|
متى كان الحزب الشيوعي ضد خيار الحرب والاحتلال والمحاصصة الطائفية ؟
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1234 - 2005 / 6 / 20 - 10:22
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
نشر السيد عبد الرزاق الصافي الذي كان ذات يوم عضوا في المكتب السياسي وهو أعلى هيئة وسلطة قيادية في الحزب الشيوعي العراقي مقالة تحت عنوان "ظواهر عراقية مقلقة تستوجب التصدي لها " في جريدة "الحياة " عدد 7/6/2005 ، ناقش فيها عدة موضوعات سياسية ومجتمعية راهنة وتكتسي أهمية فائقة عراقيا وعربيا . ولكنه حاول - للأسف - أن يعطي صورة أو انطباعا عاما يبدو مختلفا ومخالفا تماما لمواقفه السياسية والتي هي بالتالي مواقف الجهة السياسية التي ينتمي إليها أي الحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر " بداهةً " من طلائع التحديث والحداثة الأكثر تقدما . سنحاول في هذه البسطة السريعة تسجيل عدد من الملاحظات التي نرى بأن من المهم تسجيلها سواء بخصوص موضوع المواقف السياسية التي ناقشتها مقالة السيد الصافي أو بصدد مواضيع أخرى : منذ السطر الأول ، يشارك السيد الصافي في تكرار الصيغة السائدة وغير الدقيقة لمبررات احتلال العراق على اعتبار أنه مجرد محاولة كانت الهدف منها إسقاط نظام الطاغية صدام حسين ، وقد كان هذا هو موقف السيد الصافي وحزبه والأحزاب الأخرى التي شاركت فما بعد في العملية السياسية التي أعقبت احتلال العراق والمستمرة حتى الآن ، في حين تقول الوقائع وطوال عامين ونصف على الاحتلال ، أن إسقاط نظام صدام حسين الشمولي كان مجرد منتوج ثانوي للغزو ، وان المبررات الحقيقية لاحتلال العراق تقع في موضع آخر من الخطة الجيوسياسية العامة للإدارة الأمريكية والتي تحمل عنوان " الشرق الأوسط الكبير " وكان القصد منها احتلال العراق لزمن سيطول كثيرا يتحول خلالها العراق إلى قاعدة عسكرية وسياسية متقدمة ينطلق منها عملية أضخم هي السيطرة والهيمنة على المشرق العربي فالشرق الأوسط فعموم الشرق اٍلآفروآسيوي . وفي فقرة أخرى يعود الصافي لتلك الصيغة الملغومة وبمفردات أكثر وضوحا حيث يكرر بأن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية (كانت ضد نظام صدام حسين ) أي إنها لم تكن ضد العراق وشعبه والشعوب المحيطة ، أما لماذا تستمر هذه الحرب بهذه الشدة والقسوة ، ولعامين آخرين ونصف ، وترفض الولايات المتحدة أية نية لمناقشة ، مجرد نية لمناقشة ، موعد انسحاب قواتها التقريبي من العراق وقد سقط النظام المذكور وصارت قيادته في زنزانات الاحتلال ؟ فهذا هو السؤال الذي لن نجد عليه إجابة حقيقية في تضاعيف مقالة السيد الصافي لأنها تكشف المستور والمسكوت عنه وتفضح الطابع الرجعي والمهادن والمتواطئ مع الاحتلال التي سار ويسير عليها حزب السيد الصافي . ثم ، وبلهجة تعطي الانطباع بأنها نقدية ، يسجل السيد الصافي بأن تلك الإدارة دأبت على ( تصنيف الشعب العراقي باعتباره سنّة وشيعة وأكراداً! وتجنب الحديث عن التيارات السياسية المتعددة، التي تضمها المجاميع المذكورة ) ويفهم من هذا الكلام أن السيد الصافي يرفض هذه التصنيفية الطائفية العرقية .غير أن السؤال الكاشف هو : لماذا إذن شارك حزب السيد الصافي ، والمصنف كقوة حداثية مهمة على اعتبار اسمه وماضيه وفكره المفترض تقدميا ومعاديا للإمبريالية ، في المؤسسات والهيئات السياسية التي أنشأتها سلطات الاحتلال على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية منذ مجلس الحكم ومرورا بالحكومة الانتقالية المؤقتة ( كان له فيها وزيرا للثقافة ، ولا يملك المرء إلا أن يتساءل : ترى ماذا كان سيقول لينين أو جيفارا أو هوشي منه لو سمع أحدهم بأن حزبا شيوعيا شارك في وزارة شكلها غزو إمبريالي بوزير ثقافة ؟نعم ، ثقافة ؟) وليس انتهاء بالجمعية العامة المنتخبة بطريقة القوائم ذات الأسماء السرية - وهي بالمناسبة تجربة جديدة وغير مسبوقة في السياسة العالمية وطرائق الحكم الديموقراطي و قد لا تكون مفهومة وقابلة للاستيعاب في بلدان أخرى - نقول لماذا شارك حزب السيد الصافي في تلك الهيئات وارتضي أن يكون ممثله السيد حميد مجيد موسى - وهو الشيوعي القديم - محسوبا على الحصة " الكوتا "الشيعية ؟ هل انعدمت الخيارات الأخرى ، أم أن للتصنيف الطائفي والعرقي مفيد وإيجابي على الصعيد العملي ومضر وسلبي على صعيد النظري ؟ أم إن مقتضيات التحالف الذيلي مع الأحزاب الكردية وموجبات الخضوع "لمنطق الأشياء "حسب عبارة حسنين هيكل والتي معناها العراقي (موجبات الخضوع لمنطق دولارات مليونير الحزب والحرامي الشهير " يهوذا اليسار العراقي فخري كريم " زنكنه سابقا " ) ! المحاولة ذاتها لتقديم صورة غير حقيقية لمواقف السيد الصافي ومواقف حزبه تتكرر حين يتكلم بنَفَسٍ نقدي عن موضوع "مؤتمر لندن " الذي عقد في كانون الأول (ديسمبر) 2002 .فيروي السيد الصافي لقارئه : كيف عقد المؤتمر ، وما هي الجهات التي دعيت إلى المشاركة فيه ، وكيف أرادت الولايات المتحدة لهذا المؤتمر ( أن يكون، كما كانت تخطط الإدارة الأميركية، غطاء سياسياً للحرب، التي كانت هذه الإدارة تخطط لشنها على نظام صدام حسين. وساهمت هذه الإدارة في أعمال المؤتمر، بل أدارته عن طريق زلمان خليل زاد، الأفغاني الأصل الأميركي الجنسية، الذي سبق له أن أدار مؤتمر المعارضة الأفغانية في المانيا لاسقاط نظام «طالبان»، والذي عُيّن أخيراً سفيراً للولايات المتحدة في العراق، خلفاً لجون نيغروبونتي.) غير أن الحقيقة المرة هي أن حزب السيد الصافي كان أحد الأطراف التي سعت إلى المشاركة بفعالية في هذا المؤتمر ولكن اللجنة التحضيرية لم توجه إليه الدعوة بضغط من جهات أمريكية وحزبية "إسلامية شيعية "، فما الذي يمكن أن يفهمه المرء من كل هذه "الرواية النقدية " للسيد الصافي عن مؤتمر لندن ؟ صحيح ، أن الكاتب يسجل أيضا أن هذا المؤتمر كانت له إيجابياته ! ولكنه يسجل عليه – على المؤتمر - انه سكت عن ( موضوع خيار الحرب، الذي كان مقبولاً من قبلها، على ما يبدو، في حين أن قوى ديموقراطية وقومية عربية وإسلامية لم تشارك في مؤتمر لندن كانت ترفض خيار الحرب، وتطالب بتعبئة قوى الشعب العراقي لاسقاط نظام صدام حسين بدعم سياسي ومعنوي من كل الأطراف الداخلية والخارجية، التي تريد ذلك.) وقطعا سيشي هذا الكلام بأن السيد الصافي وبالتالي حزبه الشيوعي العراقي كان من ضمن تلك القوى التي رفضت خيار الحرب وطالبت بما سمي آنذاك " بالخيار الثالث " القائم على تغيير نظام صدام عن طريق التعبئة الشعبية والضغط الشامل على النظام وهذا خلاف الحقيقة كما يعرف العراقيون والمعنيون بالشأن السياسي العراقي . فالخيار الثالث ،الرافض لخيار الحرب والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وهذا هو الخيار الأول ، والرافض في الوقت نفسه لخيار التحالف مع نظام صدام حسين والدفاع عنه على اعتبار أنه نظام وطني مستهدف من قوى دولية خارجية وهذا الخيار الثاني ، لم يكن يوما ما خيار الحزب الشيوعي ولا موقف السيد عبد الرزاق الصافي القيادي القديم في هذا الحزب . ويستمر السيد الصافي في روايته للأحداث فيسجل أن الولايات المتحدة وبمجرد أن أسقطت نظام صدام سارعت إلى وضع مقررات مؤتمر لندن - لا ننسى أنه ذكر ،قبل قليل ، بأنها أرادت تلك القرارات غطاء سياسيا للاحتلال - على الرف وراحت هذه الإدارة تخطط لحكم العراق بشكل مباشر والاستعانة بهيئة استشارية «عراقية» كانت قد هيأتها قبل شنها الحرب. وسارعت إلى استصدار قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1483 باعتبارها دولة محتلة للعراق!) ويقول بأن قوى المعارضة رفضت ذلك القرار الأمريكي وتم التوصل إلى حل وسط – لا أحد يعلم كيف ولماذا – تشكل بموجبه مجلس الحكم الذي شارك في كيانه و أعماله حزب السيد الصافي . وهنا ، فنحن إزاء احتمالين لا ثالث لهما فإما أن السيد الصافي يتكلم عن بلد آخر يحمل اسم العراق أيضا ، وقد حدثت فه هذه الأعاجيب ، أو أنه يريد عبر هذه الرواية تأكيد أشياء مخالفة لما حدث فعلا في العراق لأسباب تخصه وتخص حزبه بعد النتائج التي أحرزها في انتخابات الجمعية العامة في الثلاثين من كانون الثاني من السنة الجارية وفاز فيها بمقعدين اثنين ! إن قرار " حكم العراق حكما مباشرا " من قبل حاكم أمريكي يساعده مستشارون عراقيون لم يسقط بسبب رفض بعض القوى الحليفة للأمريكان بل بسبب المقاومة العنيفة التي اشتدت في وجه الاحتلال ولأن سلطات الاحتلال وجدت من المناسب تغليف "الحكم المباشر " بقفازات من الحرير الاحتفاظ بذات المضمون الاحتلالي وبدلا من تشكيل مجلس للمستشارين العراقيين المحيطين بالحاكم الأمريكي تم وحسب تغيير الاسم من "مجلس مستشارين " الى "مجلس الحكم الانتقالي " الذي قاده السيد بول بريمر على خير وجه وحقق من خلاله ما سيعجز عن تحقيقه الحكم المباشر أو لنقل الفاقع في مباشرته . بعد لأي يصل الكاتب إلى تسجيل بعض الظواهر المقلقة وفي مقدمتها تلك الناتجة عن مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية والذي لن نمل من التذكير بأن حزب السيد الصافي وافق على الانضمام على أساسه إلى مجلس الحكم ويذكر من تلك الظواهر ظاهرة صعود الاستقطاب الطائفي ويورد مثالا بأن السيد إبراهيم الجعفري صار يتلقب بالجعفري بعد أن كان اسمه إبراهيم الاشيقر وهذا أمر ليس دقيقا تماما وهو - من ناحية أخرى - أمر ثانوي وشخصي ..ثم يسجل الصافي أن حكومة السيد الجعفري ليست حكومة وحدة وطنية كما وعد بل هي حكومة الفائزين بالانتخابات بأعلى الأصوات. والواقع ،فهذا أمر لا يمكن الاختلاف عليه ديموقراطيا ، ولا نقول ذلك دفاعا عن حكومة الجعفري أو عن عموم العملية السياسية الأمريكية في العراق بل لأنه من بديهيات العمل والحكم الديموقراطي ، فلا أحد يجبر الفائزين بثلثي المقاعد في جمعية عامة على تشكيل حكومة وحدة وطنية وثانيا إذا كان المطلب هو تشكيل حكومة وطنية فلماذا أجريت تلك الانتخابات إذن ورفضت استراتيجية "تشكيل مجلس تأسيسي توافقي " من جميع ممثلي الشعب العراقي بشرط أن يكون مستقلا تمام الاستقلال عن الاحتلال ومشاريعيه السياسية ؟ أما المؤاخذات الأخرى للسيد الصافي على حكومة الجعفري من قبيل أن هذا الأخير ( يتجاهل كل شهداء التيار الديموقراطي عند تطرقه إلى شهداء الشعب وتمجيد حفصة العمري وتجاهل الشهيد عبد الكريم قاسم..) فهي مؤاخذات من النوع الذي لا يستأهل التوقف عنده بشيء من الجدية ولأنه أشبه بمؤاخذة أحد النازيين الجدد في ألمانيا لأنه لا يرتدي قميصا عليه العلم السوفيتي الأحمر.. والأمثلة تضرب ولا يقاس عليها !
نص مقالة الصافي كما نشرت في يومية الحياة 7/6/2005 في الرابط أدناه : http://iraq4all.org/viewnews.php?id=7734
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسفر والأفندي وهارون و الغزو - الشعوبي الصفوي - للعراق
-
السيستاني يفتي حول الكهرباء، والدوري يريد إعادة صدام إلى الر
...
-
هيئة العلماء المسلمين وقضية كتابة الدستور العراقي الدائم .
-
لماذا انتخب الطالباني في ذكرى تأسيس البعث وأحضر صدام لمشاهدة
...
-
تقنيات السرد المتداخل والبنية الزمنية في رواية - غرفة البرتق
...
-
مجزرة الحلاقين وضرب الطلبة الجامعيين !
-
الإرهاب والتهديد بالانفصال وجهان لعملة الاحتلال الواحدة
-
الشهرستاني من مرشح إجماع وطني مأمول إلى حصان طائفي مرفوض
-
تأملات في النموذج السويسري للديموقراطية المباشرة والدولة الا
...
-
تصاعد التفجيرات الإجرامية وواجب المقاومة العراقية الجديد .
-
الانتخابات العراقية بين استراتيجيتي بوش والسيستاني
-
مجزرة الخميس الدامي وسياقات اتفاق السيستاني الصدر .
-
أياد علاوي تلميذ نجيب في مدرسة الكذب الصدامية !
-
نعم ، نعم ، لآية الله الكبرى الطفل علي إسماعيل إماما وقدوة
-
المعركة هي بين الاحتلال والحركة الاستقلالية وليس بين مقتدى و
...
-
تضامن الجلبي مع الصدريين و عشم إبليس في الجنة !
-
حلبجة النجفية بدأتْ ..سلاماً للمقاومين الزينين ،واللعنة على
...
-
نص الرد الذي نشر في مجلة الآداب البيروتية على اتهامات جماعة
...
-
لمعركة الكبرى لم تبدأ بعد :بوش يريد الصعود إلى الرئاسة على ج
...
-
توصيات التقرير وخلط السم الأيديولوجي بالدسم العلمي ./قراءة ف
...
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|