عودت ناجي الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1233 - 2005 / 6 / 19 - 08:54
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تعود ازمة المديونيه الخارجيه الى المراحل المبكره للعلاقات الأقتصاديه غير المتكافئه بين البلدان الصناعيه المتقدمه والبلدان الناميه, ومع ارتقاء الرأسماليه الى مرحلة الأمبرياليه ارتدت ظاهرة الدين الخارجي طابعاً دولياً ,فبسبب أزمة الكساد التضخمي التي اجتاحت العالم الرأسمالي والأزمات المصاحبه لها من جهة وتراجع الطلب على الاستثماروتدهور معدلات الربح من جهة اخرى دفع البلدان الرأسماليه للبحث عن مصادر لتشغيل الأموال المتراكمة في خزائنها من اجل الحصول على الأرباح والفوائد العاليه,وقد حققت عملية تدوير السيولات النقديه الغربيه في بلدان العالم الثالث بأسعار فائدة مرتفعة تراكمات نقديه ضخمه انعكست في ارتفاع حجم الموارد الماليه المتداوله في سوق الدولار الاوربي من235بليون دولار الى 545 بليون دولار.(1)
ان سياسة التساهل التي انتهجتها البلدان الصناعيه المتقدمه في التعامل مع بلدان العالم الثالث أدت الى اغراق البلدان الناميه بديون ضخمه. فبذريعة المعونه و المساعده واصلت سياسة الاقراض وتشجيع البلدان على الاستدانه الخارجيه , ولم تعر اهتماماً لمعرفة قدرة البلدان المقترضه على الوفاء بديونها ,كما لم تعر اهتماماً لمشاكل العجوزات العسيره في موازين مدفوعاتها.ويستشف من ذلك ان هدف الديون الخارجيه التي خططت له البلدان الصناعية الغربيه هو ايقاع البلدان الناميه في كمين المديونيه وأستخدام الديون كأداة لنهب ثرواتها واستنزاف مواردها الماليه وبالتالي استخدام المديونيه مدخلاً لعودة الاستعمار عن طريق القروض والمساعدة الوهميه .
لقد تفجرت أزمة المديونيه الخارجيه عندما اعلنت المكسيك في صيف عام 1982عجزها عن الوفاء بديونها البالغه 92 مليار دولار ولحقت بها دول اخرى كالأرجنتين والبرازيل وطالبت مجموعه من الدول بأعادة جدولة ديونها وتخفيض مديونيتها وأعفائها من الفوائد المترتبه على الديون.
ان المديونيه الخارجيه بمثابة كمين محكم نصبته البلدان الأستعماريه الدائنه لأيقاع البلدان الناميه في شباكها في اطارستيراتيجيه بعيدة المدى تستخدم المديونيه كذريعه للضغط على البلدان المدينه والتوغل في شؤنها الداخليه في سبيل توثيق تبعيتها للدول الدائنه واجبارها على تنفيذ ما يعرف بسياسة الاصلاح الهيكلى.
وتشير المصادر الدوليه ان حجم الديون الخارجيه لدول العالم الثالث قد شهدت نمواًحاداً بلغت اكثر من 1.3 بليون دولار في عام 1988 مقابل 125 مليار دولار هي مديونية الكتله الشرقيه والاتحاد السوفيتي السابق للبنوك التجاريه الغربيه (2)
فالمديونيه تنمو بأرقام مخيفه تثير قلق البلدان المدينه وتؤرقها فخلال الفتره1970-1980 ازدادت ديون العالم النامي من 62بليون دولار الى 481 بليون دولار.وخلال الفتره1990-1996تصاعد حجم المديونيه من1539بليون دولار الى أكثر من2038,8بليون دولار.
لقد اندفعت البلدان الناميه نحو الاستدانه الخارجيه للتعويض عن النقص الحاد في مدخراتها الوطنيه غير القادره على تأمين مستلزمات التنميه الأقتصاديه.ووفقاًلأحصائيات البنك الدولي ان البلدان المدينه سددت في الفتره الواقعه بين عام 1980 و2001 اكثر من4500 بليون دولار ولكن نمت مديونية هذه البلدان اربعة اضعاف ديونها فأرتفعت من 600 بليون دولار عام 1980 الى2500 بليون دولار في عام 2001 (3)
ومن الواضح ان الدول المتخلفه قد سعت للحصول على القروض الخارجيه لمواجهة العجز الحاد في موازين مدفوعاتها.
فتزايد عدد الدول التي اعلنت عجزها عن سداد اعباء ديونها الخارجيه هو احد مظاهر ازمة المديونيه الخارجيه وظهر ذلك في دول عديده منها السودان ومصر والمكسيك والارجنتين وتركيا وبعض الدول الأخرى,ومع الأستمرار في طرق باب الأستدانه المفرطه تحتدم مشكلة خدمات اعباء الديون المتمثله في المدفوعات المتزايده والأقساط في الوقت الذي تتضائل فيه موارد البلدان من النقد االأجنبي , فقد ارتفع اجمالي خدمة الدين للدول الناميه المدينه الى ما يقرب من22 مليار دولار عام 1974 وارتفع الى 76,2مليار دولار في عام1990ثم قفز الى 331,8مليار دولار عام 1999(4)
وتشكل مدفوعات خدمة الدين الخارجي مكوناً هاماً من مكونات عجز ميزان المدفوعات وقد تكون احد اسباب ذلك العجز,ففي عام 1983 كانت الفوائد المدفوعه على الديون تمثل حوالي نصف عجز الموازين الجاريه للبلدان الناميه . وتوضح الدراسات انه مع بداية الثمانينات كانت اعباء خدمة الديون تشكل نسبة من عجز ميزان المدفوعات قدرها 55% في مصر و20% في السودان و67% في تونس و44% في المغرب.(5)
أن من عواقب المديونيه الخارجيه تعاظم التبعيه الأقتصاديه والماليه والتجاريه والتكنولوجيه للدول الدائنه عن طريق العمل بالشروط التي لا تتطابق والطبيعه الهيكليه لأزمة اقتصاديات البلدان الناميه كتخفيض سعر صرف العمله الوطنيه
الأمر الذي أدى الى تمويل المنتجات الوطنيه بأقل الأثمان الى الخارج والأستيراد بأعلى تكلفه ممكنه.
لقد ادت سياسة الدول الأستعماريه في العالم الثالث خلال الحقبه الأستعماريه الى مآسي اقتصاديه واجتماعيه وثقافيه ساهمت في تقويض بنية القطاعات السلعيه من زراعه وصناعه بالأضافه الى تخلف قطاعات التعليم والصحه والخدمات الأخرى وخلفت أزمة المديونيه في البلدان الناميه لتكون احدى آليات التسلل و السيطره والأستغلال المستمر التي كانت من نتائجها المؤلمه تخلف البلدان الناميه اقتصادياً واجتماعياً وتكنولوجياً وعدم تطورها بالشكل الذي يتلائم مع ثرواتها الكثيره , فدول العالم الثالث التي تؤلف اكثر من 135 دوله وتشغل حوالي 70% من سكان الكون فيها اكثر من 65% ممن يعانون من الأميه وأكثر من 500 مليون انسان يعيشون في أكواخ في الوقت الذي لا يتجاوز سكان البلدان المتقدمه 18% من نفوس العالم فأنها تحتكر80% من الثروات الطبيعيه وتتحكم في 90% من اجمالي االمنتوج الصناعي العالمي وتحتكر أكثر من 80% من اجمالي الأرصده والأوراق النقديه في العالم اما حصة البلدان الناميه فلا تتجاوز سوى 20% من هذه الأرصده (6).
وقد اظهر تحليل المديونيه ان أزمة الديون الخارجيه مرتبطه بعوامل خارجيه كالتجاره والحمايه الجمركيه وشروط الأقراض وأرتفاع سعر صرف الدولار والفوائد وخدمات الدين وسياسة صندوق النقد الدولي أكثر من ارتباطها بالعوامل المحليه المتعلقه بالبلدان المقترضه. وبذلك نستنتج ان العوامل الخارجيه هي التي أطلقت شرارة أزمة الديون الخارجيه.
ان أجبار البلدان الناميه على الأستمرار في دفع خدمة ديونها بالرغم مما تعانيه من مشاكل أقتصاديه وأجتماعيه بالغة التعقيد هو في التحليل النهائي موقف لا أخلاقي, فالفرد في هذه البلدان لم ينتفع أطلاقاً من هذه الديون على الرغم من أنه يتحمل تبعاتها خصوصاً و أن هذه القروض قد تم التعاقد عليها من قبل حكومات غير ديمقراطيه وغير منتخبه وبالتالي فهي لا تمثل رغبة المواطنين وأرادتهم.
فقد استغلت البلدان الرأسماليه الدائنه أزمة المديونيه الخارجيه ووظفتها لتحقيق مجموعه من الأهداف الأقتصاديه والسياسيه منها:
1- التدخل في شؤن البلدان المدينه والتأثير على قرارها الوطني.
2- تحقيق أعلى الأرباح والفوائد من عمليات الأقراض والتصدير,
3- فرض المزيد من الشروط الأقتصاديه والسياسيه على البلدان المدينه بأستغلال حاجتها الى القروض الماليه.
4- تعميق تبعية البلدان الناميه المدينه الى النظام الرأسمالي.
فالبلدان الناميه وفقاً لأحصائيات البنك الدولي تدفع في اليوم الواحد للجهات الدوليه الدائنه حوالي700 مليون دولار وهو ما يعادل 500 ألف دولار في الدقيقه الواحده,لذا فالعالم مطالب بأقامة نظام أقتصادي دولي على أسس عادله يؤمن العداله والمساواه وتكافؤ الفرص لكافة الدول و يضع حداً لتسلط الدول الأحتكاريه على البلدان الفقيره والهيمنه على العالم.
فالدول الناميه مدعوه للمطالبه برفع الظلم عنها وتحررها من الهيمنه والأستغلال ومن حقها ان تطالب الدول المستعمره بدفع تعويضات ماليه مقابل ما تعرضت له ثرواتها من نهب متواصل ومنظم.
لذا يجب الغاء الديون الخارجيه وأعتبارها مستوفاة لأنها تشكل جزءاًكبيراًمن الفوائد والأقساط المترتبه على الديون التي سددت اضعاف المرات سابقاً,ومن حق البلدان الناميه ان تعلن رفضها لسداد المديونيه والغائها وهذا ما يتطلب ضرورة تكاتف وتآزر كافة جهود البلدان الناميه المدينة وتشكيل نادي للمدينين لمواجهة نادي الدائنين.
د.عودة ناجي الحمداني
(1)تقرير صندوق النقد الدولي لسنة 1982 باللغة الانجليزيه
(2)صندوق النقد الدولي آفاق الأقثصاد العالمي,مايو عام 2000
(3)مصدر الارقام عبد السلام اديب,المديونيه الخارجيه والعولمه,ندوة المغرب اكتوبر2000
(4)مصدر الأرقام التقرير الأقتصادي العربي الموحد للسنوات 1997و2000
(5)رزق الله هيلان, المديونيه حصان طرواده للأستعمار في البلدان المتخلفه
(6)مصدر الأرقام زهير الكرمي, العلم ومشكلات الانسان المععاصر, الكويت ,1983,ص28
#عودت_ناجي_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟