|
حوار بين الضمير الديني و .. الضمير الاجتماعي!
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 4337 - 2014 / 1 / 17 - 21:24
المحور:
حقوق الانسان
وقف الضمير الديني على ناصية أحد الشوارع الخالية تقريبا من المارة والسيارات. أخرج بوستر عليه علامة الهلال، ثم أعاده وأخرج واحداً جديداً منقوشا عليه صليب، ثم أزاحه جانبا ورفع واحداً جديداً تزينة نجمة داود، وهكذا ظل يرفع شعارات كل أديان وعقائد الدنيا، والضمير الاجتماعي ينظر إليه فاغراً فاه من الدهشة التي اعترته. اقترب منه وباغته بسؤال لم يتوقعه: أراك حصرت البشر في الدين، وألغيت الدوافع التي صنعتها الظروف والبيئة والوطن والثقافة والعادات والتقاليد، وأهلت الترابَ على الحضارات غير القائمة على الدين! أنت ضعيف، وتتراجع بسهولة، ولك قدرة على تبرير كل الأخطاء والخطايا والذنوب، فإذا عجزتَ، رفعت يديك إلى السماء طالبا العون والمغفرة أو الهداية. أنت تـُـغمض عينيك عن الهوى، وتنحاز لمصلحتك ومزاجك، وقد فشلت في صنع السلام بين البشر منذ آدم، عليه السلام، إلى الآن. لديك كنز لا يفنى من الحِكم والأمثال والمقدسات وتعاليم الأنبياء والرسل، ومع ذلك فلا يخلو نزاع من تبريراتك، ولا يستطيع سيف أنْ يقطع رقبة خصم إلا ممهورة بتوقيعك، ولا يعتدي إنسانٌ على حرية آخر إلا وقد استأنك فأذِنت له فوراً. أنت كراهية معجونة بالمقدس، وقسوة تزعم أنها تعاليم سامية. جاءت الأديان لتحذر أتباعها من الشيطان، فإذا به يعمل بفضلك أوفرتايم ويوسوس للجميع بنفس القــَـدْر أمام المسجد الحرام وكنيسة القيامة وحائط المبكى وتمثال بوذا وتعاليم كونفيشيوس وكل آلهة الهند ونيبال! الضمير الديني: من أنت حتى ترسم طريق الصلاح للبشر، ونهج الهداية دون موافقتي؟ أنا صناعة الأنبياء، وأنا صوت السماء على الأرض، وأنا خلاصة روحانيات النبيّين والصدّيقين والرُسل. أكثر الحروب قسوة وغدرا وخيانة كانت في غيابي، وأكثر الطغاة غلظة ووحشية لا يقومون بزيارة المعابد، ولا يعفرون جباههم سجودا للخالق في أي دين من الأديان. أنا الشاهد الوحيد على العقد بين الإنسان وربه، وأحافظ له عليه، وأجند له رجالا مخلصين وفقهاء وعلماء ليفسروا للمؤمن ما غاب عنه من أسرار الطبيعة وتعاليم الخالق المعبود. أنت الانحلال والفوضى والبوهيمية والتفكك الأسري وزنا المحارم والاعتداء على الأطفال وشرارة كل حرب ولو لم أكن موجوداً لانهارت الدنيا، وانقلبت كل الموازين القسط عاليها سافلها. أنت الانقلابات العسكرية وغطرسة الجنرالات وصفقات الأسلحة والهزائم في الحروب، فالجيوش التي لا تحميها عقيدة تنهزم عند أول ضربة، وفرنسا العلمانية انهارت في أسبوعين أمام النازية، والحضارة الإسلامية في الأندلس خضعت بعدما هزمتـَـها أنت في الداخل. أنت تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فتأتينا بفنون ورسومات وموسيقى وغناء ورقص وعروض أزياء وعمليات تجميل بدلا من قيم ومباديء ونصائح وتوجيهات وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر. أنت صدام حسين والقذافي وزين العابدين بن علي وجنرالات الجزائر وفرانكو وهتلر وموسوليني وسوموزا وأنور خوجة وغيرهم الذين هزمتهم شعوبهم لأنهم لم يلجأوا لي ليتعرفوا على طريق الحق والرشاد. الضمير الاجتماعي : أراك فقدت ذاكرتك في التاريخ والجغرافيا ولا تعرف من الحروب إلا إذا غمست السيف في الكتب السماوية، وأنا إذا كنت قد صنعت أنور خوجة سفاح ألبانيا، فأنت أرسلت الأم تيريزا لتباركه وزوجته وتمتدح الدولة السجن. وأنت خلخالي الذي كان يحكم بالاعدام على مخالفيه في ثلاث دقائق، وأنت الدعاة الإسلاميون الذين عبـَّـدوا الأرض ليمر فوقها الطغاة والقتلة، فاستعان بكم صدام حسين ليحتل الكويت، وشارون وضع القلنسوة فوق رأسه قبل أن يذبح الجنود المصريين في سيناء أو يعطي الضوء لكتائب لبنانية تحمل الصليب وتتبرك بنجمة داود وتذبح أطفال صبرا وشاتيلا. في المجتمعات الإسلامية المكبوتة بفعلك تـُـغمض عينيك عن الاعتداء على الأطفال من شيوخ يقرأون القرآن الكريم كل يوم، وفي الكنائس الكاثوليكية فضائح الاعتداء على الأطفال هزَّت العذراء وابنها، وباركت يهوذا الاسخريوطي في قبره. وعندما أشهر عيدي أمين إسلامه تحوّل إلىَ وحش، وعندما بارك بابا الفاتيكان الامبراطور المجنون جان بيدل بوكاسا، أكل الأخير لحوم تلاميذ المدارس المحتجين على جبروته في أفريقيا الوسطىَ، وعندما بحث العقل الغربي المذنب بعد محارق اليهود عن تكفير وجدوه لديك في الكتاب المقدس كتبريرات لاحتلال فلسطين. أنا أعثر على ورقة ملقاة في الشارع فأزيحها جانبا لأن هذا بلدي، وأنت تراها فتزيح وجهك للناحية الأخرى وتقسم أن النظافة من الإيمان. أنت صانع النفاق والتقية والتبريرات والهوس الجنسي وكراهية المرأة والتغزل في المستبدين. أنت الفتنة الطائفية والحروب المستعرة بين الأديان والطوائف والمذاهب، وكل واحد يجزّ رقبة أخيه وينظر إلى أعلى ليشكر السماء. أنت دخلت سوريا بمجاهدي الجماع .. فتيات صغيرات تستبق بهن حورَ عين ينتظرنك في الجنة، ومعارضو الأسد يشعرون بالحنين لمعتقلاته المفزعة فهي أرحم من من ذئبية الجهاديين الذين يقطعون الرقبة أمام الكاميرا، ويكبــّـرون الله. في العراق كنت أنا ضمير صدام حسين فصنع أبو غريب، وجاء الأمريكيون بأبوغريبهم فصمتت الكنيسة، ثم هبط على الوطن المسكين سُنة وشيعة وإيرانيون وكلهم يخشعون لدى قراءة القرآن الكريم ثم يتلذذون برؤية دماء أهل بلدهم. أنا صنعت التقدم وأنت جعلت أبناء الأديان يشعرون بحنين للاستعمار العلماني. الضمير الديني: كل أحاديثك أكاذيب، فالله أرسل كتبه مـُـنزلة على رسله وأنبيائه ليخرجنا من الظلمات إلى النور.والجنرالات لا يحتاجون لمبشرين لاقناعهم أن السماء راضية على العبودية، ومع الكنيسة أو بدونها كنتم ستقتلون مليونا ونصف مليون جزائري في عدة أعوام. الاستعمار العلماني هو الذي هيأ الأرض للهوتو والتوتسي لأكبر مذابح القرن حتى لو بدت طائفية، والضمير الديني غاب عن الكونغو وحلـّـت محله صراعات ماركسية فسقط البلد المسكين في حروب لا نهائية. أنتم تصنعون الأخلاق الاقليمية التي يحترم فيها المرء القوانين في بلده وحقوق الإنسان ، فإذا خرج مستعمــِـرا بلدا آخر تحول إلى ضبع بأنياب ذئب ، ولنا في هاييتي وبنما ونيكاراجوا أمثلة مُخجلة كحال جنود موسوليني في ليبيا. ستة ملايين قتلهم ستالين، وتسبب هتلر في قتل خمسين مليونا، وصنعتم العنصرية والعبودية وتجارة الرقيق. الضمير الاجتماعي: أراك بدأت زهيمرة معلوماتك مبكراً، فأنا في ملايين الأماكن بدون رقابة دينية أو سماوية أرعى الأمانة وأحافظ على العهد، وأشرف على الأسرار، ولا أحتاج لطلب منك بتذكيري أن للانسان حقوقا، وأن رجل الدين لا يملك صكوكا من السماء. أنا المستقبل وأنت الماضي العتيق المتخلف. أنا المساواة بين البشر وبين المواطنين وبين الرجل والمرأة. أنا أفعل هذا دون انتظار جزاءاً أو شكوراً أو مكافأة، وأنت تحسب حسناتك في كل مرة تمد يدك بصدقة، وبدأتَ مؤخرا تحسبها إلكترونيا، وأنت تكره من ليس منتميا لدينك أو مذهبك أو عقيدتك. أنظر حولك ستجد كل الشعارات الدينية خلف معارك البشر، ومقارنة الأديان هي المقدمة للمذابح، وليس كل مسجد وكنيسة ومعبد يعبد فيها المؤمنون الله، فإبليس أيضا يدخلها ضيفا كريماً معززاً، بل أحيانا يُصلي مع المؤمنين قبل أن يوسوس لهم. أنا المستقبل المشرق لو أرادت الإنسانية أن تتخلص من المزايدين والمتاجرين باسم الدين. الضمير الديني مبتسما: وفي النهاية ستجد أنني الملاذ الوحيد للبشر، ويلجأون لي قبل أن يبدأ حفــَّـار القبور عمله تمهيداً لمقرهم تحت الأرض في ضيافة دودها. وانتهى الحوار، وغادر الضمير الاجتماعي المكان ووجد حقيبة صغيرة ملقاة على الأرض فجرى إليه الضمير الديني طالبا منه أن يعطيه إياها فهو الأمين الذي سيبحث عن صاحبها، وانفجر الضمير الاجتماعي ضاحكاً: منذ متى كنت أنت صوت الحق في كل الأحوال. وافترقا على غير موعد، لكنهما حتما سيلتقيان في ساحة الحرب، أو في قصر الحاكم يحرض كل واحد منهما سيد القصر عما يراه صحيحاً. محمد عبد المجيد طائر الشمال أوسلو في 17 يناير 2014 حوارات أخرى للكاتب حوار بين جاهل و .. مثقف! حوار بين وافد و .. كفيل حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك حوار بين زعيمين عربيين في غرفة مغلقة حوار بين الشيطان و .. ضيوف الرحمن حوار بين حُرٍّ سجين و .. سجينٍ حر حوار بين حمار و .. زعيم عربي حوار بين مواطن مصري و .. ضابط شرطة! حوار بين مستشار مصري و .. ابنه! حوار بين منقبتين في أحد الأسواق الشعبية! حوار بين كلب الشارع و .. كلب السلطة! حوار بين الرئيس حسني مبارك و .. الرئيس جمال مبارك! حوار بين جواز سفر عربي و .. جواز سفر أوروبي! حوار بين سلفي و .. قبطي! حوار بين السيدة سوزان والشيخة موزة! حوار بين الرئيس جمال مبارك و .. الرئيس بشار الأسد حوار بين حمار و .. رئيس لجنة الانتخابات! حوار بين مبعوث الحكومة و .. صدام حسين في قبره! حوار بين رئيس يحتضر و .. رئيس يرث! حوار بين علماني و .. سلفي! حوار بين زنزانتين في سجن عربي! حوار بين إبليس و .. الرئيس حسني مبارك! حوار بين مواطن خليجي و .. إعلامي عربي! حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين!حوار بين المشير و .. المخلوع! حوار بين المشير و ..السفيرة الأمريكية! حوار بين الرئيس مرسي و .. مواطن مصري حوار بين الرئيس القادم و .. مواطن مصري حوار بين اخوانجي و .. فلولي! حوار بين مرسي و .. السيسي
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوني أفرح أياماً أو أسابيع فقط!
-
القاضي الحُلم!
-
دافعوا عن اليهود لنربح قضايانا!
-
حوار بين مرسي و .. السيسي!
-
حوار بين الحياة و .. الموت!
-
الوطن من الخارج أكبر!
-
المشهد المصري إذا عاد مرسي رئيساً!
-
مقطع من يوميات شاب رابعي!
-
أرجوكم، لا تقتلوا السيسي!
-
أفراح القتلة وأعراس اللصوص!
-
السطريون يسيطرون!
-
سيعود الإخوانُ لحُكْمِ مصرَ رغم أنْفِنا!
-
الدرويش البطل
-
معذرة، فأنا لا أصَدِّق خبرَ الضبطِ والاحضار والقبض على مجرم!
-
لماذا يختل ميزان العدل مع الدين؟
-
هل أصبح مؤيدو الإخوان طابوراً خامساً؟
-
الجبان الديجيتالي!
-
أيها المصريون، قفوا مع السيسي في حربه ضد الإرهاب الديني!
-
من أين ينبع بركان الكراهية لدى الإسلاميين؟
-
كارثة حرب النصوص!
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|