|
ملكية العمال الاشتراكية وراسمالية الدولة
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 10:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
اثناء قراءتي لكتاب "ستالين، نظرة اخرى" وتفنيد كل اتهامات ستالين بالقتل وابادة الملايين خطر لي ان اكتب شيئا عن القضايا الاقتصادية المتعلقة بالنظام الاشتراكي. ورأيت في هذا المقال ان اناقش موضوع الطابع الاقتصادي للملكية الاشتراكية مستعينا بالمثل الوحيد الذي تحقق في تاريخ البشرية، مثل الدولة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. خصوصا وان هذا الموضوع كان قد نوقش وما زال يناقش الاف المرات ونشأت بصدده اراء كثيرة يختلف كل منها عن الاخر اختلافا كليا. فعلى سبيل المثال اعتبر البعض ان سيطرة دكتاتورية البروليتاريا على جميع المرافق الاقتصادية في الدولة الاشتراكية راسمالية دولة لا تختلف عن راسمالية الدولة في النظام الراسمالي. ونظرا لان من اول مهام الثورة الاشتراكية كانت مهمة استكمال اهداف الثورة البرجوازية التي لم تستطع الحكومة البرجوازية تحقيقها او لم ترغب في تحقيقها اعتبر البعض انه لم تكن في الواقع ثورة اشتراكية وانما كانت ثورة اكتوبر ثورة برجوازية لا علاقة لها بالثورة الاشتراكية. ورأى اخرون ان لينين كان يريد بناء مجتمع اشتراكي ولكن ستالين نقض سياسة لينين وحول الدولة الاشتراكية الى استعباد شعوب الاتحاد السوفييتي واتخذوا برهانا على ذلك بقاء نظام الاجور في الاتحاد السوفييتي. وغير ذلك من الاراء كثير. اود في هذا المقال مقارنة راسمالية الدولة بنظام الملكية في دولة دكتاتورية البروليتاريا وفي النظام الاشتراكي. ولكي تكون المقارنة دقيقة ينبغي ان اجري المقارنة بين راسمالية الدولة في النظم الراسمالية مع نظام الملكية في الاتحاد السوفييتي في اوج تطوره اي في المنتصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي حين اكتمل تكوين المجتمع الاشتراكي. في ثورة اكتوبر نجحت الطبقة العاملة في الاطاحة بالطبقات الحاكمة الروسية، الحكومة البرجوازية التي تشكلت بعد ثورة شباط وبقايا الاقطاع والقيصرية التي لم تعمل الحكومة البرجوازية على ازالتها. اي ان الطبقة العاملة بقيادة الحزب البلشفي استولت على السطة السياسية وكان طابعها الاشتراكي انها اطاحت بالنظام البرجوازي. وهناك بون شاسع بين الاستيلاء على السلطة السياسية في الثورة الاشتراكية وبين تحقيق الاقتصاد الاشتراكي. كل ثورة اشتراكية، بخلاف جميع الثورات التي سبقتها، وبصرف النظر عن زمان ومكان الثورة، ليست سوى بداية الثورة وليس نهايتها. فالبروليتاريا تستلم السلطة السياسية في الثورة الظافرة ولكنها لا تجد امامها سوى مجتمعا راسماليا من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. وعلى الثورة ان تخلق المجتمع الاشتراكي من هذا المجتمع الراسمالي الذي تستلمه يوم ظفر الثورة. ونموذجنا الوحيد، ثورة اكتوبر، استلمت فيه البروليتاريا مجتمعا راسماليا مدمرا بعد حرب دامت اربع سنوات فكان مستوى الانتاج فيه جزءا من انتاج ما قبل الحرب وكان انتاج ما قبل الحرب فيه من اضعف مستويات الانتاج في اوروبا. وفور نجاح الثورة جابهت تدخلا امبرياليا ومقاومة محلية من جميع العناصر المعادية للثورة دامت ثلاث سنوات حاربت الدولة الاشتراكية الفتية ١٤ دولة امبريالية اضافة الى جيوش المقاومة المحلية فزاد ذلك من دمار الاقتصاد الروسي بحيث ان الثورة حين بدأت بعد هذه الحروب المتواصلة في بناء مجتمعها الجديد كان الاقتصاد فيها مدمرا يقرب من الصفر. لم يكن التكوين الاقتصادي في هذه الدولة الاشتراكية في تلك الفترة اقصادا اشتراكيا او حتى ما يشبه النظام الاقتصادي الاشتراكي لذلك لا يمكن مقارنته بالاقتصاد الراسمالي او براسمالية الدولة وهو موضوع هذا المقال. فقد كان النظام الاقتصادي سنة ١٩٢١ خليطا من عدة اشكال من الاقتصاد تتنافس فيما بينها لتحديد اي منها ينتصر على اشكال الاقتصاد الاخرى. كان الاقتصاد الاشتراكي جزءا من الكيان الاقتصادي في تلك الفترة متمثلا بالمشاريع الراسمالية التي استولت عليها الحكومة السوفييتية من الراسماليين الاجانب والمحليين كالمصانع الكبيرة والبنوك والسكك الحديد والتجارة الخارجية. الى جانب ذلك كانت مشاريع راسمالية صغيرة ومشاريع حرفية لم تصادرها حكومة الثورة. وفي الريف كان هناك الكولاك وهم اكبر فئة راسمالية في البلاد من حيث العدد. وكان هناك فقراء الفلاحين الذين كان الكولاك يستغلونهم وكان هناك متوسطو الفلاحين. وكانت مرتبة متوسطي الفلاحين هذه تضم اكبر عدد من العوائل الفلاحية وقد ازداد هذا العدد كثيرا بعد ان استولت الحكومة الثورية على اراضي الاقطاعيين ووزعتها على الفلاحين فتحولت العديد من العوائل الفلاحية الفقيرة الى مستوى متوسطي الفلاحين. ولدى اتخاذ السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب) ازداد نفوذ التجار الذين كانوا يديرون تجارة التبادل بين المدينة والريف وازداد نفوذ المرابين وكانت سياسة النيب فرصة لزيادة نفوذ واقتصاد الكولاك. كل هذه النظم الاقتصادية كانت موجودة في المجتمع تتنافس فيما بينها. ولكن سياسة استعادة مستوى انتاج ما قبل الحرب ثم مواصلة تطوير الاقتصاد لكي يتحقق تفوق الاقتصاد الاشتراكي على جميع اشكال الاقتصاد الاخرى جرى خلال السنوات ١٩٢٢ الى ١٩٣٣ ولم يمكن التحدث عن وجود نظام اقتصادي واجتماعي اشتراكي سوى بعد انتهاء هذا التطور. فكان دستور الاتحاد السوفييتي الجديد الذي وضع سنة ١٩٣٦ تعبيرا عن التحول الى الاقتصاد والمجتمع الاشتراكي. كان في الاتحاد السوفييتي في هذه الفترة نوعان من الاقتصاد الاشتراكي. النوع الاول والغالب هو اقتصاد الدولة الذي كان يسيطر على جميع المشاريع الصناعية والمالية وملكية الارض والسيطرة على التجارة الخارجية والداخلية وعلى وسائل المواصلات. والنوع الثاني هو ملكية المزارع التعاونية الذي كان نوعا من الملكية الخاصة للمزارع التعاونية ولكنه كان مع ذلك اقتصادا اشتراكيا نظرا الى ان ملكية المزارع التعاونية لم تكن ملكية فردية بل ملكية جماعية للمزارع التعاونية. وحين نتحدث عن الملكية الخاصة للمزارع التعاونية فهي ملكية محدودة. فالمزرعة التعاونية لا تمتلك الارض لان الارض ليست ملكية خاصة ولا يجوز للمزرعة التعاونية بيعها او شراؤها او رهنها وحقها الوحيد في الارض هو في زراعتها وتطويرها. ولم تكن المكائن الزراعية ملكا للمزارع التعاونية وانما كانت محطات المكائن الزراعية ملكا للدولة تستخدمها المزارع التعاونية لقاء جزء من انتاجها الزراعي. لذلك كانت ملكية المزارع التعاونية محدودة في انتاجها الزراعي الذي تبادل فائضه مع الدولة كسلعة. وكان تطور المزارع التعاونية يجري في اتجاه رفع مستوى هذه المزارع الى مستوى الملكية العامة. ما معنى راسمالية الدولة؟ راسمالية الدولة مشروعات راسمالية تديرها الدولة اما لانها مشاريع كبيرة تعجز الشركات الراسمالية الخاصة على ادارتها او تديرها الدولة لان الشركات الراسمالية كانت قد عجزت عن ادارتها. ليس بين مشاريع راسمالية الدولة او مشاريع الراسمالية الخاصة اي فرق من حيث طابعها الاقتصادي. فهي مشاريع تستخدم العمال لقاء اجور بنفس الطريقة التي يستخدم فها اصحاب الشركات الكبرى لاستغلال فائض القيمة وتبيع انتاج هذه المشاريع كسلع كما تفعل الشركات الراسمالية. واكبر برهان على ذلك حركة الخصخصة التي شاعت حاليا كوسيلة من وسائل عولمة الاقتصاد العالمي. فمشاريع راسمالية الدولة يجري بيعها الى الشركات الراسمالية لتصبح مشاريع راسمالية عادية. ان راسمالية الدولة لم تبلغ في اي دولة راسمالية في تاريخ التطور الراسمالي الى درجة التركيز الموجود في ملكية الدولة الاشتراكية. اذ كانت راسمالية الدولة دائما جزءا من النظام الراسمالي الى جانب المشاريع الراسمالية الخاصة. كان نطاق راسمالية الدولة يزداد او يتضاءل وفقا لظروف تطور الدول الراسمالية ولكنه لم يكن مناقضا او معاديا للراسمالية الخاصة بل كان دائما عاملا مساعدا لهذه المشاريع. ومشاريع راسمالية الدولة والمشاريع الراسمالية الخاصة قابلة للتحول احداها الى الاخرى بدون ان يكون في ذلك اي تغير يذكر في النظام الاقتصادي. حين تحولت الاحزاب الشيوعية الى احزاب تحريفية في اعقاب تحول الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي الى حزب تحريفي تحت القيادة الخروشوفية كانت احدى المفاهيم التحريفية التي نشأت مفهوم التمييز بين القطاع العام والقطاع الخاص. فقد اعتبروا القطاع العام اي قطاع راسمالية الدولة قطاعا ذا طابع اشتراكي واخذوا يدعون الى زيادة القطاع العام بالقياس الى القطاع الخاص اي القطاع الراسمالي الخاص. وحتى اطلق بعضهم اسم القطاع الاشتراكي على قطاع راسمالية الدولة. هناك تشابه ما بين راسمالية الدولة وملكية الدولة للمرافق الاقتصادية في المجتمع الاشتراكي. وهذا التشابه مقصور على ان الدولة تسيطر على المشاريع الاقتصادية في المجتمع الاشتراكي كما تسيطر الدولة على بعض المشاريع الراسمالية في النظام الراسمالي. ولكن البون شاسع بين الملكية الاشتراكية للمرافق الاقتصادية وبين راسمالية الدولة في النظام الراسمالي. فالدولة في النظام الاشتراكي تسيطر على كامل المرافق الاقتصادية، الارض والبنوك والصناعة والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية ووسائل المواصلات. فليس في النظام الاشتراكي مشاريع خاصة الى جانب المشاريع الاشتراكية. ان الدولة في النظام الراسمالي هي دولة الراسمالية القائمة كليا على اساس استغلال الطبقة العاملة وسائر الكادحين وكامل اجهزتها معدة لفرض السيطرة على الطبقة العاملة والكادحين وتحطيم نضالاتها الرامية الى التخلص من الاستغلال. ولذلك فان مشاريع راسمالية الدولة لا تقل استغلالا للعمال والكادحين عن المشاريع الراسمالية الخاصة. اما الدولة في النظام الاشتراكي فهي دولة العمال والكادحين القائمة كليا على اساس القضاء على كل انواع استغلال الطبقة العاملة والكادحين. فهي دكتاتورية الطبقة العاملة ضد بقايا الطبقات المالكة القديمة من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الفكرية والثقافية والتقاليدية. واذا كانت الدولة الاشتراكية دولة العمال والكادحين فمعنى ذلك ان ملكية الدولة هي ملكية العمال والكادحين. فالعمال والكادحون هم مالكو الاقتصاد الاشتراكي. والدولة وحكومتها ما هي الا هيئة منتخبة لادارة هذه الملكيات الواسعة لمصلحة الطبقة العاملة والكادحين. فالمجتمع الاشتراكي بعد القضاء على جميع اشكال الاستغلال الراسمالي عائلة كبيرة تقوم الدولة بدور رب العائلة بادارة هذه الملكيات الكبيرة المتوسعة لمصلحة العائلة. ان اهم الانتقادات الموجهة ضد النظام الاشتراكي هو ملكية الدولة للمرافق الاقتصادية واعتبار هذه الملكية شكلا من اشكال استغلال الطبقة العاملة والكادحين لا تختلف الا قليلا عن الاستغلال الراسمالي السابق. ويتوصل البعض الى الاستنتاج بان الدولة الاشتراكية ليست سوى شكل اخر من اشكال الدولة الراسمالية. ولكن السؤال هو هل يمكن للطبقة العاملة والكادحين ان تدير وتطور انتاجها بدون هيئة منتخبة تقوم بقيادتها وتوجيهها في هذا المضمار؟ اعتقد ان ذلك مستحيل. لنأخذ مثلا مبسطا مثل العائلة الواحدة سواء في المجتمع الراسمالي ام في اي نظام اخر. فثروة العائلة هي ملكية لجميع افراد العائلة. فهل يمكن تقسيم هذه الثروة على كل فرد من افراد العائلة لكي يقوم كل فرد من العائلة بادارة حصته من الثروة بالشكل الذي تتطلبه مصالحه؟ لا اعتقد ان هناك من يجيب على هذا السؤال بالايجاب. لابد ان يكون في العائلة رئيس يقوم بتنظيم ثروة العائلة لمصلحة جميع افرادها فيخصص الاموال المناسبة للسكن والحاجات اليومية للعائلة ويخصص الاموال اللازمة لملابس الاطفال ونفقات مدارسهم ويخصص المبالغ اللازمة للتغذية وربما يستطيع ان يخصص بعض المبالغ للترفيه العائلي. فهل وجود رب العائلة رجلا كان ام امرأة يعتبر استغلالا للعائلة والاستيلاء على ثروتها؟ واذا كان من المستحيل ادارة اقتصاد عائلة واحدة تتألف من عدد محدود من الاعضاء بطريق توزيع ثروة العائلة على كل فرد من افرادها فهل يمكن ادارة ثروات العائلة الاشتراكية بدون هيئة تقوم بقيادة وتوجيه الاقتصاد العائد للعائلة كلها؟ لا اعتقد ان هناك من يستطيع الاجابة على هذا السؤال بالايجاب. هل الملكية الاشتراكية راسمالية دولة؟ لا طبعا. ان الملكية الاشتراكية هي ملكية الطبقة العاملة والكادحين وليست الدولة فيها سوى هيئة تقوم بادارتها وتطويرها. ان المشروع في راسمالية الدولة هو مشروع راسمالي بكل ما في الكلمة من معنى. فالانتاج يجري عن طريق استغلال الطبقة العاملة بنفس الطريقة التي يقوم اي راسمالي اخر باستغلالها. وانتاج مشروع راسمالية الدولة سلعة يجري بيعها بنفس الطريقة التي تباع بها سلع المشاريع الراسمالية الخاصة. اما الانتاج في مشاريع الدولة الاشتراكية فيجري عن طريق انتاج العمال لانفسهم بدون ان يكون انتاجهم سلعا تباع في الاسواق. فلو اخذنا الفولاذ مثلا للانتاج فان انتاج الفولاذ في النظام الاشتراكي يبقى ملكا للدولة وهو يوزع على المصانع والمعامل وفقا لما تتطلبه برامج هذه المصانع من الفولاذ ولكن المصانع لا تشتري الفولاذ من الدولة كسلعة بل تتلقاه كوسيلة انتاج ويبقى المصنع ووسائل انتاجه ملكا للدولة ولا يصبح ملكا خاصا لادارة المصنع. وكون ان العمال ينتجون لانفسهم في المجتمع الاشتراكي يفسر الحماس والتفاني في تطوير الانتاج في المجتمع السوفييتي بحيث انهم طوروا الاتحاد السوفييتي من دولة زراعية متخلفة الى ثاني دولة صناعية في العالم بفترة لا تتجاوز ١٥عاما. ان من اشد الانتقادات الموجهة الى الاتحاد السوفييتي هو بقاء نظام الاجور بحيث ان منتقدي الاتحاد السوفييتي اليوم يعتبرون بقاء نظام الاجور برهانا على ان الاشتراكية استعبدت العمال بما لا يقل عن استعباد النظام الراسمالي ان لم يزد. فما هي حقيقة نظام الاجور في المجتمع الاشتراكي؟ ان العامل والكادح في المجتمع الاشتراكي هو مالك كل شيء. ولذلك فان انتاج المجتمع الاشتراكي هو ملك للطبقة العاملة والكادحين. وكما يجري توزيع ثروة العائلة الواحدة على اعضاء العائلة وفقا لحاجاتهم يوزع انتاج عائلة المجتمع الاشتراكي على اعضائه وفقا لحاجاته. وهكذا يجري توزيع الانتاج في المجتمع الاشتراكي وفقا لحاجة المجتمع. فاذا اخذنا متطلبات الدفاع عن وطن الاشتراكية مثلا فان تخصيص جزء من الميزانية لتطوير الدفاع عن وطن الاشتراكية هو من ضرورات صيانة المجتمع الاشتراكي لذلك لا يمكن اعتبار مخصصات الدفاع عن الوطن تبذيرا لاموال الدولة او ان تطوير الدفاع عن الوطن الاشتراكي ليس انتاجا للطبقة العاملة والكادحين. وقد ظهر ذلك واضحا في الحرب العالمية الثانية حين اجتاحت جحافل النازية المؤلفة من جيوش اوروبا كلها الاتحاد السوفييتي. فما الذي كان يحدث لو لم تخصص الدولة السوفييتية جزءا من انتاجها لتطوير قواتها العسكرية؟ لتحطم الاتحاد السوفييتي في الايام الاولى من الهجوم كما كان يتوقع قادة الدول الراسمالية. وقد عبر تشرتشل عن ذلك حين صرح انه لو استطاع الاتحاد السوفييتي ان يقاوم هتلر عدة اسابيع فان ذلك سيكون فترة استراحة لبريطانيا. ويصدق هذا على كل فروع الانتاج في الاتحاد السوفييتي. وكما تهتم الدولة بتطوير متطلبات الدفاع عن الدولة الاشتراكية تهتم ايضا بكل فروع الانتاج الاخرى ومنها متطلبات الطبقة العاملة والكادحين الشخصية. والسياسة الاساسية لتلبية متطلبات الطبقة العاملة والكادحين هي كيفية توزيع اقسام الانتاج عليهم. هناك نوعان من توزيع الانتاج على افراد الطبقة العاملة والكادحين، النوع الاول هو توزيع الانتاج على جميع افراد المجتمع بدون مقابل، والنوع الثاني هو توزيع الانتاج وفقا للعمل الذي يقدمه الفرد في المجتمع الاشتراكي. وسبب التمييز بين هذين النوعين من التوزيع هو ان الدولة لم تبلغ بعد درجة من الانتاج تجعل بمستطاعها توزيع جميع المنتجات على العائلة الاشتراكية بدون مقابل. النوع الاول من الانتاج شيء لم تشاهد المجتمعات الراسمالية مثله. فمثلا موضوع مجانية المعالجة الطبية والثقافة المجانية بكل مراحلها ومعاملة الطالب الجامعي كانه بدراسته يقوم بخدمة المجتمع شانه شأن العامل فيتلقى الاجور مثل العامل. ومثل على ذلك ايضا قصور الاطفال التي كان الطفل السوفييتي يتلقى فيها ارقى انواع اللهو والثقافة بعد الدراسة ويخففون في الوقت ذاته من وطأة تربية الاطفال للوالدين بعد ساعات العمل. ووجود دور الحضانة في كل معمل ومصنع ومؤسسة بحيث ان المرأة تستطيع ان تأخذ طفلها الرضيع معها الى العمل وايداعه في دار الحضانة وارضاعه في وقت الرضاعة. وحق العائلة في عطلة عائلية سنوية تقضيها في افضل مصايف الدولة مجانا. وضمان رواتب تقاعد بنسب كبيرة للمتقاعدين. وترخيص اثمان بطاقات الملاهي كمسارح الباليه والاوبرا والحفلات الموسيقية بحيث يستطيع كل عامل ان يرتادها مما لم يحدث لاية طبقة عاملة في العالم. وتوفير المطاعم الجيدة في اماكن العمل ومحلات السكن باسعار رخيصة لتخفف عن العائلة عناء العمل البيتي بعد ساعات العمل. وملخص الامر هو ان دولة العمال والكادحين تقدم لهم كل ما تستطيع تقديمه الى جميع افراد المجتمع بدون مقابل كلا حسب حاجته. فليست كل امرأة مثلا بحاجة الى دار حضانة لطفلها ولكن كل امرأة تحتاج الى دار حضانة لطفلها تستطيع ان تتلقى ذلك في مكان عملها. ولكن الانتاج في المجتمع الاشتراكي لم يبلغ درجة تستطيع الدولة فيها ان تقدم كل حاجات الفرد مجانا. بقيت هناك انواع من الانتاج لا تستطيع الدولة توزيعها مجانا بل يجب توزيعها بمقادير معينة الى افراد المجتمع. واهم ما في هذا النوع من التوزيع هو العلاقة بين المدينة والريف اذ ان الفلاحين في المزارع التعاونية لم يبلغوا بعد مستوى من التطور بحيث يوافقون على تسليم سلعهم للمدينة واستلام منتجات المدينة بصورة تبادل مجاني لذلك كانت وسيلة البيع والشراء الطريقة الوحيدة التي يتقبلها الفلاحون في تبادل السلع مع المدينة. وكان من اهم واجبات الدولة الاشتراكية تطوير المزارع التعاونية الى مستوى يجعلها جزءا من الانتاج الاجتماعي مثل مزارع الدولة. ولكن هذا كان يجب ان يجري عن طريق الاقناع وعن طريق زيادة رفاه فلاحي المزارع التعاونية وليس بطرق المصادرة والاكراه. وهذا يعني ان مواد التبادل بين المدينة والريف كان يجب ان تبقى على شكل السلع والتبادل والبيع والشراء. كذلك لم يبلغ انتاج المواد الاستهلاكية درجة يمكن توزيعه على جميع افراد المجتمع بدون مقابل وبالكميات التي يحتاجها كل انسان. ولذلك كان من واجب دولة العمال والكادحين ان تجد طريقة لتوزيع المواد الاستهلاكية بالكميات المتوفرة. منذ ان بحث كارل ماركس المجتمع الاشتراكي في كراس "نقد منهاج غوتا" بين ان توزيع المواد الاستهلاكية سيجري في المجتمع الاشتراكي عن طريق تزويد العامل بشهادة تشير الى مقدار العمل الذي قدمه للمجتمع وبمقابل هذه الشهادة يستطيع ان يسحب من الانتاج الاجتماعي ما يقابل العمل الذي قدمه. ولكن الدولة الاشتراكية وجدت وسيلة لتحقيق هذه العملية باقتباسها طريق الاجور من النظام الراسمالي وتطويره ليناسب تطور النظام الاشتراكي. وهذا كان تطبيق شعار "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله" ولكن نظام الاجور في النظام الاشتراكي يختلف جوهريا عن نظام الاجور في النظام الراسمالي. فنظام الاجور في النظام الاشتراكي مجرد وسيلة لتوزيع وسائل الاستهلاك التي لا تستطيع الدولة توزيعها بدون مقابل. واذا تتبعنا تاريخ تطور نظام الاجور في الاتحاد السوفييتي في فترة بناء الاشتراكية نجد انه بخلاف نظام الاجور في النظام الراسمالي نظام يهدف الى رفع مستوى العامل على الدوام. فبدلا من يوم العمل ثمان ساعات جعلت الدولة يوم العمل سبع ساعات وفي الاعمال المرهقة بدنيا ست ساعات. ونرى ان الاجور بالمفهوم النقدي كانت على ارتفاع دائم وان تخفيض اسعار البضائع الاستهلاكية بصورة دائمة كان يؤدي الى زيادة القوة الشرائية للعامل. وهذا يرينا ان بقاء نظام الاجور في الاتحاد السوفييتي كان اضطراريا تحاول الدولة التخلص منه باسرع وقت ممكن. ومن المعروف ان احد شروط تحول النظام الاشتراكي الى نظام شيوعي هو رفع مستوى المزارع التعاونية الى مستوى الملكية الجماعية وتوفير المواد الاستهلاكية الى درجة يمكن توفير الكمية الكافية لكل انسان بدون مقابل. وهذا هو شعار "من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته" شعار المجتمع الشيوعي الذي كان الاتحاد السوفييتي يسير سيرا حثيثا نحو تحقيقه. احد الانتقادات التي وجهها خروشوف الى ستالين كان ان ستالين تمسك بوجود الصراع الطبقي واستمراره طالما بقي الاتحاد السوفييتي في مرحلة الاشتراكية. وزعم خروشوف ان شعوب الاتحاد السوفييتي لم يبق فيها من يعارض الاشتراكية منذ سنة ١٩٣٦ وان مزاعم ستالين حول استمرار هذا الصراع واشتداده كان وسيلة ستالين للقضاء على خيرة ابناء الشعوب السوفييتية. ولكن الحقيقة اثبتت ان خروشوف وزمرته كانوا اشد اعداء الاشتراكية. وان الصراع الطبقي في الاتحاد السوفييتي كان على اشده بحيث ان التهاون فيه ادى الى عودة الراسمالية بافظع اشكالها وزوال الاتحاد السوفييتي ذاته. ارجو ان يسمح لي القارئ بان اتحدث هنا قليلا عن المادية الديالكتيكية. ان الثورة الاشتراكية في التحليل الديالكتيكي هي نقض المجتمع الراسمالي. والنقض يعني بقاء التناقض الموجود في النظام الراسمالي، اي التناقض بين الطبقة الراسمالية والطبقة العمالية ولكنه يتحول الى نقيضه. فبينما يكون التناقض في النظام الراسمالي تناقضا تكون فيه الطبقة العاملة النقيض الواقع تحت الاستغلال ولكنه النقيض النامي فان التناقض في المجتمع الاشتراكي يصبح تناقضا تكون الطبقة العاملة فيه هي المسيطرة والطبقة الراسمالية هي النقيض الاخر الذي تعمل الطبقة العاملة على ازالته. ولكن التناقض بين الطبقة العاملة والراسمالية يبقى من الناحية النظرية قائما مادام النظام الاشتراكي قائما ولو حتى كان مقصورا فقط على الناحية النفسية البتي برجوازية التي ترغب دائما في الحصول على اكثر مما يحصل عليه الاخرون. ان هذا الكيان النفسي هو اخطر بقايا الراسمالية واشدها رسوخا الى درجة ان المنظرين يعتبرونها طبيعة البشرية التي لا يمكن القضاء عليها. ولا ينتفي هذا التناقض الا بنقض النقض اي بزوال الطبقة العاملة والراسمالية كطبقة وزوال التناقض بينهما نتيجة لذلك. ونقض النقض هذا هو المجتمع الشيوعي حيث لا يبقى وجود للطبقة العاملة ذاتها. وهذا هو الاساس في نظرية ستالين باستمرار الصراع الطبقي واشتداده رغم تحقق النظام الاشتراكي. واثبت التاريخ صحة نظرية ستالين وخطل ادعاءات الخروشوفيين في عدم وجود الصراع الطبقي او في تضاؤله في الاشتراكية. اذا اخذنا مثل العائلة البسيطة الوارد اعلاه نجد ان رئيس العائلة يجب ان يكون صادقا في تمثيل وادارة ثروة العائلة والتفكير في حاجة كل فرد من افرادها وكل ضرورة من ضرورات حياة العائلة. ولكننا نعرف عن رؤساء عوائل يعتبرون ثروة العائلة ملكا لهم يتصرفون بها كيفما يشاؤون بدون التفكير في مصلحة العائلة وحاجاتها فيبددون ثروة العائلة في المقامرة او معاقرة الخمر او الانغماس في المخدرات او على الملاهي والعاهرات بينما يتركون عوائلهم بحاجة الى لقمة العيش. وهذا يصدق ايضا على العائلة الاشتراكية الكبيرة. فاذا كانت الهيئة القيادية صادقة في اتباع مصلحة العائلة الاشتراكية مثلما كان الحزب الشيوعي بقيادة ستالين كان ذلك في مصلحة العائلة وهذا ما حدث في المشاريع الخمسية الثلاثة قبل الحرب العالمية الثانية. اما اذا كانت الهيئة القيادية غير صادقة في ادارة مصالح العائلة الاشتراكية فان ذلك يؤدي حتما الى زوالها وتدميرها مثلما حدث تحت قيادة الحكومات الخروشوفية المتعاقبة. ليست ملكية الدولة لجميع المشاريع الصناعية والتجارية والمالية في المجتمع الاشتراكي راسمالية دولة ولكنها يمكن ان تتحول الى راسمالية دولة اذا وجدت هيئة قيادية تتصرف بهذه المشاريع كانها ملكا خاصا لها. وهذا ما حصل في فترة حكم الخروشوفيين. وعلى سبيل المثال فقط اورد الاشكال الرئيسية في تحويل الملكية الاشتراكية الى راسمالية دولة. المثل الاول هو بيع محطات المكائن الزراعية الى المزارع التعاونية فتحولت المكائن الزراعية بذلك الى سلع راسمالية وزادت من ملكيات المزارع التعاونية وسرعت في تحولها الى مؤسسات راسمالية. والمثل الثاني كان بيع المصانع الى "عمالها" مما جعل المصنع مشروعا راسماليا خاصا وجعل المواد الخام والمكائن التي يشتريها المصنع سلعا تبيعها الدولة لهذه المصانع. والمثل الثالث هو السماح بتأجير واستئجار الاراضي وبيعها مما جعل الارض سلعة تباع وتشترى تقوم الدولة ببيعها او تاجيرها. نرى من كل ما تقدم ان الملكية الاشتراكية ليست راسمالية دولة وليس بينها وبين راسمالية الدولة اي تشابه او تماثل من الناحية الاقتصادية ولكن بقاء التناقض بين الطبقة الراسمالية والطبقة العمالية طيلة فترة الاشتراكية يجعل بالامكان نقض التناقض واستعادة سيطرة النقيض المطاح به، الراسمالية، الى مركزها السابق، والعودة الى راسمالية الدولة.
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدعوة الى الحوار لحل الازمة العراقية
-
الماركسية نظرية للطبقة العاملة
-
هل الماركسية تمر في ازمة ام المنظمات التي تبنتها
-
الهجوم على ستالين هجوم على الماركسية
-
البحث عن الطبقة الوسطى
-
هل تستطيع الطبقة العاملة قيادة الحركات الثورية؟
-
عيد العمال العالمي
-
حول مقولة لينين -الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية-.
-
أزمة اليسار- التكوين الطبقي لحزب الطبقة العاملة.
-
أزمة اليسار (من هو الشعب؟) الجزء الثاني
-
أزمة اليسار (من هو الشعب ) في جزأين
-
الاخ العزيز سلامه كيله
-
ازمة اليسار - صنعة ماركسية عربية
-
أزمة اليسار - تعاريف
-
جواب سريع الى الاخ سلامة كيله
-
من كراس ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية - القسم الا
...
-
ملاحظات حول رايي في الحزب الشيوعي الاسرائيلي سنة 1962
-
من كتاب ستالين حول القضايا الاقتصادية للاشتراكية
-
عودة الى قرار تقسيم فلسطين - 2
-
عودة الى موضوع قرار تقسيم فلسطين 1
المزيد.....
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|