|
الاخطاء الكبرى المرتكبة في حق القضية الوطنية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4340 - 2014 / 1 / 20 - 17:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد نشرنا هذه الدراسة مباشرة بعد الخطاب الملكي في سنة 2007 القاضي بمنح الاقاليم الجنوبية من المملكة حكما ذاتيا ضمن الدولة المغربية ، وقد اعتبرنا ان مثل هذا الحل ومن دون الرجوع الى استطلاع الشعب المغربي لمعرفة موقفه الذي اختزلوه في مباركة الاحزاب التي تشكل معاول للحكومة العميقة او حكومة الظل ، يشكل ضربة قاضية ومسمومة للقضية الوطنية ، وأن من غرر بالملك بالإعلان عن هذا المقترح الذي مات في حينه ، وقبل ان يجف الحبر والمداد الذي كتب به ، يكون قد ورط الملك ومن غير ان يشعر في مشروع فاشل بكل المقاييس ، لأن نجاحه يتوقف على الطرف المعني به الذي يرفضه جملة وتفصيلا ، وهو هنا جبهة البوليساريو وتيارات الانفصال التي تزداد قاعتها توسعا بالداخل . لقد اعتبرنا في حينه ان هذا المقترح المشروع الذي ورطوا فيه الملك ، هو مقترح مشروع خيانة للقضية الوطنية ، مقترح مشروع خيانة للجيش المغربي الذي استشهدت كوادره دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة و’سجن جنوده عند الجزائر لما يفوق ستة وعشرين سنة ، مقترح مشروع خيانة للشعب المغربي الذي يمول من الضرائب المختلفة التي تفقره الحرب الدائرة الصحراء ، ومن ابناءه الذين يموتون في الصحراء وليس ابناء آل الفاسي ، او ابناء وأقارب الزمرة العصبية القبلية الفاسدة الذين يتبوّءون المناصب ، ولا وجود لهم يذكر ليس فقط في الخنادق الامامية الخطيرة ، بل لا وجود لهم بالأقاليم الجنوبية من المملكة ، مقترح مشروع خيانة لجيش التحرير المغربي الذي ’ضرب في إكوفيون ، مقترح مشروع خيانة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله حين سأله صحافي فرنسي قائلا : " لماذا لا تمنحوا الصحراويين حكما ذاتيا لحل مشكل النزاع القائم بالمنطقة ؟ " ، وكان جوابه : " كيف ؟ هل يريدون منّي ان اكون ملكا على جمهورية صحراوية . ابدا " ، مقترح مشروع خيانة لقسم المسيرة الخضراء ، مقترح مشروع خيانة لمحمد الخامس الذي طالب في سنة 1958 من قرية محاميد الغزلان بالصحراء وبعودتها الى المغرب ، ولم يطلب رحمه الله لا بالاستفتاء ولا بالحكم الذاتي الذي ابتكرته الزمرة العصبية القبلية الفاسدة كحل يمكنها من مواصلة استبدادها وفسادها ضدا على ارادة ومصالح الشعب المغربي الوحدوية . عندما ارسلنا هذه الدراسة في وقتها وعبر البريد الالكتروني المراقب من طرف الاجهزة ، الى بعض الصحافيين لنشرها في صحفهم ( محمد حفيظ ، عبدالعزيز كوكاس ، عبدالرحيم اريري ..لخ ) رفضوا نشرها بسبب التعليمات الفوقية ، وكان من نتيجة ذلك ان تعرضنا لاعتداء ظالم من قبل من تعوّد التعتيم وإخفاء الحقيقة على الملك حتى يستمروا في مناصبهم يغرفون ويفسدون . ان الهدف من مبادرة الحكم الذاتي كان ايجاد حل يخدم بقاءهم في السلطة لاستمرار نفس القبضة الاستبدادية والاستنزافية للخيرات ، وليس ايجاد حل او مخرج للنزاع المفتعل بالمنطقة . ان من بين الاشخاص الذين اعتدوا علي ّ : --- فؤاد عالي الهمة ، شخص على قد الحال ، شيطنه مستشاره المدعو الشرقي ضريس الوزير المنتدب في الداخلية الذي يزين له كل شيء ، فشل في جميع الملفات التي اسندت له ، واكبر فشل حين انشأ ومن موقعه في وزارة الداخلية حزب الدولة ( الاصالة والمعاصرة ) على طريقة حزب حسني مبارك في مصر وبنعلي في تونس ، ولولا مد حركة 20 فبراير لغزا هذا الحزب الصنيعة كل البرلمان والحكومة ، ولكان المغرب اليوم يؤدي نفس ضريبة حسني مبارك وبنعلي . تصفه الصحافة بالرجل القوي ، لكن السؤال : اين تتجلى قوته . هل في الثقافة ؟ هل في جهاز على العديد من الابرياء مع حميدو لعنيكري والشرقي ضريس بعد تفجيرات 16 ماي 2003 ؟ فاين تتجلى قوته ؟ كما اعتبرته المجلة الفرنسية ( جون افريك ) مع العديد من الاشخاص ، بأنه سيخلق الحدث في المغرب في 2014 . وهنا نطرح السؤال عن ما هو الحدث الذي سيتركه او سيصنعه هذا الشخص هذا العام . هل سيعترف مثل سابقه ادريس البصري بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء ؟ هل سيغير استعمال الصحراء المغربية بالصحراء الغربية . هل سيوعز لمعاويله في الحكومة بالانسحاب منها لوضع نهاية قانونية للحكومة ، وإبعاد عبدالاله بنكيران منها ، خاصة وان هذا الاخير يتهمه بوضع العصا في عجلة الحكومة لإفشالها ؟ --- المدعو الشرقي ضريس ، شخص فاسد رديء ، كان يسرق اعمال الاطر وينسبها له بدون حياء او خجل ، ويقدمها الى رؤساءه المضبّعين والمبلّدين ( حفيظ بنهاشم وعبد العزيز علابوش) على انها من انتاجه ومن مجهوداته ، و هوالفارغ اكثر من جوف امي موسى ، غرضه الوصول ولو باستعمال الطرق الغاية في الخساسة . استغل نفوذه ليعين اخاه عاملا على اقليم سيدي بنور رغم افتقاره الى المؤهلات العلمية . عين اخاه المدعو عمر ، وهذا لا يتوفر على اية شهادة ( كان كيتسخّر ) ، خليفة قايد ، وفي ظرف وجيز رقاه الى رئيس دائرة على دائرة البور بإقليم مراكش ، ورغم انه احيل على التقاعد منذ سنين ، قام بالتمديد له مستغلا نفوذه كوزير منتدب في الداخلية ، وليعينه وزير الاوقاف يومه السبت 11 يناير 2014 ، وبأمر من اخيه الشرقي ضريس مندوبا لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بمدينة مراكش ( حلال عليه وعلى اخوته ، حرام على الناس الآخرين ) ، وهو الذي لا يتردد في اصدار الاوامر الى اجهزة الامن والقوات المساعدة بتكسير عظام ابناء الشعب من حملة الشواهد العليا المعطلين ، كما انه يقف وراء الاعتداءات بالعصي التي تعرض لها المحتجون على قضية اطلاق البيدوفيل الاسباني دنيال كلفان للتسريع بإنهاء الفضيحة المسئول عنها ، حيث ورط فيها الهمة ، وهذا وبمعية الضريس ورطا الملك الذي تراجع عن قرار العفو . وهنا تجدر الاشارة الى التذكير بان وزير الداخلية السابق محمد العنصر ، اذا كان قد صرح ، وأمام الصحافة ، من انه لم يصدر الامر بتعنيف وضرب المحتجين على قرار العفو على البيدوفيل دنيال ، وانه يجهل الجهة التي تقف وراء هذا التعنيف ، فانه محق في ذلك ولم يكذب . ان الوزير الحقيقي المسئول عن تعنيف وضرب المحتجين وتكسير ضلوع المعطلين هو الشرقي الضريس المنحدر من مدرسة ادريس البصري المعروفة بالخبث والمكر والخساسة ، ولمعرفة درجة فساده يمكن ان نطرح عليه الاسئلة التالية : لقد التحقت بوزارة الداخلية في سنة 1977 كمجند في اطار الخدمة المدنية ، والكل يعلم الحالة الاجتماعية والمادية المزرية التي كنت عليها في ذلك الوقت . الآن هل تستطيع ان تجيب عن هذه الاسئلة : 1 ) كم كان اجرك كمجند في اطار الخدمة المدنية ، وكم كان مصروفك ، وكم كانت مدخراتك ؟ 2 ) بعد انقضاء مدة الخدمة المدنية واندمجت كمتصرف مساعد بمصلحة المستندات بمديرية الشؤون العامة ، كم كان اجرك ؟ كم كان مصروفك ؟ كم كانت مدخراتك ؟ 3 ) عندما ترقيت الى رتبة متصرف وترقيت الى قايد بعد مرور عشرة سنوات كمتصرف مساعد ، كم كان اجرك ؟ كم كان مصروفك ؟ كم كانت مدخراتك ؟ 4 ) بعد موت عبدالسلام الزيادي غير المأسوف عن ذهابه ، وانتقلت ككاتب خاص للمجرم الجلاد حفيظ بنهاشم الذي رقاك الى كاتب عام للعمالة ، كم كان اجرك ؟ كم كان مصروفك ؟ كم كانت مدخراتك ؟ 5 ) عندما رقاك المجرم عبدالعزيز علابوش الذي تنكرت له ، الى عامل على اقليم الحوز ، كم كان اجرك ؟ كم كان مصروفك ؟ كم كانت مدخراتك ؟ 6 ) لقد تم تعيينك عاملا مديرا لمديرية الولاة ، كم كان اجرك ؟ كم كان مصروفك ؟ كم كانت مدخراتك ؟ 7 ) نفس الاسئلة نطرحها لمّا تم تعيينك واليا على العيون ومديرا عاما للأمن الوطني ، والآن وزيرا منتدبا في الداخلية ، كم هو اجرك ؟ كم مصروفك ؟ كم مدخراتك ؟ الخلاصة : هل تستطيع ان تقول من اين لك هذا ، وأنت في سنة 1977 كنت خاوي الوفاض ولم تكن تملك شيئا ؟ . انها نفس الاسئلة يمن طرحها على من مارس ولا يزال يمارس كعامل او والي منذ غير المأسوف عن ذهابه ادريس البصري ، والى اليوم . --- المجرم المدعو نورالدين بن ابراهيم التي يداه ملطخة بدماء الابرياء في عدة محطات منذ السبعينات وطيلة الثمانينات والتسعينات والعشرية الاولى والثانية من الالفية الثالثة . ان هذا الشخص يشغل مستشارا للمدعو الشرقي الضريس في المسائل الوسخة والرديئة والخسيسة مثل توجيه اوامر ضريس شفهيا الى رجال الامن لتحريف بحث عن مقاصده الاصلية حتى ينتهي به الامر الى الحفظ ، و مثل قيادة حملة مخدومة لتشويه سمعة معارضيه الذين هم اعداءه لمحاولة قتلهم في المهد ، وحتى يخلو له الجو لتحقيق ذاته المريضة على من لا يعرف ماضيه ولا حقيقته الحقيقية . ان هذا الثنائي الخبيث المريض يستعمل استراتيجية مقلوبة عليهم حتما . -- في المرة الاولى من الصراع يظهرون بأنهم يتجاهلون العدو -- في المرة الثانية من الصراع ينتقلون الى الاستهزاء من الخصم العدو -- في المرحلة الثالثة وحين يشعرون بان الخصم العدو لم يسقط ، ينتقلون الى الحرب لكن المرحلة الرابعة التي يجهلونها ، انهم بدخولهم الحرب ينتصر حتما الخصم العدو . انهم يستغلون سلاح اجهزة الدولة في تصفية الحسابات ، لكن ينقصهم ، بل يفتقرون الى اقوى سلاح ضارب هو القلم السيّال الذي يعري عن حقيقتهم امام جلالة الملك ، امام الاجهزة المختلفة وأمام الشعب ، وهنا اطرح سؤال : من اعط لهذا الرديء الحق في التصنت على هاتفي النقال والثابت ومراسلاتي الالكترونية ؟ هل يتوفر على حكم قضائي في ذلك ، ام انه يمارس الشطط والاعتداء في ممارسة التسلط وليس السلطة ، مثلما استغل نفوذه عندما عيّن اخ له عاملا على اقليم سيدي بنور ، وعين مؤخرا اخ له كان ( كيتسخر ) مندوبا لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية ، بعد ان كان قد عينه خليفة قايد ، وفي ظرف وجيز رقاه الى رئيس دائرة ( حلال عليه حرام على الناس الآخرين ) وهو الذي لا يتورع في اصدار الاوامر لتكسير جماجم وعظام ابناء الشعب المعطلين . الآن وقبل ان ننشر الدراسة ، للتاريخ وللشعب المغربي ، كي يعرف الاخطاء الخطيرة المقترفة في حق القضية الوطنية ، نتساءل عن جدوى الحكم الذاتي الذي لقي في ابانه بعض التفهم من طرف بعض الدول بفضل تفجيرات 16 ماي 2003 التي كان عبدالاله بنكيران قبل استو زاره يطالب جلالة الملك القاضي الاول بإعادة فتح تحقيق بشأنها ، وهو اذ يفعل تكون له معطيات جديدة مخالفة للرواية الرسمية ، وهي تذهب الى الفاعلين الرئيسيين المخططين وليس الى المنفذين ، وهؤلاء الذين كان يعنييهم ، هم سماهم لاحقا بالتماسيح والعفاريت المعرقلة لمشروعه . لقد تم التراجع عن ذاك التفهم لتلك الدول من القضية الوطنية ، وأصبح الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، متجاوزا دوليا لصالح الحل الذي تتبناه الجمعية العامة للأمم المتحدة حين تتبنى بالإيجاب توصية اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التي تتمحور فقط حول " الاستفتاء لتقرير المصير بالصحراء " ، والحل الذي يتبناه مجلس الامن في قراراته ب " الحل السياسي المتوافق عليه المؤدي الى تقرير مصير الشعب الصحراوي " ، اما واشنطن التي تصوت داخل مجلس الامن لصالح القرار الذكور ، فهي تعتبر الحكم الذاتي جديا ، اذا قبل به الطرف المعني به الذي هو هنا البوليساريو ، اما اذا رفضه فلا مناص من الرجوع الى المبادئ العامة للقانون الدولي ، والى ميثاق الامم المتحدة لسنة 1948 ، اي حتمية الاستفتاء . واذا كان نبيل العربي الغير العربي قد صرح مؤخرا بحق " الشعب الصحراوي في تقرير مصيره " ، فان ما لا يمكن فهمه ، هو البيان المشترك الفرنسي الجزائري الذي وقعه كل من الوزير الاول الفرنسي ونظيره الجزائري بحق " الشعب الصحراوي في تقرير مصيره " ، مع اجبارية التقييد بالقرارات الاممية ومجلس الامن . ان ما لا يمكن قبوله هو سياسة التعتيم التي تمارسها الزمرة العصبية القبلية للرأي العام المغربي ، من ان فرنسا مع الحق المغربي ، وهي التي تصوت دائما في مجلس الامن على القرار القاضي بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء ، بل التماهي كل مرة سحبت فيها احدى الدول اعترافها بالجمهورية الصحراوية ، واعتبار ذلك نصرا للدبلوماسية المغربية المعطوبة . ان سحب بعض الدول اعترافها بالجمهورية لا يعني اعترافها بمغربية الصحراء ، بل يعني التزام هذه الدول الحياد ، ما دام ان النزاع هو بيد الامم المتحدة ومجلس الامن . ان هذه الدول المنطقية مع نفسها تتخندق الى جانب القرارات الاممية ( الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن ) اللذان ينصصان في قراراتهما دائما على تقرير المصير ، والسؤال الموجه لهؤلاء المعتّمين : لماذا لا تعترف هذه الدول التي سحبت الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، بمغربية الصحراء ؟ ان الخطاب الملكي مؤخرا عند افتتاح البرلمان " لا يمكن التعويل على شيء " " لا يمكن التفريط في التفاؤل " هو اعتراف ساطع بموت حل الحكم الذاتي ، وهو الموت الذي نطقنا به في حينه وقبل ان يجف المداد الذي كتبه ، الامر الذي كلفنا اعتداءا شنيعا من طرف الثلاثي ( الهمة ، الرديء ضريس والمجرم نورالدين بن ابراهيم ) . الآن نعيد نشر الدراسة لتحديد المسؤوليات ، وليعلم الشعب المغربي كيف ضاعت حقوقه الترابية وقضيته الوطنية في الطريق ، وحتى يعلم جلالة الملك بنوع الزمرة العصبية القبلية التي اختطفته من الشعب دون ان يشعر وحملته نتائج حل مات بمجرد نهاية قراءته . " الدراسة " . بمناسبة مرور ثلاثين سنة على استرجاع الاقاليم الجنوبية المغربية الى ارض الوطن ، القى جلالة الملك بالمناسبة خطابا عرض فيه لأول مرة لحل بقي غامضا بين الجهة وبين الحكم الذاتي ، وربما ان سبب هذا الغموض هو جس نبض الشارع والشعب لمعرفة التوجهات والمسارات العامة قبل الاستقرار على رأي نهائي يسانده الشعب بين اسلوب الجهة في تسيير المناطق ، وبين الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية . وربما ان هذا هو سبب عدم اقدام الواقفين وراء هذا الاختيار على كشف خبايا المشروع بالكامل ، والاقتصار فقط على الخطوط العامة عند محاولة عرض وتسويق الفكرة العامة لدا الدول التي زارها المسئولون الواقفون وراء هذا الخيار الذي يتضمن اخطارا محدقة بمستقبل الصحراء ، وبمستقبل الدولة المغربية ، ومستقبل الوحدة الترابية للمغرب . يلاحظ ان جمود الشارع ، وتفرج الشعب الذي يراقب مآل المشروع عن بعد ، وأمام عدم صدور ردود افعال محتجة على اقتراح الحكم الذاتي ، شجع المسئولين في الذهاب بعيدا في خططهم ، وذلك عندما انشئوا ( الكوركاس الميّت ) ، وعندما تجاوزوا الجهة كحل مقبول الى مشروع الحكم الذاتي ، كمخرج للنزاع الذي وجد فيه المسئولون نفسهم متورطين ، وبدون مخرج منذ اكثر من ثلاثين سنة خلت . و للتوضيح ، ان الجهة كطريقة في تسيير الاقاليم المكونة للدولة لا تعني الحكم الذاتي الذي يعني تمتع مجموعة اقاليم داخل الدولة بالاستقلال والسيادة الداخلية عن المركز او الدولة الام . وإذا كان الحكم المركزي هو الذي يتولى تسيير الجهات المختلفة التي تتكون منها الدولة من خلال القوانين والتشريعات والمراسيم التنظيمية ، وتعيين كبار الموظفين من ولاة وعمال وقضاة وضباط امن ... لخ ، وإذا كانت الجهة تخضع لقانون الجهة المعمول به في مجموع التراب الوطني ، إضافة الى خضوعها الى القوانين الاساسية ، فإن منطقة الحكم الذاتي لن تكون خارج دولة الحكم الذاتي التي لا علاقة لها بقانون الجهة . ان دولة الحكم الذاتي تكون لها قوانينها الخاصة التي تنظم سلطاتها الحكومية والتشريعية والقضائية الخاصة بها ، والمستقلة كامل الاستقلال في اتخاذ القرارات عن المركز بالعاصمة التي تحتفظ معها فقط بعلاقة التنبر ( الطابع البريدي ) والعلم . ان هذين الرمزين ليسا كافيان لإضفاء السيادة على دولة الحكم الذاتي التي تبقى في جميع الحالات معرضة للانفصال ، خاصة اذا جاءت دولة الحكم الذاتي ضمن شروط وملابسات وتراكمات تاريخية سلبية اثرت في قوى الاطراف المتنازعة ، وفي طرقها العديدة في التعاطي مع القضية موضوع الصراع ، اي غياب الاستراتيجية الثورية الوطنية في التعامل مع القضية ، والاقتصار فقط على الارتجال والتجريب . ان منطقة الحكم الذاتي بالنسبة للمغرب ، وهذا اذا افترضنا ان جبهة البوليساريو والتيارات الانفصالية التي تكونت في الصحراء بفعل نهب اموال الشعب والجيش ، والتنمية المعطلة ، قد قبلت به ، ستأتي بعد ستة عشر سنة من الحرب التي اثرت كثيرا على المغرب بسبب ما خلفته من ضحايا ومفقودين ومسجونين وخسائر مادية فادحة ... لخ ، وستأتي بعد ثلاثين سنة من المواجهة الدبلوماسية والسياسية في المحافل الدولية ، لم تعرف فيها ( الدبلوماسية المغربية ) غير الفشل الدريع و الهزيمة والانتكاسات المتوالية . ان السؤال بعد كل هذا المخاض : كم عدد الدول التي تعترف بالجمهورية الصحراوية ، وكم عدد الدول التي تفتح تمثيليات للبوليساريو في عواصمها ، وكم عدد الدول التي تعترف بمغربية الصحراء ؟ لا احد باستثناء السنغال والغابون . وهنا لا ننسى ان الامم المتحدة تعترف بالبوليساريو التي لها مكتب بالأمم المتحدة وممثلين معتمدين بالمنتظم الدولي . بل ان ما يسمى ب ( الدبلوماسية المغربية ) عجزت عن اقناع الدول العربية خاصة الخليجية منها بتبني الاطروحة المغربية ، فعند عرض خريطة المغرب من قبل الفضائيات العربية ، داما نجد ذاك الخط الذي يفصل الصحراء عن المغرب . لذا وحتى يظهر المخطط النهائي لمقترح الذاتي يبق التساؤل مشروعا ، هل سيقبل المغرب بالجهة الموسعة الاختصاصات ، ام انه سيقبل بخيار الحكم الذاتي طبقا لقواعد القانون الدولي . وهنا فان المسئولين عن المشروع ، وليس الشعب يكونون قد اقروا باختلاف المواطنين في الصحراء عن اخوانهم المغاربة في اللغة والعادات والتقاليد والتاريخ الذي لم يعد مشتركا ... لخ ، وهنا فان المسئولين يكونون قد سقطوا في اطروحة الشعب العربي في الصحراء التي كان لبت اطروحة اليسار الماركسي اللينيني خاصة منه منظمة الى الامام ، ولا تزال نفسها اليوم اطروحة البوليساريو التي تؤكد هذه الحقيقة في تفنيد الاطروحة المغربية الشعبية . وهنا نتساءل مرة اخرى . إذا كان المسئولون عن خيار الحكم الذاتي ينوون احترام معايير القانون الدولي عند تطبيق الحكم الذاتي ، أليس من الاجدر ان يطبقوا هذا الاختيار على مناطق الريف ، الاطلس المتوسط ومناطق سوس ، علما بان هذه المناطق وبخلاف الصحراء تتمتع بلهجات مختلفة ، تشلحيت ، تريفيت وتسوسيت ، كما تتمتع بتقاليد وعادات خاصة بها وتختلف عن تقاليد وعادات الزمرة العصبية القبلية الظالمة والفاسدة ، بل حتى تاريخها يختلف بين سوس والريف والأطلس المتوسط . ان اقرار المسئولين بمنح الصحراء حكما ذاتيا دون هذه المناطق يشكك في الاطروحة الرسمية حول مغربية الصحراء ، ويوضح ان المسئولين ولسبب معروف يريدون التخلص من ورطة الصحراء اتقاء للمخاطر التي قد تسببها للنظام في المستقبل . ومما زاد في الشك والغموض ، اصطفاف جميع ( زعماء ) الاحزاب وراء هذا الاقتراح ، وتبنيها له دون ابداء اية ملاحظة او وجهة نظر . ان السؤال الذي ’يطرح هنا ، هو كيف لهؤلاء ( الزعماء ) الحزبيين ان يدعموا على بياض اقتراح الحكم الذاتي رغم تأثيره السياسي والجغرافي الخطير ، وانعكاساته السلبية على الوحدة الترابية للمغرب ، وفي غياب شعبه ومواطنيه وقود الحرب في الصحراء ؟ . انه امر خطير للغاية ، خاصة وان الشعب يعلم ان هذه الاحزاب فقدت مصداقيتها ولم تعد شيئا في الساحة ، ولم تعد تمثل حتى نفسها . ان اخطر شيء قامت به زمرة العصبية القبلية في هذا الصدد ، انها اختزلت الشعب في الاحزاب ، وهذا جعلها تصاب بالعمى لطبيعة الاخطار التي سيرتبها ملف الصحراء. ان الشعب في واد والأحزاب والنقابات في آخر ، كما ان الامة في واد والزمرة العصبية القبلية في واد آخر . فهل يكفي استعمال الغربال لإخفاء اشعة الشمس اللاّهبة ؟ وهل الخرجة الاخيرة كافية لإيجاد مخرج للنزاع الذي عمر اكثر من ثلاثين سنة خلت وما يزال ؟ . ان مقترح الحكم الذاتي المزمع عرضه على انظار المجتمع الدولي لن يكتب له النجاح لعدة اسباب : 1 – ان مجلس الامن والامم المتحدة لا يملكان الصلاحيات لقبول او رفض المقترح المغربي لافتقارهما الى الاهلية القانونية ، التي تبقى من حق الطرف الآخر في المعادلة ، اي البوليساريو وتيارات الانفصال في الداخل والجزائر . 2 – ان مجلس الامن سوف لن يزيغ في قراراته القادمة عن القرارات السابقة التي اتخذها في موضوع النزاع ، والتي لا تخرج عمّا يسميه بالمشروعية الدولية التي يجسدها في الاستفتاء لتقرير مصير " الشعب الصحراوي " . كما ان الامم المتحدة في قراراتها المقبلة لن تخرج عن مساندة التوصيات التي توصي بها اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، والتي تتمحور كلها عن حق " الشعب الصحراوي في تقرير المصير " . 3 – رفض البوليساريو وتيارات الانفصال في الداخل ، والجزائر للمقترح المغربي جملة وتفصيلا ، وتمسكهم بخيار الاستفتاء الذي نتائجه الساحقة معروفة مسبقا لصالح الانفصال سيحكم على خيار الحكم الذاتي بالفشل ، بل ان الدبلوماسية الجزائرية تفوقت على نظيرتها المغربية بمجلس الامن وبالأمم المتحدة من خلال تبني مواقف معادية لمغربية الصحراء ، وتصب في خيار الاستفتاء وتقرير المصير المضرين بالحقوق التاريخية المغربية . فهل سيلجأ المغرب اذا رفض مجلس الامن خياره في الحكم الذاتي الى تطبيق هذا الحكم من جانب واحد كما دعا الى ذلك بعض ( المسئولين ) وبعض ( زعماء الاحزاب ) ؟ . اعتقد ان المغرب اذا طبق هذا الخيار من جانب واحد ، فإن هذا الاجراء سيكون نوعا من العبث الذي لم يشهده التاريخ من قبل . ان الصحراويين مفروض فيهم انهم مغاربة مثل اخوانهم المغاربة الآخرين ، والدولة حين تميز بينهم في نفس الوطن بدعوى المميزات الخاصة التي تم اكتشافها بعد ثلاثين سنة من العراك ، فإنها تشكك في مغربيتهم ، وتشكك في انتماء الصحراء الى المغرب ، وليس الصحراويون هم الذين شككوا في مغربيتهم وفي انتماءهم الى المغرب ، وهذا شيء خطير لا يختلف من حيث الخطورة عندما اقدمت الرباط وموريتانيا على اقتسام الصحراء بموجب اتفاقية مدريد ، ثم قيام الرباط بممارسة حق الشفعة عندما اعادت ضم الاقليم الذي تخلت عنه موريتانيا بفعل ضربات البوليساريو في سنة 1979 ، وليصبح من جديد مغربيا بعد ان كان من قبل موريتانيا . لقد ارتكب المسئولون عن ملف الصحراء المغربية عدة اخطاء متضاربة ومتعددة اثرت بالسلب على عملية معالجة القضية ، وشككت العديد من الاطراف الوازنة دوليا في حجة الاطروحة المغربية المختلفة ، التي حاولت من خلالها ايجاد ارضية صلبة لحل المشكل في اطار النزاع بين دول المغرب العربي ، والذي كانت تغذيه الحرب الباردة بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي . ان قبول المسئولين بمنح الاقاليم الصحراوية حكما ذاتيا ، إذا كان سيكون طبقا للإجراءات والمساطر الدولية ، سيكون تنازلا من قبل المغرب لصالح البوليساريو والجزائر ، لأن الحكم الذاتي في هذا الصدد لن يخرج عن الدولة الفدرالية مثل فدرالية الاكراد والأرمن ، وهذا يعني اعتراف النظام المغربي بخصوصية مغرب ما قبل اتفاقية مدريد الثلاثية في سنة 1975 . إن هذا الاعتراف الذي جاء متأخرا ، وبفعل الضغوط الدولية ، وبسبب ضربات البوليساريو ، وتكاليف الصحراء التي اصبحت تهدد اصل الحكم في المغرب ، وليس بفعل القناعة او الاعتراف بالأخطاء والارتجال ، يعني ان النظام في المغرب قد تخلى عن قسم المسيرة الخضراء ، والغى من القاموس السياسي والخطابي شعارات ثلاثين سنة من ترديد " الاقاليم الجنوبية للمملكة " ، ولتصبح بالاقتراح الرسمي الأخير دولة الحكم الذاتي ، وبما يحمله كل ذلك من اخطار قادمة ستضرب في الصميم وحدة الدولة ، وتختزن برميل بارود قابل للانفجار في اي اتجاه كان ، سواء بدخول المغرب الى المجهول او دخوله في المغامرات التي ستكون هذه المرة مدعومة من قبل الشارع بسبب حساسية الصحراء عند الشعب . ان هذا الموقف المرتجل والذي لا يختلف عن مواقف ارتجالية اخرى حصلت في السابق ، يدخل ضمن مجموعة مواقف متناقضة اخذ بها المغرب منذ ستينات القرن الماضي . هكذا وفي سنة 1966 اعلن المندوب المغربي امام اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة : " .. وفيما يتعلق بالمغرب مثلما هو الشأن لبقية البلدان الافريقية الاخرى المستقلة حقيقة ، فان سكان الصحراء الاصليين يجب ان يكونوا قادرين على اختيار مصيرهم بكل حرية ، سواء باختيار الاستقلال او الانضمام الى اي بلد مجاور في الميادين السياسية والاقتصادية والدستورية ... " . في سنة 1967 اعلن المندوب المغربي في الدورة الثانية والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة : " .؟ ان الحكومة المغربية لا زالت تعتقد ان الاعتراف لسكان الصحراء الاسبانية بحق تقرير المصير ، سيمكن من الاسراع بتصفية الاستعمار من هذا الاقليم . ان الوفد المغربي يرى ان اجراء استفتاء تحت اشراف الامم المتحدة يشكل احسن وسيلة لتحديد ارادة السكان .. " . وفي سنة 1968 القى المندوب المغربي محمد بن هيمة في الدورة الثالثة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة كلمة قال فيها : " ... يبقى الشكل المطروح في قضية الصحراء الاسبانية التي تطالب بها موريتانيا كجزء لا يتجزأ منها ... وفي هذا الموضوع يجب التذكير ان موريتانيا نفسها كانت موضع مطالبة من المغرب باعتبارها اقليما مغربيا ، لكن بفضل تدخل الامم المتحدة تم التوصل الى اتفاق حصلت بموجبه موريتانيا على استقلالها .. وبالنسبة للحالة الراهنة فان المغرب قبل ايضا بقرار الامم المتحدة ، اي اجراء استفتاء حر لتقرير مستقبل الصحراء .. " . الآن لنلاحظ كيف يطالب المندوب المغربي ومن اعلى منبر دولي بالاستفتاء لتقرير المصير ، وكيف يسمي الاقاليم الجنوبية المغربية ب " الصحراء الاسبانية " . اذا كانت الصحراء حقا مغربية ، لماذا لم يطالب مندوب المغرب باسترجاعها الى حظيرة الوطن ؟ ولماذا ينصص فقط على تقرير المصير المؤدي الى الانفصال ؟ ولماذا لا يسمي الاقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية ، ويسميها بالصحراء الاسبانية ؟ ان المعنى من هذا التصرف الخياني ومن اعلى منبر دولي ، الامم المتحدة ، يعني ان الذي سيحدد جنسية الصحراء ليس التاريخ ، وليس الاستعمار الذي اقتطعها من المغرب ، بل ان الذي سيحدد جنسيتها هو نتيجة الاستفتاء التي سيقبل بها المغرب كيفما كانت النتيجة ، وهو استعداد النظام بالاعتراف بدولة صحراوية على جواره . اذن من المسئول عن تفتيت التراب الوطني ، ومن المسئول عن تجزيئه ؟ ومن يجري لاهثا وراء انشاء جمهورية صحراوية بالجنوب المغربي ؟ فحين يصرح مندوب المغرب باللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار بان " سكان الصحراء الاصليين يجب ان يكونوا قادرين على اختيار مصيرهم بكل حرية ، سواء باختيار الاستقلال او الانضمام الى اي بلد مجاور في الميادين السياسية والاقتصادية والدستورية " ، وحين يسمي مندوب المغرب الصحراء المغربية ب " الصحراء الاسبانية " ويطالب بالاستفتاء لتقرير المصير .. ألا يعتبر هذا التصرف خيانيا ؟ ولماذا تم ادخال مناضلي منظمة الى الامام السجون لما قالوا بالاستفتاء وتقرير المصير في الصحراء في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ؟ عندما احرز المغرب على استقلاله السياسي في سنة 1956 بقي جزء مهما من ترابه تحتله اسبانيا في الشمال وبالجنوب ، وفي الشرق بقيت اراضي مغربية تحتلها فرنسا التي فوتتها للجزائر التي كانت تستعمرها . في خضم هذا الوضع الظالم وجه جيش التحرير المغربي نشاطه الى الجنوب لتحرير الصحراء من يد الاسبان ، وإعادة ضمها الى المغرب . لكن مؤامرة المكنسة المعروفة بإكوفيون التي تمت سنة 1958 ، وما ’عرف في حينه بمؤامرة الزموريين في يوليوز 1957 ، اجهضت حلم جيش التحرير المغربي في مواصلة عملية التحرير ، وقد زاد هذا الوضع المرتبك اقالة الحكومة التي ترأسها الاستاذ عبدالله ابراهيم رحمه الله ، ثم ظهور صراعات سياسية جانبية على السطح ، بين الحكم من جهة وبين احزاب برجوازية الدولة ، والجماعات اليسارية التي كانت مرتبطة بها بشكل من الاشكال . كما احتدم الصراع وسط هذه الجماعات نفسها بما مكن من ظهور معادلات سياسية غير متكافئة غيرت ميزان القوى لصالح ترتيبات سياسية وتنظيمية ستحدد نوع وطبيعة التشكيلات السياسية التي انفردت بهندسة فضاء الحكم طيلة الستينات والسبعينات وثمانينات القرن الماضي ، كما انها سترسم نوع المعارضة السياسية ، ونوع الصراع الذي تعرضت له تلك القوى السياسية . ان الوضع السياسي الذي يوجد عليه المغرب اليوم ، هو نتيجة وإفرازا منطقيا لذلك المخاض الذي عرفه المغرب منذ 1947 والى اليوم . ان السؤال الذي يبقى مطروحا : لماذا عملية المكنسة او إيكوفيون ضد جيش التحرير المغربي في سنة 1958 ، ولماذا مؤامرة الزموريين في سنة 1957 اذا كانت الصحراء مغربية ولم يكن احد يشكك في مغربيتها ؟ ما هي الاسباب الحقيقية وراء اقالة حكومة الاستاذ عبدالله ابراهيم ؟ وما علاقة دستور الجمهورية الريفية بجيش التحرير في الجنوب ؟ ثم كيف تزامنت احداث الريف في سنة 1955 بعملية المكنسة من نفس السنة ؟ اسئلة في غاية الاهمية ، والإجابة عنها مستحيلة ، لان الفاعلين الرئيسيين في تلك الفترة اقلامهم جافة عن كتابة مذكراتهم ، فأحرى التوثيق لأحداث اثرت في المشهد السياسي الحالي . في سنة 1963 ، وبسبب الترسبات السلبية الموروثة عن الحقبة الكلونيالية ، دخل المغرب في حرب مع الجزائر ، ’عرفت في حينها بحرب الرمال ، وكان الهدف منها استرجاع الصحراء الشرقية التي فوتتها لها الادارة الفرنسية . لكن رغم الشهداء الذين سقطوا من الجيش المغربي ، والعاهات المستديمة التي ’اصيب بها الجنود ، ورغم الخسائر المادية الجسيمة ... لخ ، فإن تلك الحرب لم تؤدي الى نتيجة ايجابية ، ولم يتم تحرير الصحراء الشرقية التي بقيت تحتلها الجزائر التي اخلّت حتى بالاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع المغرب ، بخصوص الاستغلال المشترك لثروات المنطقة المتنازع عليها . ان هذا الوضع غير المفهوم من حرب عبثية لم تؤدي الى نتيجة ، اللهم الخسائر المادية والروحية والجسمانية ، لم يقف عند هذا الحد ، بل ستحصل مفاجئة جديدة غير مفهومة ، وذلك عندما وقع المغرب مع الجزائر اتفاقية الحدود في سنة 70 / 1971 ، حيث اصبح المغرب الرسمي وليس الشعبي يعترف بجزائرية الصحراء الشرقية مقابل لاشيء . ورغم هذا ، فان حكام الجزائر الذين لم يكونوا يثقون في المغرب ظلوا ينتظرون موافقة البرلمان المغربي على الاتفاقية حتى تكون لها حجية قانونية ، وترقى من ثم الى مرتبة المعاهدات الدولية التي تنتج آثارها القانونية على الاطراف التي وقعتها . لذا فان الجزائر العليمة بهشاشة الوضع السياسي المغربي ، لم تكن تفوت فرصة من الفرص للتذكير بأهمية الاتفاقية الحدودية الموقعة مع المغرب ، وكانت تلح في كل مرة على ان تكتمل شروط الاتفاقية بالمصادقة عليها من قبل البرلمان المغربي الذي ( يمثل الشعب ) . لذا عندما ’طرحت قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية ، وجدتها الجزائر المدعومة من قبل كاتب الدولة في الخارجية الامريكية السيد هونري كيسينجر ، فرصة مواتية وسانحة لابتزاز المغرب قصد الحصول من حكامه على تنازل في قضية الحدود من جهة ، ومن جهة اخرى وجدتها فرصة مواتية كذلك لعرض عضلاتها لمعاكسة الحقوق التاريخية المغربية في الصحراء في المحافل الدولية . وقد ساعد الجزائر في مخططها هذا الدور البارز الذي كانت تلعبه في منظومة حركة عدم الانحياز وبالقارة الافريقية ، واصطفافها طيلة الحرب الباردة الى جانب المعسكر الشرقي ، مع احتفاظها على علاقات متميزة ومميزة مع واشنطن وكبريات العواصم الاوربية . عندما احس المغرب بالضغوط تشتد عليه ، من جهة الحرب المكلفة مع البوليساريو المدعومة من قبل الجزائر وليبيا وكوبا ، ومن جهة فشل ( الدبلوماسية ) المغربية وانتكاستها في المحافل الدولية ، وكان من نتائج تلك الانتكاسة المدوية ازدياد عدد الدول التي تعترف بالجمهورية الصحراوية الوهمية ، او تعترف بحركة البوليساريو كحركة تحرير لها مكاتب مفتوحة في عواصمها ، اضافة الى مكتبها بالأمم المتحدة وبالعواصم الاوربية بما فيها باريس ، ثم انتهاج المغرب سياسة الهروب من المواجهة والمقعد الفارغ بمنظمة الوحدة الافريقية ، وبالعديد من المنتديات الدولية بسبب حضور البوليساريو، والتي اصبحت تطالب وفي اكثر من مناسبة بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء .... لخ ، دفع المغرب في بداية النصف الاول من التسعينات برلمانه المزور بفعل الخريطة الحزبية التي كان يتحكم فيها وزير الداخلية السابق ادريس البصري ، الى المصادقة على معاهدة الحدود مع الجزائر راهنا مصير شعب ومصير امة بمعاهدة خطيرة لا يد له فيها . لقد حصل هذا الاعتراف بعد 24 سنة من الانتظارية القاتلة كانت فيها الجزائر تراهن ان يعترف لها المغرب الرسمي بجزائرية الصحراء الشرقية ، مقابل ان تعترف له بمغربية الصحراء الغربية . ان الاعتراف الرسمي بجزائرية الصحراء الشرقية جاء بعد ان دخلت الصحراء الغربية المغربية عنق الزجاجة وأصبحت مهددة بالانفصال ، وجاء بعد العزلة التي منيت بها ( الدبلوماسية ) المغربية في المحافل الدولية . ان السؤال الوجيه الذي يمكن لكل مغربي ان يطرحه : لماذا الاعتراف باتفاقية الحدود مع الجزائر ، ولماذا انتظار اكثر من عشرين سنة ليصادق عليها برلمان مزور لا تمثيلية ولا مشروعية شعبية له ؟ وإذا اصبحت الدولة الرسمية وليس الشعب المغربي تعترف بمعاهدة الحدود المغربية الجزائرية ، لماذا الدخول معها في حرب عبثية في سنة 1963 ، حيث ظلت الجزائر الى الآن تحتل الصحراء الشرقية التي اصبحت جزائرية ؟ من يتحمل المسؤولية المدنية والجنائية عن هذا الارتجال الذي اضاع واضر بالحقوق التاريخية المغربية ؟ . الجميع يعلم ان النظام المغربي مر طيلة الستينات والسبعينات ، وحتى النصف الاول من الثمانينات بفترات حرجة مضطربة كانت تستهدف عمق النظام وليس فقط ضفافه ، اي السيطرة على الحكم وليس الاقتصار فقط على مطلب الملكية البرلمانية . فمن جهة كانت هناك معارضة يسارية شعبوية قوية قادها " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " ، ومن جهة اخرى وجود معارضة مسلحة يقودها الجناح البلانكي في الحزب المذكور . لقد وصلت المواجهة حدتها مع النظام في انتفاضة 16 يوليوز 1963 وفي انتفاضة 3 مارس 1973 ، ومن جهة اخرى كانت هناك انقلابات عسكرية في سنة 1971 و في سنة 1972 ، اضافة الى محاولة الجنرال احمد الدليمي في سنة 1982 . هذا دون ان ننسى المشروع الايديولوجي العام للحركة الماركسية اللينينية المغربية وبالأخص منظمة ( الى الامام ) و ( منظمة 23 مارس ) و ( حركة لنخدم الشعب ) الذي كان يهدف الى اقامة جمهورية العمال والفلاحين والشعب الكادح . ولكي يتمكن النظام المغربي من تخطي وتجاوز هذه الازمات والأخطار المهددة للملكية ، طرح في سنة 1974 قضية الصحراء كعامل لتجاوز التناقض السياسي الداخلي بالتناقض الخارجي ، اي بتحويل الصراع السياسي من صراع حول مشروعية الحكم الى صراع حول الحكومة والبرلمان ( الانتخابات او ما ’سمي بمسلسل " التحرير والديمقراطية " ) ، ومن صراع وطني وطني الى صراع مع عدو خارجي تمثله الجزائر والبوليساريو وحلفاءهم في المجتمع الدولي خاصة الاوربيين منهم . لقد ادى هذا المخطط الذي نجح فيه النظام بامتياز ، أن اصبحت المعارضة البرلمانية متوحدة حول شخص الملك الذي تحول من عدو رئيسي الى عدو ثانوي ، ومن اقطاعي مستبد الى رمز للتحرير والتحرر ، وقد وصل الامر بالمعارضة ان باركت اتفاقية مدريد الثلاثية بين المغرب وموريتانيا واسبانيا ، والتي بموجبها تم اقتسام الصحراء بين الرباط ونواكشوط ، ورغم ان تلك الاتفاقية لا تعترف للمغرب سوى بالتدبير الاداري للإقليم ، وليس بالسيادة التي سيحددها الاستفتاء وتقرير المصير التي طالبت بهما محكمة العدل الدولية في قرارها حول النزاع المعروض عليها من قبل المغرب . لقد بلغ التحالف بين المعارضة الاصلاحية وبين النظام في المسيرة الخضراء ، وفي تزكية اعادة ضم الاراضي التي انسحبت منها موريتانيا في سنة 1979 ، وفي التخطيط للمسلسل الديمقراطي الذي كان من اهم مهندسيه وزير الداخلية ادريس البصري . اما المعارضة الجذرية فظل يمثلها الفقيه محمد البصري الذي اسس بعد المؤتمر الاستثنائي التراجعي عن ماضي الحركة الاتحادية الاصيلة ما عرف ب " الاختيار الثوري " ، وظلت تمثلها منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية خاصة منها يسار " منظمة 23 مارس " ومنظمة " الى الامام " التي استمرت في رفع شعارات استراتيجية في مواجهة النظام من قبيل ، الجمهورية الصحراوية ، الشعب الصحراوي ، والمناداة بالاستفتاء لتقرير المصير ، واعتبار الصحراء بؤرة ثورية لتحرير المغرب من نظام ملكي اقطاعي فيودالي مرتبط بالامبريالية والصهيونية . واذا كانت منظمة " الى الامام " قد ادت ضريبة كبيرة من جراء موقفها هذا ، فإن زعماء الاحزاب الاصلاحية " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية - حزب زمان وليس حزب الآن " و " حزب التقدم والاشتراكية " و " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " الامتداد اليميني لمنظمة 23 مارس ، استعملوا كسفراء للملك يجوبون اقطار العالم لشرح الاطروحة المغربية من النزاع المفتعل الدائر بالمنطقة . لقد دخل لأول مرة الى البرلمان كل من علي يعته الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية ، ومحمد بن سعيد آيت ايدر عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ، في حين اصبح للاتحاد الاشتراكي فريق مهم بالبرلمان . في سنة 1982 ارتكب النظام المغربي خطأ فادحا ادى الى تصدع الاغلبية نتيجة اعتقال ومحاكمة الاستاذ عبدالرحيم بوعبيد رحمه الله ، بسب موقفه المعارض لموقف النظام من نزاع الصحراء ، وذلك عندما اعترف المغرب في مؤتمر نيروبي الثاني لمنظمة الوحدة الافريقية ، الاتحاد الافريقي حاليا ، بالاستفتاء لتقرير المصير بالصحراء ، مدفوعا ببعض ( الاصدقاء ) الذين خذلوه من بعد ( الرئيس فرانسوا ميتيران ) ، وهنا لابد من استحضار ما قاله الاستاذ عبدالرحيم في مرافعته الشهيرة حين قال " ربي السجن احب اليّ ممّا يدعونني اليه من صمت على وحدة البلاد ومصيرها " . ان اعتراف المغرب بالاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء في سنة 1982 ، مثلما اعترف وطالب به في سنة 1966 و في سنة 1967 وسنة 1968 كان خطأ استراتيجيا فادحا ورط المغرب في التزامات سياسية وقانونية اضرت بملف الصحراء وأعادته الى نقطة الصفر ، كما ادى ذاك الموقف الانتحاري بالعديد من الدول الى التشكيك في حجية ومصداقية الاطروحة المغربية الرسمية حول الصحراء التي اضحت مشكلة تتعلق بتصفية الاستعمار عن طريق الاستفتاء لتقرير المصير للّذين وحدهما سيحددان الوضع النهائي للصحراء ، إمّا مع المغرب و إمّا الانفصال وتكوين جمهورية صحراوية مستقلة تفصل المغرب عن حدوده التاريخية مع موريتانيا وتنهي امتداده الافريقي . بمجرد ان اعترف المغرب بالاستفتاء في مؤتمر نيروبي ، تخلى عنه الاصدقاء الذين شجعوه على هذا الاعتراف الانتحار والتراجع لصالح الجزائر ومرتزقتها ، فبدأت تتضح من ثم ملامح خسارة القضية الوطنية ، ومن بعدها خسارة التحالف الوطني بين النظام والأحزاب الاصلاحية ، كما بدأ يظهر جليا امكانية العودة الى الصراع الداخلي الذي ستعبر عنه انتفاضة يونيو 1981 وانتفاضة يناير 1984 ، ثم الاعتقالات بالجملة التي طالت حزب الاتحاد خاصة جناح اللجنة الادارية الوطنية ومناضلي الحركة الماركسية . لقد ساهم هذا الوضع السياسي المتأزم في دفع الجنرال احمد الدليمي الذي بدأ مشاورات مع اطراف معارضة في الخارج وبالتنسيق مع قيادات داخل البوليساريو ، الى التفكير في ملئ الفراغ السياسي الذي نشأ عن حملة الاعتقالات التي صاحبت انتفاضة الدارالبيضاء في سنة 1981 . واذا كان النظام قد نجح في التخلص من الجنرال ، فإن مظاهرات يناير 1984 التي ’رفعت فيها صور لآية الله الخميني بالمدن الشمالية ، ووزعت فيها مناشير منظمة الى الامام وصور لإبراهام السرفاتي بمراكش ، ادت الى تعقيد وشحن الوضع السياسي من جديد بين المعارضة والنظام الذي استطاع ان يتجاوز التزاماته الدولية في نيروبي الثاني بالاستفتاء لتقرير المصير ، بابتكاره بدعة الاستفتاء التأكيدي غير الموجود في القانون الدولي ، وهو ما عطل الاستفتاء الذي كانت تترقبه الجزائر والبوليساريو ، ومعهما الدوائر الغربية والدولية المعادية لمغربية الصحراء . هكذا بدأ المغرب يبدو متمسكا بالمشروعية الدولية للاستفتاء إذا لم يستثنى احد من مواطنيه الذين ينحدرون من تلك الاقاليم المسترجعة : قال الحسن الثاني رحمه الله " ... حسنا نحن لا نتخوف من الاستفتاء لتقرير المصير ، ولا نتهرب منهما ، ولكن لنا شروط : 1 – الاول هو تطبيق قواعد الاستفتاء الدولي 2 – الثاني ان يكون المغرب موافقا على صيغة سؤال الاستفتاء ، لأن سؤال الاستفتاء ، إما ان يجعلنا نقبل او نرفض الاستفتاء . فمثلا اذا طرح مشكل استقلال الشعب الصحراوي ، فإن المغرب سيرفض تماما . ان السؤال المطروح يقتضي ان يشمل الصحراويين الموجودين في المغرب والصحراويين الموجودين في موريتانيا والصحراويين الموجودين في الجزائر . فإذا ذكر في الاستفتاء لفظ الاستقلال سأطالب بان يطبق على الجميع ... " . بعدما رفض المغرب الاستفتاء الذي اضحى مستحيلا وباعتراف المراقبين الدوليين ، أعلن المغرب للمنتظم الدولي ان ملف الصحراء قد حسم نهائيا ، وانه الآن فوق ترابه محصن بشعبه وجيشه ، ويستند على تاريخه وعلى قرار محكمة العدل الدولية الذي اعترف بوجود علاقة بيعة بين السلاطين العلويين وبين اهل الصحراء ، ورغم ان قرار المحكمة شدد على الاستفتاء لتقرير مصير " الشعب الصحراوي " ، واقترح للخروج من هذه الازمة تطبيق نظام الجهة ذات الاختصاصات الموسعة لتسيير الاقليم ، ورغم ان حتى هذه الجهة لا تزال معطلة الى اليوم ( 2014 ) . ان قناعة المغاربة بتطبيق نظام الجهة الموسعة الاختصاصات لتمكين المواطنين في الصحراء من تدبير شؤونهم بأنفسهم لم تدم طويلا ، إذ حصل تراجع خطير لمّا قبل المسئولون ، وليس الشعب ، ومن جديد باتفاق الاطار الذي اقترحه جميس بيكير ، والذي ينص على الاستفتاء لتقرير المصير بعد مرور خمس سنوات من تمتيع المناطق الصحراوية بحكم ذاتي طبقا لقواعد القانون الدولي ، وهذا المخرج الجديد ليس له من تفسير غير اسقاط وضع تيمور الشرقية على الوضع في الصحراء ، ومن جهة اخرى وبسبب قبول المغرب باتفاق الاطار الذي ينصص على الاستفتاء بعد خمس نوات من تطبيق نظام الحكم الذاتي ، تكون قد تولدت لدا المنتظم الدولي قناعة بان الصحراء هي قضية تصفية استعمار ، وان الذي سيحدد وضعها النهائي ، الاستفتاء الذي قبل به المغرب عندما قبل اتفاق الاطار . إن هذا الارتباك والارتجال من طرف المسئولين ، جعل المغرب يدخل بدون بوصلة في متاهات ، فأصبح اتفاق الاطار من العوامل الرئيسية التي تهدد بانزلاق المغرب الى الهاوية بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي ، وبعدها اجراء الاستفتاء الذي تصب نتيجته الحتمية في الانفصال بنسبة كبير جدا . وكالعادة ،لمّا تبين للمسئولين خطورة اتفاق الاطار الذي يضم خطرين محدقين بالوحدة الترابية للمغرب ، من جهة حكم ذاتي طبقا لقواعد القانون الدولي مدته خمس سنوات ، ومن جهة تنظيم استفتاء بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي ، وبعد ان يكون هذا الحكم قد مهد وبالمكشوف ، الطريق لنتائج الاستفتاء المرتقب ، تراجع المسئولون عن اتفاق الاطار وبدؤوا يلوحون مكانه بالحل السياسي المتوافق عليه بين جميع الاطراف ، وهنا دائما وبسبب المواقف المرتبكة للماسكين بالملف ، فإن عدة اسئلة يمكن التفكير فيها بخصوص التحاور مع الجزائر ، ويعلم الله وحده ما هي طبيعة التنازلات التي ستقدمها الرباط للجزائر العاصمة على حساب الوحدة الترابية للمغرب . لقد ادى رفض الجزائر والبوليساريو للمقترح المغربي حول الحل السياسي المتفاوض عليه أن بقي ذلك المقترح عبارة عن صيحة في واد ، وعشية تعيين الامين العام للأمم المتحدة مبعوثا جديدا له بالمنطقة خلفا لجميس بيكر ، فاجأ الماسكون بملف الصحراء العالم ، وليس الشعب المغربي الخارج عن اللعبة ، بموقف خطير ، ودون الرجوع فيه الى الامة لاستفتائها في الموضوع ، تمثل في استعدادهم منح الاقاليم الجنوبية من المغرب حكما ذاتيا رغم الاخطار التي يختزنها هذا النوع من الحكم على الوحدة الترابية والبشرية للمغرب . ان هذه الخرجة الجديدة غير المسئولة ، والتي ماتت في مهدها ، وقبل ان يجف المداد الذي كتبت به ، دفعت بالعديد من المغاربة الاحرار الوطنيين ان يطرحوا بعض الاسئلة من قبيل : من يملك المغرب ؟ من يقرر في مصيره الاستراتيجي بالنسبة لوحدة ترابه ، وفي غيبة شعبه الذي يراقب نهاية المشروع الفاشل من اصله ؟ من هي الجهة التي تقف وراء هذا المخطط الخطير الذي يرمي في الامد المتوسط الى ضرب الدولة الواحدية والشعب الواحد ، لصالح كانتونات دولة فدرالية تضعفه وتسهل تمزيقه وتفتيته ؟ من يخدم المخططات الجزائرية ضد الوحدة الترابية للدولة ؟ ألا يدرك الواقفون وراء هذا المخطط ان الدولة الفدرالية او دولة الحكم الذاتي تتعارض بالمطلق مع دولة امارة امير المؤمنين التي تعني الدولة القوية ، وليس الدولة الفدرالية التي ستكون المحطة ما قبل الاخيرة لتأسيس الدولة الصحراوية المستقلة ، خاصة اذا حصل ما من شأنه ان يقلب الاوضاع رأسا على عقب ؟ كيف يعقل ان ترتبط دولة الحكم الذاتي بعلاقة دينية مع الملك وليس مع المؤسسات والشعب ؟ اليس الوضع سيكون مشابها وشبيها لمجموعة دول الكمنويلت البريطانية التي ترتبط فقط بالتاج البريطاني وليس بالسيادة ؟ من يضمن ألاّ تقوم جماعة البوليساريو وتيارات الانفصال بالصحراء والجماهير الصحراوية المغربية التي تمسكت بمغربيتها طيلة ثلاثين سنة من الصراع المغربي الجزائري ، وتخلى عنها المسئولون لصالح دولة الحكم الذاتي الذي عوضت شعارات الاقاليم الجنوبية المغربية ، ليشكلوا وقودا حارقا لأي تمرد تعرفه المنطقة مستقبلا ، وهذا الذي يحصل اليوم بالصحراء من تحول مواطنين من وحدويين الى انفصاليين ، و من عدم اعترافهم بالجنسية المغربية ، وبخلع بيعة الملك من عنقهم ؟ من يضمن ألاّ يقوم هؤلاء جميعا وينظموا استفتاء شعبيا صحراويا في الاقاليم الجنوبية التي ستتحول الى دولة الحكم الذاتي ، يطالبون فيه بالاستقلال وبالانفصال عن المغرب ؟ لقد جربت استراليا هذا الحل ، وكانت نتيجة الاستفتاء لصالح البقاء مع التاج البريطاني، اي ضمن مجموعة الكمنويلت . لقد جربت هذا الحل كذلك دولة الجبل الاسود وألبانيا وكانت نتيجة التصويت لصالح الاستقلال والانفصال وتكوين دول مستقلة اعترفت بهما جميع الدول الغربية . إذن من غرر بالملك وأقنعه بقبول صيغة الحكم الذاتي الذي يشكل تهديدا على الوحدة الترابية للدولة ؟ الم يكن من الاجدر والديمقراطية والعدل ان ينظم استفتاء الامة التي سترفض حتما هذا الحل اصلا ، و آنذاك فان الامة هي التي ستتحمل النتائج التي ستترتب عن هذا الموقف اللاوطني سواء كان الحرب ام كان السلم ؟ فلو جرى استفتاء الامة ، فان الملك سيكون مجبرا بالانصياع الى ارادة الشعب الذي سيلتف حوله للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ، والملك سيكون هنا كمحرر مسنودا من قبل الشعب ، وليس مسنودا بأصحاب الحكم الذاتي الذين ورطوه بفعلتهم النكراء ، وحملوه المسؤولية عن جميع النتائج التي ستترتب مستقبلا . لقد شملت المواقف المتذبذبة والمتناقضة للماسكين بملف الصحراء المغربية مواقف غير مفهومة ، عندما تعاملت الدولة بطرق مختلفة مع بعض الاطراف السياسية التي كانت لها مواقف متباينة من قضية الصحراء . هكذا مثلا فان الدولة ادخلت الى السجون مناضلي منظمة الى الامام الماركسية في السبعينات والثمانينات ، عندما رفعت شعار تقرير المصير في الصحراء ، وساندت اطروحة الانفصال عن الوطن الام ، وهو نفس الخيار اخذت به الدولة في سنة 1967 و 1967 و 1968 ومن اعلى منبر للأمم المتحدة ، كما اخذت به في نيروبي الثاني سنة 1982 وفي اتفاق الاطار الذي وضعه جميس بيكر . كما ادخلت الى السجون مناضلي منظمة 23 مارس رغم تزكيتهم لاتفاقية مدريد الثلاثية التي تنصص على اقتسام الصحراء اداريا بين المغرب وموريتانيا . وأدخلت الاستاذ عبدالرحيم بوعبيد رحمه الله الى السجن لأنه رفض الاستفتاء لتقرير المصير الذي اعترف به النظام في سنة 1982 ، والآن وبسبب هذا الارتجال والتباين في المواقف ، فربما ستلجأ الدولة الى فتح ابواب السجون في وجه الوطنيين الاحرار الذين يرفضون الحكم الذاتي ، ويرفضون الاستفتاء ، ويتشبثون بمغربية الصحراء وبالوحدة الترابية للمملكة . وللعلم هنا فان السجون ستضيق درعا ولن تتسع للوافدين الجدد ، لأن قضية الصحراء هي قضية شعب ’ظلم في ترابه ، وليست قضية نظام او منظمات . ان المواجهة هذه المرة ستكون مع الشعب المرتبط بمغربية الصحراء ، وقد سبق للحسن الثاني رحمه الله ان قال : " ان قضية الصحراء بالنسبة للمغرب قضية حياة او موت " ، وهذا يعني انه كلما اتجهت الصحراء نحو المغرب ، كان في ذلك سبب هلاك الحكم وتدميره ، وكلما اتجه المغرب الى الصحراء ، كان في ذلك سبب قوة الحكم وشد عضده . ان العمق الامني للمغرب كان وما يزال هو الصحراء ، وبدون الصحراء المغرب والشعب المغربي في مهب الريح . ان جميع السلالات التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء ، وسقطت كذلك من الصحراء . ان السؤال الذي نطرحه في هذا الباب : هل نسي المسئولون الشعارات التي ترددت في السبعينات ، وكانت تعتبر الصحراء بؤرة ثورية لتحرير المغرب من نظام اقطاعي فيودالي اوليغارشي وعميل للدوائر الاستعمارية الغربية والصهيونية ، لصالح توحيد الشعبين المغربي والصحراوي ضمن جمهورية ديمقراطية شعبية ؟ ألا يعتبر خلق دولة فدرالية تتمتع بالحكم الذاتي ، مقدمة جنينية لخلق تلك البؤرة الثورية التي نظر لها اكثر من طرف بعمامة فاشية سوداء او دكتاتورية حمراء ؟ واذا كانت جميع الحلول الترقيعية ومنها الحكم الذاتي قد فشلت ، بل فشل الحكم الذاتي قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ، وهو الاعتراف الصريح لجلالة الملك في خطابه الاخير امام البرلمان عند افتتاح السنة البرلمانية الشتوية حين قال " ان قضية الصحراء واجهت خلال هذه السنة تحديات كبيرة تمكنا من رفعها ، بفضل قوة موقفنا ، وعدالة قضيتنا ... غير انه لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة ، والإفراط في التفاؤل ... " وأضاف " ان الوضع صعب والأمور لم تحسم بعد ، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف ، مما قد يضع قضيتنا امام تطورات حاسمة .. " . ماذا يعني هذا الاعتراف ومن اعلى سلطة في الدولة . اليس موت الحكم الذاتي الذي عوضه المغرب بالجهوية الموسعة الاختصاصات او الجهوية المتقدمة والتي لا تزال هي بدورها لم تبرح مكانها بسبب عدم الثقة في المستقبل ، والهواجس الامنية التي ينفخ فيها اللوبي الماسك بملف الصحراء . ماذا بعد ان قررت فرنسا خلق خمسة عشر جهة لتولي تدبير الاقتصاد والشأن العام ؟ هل سيتسرع المغرب مجددا بخلق جهات قد تكون سببا في التمايز بين الجهات المرتقبة / وبين نفس المواطنين مادام ان هناك تفاوت صارخ في الموارد والإمكانيات بين مناطق المغرب المختلفة ، وبخلاف فرنسا التي ستنجح في هذا الورش بسبب تنوع الواردات وبسبب التقدم الاقتصادي والاجتماعي الهائل . إذن من ورط الملك في حل الحكم الذاتي الذي مات جنينيا منذ بدايته ، لأن نجاحه يتوقف على قبوله من الطرف المعني به الذي هو البوليساريو وتيارات الانفصال في الداخل التي تطالب بالاستفتاء لتقرير المصير ؟ هل يصلح الحكم الذاتي لإنهاء نزاع الصحراء : في البداية اشير انني لن اناقش المدلول السياسي والقانوني لمغزى الحكم الذاتي ، او الدولة الفدرالية ، فدرالية سياسية ، جغرافية ، عرقية او ادارية ... او ايها اصلح للحالة المغربية ، فدرالية هندية ، نيجيرية ، سويسرية ، المانية ، اسبانية او بلجيكية او كردية او ارمينية ... لخ ان هذا الشكل من الحكم لا تعنينا لأنها لا علاقة لها بالحالة المغربية . ولكي نكون واضحين ، هذا اذا افترضنا ان جبهة البوليساريو والجزائر بلغا من الذكاء والنضج السياسي والفطنة درجات ، مما يجعلهما يقبلان بمشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته الزمرة القبلية العصبية ... فان ما سيقع في الحالة المغربية ستكون نتائجه خطيرة على المستقبل السياسي للصحراء ومستقبل الدولة المغربية ، ومن ثم ستكون نتائجه عكسية على الوحدة الترابية للمملكة . ان المخطط الذي سيطرح للنقاش ، ليس ذاك الذي سيقترحه المغرب ، بل المخطط المتفاوض عليه مع البوليساريو ، وتحت الاشراف المباشر لمجلس الامن وللجمعية العامة للأمم المتحدة ، وهذا يعني ان المخطط الذي سيتم تحضيره باتفاق جميع الاطراف ، سيأتي بعد ستة عشر سنة من الحرب الطاحنة في الصحراء ، حيث اثرت سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمغاربة ، وسيأتي بعد ثلاثين سنة من المواجهة في المحافل الدولية لم تعرف فيها ( الدبلوماسية ) المغربية غير الفشل والهزيمة على جميع المستويات الاقليمية والدولية . لذا وبسبب هذا الوضع الداخلي المختل والمضطرب ، والخارجي المؤيد للاستفتاء ، فإن منطقة الحكم الذاتي لا يمكن تصورها خارج دولة فدرالية مرتبطة مع الملك بعقد البيعة وليس بالسيادة ، كما هو الشأن اليوم بالنسبة لدولة الاكراد في شمال العراق ، وهو ما سيشكل طعنا من الخلف في مشروعية نضالية الشعب المغربي ، ودفاعه المستميت عن الوحدة الترابية للمملكة ، ومن جهة اخرى ، فإن الاخطار التي تخفيها دولة الحكم الذاتي على الوحدة الترابية للمغرب ستكون اشد وقعا من الاخطار التي سيسببها الاستفتاء اذا لم يشمل جميع المواطنين الصحراويين ، ومن جهة ثالثة ، فان هذا النوع من الحكم للأقاليم الجنوبية المغربية يتناقض بالمطلق مع دولة امارة امير المؤمنين التي تعني الدولة القوية والواحدية والشعب الواحد ، وليس الدولة الطائفية المبنية على التمايز بين المواطنين بسبب الخصوصية المشوهة والعرقية البغيضة . ان من بين المآخذ السلبية والخطيرة التي يمكن تسجيلها على خيار دولة الحكم الذاتي التي لن تحيد عن الدولة الفدرالية اذا تم اعداد مخطط الحكم الذاتي بالاتفاق مع البوليساريو وبمباركة الجزائر ، هو قطع المسئولين المغاربة مع شعارات الثلاثين سنة التي رددتها اجيال كاملة من المغاربة ، حيث سيتم تعويض شعارات الاقاليم الجنوبية بشعارات دولة الحكم الذاتي التي اكتشفتها الزمرة العصبية القبلية متأخرة ، وهذا لن يكون إلاّ شيئا خطيرا على الوحدة الترابية للمغرب وعلى وحدة شعبه ، وتخليا عن قسم المسيرة الخضراء ، وعن انجازات الحسن الثاني رحمه الله ،،، ومن ناحية اخرى فان الجماهير المغربية الصحراوية التي تمسكت بمغربية الصحراء ، ودافعت عليها بالغالي والنفيس ستفقد الثقة في ( الحكام ) الجدد الذين جردوها من تاريخها وهويتها المغربية لصالح دولة الحكم الذاتي ، حيث اكتشف المسئولون متأخرين خصوصية هذه الجماهير التي تختلف عنهم ، وتختلف عن خصوصية الشعب المغربي قاطبة . إن هذا الادعاء وتلك الخرجة الانتحارية للمسئولين ، لا اساس لها من الصحة ، وإلاّ لكان عليهم ان يضيفوا الى هؤلاء ، الجماهير المغربية في سدي افني وطاطا وكلميم وزاكورة ... ، اي بما فيها سكان الصحراء التي كانت خاضعة للمغرب قبل اتفاقية مدريد في سنة 1974 . لذا فان الجماهير المغربية التي شعرت بالمسئولين يتخلون عليها ويتنكرون لها من اجل المصالح الخاصة ، ستسحب ثقتها من الدولة التي ستفقد مصداقيتها لذا تلك الجماهير التي ستكون مؤهلة بفعل الاختلاط والمصالح المشتركة ، أن تتوحد مع تيارات الانفصال في الداخل ومع جماعة البوليساريو لتكوّن حلفا مضادا للمغرب وللحاكمين المرتبكين الذين والى الآن ( 2014 ) لا يزالون يدورون في حلقة مفرغة ولا يدرون ما هم فاعلون . ومع توالي الايام يمكن لهؤلاء ان ينظموا تمردا مسلحا مدعوما من الخارج ، او يشنوا عصيانا مدنيا جماهيريا يعلنوا فيه طلاقهم مع الدولة ، كما يمكن لهم ان ينظموا استفتاءا شعبيا داخل مناطق الحكم الذاتي يحددوا بموجبه العلاقة مع المغرب ، اي هل يستمروا في الحفاظ على عقد البيعة الذي يجمعهم بالملك وليس بالمغرب ، أن ينهوا ذاك العقد ، ويلغوا دولة الحكم الذاتي لصالح الاستقلال التام عن المغرب . كذلك يمكن للصحراويين في منطقة الحكم الذاتي ان يقطعوا علاقاتهم مع المغرب إذا جاء الى الحكم ملك آخر لا يروقهم ، او إذا حصل في المغرب ما من شأنه ان يقلب الاوضاع رأسا على عقب . ان هذا النوع من العلاقة بين الحكم المركزي في الرباط ، وبين الصحراء ، هو ما اكده الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عندما اعتبر ان العلاقة بين سلاطين المغرب وبين بعض القبائل الصحراوية لم تكن علاقة سيادة ، بل كانت علاقة بيعة ، اما السيادة فسيقرها الاستفتاء لتقرير المصير الذي نصت عليه المحكمة في حكمها . ان اول شخص قال بالحكم الذاتي في الصحراء كان ابراهام السرفاتي مؤسس منظمة الى الامام . ففي مذكراته التي نشرتها جريدة الاحداث المغربية في عددها 563 قال السرفاتي : " ... هناك طريق ثالث لقضية الصحراء ، حكم ذاتي او اقامة دولة صحراوية مرتبطة مع الدولة المغربية تحت سيادة الملك محمد السادس ... وفي هذا الاطار اعتبر ان حل الاندماج الكامل لسكان الصحراء في المغرب مسألة غير صحيحة على الاطلاق ... اولئك المناضلين الصحراويين طلبة الجامعة بالرباط الذين سيؤسسون فيما بعد البوليساريو بحثا عن رد الاعتبار ، وإعلانا فقدانهم الثقة في النظام وفي القوى الحية ... لكن مع بداية الثمانينات الى حدود سنة 1986 كان المسئولون عن القيادة ( منظمة الى الامام ) في الخارج قد ربطوا نوعا من العلاقة مع هذه الجبهة ( البوليساريو ) ... لخ " . فهل اقبال المسئولين على خيار الحكم الذاتي دليل على تشاورهم مع اعداء الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ؟ وماذا لو بقي الحسن الثاني على قيد الحياة ، هل كان يجرأ احد من هؤلاء الاقزام ان يقرر في مصير امة ، ووحدة شعب ، ودولة ، وبدون الرجوع الى الشعب مصدر جميع السلطات ، حتى يقرروا مرة الحكم الذاتي ، ومرة الاستفتاء ، ومرة الضم ، ومرة الاتفاق السياسي ... غرضهم التخلص من القضية التي تهدد مصالحهم حتى يستمروا في النهب و الاستفراد بالمغرب الذي اضحى ملكية محفّظة باسمهم في المحافظة العقارية . فلا بد من اعطاء الحساب عن هذا الفشل الذي ضيع التراب المغربي وسيضيع الصحراء المغربية ، ولنبدأ بطرح السؤال عليهم : من اين لك هذا ؟ ان سكان الصحراء الغربية التي كانت تحتلها اسبانيا ضمن التركة الاستعمارية ، هم جزء من سكان المغرب ، ولا يشكلون شعبا او قومية مغايرة ومستقلة حتى تمنح لهم دولة تتمتع بالحكم الذاتي . ان هذا يعني تشكيك الماسكين بملف الصحراء في هوية الصحراويين ، وفي تاريخهم النضالي المندمج مع تاريخ اخوانهم المغاربة في الداخل وفي الشمال المغربي . ان هذا الترابط والتداخل الجدلي في نضالية الشعب المغربي عبر التاريخ ، تدل عليه جميع الدراسات التاريخية التي انجزها اجانب حول صيرورة تكوّن وتكوين وتشكل الامة المغربية التي كانت مرادفة لعملية مزج العروبيين مع البرابرة ، بصورة عفوية وتلقائية ، وبعيدة عن اي قسر او عنف من طرف الجانبين ، وهذا يعني ان الصحراء المغربية شكلت جزءا لا يتجزأ من الامة المغربية ، كما ان كل محاولات اعداء الشعب المغربي لإثبات الوضع الخاص والمتميز للصحراء الغربية بسبب العديد من العوامل والاطروحات الخاطئة مثل وجود او عدم وجود علاقات تجارية بين الصحراء وبين باقي اجزاء المغرب ، واثر ذلك على صلتها او استقلالها عن الدولة المغربية ، تبقى واهية وقاصرة عن تفهم خصائص التاريخ المغربي الفعلية وديناميكيته الداخلية : فهل شكلت الصحراء وضعا استثنائيا على صعيد المغرب ، حتى يهتدي المسئولون الصبيانيون في آخر خرجة غير محسوبة النتائج بمنحها حكما ذاتيا لن يخرج في شكله ومضمونه عن دولة فدرالية طبقا لقواعد القانون الدولي ، لا طبقا لما خططت له الزمرة العصبية القبلية الفاسدة والظالمة ؟ ثم الم يكن وجود او عدم وجود علاقات تجارية ووضع الوحدة في مرحلة الاستقلال السياسي يعكس ظاهرة عامة على كل اجزاء المغرب ؟ ثم الم يكن هذا التاريخ بين الارتباط وبين الانفصال النسبي حقيقة اساسية ، ومجرى واقعي في تاريخ المغرب ، لم يلغيا بتاتا وحدة الامة ووحدة الدولة ووحدة الوطن ؟ ان جميع الدراسات التي انجزت عن المنطقة تثبت بلا ادنى شك او منازع ان تاريخ المنطقة الصحراوية جزء لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للدولة المغربية ، سواء كان ذلك كنظام قبلي جماعي يحكمه السلطان المغربي ولعبت فيه التجارة الدور المركزي ، او كان كنظام رعوي خضع بمجموعه لحركة الاستغلال الاستعماري وتقسيماته المختلفة . وعلى هذا الاساس فان علاقة السلطة المركزية في ترابطها او انحلالها مع المناطق والقبائل التي كان سائدا فيها ، إما النظام الرعوي او النظام الزراعي ، هي علاقة تشكل جزءا لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للشعب المغربي ، وهو تاريخ وتبلور كيان الامة المغربية ، وهذا يتجلى بالأساس في التاريخ السياسي الذي كان لبّ ومحور المقاومة العفوية للملايين من ابناء الامة المغربية ، وبالضبط منذ القرن السادس عشر والسابع عشر ، وفي مطلع القرن العشرين ضد التدخل الاسباني البرتغالي ، وضد التدخل الفرنسي . لقد اندمجت ثورة موح أوحمو الزياني بالأطلس المتوسط ( 1914 ) بثورة عبدالكريم الخطابي في اريف ( 1921 – 1926 ) وبثورة المجاهد احمد الهيبة ماء العينين في الجنوب لتحرير المغرب والصحراء من براثن الاستعمار المسيحي اليهودي ، ولم يحدث بالصدفة في تاريخ المغرب ان تصرفت الجماهير المغربية من اجل تحررها الوطني بأفق وحدوي ، وناضلت من اجل تحرير الامة المغربية برمتها من سيطرة الاستعمار الاجنبي الدخيل . ومنذ استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي ، خاض سكان الصحراء الغربية المغربية في اطار جيش التحرير المغربي بالجنوب معارك مسلحة طاحنة وعنيفة لطرد المستعمر والتمسك بالوحدة في اطار المغرب الكبير وضمن الوحدة الترابية للمملكة . فلماذا اليوم دولة الحكم الذاتي او الدولة الفدرالية التي تطعن من الخلف هذا الرصيد النضالي والتاريخي للشعب المغربي ؟ ان اخطر شيء بالنسبة لدعاة الحكم الذاتي ، أنهم يحاولون الآن تفسير التاريخ المغربي اعتمادا على النموذج الاوربي والرأسمالي المتطور ، وربما لقد انبهروا في آخر ساعة من حلمهم بالفدرالية السويسرية او البلجيكية ، او بمناطق الحكم الذاتي في اسبانيا او بالفدراليات الالمانية ... لخ ، فقاموا بعملية اسقاط لهذه النماذج الجاهزة وذات التاريخ والأصول المختلفة على الحالة المغربية التي لا علاقة لها بهذا النوع من اشكال الحكم والتسيير ، غرضهم الخبيث من وراء ذلك ، وحسب الذهنية المتكلسة السائدة ، التخلص من قضية الصحراء طالما انها تهدد مصالحهم المرتبطة بالنظام المهدد في وجوده بقضية الصحراء . ويمكن ان نستنتج من هذه الذهنية المتكلسة والنظرة السائدة عند هؤلاء ، أن الصحراء اصبحت في كفة والنظام في كفة اخرى . لذا فان النظام لن يتردد في التضحية بالصحراء في سبيل بقاءه على غرار الصحراء الشرقية التي لا تزال تحتلها الجزائر ، ويفسر البعض هذا التفكير السطحي بكون النظام في المغرب درويني النزعة والتفكير ( نسبة الى دروين ) ، اي انه يتطور لكنه لا يتغير . إن هذه الاطروحة كانت ستعطي اكلها لو انها ’جربت في النصف الثاني من القرن الماضي . اما اليوم فان مجرد التفكير في التهرب من تحمل المسئولية بهذه الطريقة الرديئة ، سيكون انتحارا عن طيب خاطر للنظام ، وضربة قاضية لوجوده الذي تتربص به اليوم اكثر من جهة . ان تفسير التاريخ المغربي اعتمادا على النموذج الاوربي والرأسمالي المتطور ، واعتمادا على خيط او اتجاه التطور كما جرى في الغرب وفي البلدان الرأسمالية المتقدمة التي تمت فيها عملية التوحيد السياسي ، وإقامة الدولة القومية الوطنية كحصيلة لنمو وتطور الطبقة البرجوازية ، وأثناء ثورتها ضد طبقة الاقطاع ، وبتحالف واسع مع الفلاحين والعمال والتجار الصغار والطلبة وعموم الشعب المستلب والمستضعف ، هو ضرب من الخيال . ان تاريخ الدولة في هذا الوضع قد شهد خطا واحدا متصاعدا في التطور ، فبدل تجزيء الوطن الى دويلات صغيرة ، يصبح التقسيم الى عمالات وأقاليم تقسيما اداريا محضا في اطار الدولة القومية الواحدة . انه يتلخص بكلمة واحدة على الشكل التالي : نمو الواحدية على حساب التعددية . الملاحظ ام مجرى التطور عندنا في المغرب يختلف عن هذا السياق الذي جرى فيه التطور في الغرب الرأسمالي . ان الدولة الواحدية في المغرب كانت تقوم في فترات تاريخية متعددة ، ومن دون ان يكون ذلك مرادفا لوجود طبقة برجوازية سائدة في الانتاج والدولة ، وبالمقابل نجد ان تعددية الدولة تقلص وتضعف نفوذ الدولة ، فتظهر مناطق السّيبة ، اي احتفاظ مناطق واسعة من الاقاليم باستقلالية تامة عن المركز المخزني . ان تعاقب هذين الشكلين ، الصراع بين الواحدية وسيادة الدولة الكاملة التي لا تدوم بفعل النزاع والتمرد القبلي ضد المخزن ، وبين تقلص نفوذ الدولة فتظهر مناطق السّيبة ، هو ما كان يطبع كسمة خاصة التاريخ السياسي المغربي . هكذا وبعد سقوط امبراطورية الموحدين وتفتيت ثقلها الى امارات ’متشردمة ومستقلة عن بعضها ، بنو حفص في تونس ، بنو زيان في الجزائر وبنو مرين في المغرب ، نجد ان الصحراء المغربية لم تكن جمهورية مستقلة او كانت دولة تتحكم بالحم الذاتي ، كما انها لم تكن امارة مثل الامارات الاخرى التي تكونت على انقاض الموحدين ، بل كانت تتبع امارة المرينيين ، ومن بعدهم العلويين ، اي ان الصحراء كانت مغربية خالصة . هكذا كلما اصاب الضعف المخزن بسبب من الاسباب مثل وجود ملك ضعيف ، او تفاقمت تناقضاته الداخلية التي تتمثل في الصراع السياسي على العرش بين افراد الاسرة الحاكمة الواحدة وخاصة بعد موت الملك ، او ان المخزن حرم من احدى امكانيات التطور الاجتماعي والسياسي ... لخ ، كلما انتشرت النزاعات القبلية ، وانتشر العصيان والتمرد القبلي ، وتشكلت بلاد السيبة ، وغاب القانون بالمرة ، وتتحول القبائل الى تناقض اساسي مع المخزن الضعيف الذي يتحول الى حاكم بالرشاوى والامتيازات الخيالية التي تغدق وبدون رقيب على ضباط الجيش والسلطة للحفاظ على بقاءه واستمراره . هكذا ومنذ اواخر عهد المرينيين ، وفي عهد بني وطاس ، كان قسم هام من البلاد قد رفض دفع الضريبة ، فأصبح يمارس استقلالا فعليا عن سلطة المخزن ، فتوسعت بلاد السيبة لتشمل مناطق الصحراء المغربية ، موريتانيا ، الاطلس المتوسط ، بني وراين ، بني يزناسن ، مناطق ملوية ، الريف ... لخ . لكن الذي يجب الاشارة اليه ان عصيان القبائل البربرية ضد المخزن الضعيف لم تكن لتؤسس لدولة مستقلة او دولة فدرالية ، بل كانت تجري ضمن الدولة الواحدية ، اي ضمن الوحدة الترابية للمغرب . ان انتفاضة القبائل البربرية المغربية كانت ضد المخزن الضعيف ولم تكن ضد الوحدة الترابية للمملكة ، وهذا يظل برهانا ساطعا على ان تاريخ المنطقة الصحراوية هو جزء لا يتجزأ من التاريخ الاقتصادي والسياسي للمغرب ، سواء كان ذلك كنظام زراعي او نظام رعوي او نظام تجاري او نظام قبلي مغلق . ان للصحراء خصوصيات استراتيجية وسياسية بالنسبة للمغرب ، وتتحدد تلك الخصوصيات تبعا للوضعية الجغرافية للمغرب التي تساعد على القول بوجود تمايز جهوي بين المدن وبين الارياف . والصحراء التي كانت عبر التاريخ تقدم الحصن الدفاعي للمغرب ضد الغزو الامبريالي الاستعماري ، هي جزء ارتبط مصيره بمصير المغرب ، وأصبحت بنيته البشرية والاقتصادية تقاس ببنية المغرب كلها وليس العكس . لقد ظلت الصحراء عمقا استراتيجيا للمغرب ، وظلت تحن قبائلها الحرة ، بحنين العودة الى عهد الموحدين والمرابطين ، واستمر شعورهم في الولاء للمغرب ، وأصبح ارتباط الصحراء بالمغرب من البديهيات المسلمة التي تثبت مغربية الصحراء ، وتدحض جميع دعوات الانفصال والتجزئة التي يلهث وراءها اليوم اعداء الوحدة الترابية للمملكة ، وعلى رأسهم ( خبراء ) الحكم الذاتي كمقدمة لفصل الصحراء عن المغرب . ان الاخطار التي تحملها دولة تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب المغربي ، اكثر بكثير من الاخطار التي يحملها الاستفتاء اذا لم يشارك فيه جميع المواطنين الصحراويين . ان دولة الحكم الذاتي ستكون مستقلة عن المركز في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ، لأنها ستكون لها حكومة وبرلمان وسلطة قضائية تصدر قراراتها باسم دولة الحكم الذاتي وليس باسم الملك كما يجري عليه الحال في جميع المحاكم المغربية ، كما سيكون لهذه الدولة شرطة محلية مسلحة وميليشيات بلدية مسلحة كذلك وسجون ، كما ستقوم دولة الحكم الذاتي بتعيين كبار الموظفين السامين من وزراء ومحافظين وقضاة واطر الامن .. لخ . اضافة الى هذا ستقوم دولة الحكم الذاتي بممارسة السلطات الفعلية على جميع ادارات الحكم الذاتي من اعداد الميزانية ، فرض وتحصيل الضرائب ، تنفيذ القوانين ، الامن الداخلي ، اجهزة الاستعلامات العامة ، الرعاية الاجتماعية ، الثقافة ، التعليم وبرامجه ، التجارة ، النقل ، الزراعة ، التعدين او المعادن ، مصائد الاسماك ، البحر ، السياسات الصناعية ، البيئة ، الاسكان ، التنمية الحضرية ، المياه والكهربة ،الطرقات والبنيات الاساسية ... لخ اضافة الى هذه السلطات التدبيرية في المجال المحلي الداخلي ، سيكون لدولة الحكم الذاتي كامل الصلاحية والاستقلال في تلقي الهبات والمساعدات والقروض الدولية ، وفي تأجير استغلال ثروات البحر والثروات المعدنية فوق او في باطن الارض . كما ستكون دولة الحكم الذاتي حرة في ابرام الاتفاقيات الاقتصادية والعلمية مع الخارج ، وحتى لو كانت احدى تلك الدول معادية للمغرب مثل الجزائر ... إذن ما تبقى من السيادة للمغرب في ظل هذا الوضع الخطير والمرتبك ؟ وهل العلم والتنبر كافيان لتثبيت السيادة المغربية في الصحراء التي ستكون غائبة تماما في دولة الحكم الذاتي ؟ لماذا لا يصارح ( خبراء ) هذا المخطط الخطير الشعب المغربي ويقولوا له ، إن الامر يتعلق بدولة فدرالية جديدة في الجنوب المغربي ، والتي ستكون المحطة ما قبل الاخيرة في طريق الانفصال التام والنهائي عن المغرب ؟ لماذا يريدون من خلال مخططهم هذا وضع الشعب امام الامر الواقع بدعوى ان الامم المتحدة زكت هذه الخرجة التي تطعن من الخلف تاريخ نضالية الشعب الذي يدفع وحده تكاليف الحرب في الصحراء ؟ ويبقى السؤال المطروح : لماذا لا تطبق الجزائر نظام الحكم الذاتي ، الدولة الفدرالية في الصحراء الشرقية المغربية التي تحتلها بعد ان تخلى عنها الحاكمون بسبب الارتجال وفقدان الدقة والضبط والتحكم في مجريات الصراع ، وفي تقدير الحسابات السياسية والإستراتيجية ؟ لماذا لم يدع الواقفون وراء هذا المخطط الخطير الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به الى استفتاء الشعب المغربي ليقول كلمته الفصل في الموضوع ، فتكون المسئولية الناجمة في الاخير عن هذه الاستشارة مسئولية الشعب المهمّش والمغيّب ، وليست مسئولية الملك الذي يتحمل لوحدة الآن المسئولية كاملة عن كل ما سيقع ؟ هل من المعقول ان يقوم الواقفون وراء هذا المخطط باختزال الشعب في احزاب تعيش من فتاة الدولة وتشكل معاويل للحكومة العميقة ، ولا تحسن غير التصفيق والمدح ، ولم تعد تمثل حتى نفسها ؟ ان تنظيم الاستفتاء لمعرفة رأي الامة التي سترفض حتما هذا لمخطط الخطير المهدد للوحدة الوطنية والترابية ، سيبين لواشنطن ولجميع العواصم الغربية ولأعضاء مجلس الامن ، ان النظام في المغرب ، نظام ديمقراطي يلجأ الى الشعب في اتخاذ القرارات المصيرية ، وان قضية الوحدة الترابية للمملكة هي قضية شعب ، وليست قضية نظام يتهاوى او نظام يلاشى او هو في طريق الانحلال ويريد التخلص من كل مشكلة قد تعجل نهايته . وفي هذا الحال سيكون الواقفون ضد الوحدة الترابية للمغرب مضطرين بسبب القناعة لتغيير وإصلاح مواقفهم السابقة من حقيقة الصراع المفتعل بالمنطقة ، وخاصة وقد اتضح امر الجزائر حين طالبت جميس بيكر بالتقسيم ، واتضح ان دفاعها عن المبادئ العامة للقانون الدولي والاستفتاء لتقرير المصير ، هي مجرد شعارت تتاجر بها الجزائر لأغراض لا علاقة لها بمبادئ الامم المتحدة . ان الصراع في هذه القضية التي ’يقدم فيها ( خبراء ) الحكم الذاتي التنازلات للجزائر والبوليساريو ، هو صراع بين الشعب المغربي من جهة وبين حكام الجزائر من جهة اخرى . انه صراع وجود وهوية وتاريخ . الخلاصة : هل فعلا هناك خلاصة لما يعتمل في الصحراء وفي غياب الشعب الذي يتحمل لوحده ضريبة الدفاع عن الصحراء ، سواء بأبنائه الذين يكوّنون قاعدة الجيش المغربي ويموتون وحدهم في الصحراء ، ويسجنون لمدد وصلت للعديد منهم الى ستة وعشرين سنة في سجون البوليساريو ، ومن دون ان تعترف لهم الدولة بذلك ، وتركتهم يواجهون لوحدهم المصير المجهول ، او من خلال الضرائب المختلفة التي تقتطع من عرق جبينه لتمويل عملية الدفاع الوطني في الصحراء . ان اهم شيء بجب التذكير به في هذا الصدد ، هو التذكير بالمواقف الوطنية لجميع الزعماء السياسيين من قضية الصحراء المغربية ، لذا فان تخرجت الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف المداد الذي كتب به تتعارض بالمطلق مع هذه المواقف التي سنرتبها كالآتي : 1 --- في سنة 1958 توجه المغفور له محمد الخامس الى قرية محاميد الغزلان بالصحراء المغربية ، مذكرا الاستعمار الاسباني والفرنسي بالوحدة الترابية للمملكة والشعب ، رافعا شعار مغربية الصحراء ، ومطالبا بالعودة السريعة للصحراء الى المغرب ، ولم يتكلم رحمه الله لا عن دولة الحكم الذاتي ، ولا عن الدولة الفدرالية ، او عن الاستفتاء لتقرير المصير ، كما لم يستعمل تعابير الصحراء الغربية او الاسبانية ، بل استعمل الصحراء المغربية . 2 --- سبق لأحد الصحفيين الفرنسيين ان طرح سؤالا على الحسن الثاني رحمه الله قائلا : لماذا لم تمنحوا الصحراء حكما ذاتيا لوضع حد للنزاع الدائر بالمنطقة ؟ فكان جوابه كحكيم وكفيلسوف ,متضلّع في السياسة الخارجية : " كيف ؟ هل يريدون مني ان اكون ملكا على جمهورية صحراوية ؟ ابدا " . وقال مضيفا " ان اسبانيا تسير الى اقرار الاستقلال الداخلي . فأنا كمسئول عن وحدة البلاد من جهة ، وصيانتها من اخطار المستقبل من جهة اخرى ، اصرح لشعبي ، واترك هذه وصية لكل مغربي ، أنه لا يمكن تنصيب دولة مزيفة لا حقيقة لها في جنوب بلادنا ، لأنه سيكون خطرا مستمرا على سلامة بلادنا وحرمتها ، وعلى ابنائنا ومستقبل ابنائنا " . وفي تحد واضح للمؤامرة الكبرى التي تحاك ضد الوحدة الترابية للمغرب ووحدة الشعب ، قال رحمه الله : " المغرب مستعد ليبقى واقفا وصامدا الشهور والسنين ، ولكن لن يتنازل عن مطالبه . لابد ان نبقى متحدين كرجل واحد فيما يخص مطالبنا الترابية ، لأنها هي اساس مستقبلنا ، وان احسن شيء ، وأحسن ارث سنتركه لأولادنا وأحفادنا ، هو ان نترك لهم مغربا يتوفر على متنفس ، وليس مغربا مضغوطا عليه ، وليس مغربا مخنوقا ، لا بل مغربا له متنفس ويمكن لرئتيه ان تتنفسا بكل حرية طولا وعرضا " . 3 --- في احد الاستجوابات التي اجراها الاستاذ عبدالرحيم رحمه الله مع المجلة الفرنسة ( الملاحظ الجديد ) عدد 13 شتنبر 1974 ، قال : " ... في سنة 1960 قال لي وزير الخارجية الاسباني : تنازلوا نهائيا عن مدينة سبتة ومليلية ، ولن يكون هناك مشكل حول الصحراء بيننا " . وفي هذا الصدد لا بد من التذكير ان الاستاذ عبدالرحيم بوعبيد دخل الى السجن عندما عارض اقتراح الدولة بتبني حل الاستفتاء لتقرير المصير في الصحراء في مؤتمر نيروبي الثاني سنة 1982 متمسكا بالوحدة الترابية للمغرب وقائلا قولته الشهيرة في المحكمة " ربي السجن احب اليّ مما يدعونني اليه ، من صمت على وحدة البلاد ومصيرها " . 4 --- ان مشروع الحكم الذاتي يعد ضربة قاضية للنظام السياسي المغربي الذي يرتكز على البيعة وعلى امارة امير المؤمنين ، ذلك انه حين سيحل عيد العرش من كل سنة ، والذي يترافق مع تقديم الاقاليم والعمالات البيعة للملك ، فأن شعب دولة الحكم الذاتي ، وعلى رأسهم منظمة البوليساريو والانفصاليين بالداخل ، سوف لن يقدموا الى العاصمة لتقديم او لتجديد البيعة للملك ، وربما ستتضامن معهم الجماهير المغربية الصحراوية التي تم التخلي عنها لصالح دولة الحكم الذاتي التي لن تكون غير دولة فدرالية . ان هذا الوضع المرتقب اذا حصل وسيحصل لا محالة ، سيشكل المرحلة ما قبل الاخيرة للانفصال التام ، كما سيشرع الباب على مصراعيه لتيارات الانفصال في الريف وبالجنوب المغربي ، وهو ما يعني بلغة السياسة الانتحار الحتمي للنظام بخلق البؤرة الثورية التي تم التنظير لها بالصحراء . ان هذا التحليل الذي نظرنا له في سنة 2007 مباشرة بعد الخطاب الملكي عن الحكم الذاتي ، هو ما ’يعتمل اليوم بالصحراء ، حيث توسعت قاعدة الانفصاليين المطالبين بالاستفتاء لتقرير المصير ، كما توسعت قاعدة المواطنين الذين يرفضون الجنسية المغربية ويرفعون شعار الاستقلال ، والخطورة هنا ، هي ان هؤلاء المواطنين الذين كانوا وحدويين وتحولوا الى انفصاليين ، مثلهم مثل المهندس احمد بن الصديق الذي تعرض للظلم من دون انصاف ، يكونون قد فسخوا بيعة الملك من عنقهم ، وهذا امر خطير تسببت فيه الزمرة العصبية القبلية سليلة عصابة ادريس البصري . 5 --- ان دولة الحكم الذاتي ، ومن دون الرجوع الى استفتاء الشعب المغربي في الامر ، يعد ضربة قوية لقسم المسيرة الخضراء ، وضربة لشعارات الثلاثين سنة للأقاليم الجنوبية التي ستحتفظ معها فقط بالتنبر والعلم . فهل الاحتفاظ بهذين الرمزين دليل على ممارسة المغرب للسيادة في الصحراء ؟ . ان الواقفين وراء خرجة الحكم الذاتي يجهلون التاريخ ، ويجهلون ان تلاحم ثورة احمد الهيبة ماء العينين في الصحراء ، بثورة عبدالكريم الخطابي في الريف ، وثورة موح او حمو الزياني بالأطلس المتوسط ، كان بهدف دحر العدو الاستعماري ، والعمل من اجل الوحدة الترابية للمغرب والشعب . كذلك ان تحرك جيش التحرير المغربي في خمسينات القرن الماضي ، كانت بهدف تحرير الصحراء وإعادتها الى الوحدة الترابية للوطن ، ولم يسبق لهذه الثورات في التاريخ السياسي المغربي ان رفعت شعارات تقرير المصير او الاستفتاء او الحكم الذاتي او الدولة الفدرالية . فباسم من يتصرف اليوم هؤلاء الواقفين وراء خيار الحكم الذاتي الذي مات منذ يومه الاول ؟ ومن غرّر بالملك وورّطه ، وأقنعه بقبول هذا المخطط الغريب تماما عن تطور تشكل الدولة في المغرب ؟ ان النتائج الخطيرة التي ستترتب على هذا المشروع سيتحملها هؤلاء امام الملك المغرر به ، وأمام الشعب الذي يجهلون وجوده ولا يحتاجون له فقط إلاّ عند النيابة عنهم للموت في الصحراء ، ولدخول سجون البوليساريو ، ولغرف الاموال من الضرائب المختلفة التي تثقل كاهله . فماذا بعد اعتراف الملك في خطاب البرلمان الاخير بفشل حل الحكم الذاتي وفشل جميع المقاربات التي انتهجت في الصحراء ؟ " لا ينبغي الافراط في التفاؤل " " ان الوضع صعب والأمور لم تحسم بعد " .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اين الحقيقة في تصفية عبدالرزاق لمروري وزجته ؟
-
حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب
-
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب
-
هل فهمتم شيئا ؟ خديجة الرياضي -- (الدولة مجازا ) زمرة العصبي
...
-
الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع
-
الدولة الحكومة المجتمع -- طبائع الاستبداد --
-
قوة المغرب في تنوعه الثقافي
-
اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
-
الوحدة العربية بين الحلم والغبار
-
خواطر ومستملحات انتخابية
-
ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف
...
-
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
-
الاساطير وما ادراك من الاساطير
-
المحور الثالث : حوار مع نوبير الاموي بعد احداث 14 دجنبر 1990
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور
...
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|