاده؛ لترسيخ حكمه. فاتجه قسطنطيوس إلى تشجيع المذهب الآريوسي، بينما شجع أخوه قسطنطين الثاني المذهب الأثناسيوسي، مما أصَّل الخلاف بين الشرق اليوناني والغرب اللاتيني. - توحَّدت الإمبراطورية تحت حكم قسطنطيوس عام ( 353– 361) م, بعد وفاة قسطنطين الثاني، ومقتل قنسطانس، ووجد الفرصة سانحة لفرض مذهبه الآريوسي على جميع أجزاء الإمبراطورية شرقاً وغرباً. - لم يلبث الأمر طويلاً حتى اعتلى فلؤديوس عرش الإمبراطورية ( 379– 395) م, الذي اجتهد في إلغاء المذهب الآريوسي والتنكيل بأصحابه، والانتصار للمذهب الأثناسيوسي. ولذا ظهرت في عهده دعوات تنكر الأقانيم الثلاثة ولاهوت الروح القدس، فقرَّر عقد مجمع القسطنطينية الأول (382) م، وفيه فرض الإمبراطور العقوبات المشددة على أتباع المذهب الآريوسي. كما تقرر فيه أن روح القدس هو روح الله وحياته، وأنه من اللاهوت الإلهي، وتم زيادته في قانون الإيمان النيقاوي، ولعن من أنكره مثل مكدنيوس، وذلك بالإضافة إلى عدة قوانين تنظيمية وإدارية تتعلق بنظام الكنيسة وسياستها .
المبحث الثالث: نشأة البابوية:
على إثر تقسيم الإمبراطورية إلى شرقية وغربية، ونتيجة لضعف الإمبراطورية الغربية تم الفصل بين سلطان الدولة والكنيسة، بعكس الأمر في الإمبراطورية الشرقية، حيث رسخ الإمبراطور قسطنطين مبدأ القيصرية البابوية، ومن هنا زادت سلطات أسقف روما، وتحوَّل كرسيه إلى بابوية لها السيادة العليا على الكنيسة في بلدان العالم المسيحي الغربي (روما – قرطاجة). وقد لعب البابا داماسوس الأول ( 366– 384) م, دوراً هامًّا في إبراز مكانة كرسي روما الأسقفي - سيادة البابوية - وفي عهده تمَّ ترجمة الإنجيل إلى اللغة اللاتينية، ثم تابعه خلفه البابا سيرى كيوس( 384– 399) م, في تأليف المراسم البابوية . المبحث الرابع: بداية الصراع والتنافس على الزعامة الدينية بين الكنيستين:
ظهر الصراع والتنافس بين كنيسة روما بما تدعي لها من ميراث ديني، وبين كنيسة القسطنطينية عاصمة الدولة ومركز أباطرتها في مجمع أفسس الأول عام (431) م حيث نادى نسطور أسقف القسطنطينية بانفصال طبيعة اللاهوت عن الناسوت في السيد المسيح عليه السلام، وبالتالي فإن اللاهوت لم يولد ولم يصلب، ولم يقم مع الناسوت، وأن المسيح يحمل الطبيعتين منفصلتين: اللاهوتية والناسوتية، وأنه ليس إلهاً، وأمه لا يجوز تسميتها بوالدة الإله، وقد حضر المجمع مائتان من الأساقفة بدعوة من الإمبراطور ثاؤديوس الصغير، الذي انتهى بلعن نسطور ونفيه، والنص في قانون الإيمان بأن مريم العذراء والدة الإله. - وبسبب دعوى أرطاخي باتحاد الطبيعتين في السيد المسيح عقد له أسقف القسطنطينية فلافيانوس مجمعاً محليًّا، وقرر فيه قطعه من الكنيسة ولعنه؛ لكن الإمبراطور ثاؤديوس الصغير قبل التماس أرطاخي، وقرر إعادة محاكمته، ودعا لانعقاد مجمع أفسس الثاني عام (449) م, برئاسة بطريرك الإسكندرية ديسقورس لينتهي بقرار براءته مما نسب إليه
المبحث الخامس: انفصال الكنيسة مذهبيًّا:
لم يعترف أسقف روما ليو الأول بقرارات مجمع أفسس الثاني (449) م، وسعى الإمبراطور مركيانوس لعقد مجمع آخر للنظر في قرارات ذلك المجمع، فوافق الإمبراطور على عقد المجمع في القسطنطينية، ثم في كلدونية (451) م, لمناقشة مقالة بابا الإسكندرية ديسقورس: من أن للمسيح طبيعتين في طبيعة واحدة (المذهب الطبيعي – المونوفيزتية)، ليتقرر لعن ديسقورس وكل من شايعه ونفيه، وتقرير أن للمسيح طبيعتين منفصلتين. فكان ذلك دافعاً أن لا تعترف الكنيسة المصرية بهذا المجمع، ولا بالذي يليه من المجامع. ومنذ ذلك التاريخ انفصلت في كنيسة مستقلة تحت اسم الكنيسة المرقسية – الكنيسة الأرثوذكسية – أو القبطية تحت رئاسة بطريرك الإسكندرية، وانفصلت معها كنيسة الحبشة وغيرها؛ ليبدأ الانفصال المذهبي عن الكنيسة الغربية. بينما اعترفت كنيسة أورشليم الأرثوذكسية بقرارات مجمع كلدونية، وصارت بطريركية مستقلة تحت رئاسة البطريرك يوفيناليوس
المبحث السادس: نشأة الكنيسة اليعقوبية:
واجه الإمبراطور جستنيان ( 527– 565) م, صعوبة بالغة في تحقيق طموحه بتوحيد مذهبي الإمبراطورية؛ لتتحقق له سلطة الإمبراطورية والبابوية معاً. وبعد انتصاره في إيطاليا ودخول جيوشه روما حاول إرضاء زوجته بفرض مذهب الطبيعة الواحدة (المونوفيزتية) على البابا فجليوس الذي رفض ذلك بشدة، مما عرَّضه إلى القبض عليه وترحيله إلى القسطنطينية، ليعقد مجمع القسطنطينية الخامس سنة (553) م, الذي انتهى بتقرير مذهب الطبيعة الواحدة، ولعن أصحاب فكرة تناسخ الأرواح، وتقرير أن عيسى عليه السلام كان شخصية حقيقية وليست بخيالية. - ومن آثار هذا المجمع استقلالُ أصحاب مذهب الطبيعة الواحدة، إقامةُ كنيسة منفصلة لهم، تعرف بالكنيسة اليعقوبية، تحت رئاسة مؤسسها يعقوب البرادعي أسقف الرَّها مما زاد في عداء البابوية للإمبراطورية الشرقية
المبحث السابع: نشأة الكنيسة المارونية:
في عام ( 678–681 ) م, عمل الإمبراطور قسطنطين الرابع على استرضاء البابا أجاثون بعدما فقد المراكز الرئيسية لمذهب الطبيعة الواحدة في مصر والشام؛ لفتح المسلمين لهما، فتمَّ عقد مجمع القسطنطينية الثالث عام (680) م؛ للفصل في قول يوحنا مارون من أن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة. وفيه تقرر أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ولعن وطرد من يقول بالطبيعة الواحدة أو بالمشيئة الواحدة، ولذلك انفصلت طائفة المارونية ولحقت بسابقتها من الكنائس المنفصلة .
المبحث الثامن: انفصال الكنيسة إداريًّا:
- جاء هذا الانفصال بعد النزاع والصراع الطويل ابتداءً من الإمبراطور ليو الثالث (726) م, الذي أصدر مرسوماً يُحرِّم فيه عبادة الأيقونات، ويقضي بإزالة التماثيل والصور الدينية والصلبان من الكنائس والأديرة والبيوت على أنها ضرب من الوثنية، متأثراً بدعوة المسلمين لإزالة هذه التماثيل التي بالكنائس في داخل الدولة الإسلامية. - تصدى لهذه الدعوة البابا جريجوري الثاني، ثم خَلَفه البابا جريجوري الثالث ليصدر الإمبراطور قراراً بحرمان الكراسي الأسقفية في صقلية وجنوب إيطاليا من سلطة البابا الدينية والقضائية، وجعلها تحت سلطان بطريرك القسطنطينية. واستمر الوضع على ذلك إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين الخامس (741 – 775) م، وازدادت الثورات اشتعالاً ضد دعاة اللاأيقونية، فعقد مجمعاً في القسطنطينية؛ لتبرير سياسة تحريم الصور والأيقونات. وقد رفضت البابوية حضوره، ولم يحضره سوى ثلاثمائة وأربعين أسقفًّا تحت رئاسة بطريرك القسطنطينية، ليقضي بتحريم تصوير المسيح في أي شكل، وكذلك تحريم عبادة صور القديسين، وتحريم طلب الشفاعة من مريم؛ لأن كل هذا من ضروب الوثنية. - ولكن هذه القرارات لم تدم طويلاً حيث أمرت الإمبراطورة الأيقونية إيرين التي خلفت زوجها الإمبراطور ليو الخزري بعقد مجمع نيقية عام (787) م, بعد تعيينها للبطريرك خرسيوس المتحمس للأيقونية بطريركاً على القسطنطينية، وانتهى المجمع على تقديس صور المسيح ووالدته والقديسين، ووضع الصور في الكنائس والأديرة والبيوت والطرقات بزعم أن النظر إليهم يدعو للتفكير فيها. - في عام (869) م, أثار بطريرك القسطنطينية فوسيوس مسألة انبثاق الروح القدس من الأب وحده، فعارضه – كالعادة – بطريرك روما وقال: إن انبثاق الروح القدس من الأب والابن معاً، وعقد لذلك مجمع القسطنطينية الرابع (869) م, (مجمع الغرب اللاتيني) الذي تقرَّر فيه أن الروح القدس منبثقة من الأب والابن معاً، وأن جميع النصارى في العالم خاضعون لمراسيم بابا روما، وأن من يريد معرفة ما يتعلق بالنصرانية وعقائدها عليه برفع دعواه إلى بابا روما. ولذلك تم لعن وعزل فوسيوس وحرمانه وأتباعه، إلا أن فوسيوس استطاع أن يعود إلى مركزه مرة أخرى. وفي عام (879) م, عقد المجمع الشرقي اليوناني (القسطنطينية الخامس) ليلغي قرارات المجمع السابق، ويعلن أن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، ويدعو إلى عدم الاعتراف إلا بالمجامع السبعة التي آخرها مجمع نيقية (787) م. - وهكذا تمَّ الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية تحت مسمى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية، أو كنيسة الروم الأرثوذكس برئاسة بطريرك القسطنطينية، ومذهباً بأن الروح القدس منبثقة من الأب وحده، على أن الكنيسة الغربية أيضاً تميَّزت باسم الكنيسة البطرسية الكاثوليكية، وبزعم أن لبابا روما سيادة على كنائس الإمبراطورية، وأنها أم الكنائس ومعلمتهن، وتميزت بالقول بأن الروح القدس منبثقة عن الأب والابن معاً. ولم يتمَّ الانفصال النهائي – الإداري – إلا في عام (1054) م، وبذلك انتهى عهد المجامع المسكونية، وحلَّت محلَّها المؤتمرات الإقليمية أو سلطات البابا المعصوم، لتستكمل مسيرة الانحراف والتغيير في رسالة عيسى عليه السلام. ومن أبرز سمات هذه المرحلة الأخيرة - القرون الوسطى - الفساد، ومحاربة العلم والعلماء، والتنكيل بهم، والاضطهاد لهم، وتقرير أن البابا معصوم له حق الغفران، مما دفع إلى قيام العديد من الحركات الداعية لإصلاح فساد الكنيسة، وفي وسط هذا الجو الثائر ضد رجال الكنيسة انعقد مؤتمر ترنت عام ( 1542- 1563) م, لبحث مبادئ مارتن لوثر التي تؤيدها الحكومة والشعب الألماني، وانتهى إلى عدم قبول آراء الثائرين أصحاب دعوة الإصلاح الديني. ومن هنا انشقَّت كنيسة جديدة هي كنيسة البروتستانت، ليستقر قارب النصرانية بين أمواج المجامع التي عصفت بتاريخها على ثلاث كنائس رئيسية لها النفوذ في العالم إلى اليوم، ولكل منها نحلة وعقيدة مستقلة، وهي: الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، بالإضافة إلى الكنائس المحدودة مثل: المارونية، والنسطورية، واليعقوبية، وطائفة الموحدين، وغيرهم
تمهيد:
النصارى يستمدون عقائدهم وتشريعاتهم ومعارفهم الدينية من مصدرين أساسيين هما: أولاً: الكتاب المقدس: ثانياً: المجامع النصرانية:
الفصل السابع: عقيدة النصارى: • تمهيد:. • المبحث الأول: التثليث:. • المبحث الثاني: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة:. • المبحث الثالث: الاتحاد: (التجسد):. • المبحث الرابع: الصلب والفداء:. • المبحث الخامس: أهم الأفكار والمعتقدات الأخرى:. • المبحث السادس: خلاصة عقائد النصارى:. • المبحث السابع: دعوى محاسبة المسيح الناس:. • المبحث الثامن: قول النصارى في البعث والجنة والنار:.
تمهيد:
المسيح عليه السلام جاء بالديانة بيضاء نقية توحيدا خالصا، ومنهجا ربانيا واضحا، كما تقدم بيانه أول الكلام على النصرانية. إلا أن النصارى انحرفوا بهذه الديانة عن وجهها الصحيح، إلى وثنية خالصة، وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح عليه السلام ولا حواريوه. وقد كان ابتداء تحريفها من دخول بولس (شاؤول اليهودي) هذه الديانة بعد رفع المسيح عليه السلام. وهذه الديانة المحرفة لم تقرر على ما هي عليه في الوقت الحاضر إلا بعد انصرام ما يقارب خمسة قرون من رفع المسيح عليه السلام، حيث أصبحت تقوم على ثلاثة أسس هي: 1- التثليث. 2- الصلب والفداء. 3- محاسبة المسيح للناس. وسنبين بيانا مختصراً مقولتهم في كل واحد من هذه العقائد، ونبين بإذن الله بطلانها.
الفصل السابع: عقيدة النصارى: • تمهيد:. • المبحث الأول: التثليث:. • المبحث الثاني: الأقانيم الثلاثة تعريفها وأدلتهم عليها وبيان بطلان تلك الأدلة:. • المبحث الثالث: الاتحاد: (التجسد):. • المبحث الرابع: الصلب والفداء:. • المبحث الخامس: أهم الأفكار والمعتقدات الأخرى:. • المبحث السادس: خلاصة عقائد النصارى:. • المبحث السابع: دعوى محاسبة المسيح الناس:. • المبحث الثامن: قول النصارى في البعث والجنة والنار:.
الفصل الرابع عشر: فرق النصارى: • المبحث الأول: أهم الفرق القديمة:. • المبحث الثاني: الفرق النصرانية المعاصرة:.
المبحث الأول: أهم الفرق القديمة: • المطلب الأول: الملكانية:. • المطلب الثاني: النسطورية:. • المطلب الثالث: اليعقوبية:.
المطلب الأول: الملكانية:
أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها، ومعظم الروم ملكانية، قالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته. ويعنون بالكلمة: أقنوم العلم، ويعنون بروح القدس: أقنوم الحياة، ولا يسمون العلم قبل تدرعه ابنا، بل المسيح مع ما تدرع به ابن، فقال بعضهم: إن الكلمة مازجت جسد المسيح، كما يمازج الخمر أو الماء، اللبن. وصرَّحت الملكانية أن الجوهر غير الأقانيم، وذلك كالموصوف والصفة، وعن هذا صرَّحوا بإثبات التثليث، وأخبر عنهم القرآن: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [المائدة: 73]. وقالت الملكانية: إن المسيح ناسوت كلي لا جزئي، وهو قديم أزلي من قديم أزلي، وقد ولدت مريم عليها السلام إلها أزليا، والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا. وأطلقوا لفظ الأبوة والبنوة على الله عزَّ و جلَّ وعلى المسيح لما وجدوا في الإنجيل حيث قال: إنك أنت الابن الوحيد. وحيث قال له شمعون الصفا: إنك ابن الله حقا. لعل ذلك من مجاز اللغة، كما يقال لطلاب الدنيا: أبناء الدنيا. ولطلاب الآخرة: أبناء الآخرة. وقد قال المسيح عليه السلام للحواريين: أنا أقول لكم: أحبُّوا أعداءكم ( 1/ 222 ) وباركوا على لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل من يؤذيكم؛ لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماء الذي تشرق شمسه على الصالحين والفجرة، وينزل قطره على الأبرار والأئمة، وتكونوا تامين، كما أن أباكم الذي في السماء تام. وقال: انظروا صدقاتكم فلا تعطوها قدام الناس؛ لتراءوهم، فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء. وقال حين كان يصلب-بزعمهم-: أذهب إلى أبي وأبيكم. ولما قال أريوس: القديم هو الله، والمسيح هو مخلوق. اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في بلد قسطنطينية بمحضر من ملكهم، وكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا، واتفقوا على هذه الكلمة اعتقادا ودعوة، وذلك قولهم: نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء، وصانع ما يرى وما لا يرى، وبالابن الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلها، الذي ولد من أبيه قبل العوالم كلها، وليس بمصنوع، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم، وخلق كل شيء من أجلنا، ومن أجل معشر الناس، ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسَّد من روح القدس، وصار إنسانا وحبل به وولد من مريم البتول، وقتل وصلب أيام فيلاطوس، ودفن ثم قام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعد للمجيء تارة أخرى بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الواحد روح الحق الذي يخرج من أبيه وبمعمودية واحدة؛ لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسية مسيحية جاثليقية، وبقيام أبداننا والحياة الدائمة أبد الآبدين. هذا هو الاتفاق الأول على هذه الكلمات، وفيه إشارة إلى حشر الأبدان. وفي النصارى من قال بحشر الأرواح دون الأبدان، وقال: إن عاقبة الأشرار في القيامة غم وحزن الجهل، وعاقبة الأخيار سرور وفرح العلم. وأنكروا أن يكون في الجنة نكاح وأكل وشرب. وقال مار إسحاق منهم: إن الله تعالى وعد المطيعين وتوعد العاصين، ولا يجوز أن ( 1 / 223 ) يخلف الوعد؛ لأنه لا يليق بالكريم، ولكن يخلف الوعيد فلا يعذب العصاة، ويرجع الخلق إلى سرور وسعادة ونعيم وعمم هذا الكل؛ إذ العقاب الأبدي لا يليق بالجواد الحق تعالى
المطلب الثاني: النسطورية:
أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، وتصرف في الأناجيل بحكم رأيه، وإضافته إليهم إضافة المعتزلة إلى هذه الشريعة، قال: إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود والعلم والحياة، وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات، ولا هي هو، واتحدت الكلمة بجسد عيسى عليه السلام لا على طريق الامتزاج كما قالت الملكانية، ولا على طريق الظهور به كما قالت اليعقوبية، ولكن كإشراق الشمس في كوة على بلورة، وكظهور النقش في الشمع إذا طبع بالخاتم. وأشبه المذاهب بمذهب نسطور في الأقانيم أحوال أبي هاشم من المعتزلة، فإنه يثبت خواص مختلفة لشيء واحد ويعني بقوله واحد يعني الإله قال: هو واحد بالجوهر. أي: ليس هو مركبا من جنسين، بل هو بسيط وواحد. ويعني بالحياة والعلم أقنومين جوهرين، أي: أصلين مبدأين للعالم، ثم فسَّر العلم بالنطق والكلمة، ويرجع منتهى كلامه إلى إثبات كونه تعالى موجودا حيا ناطقا، كما تقول الفلاسفة في حد الإنسان، إلا أن هذه المعاني تتغاير في الإنسان؛ لكونه جوهرا مركبا، وهو جوهر بسيط غير مركب. وبعضهم يثبت لله تعالى صفات أخر بمنزلة القدرة والإرادة ونحوهما، ولم يجعلوها أقانيم كما جعلوا الحياة والعلم أقنومين. ومنهم من أطلق القول بأن كل واحد من الأقانيم الثلاثة حي ناطق إله، وزعم الباقون أن اسم الإله لا يطلق على كل واحد من الأقانيم، وزعموا أن الابن لم يزل متولدا من الأب، وإنما تجسَّد واتحد بجسد المسيح حين ولد، والحدوث راجع إلى الجسد والناسوت، فهو إله وإنسان اتحدا. وهما جوهران أقنومان طبيعتان: جوهر قديم، وجوهر محدث إله تام وإنسان تام، ولم يبطل الاتحاد قدم القديم، ولا حدوث المحدث، لكنهما صارا مسيحا واحدا طبيعة واحدة، وربما بدَّلوا العبارة، فوضع مكان الجوهر الطبيعة ومكان الأقنوم الشخص، وأما قولهم في القتل والصلب فيخالف قول الملكانية واليعقوبية. قالوا: إن القتل وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته؛ لأن الإله لا تحلُّه الآلام. وبوطينوس وبولس الشمشاطي يقولان: إن الإله واحد وأن المسيح ابتدأ من مريم عليها السلام وأنه عبد صالح مخلوق، إلا أن الله تعالى شرَّفه وكرمه لطاعته، وسمَّاه ابنا على التبني، لا على الولادة والاتحاد. ومن النسطورية قوم يقال لهم: المصلين. قالوا في المسيح مثل ما قال نسطور، إلا أنهم قالوا: إذا اجتهد الرجل في العبادة وترك التغذي باللحم والدسم، ورفض الشهوات الحيوانية والنفسانية، تصفَّى جوهره حتى يبلغ ملكوت السموات، ويرى الله تعالى جهرة، وينكشف له ما في الغيب، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء . ومن النسطورية من ينفي التشبيه، ويثبت القول بالقدر خيره وشره من العبد، كما قالت القدرية
المطلب الثالث: اليعقوبية:
أصحاب يعقوب، قالوا بالأقانيم الثلاثة إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحما ودما، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده بل هو هو. وعنهم أخبرنا القرآن الكريم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:73] ( 1 / 225 ) فمنهم من قال: إن المسيح هو الله تعالى. ومنهم من قال: ظهر اللاهوت بالناسوت، فصار الناسوت المسيح مظهر الجوهر، لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو، وهذا كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان. أو: ظهر الشيطان بصورة حيوان. وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17]. وزعم أكثر اليعقوبية أن المسيح جوهر واحد، أقنوم واحد إلا أنه من جوهرين، وربما قالوا: طبيعة واحدة من طبيعتين، فجوهر الإله القديم، وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبا، كما تركبت النفس والبدن، فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا، وهو إنسان كله وإله كله. فيقال: الإنسان صار إلها. ولا ينعكس فلا يقال: الإله صار الإنسان. كالفحمة تطرح في النار، فيقال: صارت الفحمة نارا. ولا يقال: صارت النار فحمة. وهي في الحقيقة لا نار مطلقة، ولا فحمة مطلقة بل هي جمرة، وزعموا أن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي، ولربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج والادراع، والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة المجلوة
تمهيد:
لما فقد النصارى كثيراً من آثار الوحي والنبوة التي جاءتهم، ولم يعد عندهم أصل صحيح يرجعون إليه. اختلفوا وتفرقوا شيعاً وأحزاباً متباغضة متعادية. وفي هذا يقول الله عز وجل: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 14]. ومن الجدير بالذكر أن دعوة التوحيد التي نادى بها المسيح عليه السلام استمرت في تلاميذه وحوارييه قوية فاعلة إلى تدمير بيت المقدس سنة (70) م، ثم استمرت على نحو أضعف إلى التدمير الثاني سنة (135) م، حيث قُضِي عليها وتشرَّد أتباعها، فانفسح المجال واسعاً أمام المذاهب المنحرفة التي ظهرت في النصارى في وقت مبكر بدخول بولس ( شاؤول اليهودي ) في النصرانية، بعد رفع المسيح عليه السلام بسنوات قلائل، وبتأثير الديانات الوثنية والفلسفات الوثنية. فتوزع النصارى إلى فرق وأقوال عديدة متباينة تبايناً شديداً في أصول الديانة والعقيدة، إلا أن دعوة التوحيد كانت تظهر بين الحين والحين مع شوائب عديدة، ولم يبدأ الانقراض التدريجي لها إلا بعد مجمع نيقية سنة (325)هـ, الذي انعقد أصلاً للنظر في قول فرقتين من أكبر فرق النصارى في ذلك الوقت، وهو قول الفرقة الأريوسية الموحدة بأن المسيح بشرٌ مخلوق، وقول الفرقة البولسية بأن المسيح ابن الله خالق، وليس مخلوقا، تعالى الله عن قولهم. فانتصر في ذلك المجمع القائلون بألوهية المسيح، وهو مذهب بولس، واعتنقت الدولة الرومانية المسيطرة في ذلك الزمان ذلك المذهب، مما أتاح لهذه الفرقة الدعم القوي والبقاء والانتصار على جميع الطوائف الأخرى التي اندثرت بعد ذلك بسبب شدة الكنيسة البولسية على مخالفيها، وصار بعد ذلك جُلُّ النصارى يجمعون على القول بألوهية المسيح، وأنه نزل ليصلب تكفيراً لخطيئة آدم عليه السلام، واعتبار أن الأناجيل الأربعة متَّى- مرقص- لوقا - يوحنا وبقية العهد الجديد مع العهد القديم هي الكتب المقدسة، ويختلفون في أمورٍ أخرى متعلقة بتلك العقائد أو غيرها من التشريعات. وينقسمون إلى طوائف عدة: أولاً: القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح. هم من أخذ بقرار مجمع أفسس السابق، وهم الأقباط واليعاقبة، والأرمن والأحباش. ثانياً: القائلون بأن المسيح له طبيعتان. هم من أخذوا بقرار مجمع خلقيدونية، ويقال لهم: الملكانية. نسبة إلى الملك، وهو الإمبراطور الروماني البيزنطي، والملكانية انقسموا إلى ثلاث طوائف كبار، هي: الطائفة الأولى: الكاثوليك. الطائفة الثانية: الأرثوذوكس. الطائفة الثانية: البروتستانت، ويسمَّون: (الإنجيليين) .
الفرع الأول: التعريف:
هي أحد الكنائس الرئيسية الثلاث في النصرانية، وقد انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية الغربية بشكل نهائي عام (1054) م، وتمثَّلت في عدة كنائس مستقلة لا تعترف بسيادة بابا روما عليها، ويجمعهم الإيمان بأن الروح القدس منبثقة عن الأب وحده، وعلى خلاف بينهم في طبيعة المسيح، وتُدعى أرثوذكسية بمعنى مستقيمة المعتقد، مقابل الكنائس الأخرى، ويتركَّز أتباعها في المشرق، ولذا يطلق عليها الكنيسة الشرقية. الأرثوذكس: وهم نصارى الشرق الذين تبعوا الكنيسة الشرقية في القسطنطينية وأهم ما يتميزون به هو: 1- أن الروح القدس انبثق عندهم من الأب فقط. 2- تحريم الطلاق إلا في حالة الزنا، فإنه يجوز عندهم. 3- لا يجتمعون تحت لواء رئيس واحد، بل كل كنيسة مستقلة بنفسها. وهذا المذهب منتشر في أوربا الشرقية وروسيا
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
في نهاية القرن التاسع الميلادي، وبالتحديد بعد انقضاء مجمع القسطنطينية الخامس عام (879) م أصبح يمثل الأرثوذكسية كنيستان رئيسيتان: - الكنيسة الأرثوذكسية المصرية أو القبطية، والمعروفة باسم الكنيسة المرقسية الأرثوذكسية أو كنيسة الإسكندرية، التي تؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، وتضم كنائس الحبشة والسودان، ويوافقها على ذلك كنائس الأرمن واليعقوبية. - الكنيسة الأرثوذكسية أو كنيسة القسطنطينية، والمعروفة باسم كنيسة الروم الأرثوذكس أو الكنيسة الشرقية، تخالف الكنيسة المصرية في طبيعة المسيح، بينما توافق الكنيسة الكاثوليكية الغربية بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، ويجمعها مع الكنيسة المصرية الإيمان بانبثاق الروح القدس عن الأب وحده، وتضم كنائس أورشليم واليونان وروسيا وأوروبا الشرقية. الفرع الثالث: الكنيسة الأرثوذكسية المصرية:
- يدعي أصحابها أن مؤسسها مرقص الرسول عام (45 م). - بوادر الانفصال: ظهرت بوادر الانفصال المذهبي للكنيسة المصرية، منذ أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس كنيسة القسطنطينية هي الكنيسة الرسمية للإمبراطورية الشرقية عام (381) م، وأن كنيسة الإسكندرية تليها في المرتبة، مما دفع بطريرك الإسكندرية كيرلس عام (412) م, إلى تولي زعامة الشعب ضد الإمبراطور وعماله في مصر. - زادت هوَّة الخلاف بين الكنيستين على إثر إعلان نسطور – أسقف القسطنطينية – مقالته التي تصدى لها كيرلس بطريرك الإسكندرية في مجمع أفسس عام (431) م, الذي استطاع استصدار حكم ضد نسطور باللعن والطرد.
الفرع الرابع: الانفصال الرسمي:
- بعث فلافيانوس بطريرك القسطنطينية مقالة نسطور مرة أخرى فتصدَّى لها ديسقورس بطريرك الإسكندرية في مجمع أفسس عام (449) م, والذي لم يعترف به أسقف روما، فعقد لذلك مجمع كليدونية عام (451) م, ليقرر لعن ديسقورس ونفيه، بل وتعيين بطريرك ملكاني خلفاً له، الأمر الذي دفع الكنيسة المصرية لإعلان عصيانها وعدم اعترافها بمجمع كليدونية عام (451) م, ولا بقراراته، مما سبَّب عودة الاضطهاد مرة أخرى؛ لحمل الكنيسة المصرية على اتباع عقيدة كنيسة القسطنطينية، والتي توافقها عليها الكنيسة الغربية. - هكذا عاشت الكنيسة المصرية سلسلة من المنازعات حول تعيين الأسقف، إلى أن تم الاتفاق عام (482) م على أن يختار المصريون أسقفهم دون تدخل من الإمبراطور، فكان هذا التاريخ يمثل بداية الانفصال الحقيقي عن كنيسة القسطنطينية. - سرعان ما عاد الاضطهاد مرة أخرى للكنيسة المصرية، بعدما ولَّى هرقلُ المقوقس حُكم مصر بعد استردادها من الفرس عام (628) م، في محاولة منه لتوطيد أركان ملكه عن طريق توحيد عقيدة الإمبراطورية على مذهب الطبيعتين، فلم يألُ المقوقس جهداً في إنفاذ ذلك، كما لم يعدم حيلة، مستخدماً الترغيب تارة، والترهيب والعذاب والتنكيل تارة أخرى، مما دفع بطريرك الكنيسة المصرية بنيامين للهروب إلى الصحراء، وأن يكتب إلى جميع أساقفته باللجوء إلى الجبال والبراري فراراً بعقيدتهم. ما أن ظهرت بشائر الفتح الإسلامي منطلقة من الجزيرة العربية حتى رحبت بها الكنيسة المصرية؛ للتخلص من ظلم واضطهاد إخوانهم نصارى الإمبراطورية البيزنطية....... - رغم ذلك لم يهدأ لكنيسة روما بال عن فرض سيادتها على كنائس الشرق، مستخدمة في ذلك أساليب الحرب والقوة تارة، والدبلوماسية والمفاوضات تارة أخرى. ففي سنة (1219) م, قامت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا في محاولة لإخضاع الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لمذهب الكنيسة الغربية الكاثوليكية. وقد تمكنت في بادئ الأمر من احتلال مدينة دمياط، وفرض بطريرك كاثوليكي من الآباء الفرنسيسكان عليها، ليمثِّل أول وجود كاثوليكي في مصر، فما أن هبَّ المسلمون لصدِّ العدوان حتى انهزمت الحملة، وأُسر قائدها، وبذلك باءت مخططاتها بالفشل. - وفي سنة (1769) م, أعادت الكنيسة الغربية الكَرَّة، ولكن هذه المرة عن طريق المفاوضات والمصالحة، وعرض انضمام الكنيسة المصرية إليها، ليقابلها بطريرك الكنيسة المصرية يؤانس الثامن عشر بالرفض التام. - بدأت بوادر حركة إصلاح وتطوير الكنيسة المصرية في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وبخاصة في عهد البطريرك كيرلس الرابع ( 1854– 1862) م, (أبو الإصلاح) كما يسميه أتباع الكنيسة؛ لإدخاله العديد من الإصلاحات؛ لمواجهة نشاط الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية، التي زاد نشاطها، واستطاعت تأسيس مراكز للدعوة إلى مذاهبهم في صعيد مصر بوجه خاص. وكانت استجابة بعض الأرثوذكس لهم دافعاً للقيام بهذه الإصلاحات وافتتاح مدارس للبنين والبنات، وإنشاء المدرسة البطريركية، بالإضافة إلى إدخال أول مطبعة إلى مصر. - وبأسلوب آخر تصدى البطريرك ديمتريوس الثاني ( 1862- 1874) م, للتبشير الكاثوليكي والبروتستانتي في مصر، بإصدار قرارات الحرمان ضد المرسلين الأمريكيين ومن يتصل بهم من الأقباط. - ازدادت حملة الكنيسة المصرية ضراوة ضد إرساليات الكنائس الغربية في مصر في عهد البطريرك كيرلس الخامس ( 1874– 1927) م, حيث أغلق مدارسهم، وأصدر قرارات تَعتبر هذه الكنائس وإرساليتها وتابعيها ومن ينضم إليها من الأقباط مهرطقين، ولم يفلح تدخل القنصل الأمريكي وليم تاير والمنصِّر جون هوم في إقناع البطريرك من أن نشاطهم غير موجه ضد الأرثوذكس. يُعد حبيب جرجس ( 1867- 1951) م, من أبرز رواد الإصلاح والتطوير في الكنيسة المصرية، حيث إنشأ مدارس الأحد والمدرسة الإكليريكية، ودعم وساهم في العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي توسَّعت بعده إلى حد كبير، فظهرت المجلات والجرائد النصرانية، كما أنشأ العديد من المدارس والمكتبات ودور النشر التي تهتم بنشر التعاليم النصرانية بين المسلمين. وازدادت تبعاً لذلك عدد المؤسسات الاجتماعية المختلفة التي تخدم الأرثوذكس، كل هذا بغية التصدي للإرساليات التبشيرية الغربية. لكن هذا الموقف الرافض للتعاون أو القبول بوجود الكنائس الغربية بين الأرثوذكسية تغيَّر بشكل ملحوظ أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، الذي ساعد وشجَّع هذا الاتجاه بما أثاره في نفوس الأقباط من أن أرض مصر المسلمة أرض نصرانية، وأن المسلمين دخلاء يجب طردهم، وشجع حبيب جرجس على رفع شعار الأمة القبطية مقابل الأمة الإسلامية. وفي عهد الخديوي إسماعيل دخل عدد كبير من الأرثوذكس القضاء والمجالس النيابية وكلفوا بالخدمة العسكرية، وظهرت في الساحة السياسية أسماء كبيرة متعاونة مع الاستعمار الإنجليزي، مثل بطرس باشا غالي ويوسف باشا سليمان. ـ بعد مؤتمر (1910) م, والذي انعقد بمناسبة مقتل بطرس باشا غالي، زاد نفوذهم السياسي، وبخاصة بعد انضمامهم إلى حزب الوفد، وتولَّي مكرم عبيد منصب نائب رئيس الحزب. في عهد البطريرك يوساب الثاني أصدر القس إبراهيم لوقا مجلة اليقظة للدعوة إلى تقارب الكنيستين: البروتستانتية الأسقفية والقبطية، كما دعا إلى أن الوقت قد حان لأن يتبادل قسوس الطوائف النصرانية المختلفة الوعظ في كنائس بعضهم البعض. - في عام (1921) م, عُقد مؤتمر حلوان بضاحية حلوان بمصر لعموم الكنائس الشرقية والغربية بهدف توحيد جهود الكنائس لتنصير المسلمين، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الكنيسة المصرية. وإمعاناً في التقارب انضمت الكنيسة المصرية إلى عضوية مجلس الكنائس العالمي الذي أنشئ عام (1946) م. - في عام (1952) م, عاد الأقباط مرة أخرى إلى الانزواء داخل الكنيسة؛ لخوفهم من حكومة جمال عبد الناصر، ومن ثم هاجر الكثير منهم إلى أوروبا وأمريكا، مما كان لذلك أكبر الأثر في تحويل الرأي العام الغربي نحو الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ومساندتها وممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على الحكومة المصرية؛ لتحقيق مركز ديني وسياسي واجتماعي متميز للأقباط الأرثوذكس في مصر. - وفي هذه الأثناء أعلن إبراهيم فهمي المحامي- أحد خريجي مدارس الأحد- تأسيس جماعة الأمة القبطية، وأنشأ لها فروعاً على مستوى محافظات مصر. وقد دعا إلى إحياء مفهوم الأمة القبطية من خلال التمسك بالعادات والتقاليد الكنسية، وبإحياء اللغة القبطية، واستخدام التقويم القبطي، وكذلك بإصدار الجرائد والمجلات التي تهتم بالأقلية القبطية، وهكذا تطور معه الأمر إلى أن أعلن بياناً يطالب فيه بالحكم الذاتي لأقباط مصر. - في عام (1954) م, قامت جماعة الأمة القبطية باختطاف البطريرك يوساب الثاني، وإجباره على توقيع وثيقة تنازل عن كرسي البابوية، ودعوة المجمع المقدس للانعقاد، ووضع وثيقة جديدة لانتخاب البطريرك تشارك فيها كل الطوائف النصرانية، لذلك ألقت الحكومة المصرية القبض على زعيم الجماعة، واعتقلت أفرادها، ثم قامت بحلِّها وإعادة البطريرك إلى كرسيه. - خطا البطريرك كيرلس السادس (1959 – 1969) م خطوات جديدة نحو تطوير الكنيسة؛ حيث إنشأ العديد من الأسقفيات، منها أسقفيات الخدمات، ومهمتها العلاقات الخارجية، والاتصال بالكنائس الأخرى، سواء كانت الكنائس الغربية ومؤسساتها، أو بالكنائس القبطية خارج مصر، وأسقفية للخدمات والشئون المالية مهمتها جلب فرص العمل للأقباط، والحصول على توكيلات أكبر البنوك والشركات في العالم، وأسقفية البحث العلمي، ومهمتها إنشاء معهد عالٍ للدراسات القبطية، وإصدار طبعات جديدة للكتاب المقدس، ووضع دائرة معارف قبطية، كما أنشأ أسقفية للتربية الكنسية، مهمتها الإشراف على كليات اللاهوت ومدارس الأحد وجميع شؤون التعليم والتربية الكنسية. واستغلالاً للثقل الدولي للكنيسة بعد انضمامها إلى مجلس الكنائس العالمي، ومجلس الكنائس العالمية العاملة في أفريقيا، وتعاونها مع مجلس كنائس أمريكا زاد الضغط على الحكومة لإلغاء النظام الهمايوني الذي أصدرته الدولة العثمانية في عام (1856) م, كنظام إصلاحي لتنظيم بناء وترميم الكنائس النصرانية داخل الدولة. وبالفعل تمت الاستجابة لمطلبهم، وأنشئت العديد من الكنائس، منها كاتدرائية القديس مرقس بميدان العباسية بالقاهرة عام (1967) م، وتمَّ إصلاح الأديرة وتعميرها وتحويلها من أماكن للعبادة إلى مراكز إنتاجية، ومراكز اتصالات واسعة ومؤثرة على شؤون الكنيسة؛ مستخدمة في ذلك الدعم السخي، والأموال الطائلة من الكنائس الغربية والقبطية في الخارج. - في عام (1971) م تولى البابا شنودة الثالث رئاسة الكنيسة المصرية واسمه نظير جيد، تخرَّج من كلية الآداب جامعة القاهرة، والتحق بالقوات المسلحة كضابط احتياط، ثم عمل صحفيًّا وكاتباً وشاعراً، وتسمَّى بعد ترهبه باسم شنودة الثالث. وللأب شنودة الثالث درس أسبوعي - درس الجمعة - ظل محافظاً على إلقائه في كاتدرائية العباسية منذ افتتاحها. مما كان لدرسه هذا الأثر الكبير في تكوين وانتشار الأسر الدينية النصرانية في أروقة الجامعة المصرية المختلفة. - في عهده زاد التوجه السياسي للكنيسة المصرية، وتقديم مفهوم جديد للنصرانية على أنها دين ودولة، مستخدماً في ذلك سياسة الانتشار الدولي، والتقارب مع الكنائس الغربية ومؤسساتها؛ لدعم السياسات الداخلية للكنيسة وتحقيق أغراضها، كما أعلن عن تنظيمات جديدة للكنيسة، ودعا إلى تطوير الكلية الأكليريكية وإعادة الكنيسة إلى مكانتها العالمية، فزاد اهتمامه بإنشاء الكنائس في الخارج وعيَّن لها الأساقفة، من أجل ذلك تعددت جولاته ولقاءاته. ومن أبرز هذه اللقاءات: لقاؤه ببابا الفاتيكان بولس السادس عام (1973) م، الذي تمت فيه المصالحة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية والكنيسة المصرية الأرثوذكسية. وتوقيعه وثيقة رفع الحرم المتبادل بين كنيسته والكنائس الأرثوذكسية الكلدونية وغير الكلدونية في شميزي عام (1990) م. أيضاً الاتفاق على تحقيق الوحدة بين كل الكنائس النصرانية، وزيارته لرئيس أمريكا كارتر عام (1977) م, والتي كان لها أثرها السياسي والديني لصالح الكنيسة المصرية. - تحت رئاسة وإشراف البابا شنودة تعددت الاجتماعات ذات الصبغة الدينية والسياسية، التي تطالب بإعطاء الكنيسة الأرثوذكسية في مصر دوراً فاعلاً في السياسة، وأن يكون لها نصيبها من المناصب الوزارية. كما دعت الحكومة المصرية إلى التخلي عن فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية، والموافقة على إنشاء جامعة للأقباط على غرار جامعة الأزهر. ومن أشهر هذه الاجتماعات اجتماع الكنيسة المرقسية بالإسكندرية عام (1973) م, واجتماع الإسكندرية عام (1977) م, واجتماع تدريب مدرسي ومدرسات وخدام الدين النصراني في كنيسة مارجرجس بدمنهور في ( 27- 28 يناير 1977) م، واجتماع المحامين الأقباط بالإسكندرية. كما اهتم بزيادة عدد الأبروشيات حيث ارتفعت إلى ثلاث وخمسين أبرشية بدلاً من ثلاث وعشرين في عهد سلفه، وبالتالي زاد عدد الأساقفة إلى اثنين وستين أسقفا. - وزادت في عهده أيضاً - وبشكل ملحوظ - النشرات والكتب، وحملات التنصير والاستفزاز للمسلمين، مما أشعل المواجهات بين المسلمين والنصارى فيما عرف بأحداث الفتنة الطائفية (الزاوية الحمراء ومناطق مختلفة من صعيد مصر) الأمر الذي دعا الرئيس السابق لمصر – السادات- إلى عزله ونفيه في دير وادي النطرون، وقد أفرج عنه وعاد إلى كرسيه في عهد الرئيس الحالي لمصر محمد حسني مبارك. - نتيجة للمنحى الجديد للكنيسة المصرية في عهد البابا شنودة الثالث، ظهرت داخل الكنيسة اتجاهات أخرى تعارضه، ويمكن تقسيم اتجاهات الكنيسة في عهده إلى: 1- اتجاه علماني: يؤكد انفصال الدين عن الدولة في النصرانية، ويرى أن الكنيسة في هذا العصر خرجت على النصرانية الصحيحة - بزعمهم - لخلطها بين الدين والدولة، كما يطالب بأهمية قيام الكنيسة بواجبها الديني، وابتعادها ورجال الكنيسة عن السياسة. ومن أبرز ممثلي هذا التيار المهندس ميلاد حنا الخبير الإسكاني، وأحد رموز الحركة اليسارية في مصر. 2- اتجاه انعزالي كنسي: يدعو إلى تبني الكنيسة للخطاب الديني المحض، ويتجه إلى إصلاح الأديرة وتطويرها، ويمثّله الأب متى المسكين اسمه يوسف إسكندر - صيدلي - انقطع للرهبنة في دير أبي مقّار قرب الإسكندرية. 3- اتجاه روحي انعزالي: يدعو إلى تكفير كل من يخالفه من المسلمين والأقباط على حد سواء، مستخدماً في محاربتهم الحرب الروحية بصراع الأرواح الشريرة. كما يدعو إلى محاربة التلفزيون كأحد أساليب مملكة الشر، وإلى مواجهة المجتمع والدولة سواء كانوا مسلمين أو نصارى مواجهة علنية. وإلى هذا الاتجاه تُنسب الحوادث الأخيرة من إغماء الفتيات المسلمات في شوارع مصر، ويمثل هذا التيار الأب دانيال البراموسي خريج كلية الهندسة، وصاحب النشاط المؤثر بين الشباب النصراني في صعيد مصر خاصة، والقمص زكريا بطرس كاهن كنيسة مارجرجس بمصر الجديدة (1979) م, الذي أُبعد عن منصبه وحُرم من الوعظ؛ لمهاجمته الدولة، ودعوته لتنصير المسلمين بشكل علني. 4- اتجاه شمولي: يرى أن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم الحلول لكل المشكلات، والأجوبة لكل الأسئلة المتصلة بالدين والدنيا، ويمثله البابا شنودة الثالث، والأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي واسمه وهيب عطا حاصل على دكتوراه في فلسفة اللغات. 5- اتجاه توفيقي: يرى أن للكنيسة دوراً دينيًّا ذا بعد وطني، يحتِّم عليها أداء أدوار وطنية محددة؛ مثل الوقوف في وجه المستعمر، مع البعد عن الأمور السياسية، ويمثله المفكر القانوني وليم سليمان قلادة
الفرع الخامس: الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية:
- رغم الانفصال المذهبي للكنيسة الشرقية عن الكنيسة الغربية تحت اسم كنيسة الروم الأرثوذكس أو الكنيسة الشرقية، برئاسة بطريرك القسطنطينية بعد رفض قرارات مجمع القسطنطينية الرابع عام (896) م, إلا أنها خضعت إداريًّا للكنيسة الغربية تحت رئاسة بابا روما حتى الانفصال النهائي عام (1054) م. - توسعت الكنيسة البيزنطية في القرن التاسع في أوروبا الشرقية؛ فأسست في بلغاريا كنيسة، وأصبحت النصرانية الدين الرسمي للدولة بعدما أجْبر الحاكم البلغاري بوريس الأول ( 852- 888) م, على قبول المعمودية من الإرساليات التبشيرية. - عمل خليفته القيصر سيمون ( 893 - 927) م, على حماية الكنيسة، وجعل اللغة السلافية لغة الطقوس الكنيسية بدلاً من اليونانية، وفي عهده استقلت الكنيسة البلغارية في بطريركية مستقلة. - أثناء حكم الإمبراطور باسل الثاني ( 976- 1025) م, توطدت دعائم الكنيسة الأرثوذكسية السلافية على يد مبشري الدولة البيزنطية، مثل القديسين كيرلس، وميثيوديوس والمعروفين برسل السلاف، ولذلك حيكت ضد الإمبراطور المؤامرات مما اضطره إلى الاستعانة بأمير كييف فلاديمير( 978- 1015) م, للتصدي لها، فكان ذلك سبباً في اعتناق فلاديمير النصرانية على المذهب الأرثوذكسي عام (990) م, لتنضم روسيا إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وتصبح كنيستها أحد فروع الكنيسة اليونانية. - في الفترة ما بين القرنين العاشر والخامس عشر ظهرت داخل الأرثوذكسية فرقة البوجوميلي نسبة إلى مؤسسها القس بوجوميل على أنها حركة سلافية تهدف إلى الإصلاح باسم الكنيسة الأرثوذكسية البلغارية، متأثرة في ذلك بآراء الثنوية والمانوية الحديثة. ولذلك فإنها تؤمن بأن العالم المرئي مملوء بالشر، كما تعارض عقيدة التجسد النصرانية من جانبها المادي، وترفض التعميد، وتحتقر الصليب والمعجزات والكنائس الضخمة ونظام الكهنة. وبالجملة ترفض النظام الكنسي العام. وسرعان ما أنتشرت في البلدان الخاضعة للإمبراطورية البيزنطية، مما أدى إلى الحكم بهرطقتها، وإنزال العذاب الشديد بأتباعها، وحرق قائدهم في القسطنطينية أمام الجماهير الحاشدة. أراد ميخائيل كيرولاريوس بطريرك القسطنطينية عام (1053) م, الانفصال النهائي عن سلطة الكنيسة الغربية ليصبح إمبراطوراً وبطريركاً، مساوياً لبابا روما، فاستغل الاضطراب السياسي في الإمبراطورية البيزنطية، وأعلن أن البابوية في روما أصبحت ألعوبة في يد رجال الدولة الغربية، وأن تقاليد الكنيسة الغربية فيها كفر ومخالفة للتعاليم النصرانية الأولى؛ فتصدَّى له بابا روما ليو التاسع وقضى على حركته باستمالة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين التاسع إلى جانب دعواه بأحقيَّة سيادة الكنيسة الغربية على الكنيسة الشرقية. - ما لبث أن توفي بابا روما ليو التاسع عام (1045) م, حتى استغل بطريرك القسطنطينية الفرصة السانحة ليجمع حول دعوى الانفصال رجالَ الكنيسة الشرقية مرة أخرى، حيث خضع لرأيهم الإمبراطور، وأعلن رسميًّا استقلال الكنيسة الشرقية استقلالاً تامًّا عن الكنيسة الغربية لتصبح كنيسة أجا صوفيا التي أعاد بناءها الإمبراطور جستنيان في القرن السادس مركزاً للحياة الدينية في الكنيسة الأرثوذكسية. - في عهد البابا أنورت الثالث (1198-1216) م, انطلقت الحملة الصليبية الرابعة لاحتلال القسطنطينية، والقضاء على كنيستها؛ لتحقيق وحدة الكنيسة المسيحية على مذهب روما الكاثوليكي. - دخلت الحملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عام (1204) م, كالجراد المنتشر، فأتت على الأخضر واليابس، فلم تترك فيها حرمة إلا انتهكتها، ولا ديراً ولا كنيسة إلا خرَّبتها بعد نهب ما فيها من تحف وثروات. ولما استقر لهم الأمر، ودانت لهم الإمبراطورية تم تقسيمها وعاصمتها على زعماء الحملة، وانتُخب بلدوين دي فلاندرز إمبراطوراً للإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية (1204- 1261) م، وتعيَّن البطريرك الكاثوليكي توماس مورسيني بطريركاً لكنيستها، مما زاد من حنق ونفور البيزنطيين من الغرب وكنيسته. - بعد عودة كنيسة القسطنطينية إلى سيادة الإمبراطورية البيزنطية، قامت محاولات عديدة لتوحيد الكنيستين الشرقية والغربية خلال الفترة من منتصف القرن الثالث عشر حتى بدايات القرن الخامس عشر الميلادي من أهمها: - ما قام به الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثامن ( 1259- 1282) م, بالتعاون مع بابا روما نيقولا الثالث ( 1277-1280 ) م, والمتحمس لهذا الأمر، لكنها باءت بالفشل للمعارضة الشديدة من بطريرك القسطنطينية الذي أصدر قراراً بحرمان الإمبراطور ميخائيل الثامن، وأيَّده على ذلك بابا روما مارتن الرابع بقرار حرمان آخر للإمبراطور. - محاولة أخرى قام بها الإمبراطور البيزنطي مايكل فلايولتوس أثناء مواجهته لملك صقلية شارل أونجو، حيث أرسل اعترافاً إلى البابا جورج العاشر بسيادة الكنيسة الغربية، وبذلك نجح الإمبراطور في فرض بطريرك كاثوليكي شرقي يدعى جون بيكوس على رئاسة كنيسة القسطنطينية، وما أن مات الإمبراطور حتى رفض المجلس الأرثوذكسي هذا الاعتراف. - ومن آخر محاولات التوحيد في تلك الفترة ما قام به المجمع الذي عقد في فرارا ثم فلورنس امتداداً لمجمع بال؛ لمواجهة نشاط العسكرية الإسلامية التي طوَّقت القسطنطينية، وقد نجح هذا المجمع في أن يقبل الأرثوذكس معظم النقاط التي عرضها الإمبراطور جون الثامن، ورغم توقيع الإمبراطور البيزنطي حنا السادس عليها إلا أنها لم تتم للمعارضة الشديدة من الشعب وخدام كنيسة القسطنطينية، بالإضافة إلى معارضة بطاركة كنائس الإسكندرية وأنطاكية وبيت المقدس. - في منتصف القرن التاسع عشر ارتفعت من جديد نداءات الاتحاد بين الكنيستين: ففي عام (1848) م, وجَّه البابا بيوس التاسع نداءه إلى الكنائس الشرقية للاتحاد مع كنيسة روما إلا أنه رُفِضَ كما رفض غيره من قبل. - في عهد الأمير إيفان الأول ( 1328-1341) م, أصبحت موسكو المركز الروحي لروسيا بانتقال رئيس أساقفة روسيا من كييف إلى موسكو. - تمتعت كنيسة روسيا بحماية ملوك المغول، وعدم تدخلهم في سياستها مما ضاعف من نفوذها وثرواتها. في مايو (1453) م, فتحت جيوش السلطان العثماني محمد الفاتح مدينة القسطنطينية، فأمَّن أهلهم وطمأنهم على أنفسهم وأعراضهم، ومنحهم حقَّ الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر والعبادات الخاصة بهم، وأعلن الكثير منهم إسلامهم، ومن ثم أمر بتحويل كنيسة أجا صوفيا إلى مسجد. ....... - جعل السلطان بطريرك القسطنطينية رئيس النصارى الديني والمدني، وجرى تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية البلقانية إلى وحدات قومية، أصبحت القسطنطينية مركزاً لليونان، وأصبح للصرب بطريركاً خاصًّا في بيج بيوغسلافيا، والبلغار مطرانيتهم في أوهريد. أما سكان رومانيا فكان لهم مؤسسات دينية مشابهة، وعهدت الحكومة العثمانية للكنيسة بسلطة إدارة العديد من الوظائف والمهام الدينية والمدنية. وبذلك أصبحت الكنيسة جزءاً من الجهاز الحكومي. وهكذا مارس بطريرك القسطنطينية سلطات أوسع من السلطات التي كانت مُخوَّلة له عام (1588) م, في الدولة البيزنطية، .......... - استقلت الكنيسة الروسية ببطريركية مستقلة عام (1588) م, وأبطلت سيادة كنيسة القسطنطينية عليها بعد فرار البطريرك اليوناني من القسطنطينية إلى موسكو. - وفي عام (1589) م, عيَّن الإمبراطور فيودا الأول أول بطريرك روسي، وحمل بطاركة الشرق على الاعتراف به عام (1593) م. - أصبحت الكنيسة الروسية ذات أهمية خاصة بعد سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين عام (1453) م، فقد اعتبرت نفسها المركز الحقيقي والحامية للأرثوذكسية الصحيحة، وبذلك أصبحت روما الثالثة. يقول الراهب فليوثيوس من باسكوف: (لقد سقطت الرومايان (روما والقسطنطينية) وهذه روما الثالثة، ولن يكون هناك روما رابعة). - في أثناء حكم نيكون ( 1652- 1658) م, انقسمت الكنيسة الروسية نتيجة لاقتراح نيكون بضرورة أن تتطابق الكنيسة الروسية في أفكارها، ومعتقداتها الكنسية الإغريقية. - ألغى بيتر العظيم عام (1721) م, البطريركية الروسية وتبنى المذهب البروتستانتي. - ألغى الإمبراطور بطرس الأكبر البطريركية الروسية مرة ثانية، وتولَّى مجمع السينودس المقدس إدارة الكنيسة في المسائل الدينية محتفظاً لنفسه وخلفائه برئاستها. - في عام (1744) م, أصدرت بطريركية الكنيسة في القسطنطينية مرسوماً بتحريم الماسونية والانتساب إليها. - وفي أيام الإمبراطورة كاترين استولت الحكومة على أملاك الكنيسة الروسية، واحتفظت لنفسها بأمر تعليم الكهنة وتعيينهم. وقد استمر أثر هذه الإجراءات حتى عام (1917) م, حيث الثورة البلشفية التي أدخلت النصرانية في روسيا في مرحلة جديدة منفصلة بذلك عن الكنائس الأخرى، وانتُخِب أول بطريرك لها أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتالي أصبحت تعلن ولاءها للحكومات الشيوعية، وتؤكد سياستها ضد الغرب. استقلَّت الكنيسة اليونانية في عام (1833) م, عن كنيسة القسطنطينية. ظهرت في بلغاريا حركة تعمل على إصلاح الكنيسة البلغارية برئاسة الأب نيوفت بوزقيلي، وبعد أن عينت الحكومة العثمانية أساقفة غير بلغاريين على الكنيسة البلغارية. - وفي عام (1860) م, أعلن الأسقف غيلادبون مكاريو بولسكي استقلال الكنيسة البلغارية، ووافقت السلطات العثمانية على ذلك، وأنشأت لهم كنيسة خاصة في استانبول تحت رئاسة مطران وهيئة مساعدة خاصة بهم. - وردًّا على ذلك عقد مجمع القسطنطينية عام (1873) م, بحضور بطاركة القسطنطينية وأنطاكية وأورشليم والإسكندرية؛ ليصدر قراراً بحرمان جميع النظام الكنسي البلغاري. - بعد سيادة الشيوعية في دول شرق أوربا انضمت الكنيسة البلغارية والرومانية إلى الكنيسة الروسية مرة أخرى. - استقلت الكنيسة الأرثوذكسية اليابانية عام (1939) م, عن الكنيسة الروسية التي ظلَّت تابعة لها منذ تأسيسها عام (1860) م على يد إرسالية أرثوذكسية روسية. الفرع السادس: أهم الأفكار والمعتقدات:
- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي (325) م. - كما تؤمن بربوبية وألوهية الرب والمسيح في آن واحد، على أنهما من جوهر واحد ومشيئة واحدة، ومتساويين في الأزلية، لكن كنيسة أورشليم الأرثوذكسية اليونانية ومن يتبعها تؤمن بأن المسيح له طبيعتان ومشيئتان موافقةً لمجمع كليدونية (451) م. - يؤمن الأرثوذكس بالزيادة التي أضيفت على قانون الإيمان النيقاوي في مجمع القسطنطينية عام (381)م، التي تتضمن الإيمان بالروح القدس الرب المحيي والمنبثق من الأب وحده، فله طبيعته وجوهره، وهو روح الله وحياة الكون، ومصدر الحكمة والبركة فيه. - يعتقد الأرثوذكس الأقباط أن الأقانيم الثلاثة ما هي إلا خصائص للذات الإلهية الواحدة، ومتساوية معه في الجوهر والأزلية، ومنزَّهة عن التأليف والتركيب، لكن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، ومن تبعها تعتبر أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، ولذلك فهي عند اليونان مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان. - الإيمان بتجسُّد الإله في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم، وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الخلائق يوم الحشر. - الإيمان بأن السيدة مريم العذراء والدة الإله، ولذا يوجبون تقديسها كما يقدسون القديسين، والأيقونات غير المجسمة، وذخائر القديسين، ويقدسون الصليب، ويتخذونه رمزاً وشعاراً. - تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالمجامع المسكونية السابقة على مجمع كليدونية لعام (451) م، بينما تؤمن الكنيسة اليونانية ومن تابعها وكنيسة أورشليم الأرثوذكسية بجميع المجامع السابقة على مجمع القسطنطينية (869) م. - الإيمان بنصوص الكتاب المقدس وبما يتضمنه من أسفار التوراة وأسفار الأنبياء بالإضافة إلى باقي الأسفار الأخرى، ولكنها تستخدم في الطقوس الكنسية النموذج البروتستانتي الذي يشتمل على الأسفار الخمسة فقط، كما تؤمن بنصوص العهد الجديد ورسائل الرسل على ما أقر في مجمع نيقية الأول (325)م. الفرع السابع: العبادات والشعائر:
- تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بالأسرار السبعة للكنيسة: 1- سر المعمودية. 2- سر الميرون. 3- سر القربان . 4- سر الاعتراف. 5- سر مسحة المرض. 6- سر الزواج . 7- سر الكهنوت. - الصلاة: يعتقد الأرثوذكس بوجوب سبع صلوات: صلاة باكر، وتقال في الفجر، والساعة الثالثة وتقال التاسعة صباحاً، وصلاة السادسة، وتقال ظهراً، وصلاة التاسعة وتقال حوالي الثالثة بعد الظهر، وصلاة الغروب، وصلاة النوم، وصلاة نصف الليل وتقال على دفعات. والصلاة إما أن تكون فردية أو جماعية، وهي عبارة عن دعاء بهيئة معينة، ولا تستخدم الآلات الموسيقية في الترانيم الكنسية، ولا يقام فيها القداس يوميًّا. - الصوم: وهو الامتناع عن الأكل حتى الغروب، ولغير المستطيع أن يصوم على قدر طاقته، ويعفى منه خمس فئات: المرضى، والرجل الشيخ، والمرأة العجوز، والأطفال أقل من اثنتي عشر سنة، والمرأة الحامل، والمرضع، ويمكنهم أن يأكلوا تبعاً لما رسمه لهم آباء الكنيسة بالامتناع عن اللحوم بأنواعها ومستخرجاتها، ويقتصر على ما تنبت الأرض. وأنواع الصوم عندهم سبعة: الصوم الكبير السابق لعيد القيامة عندهم، والصوم السابق لعيد الميلاد، صوم يونان، صوم الرسل بين عيد الخماسين وعيد الرسل، صوم السيدة العذراء، صوم البرمون، وذلك على مدد متفاوتة لكل منها. - الأعياد: تنقسم الأعياد في الأرثوذكسية إلى: 1- أعياد سيدية كبرى. 2- أعياد سيدية صغرى، وللكنيسة المصرية أعياد خاصة بها مثل أعياد القديسين والشهداء. - تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد ميلاد السيد المسيح في اليوم السادس من شهر يناير. درجات الكهنوت: الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة شعبية يقوم على رأسها البابا أو البطريرك، ويرأس كل مجموعة كنائس بطريركية في البلد أو الإقليم، ويقوم بجانبها مجلس مقدس كالمجلس الملي في مصر الذي يضم مطارنة وعلمانيين، وتشرف عليه الحكومة المصرية. ويتكون التنظيم الكهنوتي للكنيسة من البطريرك، ثم المطارنة، ثم الأساقفة، ثم القمامصة، ثم القساوسة ثم الشمامسة ولا تعترف الكنيسة بسلطة بابا روما ولا بعصمته. - الرهبنة: وهي سبع مقامات روحية، وتنقسم إلى نوعين: رهبنة فردية، رهبنة ديرية. - الدين: تؤمن الأرثوذكسية مثل باقي الكنائس بعالمية النصرانية، كما تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بضرورة بعث ميراث الكنيسة القبطية، وإحياء القومية واللغة القبطية. وينادي بطريرك الكنيسة الحالي شنودة الثالث بأن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم حلولاً لكل المشكلات وأجوبة على كل الأسئلة المتصلة بالدنيا والدين، ولذلك نشطت في عهده في التنصير، وإقامة الكنائس في أفريقيا وغيرها. - تقبل زواج الكهنة إذا تزوجوا قبل الدخول في الرتب الكنسية، ولا تسمح بزواج الكهنة بعد وفاة الزوجة الثانية. - تعمل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على عرقلة تطبيق الشريعة الإسلامية، أو قصرها على المسلمين فقط، كما تسعى إلى امتلاك ناصية الاقتصاد المصري. - تمنح الكنيسة الجوائز للمتزوجين، ومساعدة من يريد الزواج منهم لزيادة نسلهم.
الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقائدية:
- الكتاب المقدس بالإضافة إلى المجامع المسكونية حتى مجمع كليدونية 451م بالنسبة للكنيسة المصرية، ومجمع القسطنطينية بالنسبة للكنائس الأرثوذكسية الأخرى. - الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، والفلسفة الغنوصية. - الحضارات القديمة: المصرية، اليونانية، الهندية
الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ:
تنتشر الكنائس الأرثوذكسية اليونانية في الدول التالية: تركيا، اليونان، روسيا، ودول البلقان، وجزر البحر الأبيض، والمجر ورومانيا، وتشرف كنيسة أنطاكية على بيت المقدس، كما أن لطور سيناء في مصر كنيسة مستقلة تشرف على دير سانت كاترين، ومطرانها هو الأب رئيس الدير. - ينتشر نفوذ الكنيسة المصرية في مصر حيث يبلغ إجمالي نصارى مصر بجميع مذاهبهم وطوائفهم 5.78% من إجمالي السكان حسب الإحصائيات الرسمية بالتعاون مع عشر هيئات محلية وعالمية من بينها الأمم المتحدة، ويتبعها نصارى الحبشة والسودان حيث بها أقدم الكنائس التابعة لكنيسة الإسكندرية. وفي العصر الحديث أسست الكنيسة المصرية عدة كنائس تابعة لها في كل من: كينيا، وليبيا، الجزائر، الكويت، العراق، الإمارات، دبي، أبو ظبي، البحرين، بلاد الشام، فلسطين، دير السلطان، الأردن، لبنان، أمريكا الشمالية، كندا، استراليا، وبعض دول أوروبا مثل: النمسا، وفرنسا. - الأرمن: تتفق كنيسة الأرمن مع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في الأفكار والمعتقدات وإن كان لها ترتيب كنسي خاص بها. - اليعقوبية: تتفق مع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في الإيمان بالمذهب المونوفيزيتي في القول بالطبيعة الواحدة للمسيح، ويتواجد معظم أتباعها في العراق، بينما يقيم بطريركهم في حمص بسوريا. يتضح مما سبق: - اختلاف أتباع المذهب الأرثوذكسي فيما بينهم في أصل العقيدة وقانون الإيمان، ولذلك فإن الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية فضلاً عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية تحكم بكفر وهرطقة الكنيسة المصرية. - كان للفلسفة الأفلاطونية الحديثة، وللأفكار الغنوصية أثرُها على عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية. - كان للتلفيق بين تعاليم النصرانية والعقائد الوثنية في مصر وبلاد الكنيسة الأرثوذكسية- بزعم الترغيب في النصرانية- أثره البالغ في انحراف عقائد وأفكار الكنيسة. - ظهرت القسوة والاضطهاد بين أبناء الملة الواحدة لمحاولة السيطرة، وفرض مذاهبهم بالقوة، مثل ما حدث بين أتباع الأرثوذكسية البيزنطية وبين أبناء الكنيسة المصرية من الاضطهاد والتعذيب، وبين أتباع الكنائس الغربية، سواء كانت كاثوليكية أو بروتستانتية أو أتباع الأرثوذكسية. - كان لتحكُّم الإمبراطورية البيزنطية في الكنيسة وسياستها أثره البالغ على عدم استقرارها وكثرة انحرافاتها. - تحالف النصارى الأرثوذكس مع الحملات الصليبية في سوريا ولبنان ومصر إبان الحملة الفرنسية والحملة الإنجليزية على مصر والشام، وبرزت شخصيات نصرانية متعصبة، ومتأثرة بالدعاية الغربية التي أخذت تدعو في مصر مثلاً إلى إحياء القومية واللغة القبطية. - الأثر البالغ والبعيد المدى لمدارس الأحد في تخريج قيادات الكنيسة المصرية على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية. - ظهور التوجه السياسي للكنيسة القبطية، ومحاولة التأثير في السياسات الحكومية بما يوافق مصالحهم وخططهم، مستخدمة في ذلك انتشار وزيادة نفوذ الكنيسة في داخل وخارج مصر، مستغلة العلاقات الدولية والتجمعات القبطية في الخارج لتهيئة الرأي العام العالمي ضد المسلمين؛ لكسب المزيد من التعاطف الدولي لدعم قضاياهم الدينية والسياسية. - اهتمام الكنيسة المصرية بالحملات التنصيرية في داخل وخارج مصر مستخدمة في ذلك وسائل متعددة. أما الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية ومن يتبعها فكانت جهودهم ضعيفة في هذا الجانب؛ نظراً للتحجيم الشيوعي لدور الكنائس في روسيا ودول أوروبا الشرقية. مراجع للتوسع: - دائرة المعارف الإسلامية، إصدار شركة سفير، القاهرة. - دائرة المعارف - القاموس العام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة بيروت. - موسوعة تاريخ الأقباط، زكي شنودة - مطبعة التقدم - القاهرة. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. -تاريخ أوروبا في العصور الوسطى - الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. نسيم جوزيف يوسف، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ الدولة البيزنطية. د. نسيم جوزيف يوسف، مكتبة الأنجلو المصرية. - الدولة العثمانية والبلقان، د. علي حسون، المكتب الإسلامي. - مصر من الإسكندر الأكبر حتى الفتح العربي، مصطفى العبادي، مكتبة وهبة. - المسلمون والأقباط في إطار الوحدة الوطنية، طارق البشري، الهيئة العامة للكتاب، مصر. -الفتنة الطائفية في مصر - جذورها، أسبابها، جمال بدوي، المركز الدولي للصحافة. - الأقباط في السياسة المصرية، مصطفى الفقي، دار الشروق. - قصة الكنيسة القبطية، إيزيس حبيب، المصري، كنيسة مارجرجس. - قذائف الحق، محمد الغزالي، المكتبة العصرية. - خريف الغضب، محمد حسنين هيكل، شركة المطبوعات العصرية. - يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، مكتبة الاعتصام. - محاضرات النصرانية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي. -ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي. -المسيحية نشأتها وتطورها، شارل جان بيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود. -الفروق العقيدية بين المذاهب المسيحية، القس إبراهيم عبد السيد، كنيسة مارجرجس. - الماسونية عقدة المولد، محمود الشاذلي، مكتبة وهبة. - ملف الكنيسة المصرية، محمد مورو، مكتبة المختار الإسلامي. - تاريخ الفكر المسيحي، حنا جرجس الخضيري، دار الثقافة، القاهرة. - من أغمى فتيات مصر، أبو إسلام أحمد عبد الله، بيت الحكمة، القاهرة
الفرع الأول: التعريف:
أكبر الكنائس النصرانية في العالم، وتدَّعي أنها أم الكنائس ومعلمتهن، يزعم أن مؤسسها بطرس الرسول، وتتمثل في عدة كنائس تتبع كنيسة روما وتعترف بسيادة بابا روما عليها، وسميت بالكنيسة الغربية أو اللاتينية لامتداد نفوذها إلى الغرب اللاتيني خاصة .
الكاثوليك: وهم أتباع البابا في روما، وأهم ما يتميزون به هو: 1- قولهم بأن الروح القدس انبثق من الأب والابن معا. 2- يبيحون أكل الدم والمخنوق. 3- أن بابا الفاتيكان هو الرئيس العام لجميع الكاثوليك. 4- تحريم الطلاق بتاتاً حتى في حالة الزنا. والكاثوليك هم أكثر الأوربيين الغربيين وشعوب أمريكا الجنوبية، وتسمَّى كنيستهم الكنيسة الغربية
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
- يدعي أصحابها بأن القديس بطرس ت(62) م, هو المؤسس الأول لكنيستها على حسب ما أشار إليه القديس سيبريان ( 248- 258) م, مع أن مصادر التاريخ الكنسي تشير إلى أن لكل من بولس وبطرس دوره في وجودها. - أول من استعمل لفظ كاثوليك للدعوة لتأييد الكنيسة مقابل حركات الخروج على مفاهيمها وعقائدها - الهرطقة - أسقُف أنطاكية القديس أغناطيوس الأنطاكي في القرن الثاني الميلادي. - منذ أن أسس قسطنطين مدينة القسطنطينية، روما الجديدة، وبنى فيها كنيستها أجا صوفيا، وجعلها تلي كنيسة روما في المكانة، قام التنافس بين الكنيستين في السيطرة على العالم المسيحي، الذي استمر إلى أن تم الانفصال الإداري بينهما عام (869) م, بعد مجمع القسطنطينية. وفي خلال تلك الفترة وما يليها وقعت أحداث جسام، وبرز باباوات وقديسون، كان لهم أكبر الأثر في تطور الكنيسة. وفيما يلي أهم تلك الأحداث وأبرز هذه الشخصيات
الفرع الثالث: تأكيد سيطرة الكنيسة الغربية:
- اعترف مجمع سرديكا عام (343) أو (344) م, بحق استئناف قرارات المجامع الإقليمية إلى أسقف روما، مما زاد من دعاوى روما بأنها الحكم الأعلى للنصرانية. - البابا داماسوس الأول ( 366- 384) م, (له دور كبير) في ترجمة الإنجيل إلى اللاتينية، كما رأس مجمع روما عام (382) م, للرد على قرارات مجمع القسطنطينية لعام (381) م, لتأكيد صدارة روما التي تستمد مكانتها من وعد المسيح لبطرس الرسول بقوله: (وأنا أقول لك أنت الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها). - البابا ليو الأول (440– 461) م, والملقب بليو العظيم؛ حيث كان له دور بارز في حماية روما والحفاظ عليها بعد سقوطها عام (410) م, في يد الآريوسيين - أتباع آريوس- و..... في تمييز الكنيسة الغربية بعقيدتها في المسيح من حيث إن له طبيعتين - المذهب الملكاني - بعد تصديه لأصحاب مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح - المونوفيزتية - في مجمع كلدونية عام (451) م. - أصدر الإمبراطور فالنتيان سنة (455) م, مرسوماً يقضي بخضوع كل أساقفة وموظفي الإمبراطورية للبابا، مما زاد في نفوذ وثروات الكنيسة، وأقبل الناس على الدخول في الكنيسة بأعداد كبيرة؛ تطلعاً للمكانة والكسب المادي. - كان لاعتناق الإمبراطور كلوفس النصرانية، وتعميده على العقيدة الكاثوليكية عام (496) م أكبر الأثر في اعتناق الفرنجة السالين – أحد الطوائف الجرمانية – للمذهب الكاثوليكي. - في ( 6 أغسطس سنة 525) م, قرَّر الإمبراطور ثيودريك تسليم جميع الكنائس الكاثوليكية للأريوسيين؛ ردًّا على حملة الإمبراطور جستنيان في الدولة البيزنطية ضد الأريوسيين. فأنزل الاضطهاد والتعذيب على الكاثوليك، وسجن في هذه الفتنة البابا يوحنا الأول عام (525) م.
الفرع الرابع: العصور المظلمة:
ويطلقها مؤرخو النصرانية على الفترة من تولِّي البابا جرجوري الأول عام 590 م حتى تولِّي شارلمان الإمبراطورية (800 - 840) م حيث شهدت العديد من الصراعات والانشقاقات التي أدَّت إلى الانهيار السياسي والانحطاط العلمي والثقافي للنصرانية. وإن تميَّزت بقوة التبشير النصراني، بالإضافة إلى شروق شمس الإسلام من جبال فاران (بمكة المكرمة) عام (610) م, حتى عمَّت أشعتها نصف العالم، وأخضعت العديد من الممالك النصرانية في مصر وأفريقيا والأندلس وصقلية ودول الشام وإيران، ومن أبرز شخصيات هذا العصر: - البابا جرجوري الأول (590 – 604) م: الذي يلقب بجريجوري العظيم؛ لاهتمامه البالغ بتطوير الكنيسة وإصلاحها، متأثراً بمبادئ وأصول الأديرة البندكتية التي نشأ فيها. بالإضافة إلى اهتمامه بالنواحي السياسية والإدارية، والدعوة للنصرانية حتى امتد نفوذ الكنيسة في عهده إلى أفريقيا وغاليا- فرنسا- ودخلت إسبانيا وإنجلترا في النصرانية بعد بعثة القديس أوغسطين عام (597) م، وقد أصبحت الكنيسة في عهده أشبه بالحكومة المدنية العلمانية، وبذلك استطاع فرض سيادة البابوية على الأساقفة الشرقيين في النواحي القضائية بما فيهم بطريرك القسطنطينية، فحقق بذلك للبابوية قسطاً من السمو لم يسبق إليه مما كان لذلك الأثر البالغ في تذكية الصراع بين البابوية والإمبراطورية. الفرع الخامس: القرون الوسطى:
وتطلق على الفترة ما بين (800 – 1521) م, التي اتسمت بكثرة الحروب الأهلية، والتي دامت طويلاً بين البابوية والإمبراطورية، واتسمت بظهور حركات الخروج على مبادئ الكنيسة فيما وسَمَتها الكنيسة بالهرطقة، ولذلك توسعت في استخدام محاكم التفتيش ضد هذه الحركات، وضد الأصوات المنادية بالإصلاح الكنسي. وفي تلك الفترة أيضاً كانت بداية الحروب الصليبية، بالإضافة إلى فتح المسلمين للقسطنطينية عام (1453) م ويمكن تقسيم أهم أحداث الكنيسة الكاثوليكية خلالها إلى: - العهد فيما بين شارلمان وجريجوري السابع (800 - 1073) م: وفيه ازدهرت البابوية، حيث اعتبر شارلمان المتوَّج من البابا ليو الثالث (800) م, نفسه حامياً للبابوية، وأنه رأس الكنيسة والدولة معاً، فأصبح يعيِّن الأساقفة، ويتولَّى رئاسة المجامع الرئيسية التي يدعو إليها، بالإضافة إلى تشريعه للقوانين اللازمة للكنيسة – القانون الكنسي – كما اهتمَّ بإصلاح المدارس الدينية، ورفع مستوى رجال الدين الثقافي؛ فظهرت لذلك نهضة علمية واسعة في عصره، إلا أن الصراع مع البابوية تجدَّد مرة أخرى؛ لرغبة البابا ليو الثالث في التخلص من سيطرة الإمبراطور، لكنه لم يفلح في ذلك. - الشقاق العظيم: والمراد به الاختلاف الكبير الذي أدَّى إلى الانفصال النهائي للكنيسة الشرقية والأرثوذكسية عن الكنيسة الغربية الكاثوليكية، بعد محاولة البابا ليو التاسع 1054 م فرض عقائد وأفكار الكنيسة الغربية على الشرق، التي رفضها بطريرك القسطنطينية ميخائيل كيرولاريوس، الأمر الذي فجَّر ما بينهما من الخلافات القديمة حول انبثاق روح القدس. - العهد فيما بين البابا جريجوري السابع والبابا بويفيس ( 1073- 1294) م: كان للبابوية في هذه الفترة دورها الكبير في تقرير تاريخ أوروبا كما كان لها في السابق، وذلك بعد سلسلة من الصراعات بين البابوية والإمبراطورية التي عقد من أجلها اللاتران الأول عام (1112) م, والثاني عام (1139) م, الذي أعلن فيه البابا أنوسنت الثاني (1130 - 1143) م, أن البابا له السيادة العليا على جميع الحكام العلمانيين. وما أنتهى هذا الصراع في هذه المرحلة إلا بعد توقيع الصلح بين البابوية والإمبراطور فردريك (1177) م. ومن أهم أحداث هذه الفترة انطلاق الحملات الصليبية التي دعا إليها البابا جريجوري السابع عام (1074)م. وقد أعلن عن بداية هذه الحملات البابا أوربان الثاني في مجمع كليرمونت عام (1095) م، ولم يكتب لهذه الحملات النصر إلا في الحملة الأولى، ثم انكسرت شوكتهم بعد ذلك. كما شهدت تلك الفترة ظهور حركات الهرطقة ضد الكنيسة، ومنها حركة المارسونية التي تُمثل أكبر بدعة ناهضت الكنيسة في تلك الفترة، بالإضافة إلى سقوط القسطنطينية على يد الحملة الصليبية الرابعة (1453) م، بالإضافة إلى تقنين القانون الكنسي. - العهد بين البابا بونيفيس الثامن إلى عهد الإصلاح (1294-1517) م: وهذه الحقبة التاريخية تمثل آخر فترات القرون الوسطى في أوروبا، وفيها اشتدَّ الصراع بين البابوية والإمبراطورية التي عملت على تفتيت قوة ونفوذ البابوية إلى أن تمَّ إضعافها تحت ضربات حركات الإصلاح المتتالية، وتأسيس كنيسة البروتستانت المعترضين. ومن أهم الأحداث الكنيسية في تلك الفترة: فشل حركات الإصلاح الكنسي؛ لتواطؤ البابا مارتن الخامس والبابا أبو جينوس الخامس(1417-1447) م على إجهاض حركات الإصلاح؛ تحقيقاً لأطماعهم الشخصية. كما شهدت تأسيس عدد من الجمعيات الرئيسية لمساعدة الكنيسة ضد حركات الخروج عليها، وإمدادها بأتباع مخلصين مثل: اليسوعيين عام (1534) م، والإخوان الفرنسيسكان والإخوان الدومينكان. - مجمع ترنت (1542 - 1563) م: الذي عقد على أثر ثورات الإصلاح التي علا صوتها بعد إعدام حناهس التي من أبرزها ثورة مارتن لوثر التي ساندتها الحكومة والشعب الألماني. وفي الوقت نفسه كان في سويسرا ثورة أخرى بقيادة الرخ زونجلي، ليعارض الكنيسة، ويؤيد دعوة لوثر، فعُقِد مجمع ترنت ليقرر عدم قبول آراء الثائرين، ويقضي بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، ثم ليصدر البابا ليو العاشر قراراً بحرمانه من الحقوق المدنية والرئيسية والقانونية، ليظهر بعد ذلك معارض ثالث في فرنسا: جون كلفن ( 1509- 1564) م, الذي هرب إلى سويسرا لينشر مبادئ مارتن لوثر، ويجمع حولها الأنصار، وتؤيده في ذلك بعض الدول؛ ليتقلص نفوذ الكنيسة الغربية - الكاثوليكية- وتنفصل عنها كنيسة جديدة - البروتستانتية - لتزيد من الفرقة والشقاق في العالم النصراني، ولتشتعل الحروب الطاحنة بين الكنيستين لعدة سنوات التي ذهب ضحيتها خلق كثير، حتى أمكن التوصل إلى صلح - صلح أوجزبرج - سنة (1555) م, على أساس إقرار مبدأ إسيبير الأول سنة (1526) م, القائل بأن لكل أمير الحق في اختيار المذهب الذي يريد سريانه في إمارته. وهكذا غربت شمس الكنيسة الكاثوليكية، وتقلَّص سلطانها؛ إذ أصبح بمقدور كل دولة الخروج على سلطة البابا. - مجمع روما (1769) م: في هذا الجو العاصف بالحركات الثائرة على الكنيسة عُقِد هذا المجمع ليحدث مزيداً من الانشقاق داخل الكنيسة بسبب تقريره عصمة البابا، لتظهر جماعة من المخالفين للقرار، سمَّوا أنفسهم بالكاثوليك القدماء. - موقف الكنيسة من العلم والعلماء: ما أن ظهرت في أوروبا بوادر ما يسمى بالنهضة العلمية المتأثرة بحضارة المسلمين في الأندلس بعد ترجمة العلوم الإسلامية واليونانية إلى اللاتينية، وبرز عدد من العلماء الذين بيَّنوا بطلان آراء الكنيسة العلمية، وبخاصة في الجغرافيا والفلك، حتى تصدَّت لهم الكنيسة استناداً على ما ورد في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: (إن كان أحد لا يثبت فيَّ، يُطرح خارجاً كالغصن فيجف، ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق). ولذلك استخدمت ضدهم الرقابة على الكتب والمطبوعات؛ لئلا يذيعوا آراءً مخالفةً للعقيدة الكاثوليكية، وتوسَّعوا في تشكيل محاكم التفتيش ضدهم، وقد حكمت تلك المحاكم في الفترة من (1481 - 1499) م, على تسعين ألفاً وثلاثة وعشرين شخصاً بأحكام مختلفة، كما أصدرت قرارات تحرِّم قراءة كتب جاليليو وجيوردا نويرنو، وكوبرنيكوس، ونيوتن؛ لقوله بقانون الجاذبية الأرضية، وتأمر بحرق كتبهم. وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس في غرناطة ثمانية آلاف كتاب مخطوط؛ لمخالفتها آراء الكنيسة.
الفرع السادس: بعث الأمة الكاثوليكية:
البابا الحالي للفاتيكان يوحنا بولس الثاني (1978-…) م, الكاردينال كارول البولندي الأصل الذي يتميز عن غيره بأنه رجل تنظيم وسياسة. ولذا فإنه يتبنى فكرة بعث الأمة الكاثوليكية من خلال إيجاد حكومة عالمية أو إمبراطورية مقدسة، التي لا تكون إلا من خلال تحقيق وحدة القارة المسيحية الأوروبية، وبناء أوروبا جديدة على القواعد النصرانية، مما لابد فيه من حدوث صراع سياسي ومالي وربما عسكري، وأن مهمة الفاتيكان فيه هو تهيئة الأجواء؛ لكسب هذا الصراع الحتمي مع التجمعات الأيدلوجية الأخرى. والبابا متأثر في ذلك بأفكار حركة المنشأة الإلهية (Opos Dei) والقاضية بأنه بالحكم والمال وحدهما تتحقق الآمال، ويحدث التغيير. كما يراهن البابا يوحنا بولس الثاني على أن قارة أفريقيا ستصبح قارة نصرانية عام (2000) م, وفي سبيل ذلك فإنه يقوم بما يزيد على أربع رحلات سنويًّا، ويحاول التقارب وإيجاد أرضية عمل مشترك مع الطوائف النصرانية الأخرى، رغم ما بينهم من خلافات جذرية. - أعلنت لجنة الفاتيكان للعلاقات مع اليهود براءة جديدة لليهود من دم المسيح في (24يونيو 1985) م، ونشرتها مجلة أوبسير فاتوري رومانو لسان حال الفاتيكان في عددها الصادر بتاريخ (25 يونيو 1985)م، وذلك بناءً على توجيهات البابا يوحنا بولس الثاني. كما دعت تلك الوثيقة إلى عدم اعتبار اليهود شعباً منبوذاً أو معادياً للمسيح. على أن المسيح نفسه كان يهوديًّا وسيظل يهوديًّا، ولذلك فهي تؤكد أيضاً أن أرض فلسطين المحتلة هي أرض أجداد اليهود، كما تدعو إلى ترك المفهوم التقليدي للشعب المعاقب كما في نظر النصرانية؛ لأنه يبقى في النهاية الشعب المختار.
الفرع السابع: الأفكار والمعتقدات:
- الألوهية: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية مثل باقي الكنائس الأخرى بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس، على حسب ما ورد في قانون الإيمان النيقاوي لعام (325) م، كما تؤمن بأن للمسيح طبيعتين بعد الاتحاد: إحداهما لاهوتية، والأخرى ناسوتية. - يؤمن الكاثوليك بما أُقرَّ في مجمع القسطنطينية الرابع عام (869) م, من أن الروح القدس منبثق من الآب والابن معاً. - الأقانيم: يعتقد الكاثوليك أن أقنوم الابن أقل من أقنوم الأب في الدرجة، وأن الأقانيم ما هي إلا مراحل انقلب فيها الله إلى الإنسان، ولذا فهي ذوات متميزة يساوي فيها المسيح الأب حسب لاهوته، وهو دونه حسب ناسوته، كما ينص على ذلك قانون الإيمان الأثناسيوسي. - التجسد والفداء: الإيمان بتجسُّد الله- تعالى عن قولهم - في السيد المسيح من أجل خلاص البشرية من إثم خطيئة آدم وذريته من بعده، فيعتقدون أنه وُلد من مريم وصلب ومات فداءً لخطاياهم، ثم قام بعد ثلاثة أيام ليجلس على يمين الرب؛ ليحاسب الخلائق يوم الحشر. - السيدة مريم والأيقونات: يقدسون السيدة مريم والقديسين والقديسات، والأيقونات المجسمة والمصورة مع الإشادة بالمعجزات. - الإلهام: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بالإلهام كأحد مصادر المعرفة والوحي المستمرة. - الصليب: يقدسون الصليب ويتخذونه شعاراً. - الكتاب المقدس: تؤمن الكنيسة الكاثوليكية بنصوص الكتاب المقدس، وبما يتضمنه من التوراة وأسفار الأنبياء وبالعهد الجديد ورسائل الرسل على ما أقر في مجمع نيقية الأول. - أسرار الكنيسة: يؤمن الكاثوليك بممارسة سر الاعتراف مرة واحدة في السنة، وكذلك سر التناول في عيد الفصح، كما يستعملون الفطير في العشاء الرباني بدلاً من الخبز المختمر، والمعمودية لا تتمُّ إلا بالرش لا بالتغطيس ثلاثاً، وتكون من الكاهن أو بالصبغة بدم الشهيد في سبيل الإيمان فقط، والمسح بالميرون المقدس يجوز تأخيره عن التعميد للقاصر حتى يبلغ سن الرشد، ولا يمسح بالزيت المقدس إلا لمن شارف على الموت، ويحرم الطلاق في جميع الأحوال حتى في حالات الزنا، وقد انفردت الكنيسة الكاثوليكية بسر ثامن عن الكنائس الأخرى، ألا وهو عصمة البابا عن ارتكاب المعاصي والآثام. - الحياة الأخرى: يعتقد الكاثوليك أنه يوجد بعد الموت مكان ثالث يسمَّى المطهر تُعتقل فيه النفوس التي لم تصل إلى درجة النقاوة الكاملة، وتظل تُعذَّب حتى تطهر بما بقي عليها من الدين للعدل الإلهي، وعندئذ يسمح لها بدخول الملكوت. - خلق أفعال العباد: وأن كل ما خلقه الله تعالى حسن، وإنما الشر من خلق العباد. - تبيح أكل الدم والمنخنقة على خلاف قرارات مجمع الرسل الأول في أورشليم (51 - 55) م، و يجوز للرهبان أكل دهن الخنزير، ولبس الأساقفة الخواتم في أصابعهم، كما يجوز للكهنة حلق لحاهم على عكس الأرثوذكس. - القداس: القداس محور العبادة والحياة الروحية على أنه يقام يوميًّا. - الصلاة والصيام: الصلاة الفردية أساسية في الدين على أن للصلاة طرقاً عديدة، وينبغي أن تقترن بشيء من التقشُّف، والصيام المفروض هو الصوم الكبير السابق لعيد الفصح، وجعل صوم الجمعة والسبت فقط عبارة عن الانقطاع عن أكل اللحوم. كما فرض أيضاً صوم الأزمنة الأربعة فيما يعرف بصوم البارامون (أي: الاستعداد للاحتفالات) وهي السابقة لأعياد الميلاد، والعنصرة وانتقال العذراء وجميع القديسين. ويوجد خلاف بين الكنيسة اللاتينية وطوائف الكنيسة الكاثوليكية الشرقية في قواعد الصوم. - الطقوس: تتميز باستعمال اللغة اللاتينية، والبخور، والصور، والتقويم الخاص بها. - للكنيسة الكاثوليكية عدة طقوس إلى جانب الطقوس الرومانية، هناك من يستعمل الطقوس الشرقية مثل الروم الكاثوليك، جنوب إيطاليا، والموارنة والسريان الذين يتبعون الطقس الأنطاكي، وهناك كاثوليك أقباط وأحباش يستمسكون بالطقس القبطي. - التنظيم الكهنوتي (الإكليروس): يدير البابا الكنيسة بواسطة كرادلة في روما ومطارنة في جميع أنحاء العالم. تنقسم الكنيسة عند الكاثوليك إلى أبروشيات على رأس كل أبروشية مطران يعيِّنه البابا، وفي كل أبروشية عدة كنائس يديرها كهنة رعاة لخدمة أبناء الكنيسة. - البابا: كما تعتقد أن السيد المسيح أقام بطرس نائباً على الأرض، ورئيساً على الرسل، ورأساً للكنيسة، وعلى ذلك فالبابا في روما هو خليفة بطرس، ورأس الكنيسة من بعده، ومرشدها الأعلى لجميع الكاثوليك في العالم. ونظراً لاعتقادهم بعصمة البابا فإن المغفرة حق من حقوق الكنيسة تعطيها لمن تشاء. - الجماعات الدينية المكونة من الرهبان والراهبات تخضع لبابا روما عن طريق رؤسائها الموجودين في روما. - يدرس الكهنة قبل اضطلاعهم بمهمتهم العلوم الدينية خمس أو ست سنوات، ويدربون في معاهد دينية خاصة، ولا يتزوج رجال الدين إلا القليل منهم.
الفرع الثامن: الجذور الفكرية والعقدية:
- نصوص الكتاب المقدس، بالإضافة إلى المجامع المسكونية والإقليمية أو المحلية التي أيَّدت عقيدة الكنيسة. - الديانات الوثنية: المجوسية، البوذية، الرومانية، المصرية القديمة. - الفلسفةالأفلاطونية الحديثة، الفلسفة الغنوصية.
الفرع التاسع: الانتشار ومواقع النفوذ
- تنتشر في أوروبا: إيطاليا، فرنسا، لتوانيا، بولندا، سلوفاكيا، المجر، كرواتيا، بلجيكا، إسبانيا، البرتغال، أيرلندا، كندا الفرنسية، أمريكا اللاتينية، الفلبين، وجنوب شرق آسيا. وهناك أقليات في الولايات المتحدة الأمريكية، وهولندا، وألمانيا، وبعض دول أفريقيا. يتضح مما سبق: - أن المتأمل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية لَيجِد أنه كان لها دور كبير في أحداث تاريخ أوروبا بمختلف مراحله. - كان للصراع مع الحكام والملوك أثره في ظهور عقائد جديدة في الكنيسة لم تكن من قبل مثل: سمو مكانة البابوية والكنيسة الغربية، وعصمة البابا عن ارتكاب الآثام والمعاصي بزعم أن روح القدس ينطق من فِيِه، على ما أقر في مجمع روما عام (1769) م السر الثامن(1). - ونظراً لاتباع الهوى وترك التشريع للرجال والمجامع ظهر التضارب في آراء الكنيسة والانقسام في صفوفها، فما يُقرُّ في مجمع يُنقَض في آخر، وفي كلتا الحالتين يأخذ صفة الحكم الإلهي، ففي فترات سيطرة رجال الكنيسة على مقاليد الحكم تستند إلى أقوال القديس أغسطس القاضية بأن تخضع سلطة الدولة لسلطة الكنيسة التي تمثل مدينة الله. وفي فترات الاضطهاد تظهر دعاوى فصل الدين عن الدولة مثلما جاء في رسالة هوزيوس أسقف قرطبة للإمبراطور قسطنطيوس عام (355) م: (أما من جهتك فينبغي ألا تجرَّ على نفسك جريمة ارتكاب ذنب خطير، بأن تسعى لأن تتولى حكومة الكنيسة، فلتُعطِ ما لقيصر لقيصر، ولتجعل لله ما لله، فلا يجوز لنا أن نباشر سلطة دنيوية، وليس لك أيها الإمبراطور الحق في أن تحرق البخور). وهذا ما اعتقدته حركة الإصلاح الكلوانية أنه سبيل لإصلاح الكنيسة. - انتشرت داخل الكنيسة كافة مظاهر الانحراف والفساد مثل السيمونية، ومخالفة القانون الكنسي، رغم دعاوى الرهبنة والعزوبة وحياة الزهد والتقشف التي فرضها القانون الكنسي، ولم تستثن أحداً بدءًا من البابا حتى أصغر كاهن وراهب. تقول القديسة كاترين السينائية في القرن الرابع عشر الميلادي: (إنك أينما ولَّيت وجهك سواء نحو القساوسة أو الأساقفة أو… لم تر إلا شرًّا ورذيلة، تزكم أنفك رائحة الخطايا الآدمية البشعة، اتخذوا بطونهم إلهاً لهم، يأكلون ويشربون في الولائم الصاخبة، حيث يتمرغون في الأقذار، ويقضون حياتهم في الفسق والفجور). - كان للرهبانية أثرها البالغ على الأخلاق الأوربية، فانعدمت أخلاق الفتوة والمروءة التي أصبحت من المعايب والرذائل، كما هجر الناس البشاشة والسماحة والشجاعة. ومن أهم نتائجها أن تزلزلت دعائم حياة الأسرة، فكثيراً ما أصبحت الأمهات ثكلى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى، بعد خطفهم من الرهبان، فأصبحوا يتكفَّفون الناس ويتوجَّهون إلى الصحراء، همُّهم الوحيد أن ينقذوا أنفسهم في الآخرة. وكان الرهبان يفرُّون من ظل النساء، ويتأثَّمون من قربهن، يعتقدون أن مصادفتهن في الطريق العام والتحدث إليهن- ولو كن أمهات أو زوجات أو شقيقات- تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية. - رغم الجوانب والآثار السلبية للحروب الصليبية، وما تميزت به من قسوة ضد المخالفين، سواء كانوا من نصارى أو مسلمين، إلا أنها كانت سبباً في انتقال المعارف الإسلامية إلى أوروبا. تقول الكاتبة الألمانية هونكة في شمس العرب تسطع على الغرب: (وكان للحروب الصليبية دور هام في تطور نظام الحصون وطرق الدفاع، أي: في أوروبا)، وتقول: (اختلط ملوك أوروبا وأمراؤها بملوك الشرق وأمراء المسلمين في أثناء الحرب الصليبية، ورأوا بأعينهم أدباء العرب وشعراءهم ومؤرخيهم، لاسيما من كان منهم بمعية صلاح الدين الأيوبي). وتقول: (وفي مراكز العلم الأوروبية لم يكن هناك عالم واحد من بين العلماء إلا ومدَّ يديه إلى الكنوز العربية). ومع ذلك لا تزال الصليبية على عهدها الأول يمنعها عن قبول الحق حواجز التقليد للآباء والأجداد والعقائد المتوارثة حتى لو شهدت الأدلة الساطعة على بطلانها. وقد نصَّ القرآن الكريم على أمثالهم بقوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [ البقرة: 170]. - لم تقتصر محاكم التفتيش على المخالفين للكنيسة من النصارى فقط، ولكنها طالت المسلمين أيضاً، ففي القرن الخامس عشر والسادس عشر بعد سقوط الأندلس ذبحوا وأحرقوا ما يزيد على (31) ألفاً من المسلمين، ولم يتركوا مسلماً على قيد الحياة أو غير منفي. وبعد استقلال اليونان عن الدولة العثمانية أباد النصارى شعب موريا المسلم عن آخره، بل ودمَّروا المساجد، وما فعله الأسقف مكاريوس بمسلمي قبرص، والمتعصب جوليوس نيريري بمسلمي زنجبار ليس منا ببعيد. - تنتقد دائرة المعارف البريطانية دعوى الإلهام التي ما زالت تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية على أنها أحد مصادر المعرفة والوحي بقولها في المجلد الحادي عشر: (إن كل قول متدرج في الكتب المقدسة ليس إلهاميًّا) وهو ما أيَّده جيروم وكرتيس وبمركوبيس وغيرهم من علماء النصرانية في القرن الثاني الميلادي حيث قالوا: (إن الذين يقولون: إن كل مندرج في الأناجيل إلهامي. لا يقدرون على إثبات صحة دعواهم). وهو ما أكَّدته دائرة المعارف الفرنسية في المجلد السابع من أن: (هؤلاء الحواريين أصحاب المسيح ما كان يرى بعضهم بعضاً صاحب وحي، كما يظهر في مباحثاتهم في محفل أورشليم). - وكما جنت الكنيسة على الديانة النصرانية بإدخال العقائد الوثنية، علاوة على التبديل والتحريف الذي لحق بالنصرانية وكتابها، جنت أيضاً عليها وعلى الإنسانية بمحاربتها للعلم والعلماء باسم الدين. وظهور الفساد داخل الكنيسة، مما دفع الأفكار الإلحادية المناوئة للدين إلى الظهور تحت ستار المناداة بحرية الفكر، وحرية اختيار المذاهب الاعتقادية ولو كانت إلحادية، وبالتالي ظهرت الدعوات إلى الإلحاد والعلمانية بمذاهبها المختلفة. يقول فولتير في كتابه مقبرة التعصب: (ينبغي أن يخضع القسس للحكومة؛ لأنهم أفراد من الرعية التابعة للدولة). ونتيجة لحرية الفكر والقضاء على رقابة الكنيسة تم بعث التراث الفلسفي اليوناني، سواء المترجم بالعربية أو اليونانية، وظهرت المذاهب المادية الإلحادية والفلاسفة الماديين أمثال برتراندراسل، هيجل، وأنجلز، وكثرت مؤلفاتهم التي تدعو إلى القضاء على الدين. يقول ديدرو هلباخ، ورينال في الأنكلوبيديا: (إن الشرائع والأديان هي العوائق التي تحول دون حصول الإنسان على السعادة، فيجب عليه محوها ليرجع إلى الطبيعة) (تاريخ التمدن الحديث، شارل أسنيوبوس، ص47). - إن النصرانية التي يتبناها الفاتيكان اليوم هي النصرانية السياسية التي تريد ربط دول آسيا وأفريقيا بعجلة الغرب عن طريق نشر النصرانية بينهم، وخلق جملة من الأفكار النصرانية التي تقف أمام الإسلام والمسلمين في جميع الميادين. وفي سبيل ذلك تقاربت طوائف النصرانية واليهودية للحدِّ من مارد الإسلام الذي بدأ يصحو من جديد. - يقول رازينجر منظر السياسة في الفاتيكان: (من يبحث عن حل خارج الكنيسة في عصرنا الحديث ليس إلا واحد من اثنين: - العودة إلى عصر ما قبل المسيح - أرسطو وأمثاله. - التعلق بثقافة غير أوروبية من جهة وبالإسلام من جهة أخرى. - وبما أن الاحتمال الأول ليس له إمكانية الحياة، فيبقى الاحتمال الثاني - الإسلام - فعلينا أن نحذر الإسلام أكثر بكثير مما مضى، فهو اليوم يعود من أعماق التاريخ؛ ليقدم بديلاً عن نظامنا المشبع بالنصرانية). ويقول في أهمية وجود أندية لملء الفراغ الأيدلوجي لسقوط الشيوعية: (إن حدوث الفراغ الأيدلوجي في الثقافة العالمية بما يعني الانفتاح على الثقافات الأخرى بما فيها من مثل وقيم ومبادئ، وإن البقاء على التقليدية الكنسية السابقة، وما لقيصر لقيصر، ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، سيترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها لدخول الإسلام). ولذلك عملت الكنيسة على تجنيد السياسة والإعلام الأوروبي، وتوجيه عموم الشعب، نحو خصم جديد: الإسلام، ويتضح ذلك من ردود فعل رجال السياسة الأوروبيين وتصريحاتهم حول رواية سلمان رشدي وغيره، ومن الحملات الإعلامية حول الأصولية والإرهاب. مراجع للتوسع: - دائرة المعارف البريطانية. - دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، المعلم بطرس البستاني، دار المعرفة، بيروت. - الموسوعة العربية الميسرة، بإشراف محمد شفيق غربال، الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. - الموسوعة الثقافية، مديرة التحرير/ فايزة حكيم رزق الله – دار الشعب – مصر. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى- الحضارة والنظم، د. سعيد عبد الفتاح عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، السيد الباز، مكتبة الأنجلو المصرية. - تاريخ أوروبا الحديث من عصر النهضة إلى مؤتمر فينا، د. عبد الحميد البطريق. - تاريخ أوروبا في العصر الحديث، هـ.أ.ل. فيشر. ترجمة أحمد نجيب هاشم، دار المعارف مصر، د. عبد العزيز سليمان نوار، دار النهضة العربية، د. عبد المجيد نعنعي، مكتبة الأنجلو المصرية. - التاريخ المعاصر-أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، الحركة الصليبية، د. سعيد عبد الفتاح عاشور. - الثورة الفرنسية، د. حسن جلال، لجنة التأليف والنشر. - العلمانية، د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، دار طيبة. - سقوط العلمانية، أنور الجندي، دار الكتاب اللبناني. - تهافُت العلمانية، د. عماد الدين خليل، دار الرسالة. - قصة الاضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، توفيق الطويل، دار الفكر، القاهرة. - قصة النزاع بين الدين والفلسفة، توفيق الطويل، مكتبة مصر، القاهرة. - لوثر والإصلاح الديني، م. هـ مواري، ترجمة مرقص فهمي فرح (المجلد السادس – تاريخ العالم) مكتبة النهضة. - قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة زكي نجيب محمود، لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر. - شمس العرب تسطع على الغرب، زيغريد هونكه، ترجمة فاروق بيضون، د. كمال دسوقي. - موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، رسالة ماجستير، مخطوط المكتبة التجاري للطباعة والتوزيع. - ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن علي الحسني الندوي، مطبعة التقدم. - ما هي النصرانية، محمد تقي الدين العثماني، رابطة العالم الإسلامي. - يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار الاعتصام. - المسيحية، أحمد شلبي، مكتبة النهضة العربية. - تطور المسيحية، شارل جنيبيير، ترجمة د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، مصر. - الميزان في مقارنة الأديان – حقائق ووثائق، مستشار محمد عزت طنطاوي، دار العلم، دمشق. - الكتاب المقدس يتكلم، عبد الرحمن دمشقية، مخطوط. - مجلة الأمة القطرية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، ذو الحجة ( 1405هـ - يونيو 1985)
الفرع الأول: التعريف:
فرقة من النصرانية احتجوا على الكنيسة الغربية باسم الإنجيل والعقل، وتسمَّى كنيستهم بالبروتستانتية حيث يعترضون (Protest) على كل أمر يخالف الكتاب وخلاص أنفسهم، وتسمى بالإنجيلية أيضاً حيث يتَّبعون الإنجيل دون سواه، ويعتقدون أن لكل قادر الحق في فهمه، فالكل متساوون ومسؤولون أمامه .
البروتستانت: ويسمون الإنجيليين: وهم أتباع مارتن لوثر الذي ظهر في أوائل القرن السادس عشر الميلادي في ألمانيا، وكان ينادي بإصلاح الكنيسة وتخليصها من الفساد الذي صار صبغة لها. وأهم ما يتميَّز به أتباع هذه النحلة هو: 1- أن صكوك الغفران دجل وكذب، وأن الخطايا والذنوب لا تغفر إلا بالندم والتوبة. 2- أن لكل أحد الحق في فهم الإنجيل وقراءته، وليس وقفا على الكنيسة. 3- تحريم الصور والتماثيل في الكنائس؛ لأنها مظهر من مظاهر الوثنية. 4- منع الرهبنة. 5- أن العشاء الرباني تذكار لما حلَّ بالمسيح من الصلب في زعمهم، وأنكروا أن يتحول الخبز والخمر إلى لحم ودم المسيح عليه السلام. 6- ليس لكنائسهم رئيس عام يتبعون قوله. وهذه النحلة تنتشر في ألمانيا وبريطانيا وكثير من بلاد أوربا وأمريكا الشمالية
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات: الكنيسة البروتستانتية حركة إصلاحية بدأت في الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر متأثرة بدعوات الإصلاح السابقة لها، ومن ثَمَّ تحولت من حركة إصلاحية داخل الكنيسة إلى حركة عقائدية مستقلة ومناهضة لها، ومن أبرز المؤسسين: - مارتن لوثر: ولد لوثر في ألمانيا، وعاش في بيئة نصرانية تشيع فيها الخرافات والمعتقدات الزائفة. - وفي عام (1405) م, نال شهادة أستاذ في العلوم من جامعة إيرمورت، ولكنه لم يُتمَّ دراسته القانونية، وتحوَّل بعدها إلى الدراسات اللاهوتية، فدخل إلى دير الرهبان الأوغسطنين. ـ في عام (1507) م, عُيِّن قسيساً لرعاية كنيسة كنتبرج بألمانيا. - في عام (1510) م, دفعته نزعته الدينية وإخلاصه للكنيسة ورجالها إلي أن يحج إلى روما؛ ليتبرك بالمقر الرسولي في روما، حيث منَّى نفسه برؤية القديسين والزهاد من الرهبان والكرادلة. ولكن ما أن حلَّ في روما حتى هاله ما رأى من دعاوى: غفران الذنوب، وامتلاك سرِّ التوبة، وحقِّ منح صكوك الغفران، وتفشِّي مظاهر الفساد والانحلال الخلقي في الطبقات العليا من الكنيسة بوجه أخص. ومن ثم عاد إلى ألمانيا خائباً رجاؤه، ومستنكراً ما رأى، وأصبح منشغلاً بوضع خطة لإصلاح الكنيسة. - في عام (1517) م, أرسل البابا ليو العاشر مندوبه الراهب حمنا تتزل؛ لبيع صكوك الغفران في ألمانيا، فما أن أعلن عنها وبالغ في أمرها حتى ثار عليه لوثر، وكتب في معارضته وثيقَته الشهيرة التي تتضمن خمسة وتسعين مبدأ في معارضة الكنيسة، وعلَّقها على باب كنيسة القلعة. في الوقت الذي نشط في تأليف الكتب التي تعلن مبادئه، والتي أصبحت حديث الطبقة المتعلمة في ألمانيا مما زاد في التفاف الناس حوله، ولهذا كله أصدر البابا قراراً بحرمانه في عام (1520) م. - عندما تلَّقى لوثر القرار بحرمانه، قام بتحريض من بعض الأمراء الألمان من أصحاب دعوى الانفصال عن الإمبراطورية بحرقِه في وسط الجموع الحاشدة في وتنبرج، التي أصبحت جامعتها المهد الأساسي للتعاليم اللوثرية في ألمانيا. - في عام (1520) م, بعد ما أظهر مارتن لوثر تأييداً للنزعة القومية في الدولة الألمانية في تولِّي إدارة كنيستها، عقدت الكنيسة في روما مجمعاً قضى بمحاكمة لوثر أمام محكمة التفتيش، لكنه هرب إلى قلعة وارتبورج، وفيها ترجم العهد الجديد إلى الألمانية، ثم شرع في ترجمة الكتاب المقدس كله، لكنه لم يتمَّه، وعاد إلى وتنبرج مرة أخري. - في عام (1529) م, أراد الإمبراطور تنفيذ قرارات الحرمان ضد مارتن لوثر، فأعلن حكام الولايات الإنجيلية في ألمانيا في مجلس سبير في (19) نيسان أنهم مستعدون لطاعة أوامر الإمبراطور والمجلس في كل القضايا الواجبة إلا التي تتعارض مع الكتاب المقدس أو التي لا يوجد لها نص فيه، وبالتالي رفضوا تسليم لوثر لمندوبي الإمبراطور. - عندما رأى لوثر صعوبة تحقيق دعوة الإصلاح الكَنَسِيّ كرَّس كل جهده لقضايا الإيمان في الكنائس الإنجيلية الناشئة. توفي لوثر في بلدة وتنبرج عام (1546) م, مخلِّفاً مجموعة من الكتب والمؤلفات التي تؤصِّل قواعد دعوته. -الروخ هولدريخ زوينجلي: (1484-1531) م: ولد ونشأ في سويسرا، وأصبح قسيساً وأحد دعاة حركة الإنسانية التي بدأت مع عصر النهضة الأوربية. دعا إلى نفس المبادئ التي دعا إليها مارتن لوثر، وبدأ دعوته في زيوريخ بسويسرا، وقد قاوم استعمال الطقوس والصور والتماثيل في الكنائس، كما عارض فكرة عزوبة رجال الأكليروس، وحبَّذ المسئولية الفردية في المعتقد. لاقت دعوة زوينجلي التأييد من السلطات الحكومية في مدينة زيوريخ، فشاعت لذلك دعوته، وأصبح زعيماً للبروتستانت في جنوب ألمانيا ومعظم سويسرا. في عام (1529) م, وفي مدينة ماربورج التقى زوينجلي بمارتن لوثر، وتناقشا حول إصلاح الكنيسة، واختلفا حول فرضية أو سرِّ العشاء الرباني، كما اختلفا في أسلوب معارضة الكنيسة الكاثوليكية، حيث استخدم زوينجلي القوة في سبيل نشر مبادئه ابتداءً من الحظر التجاري الذي فرضه على بعض المقاطعات الكاثوليكية في شرقي سويسرا، حتى القتال والصدام مع رجال الكنيسة الذي قُتل فيه، وهُزم أتباعه في كاييل عام (1531) م. ذابت تعاليم زوينجلي في تعاليم جون كالفن التي ارتكز في بعضها على عقيدته. -جون كالفن: (1509 - 1564) م: ولد ونشأ في فرنسا، وتثقَّف بثقافة قانونية، لكنه مال عنها إلى الدراسة اللاهوتية، فتأثَّر بآراء مارتن لوثر دون أن يقابله بواسطة بعض أقاربه وبعض أساتذته. شارك في إعداد خطاب ألقاه نيكولاس كوب مدير جامعة السربون بفرنسا التي كانت مركزاً لأكثر علماء الكاثوليكية، والذي يتضمن شرحاً لآراء مارتن لوثر؛ مما أغضب آباء الكنيسة عليه، فاضطرَّ إلى الهرب إلى جنيف في سويسرا. بعد أن عاد في الحادي والعشرين من مايو (1534) م, إلى مدينة نويون مسقط رأسه سلّم كهنةَ كاتدرائيتها كل شارات الامتياز الأكليريكية الخاصة به، ثم هرب بصحبة نيكولاس كوب إلى جنيف في سويسرا مرة أخرى. في عام (1535) م, شارك كلفن في حوار دعا إليه المبشرون المصلحون مع الأساقفة الكاثوليك في المدينة، الذي انتهى بانسحاب الكاثوليك، مما مكَّن دي فاريل صديق كلفن الحميم من الاستيلاء على الكنائس الرئيسية الثلاثة في المدينة: كنيسة سان بيتر، المجدلية، سان جرفيز؛ وتحويلها إلى كنائس إنجيلية أو بروتستانتية. استغلَّ كلفن استقراره في جنيف في تنظيم وتقنين مبادئ زعماء الإصلاح، وعلى رأسهم مارتن لوثر، وظهرت له مؤلفات وكتابات عديدة في ذلك، ولذلك فإنه يعد أحد مؤسسي المذهب البروتستانتي. خالف كالفن لوثر في سرِّ- فرضية- العشاء الرباني من حيث كيفية حضور المسيح العشاء، رغم اتفاقهما على عدم استحالة (أي عدم تحول) الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح. عدل كلفن عن فكرة لوثر في إشراف الحكومة على الكنائس؛ لما رأى ما يحدث للبروتستانت في فرنسا، وطالب بأن تحكم الكنيسة نفسها بنفسها، وعلى الحاكم المدني أن يساعدها ويحميها، مما كان سبباً في انقسام الكنيسة الإنجيلية إلى لوثرية وكلفينية (الإصلاحية – الكلفينية). تميَّزت حركته بالانتشار في فرنسا، فأصبحت الدين الرسمي في أسكتلندا، كما امتدت إلى المقاطعات شرق سويسرا، واعتنقها معظم سكان المجر، يقول فيشر: (أصبحت أكثر أشكال الإصلاح البروتستاني اتساعاً). تأسست جمهورية هولندا عام (1669) م, على مبادئ البروتستانت الكليفنية بعد الحرب الدامية بين الكاثوليك والبروتستانت. نتيجةً للحرية الفردية في فهم وتفسير الكتاب المقدس لكل فرد من المؤمنين بالمذهب البروتستانتي انقسمت الحركة البروتستانتية إلى كنائس عديدة، وطوائف مختلفة، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حسب إحصائيات عام (1982) م, يوجد (76,754,009) بروتستانتي ينتمون إلى (200) طائفة إنجيلية.
الفرع الثالث: أهم الكنائس البروتستانتية:
-الكنيسة اللوثرية: وقد بدأ إطلاق هذه التسمية على المؤمنين بأفكار معتقدات مارتن لوثر في القرن السادس عشر، وذلك رغم مقاومة لوثر نفسه لهذه التسمية، وأصبحت جامعة وتنبرج المهد الأساسي لها. اهتمَّ مارتن لوثر بقضايا الإيمان، وترك الأمر الإداري للكنيسة لغيره يقوم به، لكنه عيَّن بعض المراقبين ليتعاونوا مع حكام الدولة في الأقضية، وبذلك كان أول ظهور لنظام السينودس. ارتبطت اللوثرية في ألمانيا ارتباطاً وثيقاً بالحالة السياسية منذ أن دعا لوثر إلى إشراف الدولة على الكنيسة، ولذلك فإن الحكومة الألمانية تدخَّلت أكثر من مرة لحلِّ الخلافات بين أعضاء الكنيسة، أو للاتفاق مع كنائس المصلحة. كان لظهور الكنائس المعمدانية في القرن السابع عشر أثرها في إثارة الخلافات بين البروتستانت مرة أخرى. في زمن فريدريك وليم الثالث ملك بروسيا تمَّ الاتحاد بين الكنائس اللوثرية والمصلحة، ومنها تشكَّلت الكنيسة القديمة، غير أن جماعة كبيرة من اللوثرية لم تنضمَّ إلى هذه الكنيسة، وعُرفوا باللوثريين القدماء. في عام (1923) م, تأثرت الكنيسة بالنظام النازي في ألمانيا، حيث حاول صبغ الكنيسة الألمانية بصبغة قومية، فجرى توحيد (28) كنيسة مصلحة ولوثرية على أساس أن الدم الآري أحد المؤهلات العضوية لهذه الكنيسة القومية العنصرية. وقد تناول هذا التأثير العقائد والمبادئ أيضاً، مما مهَّد لقيام ثورة من آلاف القسوس البروتستانت من بينهم مارتن تيمولر؛ للمطالبة بتشكيل السينودس الذهبي. في عام (1934) م, عارض السينودس الذهبي تدخل الدولة في شئون الكنيسة بل رفض ذلك رفضاً حاسماً. في عام (1935) م, أنشأت الحكومة وظيفة وزير الدولة للشئون الكنسية، وخوَّلت له سلطات مطلقة على الكنيسة الإنجيلية الألمانية. انتشرت في عام (1936) م, حركة الإيمان الألماني التي تحالفت مع الفلسفة الوثنية الجديدة. بعد الحرب العالمية الثانية ألغت الكنيسة الإنجيلية دستورها المُوصَى به من النازية لعام (1933) م، وبدأت تنظيم نفسها من جديد. والكنيسة اللوثرية هي كنيسة الدولة في الدنمارك وأيسلندا والنرويج والسويد وفنلندا. يصدر الاتحاد اللوثري العالمي مجلة اللوثرية العالمية بالألمانية والإنجليزية. الكنائس المصلحة: وإن كان يُقصَد بها بوجه عام جميع الكنائس البروتستانتية، إلا أنه من الناحية التاريخية تقتصر على الكنائس البروتستانتية التي يرتكز أصلها على عقائد كلفن، وعلى أساس النظام الكنسي المشيخي الذي تركِّز فيه السلطات على سلسلة مجالس من الشيوخ العلمانيين ورجال الأكليروس، وتنزع إلى الشكل البسيط في العبادة. وقد قويت هذه الكنائس في إنجلترا في القرن السادس عشر، وخصوصاً في أسكتلندا وشمال أيرلندا، وسمِّيت كنائس سويسرا وهولندا وعدد من كنائس ألمانيا بالمصلحة، كما توجد بالولايات المتحدة الأمريكية كنائس تحمل لقب المصلحة. الكنائس الأسقفية: تطلق الكنيسة الأسقفية عند الإطلاق على الكنيسة الإنجليزية، ويتبعها في أمريكا عدد من الكنائس الأسقفية، وتتبع هذه الكنائس النظام الأسقفي على أنه نظام إلهي، خلافاً لسائر الفرق البروتستانتية، وذلك في تعيين أو اختيار أو عزل القساوسة، والشمامسة، أو تدشين الأراضي والأبنية الدينية، وإدارة تركات الموتى لحين وجود وصي شرعي للميت. ويلقب أساقفة إنجلترا بلقب لورد حيث يُعتَبرون من أشراف المملكة، ويرأس ملوك إنجلترا الكنيسة الإنجليزية، وبذلك يعيِّنون الأساقفة الذين يتمُّ انتخابهم من القسوس بعد ذلك، ورئيس أساقفة كانتربري هو رأس الكنيسة، ويليه في المرتبة رئيس أساقفة يورك، أما أساقفة الولايات المتحدة الأمريكية فينتخبهم نُوَّاب من قسوس الأسقفية وأهاليها قبل عرضهم على مجمع الأساقفة أو على مجمع نواب مؤلف من السينودس والأهالي.
الفرع الرابع: الصهيونية المسيحية:
كان لليهود المهاجرين من إسبانيا إلى أوربا- وبخاصة فرنسا وهولندا- أثرهم البالغ في تسرب الأفكار اليهودية إلى النصرانية من خلال حركة الإصلاح، وبخاصة الاعتقاد بأن اليهود شعب الله المختار، وأنهم الأمة المفضلة، كذلك أحقيتهم في ميراث الأرض المباركة. في عام (1523) م, أصدر مارتن لوثر كتاب عيسى وُلِد يهوديًّا متأثراً فيه بالأفكار الصهيونية. وفي عام (1544) م, أصدر لوثر كتاباً آخر فيما يتعلق باليهود وأكاذيبهم. كانت هزيمة القوات الكاثوليكية وقيام جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية عام (1609) م, بمثابة انطلاقة للحركة الصهيونية المسيحية في أوربا، مما ساعد على ظهور جمعيات وكنائس وأحزاب سياسية عملت جميعاً على تمكين اليهود من إقامة وطن قومي لهم في فلسطين. ومن أبرز هذه الحركات: الحركة البيوريتانية التطهيرية التي تأسست على المبادئ الكالفينية بزعامة السياسي البريطاني أوليفر كروميل (1649 - 1659) م, الذي دعا حكومته إلى حمل شرف إعادة إسرائيل إلى أرض أجدادهم، حسب زعمه. في عام (1807) م, أُنشئت في إنجلترا جمعية لندن؛ لتعزيز اليهودية بين النصارى، وقد أطلق أنطوني إشلي كوبر اللورد ريرل شانتسبري (1801 - 1885) م، أحد كبار زعمائها شعار: (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) الأمر الذي أدَّى إلى أن يكون أول نائب لقنصل بريطانيا في القدس وليم برنج أحد أتباعها، ويعتبر اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا ( 1784- 1765) م, من أكبر المتعاطفين مع أفكار تلك المدرسة الصهيونية المسيحية، وأيضاً فإن تشارلز. هـ . تشرشل الجد الأعلى لونستون تشرشل - رئيس الحكومة البريطانية الأسبق - أحدُ كبار أنصارها. انتقلت الصهيونية المسيحية إلى أمريكا من خلال الهجرات المبكرة لأنصارها نتيجة للاضطهاد الكاثوليكي، وقد استطاعت تأسيس عدة كنائس هناك من أشهرها الكنيسة المورمونية. يعتبر سايسروس سكلوفليد (1843) م, الأب اللاهوتي للصهيونية المسيحية في أمريكا. لعبت تلك الكنائس دوراً هامًّا في تمكين اليهود من احتلال فلسطين، واستمرار دعم الحكومات الأمريكية لهم - إلا ما ندر- من خلال العديد من اللجان والمنظمات والأحزاب التي أنشئت من أجل ذلك، ومن أبرزها: الفيدرالية الأمريكية المؤيدة لفلسطين التي أسسها القس تشارلز راسل عام (1930) م، واللجنة الفلسطينية الأمريكية التي أسسها في عام (1932) م, السناتور روبرت واضر، وضمَّت (68) عضواً من مجلس الشيوخ، و(200) عضو من مجلس النواب، وعدد من رجال الدين الإنجيليين، ورفعت هذه المنظمات شعارات: الأرض الموعودة، والشعب المختار. وفي العصر الحديث تعتبر الطائفة التدبيرية التي يبلغ عدد أتباعها (40) مليون نسمة تقريباً والمعروفة باسم الأنجلو ساكسون، البروتستانت البيض من أكثر الطوائف مغالاة في تأييد الصهيونية، وفي التأثير على السياسة الأمريكية في العصر الحاضر. ومن أشهر رجالها اللاهوتيين: بيل جراهام، وجيري فولويل، جيمي سويجارت. ومن أبرز رجالها السياسيين الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان. اهتمَّت الكنيسة البروتستانتية بنشر الإنجيل في أوروبا وأمريكا منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ثم تطور عملها في شكل منظمات وإرساليات، ووضعت اللوائح والقوانين المنظمة لها وكذلك الميزانيات اللازمة. ومن ثم انتقل العمل التبشيري البروتستانتي إلى القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة التي كانت تستعمرها الدول الغربية ذات العقيدة البروتستانتية. ومن أوائل الذين قادوا حركة التبشير: جوف وسلي، ووليام ولبرفورس، ووليام كيري، أبو المبشرين في العصر الحديث.
الفرع الخامس: الأفكار والمعتقدات:
تؤمن الكنائس البروتستانتية بنفس أصول المعتقدات التي تؤمن بها الكنيسة الكاثوليكية، ولكنها تخالفها في بعض الأمور، ومنها ما يلي: الخضوع لنصوص الكتاب المقدس وحده، حيث إن الكتاب المقدس بعهديه هو دستور الإيمان، وعليه تقاس قرارات المجامع السابقة وأوامر الكنيسة؛ فيُقبل ما يوافقه فقط، يقول لوثر: (يجب أن يكون الكتاب المقدس مرجعنا الأخير للعقيدة أو أداء الشعائر). عدد أسفار العهد القديم ستة وستون سفراً، وهي الأسفار القانونية، أما باقي الأسفار- وعددها أربعة عشر- فتسميها الأبوكريفيا، أي: غير الصحيحة فلا تعترف بها. كما لا تؤمن الكنائس البروتستانتية بعصمة البابا أو رجال الدين، وتهاجم بيع صكوك الغفران حيث ترى أن الخلاص والفوز في الآخرة لا يكون إلا برحمة الله وكرمه، وفي الدنيا في الالتزام بالفرائض والكرازة: التبشير بالإنجيل. إن القديسيين لقب يمكن أن يوصف به كل إنسان نصراني، حيث إن القداسة في فهمهم ليست في ذات الشخص، ولكنها مقام يصل إليه. ترفض البروتستانتية مرتبة الكهنوت حيث إن جميع المؤمنين بها كهنة، وليس هناك وسيط ولا شفيع بين الله والإنسان سوى شخص المسيح؛ لأنه جاء في معتقدهم رئيساً للكهنة، كما لا تؤمن بالبخور والهيكل. تؤمن بسرَّين فقط من أسرار - فروض- الكنيسة، وهما سرَّا المعمودية، والعشاء الرباني، على خلاف بينهم في كيفية حضور المسيح سر العشاء. لا تؤمن بالصوم كفريضة، بل هو سنة حسنة، ولا يُطلق إلا على الإمساك عن الطعام مطلقاً فقط. كما لا تؤمن بالأعياد التي تقيمها الكنائس الأخرى. الصلاة ليس لها مقدار محدد، كما أنه ليس من الحتم الالتزام بحرفية الصلاة الربانية؛ ولذلك يجيزون الصلاة بلغة غير مفهومة كاللاتينية التي تستعملها الكنائس الكاثوليكية. لا تؤمن الكنيسة البروتستانتية بنظام الرهبنة. الكهنوت درجتان فقط هما: القسوسية، الشمامسة، الراعي هو الأسقف، والرئاسة تكون بمجمع السنودس لا لفرد. منع البروتستانت اتخاذ الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها، معتقدين أن ذلك منهي عنه في التوراة. تؤمن بعض الكنائس الإنجيلية - الصهيونية - أن شرط المجيء الثاني للمسيح هو إقامة دولة إسرائيل في فلسطين.
الفرع السادس: الجذور الفكرية والعقائدية:
• نصوص الكتاب المقدس، وبخاصة نصوص العهد القديم. • الديانات الوثنية. • الفلسفة الأفلاطونية الحديثة. • الأفكار والمبادئ الصهيونية والتلمودية. • يعتقد بعض الباحثين أن الإصلاحات التي نادت بها حركة الإصلاح، ونتج عنها البروتستانتية قد تأثرت بالإسلام.
الفرع السابع: الانتشار ومواقع النفوذ:
تنتشر الكنائس البروتستانتية في: ألمانيا، هولندا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، الدنمارك، وتوجد أقليات بروتستانتية في باقي الدول الأخرى. يتضح مما سبق: لا تختلف الكنائس البروتستانتية عن باقي الكنائس النصرانية، سواء في الإيمان بإله واحد مثلث الأقانيم: الآب، الابن، الروح القدس، تثليث في وحدة، أو وحدة في تثليث، حسب افترائهم. أو في الإيمان في عقيدة الصلب والفداء وتقديس الصليب. كانت لحركات الإصلاح البروتستانتية الأثر الكبير في كشف عورات الكنيسة الكاثوليكية، وفي فضح سلوك القائمين عليها. كما أنها أفسحت المجال أمام العلماء والمفكرين وعامة المؤمنين بالكنيسة في حق فهم الكتاب المقدس، وبالتالي كسرت احتكار رجال الدين لهذا الأمر، مع ما نشأ عن ذلك من آثار سلبية عديدة على النصرانية بوجه عام، وعلى الكتاب المقدس بوجه خاص، حيث تعرض للنقد الشديد والتشكيك في صحة نصوصه. مع أن البروتستانت قرَّروا حرية البحث والنظر في الأمور الاعتقادية، إلا أنهم حرَّموها فيما بعد كالكاثوليك، بل وأصبحت حرية الفكر عندهم مقتصرة فقط على نقد رجال الكنيسة الكاثوليكية. فقد عذَّبوا رجالاً من أجل عقائدهم، مثل سرفيتوس الإسباني، ومنعوا كتباً من النشر؛ لأنها تحوي في نظرهم ما لا يتفق وتعاليم الكتاب المقدس. يقول هربرت فيشر في أصول التاريخ الأوروبي الحديث عن لوثر: (لم يكن يؤمن بالبحث الحر ولا بالتسامح). وينقل غوستاف لوبون في كتابه روح الثورات والثورة الفرنسية تصريحاً للوثر بأنه لا يجوز للنصارى أن يتَّبعوا غير ما جاء في الكتاب المقدس. وعن موقف حركة الإصلاح الديني من العلم، يقول (أ. وولف) في كتابه عرض تاريخي للفلسفة والعلم: (أما من حيث حركة الإصلاح الديني فإن المصلحين كانوا لا يقلُّون تعصباً عن رجال الكنيسة الكاثوليكية إن لم يزيدوا عليها). ولذلك فإنهم هاجموا النظريات العلمية، واضطهدوا من يقول بها، ويقول كلفن بعد أن أعلن كفر من يقول بدوران الأرض: (مَن مِن الناس يجرؤ على أن يضع سلطة كوبر نيكوس فوق سلطة الروح القدس ؟). لم يكن اضطهاد العلماء في تلك الفترة بأقل من اضطهاد الفلاسفة. فكما حاربت البروتسانتية النظريات العلمية المخالفة لنصوص الكتاب المقدس، كذلك حاربت العقل، واضطهدت الفلاسفة أمثال آرازموس الذي حاول التوفيق بين العقل والكتاب المقدس. يذكر ديورانت في قصة الحضارة تصريحات للوثر تبين تطرفه في إنكار العقل حيث يقول: (أنت لا تستطيع أن تقبل كلًّا من الإنجيل والعقل، فأحدهما يجب أن يفسح الطريق للآخر) ويقول: (إن العقل أكبر عدو للدين). نتيجة للحروب بين الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية، واضطهاد العلماء وقتلهم، وقتل الروح العلمية والفكرية، وتطرُّف زعماء حركة الإصلاح البروتستانتي في ذم العقل، أدَّى ذلك كله إلى ظهور الأفكار المناوئة للدين، وتعالت الصيحات الإلحادية التي تطالب بحرية الفكر وسيادة العقل، واعتباره المصدر الوحيد للمعرفة، وأيضاً المناداة بفصل الدين عن الدولة. استطاع اليهود تهويد بعض الكنائس البروتستانتية، وتسريب الأفكار الصهيونية، وإنشاء أحزاب وكنائس تتبناها وتدعو إليها من خلال ما يعرف بالصهيونية المسيحية. وللحقِّ فإن هناك من داخل الكنيسة الإنجيلية في أمريكا مَنْ وقف لهم بالمرصاد مثل: المجلس الوطني للكنائس المسيحي، الذي يضمُّ (34) طائفة يبلغ عدد أتباعها نحو الأربعين مليون شخص. وتتعاطف الكنائس الإنجيلية: المشيخية، المنهجية، المعمدانية، الأسقفية، بنسب متفاوتة مع هذا الاتجاه. مراجع للتوسع: - الموسوعة العربية، إشراف محمد شفيق غربال- دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر. - الموسوعة الثقافية، مدير التحرير/ فايزة حكيم رزق الله - دار الشعب- مصر. - دائرة المعارف، قاموس عام لكل فن ومطلب، بطرس البستاني - دار المعرفة - بيروت. - قصة الحضارة، ول ديورانت، ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود ومحمد بدران، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر. - روح الثورات والثورة الفرنسية، د. غوستاف لوبون، ترجمة محمد عادل زعيتر، المطبعة العصرية. - عرض تاريخي للفلسفة والعلم، أ. وولف، ترجمة محمد عبد الواحد خلاف، مطبعة لجنة التأليف والترجمة. - المصلح مارتن لوثر- حياته وتعاليمه، د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - جون كلفن – دراسة تاريخية عقائدية، تأليف د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - حديث مع جون كلفن، القس لبيب مشرقي، دار نوبار، مصر. - إيماني الإنجيلي، د. القس فايز فارس، القس منيب عبد النور، القس إميل زكي. - تاريخ الفكر المسيحي، د. القس حنا جرجس الخضري، دار الثقافة، مصر. - محاضرات في النصرانية، الشيخ محمد أبو زهرة. - موقف الإسلام والكنيسة من العلم، عبد الله سليمان المشوخي، مخطوط على الآلة الكاتبة. - الأصول الوثنية للمسيحية، أندريه نايتون، إدغار ويند، كارل غوستاني يونج، ترجمة سميرة عزمي الزين. سلسلة من أجل الحقيقة، من منشور المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. - مصلح في المنفى جون كلفن - موجز عن حياته ومبادئه، د. هاري إيبرتس، ترجمة وليم وهبة بباوي. - من يجرؤ على الكلام، بول فنرلي. - النبوءة والسياسة، غريس هالسل، ترجمة محمد السماك، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية. - الصهيونية المسيحية، محمد السماك، دار النفائس. - المسيحية والسيف، رواية شاهد عيان لإبادة ملايين البشر في الأمريكتين، سلسلة من أجل الحقيقة -3- من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. - النشاط السري اليهودي في الفكر والممارسة، غازي محمد فريج، دار النفائس، بيروت. - شهود يهوه، بين برج المراقبة الأمريكي وقاعة التلمود اليهودي، حسين عمر حمادة، دار قتيبة، دار الوثائق، دمشق، بيروت. - شهود يهوه – أبو إسلام أحمد عبد الله - بيت الحكمة - القاهرة - مصر .
الفرع الأول: التعريف:
المارونية، طائفة من طوائف النصارى الكاثوليك الشرقيين، قالوا بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، ينتسبون إلى القديس مارون، ويعرفون باسم الموارنة متخذين من لبنان مركزاً لهم
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
تنتسب هذه الطائفة إلى القديس مارون الذي انعزل في الجبال والوديان، مما جذب الناس إليه مشكِّلين طائفة عرفت باسمه، وكانت حياته في أواخر القرن الرابع الميلادي، فيما كان موته حوالي سنة (410) م, بين أنطاكية وقورس. - وقع خلاف شديد بين أتباع مارون وبين كنيسة الروم الأرثوذكس مما اضطرهم إلى الرحيل عن أنطاكية إلى قلعة المضيق قرب أفاميا على نهر العاصي، مشيِّدين هناك ديراً يحمل اسم القديس مارون. - وقع كذلك خلاف آخر في المكان الجديد بينهم وبين اليعاقبة الأرثوذكس من أصحاب الطبيعة الواحدة عام (517) م, مما أسفر عن تهديم ديرهم، فضلاً عن مقتل (350) راهباً من رهبانهم. - خلال فترة الرحيل نالهم عطف الإمبراطور مرقيانوس الذي وسَّع لهم الدير عام (452) م. وعطف الإمبراطور يوستغيان الكبير ( 527-565) م, الذي أعاد بناء ديرهم بعد تهديم اليعاقبة له. وكذلك عطف الإمبراطور هرقل الذي زارهم سنة (628) م, بعد انتصاره على الفرس. - احتكم الموارنة واليعاقبة عام (659) م, إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - لإنهاء الخلاف بينهم، لكن الخصومة استمرت؛ إذ حدثت حروب انتقامية بين الطرفين مما أسفر عن هجرة الموارنة إلى شمالي لبنان، وهو المكان الذي أصبح موطناً لهم فيما بعد. - ظهر في موطنهم الجديد بلبنان القديس يوحنا مارون الذي يعتبر صاحب المارونية الحديثة ومقنن نظريتها ومعتقدها، وتتلخَّص سيرة حياته فيما يلي: - ولد في سروم قرب أنطاكية، وتلقَّى دراسته في القسطنطينية. - عُيِّن أسقفًّا على البترون على الساحل الشمالي من لبنان. - أظهر معتقد الموارنة سنة (667) م, الذي يقول بأن في المسيح طبيعتين، ولكن له مشيئة واحدة لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد. - لم تقبل الكنائس النصرانية هذا الرأي، فدعوا إلى مجمع القسطنطينية الثالث الذي عقد سنة (680) م، وقد حضره (286) أسقفا، وقرَّروا فيه رفض هذه العقيدة، وحرمان أصحابها ولعنهم وطردهم، وتكفير كل من يذهب مذهبهم. يعدُّ يوحنا مارون أول بطريرك لطائفة الموارنة، وبه يبدأ عهد البطاركة المارونيين. تصدَّى بجيش من الموارنة لجيش قاده يوستغيان الثاني الذي أراد هدم معابدهم واستئصالهم، إلا أن الموارنة هزموه في أميون مما أظهر أمرهم كأمة جبلية ذات شخصية مستقلة. لقد تحايلت كنيسة روما بعد ذلك عليهم في سبيل تقريبهم منها، حيث قام البطريرك الماروني أرميا العمشيتي بزيارة لروما حوالي سنة (1113) م، وعند عودته أدخل بعض التعديلات في خدمة القداس وطقوس العبادة وسيامة الكهنة. ولقد زاد التقارب بينهما حتى بلغ في عام (1182) م, إعلان طاعتهم للكنيسة البابوية، أما في عام (1736) م, فقد بلغ التقارب حد الاتحاد الكامل معها، فأصبحت الكنيسة المارونية بذلك من الكنائس الأثيرة لدى باباوات روما. لقد كان لهم دور بارز في خدمة الصليبيين من خلال تقديمهم أدِلَّاء؛ لإرشاد الحملة الصليبية الأولى إلى الطرق والمعابر، وكذلك إرسالهم فرقة من النشابة المتطوعة إلى مملكة بيت المقدس. لقد بلغ رجالهم القادرون على القتال (40,000) على ما ذكر مؤرخو الحروب الصليبية. احتلَّ الموارنة في الممالك التي شيَّدها الصليبيون المرتبة الأولى بين الطوائف النصرانية، متمتعين بالحقوق والامتيازات التي يتمتَّع بها الفرنجة، كحقِّ ملكية الأرض في مملكة بيت المقدس. لويس التاسع كان أول صديق فرنسي لهم؛ إذ تقدم إليه- عندما نزل إلى البر في عكا- وفدٌ مؤلَّف من خمسة عشر ألف ماروني، ومعهم المؤن والهدايا، وقد سلَّمهم بهذه المناسبة رسالة مؤرَّخة في ( 21/5/ 1250) م, فيها تصريح بأن فرنسا تتعهَّد بحمايتهم، فقد جاء فيها: (ونحن مقتنعون بأن هذه الأمة التي تعرف باسم القديس مارون هي جزء من الأمة الفرنسية). استمرَّ هذا التعاطف من الغرب مع الموارنة في الأجيال التالية، وذلك عندما أرسل نابليون الثالث فرقة فرنسية؛ لتهدئة الجبل عام (1860) م، وكذلك بعد الحرب العالمية الأولى عندما صار لبنان تحت الانتداب الفرنسي. تيوفيل (تيوفيلوس) بن توما من شمال سوريا، ماروني، كان يعمل منجِّماً في قصر الخليفة العباسي المهدي (775 - 785) م, كما قام بترجمة إلياذة هوميروس. المؤرخ إسطفانوس الدويهي المشهور، ماروني، توفي سنة (1704) م. البطريرك جرجس عميرة، ماروني، ألّف أول غراماطيق سرياني، واضعاً قواعده باللاتينية؛ تسهيلاً على المستشرقين دراسة هذه اللغة. من مشاهيرهم: يوسف حبيش وبولس مسعد ويوحنا الحاج والبطريرك إلياس الحويك. ومن الأساقفة: المطران جرمانوس فرحان ويوسف سمعان السمعاني ويوحنا حبيب ويوسف الدبس. ومن بيوتاتهم المعروفة: آل خازن ودحداح وحبيش والسعد وكرام والظاهر والبستاني والشدياق والنقاش والباز.. ومن زعاماتهم المعاصرة: آل جمَيِّل، وشمعون، وفرنجية، وإده.. من تنظيماتهم السياسية الحزبية العسكرية حالياً: حزب الكتائب وحزب الأحرار. منذ عام (1943) م, حتى اليوم استقرَّ الأمر بأن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية من الطائفة المارونية، وذلك بموجب الميثاق الوطني الذي تمَّ فيه الاتفاق شفويًّا بين المسلمين والنصارى حول توزيع المناصب الرئيسية للدولة اللبنانية على مختلف الطوائف الدينية فيها.
الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:
أهم نقطة تميزهم عن بقية الطوائف النصرانية هو معتقدهم بأن للمسيح طبيعتين، وله مشيئة واحدة، وذلك لالتقاء الطبيعتين في أقنوم واحد. عقيدة المشيئة الواحدة قال بها بطريرك الإمبراطور هرقل أيضاً (638) م؛ ليوفق بين عقيدة أصحاب الطبيعة الواحدة الذين يشكِّلون الأكثرية من رعاياه النصارى في سوريا وبين أصحاب العقيدة الأرثوذكسية للكنيسة البيزنطية، إلا أن هذه المحاولة لم تفلح في سد الثغرة بينهما. يعتقدون أن خدمة القداس عندهم مأخوذة عن تلك الخدمة التي ينسبونها إلى القديس يعقوب، كما يعتقدون أن هذه الخدمة إنما هي أقدم خدمة في الكنيسة المسيحية؛ إذ إن أصولها ترجع إلى العشاء الرباني الأخير. ما تزال الكنيسة المارونية تحتفظ باللغة السريانية في القداس إلى يومنا هذا. وما يزال الطابع السرياني سارياً حتى في الكنائس التي تعترف بسلطة البابا. منذ أوائل القرن الثالث عشر تمَّ إدخال بعض التعديلات على الطقس الماروني القديم، وذلك في عهد البابا أنوسنت الثالث؛ ليكون أكثر تلاؤماً مع الطقس اللاتيني ومن ذلك: تغطيس المعمود ثلاث مرات في الماء. طلبة واحدة للثالوث. تكريس الأحداث على أيدي المطارنة فقط. لقد صار الكهنة يتبعون الزي اللاتيني في لبس الخواتم والقلنسوة التي تشبه التاج والعكاز. استعمال الأجراس بدلاً من النواقيس الخشبية التي تستعملها سائر الكنائس الشرقية في الدعوة إلى القداس، متبعة بذلك التقليد اللاتيني.
الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:
الموارنة فرع عن الكاثوليك الشرقيين، الذين هم بدورهم فرع عن النصرانية بشكل عام؛ لذا فإن جذورهم هي نفس الجذور النصرانية. يمتازون بالمحافظة الشديدة على تراثهم ولغتهم السريانية القديمة، وقد اقتربوا على مدار الزمن من الكنيسة البابوية بروما بعد إدخال عدد من التعديلات على الطقوس المارونية القديمة.
الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:
البداية في أنطاكية، ومن بعدها رحلوا إلى قلعة المضيق، وأخيراً صاروا إلى جبال لبنان موطنهم الحالي منذ النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. منذ القرن الخامس عشر الميلادي أصبح دير قنُّوبين شمالي لبنان فوق طرابلس المبني في صخر من صخور وادي قاديشا (أي: المقدس) مقرًّا للبطريركية المارونية، كما أصبحت بكركي المبنية فوق جونية المقر الشتوي حتى يومنا هذا؛ إذ لا يزال سيد بكركي يُلقَّب ببطريرك أنطاكية وسائر الشرق؛ ذلك لأنه مستقل عن سائر البطاركة الشرقيين، كما تخضع لإدارته مطارنة وأبرشيات وجمعياتٌ رهبانية مختلفة. عندما استردَّ صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس غادر الملك غوي دي ليزنيان إلى قبرص، فتبعه جمهور كبير من الموارنة؛ لوقوفهم إلى جانب الصليبيين إبَّان الاحتلال، مستوطنين هناك الجبل الذي يقع شمالي نيقوسيا. لقد فرَّ كثير من الموارنة من لبنان بسبب الحروب والهجرة، فوصلوا إلى تكريت وغيرها من المدن بين دجلة والفرات منذ القرن الثاني والثالث عشر، كما ذهب بعضهم تجاه سوريا الداخلية مستوطنين دمشق وحلب، وفريق ذهب إلى القدس، وهبط بعضهم الآخر إلى مصر ورودس ومالطة، وهاجر آخرون إلى أمريكا وأفريقيا وإندونيسيا، وما يزال أغلبهم يعيشون في لبنان، ولهم أكبر الأثر في توجيه السياسة اللبنانية المعاصرة. ويتضح مما سبق: أن المارونية طائفة من النصارى الكاثوليك الشرقيين، الذين كانوا دائماً على خلاف مع معظم الطوائف الأرثوذكسية؛ لأنهم يقولون بأن للمسيح طبيعتين ومشيئة واحدة، وهم يتخذون من لبنان مركزاً لهم، وقد أعلنوا طاعتهم لبابا روما عام (1182) م، وقد تعاونوا مع الفرنجة إبَّان الحروب الصليبية، ومنذ عام (1943) م, تمَّ الاتفاق بين المسلمين والنصارى في لبنان، على أن يكون رئيس الدولة مارونيًّا. مراجع للتوسع: - النصرانية والإسلام، المستشار محمد عزت إسماعيل الطهطاوي - مطبعة التقدم - مصر - (1977) م. - محاضرات في النصرانية، محمد أبو زهرة - ط3- مطبعة يوسف - مصر - ( 1385هـ/ 1966) م. - أضواء على المسيحية، محمد متولي شلبي - نشر الدار الكويتية - ( 1387هـ/1968) م. - تاريخ لبنان، د. فيليب حتى - ط2- دار الثقافة- بيروت - (1972) م. - خطط الشام، محمد كرد علي-ج6-ط2- دار القلم - بيروت – ( 1391هـ /1971) م. - مقارنة الأديان (المسيحية)، د. أحمد شلبي- ط5-النهضة المصرية - القاهرة- (1977) م. - تاريخ الطائفة المارونية، اسطفان الدويهي - طبع بيروت - (1890) م. - التواريخ القديمة من المختصر في أخبار البشر، لأبي الفداء - نشر فليشر - ليبسغ- (1831) م. - التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق، سعيد بن البطريق - نشر شيخو - الجزء الثاني - بيروت - (1909) م. - تاريخ مختصر الدول، ابن العبري - نشره أنطوان صالحاني - بيروت - (1890) م. - التنبيه والإشراف، للمسعودي – طبعة دي غويه - ليدن- (1983) م. - المحاماة عن الموارنة وقديسهم، أفرام الديراني - بيروت- (1899) م. - تاريخ سورية، يوسف الدبس - ج5 بيروت - (1900) م. - الأديان المعاصرة، راشد عبد الله الفرحان – ط1- شركة مطبعة الجذور - الكويت – ( 1405هـ/1984) م. المراجع الأجنبية: - W. Wright. Catalogue of Syriac Manu-script-s in the British Museum (London, 1871). - Edward Gibbon. The History of the Decline and Fall of the roman Empire. ed.J.Bury. Vol. V (London. 1898). - A History of Deeds Done Beyond the Sea. Tr. Emily A. Babcock and A.C Krey (New York. 1943). - Fausto (Murhij) Naironi. Dissertation de Origine, Nomineac religione Maronit arum (rome. 1679). - Pierre Dib, Leglise Maronite, Vol. 1, (Paris, 1930). - Bernard G.Al- Ghaziri. rone et Leglise Syrienne-Maronite (paris, 1906) .
الفرع الأول: التعريف:
الجزويت فرقة كاثوليكية يسوعية تنتشر في أوروبا بصفة عامة، وفي البرتغال وإسبانيا وفرنسا بصفة خاصة، وهي جمعية دينية متعصبة، تهدف حالياً إلى القضاء على الدين الإسلامي.
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
أنشأها قسيس فرنسي يُدعَى أنياس لايولا في القرون الوسطى، وقد ساهمت في القضاء على المسلمين في الأندلس من خلال محاكم التفتيش، ويقوم عليها الآن مجموعة كبيرة من القسس والرهبان.
الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:
يلتزم الرهبان الذين ينتمون إليها بالمحافظة على أسرارها، وعدم إفشائها ولو لأعضائها. يلتزم أعضاؤها كذلك بالمحافظة على سرية تعليماتها، والحيلولة دون وصولها إلى أيدي الأجانب بشكل عام، والأعداء بشكل خاص. بعد طرد هذه الجمعية من كثير من الدول الأوروبية، بدأت تستقطب عطف الساسة والمسئولين من خلال إظهار العداء للدين الإسلامي، والتغلغل في الدول الإسلامية؛ لبث الأفكار الهدامة بين المسلمين من خلال المدارس، وتحت غطاء دور الخير والبر. تتستر هذه الجمعية خلف أعمال البر، كإنشاء المدارس والمستشفيات في شتَّى بقاع العالم، وتظهر العطف على المرضى، وتلزم أعضاءها باصطناع التواضع؛ لاستقطاب الناس إليها، وإلى الدين النصراني. تقبل التبرعات وتتفنَّن في أساليب جمع الأموال، ولكي تنفي عن نفسها مظنة الاكتناز، فإنها تتبرع ببعض الأموال في نفس المكان؛ للإيهام بأن هدفها هو خدمة الفقراء. يلتزم أعضاء الجمعية بالمحافظة على هيبتها، فلا يختلفون أمام الغير، بل يظهرون تماسكهم، ورغبتهم في خدمة الآخرين. عندما يذهب أعضاء الجمعية إلى إحدى المدن لأول مرة، فإنهم يجتنبون المبادرة إلى شراء الأرض، مدة معينة، حتى إذا ما ثبت أن شراء الأرض يعتبر ضروريًّا، قاموا بالشراء، وغالباً ما يتمُّ شراء الأرض باسم مستعار حتى لا تهتزَّ ثقة الناس في الجمعية. تعتبر واردات الجمعية سرًّا مقدساً، فلا يطَّلع عليها إلا رئيس الرهبان، وتعتبر خزانة الجمعية في روما، بكافة محتوياتها، سرًّا مقدساً كذلك، فلا يجوز إفشاؤه. الهدف الأساسي لهذه الجمعية الآن هو القضاء على أتباع الديانات الأخرى، لاسيما الدين الإسلامي، لذلك فإن أعضاءها لا يستنكفون عن استخدام كافة أساليب الاستمالة، ووسائل جذب الناس من أجل تنصيرهم. ولتحقيق هذا الهدف، فإن هذه الجمعية تعمل على كسب ثقة رجال الدولة، وإرضائهم، والإشادة بهم، وغضِّ الطرف عن ممارساتهم غير السوية، وأعمالهم غير المستقيمة، وإفهامهم عند الاقتضاء أن الرب قد غفر لهم. كما تعمل هذه الجمعية على كسب ثقة حكام البلدان التي يمارسون التبشير فيها، فيرسلون إليهم مندوبين على درجة عالية من الذكاء والدهاء والثقافة، ويحرص هؤلاء المندوبون على إيهام أولئك الحكام أنهم موفدون من قبل بابا روما، وأنهم يحملون إليهم تحياته. يتجنب أعضاء الجمعية التكلف في اللباس، ولا يقبلون الهدايا لأنفسهم، بل يحيلونها إلى دير الجمعية القريب من مكان وجودهم، حتى يدخلوا في روع الناس أنهم مخلصون، فيزداد العطف على الجمعية. يحاول أعضاء الجمعية بكافة الطرق الحيلولة دون إنشاء أو تأسيس أية مدارس بالقرب من مدارس الجمعية، التي تهتمُّ بالرياضة البدنية، وتتفانى في القيام بالعملية التربوية خير قيام، مع معاملة الدارسين معاملة حسنة، حتى يثقوا في هيئة التدريس وما تبثُّه من أفكار تبشيرية. تعمل الجمعية بكافة الطرق الممكنة على كسب ود النساء الأرامل، وإذا كان لإحداهن راهب من غير الجمعية فإنه يتمُّ إبعاده، ويستبدل به راهب من الجمعية؛ لإدارة أعمالها بالتدريج. ولكي تتمَّ السيطرة التامة على الأرامل: فإن الجمعية ترغبهن في التصدق على الفقراء باسم المسيح ومريم، ويستمرُّ هذا الوضع حتى تنفد جميع أموالهن، وفي سبيل ذلك فإن هذه الجمعية لا تستنكف عن مساعدة هؤلاء الأرامل في إشباع رغباتهن، وقضاء وطرهن عند الاقتضاء. وإذا كان للأرامل بنات فإنه يتم إقناعهن بالرهبنة أو التربية النصرانية، أما البنون فإنه يتمُّ حثُّهم على أن يغشوا الأديرة والكنائس، مع إغراقهم في الملذات، والتلميح لهم بأنه لا إثم في العلاقات الجنسية الحرة، كما تيسِّر لهم سبل الانخراط في معسكرات صيفية، يتمُّ فيها إقناعهم بأهمية التربية النصرانية. يكرِّر أعضاء الجمعية زياراتهم للمرضى الميئوس من حالتهم، ويتمُّ تخويفهم من النار، وحثُّهم على التصدق بكل أموالهم للجمعية. كل من يخرج على المبادئ الهدامة لهذه الجمعية، يُطرد ويتمُّ اجتنابه، ويُحرم من كافة الامتيازات التي يتمتع بها الأعضاء، ويتمُّ الطرد بوجه خاص، عند تشويه سمعة الجمعية، أو إفشاء أسرارها، أو الإضرار بأعضائها، أو الكسل وعدم القيام بالمهام المنوطة به. تحاول الجمعية الحصول على الأسرار السياسية، والأخبار الموثوقة والخطيرة، وإخبار الحكام بها؛ للفوز بمكانة مرموقة لديهم، تساعدهم على اجتذاب أصحاب الثروات والنفوذ والأسر الكبيرة للجمعية. تحافظ الجمعية على هيبتها في نفوس الآخرين، من خلال إفهامهم أنها تأسست على يد الراهب شوواكيم بإلهام إلهي؛ للحدِّ من انحراف الكنيسة، وإعادتها إلى وضعها الطبيعي، ونشر دين عيسى في جميع أنحاء العالم، وبذا تبرِّر مسلكها القديم الذي كانت تبيع فيه صكوك الغفران، وترسم معالم طريقها الجديد الذي تقضي فيه على الإسلام والمسلمين. ويتضح مما سبق: أن الجزويت فرقة كاثوليكية يسوعية، تتستر خلف أعمال البرِّ كإنشاء المدارس والمستشفيات وغيرهما؛ لتستقطب الناس للنصرانية، لاسيما المسلمين منهم، وتحاول هذه الفرقة الغوص في أعماق الأسرار السياسية، ومدَّ بعض الحكام بها؛ للفوز بمكانة مرموقة لديهم، تمنحهم نفوذاً كبيراً لمباشرة عمليات التبشير، وهو تبشير يعتمد على هدم القيم الدينية، ونشر الرذائل، والقول بطبيعية العلاقات الجنسية الحرة، وإشاعة الأفكار الهدَّامة بين المسلمين، ومن ثمَّ جعلهم لبنة هشة تقبل التشكيل الذي يلائم أهداف هذه الفرقة. الفرع الرابع: أماكن الانتشار:
تتخذ هذه الفرقة من أوروبا ككل، مركز انطلاق لها، وهي تتركز في البرتغال وإسبانيا حيث الرغبة في القضاء على كلِّ أثر للإسلام هناك، وفي فرنسا حيث نشأت مقولة الحرية المطلقة في مجال العقيدة، وإيطاليا حيث بابا الفاتيكان، ومن هذه المرتكزات تمدُّ هذه الفرقة أذرعتها صوب التجمعات الإسلامية في دول حوض البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا، وبخاصة في إندونيسيا. مراجع للتوسع: - محاضرات في النصرانية، دار الفكر العربي ط4 الشيخ محمد أبو زهرة. - دائرة معارف القرن العشرين لمحمد فريد وجدي، دار المعرفة، بيروت ط4. - حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، ط1 أحمد عبد الوهاب. - التبشير والاستعمار ط1، عمر فروخ ومصطفى الخالدي
الفرع الأول: التعريف:
المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًّا منشقة عن النصرانية الأم، تلبس لباس الدعوة إلى دين المسيح عليه السلام، وتدعو إلى تطهير هذا الدين بالعودة به إلى الأصل أي: إلى كتاب اليهود، ذلك أن المسيح - في نظرهم - قد جاء لينقذ اليهود من الاضطهاد، وليمكنهم من الأرض، إنها - كما تسمِّي نفسها - طائفة القديسين المعاصرين لكنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة، نبيها المؤسس هو يوسف سميث، وكتابها المقدس هو الكتاب المقدس الحديث.
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
ولد يوسف سميث في (23/12/ 1805) م, بمدينة شارون بمقاطعة وندسور التابعة لولاية فرمونت. وعندما بلغ العاشرة من عمره رحل مع والده إلى مدينة بالمايرا بمقاطعة أونتاريو التابعة لولاية نيويورك. في الرابعة عشرة من عمره انتقل مع أهله إلى مانشستر من نفس المقاطعة. ولما بلغ الخامسة عشرة وجد الناس حوله منقسمين إلى طوائف: الميثوديست، والمشيخي، والمعمداني.. فشعر باضطراب وقلق. في ربيع عام (1820) م, ذهب إلى غابة، وأخذ يصلِّي منفرداً، طالباً من الله الهداية، وبينما هو كذلك إذ شاهد - كما يزعم - نوراً فوق رأسه، تمثَّل هذا النور في شخصين سماويين هما الله، وابنه عيسى- تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً- وقد نهياه عن الانضمام إلى أي من هذه الفرق. يدَّعي بأن الوحي قد انقطع عنه، وأنه خضع لاضطهاد عنيف وسخرية من جراء جهره برؤيته هذه، وقد تورَّط خلال ذلك بزلَّات طائشة، إذ يقول عن نفسه: (وكثيراً ما أدَّت مخالطتي لشتى البيئات إلى اقتراف زلات طائشة، وللاتِّسام بما للشباب من نزق، وما للطبيعة البشرية من قصور، وقد ورَّطني ذلك للأسف في ألوان من التجارب والآثام المبغضة إلى الله، ولا يتبادر إلى الذهن بسبب هذا الاعتراف أني ارتكبت إثماً فظيعاً أو وزراً منكراً، فما كان بي نزوع قط إلى مثل هذه الأوزار أو تلك الآثام) شهادة يوسف (ص7). ـ كما يدَّعي أنه في مساء (21 سبتمبر 1823) م, نزل عليه ملاك من السماء اسمه موروني، وأخبره بأنه قد أعدَّه لمهمة ينبغي عليه إنجازها، وأخبره عن كتاب نقشت عليه كلمات على صحائف من الذهب، تروي أخبار القوم الذين استوطنوا القارة الأمريكية في الأزمنة الغابرة، وتاريخ السلف الذين انحدروا منهم، وأنبأه عن حجرين في قوسين من الفضة لترجمة الكتاب، وغادره هذا الملاك بعد أن نهاه عن إظهار أحد من الناس على هذه الصحف. في (18 يناير 1827) م, تزوَّج من فتاة اسمها إيما هيل، فكان له من حميه فيما بعد سنداً قويًّا أعانه على نشر فكرته، وذلك لما تتمتع به هذه الأسرة من مكانة طيبة. في (22 سبتمبر 1827) م, استلم الصحف - كما يزعم - متعهداً بإعادتها بعد نهوضه بالمطلوب. رحل عن مقاطعة مانشستر الأمريكية، وذهب إلى حيث حموه في مقاطعة سوسكويهانا بولاية بنسلفانيا، واستوطن مدينة هارموني. شرع في الترجمة بمساعدة مارتن هاريس الذي أخذ بعض الحروف وشيئاً من الترجمة، وعرض ذلك على الأستاذ تشارلز آنثون، والدكتور ميتشيل فأقرا بأن ما رأياه إنما هو ترجمة عن اللغة المصرية القديمة، وأن الأصل إنما يتألف من حروف مصرية قديمة، وحروف كلدانية، وحروف آشورية، وحروف عربية. في (25 مايو 1825) م, ذهب مع أوليفر كودري للصلاة في الغابة، حيث زعما أنه هبط عليهما يوحنا المعمدان (أي: نبي الله يحيى عليه السلام) وأمرهما بأن يعمد كل منهما الآخر، وأخبرهما بأنه قد جاء إليهما تنفيذاً لأمر بطرس يعقوب، ورسَّمهما لرعاية الكنيسة المورمونية. يدَّعي كل من أوليفر كودري، وداود ويتمر، ومارتن هاريس أنهم قد شاهدوا الصحف، وأنهم يشهدون على صحة الترجمة ودقتها، وبأن هذا الكتاب إنما هو سجل لقوم نافي ولإخوتهم اللامانيين. أعلن في عام (1830) م, وبحضور عدد من الشخصيات عن تأسيس كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة. رحل يوسف سميث وأتباعه عن نيويورك إلى مدينة كيرتلاند المجاورة لمدينة كليفلاند بولاية أوهايو حيث شيَّد هيكلاً عظيماً، كما أنه قام بعمل تبشيري واسع النطاق في تلك المنطقة وما جاورها. بعث بإحدى الإرساليات إلى ولاية ميسوري للتبشير ولاكتساب المؤيدين. تعرَّضوا للاضطهاد فتنازلوا عن منازلهم ومزارعهم، ورحلوا إلى ولاية الينوي حيث اشتروا المستنقعات الشاسعة المهجورة على شاطئ المسيسبي، وقاموا بإصلاحها، وبنوا مدينة نوفو، أي: الجديدة. سجن يوسف سميث وأخوه هايرم في مدينة كارسيج بولاية الينوي لاتهامات ضدهما، وبينما هما في السجن دخل عليهما مسلحان مقنعان فقتلاهما بالرصاص. وقد حدث ذلك في (27 يونيو1844 ) م، فانتهت بذلك حياة هذا النبي المزعوم. آلت رئاسة الحركة والنبوة بعده إلى بريجام يونج الذي رحل بالقوم إلى جبال روكي حيث حدَّد لهم مكان إقامتهم، فبنوا مدينة سولت ليك، وقد خطط الهجرات إلى يوتاه؛ إذ كان بينهم آلاف البريطانيين والإسكندنافيين، كما يعتبر يونج مسئولاً عن هذه الرحلة المأساوية، والتي حدثت عام (1856) م, حيث مات أثناءها أكثر من مئتي شخص من أتباعه. ـ رؤساء الكنيسة هم الأنبياء، فقد تتابع هؤلاء الأنبياء - بزعمهم - وآخرهم سبنسر كيمبل، وقد زاد عدد أعضاء هذه الطائفة إذ بلغوا خمسة ملايين شخص تقريباً، وما يزالون في نمو وازدياد. هناك أقلية من المورمون لم توافق على سيطرة يونج بعد موت يوسف سميث، فقد بقي هؤلاء في الينوي مؤسسين - بالتعاون مع إيما سميث الزوجة الأولى لنبيهم ومع ابن سميث جوزيف - كنيسة يسوع المسيح للقديسين المعاصرين المعاد تنظيمها، ومركزها ميسوري، تنفيذاً لوصية النبي المؤسس الذي قال لهم: إن صهيون ستكون فيها. وقامت كذلك فئات أخرى منشقة، كل منها تدَّعي بأنها قد تلقَّت صحفاً فيها كتب قديمة مقدسة. أوليفر كودري، ومارتن هاريس، كانا ممن شارك في مرحلة التأسيس، وتلقَّيا الوحي المزعوم. وتتابع أنبياؤهم الذين هم رؤساء الكنيسة على النحو التالي: يوسف سميث. بريجام يونج. جون تيلور. ويلفورد وودروف. لورينزوسنو. هيبر جرانت. جورج ألبرت سميث. داود مكاي. يوسف فليدنج سميث. سبنسر كيمبل. يرد في كتبهم اسم: إلما، يارد، لحي، إنهم أنبياء في كتاب المورمون. لهم شخصيات بارزة في مجلس الشيوخ الأمريكي ومجلس النواب.
الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:
الكتب المقدسة لديهم اليوم: الكتاب المقدس: يعتقدون بأنه مجموعة من كتابات مقدسة تحتوي على رؤى الله للإنسان، وأنها مخطوطات تتناول قروناً كثيرة منذ أيام آدم حتى الوقت الذي عاش فيه المسيح، وقد كتبها أنبياء كثيرون - على زعمهم - عاشوا في أزمنة مختلفة، وهو ينقسم إلى قسمين: 1- العهد القديم: فيه كثير من النبوءات التي تنبَّأت بقدوم المسيح. 2- العهد الجديد: يروي حياة المسيح وتأسيس الكنيسة في ذلك اليوم. كتاب المورمون: هو سجل مقدس لبعض الناس الذين عاشوا في قارة أمريكا بين (2000) ق. م, إلى (400) بعد الميلاد، وهو يروي قصة زيارة يسوع المسيح لشعب القارة الأمريكية بعد قيامه من الموت مباشرة (كما يعتقدون). وهذا الكتاب يعدُّ الحجر الأساسي لديهم، وإن الإنسان المورموني يتقرَّب إلى الله بطاعة تعاليمه، وقد قام يوسف سميث بترجمته إلى اللغة الإنجليزية بموهبة الله وقوته، وقد نزل به ملاك من السماء اسمه (موروني) على يوسف سميث. كتاب المبادئ والعهود: هو مجموعة من الرؤى الحديثة التي تخصُّ كنيسة يسوع المسيح، كما أعيدت إلى أصلها في هذه الأيام الأخيرة، وهو يوضح تنظيم الكنيسة وأعمالها ووظائفها، وفيه نبوءات عن حوادث ستأتي، وفيه أجزاء فيها معلومات مفقودة لمئات السنين، وفيه تعاليم الكتاب المقدس. الخريدة النفيسة: يحتوي على: 1ـ سفر موسى: فيه بعض رؤى موسى وكتاباته كما كُشفت ليوسف سميث في عام (1830) م. 2 ـ سفر إبراهيم: ترجمة يوسف سميث من درج بردي مأخوذ من مقابر المصريين القدماء. 3 ـ كتابات يوسف سميث ذاته: تحتوي على جزء من ترجمة الكتب المقدسة ومختارات من تاريخ الكنيسة المورمونية وبنود الإيمان لديهم ورؤية المملكة السماوية. 4ـ رؤية فداء الأموات: وهي تروي زيارة يسوع المسيح للعالم الروحي، وهي رؤية أعطيت للرئيس يوسف سميث في (3 أكتوبر 1918) م. إضافة إلى الكتب الأربعة السابقة، فإن كلمات الوحي والرؤى التي يذكرها أنبياؤهم تصبح كتباً مقدسة، وكل النشرات والتعاليم وقرارات المؤتمرات كلها تعتبر كتباً مقدسة أيضاً. بنود الإيمان لديهم: كما وضعها يوسف سميث ذاته: الإيمان بالله، الأب الأزلي، وبابنه يسوع المسيح، وبالروح القدس. الإيمان بأن البشر سيعاقبون من أجل خطاياهم، وليس بسبب تعدِّي آدم. الإيمان بأن جميع البشر يستطيعون أن يخلصوا عن طريق كفارة المسيح، وذلك بإطاعة شرائع الإنجيل ومراسيمه. الإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: 1ـ الإيمان بالرب يسوع المسيح. 2ـ التوبة. 3ـ العماد بالتغطيس لغفران الخطايا. 4ـ وضع الأيدي لموهبة الروح القدس. الإيمان بأن الإنسان يجب أن يُدعى من الله عن طريق النبوة، ووضع الأيدي على يد هؤلاء الذين لهم السلطة لكي يبشر بالإنجيل، ويقوم بالمراسيم المتعلقة به. الإيمان بنفس التنظيم الذي قامت عليه الكنيسة القديمة، أي: الرسل والأنبياء والرعاة والمعلمون والمبشرون… إلخ. الإيمان بموهبة الألسن والنبوة والرؤيا والأحلام والشفاء وتفسير الألسن. الإيمان بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله بقدر ما ترجم صحيحاً، والإيمان بأن كتاب المورمون هو كلمة الله. الإيمان بكل ما كشفه الله وبما يكشفه الآن وبأنه سيظل يكشف أموراً كثيرة عظيمة تتعلق بملكوت الله. الإيمان بتجمع إسرائيل واستعادة القبائل العشر، وأن دولة صهيون (أورشليم الجديدة) ستؤسس على القارة الأمريكية وأن المسيح سيحلُّ شخصياً على الأرض، وأن الأرض ستتجدد وتتسلم مجدها الفردوسي. يدَّعون امتياز عبادتهم لله القوي طبقاً لما يمليه عليهم ضميرهم كما يسمحون لجميع البشر بهذا الامتياز، فليعبدوا ما يريدون وكيف يريدون وأين يريدون. الإيمان بأنه يجب عليهم الخضوع للملوك والرؤساء والحكام وأصحاب السلطة القضائية، كما يؤمنون بأنه يجب عليهم إطاعة القانون واحترامه وتعضيده. الإيمان بأنه يجب عليهم أن يكونوا أمناء وصادقين وأطهاراً ومحسنين وأصحاب فضيلة، وأن يعملوا الخير لكل البشر، وهم يسعون وراء كل شيء ذي فضيلة ومحبوب، ويستحق التقدير أو المدح. مراتبهم الدينية والتنظيمية: ينقسم الكهنوت لديهم إلى قسمين: 1- كهنوت ملكي صادق: وهو أعظم كهنوت؛ إذ يملك التوجيه والتبشير بالإنجيل، كما يملك سلطة قيادة الكنيسة. 2ـ كهنوت هارون: وهو الكهنوت الذي منح لهارون ولأولاده خلال جميع الأجيال، وأصحاب هذا الكهنوت يقومون بمراسم الإيمان والتوبة والتعميد. خلاصة أفكارهم: يعتقدون أن الله هو على شكل إنسان له لحم وعظام، وبداخل جسده الملموس روح أزلية. كما يؤكدون على أن الإله متطور عن الإنسان، والناس يمكنهم أن يتطوروا إلى آلهة - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيراً-. الإنسان - كروح - ولد من والدين سماويين، وقد بقي هذا الإنسان في منازل الأب الأبدية قبل المجيء إلى الأرض في جسد مادي، كما أن المسيح هو الروح الأولى، فهو بذلك الابن الأكبر. يسوع المسيح هو الذي خلق الأرض وكل ما فيها، وخلق كذلك عوالم أخرى بتوجيه من أبيه السماوي. ثم خلق بعد ذلك الحيوانات. المسيح عليه السلام: أمه مريم العذراء التي كانت مخطوبة لشخص اسمه يوسف، وقد حلَّ عليها الروح القدس وقوة العلي ظلَّلتها، وولدها هو ابن الله، وقد جاء الولد وارثاً لسلطة إلهية من أبيه، ووارثاً الفناء من أمه. قام يوحنا المعمدان بتعميده وهو في الثلاثين من عمره، وقد صام أربعين يوماً؛ ليحارب الشيطان، كما أنه قد ظهرت على يديه معجزات. إن المسيح قد ضُرِبَ، وعُذِّبَ، ومن ثم صُلِبَ؛ ليسجل انتصاره على الخطيئة، وقد استودع روحه بين يدي أبيه، وقد ظل جسده ثلاثة أيام في القبر، ثم عادت إليه روحه فقام متغلباً على الموت. بعد قيامه بقليل ظهر في أمريكا، وأسَّس كنيسته، ثم صعد إلى السماء. وقد دخلت الوثنية إلى العقيدة المسيحية، كما حارب رجال الدين بعضهم بعضاً مما استوجب نزول المسيح مرة أخرى مع الله، وهبوطهما على يوسف سميث بغية إعادتها إلى الأرض مرة أخرى، كما كانت في الأصل. حواء ابنة مختارة أعطيت لآدم، وسمح لهما بالأكل من كل الأشجار عدا شجرة معرفة الخير والشر، وقد أغراهما الشيطان فأكلا منها، فأصبحا فانيين يشتغلان وينجبان. الروح القدس: عضو في الهيئة الإلهية، وله جسد من الروح في شكل إنسان، وهو يوجد في مكان واحد فقط في نفس الوقت، إلا أن نفوذه يصل إلى كل مكان. النبي رجل دعاه الله ليمثله على الأرض ويتكلم بالنيابة عنه، والنبوة لديهم مستمرة لا تنقطع. التعميد: ترمز المعمودية إلى الموت والقيامة، وذلك بأن ينزل رجل الدين إلى الماء مع الشخص الذي يريد تعميده، فيغطسه في الماء ثم يخرجه، وبذا تنتهي الحياة الخاطئة وتبدأ الحياة الجديدة، وهي تسمَّى الميلاد الثاني. القربان: كانت القرابين قبل المسيح تقدَّم على شكل ذبائح من الحيوانات، لكن كفَّارة المسيح بقتله أنهت هذا النوع من القرابين، وصارت عبارة عن خبز ونبيذ مصحوبة بالصلوات. وخلال رؤية حديثة لقديسي الأيام الأخيرة جعلوها خبزاً وماءً. يقدِّسون يوم السبت؛ لأن الله استراح فيه بعد انتهائه من خلق الكون، ولقد كان قيام المسيح بعد صلبه في يوم الأحد الذي صار محل تقديس عوضاً عن يوم السبت. الصوم: هو الامتناع عن الطعام والشراب مدة أكلتين متتابعتين، وبذلك يصوم الشخص أربعاً وعشرين ساعة. فإذا أكل أحدهم العشاء فلا يجوز له أن يأكل مرة ثانية حتى العشاء الآخر. كما يقدِّم الصائم للقائد الكهنوتي إما مالاً أو طعاماً مساوياً لطعام الوجبتين، وهذا يسمَّى بعطاء الصوم. يحرمون شرب النبيذ، والمسكرات الكحولية والتبغ والدخان بكل أنواعه، ويمتنعون عن شرب القهوة والشاي لما يحتويان عليه من عقاقير مضرة. ويحذرون من تناول المرطبات وما فيها من مشروبات الصودا والمشروبات الفوارة والمياه الغازية، والكولا أشدها خطراً. وينبهون إلى عدم الإسراف في أكل اللحم من دون تحريم، ويبيحون تناول الفواكه والخضر والبقول والغلال، مركزين على القمح بخاصة؛ لاعتقادهم بأنه نافع لجسم الإنسان، ويؤدي إلى المحافظة على صحته وقوامه. وجدير بالذكر أن يوسف سميث كان يرقص ويشرب الخمر، ويشترك في المصارعة، وقد كتب يقول: (خلق الإنسان ليتمتع بحياته). يبيحون تعدد الزوجات ويجيزون للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء؛ لأن في ذلك إعادة لما شرعه الله في الأزمان الغابرة. ولا يسمحون بذلك إلا لذوي الأخلاق العالية على أن يثبتوا قدرة على إعالة أكثر من أسرة. وقد مارس يوسف سميث هذا التعدد. كما استمرت هذه العادة حتى عام (1890) م. تخلوا عن التعدد - ظاهريًّا- في عهد نبيهم ولفورد؛ نتيجة للضغط الشديد الذي قوبلوا به من الطوائف الأخرى، وكذلك بغية تمكنهم من الانضمام إلى السلطات الاتحادية. وعلى الرغم من التحريم الرسمي العلني إلا أنهم يمارسون التعدد سرًّا. يحرمون الزنى تحريماً مطلقاً، والذي يخطئ يمكنه التوبة والرجوع عن جميع خطاياه. يجب على كل فرد أن يدفع عُشر النقود التي يكسبها، على أن يكون ذلك مصحوباً بالفرح والسرور. يدفعون عطاء الصوم، ويدفعون اشتراكات مختلفة وعطايا لغير سبب، فكنيستهم بذلك من الكنائس الغنية الموسرة. من علامات القيامة: - الشرور والحروب والاضطرابات. - استعادة الإنجيل. - بزوغ كتاب المورمون. - اللامانيون يصبحون شعباً عظيماً. - بناء أورشليم الجديدة في ولاية ميسوري. - بيت إسرائيل يصبح شعب الله المختار. بعد الحساب هناك عدة ممالك: - المملكة السماوية: للذين تسلَّموا شهادة يسوع، وآمنوا باسمه وتعمدوا. - المملكة الأرضية: للذين رفضوا الإنجيل على الأرض ولكنهم استلموه في العالم الروحي. - المملكة السفلية: للذين لم يتسلموا الإنجيل ولا شهادة يسوع سواء على الأرض أو في العالم الروحي، ومع هؤلاء يكون الزناة والفجار. - الظلمة الخارجية: للذين شهدوا ليسوع بالروح القدس، وعرفوا قوة الرب، لكنهم سمحوا للشيطان بأن يتغلَّب عليهم، فينكروا الحق ويَتحَدُّوا قوة الرب. يؤمنون بالعهد الألفي السعيد الذي يدوم ألف سنة من تاريخ مجيء المسيح إلى الأرض، حيث يقوم كثير من الأموات، وبعضهم يختطف للقائه عندما ينزل، وهي القيامة الأولى. أما الأشرار فيهلكون في الأجساد ويبقون كذلك مع الأشرار من الأموات حتى انتهاء الألف سنة، حيث تأتي القيامة الآخرة. في فترة الألف سنة هذه تسود المحبة والسلام، ويملك يسوع شخصيًّا، وتجتمع الأرض في مكان واحد، فلن يكون هناك قارات مختلفة، وينمو الأطفال بدون خطيئة. لن يكون هناك موت؛ لأن الناس سيتغيَّرون من حالتهم الفانية إلى حياة الخلود في لحظة. في نهاية العهد الألفي سيطلق سراح الشيطان لمدة قصيرة، وتحدث معركة بين أتباع الأنبياء وأتباع الشيطان، وعندها ينتصر المؤمنون، ويطرد الشيطان إلى الأبد مدحوراً. المورمون واليهود: مما لا شك فيه أن لليهود دوراً فعالاً ونشيطاً في حركة المورمون ولذلك فهم: يعتقدون بأن الله أعطى وعده لإبراهيم، ومن ثم لابنه يعقوب بأن من ذريته سيكون شعب الله المختار. وأن يعقوب الذي اسمه (إسرائيل) رزق باثني عشر ابناً يُعرفون بالأسباط. وأن هؤلاء الأنبياء ارتكبوا الشرور، فبدَّدهم الله في الأرض منقسمين إلى مملكتين: 1- المملكة الشمالية: وتسمَّى إسرائيل حيث عاش فيها عشرة أسباط. 2- المملكة الجنوبية: وتسمَّى مملكة يهوذا حيث عاش فيها سبطان فقط. الأسباط الشماليون هزموا في معركة ودفعوا إلى السبي، وقد هرب بعضهم وتاهوا في البلاد. بعد مائة عام انهزمت المملكة الجنوبية حوالي عام (600) ق. م. عندها ترك لحي وعائلته أورشليم مستقرين في القارة الأمريكية فكان منهم النافيون، وكذلك اللامانيون الذي يعتبرون من سلالة لحي. وقد هدمت أورشليم عام (586) ق. م. سبطا إسرائيل اللذان بقيا أُخِذا أسيرين، كما أعيد بناء أورشليم بعد المسيح، إلا أن الجنود الرومانيين قد خرَّبوها مرة ثانية. يصرِّحون بأنه في هذا الزمان قد وعد الرب بأنه سيجمع بني إسرائيل؛ ليتعلموا الإنجيل، كما أن موسى النبي قد نزل على يوسف سميث عام (1836) م, وأعطاه سلطة جمع بيت إسرائيل في هيكل كيرتلاند. بيت إسرائيل الآن في طريقه إلى الجمع؛ إذ إن آلافاً من الناس ينضمون إلى الكنيسة سنوياًّ من الإسرائيليين الذي ينتمون إلى عائلة إبراهيم ويعقوب إما بعلاقة الدم أو بعلاقة التبني حسب ادعاءاتهم. سيجمع سبطا إفرايم ومنسي في أرض أمريكا، وسيعود سبط يهوذا إلى أورشليم، كما أن الأسباط العشرة المفقودة ستتسلَّم البركات التي وعدت بها من سبط إفرايم في أمريكا. الإسرائيليون المشتتون في كل دولة يدعون للتجمع في حظيرة المسيح في أوتاد صهيون. هذا التجمع الحرفي لإسرائيل لن يتمَّ حتى المجيء الثاني للمخلِّص كما يزعمون. ستكون هناك عاصمتان في العالم: الأولى في أورشليم، والثانية في أمريكا؛ لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تخرج كلمة الرب.
الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:
لليهود دور في نشوء هذه الطائفة؛ تعزيزاً للانشقاق داخل الكنائس المسيحية، بغية السيطرة عليها. كتاب المورمون يشبه التلمود في كل شيء ويحاكيه، وكأنه نسخة طبق الأصل عنه. إن إسرائيل قد جنَّدت كل إمكاناتها لخدمة هذه الطائفة، عاملة على استمرارية العون والمساندة النصرانية لها. يعملون على ربط صهيون أو القدس الجديدة بالأرض الأمريكية المقدسة - حسب وصايا الرب - انتظاراً لعودة المسيح الذي سيعود ليملك الأرض، ويملأها جنات خالدات. يقولون عن فلسطين في كتاب المورمون في الإصحاح العاشر الفقرة (31): (فاستيقظي وانتفضي من الثرى يا أورشليم، نعم… والبسي حللك الجميلة يا ابنة صهيون، ووسِّعي حدودك إلى الأبد؛ لكي لا تعودي مغلوبة، ولكي تتحقق عهود الأب الأزلية التي قطعها معك، يا بيت إسرائيل). يقولون في الإصحاح الرابع عشر فقرة (6) مخاطبين المورمون: (لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دوركم قدام الخنازير؛ لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت لتمزقكم). نلاحظ تعانق الفكر الصليبي مع الفكر الصهيوني في نظرتهم إلى فلسطين، إنهم يقولون ذلك منذ عام (1825) م, يوم كانت فلسطين ما تزال جزءًا من أرض الإسلام.
الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:
آمن بفكرة المورمون كثير من النصارى، وكان دعاتها من الشباب المتحمِّس، وقد بلغ عدد أفرادها أكثر من خمسة ملايين نسمة، ثمانون بالمائة منهم في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتمركزون في ولاية يوتاه، حيث إن ( 68% ) من سكان هذه الولاية منهم، و(62 % ) من سكان مقاطعة البحيرات المالحة مسجَّلون كأعضاء في هذه الكنيسة، ومركزهم الرئيسي في ولاية يوتاه الأمريكية. انتشروا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأمريكا الجنوبية، وكندا، وأوروبا، كما أن لهم في معظم أنحاء العالم فروعاً ومكاتب ومراكز لنشر أفكارهم ومعتقداتهم. إنهم يوزعون كتبهم مجاناً، ودعوتهم تأتي خدمة لمصلحة إسرائيل، وتأكيداً لأهدافها المرسومة. ولهم (175) إرسالية تنصيرية، كما أنهم يملكون: شبكة تلفزيونية، وإحدى عشرة محطة إذاعية. ويملكون مجلة شهرية بالإسبانية، وصحيفة يومية واحدة. ويملكون مركزاً متطوراً جدًّا للمعلومات في مدينة سولت ليك في ولاية يوتاه الأمريكية. ويتَّضح مما سبق: أن المورمون طائفة نصرانية جديدة نسبيًّا، انشقَّت عن النصرانية، وتدعو إلى التمسك بالكتب اليهودية وكتاب المورمون وكتاب المبادئ والعهود وغيرها، ويدعون إلى الإيمان بالمسيح الذي جاء - في نظرهم - لينقذ اليهود من الاضطهاد، والإيمان بأن المبادئ والمراسم الأربعة للإنجيل هي: الإيمان بالرب يسوع المسيح كما يقولون، والتوبة والعماد بالتغطيس لغفران الخطايا ووضع الأيدي لموهبة الروح القدس. ويصل شركهم مداه عندما يقولون: إنهم يعتقدون أن الله تعالى هو على شكل إنسان له لحم وعظام، وبداخل جسده الملموس روح أزلية، كما أن البشر عندهم هم أبناء وبنات الله. مراجع للتوسع: هناك نشرات توزعها كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة بمدينة سولت ليك بولاية يوتاه في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها: a) The Church of Jesus Christ of Latter-day Saints • ومن نشراتهم باللغة العربية ما يلي: - مبادئ الإنجيل. - دليل الشعبة. - دليل القائد الكهنوتي. - كلمة الحكمة. - شهادة يوسف سميث. - دليل العائلة. - ماذا عن المورمون – طبع الولايات المتحدة. - مقال عن المورمون في مجلة الأمة عدد (22) شوال (1402هـ/ آب 1982) م. - مقال في الموسوعة البريطانية عن المورمون. - ولهم كذلك نشرات باللغة الإنجليزية هي: - Succession in the Presidency. - W.H.Y. Famillies? - A Family home evening program suggested by the Church of Jesus Christ of latter-day saints. - The Mormons and the Jewish people. - The Lord’s Day. - What the Mormons think of Christ. - A Word of Wisdom, Mark E. Perersen. - Baptism. How and by Whom administered?
الفرع الأول: التعريف:
هي منظمة عالمية دينية وسياسية، تقوم على سرية التنظيم، وعلنية الفكرة، ظهرت في أمريكا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كما تدَّعي أنها مسيحية، والواقع يؤكد أنها واقعة تحت سيطرة اليهود، وتعمل لحسابهم، وهي تعرف باسم (جمعية العالم الجديد) إلى جانب (شهود يهوه) الذي عرفت به ابتداء من سنة (1931) م، وقد اعترف بها رسميًّا في أمريكا قبل ظهورها بهذا الاسم وذلك سنة (1884) م.
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
أسَّسها سنة (1874) م, الراهب تشارلز راسل ( 1862- 1916) م، وكانت تعرف آنذاك باسم مذهب الراسلية أو الراسليين نسبة إلى مؤسسها كما عرفت باسم الدارسون الجدد للإنجيل. وعرفت بعد ذلك باسم جمعية برج المراقبة والتوراة والكراريس Watch Tower Bible and Tract Society ثم استقرَّ الأمر أخيراً وعرفت باسم يهوه نسبة إلى يَهْوَه إله بني إسرائيل على ما تُردِّد توراتهم، (راجع سفر الخروج6: 2-4) (وكلَّم الله موسى قال له: أنا الرب. أنا الذي تجليت لإبراهيم وإسحاق ويعقوب إلهاً قادراً على كل شيء، وأما اسمي يهوه فلم أعلنه لهم). ثم خلفه في رئاسة المنظمة فرانكلين رذرفورد ( 1869- 1942) م الذي ألَّف سنة (1917) م, كتاب سقوط بابل، ويرمز ببابل لكل الأنظمة الموجودة في العالم. ثم جاء نارثان هرمر كنور (1905) م، وفي عهده أصبحت المنظمة دولة داخل الدولة كما يقال.
الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:
إشاعة الفوضى الخلقية والتحلل من جميع الفضائل الإنسانية التي حثَّت عليها التعاليم الدينية. يؤمنون بيهوه إلهاً لهم، وبعيسى رئيساً لمملكة الله. يؤمنون بالكتاب المقدس للنصارى، ولكنهم يفسرونه حسب مصالحهم. الطاعة العمياء لرؤسائهم. يستغلون اسم المسيح والكتاب المقدس للوصول إلى هدفهم، وهو: إقامة دولة دينية دنيوية؛ للسيطرة على العالم. تهيئة النفوس لإقامة الدولة اليهودية الكبرى. نفي الحساب والعقاب في الآخرة، فلا إثم على من يقترف ذنباً أو معصية في دنياه. لا يؤمنون بالآخرة ولا بجهنم، ويعتقدون بأن الجنة ستكون في الدنيا في مملكتهم. يعتقدون بقرب قيام حرب تحريرية يقودها عيسى، وهم جنوده يزيحون بها جميع حكام الأرض. يقتطفون من الكتاب المقدس الأجزاء التي تحبب إسرائيل واليهود إلى الناس، ويقومون بنشرها. لا يؤمنون بالروح وبخلودها، ولهم معابد خاصة بهم يسمونها القاعة الملكية أو بيت الرب. الأخوة الإنسانية مقتصرة عليهم دون من سواهم من البشر. يعادون النظم الوضعية، ويدعون إلى التمرد، ويعادون الأديان إلا اليهودية، وجميع رؤسائهم يهود. إشاعة الفوضى العالمية بتحريض الشعوب على التمرد على حكوماتهم، وشقِّ عصا الطاعة عليها، ومقاطعة جميع النشاطات الرسمية في الدولة، ويبررون ذلك بما جاء في كتابهم الأخضر (ليكن الله صادقاً بأنهم سفراء الله في ملكوته المقدس، ومن ثمَّ فهم يتمتعون بحصانة تعفيهم من الخضوع للحكومات المدنية أيًّا كانت مقوماتها). يعترفون بقداسة الكتب التي تعترف بها اليهودية وتقدسها، وهي 19 كتاباً. يقولون بالتثليث ويفسرونه بـ (يهوه، الابن، الروح القدس). يمرُّ العضو فيها بمراحل معقدة، ويخضع الالتحاق بها إلى شروط قاسية، وتنتظم عضوية جمعية شهود يهوه ثلاث مراتب: أعضاء الرجاء السماوي: وهم أعضاء الإدارة العليا، ويرأسهم العبد العظيم أو الحكيم، ويعرف مقره ببيت (إيل) أي: بيت الله. صف جلعاد أو الرجاء الأرضي: ويشمل من الأعضاء الرواد والمعاونين ونظار المناطق، وهؤلاء هم أعضاء الإدارة التنفيذية. المبشرون: ويعرف أعضاؤها بالخدم، وتضم هذه المرتبة الشهود، وهم الأعضاء المكلفون بتوزيع مطبوعات الجمعية ورسائلها. شعاراتهم ورموزهم: تبني المينورا، وهي الشمعدان السباعي الذي هو رمز اليهود الديني والوطني. تبني النجمة السداسية، وهي رمز لليهود كذلك. تبني اسم يهوه، ويكتبونه بالعبرية، وهو (الإله) عند اليهود. من كتب المنظمة: تنطق باسمهم مجلة كانت تصدر تحت اسم برج مراقبة صهيون، ثم عدَّلوها إلى: برج المراقبة؛ لإخفاء كلمة صهيون. هذا الخبر الجيد عن المملكة (المقصود مملكتهم المأمولة). الأساس في الإيمان بعالم جديد. لقد اقترب علاج الأمم. العيش بأمل نظام عادل جديد. الجذور الفكرية والعقائدية: يمكن اعتبارهم فرقة مسيحية منفردة بفهم خاص، إلا أنهم واقعون تحت سيطرة اليهود بشكل واضح، ويتبنون العقائد اليهودية في الجملة، ويعملون لأهداف اليهود. تأثَّروا بأفكار الفلاسفة القدامى واليونانيين منهم بخاصة. لهم علاقة وطيدة بإسرائيل وبالمنظمات اليهودية العالمية كالماسونية. لهم علاقة تعاون مع المنظمات التبشيرية والمنظمات الشيوعية والاشتراكية الدولية. لهم علاقة كبيرة مع أهل النفوذ من اليونانيين والأرمن
الفرع الرابع: الانتشار ومواقع النفوذ:
لا تكاد تخلو دولة في العالم من نشاط لهذه المنظمة السرية الخطرة. مركزهم الرئيسي في أمريكا - حي بروكلين بنيويورك: 124 Columbia Heights. (i Brooklyn 1. New York - USA) وصل عدد البلدان التي يزاولون فيها نشاطهم سنة (1955) م إلى 158 دولة، وكان عددهم آنذاك (632929) عضواً، وعدد دعاتهم (1814) داعية، فكم يكون إذن عددهم الآن ؟ وقد فطنت بعض الدول إلى خطورتهم فمنعت نشاطهم، وتعقبتهم، ومن هذه الدول: سنغافورة، لبنان، ساحل العاج، الفلبين، العراق، النرويج، الكاميرون، الصين، تركيا، سويسرا، رومانيا، هولندا.. وما يزالون ينشطون في هذه الدول بطريقتهم الخاصة السرية. أما في أفريقيا والدول الإسلامية فغالباً ما يكون نشاطهم بالتعاون مع المنظمات التبشيرية.
الفرع الخامس: طريقتهم في العمل:
يرون أنه ثبت بالدليل أن عدداً كبيراً من الناس لا يحضرون إلى المعابد، وأن أكثر من نصف الناس في بعض البلدان لا ينتمون إلى طائفة من الطوائف الدينية، وأن ملايين من المنتمين إلى الطوائف الدينية لا يحضرون عبادتهم، ولا يريدون أن يستمعوا إلى رجال الدين، فعملت شهود يهوه على أن تخفي نفسها تحت أستار أنها فرقة مسيحية تطوف بالبيوت والمقاهي والأندية العامة والطرقات، حاملة الكتب والمنشورات، تعرض فيها تعاليمها بحماسة مدعية أنها حاملة رسالة دين جديد يجمع تحت لوائه أهل الأديان كافة، تتظاهر بعدم معاداة أحد أو أية طائفة من الطوائف. كما عملت على عدم الاحتفاظ بأسماء أعضائها، واكتفت فقط بحفظ ناشري مطبوعاتها ونشراتها وعملت - أيضاً - على عدم الإعلان عمن يساعدها بالأموال في أداء مهامها. يصدرون آلاف الكتب والنشرات والصحف، ويوزِّعونها مجاناً مما يدلُّ على قوة رصيدهم المالي. لهم مدارس خاصة بهم ومزارع ودور صحافة ودور نشر.. ولكل منها إدارة خاصة بها. لهم مكاتب للترجمة والتأليف ولجان دينية عليا لتفسير الكتاب المقدس وفق مصلحتهم. لهم تعاون كبير مع المنظمات المماثلة التي تعمل لصالح اليهود. تستفيد هذه المنظمة من أعضائها في أعمال الاستخبارات والجاسوسية والدعاية. ويتضح مما سبق: أن منظمة شهود يهوه تدَّعي المسيحية، وتوالي اليهودية، وتعادي الإسلام، وهي من المنظمات المشبوهة التي يلزم وقف نشاطاتها في أي بلد إسلامي - إن وجد - وعدم السماح بتداول مطبوعاتها ومجلاتها تحت أي مسمى كان، ويكفي أن علاقتهم وطيدة بإسرائيل، وأن روابطهم وثيقة بعملاء التنصير. مراجع للتوسع: - شهود يهوه، د. محمد حرب. - كتابان باللغة التركية: الأستاذ حكمت تانيو وهما: - Yehora Sahitleri. - Tharih Boyunca Turkler ve Yahudiler. - الماسونية العالمية في ميزان الإسلام، عبد الله سمك، كلية أصول الدين بالقاهرة (1407هـ/ 1987)م. - شهود يهوه في الميزان، جبرائيل فرح البوس. - الصهيونية بين الدين والسياسة، عبد السميع الهراوي. - لهذا أكره إسرائيل، أمين سامي الغمراوي. - اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية، إيليا أبو الروس. - نظرة حول المؤامرات الدولية اليهودية، د. سعيد محمد أحمد بانجة. - الماسونية في العراء، د. محمد علي الزعبي. - شهود يهوه. التطرف المسيحي في مصر، أبو إسلام
الفرع الأول: التعريف:
الأبوس ديي منظمة سرية دينية لا رهبانية نصرانية كاثوليكية معاصرة، تسعى إلى سيادة التعاليم الإنجيلية، والعودة إلى النصرانية الأولى كما هي موجودة في الإنجيل المتداول. وذلك وفق ضوابط تنظيمية دقيقة محكمة مع الاستفادة الكاملة من معطيات العصر الحديث، وتتلمس طريقها من خلال السيطرة على النواحي السياسية والاقتصادية والتربوية. واسمها يجمع بين اسمي جمعية الصليب المقدس، ومنظمة العمل الإلهي معاً. وتختلف عن الهيئات الأخرى في عدم ارتداء زيٍّ خاص بها، وسرية النذر، وعدم وجود حياة جماعية مشتركة بشكل إجباري، ومصادر دخلها تعتبر سرًّا من الأسرار.
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
- أسَّس هذه المنظمة القس خوسيه ماريا أسكريفا JOSE MArIA ESCrIVA في إسبانيا، وذلك في (2 أكتوبر 1928) م، وهو يزعم أنه قد اختير لهذه المهمة بوحي إلهي، وذلك كي يضفي على هذا التأسيس هالة من التقديس. - في عام (1930) م، تمَّ تأسيس الفرع النسائي للمنظمة على نفس نمط الفرع الرجالي تنظيماً وانتشاراً. - وجدت أفكار أسكريفا أرضاً خصبة في إسبانيا تحت حكم الجنرال فرانكو، وبخاصة عقب الانتهاء من الحرب الأهلية فيها. - للمنظمة أعضاء وصلوا إلى الوزارة في كل من إسبانيا وإيطاليا، ويشكِّلون ثقلاً مهمًّا في كلا البلدين. - لهم الآن ثلاثون نائباً على الأقل في البرلمان الإسباني ينتمون إلى المنظمة، ويتحرَّكون بإيحاءاتها. - هناك أساقفة وقساوسة منتمون سرًّا للمنظمة، ويعملون بين مختلف الطبقات الاجتماعية الإسبانية وفي صفوف الجيش. - ولهم رئاسة قسم الدراسات اللاهوتية في روما، وهو فرع من جامعة نافارا الإسبانية.
الفرع الثالث: الهيكل التنظيمي:
- المجلس العام: ويتألَّف من الرئيس والسكرتير العام والنائب العام وشخصيات من أربع عشرة دولة، وهو الذي يتخذ القرارات الحاسمة باعتباره أعلى سلطة في المنظمة بجميع فروعها في العالم، وبأقسامها الثلاثة: القساوسة والمدنيين والفرع النسائي. - القساوسة: وهي أعلى درجة يطمح العضو فيها، ويرتقي إليها العضو النظامي، وحتى عندما يتحول العضو النظامي إلى قسيس فإنه لا يتخلَّى عن عمله المهني، ويصبح في هذه الحال طبيباً قسيساً أو محامياً قسيساً.. إلخ. - العضو النظامي وهي أعلى درجة في التنظيم. - الناذر نفسه (القربان) ويقوم بنذر نفسه للمنظمة، ويكرِّس حياته لها. - العضو غير النظامي. - المتعاون، علاقته كنصير أو مؤيد. - اعترفت الكنيسة الإسبانية بهذا الهيكل التنظيمي للأبوس ديي اعترافاً شبه رسمي، مما دعم مكانتها، وزاد في انتشارها. - لقي المؤسس اهتماماً من الفاتيكان مما جعله يقرر الانتقال من إسبانيا إلى روما، والإقامة هناك بشكل نهائي، جاعلاً منها المقر الرئيسي للمنظمة. - ظل إسكريفا رئيساً لهذه المنظمة طيلة حياته إلى أن توفي عام (1975) م. - يقوم تنظيم نسائي على يد أخوات الأعضاء البارزين في الحركة.
الفرع الرابع: الأفكار والمعتقدات:
- أفكار دينية وتنظيمية: أهداف المنظمة دينية صرفة، فهي تعمل من أجل إعلاء النصرانية وفق العقائد الكاثوليكية، عن طريق التربية والسياسة والاقتصاد. - يتضمن نشاط المنظمة جهود رجال الدين، ومن غير رجال الدين، كما يشمل الرجال والنساء، ويعطي عناية خاصة للشباب. - يحرض التنظيم على أن يكون أعضاؤه قدوة حسنة، كما يحرص على السرية والكتمان. - يهدف التنظيم فيما يعلنون إلى تربية جادة صارمة لأعضائه، تقوم على الجدية، والعفة وحسن الخلق، بل والتقشف أيضاً، فكأنه يريد أن يحيي فيهم روح الأوائل. - يقوم التنظيم على ضوابط دقيقة في الانتساب، ثم في التعامل بين الأعضاء في مرحلة ما بعد الانتساب، وحتى في حالات الاستقالة أو الفصل، وتوزَّع الأمور توزيعاً موضوعيًّا يعطي المرء حق التظلم والاعتراض. - التنظيم عمل متكامل يهدف إلى المواءمة بين النواحي الروحية الدينية، وبين الاستفادة من كل ما تقدِّمه الحضارة الحديثة من أدوات تنظيمية دقيقة ذات أهداف ومناهج وضوابط وموارد مالية. - لقد نشأت هذه المنظمة في الأصل لتكون لصيقة بنظام الجنرال فرانكو، وكان لتأييده لها أثر مهم في زيادة نفوذها وانتشارها. - يمكن أن توصف المنظمة بأنها (مافيا دينية كاثوليكية) بوحي من أهدافها وحسب مصلحتها؛ للسيطرة السياسية والاقتصادية في إسبانيا بخاصة، وفي مختلف دول العالم بعامة. وقد شكَّلت المنظمة إمبراطورية اقتصادية صناعية تماثل أرقى وأحدث صور الإمبراطوريات الصناعية الاقتصادية المتعددة الجنسيات الموجودة في العالم. وهي متغلغلة في جميع الأوساط والطبقات. - تحاول المنظمة الوقوف بكل حزم أمام تيار المنظمات اليسارية والليبرالية والماسونية. - إذا أظهر المرشح رغبة للانضمام فإن عليه أن يخضع (لإرادة الرب)، وإرادة الرب عندهم هي أن يدخل المرء في هذه المنظمة، وبعد ستة أشهر تقريباً من العيش داخل المنظمة وروحانيتها يقبل المرشح بشكل رسمي. - بعد ستة أعوام من الانضمام تقام حفلة (الإخلاص والوفاء) لتأكيد عضوية المتقدم بشكلٍ نهائي، حيث يعطي خاتماً عليه قطعة من الحجر الكريم يفرض عليه حمله طوال حياته. - كثير من أعضاء المنظمة يجعلون من الحمار شعاراً لهم، ويقولون: إن المسيح قد دخل القدس وهو راكب على ظهر حمار. ومن صلوات إسكريفا قوله مخاطباً ربه: (أنا حمارك الجربان). - تتركز النواحي الروحية للحركة فيما يلي: - تقبل الأرض عند الاستيقاظ. - الحمام والحلاقة خلال نصف ساعة على الأكثر. - نصف ساعة للصلاة الفردية، وبعد ذلك قداس جماعي لمدة عشر دقائق. - بعد الغداء زيارة مكان القربان المقدس، وبعد ذلك ثلاث ساعات من الصمت الأصغر. - (العصرونية) وهو وقت مخصص للنشاط الجماعي، بسبب وجود بعض المدعوين (المرشحين) حيث تختلق مناقشات في موضوع ديني ما أو حادثة دينية معينة. نصف ساعة للصلاة. - نهاية اليوم: وتقرأ فيه الصلوات، ثم يجري فحص عام للنشاطات الروحية أو المالية التي جرت فيه، ويبدأ بعد الصمت الأكبر الذي يمنع فيه الكلام خلال كل الوقت الباقي حتى اليوم التالي. - قبل النوم يرسم الأعضاء إشارة الصليب بأيديهم على جسمهم، ويرشون الماء المقدس على الفراش، ثم يقومون بصلاة قصيرة وينامون. - في الثاني من شباط سنة (1947) م, قام الفاتيكان بمنح الأبوس ديي درجة (هيئة دينية لا رهبانية) أي: هيئة دينية للعمل ضمن ومن خلال المجتمع المدني. • المؤلفات: - ألف إسكريفا كتيباً صغيراً عام (1934) م سماه اعتبارات روحية، لكن الكتاب اختفى فجأة ليحل محله كتاب الطريق الذي يعد إنجيل المنظمة، وقد ظهرت طبعته الأولى عام (1939) م، ويحتوي على (999) حكمة، ومقسم إلى أربعين باباً و(136) موضوعاً. - لإسكريفا أطروحة دكتوراه، وله كتب صغيرة حول صلاتهم. - من كتب المنظمة: القيمة الإلهية للإنسان تأليف خوسي أورتيغا، يتكلم فيه عن الإنسان الكاثوليكي الصليبي. وكتاب روحانية العلمانيين تأليف خوان باركيستا توريو.
الفرع الخامس: الجذور الفكرية والعقائدية:
- هذه المنظمة نصرانية كاثوليكية تدعو إلى العودة إلى النصرانية الأولى، مستفيدة من معطيات العصر الحديث. - توجهها ديني سياسي اقتصادي تربوي. - تؤمن المنظمة بكل معطيات النصرانية من تثليث وأب وابن وروح القدس والعذراء والصليب والفداء والقرابين والخطيئة وأكل لحم الخنزير، وما إلى ذلك مما يعتقده النصارى بعامة.
الفرع السادس: الانتشار ومواقع النفوذ:
- لا يوجد في العالم بلد نصراني إلا وللمنظمة وجود فيه، فقد اتسع وجود المنظمة ليشمل أكثر من خمسين دولة في العالم، تغلغلت من خلالها في جميع الجوانب الفكرية والثقافية والسياسية والمالية. - تتركز قوتها في المناطق التالية: إسبانيا وفيها ثقلها الأساسي، إيطاليا حيث يقوم المركز الرئيسي والدولي في روما بشارع فيرلا برورو Virla Bruro ومهمته الإدارة والتنظيم، الفلبين في شرق آسيا، المكسيك وفنزويلا في أمريكا اللاتينية، وقد دخلت الحياة العامة في كولومبيا والبيرو وتشيلي، وأخيراً في الأرجنتين ولكن بنسب متفاوتة، وكينيا في أفريقيا. - يصل عدد أعضاء المنظمة في العالم اليوم إلى حوالي (72000) نسمة من (78) جنسية، نصفهم في إسبانيا. وتملك المنظمة أكثر من (700) مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية ومعهد وبيت للطلبة ومركز ثقافي منتشرة في العالم، منها (497) جامعة ومدرسة عليا. - يملكون (52) محطة إذاعة، (12) شركة توزيع وإنتاج سينمائي، و (694) مطبوعة دورية، و(38) وكالة أنباء، و(13) بنكاً، وشركات ومصانع وعقارات كثيرة. - وصلت المنظمة إلى السيطرة شبه الكاملة على المجلس الأعلى للأبحاث العلمية في إسبانيا. في إسبانيا وحدها تملك المنظمة (21) بيتاً من بيوت الطلبة تديرها بشكل مباشر. ويتضح مما سبق: أن الأبوس ديي منظمة سرية دينية نصرانية، هدفها إعلاء المسيحية الكاثوليكية عن طريق الإفادة من كل المعطيات الحديثة للتربية والسياسة والاقتصاد، ومن خلال أعضاء يجب أن يكونوا قدوة حسنة، ويحرصون على السرية والكتمان، بغية تحقيق السيطرة الدينية والسياسية في إسبانيا وغيرها من الدول التي انتشرت فيها. وللمنظمة هيكل تنظيمي، يسهر كله على تحقيق النواحي الروحية للمنظمة التي يتخذ كثير من أعضائها الحمار شعاراً لهم. مراجع للتوسع: - الكتب والمؤلفات التي تصدرها المنظمة. - منظمة الأبوس ديي: النشأة، التنظيم، التطور، تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي. - دستور هيئة الأبوس ديي، تقرير في ملفات الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
الفرع الأول: التعريف:
المونية: حركة مشبوهة تدعو إلى توحيد الأديان وصهرها في بوتقة واحدة بهدف إلغاء الفوارق الدينية بين الناس؛ لينصهروا جميعاً في بوتقة (صن مون) الكوري الذي ظهر بنبوة جديدة في هذا العصر الحديث.
الفرع الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
- مؤسس هذه النحلة هو القس الثري صن مون المولود في كوريا عام (1920) م, الذي ادَّعى بأنه على اتصال بالمسيح عليه الصلاة والسلام منذ عام (1936) م، وأنه منذ بلوغه السادسة والعشرين من عمره بدأ يدرس حياة الأنبياء والقادة الروحيين من مثل موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، ومن مثل بوذا وكرشنا، ويطلع على تعاليم الأديان السماوية والوضعية، كاليهودية والنصرانية والإسلام، وكذلك البوذية والهندوسية. - في عام (1973) م انتقل إلى الولايات المتحدة، وعقد صلات عدة مع كبار الشخصيات هناك. - أُلقي القبض عليه وأودع السجن الفيدرالي بكنكتيكت لمدة سنة ونصف السنة بسبب تهربه من دفع الضرائب، وقد استطاع أتباعه تصوير سجنه على أنه اضطهاد في سبيل المعتقد الديني الذي يحمله. - تولى منصب الرئيس للمجلس العالمي للأديان. - زار ألمانيا، لكن سلطات بون أعلنت أنه شخص غير مرغوب فيه. - يحاول أن يكون قريباً من الأحداث المهمة؛ إذ كان له ولطائفته دور مهم في الوقوف إلى جانب الرئيس ريتشارد نيكسون في فضيحة ووترجيت، كما أنهم كانوا نشيطين في حماية برنامج الرئيس ريغان وسياسته في أمريكا الوسطى. - شانج هوان كواك: يشغل منصب مساعد رئيس المجلس العالمي للأديان، وهو أكبر معاوني مون، وقد أعلن في بيانه الذي ألقاه في المؤتمر المنعقد بتركيا سنة (1985) م, عن نبوة مون وأنه يتلقَّى الوحي revelation من السماء. اليهودي فرانك كوفمان: يقيم في نيويورك، ويتبع مون، ويعمل في مؤسسته، وقد ناشد علماء المسلمين في مؤتمر تركيا (أن يتفهموا موقف الأديان الأخرى مثل اليهودية والبوذية والهندوكية). دكتور يوسف كلارك: قس كاثوليكي من مساعدي مون، وهو عضو مجلس إدارة المجلس العالمي للأديان، كان ممثل المجلس في مؤتمر تركيا. كوزا: رئيس مكتب مون في هندوراس ويعمل بهمة على نشر الحركة في أمريكا اللاتينية. موسى دست: رئيس كنيسة مون بالولايات المتحدة الأمريكية.
الفرع الثالث: الأفكار والمعتقدات:
يزعم أنه على اتصال بالمسيح، وأنه يتلقَّى الوحي من السماء مدعياً نبوة جديدة. شعاره وهدفه المعلن هو السعي من أجل توحيد الأديان على اختلاف أنواعها. يقول للنصارى بأن الإله قد رمى بالمسيحية جانباً، وأبدلها برسالة جديدة هي رسالة توحيد الأديان الداعي إليها. من القانون الأساسي لحركة مون: (إن الهدف الرئيسي هو العمل من أجل توحيد العالم تحت راية إله واحد بحيث تضمحل من هذا العالم كل الحواجز والعوائق الكنسية والسياسية والوطنية والقومية والاجتماعية). يقولون في كتابهم المبدأ المقدس: (إن رسالة آدم الأساسية أن يخلق الأسرة الكاملة في الأرض، وهذه المهمة لم تتحقق نتيجة لعمل الشيطان الذي كان نشيطاً في مهمته منذ بداية الخلق، وعيسى قد خلق آدم، وفشل في أمر الزواج، وترك مبدأ تكوين الأسرة الكاملة، وفشله ليس كاملاً فقد أحيا الجانب الروحي للإنسان، وقد ظل جسد الإنسان مستعبداً للشيطان، هذا أيضاً يجب تجديده، وهذا يستلزم آدماً ثالثاً بالاتحاد مع زجة مثالية يمكن تحقيق هذا الهدف لإنجاب الإنسان الكامل). إنهم يقومون بدراسة رسومات بيانية يزعمون أنها (تبين أن التاريخ والأحداث متكررة ومقدرة سلفاً ووفقاً لهذه الجداول البيانية، ويقولون: إن هناك أمثلة متكررة من البشر قد اختيروا ليصيروا آباء كاملين، لكن الشيطان قد اعترض سبيلهم فلم ينجحوا، وقد وجدت هذه الأسر المثالية على مر التاريخ الإنساني في فترات متقطعة على مدى أربعمائة عام سلفت). يتم اقتناص الشخص ليصبح عضواً في حركتهم عن طريق دعوته أولاً إلى وجبة طعام ثم دعوة للاشتراك في رحلة نهاية الأسبوع. يمنع الأفراد الجدد من تحدث بعضهم لبعض، وعليهم الانتظار حتى اللقاء الآخر في نهاية الأسبوع. يمضي المدعو عدة أسابيع مع معلِّمه، وقد يجعلونه بعد ذلك في مسكن واحد مع أعضاء جدد آخرين؛ ليلقنوهم جميعاً العقيدة الجديدة، مع التركيز على تقديس وتمجيد شخصية مون، والتأكيد على ضرورة التنكر لعقيدة أهاليهم ومجتمعاتهم. يقول مون في كتابه التوجيهي أقوال الأب الروحي: (إن عملية البعد عن العائلة والأصدقاء لا يتم بالصدفة؛ إذ لابد أن تتمرس على حياتك الجديدة ومن بعدها يمكنك أن تتنكر لعائلتك وأصدقائك وجيرانك). إذا ما حاول العضو الفرار منهم فسيكون ذلك صعباً لعدة أمور: 1- لأنه يكون قد انفصل عن عائلته، فلا يستطيع العودة إليها بعد أن ناصبها العداء بسبب معتقده الجديد الذي يخالف معتقدها. 2- لأنه يكون قد غُسِلَ دماغُه، وصار أداة طيعة في أيديهم يحركونه كيفما يريدون، بعد أن سيطروا عليه روحيًّا، وخدعوه بالوعود السماوية الكاذبة. 3- لأن أفراد عصابة مون سيتابعونه ويطاردونه حتى يعود إلى حظيرتهم من جديد. 4- إذا ما استسلم العضو الجديد لهم، فإنهم يسخرونه لبيع الورود والشموع؛ ليكون مصيدة لجذب الأعضاء الجدد، فضلاً عن الإيراد المالي الذي يحققه لميزانية الحركة. نظَّم مون عملية زواج جماعية في ميدان ماديسون جاردن بنيويورك، قام خلالها بتزويج (2075) شابًّا وفتاة، على الرغم من أن المجلس القومي الكنسي في أمريكا كان قد أصدر بياناً يعلن فيه عدم الاعتراف بكنيسة مون. يؤكِّد مون محاربته للشيوعية، ويركِّز هجومه عليها، كما أنه يرسل البعثات لمناهضتها في أماكن عديدة من العالم. لقد عقد مون عدداً من المؤتمرات سعياً وراء تحقيق أهدافه، ومنها: - مؤتمر توحيد اليهود في سويسرا. - مؤتمر اتحاد العالم المسيحي في إيطاليا. - مؤتمر البوذيين في اليابان. - مؤتمر الهندوكية في سيريلانكا. - مؤتمر اتحاد العالم الإسلامي: الذي تم عقده في تركيا قرب اسطنبول، وذلك في الفترة من ( 19- 22 سبتمبر 1985) م، وقد تعاونت معهم كلية الإلهيات بجامعة مرمرة بهدف إنجاح المؤتمر. - كان أتباع مون المشاركون في المؤتمر بتركيا يصوِّرون الخلافات بين الأديان على أنها لا تعدو أن تكون شبيهة بتلك الخلافات الفقهية الموجودة بين المذاهب الإسلامية ذاتها، وهذا محض افتراء، إذ إن الخلاف بين الأديان خلاف عقائدي قبل كل شيء، في حين أن الخلاف بين المذاهب الفقهية ليس أكثر من خلاف داخلي اجتهادي في الفروع دون الأصول. - قال اليهودي كوفمان في الجلسة الختامية لهذا المؤتمر: (إن الأمر يحتاج إلى أن نبذل المزيد من الجهد حتى نفهم بعضنا، فإننا قد ننتسب إلى شيء واحد وعقيدة واحدة، ورغم ذلك نختلف، ومن أجل أن نلتقي لابد لنا من أن نتفهم غيرنا من خلال نظرته)!! تذكر جريدة المسلمون في عددها (36) أن المجلس العالمي للأديان الذي يترأسه صن مون إنما يعمل تحت رقابة المؤسسة العالمية المتحدة للأديان IrF وهي واحدة من الوكالات الدينية الإنسانية التابعة للكنيسة الموحدة التي هي إحدى الحركات الدينية الجديدة التي أسسها صن مون في كوريا. - وتذكر الجريدة بأن أهداف المجلس العالمي للأديان حسبما تورده مذكرة المجلس ذاته هي: 1- المناداة بوحدة الإنسانية. 2- منح الاحترام الواجب للتراث الإنساني المختلف. 3- دعوة الناس من كل الأديان إلى نوع من الوحدة الروحانية، واحترام خصوصيات كل دين. 4- تشجيع الفهم المتبادل والتعاون بين ومع المعتقدات الدينية في العالم. 5- معاونة هؤلاء المتطلِّعين إلى إيجاد تناسق وانسجام بين الأديان، والمساعدة في التعاون بين المنظمات الدينية. 6- توسيع استخدام وجهات النظر الدينية في حلِّ المشكلات الإنسانية العامة. 7- الدفاع عن حقوق الإنسان بما في ذلك حق حرية المعتقدات الدينية وممارستها. 8- التأييد العلمي للطموحات الفردية الخاصة بالمعتقدات الدينية عن طريق وضع برامج من شأنها تخفيف المعاناة، وتحسين حال البشرية.
الفرع الرابع: الجذور الفكرية والعقائدية:
إن اليهود - باعتبارهم أقلية مفسدة - يسعون دائماً لبثِّ دعاوى إذابة الفروق بين العقائد مما يمهِّد الطريق لهم ليتغلغلوا داخل شعوب الأرض، ويكونوا هم المستفيدين في النهاية على حساب الأديان الأخرى جميعاً. إن هذه الحركة تدور في فلك الحركات المسخَّرة لخدمة الصهيونية العالمية؛ إذ إن التشابه بين هذه الحركات يدلُّ على أنها ذات أصل واحد، وتعمل لهدف مشترك واحد. إن الثراء الفاحش الذي يتحرَّك فوقه صن مون ليشير إلى الجهة التي تموله، وتقف وراءه لتستفيد من عمله ودعوته في تفتيت الأديان، وتحطيم الأخلاق.
الفرع الخامس: الانتشار ومواقع النفوذ:
تتمتع هذه الحركة بوجود ضخم في جنوب ووسط أمريكا إذ إن لهم علاقات قوية مع كبار السياسيين في تشيلي وأرجواي والأرجنتين وهندوراس وبوليفيا. في أيرلندا لهم مركز وكنيسة اسمها الكنيسة التوحيدية، وتجدر الإشارة إلى أن لأيرلندا دوراً كبيراً في دعم أمثال هذه الحركات. لهم استثمارات في جنوب كوريا، وقد سمحت لهم حكومة سيول بإقامة كنيسة لهم خارج العاصمة. - إنهم متغلغلون في الجناح الأيمن للحزب الجمهوري بالولايات المتحدة، كما يشكلون الجناح الأيمن للدكتاتورية في أمريكا الجنوبية. - يمتلك زعيمهم عدة عقارات في العالم، وشركات ومطاعم وأراض، ومحلات لبيع المجوهرات وشركة للنشر تسمَّى Paragon House كما أسَّس جريدة الواشنطن تايمز التي يوزَّع منها (75) ألف نسخة في اليابان ونيويورك وأرجواي وقبرص، ولديه فندق نيويوركر New Yorker في مانهاتن. ويتضح مما سبق: أن المونية حركة مشبوهة، تدعو إلى القضاء على كلِّ الأديان، وابتداع دين جديد، ينصهر في بوتقة المتنبي الكوري صن مون، ويجذب الشباب إليه، مغرياً إياهم بالانحراف، والانفصال عن أسرهم، والغرق في بحور الملذَّات؛ خدمة لأهداف الصهيونية العالمية. مراجع للتوسع: - جريدة المسلمون الأسبوعية، العدد (35), (21 محرم 1406هـ/ 5 أكتوبر 1985) م - وكذلك أعداد ( 36، 37، 38). - جريدة الواشنطن بوست تاريخ (28/8/1983) م. - باللغة الإنكليزية: - Carol Cultrer: Are religions Cults Dangerous? The Mercier Press, Dublin and Cork, 1984. - باللغة الفرنسية: - Gibert Picard: L’enfer des Sectes, Editions le carrousel – Fn Paris, 1984. - باللغة الإسبانية: - Pepe redriguez: Esclavos De un Mesias. Barcelona. 1984.
المطلب العاشر: الأبرشانية Congregationalism:
كنائس أكدت سيطرتها تاريخيا من خلال عناصر منتخبة من قبل أعضائها مع استقلال (ومن ثم مستقلين) كل كنيسة محلية، ومؤخرا تداعت الكنائس إلى إيجاد تعاون بينها، وحددت العضوية بتعابير (التجمع الكنسي) للمؤمنين الملتزمين (بالميثاق). وقد أثرت الأبرشانية بقوة في مؤسسي المستعمرات، نيوانكلند (وبشكل خاص الآباء الحجاج) وبقيت الولايات المتحدة المركز الرئيسي، وشكل الأبرشانيون والمشيخانيون (Persbyterianesn) الكنيسة المستصلحة الموحدة في (1972)، وهي كالفينية في الأساس (Calvinism) من حيث المذهب، ومؤخرا أصبح الأبرشانيون منفتحين للتأثر بالبروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism .
المطلب الحادي عشر: أخوة بلايموث Plymouth Brethern:
هيئة مسيحية (بروتستنتية) نشأت في انكلترا من خلال أعمال، بشكل خاص ج. ن داربي J. N. Darby 1800 – 1882م، وهو قسيس سالف في الكنيسة الأنغليكانية Anglicanirsm والتعاليم الأصلية للأخوة كانت توراتية وتأثرت بالكلفينية Calvinism وأحيانا بالالفيين Millenarianism. وليس لهم كهنوت منفصل Ministry ومراكز عبادة (لكسر الخبز)، وهو طقس بسيط يتخذ كذكرى للعشاء الأخير ليسوع المسيح Jesus Christ (Eucharist القربان المقدس). والأنماط الرئيسية للأخوة هي (المفتوح) (والحصري). والحصرية هي معايير صارمة ترمي إلى نبذ كثير من المظاهر في الحياة العصرية وتقييد الصلات الاجتماعية مع غير الأخوة حتى من أعضاء أسرهم الخاصة .
المطلب الثاني عشر: السريان:
السريان هم أتباع الكنيسة السريانية، إبان انعقاد المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية عام 451 م. جرى خلاف حول تحديد شخص المسيح من حيث إن له طبيعة واحدة (وهو ما اعتمده السريان والأقباط والأرمن) أو طبيعتين (إلهية وإنسانية) وهو ما اعتمدته الكنيسة الرسمية وتبناه المجمع. أدى هذا إلى شرخ في الكنيسة رفض فيه الطرف الأول مقررات المجمع وأدى إلى بروز هذه الكنائس خارج حدود الكنيسة الواحدة، فصارت تعرف، فيما بعد، بالكنائس اللاخلقيدونية، أي التي رفضت تعاليم المجمع. وبنتيجة الإرساليات الكاثوليكية في هذه المنطقة حدث شرخ آخر داخل الكنيسة السريانية، أدَّى إلى بروز الكنيسة السريانية الكاثوليكية المنضوية تحت لواء بابا روما والمتحدة بالكنيسة الكاثوليكية، وهي ما يسمى اليوم بالكنيسة الكلدانية التي يرأس مجمع أساقفتها بطريرك يقيم في بغداد حيث غالبية أبنائها. أما في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، فهناك بطريركان، يقيم الواحد في دمشق والآخر في الهند. وما يزال هناك سريان يعيشون في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن إضافة إلى إيران وتركيا والهند، فيما أنتشر كثيرون منهم في مختلف بلاد العالم. وقد أدى التقارب بين الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة الروم الأرثوذكس إلى إصدار بيانات تنادي بالإيمان الواحد للكنيستين، وبأن الخلاف الماضي كان حول تفسير التعابير اللاهوتية .
المطلب الثالث عشر: البروتستنتية المتحررة Liberal Protestantism:
حركة مختلفة نوعا ما في الديانة البروتستنتية قامت في النصف الثاني من القرن 19 (Protestantism). وهي تتميز بموقف ناقد للتمسك الساذج بحرفية الكتاب المقدس (مثل التأكيد ببساطة على بيانات الكتاب المقدس) وعلى الصياغة التقليدية الجازمة للعقيدة المسيحية. ومن الناحية الثانية فهي معنية بتقديم روح الكتاب المسيحي المقدس بتعابير عصرية وبتأكيد أهمية الخبرة الدينية الفردية، وقد تأثر تطورها المبكر إلى درجة كبيرة بألبريخت ريتشل Alberecht Ritchl (1822 – 89) وأتباعه، وأصر ريتشل على أن الدين غير قابل للاختزال إلى أشكال أخرى من الخبرة، وأن المعرفة الدينية هي أمر (أحكام قيم)، وأن علم المسيحية Caristology يجب أن يأخذ بجدية نتائج البحوث التاريخية في حياة يسوع المسيح Jesus christ، وأن التسوية مع الرب واسترضائه يجب أن يعبر عنها بالنشاط الأخلاقي في العالم (الخلاص Salvtion). والتعبير التقليدي عن موقف البروتستنتية الفعلية قد قام به أدولف هارناك Adolf Harnack (1851 – 1930م). في ما هي المسيحية ؟ وقد فسر العقيدة المسيحية تفسيراً شعبياً باصطلاحات أبوة الله، وأخوة الإنسان والصلاح الأسمى، وتمكن الحب .
تمهيد:
المقصود بالإرساليات ما دأب غزاة الأفكار على القيام به، وتمويل أعضائه من المنصِّرين والمستشرقين، وبثِّهم في العالم الإسلامي؛ لإدخال المسلمين ضمن نفوذ الصليبيين.يقول المستشرق الميسو( ل. شاتليه) رئيس تحرير مجلة ( العالم الإسلامي) التي كانت تصدرها جمعية ( الإرسالية العمالية المغربية) قال بعد مقدمة بيَّن فيها أن من واجب فرنسا أن يكون عملها في الشرق مبنيًّا قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية، حيث قال: ( ومن هذا يتبين لنا أن إرساليات التبشير الدينية التي لديها أموال جسيمة، وتدار أعمالها بتدبير وحكمة، تأتي بالنفع الكثير في البلاد الإسلامية، من حيث إنها تبثُّ الأفكار الأوروبية، إلا أن لإرساليات التبشير مطامع أخرى، كما يتبيَّن من الجملة الآتية التي استخرجتها من رسالة أرسلها القسيس المحترم ) صموئيل زويمر( منشئ مجلة ) العالم الإسلامي ( الإنجليزية ) وهو يبني فيها صروح شامخة على أعمال المبشرين البروتستانت، قال: ( إن لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد، ومزية هدم، أو بالأحرى مزية تحليل وتركيب) . ويقصد بهذا الكلام الغزو الثقافي والمدِّ السياسي. وهذه شهادة صارخة على ما يبيِّتونه للإسلام والمسلمين، وقد أتبع الغزاة أقوالهم بالأفعال، فأسَّسوا مئات الجمعيات التبشيرية، ومئات المعاهد والجمعيات في مختلف بقاع الأرض من آسيا وأفريقيا وبقية قارات العالم وبلدانه، وأقاموا مئات المؤتمرات؛ لبحث كيفية انتشار التنصير، وأنجح الوسائل التي يجب أن يستخدموها في ذلك، وأنشؤوا أعدادا غفيرة من المدارس والمستشفيات ودور الحضانة وبيوت الشباب. وفي سباق حثيث أنشؤوا مئات الكنائس في ديار المسلمين وفي غيرها، ولم يألوا جهدا في افتتاح مئات الإذاعات التنصيرية التي تُبَثُّ إلى العالم بمختلف اللغات في برامج منظمة معدة إعدادا متقنا؛ لتجد لها طريقا إلى قلوب السامعين، ثم أغرقوا المكتبات بتوزيع كتب التنصير، وعلى رأسها ما يسمَّى بـ (الكتاب المقدس) إما توزيعا بالمجان، وإما بثمن رمزي، وذلك عن طريق ستار، إما الطلب أو التدريس أو الفن أو غير ذلك، بل حتى مصادقة من فيه النباهة، أو يتردد إليه الناس حتى وإن كان ثرثارا يحسن اجتذاب الناس إليه، المهم عندهم لفت أنظار المسلمين إلى النصرانية تحت أي مستند كان، على طريقتهم المشهورة ( الغاية تبرر الوسيلة) ومما لا ريب فيه أن المنصرين والمستشرقين كلهم من المصائب والفتن التي ابتلي بها العالم الإسلامي.
المبحث الأول: التعريف بالتنصير:
التنصير حركة دينية سياسية استعمارية، بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة، وبين المسلمين بخاصة، بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب .
وهو دعوة جادة لتنصير المسلمين وغيرهم، وإدخالهم في عداد الأمم النصرانية، وضمن نفوذهم السياسي بل والجغرافي. أسماؤه: أطلقت على هذا النوع من النشاط التسميات الآتية: التنصير، التبشير (كما يسمونه كذبا وزورا) الاستشراق، التكريز. وقد جاء في الكتاب الذي يقدسه النصارى إطلاق تسمية عملهم بالتكريز وبالبشارة. شعارهم: يتظاهر المنصِّرون بالدعوة إلى إنقاذ الأمم من الهلاك والشقاء على يد المسيح الفادي عليه السلام، ومع أن الديانة التي جاء بها نبي الله عيسى عليه السلام لم تكن عالمية- كما سيأتي إيضاحه - إلا أن المنتسبين إلى المسيح - وخصوصا ذلك العدو اللدود للمسيحية الحقة، وهو بولس ومن سار على طريقته - خالفوا هذا المبدأ، ونادوا بها عالمية، ويقصدون بذلك السيطرة على العالم، وإعلاء الوثنية، وحين أخفقوا في تحقيق ما كانوا يحلمون به من السيطرة على العالم، الذي يُراد به في الظاهر إنقاذ البشر، والخلاص على يد المسيح- كما يزعمون- ولكن يراد به في الباطن تحقيق ما عجزوا عنه بالوسائل الحربية، فاهتموا بالتبشير اهتماما بالغا، وأنشؤوا المدارس على اختلافها؛ لتخريج جحافل التنصير في مختلف بلدان العالم، وأتبعوا ذلك بطباعة كتبهم المملوءة بالدسِّ والغزو، كما اهتمُّوا بالمساعدات المادية، تدعمهم في كل جهودهم الدول الطامعة مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من دول الغرب، وقد وجَّهوا جلَّ اهتمامهم إلى الدول الإسلامية ذات الكثافة السكانية، مثل مصر وإندونيسيا وغيرها من البلدان التي توجد بها أعداد من النصارى، كانوا قلة فأصبحوا كثرة، يشكِّلون رأس الحربة ضد المسلمين، والعيون الساهرة لتدعيم قواعد النصرانية، وبثِّها بين عوام المسلمين تحت عدة أقنعة.ومما يُذكر أن أول من اخترع فكرة التنصير هو الملك لويس التاسع، الذي اعتقل في مدينة المنصورة أثناء هزيمته في الحملة الصليبية السابقة، وخلوته هذه في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفرك بعمق في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين، وقد أنهى به التفكير إلى تلك الآراء والمآخذ التي أفضى بها إلى إخوانه المخلصين أثناء رحلته إلى عكا مقلعا إليها من دمياط وقد نجحت هذه الخطة، ولم يفطن إليها المسلمون إلا متأخرين، ولم يعد غرض المنصِّرين أو المبشِّرين- ومن يقف وراءهم من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية- خافيا على أحد، فلقد أصبح الغزو الفكري لبلاد المسلمين موضع مؤتمرات غربية علنية وسرية، ومحل مفاوضات، يدرسون أقرب الآراء إلى إنجاح الحملات التنصيرية، ويخطِّطون لاقتحام البلدان التي يريدونها مسرحا لنشر نشاطهم ونفوذهم دون أي خوف من جهة المسلمين، وقد أعلنها صراحة في مئات النصوص .
المبحث الثاني: التأسيس وأبرز الشخصيات:
ريمون لول: أول نصراني تولَّى التبشير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها؛ إذ إنه قد تعلم اللغة العربية بكل مشقة، وأخذ يجول في بلاد الشام مناقشاً علماء المسلمين. - منذ القرن الخامس عشر وأثناء الاكتشافات البرتغالية دخل المبشِّرون الكاثوليك إلى أفريقيا، وبعد ذلك بكثير أخذت ترد الإرساليات التبشيرية البروتستانتية إنجليزية وألمانية وفرنسية. - بيتر هلينغ: احتكَّ بمسلمي سواحل أفريقيا منذ وقت مبكر. - البارون دوبيتز: حرَّك ضمائر النصارى منذ عام (1664) م, إلى تأسيس كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي. - المستر كاري: فاق أسلافه في مهنة التبشير، وقد ظهر إبَّان القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر. - كان للمبشر هنري مارتن ت (1812) م, يد طولى في إرسال المبشرين إلى بلاد آسيا الغربية، وقد ترجم التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمنية. - في عام (1795) م, تأسَّست جمعية لندن التبشيرية، وتبعتها أخريات في إسكوتلانده ونيويورك. - في سنة (1819) م, اتفقت جمعية الكنيسة البروتستانتية مع النصارى في مصر، وكوَّنت هناك إرسالية عهد إليها نشر الإنجيل في أفريقيا. - دافيد ليفنستون ( 1813-1873 ) م: رحَّالة بريطاني، اخترق أواسط أفريقيا، وقد كان مبشِّراً قبل أن يكون مستكشفاً. - في سنة (1849) م, أخذت ترد إرساليات التبشير إلى بلاد الشام، وقد قامت بتقسيم المناطق بينها. - وفي سنة (1855) م تأسَّست جمعية الشبان المسيحية من الإنجليز والأمريكان، وقد انحصرت مهمتها في إدخال ملكوت المسيح بين الشبان كما يزعمون. - في سنة (1895) م تأسَّست جمعية اتحاد الطلبة المسيحيين في العالم، وهي تهتمُّ بدراسة أحوال التلاميذ في كل البلاد، مع العمل على بثِّ روح المحبة بينهم (المحبة تعني التبشير بالنصرانية). - صموئيل زويمر Zweimer: رئيس إرسالية التبشير العربية في البحرين، ورئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، كان يتولَّى إدارة مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية التي أنشأها سنة (1911) م، وما تزال تصدر إلى الآن من هارتيفورد. دخل البحرين عام (1890) م، ومنذ عام (1894) م, قدَّمت له الكنيسة الإصلاحية الأمريكية دعمها الكامل. وأبرز مظاهر عمل البعثة التي أسَّسها زويمر كان في حقل التطبيب في منطقة الخليج، وتبعاً لذلك فقد افتتحت مستوصفات لها في البحرين والكويت ومسقط وعمان. ويُعدُّ زويمر من أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أسس معهداً باسمه في أمريكا لأبحاث تنصير المسلمين. - كنيث كراج K.Cragg: خلف صموئيل زويمر على رئاسة مجلة العالم الإسلامي، وقام بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لفترة من الوقت، وهو رئيس قسم اللاهوت المسيحي في هارتيفورد بأمريكا، وهو معهد للمبشِّرين، ومن كتبه: (دعوة المئذنة) صدر عام (1956) م. - لويس ماسينيون: قام على رعاية التبشير والتنصير في مصر، وهو عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، كما أنه مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شؤون شمال أفريقيا. - دانيال بلس: يقول: (إن كلية روبرت في إسطانبول (الجامعة الأمريكة حالياً) كلية مسيحية غير مستترة لا في تعليمها ولا في الجو الذي تهيئه لطلابها؛ لأن الذي أنشأها مبشِّر، ولاتزال إلى اليوم لا يتولَّى رئاستها إلا مبشِّر. - الأب شانتور: رَأَسَ الكلية اليسوعية في بيروت زمناً طويلاً أيام الانتداب الفرنسي. - مستر نبروز: ترأَّس جامعة بيروت الأمريكية عام (1948) م, يقول: (لقد أدَّى البرهان إلى أن التعليم أثمن وسيلة استغلها المبشرون الأمريكيون في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان). - دون هك كري: كان أكبر شخصية في مؤتمر لوزان التبشيري عام (1974) م، وهو بروتستانتي، عمل مبشراً في الباكستان لمدة عشرين سنة، وهو أحد طلبة مدرسة فلر للتبشير العالمي. وبعد مؤتمر كولورادو التبشيري عام (1978) م, أصبح مديراً لمعهد صموئيل زيمر الذي يضمُّ إلى جانبه داراً للنشر ولإصدار الدراسات المختصة بقضايا تنصير المسلمين، ومقرها في كاليفورنيا، وهو يقوم بإعداد دورات تدريبية لإعداد المبشرين وتأهيلهم. - يرى بابا الفاتيكان بعد سقوط الشيوعية أن من مصلحة الكنيسة ومصلحة رجال السياسة توجيه عموم الشعب المسيحي نحو خصم جديد يخيفه به، وتجنِّده ضدَّه، والإسلام هو الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور في المقام الأول. ويقوم البابا بمغادرة مقرِّه بمعدل أربع رحلات دولية؛ لكسب الصراع مع الأيديولوجيات العالمية، وعلى رأسها الإسلام. وتوجد بلايين الدولارات تحت تصرفه للإنفاق منها على إرسال المنصِّرين، وإجراء البحوث، وعقد المؤتمرات، والتخطيط لتنصير أبناء العالم الثالث، وتنظيم وتنفيذ ومتابعة النشاط التنصيري في كل أنحاء العالم، وتقويم نتائجه أولاً بأول .
المبحث الثالث: الأفكار والمعتقدات:
- محاربة الوحدة الإسلامية: يقول القس سيمون: (إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التخلُّص من السيطرة الأوروبية، والتبشير عامل مهمٌّ في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوِّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية). - يقول لورنس براون Lawrance Brawn: (إذا اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا أيضاً نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير). - يقول مستر بلس: (إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في أفريقيا). - لقد دأب المنصرون على بثِّ الأكاذيب والأباطيل بين أتباعهم؛ ليمنعوهم من دخول الإسلام، وليشوِّهوا جمال هذا الدين. - يقول المبشر نلسون: (وأخضع سيف الإسلام شعوب أفريقيا وآسيا شعباً بعد شعب). - يقول هنري جسب: Henry Jesups المبشر الأمريكي: (المسلمون لا يفهمون الأديان، ولا يقدِّرونها قدرها، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون، وإن التبشير سيعمل على تمدينهم). - لطفي ليفونيان وهو أرمني ألَّف بضعة كتب للنيل من الإسلام يقول: (إن تاريخ الإسلام كان سلسلة مخيفة من سفك الدماء والحروب والمذابح). - أديسون Addison الذي يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم: (محمد لم يستطع فهم النصرانية، ولذلك لم يكن في خياله إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به العرب). - المبشِّر نلسن يزعم بأن الإسلام مقلِّد، وأن أحسن ما فيه إنما هو مأخوذ من النصرانية، وسائر ما فيه أُخذ من الوثنية، كما هو أو مع شيء من التبديل. - المبشِّر ف.ج هاربر يقول: (إن محمداً كان في الحقيقة عابد أصنام ذلك لأن إدراكه لله في الواقع كاريكاتور). - المبشر جسب يقول: (إن الإسلام مبنيٌّ على الأحاديث أكثر مما هو مبني على القرآن، ولكننا إذا حذفنا الأحاديث الكاذبة لم يبق من الإسلام شيء). - ويقول كذلك: (الإسلام ناقص والمرأة فيه مستعبدة). - المبشِّر جون تاكلي يقول: (يجب أن نُريَ هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديداً، وأن الجديد فيه ليس صحيحاً). - أما القس صموئيل زويمر فيقول في كتابه العالم الإسلامي اليوم: ( يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم). ( يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين؛ لأنه أهم عمل مسيحي). (تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم؛ لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها). (ينبغي للمبشِّرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة؛ إذ إن من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء). - وقال صموئيل زويمر كذلك في مؤتمر القدس التنصيري عام (1935) م: (… لكن مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسيحية في البلاد الإسلامية ليست في إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها). (… إنكم أعددتم نَشْئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتمُّ بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهرة، وإذا تبوَّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء). - وقد كتب أحد المبشِّرين في بداية هذا القرن الميلادي يقول: (سيظلُّ الإسلام صخرة عاتية تتحطَّم عليها كل محاولات التبشير ما دام للمسلمين هذه الدعائم الأربع: القرآن، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي العام) .
المبحث الرابع: هل جاء المسيح بديانة عالمية ؟
الجواب: إن نشاط الغرب النصراني، ودعم المنصرين بسخاء؛ لنشر دين المسيح- بزعمهم- أمر لا مبرِّر له، ولا يستند على حقٍّ فهل جاء المسيح بديانة عالمية ؟الجواب بداهة بالنفي، فلم يأت المسيح بديانة عالمية، وإنما أرسله الله إلى بني إسرائيل بخصوصهم، ولم يرسل الله قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بديانة عالمية أي رسول، قال صلى الله عليه وسلم: ((... وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة)) أما بالنسبة للمسيح عليه السلام فقد صرَّح في أكثر من نصٍّ في الأناجيل بأنه جاء لهداية خراف بني إسرائيل الضالة ليس إلا، وهذا هو ما تفيده نصوص الأناجيل (العهد الجديد) فقد جاء فيه قول المسيح لتلاميذه الاثني عشر الذين أرسلهم للدعوة قائلا لهم: ( إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بني إسرائيل الضالة) بل هناك ما هو أوضح من هذا النص في تحديد رسالته إلى بني إسرائيل حيث جاءت امرأة كنعانية تصيح به أن يشفي ابنتها، فامتنع بحجة أنه لم يرسل إلا إلى بني إسرائيل، ولكن بعد أن ألحَّت عليه وحاجته لبَّى طلبها، كما في النص الآتي: ( ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة: ارحمني يا سيدي يا ابن داود، ابنتي مجنونة جدا. فلم يجبها بكلمة، فتقدَّم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها؛ لأنها تصيح وراءنا. فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: يا سيدي أعنّي. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت: نعم يا سيدي والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين. فشفيت ابنتها من تلك الساعة تعقيب: تلك النصوص وغيرها مما جاء في معناها في كتابهم الذي يقدِّسونه واضحة الدلالة على أن المسيحية التي جاء بها المسيح ليست ديانة عالمية، وإنما هي خاصة باليهود لم تتعدَّ ديارهم طول فترة وجود المسيح بينهم باعتراف الأناجيل التي يدعون قداستها، فإما أن يؤمنوا بكل ما دُوِّن في الأناجيل، فيعترفوا بأن ديانة المسيح ليست ديانة عامة، وإما أن يكذِّبوا أناجيلهم في تقريرها، ولهم أن يدعوا ما يشاؤون، أما أن يجمعوا بين المتناقضات فهو مرفوض في بدائه العقول، وهذا الجواب يوجَّه للمنصِّرين والمستشرقين الذين يجوبون الأرض؛ للدعوة إلى نصرانيتهم المحرفة الوثنية البولسيَّة باسم المسيح، والمسيح عليه السلام براء منهم، ومن اعتقاداتهم الوثنية التي أنشأها بولس؛ لتحويل النصرانية إلى الوثنية، ثم تغطية الوثنية بالنصرانية التي انتشرت باسم المسيح عليه السلام، فاتَّضح أن الديانة التي تحوَّلت إلى عالمية هي النصرانية التي يزعمون انتسابها إلى المسيح، وإنما هي الوثنية التي قررها بولس والحكام الوثنيون في وقته ومن بعده إلى اليوم؛ لميل كثير من الناس إلى عبادة الأوثان.
المبحث الخامس أسباب انتشار التنصير في البلاد الإسلامية:
لانتشار التنصير في البلاد الإسلامية أسباب كثيرة، بعضها واضح وبعضها خفي، يسير خلف خطط مدروسة، وعلى كواهل كثير ممن لا يشار إليهم بالبنان، كالمبشِّرة التي تمسى ( الأم تريزا) حيث لم يسمع عنها أحد إلا في رثائها من إذاعات التنصير حيث ماتت السنة الماضية، فقد نصَّرت عددا كثيرا في الهند، وخصوصا الأطفال. والذي يتَّضح ... من الأسباب الظاهرة لانتشار التنصير في بلدان المسلمين أنه يرجع إلى أمور كثيرة، لعل من أهمها: 1ـ جهل المسلمين بدينهم. 2ـ جهلهم بحقيقة التنصير. 3ـ نشاط المنصرين في مختلف المجالات.. 4ـ فقر بعض البلدان الإسلامية، حيث يدخلون عليهم عن طريق مختلف المساعدات المادية من بناء مدارس ومستشفيات ودور حضانة وبيوت للشباب وحفر آبار وبناء مراكز تثقيفية - كما يسمونها- والإسهام في كثير من المشاريع الأهلية والحكومية والقروض المالية.. إلخ. 5ـ قوة نفوذ الدول الغربية الصليبية في الأصل، مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا، وغيرها، وقوة تغلغلهم في بلدان المسلمين للحاجة إليهم، وعدم استطاعة كثير من الدول الإسلامية - بل كلها - الاستغناء عنهم، خصوصا فيما يتصل بالحياة العصرية واكتشافاتها المختلفة وصيانة أجهزتها الحديثة. 6ـ انبهار المسلمين ببريق الحضارة الغربية، وربطها المنصِّرون باتباعهم تعاليم المسيح، كما يفترون. 7ـ الذلُّ الذي أصاب القائمين على مصالح الشعوب الإسلامية من أصحاب السلطة والكلمة والجاه، وتوددهم إلى النصارى خوفا وطمعا، وتيسير أمر المنصِّرين؛ للوصول إلى أماكن المسلمين القريبة والنائية تحت ضغط أو تشجيع الدول النصرانية الحاقدة. 8 ـ وصول بعض الشخصيات النصرانية إلى موقع التأثير في المسلمين إما ظاهرا وإما في الخفاء، وقد منع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من الاستعانة بغير المسلمين. 9ـ الدعوة إلى تقارب الأديان، وهي حيلة لجرِّ المسلمين للخروج من دينهم؛ إذ إنه بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لا يوجد إلا دين واحد فقط إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإسلام [ آل عمران: 19] 10ـ اختلاط الأقليات الإسلامية بالنصارى، مع عدم وجود التوعية اللازمة للمسلمين، فتأثَّروا بهم.
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاتب مجهول قصة الاسلام
-
عقيدة الثالوث
-
كتابك المقدس يختلف - نبذة عن التراجم
-
مختطفات اسلاميه ( 3 )
-
المسيحيه و مجمع نيقية
-
نداء الى كل مسيحي معتدل
-
انجازات الحكومه العراقيه للاردن الشقيق
-
ألانسان هو الأله
-
أحمد صبحي منصور و علي بن ابي طالب
-
علي بن ابي طالب برئ
-
الكعبه والقرآن في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي
-
الزرادشتيه و الاسلام
-
رساله الى المؤمنيين
-
أرض الميعاد في اليمن
-
في الماضي الصفحة السوداء للمسيحيّة
-
قصة إبليس الأسطورية
-
أهل الكهف عند السريانيين
-
40 تناقض في القرآن
-
مختطفات اسلاميه ( 2 )
-
القرآن بشري و محرف - ولكن اين النسخه الاولى
المزيد.....
-
هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية
...
-
المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله
...
-
الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي-
...
-
أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ
...
-
-حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي
...
-
شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل
...
-
-المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|