|
الله ومعركة العقل
صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 4339 - 2014 / 1 / 19 - 15:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في هذه اللحظة، حول العالم، ملايين البشر على اختلاف مذاهبهم، وأديانهم، وطوائفهم، يصومون، يحرقون بخورا في مجمراتهم، يضيئون شموعا في معابدهم وبيوتهم، يركعون بخشوع، بعيون حزينة، دامعة شاخصة تخترق السماء بحثا عن حل، يرفعون أيديهم نحو الفضاء الفسيح بحرارة، وبصوت ممزوج بالألم، والحسرة، والمرارة يوجهون تضرعاتهم وطلباتهم، وصلواتهم، لله تعالى، العلي، القدير، المنتقم، القدوس... للاستجابة لهم...
تأكدي، تأكد...أنك...واحدة، واحد من ملايين. ..
المرضى الذين يطلبون الشفاء، والصحة، والعافية. الجياع، والعطشى، الذين يطلبون الغذاء، والماء. الفقراء، الذين يطلبون الغنى. العزّاب، الذين يطلبون الزواج. التلاميذ الكسالى، الذين يطلبون النجاح. السجناء المظلومين، الذين يطلبون الرحمة. لاعبي اليانصيب والقمار، الذين يطلبون الربح. العاقرات، اللواتي يطلبن حملا بطفل. المزارعين الذين يطلبون هطول الأمطار، وحصاد وفير.. المضطهدين، الذين يطلبون الحرية. النساء، والرجال، الذين يطلبون زيادة مراتبهم. البشر، الذين يطالبون بالكرامة. المهجرين عنوة من منازلهم ودولهم، الذين يطالبون بالعودة. ممن يساقون للذبح، الذين يطلبون الرأفة. الذين يطالبون بمعاقبة السارقين، والمفسدين. المواطنين، الذين يطالبون موت زعمائهم،وأعدائهم. البشر، الذين يطالبون بوقف الحروب ومنع ويلاتها . المحاربون الذين يطلبون النصر على أعدائهم. المسحوقون الذين يطالبون برفع المظالم عنهم. الأطفال، الذين يبكون، يئنون، يتحسرون على موت أمهاتهم، وأبوتهم، يطالبون عودتهن، وعودتهم. النساء اللواتي يطلبن الطلاق، ليتحررن من عبودية الرجل.
مع استمرار انهزام نفسية البعض، ومحدودية ثقافتهم، وانحطاط فكرهم، وضعف إيمانهم، وعدم معرفتهم للطبيعة، وعجزهم عن أحداث تغير لوضعهم المأساوي بكل الوسائل الممكنة، المتاحة. يدفعهم هوسهم العقلي إلى التوجه للسحر، والشعوذة، والشيطان، وكل غيبية تافهة لينولوا مقاصدهم، ومطالبهم، وأمنياتهم. بالرغم من كل توسلاتهم، ونذورهم، وصيامهم، وصلواتهم. معظمهم، لا تستجب طلباتهم، قلة منهم ينال مطلبه. المؤمنون ربطوا التغير الحاصل "بالمعجزات"، بينما أهل العلم قالوا:"حدث يصعب تفسيره على ضوء العلم في وقتنا الحاضر".
من كثرة الهموم الثقيلة والغير معالجة، يتساءل، ويصاب الإنسان، بانقلاب فكري يصل في بعض الأحيان إلى مستوى الكفر، وعدم الإيمان ويطرح أسئلة عدة تظهر شكوكه بوجود الله... أين أنت يا الله؟ هل الله في إجازة؟ أهو موجود حقا؟ إن كان موجودا فلماذا يقسوا علينا ولا يستجيب لنا؟ لماذا يسمح لكل هذه الشرور، من قتل، وسرقة... أن تحدث ؟ لماذا لا يقف في صفنا لمحاربة أعدائنا؟
الله - الذي ادعوه، واعرفه: ب" العقل الكوني" – ليس حكرا على امة واحدة دون غيرها، بل موجود في كل ثقافات الشعوب والأمم على الأرض وان اختلفت تسميته فلا تختلف حكمته. أستنتج عقليا، بأن الله لا يعمل بأسلوب السائل والمجيب، المستقبل والمرسل، المزاجية، أو المحاباة. لسبب بسيط، خلقه للبشر، كان على أفضل وأكمل وأعظم صورة، دون التمييز بالعرق، واللون، والقومية، والجنس، والمعتقد. الكتب المقدسة تقول:" خلقنا الإنسان على صورتنا ومثالنا". فضّل الله الإنسان على باقي المخلوقات، زرع فيه العقل ليدير العالم بحكمة ودراية، واستقلال. لو أراد الله التدخل في تصرفاتنا، وشؤوننا اليومية لأبقي طريقا مفتوح للتواصل معنا بشكل يومي، لا يتوقف عند زمن محدد، فلو حصل ذلك، لا يكون معنى للعقل ألذي وهبنا إياه، ويلغي قيمته أليا.
عالمية الله، تريدنا أن ندخل في ثورة فكرية دائمة مستمرة، يريدها معركة عقلية مع كل الظواهر الطبيعية، والكونية لتطويعها لخدمة، ومصلحة، ومنفعة الجنس البشري. لتعالج مشاكله الصحية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والعقائدية الفلسفية... بأسلوب" التوكل وليس الاتكال". المعركة التي يريدنا أن نخوضها هي معركة "العقل ضد الجهل"، لتكون الغلبة فيها للعقل.
من أجل انسجام الإنسان مع ذاته، وتكامله مع محيطه الإنساني، اوجد الصيام من اجل تهذيب الجسد، والصلاة من اجل تهذيب الروح. والتأمل الفكري بالخليقة، والكون، وطبيعة،... من أجل تهذيب العقل. والعطاء، ومساعدة الآخرين، من أجل تهذيب الشعور بالانتماء للأسرة البشرية... كلها بمجملها كونت صلبا العقيدة الدينية، والإيمان. وهي غير مقتصرة على دين دون أخر. فما عداه يعد خروج على طاعة الله، وخروج على وحدة الأسرة البشرية، ودليل لا يخلو من شك على عنصرية دينية. حاملها لا يعطي وزنا لقيمة العقل، مما يسهل عليه أن يبيح لنفسه طرق كل السبل، والمحظورات من اجل فرض آراءه، وفكره، ودينه، ومعتقده.
من يستحوذ على عقول الناس وعاطفتها في اي بقعة على هذا الكوكب. يوهمها أن كل ما يحدث لها هو تجربة اللاهية، يجرب فيها الله خائفيه، يمتحن الله فيها صلابة، وقوة إيمانهم، وتحملهم للشدائد، والشرور التي تحيط بهم، يطمئنهم بالنصر، والنعيم الذي سينالونه في نهاية المطاف، حيث يتمتعون بثواب السماء، فليس لهم على الأرض سوى الصبر والسلوان، على كل بلاء يقع عليهم... بذلك يستخفون بالعقل البشري الذي زرعه الله في الإنسان، ووهبه حرية مطلقة ليفكر، ويحلل، ويكتشف ويجوب الكون، ويخترع سفن تجوب عباب البحار، وغمار الفضاء. من واجب الإنسان المؤمن أن يبحث عن المسببات لكل الظواهر الطبيعية، والغير طبيعية التي تدهشنا، والأمراض التي تصيبنا، والكون الفسيح الذي نسعى لدخوله، كي نتوصل ونجد حلول علمية منطقية لها. فمن لا قدرة له، ولا طاقة على الارتقاء العقلي، والعلمي في هذا الزمان فلا مكان له بين الأمم، وعالم المستقبل. فهو كمن يحكم على نفسه بمواصلة، منازعة الموت، ومن ثم الزوال، لأن الطبيعة لا تحتمل الثبات كونها دائمة التغير.
الله، وكل الحضارات العالمية التي طمست، والتي ظهرت وحلت مكانها حضارات جديدة، مرورا بتطورها الفكري الذي بدء منذ تكوين الكون، أعطانا، وأعطتنا دليل مختصر بسيط، شكّل المكون الرئيس للمعركة العقلية، والمعرفية لمعالجة قضايانا الاجتماعية. ظهر متجليا في وصايا محددة سارت عليها البشرية بشكل تطوري. بدأ، بدائيا واتّسع في التطور مع مرور الزمن معتمدا على تسلسل الحقب الزراعية، والمجتمعية، والصناعية، وما واكبها من تطور فكري عقلي فلسفي، رسخت أسس الشرائع، والأنظمة والقوانين، قديما وحديثا، وضعت لخدمة الإنسان، للمحافظة على مصالحه، وحقوقه، وأمنه خلال انتقاله من زمن، إلى زمن أخر عبر الحقب التاريخية. هذا الدليل من صفاته عدم الجمود، والانغلاق العقلي، وحشره، وإبقاءه معلقا في زمن ومكان معينين، مع العلم أن ما فيه من البساطة والقوة تمكن أي مجتمع من تطبيقه في كافة مجالات الحياة بسهولة، ويسر، إنها الوصايا العشر، مضافا إليها السلام والمحبة وضعت لتشكل العمود الفقري للإنسانية جمعاء لترسخ مبدءا إنسانية الإنسان.
هذا الدليل الذي سارت عليه البشرية ظهر أيضا قبل بدء الكتابة، في أحكام وقوانين وضعها البشر. ثم تطورت، وأوضحت، وبينت، أن مشاكل، وشرور البشرية تقوم بالأساس على عوامل نفسية، واجتماعية، وفلسفية غير معالجة تتسبب في القتل، والعنصرية، والسرقة، والزنا، والرق، والاعتداء على ممتلكات الشعوب والأمم، والسلطة، والأفراد، والأقارب ضمن العائلة الواحدة، والعبودية في استغلال الناس لساعات طويلة في العمل، طوال أيام الأسبوع السبع دون إعطائهم الراحة، أو الوفاء بالتزاماتهم.
الأسباب الرئيسة للأزمة البشرية الإنسانية، تنبع، تصدر من المؤمنين وغير المؤمنين تكمن...
أولا: في الكذب - أب الشرور والقاتل الصامت- الممارس، عمدا، وبقصد، لتبرير أعمالنا الوقحة، المخزية، في معظم المؤسسات، من اجل تمرير مصالحنا، وتبريرها، دون رحمة أو رأفة، لتساهم في فرض سلطتنا، وسطوتنا، ومنفعتنا. مما يؤدي للمس في كل جوانب الحياة الاقتصادية، والسياسية ، والاجتماعية ، والدينية ، متسببا في انتشار الفساد، والظلم، والتوزيع الغير عادل للثروة، والسلطة، والتمييز، وزرع الفتن... النتيجة خلل اجتماعي ضمن المجتمع، والوطن الواحد فلا مساواة، ولا أمن، ولا حرية، ولا عدالة...
ثانيا: دعم الأشرار المفسدين، والفاسدين، ومبادئهم، وممارساتهم، والسكوت عنهم، والتغاضي عن تصرفاتهم التي لا ترتقي لسلم الكرامة الإنسانية، من خلال شهادتنا زورا وبهتانا على صحة، ونقاوة أعمالهم، وقدرتهم على الإدارة. للتغطية على أفعالهم وممارساتهم الخاطئة، مما يؤدي إلى رد الفعل، والتحريض على ارتكاب الجريمة، والانتقام، والثورات... ثالثا: حسد انجازات الآخرين وتقدمهم، كمقدمة للاستيلاء على نجاحاتهم التي تثيرها شهواتنا الباطلة الناتجة من عدم قدرتنا، وفشلنا على الإبداع، والوصول إلى المستوى المحلي، والعالمي، والمساهمة في بناء وتشكيل المعرفة من خلال التخطيط السليم في عالم اليوم...
هذه كلها مجتمعا تحتاج إلى "معركة عقلية ثورية" لمكافحتها، وصدّها، ووضعها في المسار الصحيح. تحتاج إلى تغير وليس إلى تفسير، وتعقيد وإبهام في الكلام.
من لا يواجه واقع الحياة المرّ، حتما سيواجه مرارة الحياة. الشدائد لا تدوم، والأقوياء يصمدون. معركتنا - معركة عقلية- تكمن في تغير أسلوب تفكيرنا، بالتالي تغير نمط حياتنا، وتغليب العقل على العواطف المهزوزة الغير مبررة، التي تقبع في عالم خيالي صرف، ما زلنا نسبح فيه، لا وجود له في عالم الواقع إطلاقا.
إنسان اليوم، يحتاج إلى تجديد فكري، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى إعادة تقييم، والبحث عن الذات، من خلال وجود الله، في عالم الحقيقة والواقع العالميين. فمن لا يستطيع المشاركة، والمساهمة في تشكيل، وصنع المستقبل العالمي المتسارع النمو، سيبقى سجينا، مخلدا، منسيا في الماضي.
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوطان هشة من ورق
-
اضطهاد المرأة
-
لاهوت في زمن الربيع العربي
-
بين العلم والدين
-
تقتل غسلا للعار
-
عاصفة مبعثرة من الأفكار
-
تضخم الأنا الديني
-
العرب وشعوب العالم
-
من حقنا معرفة تاريخنا
-
ألحرية ألفكرية -أم الحريات-
-
الرجال الحقيقيون
-
تعددت آلهة الربيع العربي
-
العرب في ربيع
-
حسناوات في الربيع العربي
-
أديان اليوم مع ماركس ونتشه
-
ربيع الثورة عورة
-
القيامة مع الربيع العربي
-
مسيحيون على صليب الثورات العربية
-
الانسانية منطق وعقل
-
المرأة وكيف نريدها؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|