|
مهمات اليسار في العراق شاقّة لكنها ليست مستحيلة
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 10:39
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تلبية لدعوة "الحوار المتمدن" للمشاركة في الحوار حول العمل المشترك بين القوى اليسارية والديمقراطية واللبرالية والعلمانية في العراق ، قمت بالادلاء بدلوي في هذا الموضوع الشائك والخطير. وإن كان تعريف القوى اللبرالية والعلمانية ممكنا وسهلا إلى حد كبير ، فأن فرز اليسار عن اليمين لمسألة غاية في التعقيد وقد يتذكر الكثيرون إبان انهيار الاتحاد السوفيتي كيف أطلق الإعلام البرجوازي العالمي باليسار على يلتسين و الجماعة الذين كانوا يهدفون إلى الاسراع بتفكيك وقتل الدولة السوفيتية ، و اليمين و المحافظ على الذين وقفوا بوجوههم أو لم يقفوا معهم في مسعى اسقاط الاتحاد السوفيتي. واليسار مسالة نسبية ، فنرى اليسار الاصلاحي و اليسار القومي أي يسار البعث و صدام و علي الكيمياوي ، وثمة كذلك اليسار الاسلامي .. والخ و الذي أعنيه هنا وحدة وتعاضد اليسار الشيوعي والاشتراكي والعلماني. فثمة كثيرون يعتبرون أنفسهم يسارا وهم يرفعون شعارات يمينية وقومية وطائفية وبها فرحون. وجاء في دعوة الحوار المتمدن " ولأهمية العمل من أجل تحقيق تحالف تلك القوى في العراق وكافة بلدان العالم العربي" ، وأنا أتساءل لماذا كافة بلدان العالم العربي ، و بدون بلدان الجوار ، مثل إيران وتركيا؟ و أفغانستان؟ و الذي أعرفه مثلا أن اليسار الإيراني كان يولي ولا يزال أهمية كبرى لأوضاع العراق لأسباب ليست الجيرة فحسب ، بل للتأثير المتبادل لظروف البلدين ، وتأثير اليسار الإيراني الواضح على اليسار العراقي.. ويمكن استذكار تأثير كومه له ، و قبلها حزب تودة ، وبعدها الحزب الشيوعي العمالي الإيراني على اليسار والحركة الشيوعية في العراق.. و في هذا العصر الذي أصبح الكون قرية ألكترونية أصبح الاتصال والتنسيق بين القوى التقدمية في بلداننا ممكنا و أسرع مايمكن للاستفادة في تطوير القوى و التنسيق والتعاون و تبادل الخبرات. إنّ اليسار العراقي يعيش في هذه الفترة أصعب مراحله أمام التحديات اليمينية و الرجعية المتصاعدة في المجتمع العراقي الذي تشوه الاصطفاف الطبقي فيه إلى أبعد الحدود. فمن جهة عليه مواجهة الإحتلال الأمركي ، و من جهة أخرى عليه مواجهة الإرهاب الدموي الرجعي الذي يسمى بالمقاومة الوطنية. إن ماكنةالدعاية البرجوازية واعلامها دفعت باليسار إلى الانزواء و السلبية ، ولكن الظروف القاسية التي تعيشها الجماهير في ظل انعدام الأمن ، و عدم وضوح الأفق والقلق مما يحمله المستقبل ، وأجواء عدم الثقة المخيمة على الحياة السياسية ، كلها تضطر اليسار إلى التفكير جديا لأخراج الجماهير الكادحة من هذا المأزق ، و ابطال السيناريو الأسود المعد لمستقبلها. وفيما يتعلق بالسؤال الأول للحوار المتمدن عن الدروس التي يمكن لقوى التيار اليساري والديمقراطي العراقي استخلاصها من المرحلة المنصرمة ، ومنها الانتخابات الإنتقالية للاستفادة منها في نشاطها الراهن وفي المشاركة الفعالة في صياغة دستور ديمقراطي علماني مدني للعراق؟ وأجاوب بأن تلك الإنتخابات لم تكن بإنتخابات مدنية حضارية ، لا بسبب أنها قامت في ظل الإحتلال مثلما يقول البعثيون و القوميون و الرجعيون ، بل بسبب أنها كانت محاصصة عشائرية وتوزيع حصص وأدوار من وراء ظهر الشعب العراقي. ولا يمكن لليسار التقدمي أن ينزل إلى هذا الحضيض بمشاركته قوات بدر أو شيوخ عشائر شمر وجبور وغيرها في فرض نظام حكم عشائري متخلف على شعب متحضر . و لامكن لليسار الشيوعي أن يسعى إلى التطبيع مع حكومة المحاصصة الطائفية و قوات الاحتلال و القوى الظلامية والبعثية المنافسة لها بهدف الهيمنة على مقدرات الشعب العراقي و فرض سلطتها الرجعية السوداء عليه. إن على اليسار العراقي فرز نفسه من ترسبات القومية و الوطنية الشوفينية و العشائرية و الأفكار الرجعية . اليسار العراقي يتقوى و يكون قوة مؤثرة في المجتمع حين يحدد الجروح و لا يقوم بمجاملة أية قوة.. وإنه لمهمة ملحة أن يوضح اليسار مواقفه من الدين والثقافات القومية بأنها مسائل خاصة بالفرد لايمكن فرضها على الآخرين ، وأنه حين ينتقد لا يعني أنه لا يحترم مشاعر الناس ومعتقداتهم. و أن اليسار عليه أن يقنع الجميع بأن اعترافه بحرية المعتقدات الدينية وممارسة كل الطقوس الروحية إن لم تكن تسئ للآخرين ليس مجاملة ، بل قناعة وهدف يناضل من أجل تحقيقه. لقد شارك كتاب كثيرون في المشاركة في هذا الحوار وأرى عدداً من هؤلاء ، لم يكونوا واضحين في الرؤية والتوجه ، ليتمكنوا من تشخيص الداء الحقيقي ووصولاً إلى لم الشمل وتوحيد قوى اليسار . إن عليهم توضيح موقفهم من الاحتلال و ما يسمى بالمقاومة و الحكومة القائمة على التوزيع الطائفي التحصصي. ومثلما أشرتُ ، أن اليساري التقدمي الشيوعي ، في ظروفه القاسية اليوم يناضل على عدة جبهات . يناضل ضد الاحتلال بأسليب انسانية تقدمية شريفة غير عنفية . كما يواجه خطر القوى القومية الاسلامية الظلامية التي تقود المقاومة ضد الأمريكان. إن اليساري الشيوعي يمكنه التنسيق مع القوى التقدمية واليسارية في العالم ضد الاحتلال ، وفي نفس الوقت عليه أن يخاطب الأمريكي بروح الخوة والانسانية ، ويمد له يد الصداقة والمحبة ، وأن يفهمه أنه أيضا يستغل من قبل ادارة بلاده ، ان العراقي والأمريكي في مركب واحد و يشتركون في مصير واحد. وعلى اليساري التقدمي أن يكافح في سبيل أن يدرك شعب العراق و العالم أجمعين أن القوى البعثية والقومية والإسلامية هي أبعد الناس عن مفاهيم التحرر والإستقلال ، وأنها لأخطر من قوات الإحتلال و مستعدة للعمالة والتعاون مع أية قوة في سبيل بسط نفوذها وهيمنتها على الشعب العراقي ، واقامة سلطة استبدادية سوداء في لبلاد. إن عدم امكانية دخول اليسار التقدمي في ما يسنى بالعملية السياسية الجارية في العراق لا يعني أن يقف مكتوف الأيدي أمام التحديات المصيرية التي تواجه البلاد. أخيراً نتوجه بنداء صادق : إلى جميع الشيوعيين والتحررين والعلمانيين والديمقراطيين أن يكثفوا جهودهم وطاقاتهم ، من أجل الوصول إلى وحدة اليسار التقدمي ، وزجه في معركة تحرير العراق من جبهتي كارثتنا، الاحتلال و القوى الظلامية التي أخرجتها القوى الإمبريالية من جحورها .. ومن أجل الوصول إلى إقامة دولة القانون بدستور مدني متحضر يضمن التعددية السياسية و يحقق الحريات المدنية و الشخصية و الديمقراطية الحقيقية والاعتراف بالآخر. و اليسار يناضل في سبيل إزالة حكم الطائفة و الفرد والاستبداد نهائيا ، ويكافح من أجل دولة تقر للجميع الحقوق المتساوية .. دولة المواطنة الحقة .. دولة يكون لكل العراقيين على حد سواء ، والكل مواطنون من الدرجة الأولى .. دولة تلغي وإلى الأبد القوانين العنصرية ، وفي مقدمتها قانون شهادة الجنسية العنصري ، دولة بعيدة عن المحاصصة والطائفية والعرقية والمذهبية، دولة لا تكون جزء لا يتجزأ من أية أمة ، ولا أي جماعة فيها جزء من أمة أخرى ، بل العراق جزء لا يتجزأ من العراق و من الإنسانية . لذا فليجتمع كل اليسار التقدمي العلماني على أساس مهمات بناء دولة دستورية علمانية ، يفصل فيها الدين عن الدولة و الحكم ، و حق المواطنة هو الأساس ، لا القومية ولا الدين ولا الطائفة .
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من غزليات جلال الدين الرومي
-
لماذا لندن وواشنطن تدعمان نظام كريموف الدموي؟
-
تأمّلات في العولمة و الفدرالية
-
ارتعاشة الجنيّات
-
في ذكرى محاكمة جزّار ليون
-
النازية وتأميم الجماهير
-
مطر الألم والحنين
-
الأول من آيار_ اليوم الأول للدنيا
-
بقرتان و اختلاف نظريات الاحتلاب
-
السبب الحقيقي لامتناع الطالباني عن المصادقة على قرار اعدام ص
...
-
إلى أين ؟ إلى أين ؟
-
البابا الراحل كان حليف ريغان في قتل المستضعفين
-
لي وطن من آلامي
-
مات ابن باز الغرب الإمبريالي
-
تثاؤب الخواطر
-
العشائرية و المجتمع المدني نقيضان
-
خيرالله طلفاح في الجمعية الوطنية مشرِّعا
-
حلبجة بحاجة لمداواة جراحها العميقة
-
e pur si mouvولكنّها تدور
-
نار بروميثيوس لن تنطفئ أبدا
المزيد.....
-
اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا
...
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|