|
هل يمكن توحيد -يسار- يرى في الإمبريالية محررا مع -يسار- يرى في التكفيريين مقاومة ؟
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:45
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
يدور نقاش منذ فترة حول موضوع توحيد اليسار العراقي في موقع "الحوار المتمدن " خصوصا ، وقد شارك فيه عدد من الأقلام اليسارية والديموقراطية العراقية والعربية من منطلقات وحيثيات مختلفة تصل أحيانا إلى درجة التناقض والتباعد . إن هذا النقاش بحد ذاته عمل قمين بكل اهتمام وإطراء لأنه يضع ،وللمرة الأولى ، قضية وهوية وواقع حال اليسار العراقي على طاولة البحث العلنية في منابر مستقلة لا تتحكم فيها الأجهزة والهيئات البيروقراطية الحزبية التي هيمنت طويلا على فاعلية وكيانية واستراتيجية اليسار العراقي إلى درجة المصادرة إن لم نقل السرقة والاستيلاء غير المشروع على تراث وقيم وحتى أموال أكبر تنظيمات اليسار العراقي ممثلا بالحزب الشيوعي العراقي " اللجنة المركزية " . إن إخراج موضوع ومشمولات اليسار العراقي إلى النور والهواء الطلق، وتحريره من وصاية البيروقراطية المتفسخة التي لا تجيد فعل شيء في هذه الدنيا غير " الاحتراف الحزبي " وقبض المرتبات الدسمة عن طريق هذا "النضال الكسول " ، يشكل بحد ذاته بداية طيبة بغض النظر عن آفاق تطورها وما ستتمخض عنه مستقبلا . أدناه مشاركة متواضعة في هذا الباب نحاول من خلالها إثارة الأسئلة أكثر مما نشغل "بتصفيط" الإجابات الرنانة والتي لو كانت ذات محتوى حقيقي لما غدت رنانة ! تستلزم أية مقاربة لموضوع توحيد اليسار العراقي الإجابة على تشكيلة مختلفة ومتنوعة من الأسئلة والتساؤلات بعضها معرفي سوسيولوجي والآخر سياسي يتعلق بالراهن العراقي وثالث منهجي يتعلق بتاريخية وواقع حال هذا اليسار العتيد . لعل من أكثر التساؤلات حرقة هو أين هو هذا اليسار العراقي لنتكلم عن مهمة توحيده ؟ وما هي ماهيته السياسية والاجتماعية ؟ وإذا ما فرغنا من مهمة تحديد الجسم السياسي والكياني لهذا اليسار بالأسماء والتقديرات الرقمية ، فسيواجهنا سؤال أكثر حرقة وهو : لماذا ينبغي لهذا اليسار أن يتوحد، أو يدخل في ائتلاف سياسي ذي مضمون اجتماعي وسياسي تقدمي على شاكلة اليسار الموحد في أسبانيا أو في المغرب ؟ ومن هي الجهة أو الجهات الكفيلة بوضع آليات النشاط المؤدي للتوحيد أو التحالف اليساري ؟ بالموازاة مع هذه التشكيلة من الأسئلة المهمة ، ثمة تشكيلة أخرى من التساؤلات ذات طبيعة سياسية راهنة ومن ذلك : كيف يمكن أن يتساوى ، يتوحد ، يتقارب ، سياسيا وفكريا يساريان عراقيان ، يدافع أولهما عن خيار الحرب لتغيير النظام الشمولي الصدامي ، ومن ثم يتحالف مع الاحتلال ، و يدخل في الهيئات السياسية والعسكرية التي شكلها المحتل ، ويرفض المقاومة الوطنية المشروعة ، ويطالب ببقاء قوات الاحتلال ! ويمكن لمن يشاء أن يترجم العبارة الأخيرة على الشكل التالي : فهذا" اليساري العراقي " يتطوع من تلقاء ذاته للقتال ضد المقاومة العراقية التي يخلطها عن عمد ودونية أخلاقية بالإرهاب التكفيري الوافد " ويضع نفسه في خدمة الأجهزة الاستخباراتية التابعة لسلطات الاحتلال الإمبريالية أو للحكومة العراقية المتحالفة معها . . أقول :كيف يتساوى ، يتقارب ، يتوحد ، يتعاون ، ينسق ، هذا اليساري العميل للمحتلين مع يساري آخر يدافع عن المقاومة بإطلاق القول أي دون تمييزها والفصل بينها وبين الإرهاب التكفيري الوافد الذي يستهدف المدنيين الأبرياء لدوافع دينية طائفية عفنة بل ويتطرف – هذا اليساري المزعوم - في الدفاع عن بقايا النظام الصدامي أكثر من الصداميين أنفسهم ؟ هل إن وضع هذين النموذجين " اليساريين " في مقابل بعضهما يعني إنهما يمثلان ويختصران ساحة اليسار العراقي السياسية ؟ لحسن الحظ لا ، فإن هذه الساحة أكثر اختلاطا وتعقيدا مما يمكن أن يعتقد المراقب عن بعد . ثم إن الإخلاص لمثل وأفكار وقيم وبرامج اليسار الثوري الكلاسيكي واليسار الديموقراطي لمعادي للعولمة والحروب اليوم يوجب القبض على جمر الواقع العراقي من خلال : رفض الاحتلال الإمبريالي مهما كانت الدوافع والمبررات وتأييد المقاومة تأييدا نقديا والمشاركة فيها مشاركة فعلية ورفض ومكافحة كل تطرف طائفي وتكفيري يتلفع بإزار المقاومة والجهاد في الوقت نفسه . غير أن هذين النموذجين " اليساريين " يبينان – خصوصا لمن يريد استعمال عينيه الخاصتين في رأسه الخاص والذي لم يتبرع به بعد لقيادة حزبه - أن من التسرع والسطحية القفز على هذا الفارق السياسي والفكري الكبير الذي يشطر اليسار العراقي بدرجات مختلفة الكثافة والوضوح ..وكيف يقفز المرء عن فارق كهذا ويبيح لنفسه الكلام عن هذا اليسار و كأنه في غاية التناسق والوحدة الفكرية والبرنامجية ؟ غير أن الخلاف الفكري والسياسي حول موضوع الاحتلال لا يجعل الكلام عن التوحيد والتقريب والتنسيق مستحيلا أو عديم النفع بل هو - ولهذا السبب بالضبط - سيكون أعظم فائدة وأكثر جدوى منه لو حدث في ظروف عادية ، فهو سيكون مفيدا على الأقل لمحاصرة الاتجاهات والقيادات "اليسارية "المبتذلة والفاسدة تاريخيا ، والتي لا تختلف في احتكارها للسلطة والنفوذ والزعامة عن أي نظام شمولي متهرئ ( هاكم هذا المثال : لو جمعنا فترة زعامة السيدين عزيز محمد وحميد مجيد للحزب الشيوعي لفاقت فترة رئاسة البكر وصدام ، أما خالد بكداش فلم يخرجه من زعامة الحزب الشيوعي السوري إلا الرفيق زعرائيل نفسه !) ، يمكن لهذه الحوارات أن تقلل أو تحجم تماما تأثيرات سيطرة القيادات اليسارية الشائخة والمتبقرطة والمتحولة بالتدريج إلى مجموعة من رجال الأعمال الذين نجحوا في كل شيء إلا في بناء يسار حقيقي كفاحي ونقدي يستعيد أمجاد اليسار العراقي الطبقية والاستقلالية كما يمكن له أن يتشعب ويتكرر ويتسطح ويتحول إلى ثرثرة عديمة النفع بين أشخاص طامحين إلى الشهرة والجاه ! يبدو لي ، إن من أهم الأسئلة التي سيكون مفيدا وعمليا التركيز عليها ومنحها أولوية في التحليل والمناقشة الصريحة هي التالية : - هل يمكن رسم خطوط عامة ، تشكل الحدود الدنيا لاستراتيجية سياسية لليسار العراقي لا تهادن الإرهاب التكفيري الوافد أو المحلي وتأييد المقاومة التي تستهدف قوات الاحتلال ومن يقاتل معها وتطالب صراحة بانسحاب قوات الاحتلال الإمبريالية ؟ - إلى أية درجة يمكن المضي عميقا وبعيدا في نقد الأيديولوجية الماركسية اللينينية التقليدية والتي هي في حقيقتها " ستالينية في طور التَشَكّل "والتخلي عن الكثير من ثوابتها وأصنامها التي حولها الواقع التاريخي إلى رماد كقضية الحزب الواحد والبناء الاشتراكي في بلد واحد والصراع الطبقي الصافي " طبقة ضد طبقة " ودور وقيادة البروليتاريا ودكتاتوريتها وتلحيد الدولة والمجتمع ..؟ وهل يمكن تعميق هذا النقد مع الإبقاء على الجوهر الحي للنقدية الماركسية الممارستية بوصفها " فلسفة البراكسيس " على حد التعبير الشهير لغرامشي بمواكبة الانفتاح الشامل على علوم العصر والمعارف الحديثة دون تحفظ أو تحزيب حتى لو أدى ذلك إلى تدمير جوانب من الأيديولوجية الماركسية التقليدية ؟ - وهل بلغت ظاهرة الحزب اللينيني نهايتها وصار لزاما على الحركات اليسارية البحث أو تجريب بدائل تنظيمية جماهيرية جديدة تستلهم وتتأسى نقديا بتجربة " الشبكة " في إيطاليا وحركة "أتاك" المعادية للعولمة وعشرات المنظمات والبرلمانات غير الحكومية والاتحادات والتحالفات السياسية المفتوحة والموسمية التي تشكل بدن الحركة الشبابية الجديدة المناهضة للعولمة والحرب ، أم إنها – ظاهرة الحزب اللينيني - مازالت فعالة ومفيدة ؟ وهل يمكن الجمع بين التجريب والبحث والاحتفاظ بالتراث التنظيمي اللينيني ؟ - إلى أي مدى تشكل الخلفية التراثية المشاعية في المجتمعات الشرقية خصوصا ومنها المجتمع العراقي منمذجة في الحركة القرمطية وتجربته في بناء مجتمع الألفة بقيادة حمدان بن الأشعث ، وثورة الزنج بقيادة علي بن محمد ، والثورة البابكية بقيادة بابك الخرمي ، إلى أي مدى وعمق تشكل هذه الخلفية مصدرا حقيقيا للبناء المساواتي الاشتراكي المعتمد على الماركسية العلمية في المجتمع العراقي ؟ - ألم يحن الحين للتخلي عن اسم الشيوعية الذي لوثته التجارب السلافية الستالينية والقيادات الحزبية الانتهازية والاستعاضة عنه باسم مختلف وقريب وله ذات المعنى كالمشاعية أو المساواتية ... الخ؟ - ألم تلحق بعض التنظيمات والأحزاب التي تزعم الشيوعية واليسار الضرر الكبير بقضية الكادحين وجماهير المنتجين الفقراء بإصرارها على نسخة غبية واستفزازية من الإلحاد المراهق والذي يريد أن يستبدل الصراع الطبقي بين الأغلبية الفقيرة المنتِجة والأقلية الغنية المستغِلة بصراع وهمي آخر بين الناس والله ؟ وكيف يمكن التقليل من هذا الضرر دون التسبب بتبرير أي نوع من الاضطهاد العقيدي والديني والفلسفي ؟ - ألم يحن الحين للفصل بين الإلحاد كوجهة نظر فلسفية شخصية تهم فردا بعينه وبين البرنامج المشاعي المساواتي الهادف لبناء المجتمع اللاطبقي وإنقاذ أغلبية شعوب الأرض من المجاعات والأوبئة والتخريب الرأسمالي المنظم للعالم ، هذا البرنامج الذي لا يجب أن تكون له علاقة بالإلحاد و بما يسمح حتى للشخص الإسلامي والعضو الفاعل في حركة الأخوان المسلمين أو جيش المهدي مثلا أن يكون مناضلا من أجل المساواة والمجتمع اللاطبقي وعضوا في حركة اجتماعية مشاعية غير سياسية ؟ - ألا تسمح هذه الرؤية المقترحة في الفقرة السالفة بتسهيل موضعة وتحديد الشخص الفلاني الملحد بوصفه برجوازيا ومعاديا للكادحين وللمشاعية وما أكثر هؤلاء المسكوت عنهم ؟ وبما يسمح بتصحيح موضعة طرفي الصراع الطبقي بوصفة صراع بين ملايين المنتجين الجياع ومئات أو آلاف البرجوازيين اللصوص مع ضرورة إضفاء شيء من الخصوصية التي يمليها واقع مجتمعات العالم الثالث ذات الاقتصادات والأنماط الانتاجية المختلطة وغير المتبلورة تماما كما هي في مجتمعات أوروبا وأمريكا واليابان . - أليس من المفيد الاستمرار بطرح المزيد من الأسئلة والتساؤلات والتخلي عن عادة ابتلاع أجوبة القيادات العالمة بكل شيء ، على اعتبار أن السؤال تقدمي وثوري دائما بعكس الجواب المائل إلى المحافظة والتكلس ، وبما يلخص ويرجح وينحاز لثورية الديناميات بمواجهة رجعية الستاتيكات ؟
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى كان الحزب الشيوعي ضد خيار الحرب والاحتلال والمحاصصة الطا
...
-
المسفر والأفندي وهارون و الغزو - الشعوبي الصفوي - للعراق
-
السيستاني يفتي حول الكهرباء، والدوري يريد إعادة صدام إلى الر
...
-
هيئة العلماء المسلمين وقضية كتابة الدستور العراقي الدائم .
-
لماذا انتخب الطالباني في ذكرى تأسيس البعث وأحضر صدام لمشاهدة
...
-
تقنيات السرد المتداخل والبنية الزمنية في رواية - غرفة البرتق
...
-
مجزرة الحلاقين وضرب الطلبة الجامعيين !
-
الإرهاب والتهديد بالانفصال وجهان لعملة الاحتلال الواحدة
-
الشهرستاني من مرشح إجماع وطني مأمول إلى حصان طائفي مرفوض
-
تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الا
...
-
تصاعد التفجيرات الإجرامية وواجب المقاومة العراقية الجديد .
-
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|