منتظر ألبغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 4339 - 2014 / 1 / 19 - 15:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حين فكرت ان ابدأ بالكتابه بالحوار المتمدن
كانت تنتابني مخاوف كثيرة وتردد حتى لا اصنف ضمن الكتاب الذين يملأون مقالاتهم بالمواعظ
والارشادات وبعدها يعود ذلك الكاتب او الكاتبه لممارسة حياتهم الاعتياديه بما جبلو عليه من تقاليد
وممارسات يحاربها بقلمه ولايحاربها بسلوكياته
انا لا ادعي انني لست من هؤلاء احيانا فكلنا احيانا نكون مستعبدين تحت
وطأة الظروف الاجتماعيه التي تجعلنا احيان كثيره ننحدر الى مستويات نمقتها
ونمقت انفسنا حين نمارسها
نحن شعوب تكتب كثيرا وتتحدث من فوق المنابر اكثر
نحن شعوب تحترف المواعظ والارشادات واكثر الشعوب التي تتجمل بكلماتها ولا تتجمل بسلوكياتها
نحن نعيش ازمة مثقفين حقيقين وازمة قراء
قبل مدة دخلت بحوار مع احد الاصدقاء كان يحدثني ويؤكد ان ليس هناك من امكانية لولادة او ظهور كاتب ... أو
روائي كعبد الرحمن منيف " كمثال " لان ليس هناك من يمكن ان يمتلك احساس
المنيف بكتاباته الرائعه وفي محاولاته للدخول في متاهات النفس الانسانية على خلاف توجهاتها من شخصيات تحمل صبغة المبدأ وتحارب لاجله وتقضي حياتها لاجله ...
او ضمن شخصيات بسيطة وساذجه لكنها تحمل قيما رائعه بصدقها واحترامها لما حولها من طبيعه .... و "مدن الملح" او "الاشجار واغتيال مرزوق" حافله بهذه المشاهد الرائعه والساحرة التي حاول فيها المنيف ان يضع امام القارئ-ه فضائح المحيط الاجتماعي العربي بشكل رائع .
كان ردي على هذا الصديق اننا نعيش ازمة قراء وليس ازمة قابليات او كُتًاب ...
بالعكس ,, لدينا امكانيات لكتاب رائعين لكننا نعاني من ازمة القارئ الغير تقليدي!!
نحن شعوب تعيش ضمن نمطية معينة تعودتها وكل من يخرج عن هذه النمطية
لايجد له من متابع بل قد يجد فتاوي التكفير تلاحقه عبر خطب الجمعه
كما حدث لعلي الوردي اثر اصداره لكتاب "وعاظ السلاطين" !!
بل اننا نعاني ايضا من ازمة اخرى وهي تأليه اسماء وشخصيات معينة من ضمن النخبه
الغير تقليدية وهذا ايضا يضع حجرا امام الكتاب الجدد !!
الذين لا نتيح لهم المجال لاننا لا نستطيع ان نسمح لانفسنا بمطالعة كتاب او مقال
لاسم غير معروف خصوصا كاتب لازال حياً !!!
لاننا نعشق الاموات ونطالع لهم اكثر من الاحياء الذين ان اصابتهم مصيبة الموت
نجد حالنا ننجذب بشكل فجائي لما تركوه من ارث كتابي وهذه احدى كوارثنا !!!
الجميع يشهد لام كلثوم بأنها نسخه لاتتكرر وبانها امكانيه حدثت ولايمكن لها ان تحدث بعد اليوم ابدا!!!!
ونجد اكثر من يكرر هذا الكلام هم اولئك المتذوقين النخبه الحريصين على سماع اغانيها الجميلة المرة تلو المرة دون ملل !!!
ان احد اسباب عدم الظهور هذا يعود الى تأليه ام كلثوم اولا من قبل النخبه المميزة ....
وثانيا حتى وان حاول صوت ما ان يكون ام كلثوم اليوم وام كلثوم العصر
فانه يُدعس بمؤخرة هيفاء وهبي على سبيل المثال !!!
لاعود واكرر اننا نعيش ازمة مستمعين كما هو الحال مع القراء .
التعود والتشرب من نعومة اظفارنا على سماع او قراءة ومطالعة كتب لها قيمتها العالية شئ جميل وهذا مؤكد ولا احاول من خلال هذا المقال ان ابخسها او انال من حق كُتَاب ومؤلفين كبار ( ولكن بالتأكيد ليسوا الهة ومقدسين ) لكن أن نعيد قراءتها ونجترها اجترار دون كلل او ملل هو احد اسباب تأخرنا المجيده .
وهذا هو الحال مع ما ورثناه من موروث اجتماعي وثقافي مازال يتقيأ به الاجداد
على الاحفاد الذين سيكونون اجدادا ليتقيأوا به على احفادهم وهكذا دواليك!!
علينا ان نشجع الاقلام الجديده وان نطالع لكتاب جدد ونتحمس لهم بالتأكيد ليس على حساب قواعد مغلوطة او مثل ما يحدث لآلاف الاوراق من اغتصاب ومن رخص لان احد الاقلام الغبية يحاول شرح قصة يونس واعجازها العلمي او البلاغي او اخر يحاول التوضيح لم تم تشريع الزواج من اربعة !!
او اولئك الذين ما زالوا يدورون بحلقة القومية العربية واسباب تأخر (!) المجتمع الاوروبي الغير اخلاقي !!! (!)
اننا نعيش في زمن انحطاط بكل ما في الكلمة من معنى وبكل ما يمكن ان يفعله المنحطون بزمن الفشل الانساني ....
نحن نعيش زمن ما زالت تظهر وتستفحل الخرافات والاساطير التي تنبع من اساطير سبقتها ..
ونجد الملايين من حولنا يتبعون عمر او زيد لانه الرجل العارف ببواطن ما يعتنقه هؤلاء دونا منهم ...
ونراه يجلس مستندا على احدى ذراعيه ليبشرنا بقرب صدور كتابه الخطير الذي يحوي كل اسرار المعرفة الربانيه...
وهكذا يتم بيع كتابه بمبالغ طائلة لما يحمله من عنوان " السر المظروف بعلم الحروف " كمثال " !!!
اصبحت كلمات اولئك المحاولين جذب المجتمع الى حافات التشرد والى هاويات مخيفة هي الغالبة لانها تكتب بما يناسب وتطلعات مجتمعنا المنحط !!!
وهذا هو الحال مع الاعلام ومع الصحف والاخبار كل يغني على ليلاه !!
وكثيرة هي ليلى وقليل ما يراه محبي ليلى مهما علت اصوات الاغنيات !!
حتى دساتيرنا وقوانينا تكتبها اياد قد لاتؤمن كثيرا بما تكتبه بل انها تحشوه حشوا لان ذلك ما يرغبه اولئك المشردون خارجاً!!!
او لانهم يخشون سطوة المتسلطين ممن يعطونهم حق الحياة او الموت !!
ولذلك كانت الحقيقة هي الشئ الوحيد المستبعد من اطروحاتهم !!
نعم انا اتفق ان الكثير من اطروحات طلبة الشهادات العلمية تعتمد على مصادر ومراجع علميه رصينه لاتؤمن بخزعبلات ما يؤمن به صاحب تلك الشهاده ...
ولكن انا هنا اتحدث عن سلوكيات طالب الدراسات اليوميه المعتاده او لو سنحت له الفرصه بكتابه مؤلف ما .. هل سيكون جادا فعلا بطرح افكار علميه رصينه لايحشوها بكلمة سبحان الله !!!؟
نحن نحاول ان نؤسس لمجتمع متطور يخرج عن نمطيته الفاشله والتي لم تؤت له بخير ابداً ...
لانريد مزيدا من الحشو الفارغ وان نستمر بترتيل الآيات التي جعلتنا ننزو عن العالم الخارجي وفي محاولات فاشلة مستمرة لتفسيرها وبالتالي لا تُفسر !!
لجأنا الى تأويلها وبالتالي الى تصديق خرافات نبعت من اصل كلمات لم يُثبت للكثيرين بأنها من صلب لغتنا العربية التي تعاني هي الاخرى من جمود وعدم فاعلية ...
لانها ببساطة لغة قوم لايستطيعون مواكبة لغة العصر الحديث .
فما زالوا يتخبطون بحكايات الف ليلة وليلة او بقرآن لم يفقهوه ولن يفقهوه يوماً مع انهم يُصرون انه مكتوب بلغتهم الام !!!
العرب مغرورين جداً خصوصا في مايتعلق بتاريخ ليس لهم من شان به سوى انهم شاركوه ارضاً ولم يشاركوه ثقافه ووعياً !!
يعرفون اسماء ويمرون على آثار يعرفونها او قد يمجدونها لكنهم لايفقهون شئ منها او ما الذي تضمنته تلك الحضارات ...
وما يعنيه وجود آثار لامم كانت متطورة واعطت الدنيا مفاتيح التطور العمراني والعلمي الاولى ...
فالشواهد الفرعونية والبابلية واكد وبلاد سومر وغيرها تمت سرقتها ودست دساً بتعاليم رجال الصحراء ...
وبطبيعة الامر بما يتناسب وثقافة سكنة الصحراء من ناحية كونها قوانين ..
ودست أدبيات وخرافات تلك الامم على انها احداث واقعية كطوفان نوح " كمثال "
هنا تتجلى معاني القتل ووأد الكلمات وبالتالي وأد الانسان من خلالها ومن خلال كونها تصدر من ذات مقدسة !!
متعالية باخلاقها وشرفها تؤمر الناس بفعل الحسن والقبيح على انه شئ نابع
من تلك الذات الاخلاقية التي لا يمكن ابدا ان يصدر عنها الا كل خير للبشرية جمعاء
بل انهم يؤمنون لو امرهم بقطع الاشجار وتنشيف البحار وحرق الطبيعة فمن المؤكد انه اراد الخير لكل الكائنات برها وفاجرها .
وهنا يحضر الخيال بعصاه السحرية وبنصوصه المهلهلة والتي تترنح بين اقبال وادبار
لتماشي امزجة الكثيرين ولكن بخيال منمق ومقاصد واضحة .
وتلبي طموحات عطاشى الصحراء والبادية ولذلك وجب التصدي من خلال الكتابة الواقعيه للاطاحة بتلك الصروح الخيالية من خلال تفعيل النقد الخلاق والعقلاني لهدمها والنيل منها بشكل قاطع .
الكاتب عليه ان يسحرنا بواقعيته لابخطب كتلك الخُطب الرنانة التي تشابه في بيانها خطباء المنابر الذين يزوقون كلماتهم بغية نيل الاعجاب والمديح .
نكتب لنحاول البناء بمعاولنا التي نهدم بها صروح شيخوخة خيالات طال امد بقائها
من خلال وضع بصماتنا على ما تعانيه مجتمعاتنا من ويلات وكوارث بسبب الفلسفات الفارغه والكتابات التي ترسخت بعقليتها العامة واصبحت هي مثال الذوق العام او الضمير الاعلى .
بل انها اصبحت العلامات الفارقة لعالمنا اليوم من خلال مشاهد معروفة "المآذن والمنابر والصلاة الجماعية " " مثال "
العالم العربي مقترن بهذه الصور والجميع يعرف السبب الكتابة هي التي هبطت بنا الى اسفل نقطة بهذا العصر ... القرآن " مثال ""
وتعاليم شيوخنا ورؤساء القبائل وتقاليدهم او حُكام اليوم ووعاظهم هي السبب في بقائها وحيويتها .
فكثير من التقاليد القبلية والعشائرية تحولت الى شريعه والكل يعرف ان الشريعه جامده لاتقبل التطور ( الا في حال كونها فيروساً او طفيلياً يصارع لاجل بقائه ويعتاش من خلال امتصاصه لدماء حياتنا) ولا تقبل النقاش الجاد والموضوعي .
وهذا ما جعل كثير من اخلاقياتنا جامده بلا حراك ...
بل وتدعوا الى الخجل ..
كل هذا هو من آثار قرآن وسيف (!) حتى تحولت بفعل السيف والتشريد
والتنكيل والقتل او اقتناع قسري لغباء وجهل مستحكم ...
او نفاق يستأمن من خلاله ماله وعرضه.. الى حقائق وبديهيات !!
وقد ادى ذوو الاقلام قديما دورهم الكبير بتأويل وتفسير ضرورة الدين
والتقاليد وبدأو بالسرد مرة والاختراع اخرى حتى بات دينا يتطور ويكبر
عبر مؤلفات تكبر وتكبر ونحن ومجتمعاتنا نهوى ونصغر !!!
وهذا هو الحال مع كتاب اليوم الذين يداهنون ويواكبون
امزجة مجتمع اليوم لترضيته والتماشي مع ما ندعوه بالذوق العام
الكاتب الذي يكتب ما يلائم امزجة الناس هو الكاتب المثابر الذي بنهاية الامر سيكون اديب عصره ....
وما اتفهه من عصر !!!
******************************************************************************************
#منتظر_ألبغدادي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟