|
قصة رجوع الشمس لعلي علية اسلام
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4340 - 2014 / 1 / 20 - 00:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قراءة في كتاب الغلو والتطرف في الفكر الإسلامي - المثال الثاني -
هذا الخبر أعني - رجوع الشمس - خبر متناقض و متفاوت في عباراته بين الكتب ومختلف من حال إلى حال ومن راوي إلى أخر ، إذ قالوا : - ( إن النبي - ص - كان ذات يوم في منزله وعلي عليه السلام بين يديه ، إذ جاءه جبرئيل يُناجيه عن الله سبحانه ، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ علي عليه السلام ولم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس ، فأضطر أمير المؤمنين لذلك أن يُصلي صلاة العصر جالساً ، يوميء بركوعه وسجوده إيماءاً ، فلما أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين أفاتتك صلاة العصر ؟ قال له : لم أستطع أن أصليها قائماً لمانك يا رسول الله ، والحال التي كنت عليها في إستماع الوحي ، فقال له : أدع الله حتى يرد عليك الشمس لتصليها قائماً في وقتها كما فاتتك ، فإن الله تعالى يجيبك لطاعتك الله ورسوله ، فسأل أميرالمؤمنين الله في رد الشمس فردت ) . هذه القصة الغريبة وردت في كتب الشيعة على هذا النحو و نقلاً عن طريق كُتب أهل السُنة ، وهي قصة رويت في الأزمنة اللاحقة كما لا يخفى على المتتبع وهي كتبت فيما بعد ، وتحديداً في العصر العباسي الذي راجت به وأزدهرت الحكايا والقصص المتنوعة ، ولا شك إن هذه القصة بما تتضمنه من أفكار ومعاني غير منطقية وغير علمية وغير واقعية بل وتسيء إلى مفهوم العلم والإيمان ، وهي في نظرنا لا تعدو إلاّ أن تكون قصة جيء بها من أجل التشهير والإستهزاء بالإمام علي عليه السلام والحط من قدره وإيمانه ، وهدفها واضح في إلصاق التهم ، وكل ماهو غريب ومستهجن لتنفير الناس وإلهائهم عن كلماته الصحيحة وتغريبهم ذهنياً وعقلياً ، إذ إننا نعرف إن لكل موضوع غاية وهدف مقصود ، ولا يجب أن ننسب للنبي أوللإمام علي كل ما يُخالف الله وإرادته والعلم والعقل والمنطق ، إذ إننا بداهةً نقول : إن كل أمر يناقض إرادة الله أو يخل في القانون الطبيعي للكون هو ليس من النبي ولا من الإمام ، أضف إلى ذلك إن هذه القصة غير صحيحة دلالة ومعنى لإنها : 1 - تتعارض كلياً مع كتاب الله في قوله تعالى : - لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون - يسن 40 - ، فالنص هنا يتحدث عن مركزية الشمس بالنسبة لمنظومتنا الشمسية ، وإن دوران القمر يكون دائماً حول الأرض والأرض تدور حول الشمس - هذا هو القانون الطبيعي للكون من حولنا - ، وهذه الحركة هي من الدقة والإنتظام بحيث لا يجوز معها الإضطراب أو الخلل أو التجاوز ككل الأجرام السماوية في حركتها ، ونرى كذلك إن النص يقول لنا - إن الليل لا يسبق النهار مطلقاً - ، أي لا يتقدم عليه ولا يتأخر هو عن وقته ، بل هي دورة دائمة الحدوث مرتبطة بدوران الأرض حول الشمس كما هو مذهب العلم ، إذن فالليل يأتي بعد إنقضاء ساعات النهار الطبيعية فهو لاحق له لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه ، والنص يتحدث عن هذا الضبط والإنتظام في النظام الكوني ، ويقول ان أي إضطراب في هذا النظام الكوني يعني التدمير للكون وللحياة ، والكلام في لغة النص مطلقة ولا تقييد فيها ولا تخصيص . 2 - ثم إن قصة - رجوع الشمس - هذه وعلى هذا النحو تتعارض وحديث المنزله ، في قول رسول الله لعلي : - يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ إنه لا نبي بعدي - ، وحديث المنزلة يُعطي لعلي كل صفات هارون من حيث القرب والأهمية والدور كما كان بالنسبة لموسى ، والإستثناء المتصل ينفي النبوة على نحو مطلق ، إذ الأصل في النبوة هو الوحي أو سماع الوحي على أي نحو ، وهذا هو المقصود في النبوة بكتاب الله أو بمعنى الإصطفاء ، وحديث المنزلة ينفي هذه الصفة عن علي مطلقاً ، ولكن قصة رجوع الشمس تقول : إن النبي توسد فخذ علي وقت نزول الوحي ، يعني ذلك إن علياً كان يسمع الوحي أو يرى الوحي ، وهذا الوضع ممنوع موضوعاً ومحمولاً لأنه من خصوصيات النبوة . 3 - كما إن قصة - رجوع الشمس - تتحدث عن رجوعها لعلي عليه السلام خاصةً مع إن الواجب أن ترجع للنبي وعلي معاً ، كونهما لم يصليا العصر ، ولا يعقل أن يصلي النبي صلاة العصر وعلي لم يحضر لتلك الصلاة ، لأننا نعرف إن عليا كان ملازماً للنبي في كل حالاته لا يفارقه أبداً . 4 - والقصة تقول – إن عليا صلى من قعود كان يوميء إيماءا للركوع وللسجود - ، وهذا الفعل منه عليه السلام صحيح مع الضرورة ولا موجب معه لإعادة الصلاة أو قضائها وهذا معلوم لدى المبتدئين من طلبة العلوم الدينية فمابالك بالنبي وعلي - ع - ، وفي ذلك لا يشترط النبي لصحة الصلاة أن تكون من قيام مع الضرورة فهذا الشرط غير مقبول وغير مطلوب وغير واجب شرعاً ، لأن علياً كان كما تقول القصة في طاعة وهي عبادة إيضاً ، أعني نزول الوحي وهذا يستلزم إحترام النبي ، وأما ان يطلب النبي منه ان يصلي قياماً فهذه مبالغة غير محمودة ، ومن أجل ان يتم ذلك القيام فلازمه رجوع الشمس وهذا تكلف غير مطلوب بل مستهجن ، إضافة إلى كونه إخلال بالنظام الكوني والذي قلنا : أن لا موجب له فهو يقع في غير محله لكونه غير مطلوب ولا مرغوب بذاته او لغيره . 5 - ناهيك عن إن أصل هذه - القصة - ضعيفة السند ومطعون فيه ، ولم تأت إلاّ في كتاب المخالفين ، من أمثال صاحب الصواعق المحرقة ذاك الذي برأ يزيد من دم الحسين عليه السلام ، والذي قال فيه – إن الحسين قتل بسيف جده - . 6 - ثم لو كانت هذه القصة حقيقية وبهذا الحجم من الأهمية لما فات ذكرها في الكتاب المجيد ، طالما كانت على هذا النحو من الحدوث و التغير في النظام الكوني ، ويكون ذكرها فيه على هذا النحو كحدث مهم أمر واجب ، إلاّ إذا كانت الصلاة تلك الشعيرة أهم منه بكثير وهذا ما لايقبله عاقل ؟ . 7 - ونعلم ان الكتاب المجيد لم يفته ذكر بعض القصص البسيطة والساذجة ، كقضية الأفك ، وقضية المرأة التي ظاهرت زوجها ، وقضية زوجة زيد إلى أخره من القصص ، ذكرها فقط لكونها تخدم غرضاً إجتماعياً وشرعياً ، وسؤالنا : لماذا لم يذكرها الكتاب المجيد مع أهميتها وعظمتها ؟ طالما كان لها هدفاً ومُراد . 8 - وحسب فهمنا المتواضع إن قوانين الكون وموازينه لا تتغير تبعاً لحياة إنسان مهما علا هذا الإنسان ، ففي الأثر إن النبي قال : - إن رجالاً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وخسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم من مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض - إنهم قد كذبوا - ولكنها آيات من آيات الله عزوجل يعتبر بها عباده - مجمع الزوائد ج2 ص 210 - ، وهذا منه عليه السلام ردٌ على من زعم إن الشمس إنكسفت لموت ولده إبراهيم 9 - ثم إن هذه القصة الكاذبة الموضوعة ليست كرامة أو معجزة ، ذلك لأن المعجزة الحسية إنقطعت مع نزول الوحي ونبوة محمد – ص - ، فالقرآن : هو المعجزة الوحيدة والخالدة وذلك لأن طبيعتها تستمر وتلبي القضايا في المعرفة العلمية والعقلية أي إن لها قابلية ديناميكية على الإستمرار لما تمتلكه من معلومات ، ولا يجوز القول هكذا إنه قد حدث كذا وصار كذا لمجرد رغبة أو هوى أو نزوع أوحب أعمى ، إذ كل ذلك لم يثبت عند الله و لأنه مخالف لطبيعتة وطبيعة الكتاب المجيد وما فيه . 10 - نعم لقد كانت المعجزة الحسية أو التجريبية كانت قبل نزول القرآن ولكنها تكون بعد نزوله لغواً وهذيان ، بدليل إن هذه المعجزات حصلت للأنبياء قبل نزول القرآن ، لأنها كانت دليلاً على نبوتهم ، ولكن القرآن : هو الدليل على نبوة محمد – ص - ، ومع القرآن إنتفت الضرورة لأثبات نبوته من جهة أخرى ، وصار الإيمان به مرتبط بالإيمان العقلي والعلمي القائم على الحقيقة ، ولهذا نقول إن معجزته - القرآن العظيم - ، وهي معجزة ستستمر مع الإنسان طالما هو في بحث عن حقايق الكون ، وحين يكتشف الإنسان سر هذا الكون تتم الصيحة التي على أثرها يتبدل النظام الكوني ليخلق نظام جديد هو اليوم الآخر ، وعليه فكل ما يُقال عن تكلم الحجر بيده عليه السلام أو إنتقال الشجر أو الغمام للتضليل عليه فهو مجرد كلام وحكايا لا تستقيم مع مُراد الكتاب وخطابه ، ولا تكون دليلاً علمياً وعقلياً يمكننا الأستئناس به أو ترشيحة لمقام الصحة . 11 - ولم يكتف واضعي هذه القصة الكارتونية برجوع الشمس لمرة واحدة ، بل قالوا إنها رجعت مرتين ، وأختلفوا في المرة الثانية أهي في العراق أم في الحجاز ؟ . 12 - وأختلفوا في الشأنية منها معممين مقالتهم بالقول : - إن الشمس رُدت إلى نبي الله سليمان وإلى يوشع .. - وقد أولو ما ورد في قوله تعالى في قصة سليمان ليكون مرتبطاًبما هم يريدون ، ففي قوله تعالى - إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى تورات بالحجاب ، ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق - ص 32 و33 - ، مع إن الضمير في قوله - توارت بالحجاب - يعود إلى الخيل وليس إلى الشمس ، أي إن الخيول توارت وبعدت بحيث أصبحت لم ترى ، كذلك والضمير في - ردوها - يعود على الصافنات الجياد - ص 31 - ، وليس على الشمس التي غابت كما يزعمون ، وأما لسان حاله فيقول – إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي - ، والذكر هنا لا يعني صلاة العصر أو حتى الصلاة بل هو مطلق الذكر من قراءة ودعاء وتسبيح وو ألخ ، وحرف الجر - عن - ورد هنا للتعليل ، لأن لفظ طفق في النص جاء بمعنى - بدأ - أي قام بمسح أعراف الخيول وأعناقها رأفت بها وحباً لها ، ولادليل فيها على رجوع الشمس من أجل الصلاة . 13 - كما ان هذه القصة متناقضة في قضية المكان الذي كان فيه علي عليه السلام : أ - فتارة قالوا إنه كان في منزل رسول الله - ص - . ب - وأخرى قالوا كان في خيبر . ج - وثالثة قالوا كان في الصهباء . د - ورابعة الأقوال إنه كان في العراق ( على قول إنها رُدت مرتين ) . 14 - والقصة تقول إنه لم يصل العصر ، فهل كانت الصلاة تُصلى بوقتها ؟ على العكس مما نفعله نحن بالجمع في الصلاتين . وعلى أية حال فالقصة مختلقة وموضوعة ، وهي لا تخدم هدف الإمام عليه السلام بل تسيء إليه ، وهي قصة كارتونية لا يمكن ان تُحكى للأطفال قبيل النوم ، ولا يمكن التأسيس والبناء عليها في كل شيء ، قال الذهبي : - هذا الخبر الذي ذكر فيه - رد الشمس - لعلي – ع - كذب موضوع ، ولو كان لها أن تُرد لردت يوم الخندق .. والشمس إن غربت خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب ، وهنا نسأل : وهل ردت الشمس في منطقة معينة من هذه الأرض ؟ أم إنها ردت على كل الأرض ؟ ، وهل ردت في الصيف أم في الشتاء ؟ وما بال الذين كان لديهم ليل من طرف الأرض الأخرى ؟ فهل يزداد ليلهم ؟ أم يطلع عليهم النهار ؟ أم ماذا ؟ كل هذه الإحتمالات مطروحة وهي تدخل في – لزوم ما لا يلزم - ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
قراءة في كتاب ( الغلو والتطرف في الفكر الآسلامي - للشيخ آية
...
-
لماذا الضاحية الجنوبية ؟
-
أهلاً 2014
-
العراق بين إرهابين المطر والتفجير
-
قول في الشعائر الحسينية
-
جواب عن سؤال في الإنتخابات
-
لماذا يستهدف الأمن في العراق ؟
-
وهل يجوز اقتناء الكلاب في البيوت ؟
-
الرئيس الإيراني والواقعية السياسية
-
لاتضربوا سوريا
-
الإسلام السياسي وهاجس الحكم
-
تلوث العقل السياسي العربي
-
تجربة مصر تُثبت مدى الحاجة لليبرالية الديمقراطية
-
تهنئة
-
القرضاوي وكذبة رجل الدين
-
ماذا تعني السيادة الوطنية ؟
-
موقفنا مما يجري في المناطق الغربية
-
بمناسبة الإنتخابات البلدية في العراق
-
عقلية الطوائف
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|