|
القدرة الكونية ( مرجعها بين وجود المطلق ونسبية الموجود ) The capacity of cosmic ... (ج1)
سجاد الوزان
الحوار المتمدن-العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 20:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بيان مصطلحات العنوان : القدرة : ( Capacity ) لغتاً : تطلق القدرة على معاني متعددة وكثيرة وهي تؤول وتساوي القوة ( القدرة أو القوة ) : ويقال : قَدَرَ وقُدرَةً ومَقدِرَةً ومِقدَاراً، وقِدَراً على الشيء، أي قوي عليه، ويقال قَدَّرَ على الشيء أي أقتدر وجمعه وأمسكهُ . والقُدْرة : هي القوُّة على الشيء والتمكُّن من فعله أو تركه، وفلانٌ ذو مقدرة أي يقايس الشيئين ليعرف مقدار الواحد من الآخر(1)، لأكتمال وتوفر المقاييس لذلك الشيء فأصبح قادراً ومقتدراً . ويقول العاملي النّباطي الفتوني : ( القدرة هي ما يشتمل عليها، فهي بمعنى التمكن من الفعل – وهي تشتمل على الإرادة في المشيئة الحتمية - )(2) . هذا من ناحية المعنى اللغوي .
القدرة الكونية ( التفسير والسيرورة ) :
يلاحظ الإنسان كعنصر وجودي واعي، يمتلك القدرة على الملاحظة وفعل التجربة، وكشخص يحس ويفكر بما حوله ودون سائر الموجودات الأخرى التي تنقاد جميعها وبلا تكلف إلى فكره ومداركه فيحتويها، ولا تحتويه، يفكر لها وبها ومن حولها، دون أن تشعر تلك الموجودات بتلك العمليات الكبيرة التي يقوم بها هذا الكائن الوجودي بعظمته . وكما يقول جون لوك عندما يحلل مكوّنات الهوية الشخصية لهذا الموجود الإنساني فيقول : ( لأنه من غير الممكن بالنسبة لأي كائن – غير بشري – مهما كان، أن يدرك، دون أن يدرك بأنه يدرك . الأمر الذي يجعل كل واحد منا ما يمكن تسميته " هو نفسه " وهي التسمية التي تجعله متميزاً عن أي شخص آخر مفكر ) . (3) نعم إنه الوعي الذي يحتم على الإنسان القدرة على التفكير في مواضيع العالم الخارجي، بل والقدرة على التفكير في الفكر نفسه، لينتج فهماً إدراكياً لما حوله، وفهماً ذاتياً في المقابل لنفسه وحياته ومسيرته وبدايته ونهايته ومصدر أوليته، وعلة نهايته . ومن هذه الناحية أيضاً تتوفر إمكانية تحول موجود إلى موجود آخر، بحيث يكون لكل واحدٍ منهما ماهية مستقلة عن ماهية المتحول الأولي، وخصوصاً في ما يخص المادة حيث يمكننا ملاحظة تحول موجود مادي إلى موجود مادي آخر، حتى قالوا بوجود أصل واحد للعالم، ونتيجة التحولات الطارئة التي حدثت عليه أخذ يتحول من شيء إلى شيء آخر مختلف عنه، كما وإنه لا سبيل للإنكار على إن هذا المتحول هو كان نتيجة ذلك المختلف الأول ولولا الطارئ التحولي الذي يضطر الموجودات إلى التحول من شيء إلى شيء لما كانت هناك موجودات متعددة ومتفاوتة في النوع والجنس وحتى الفضيلة .
البرهان على إن جميع الموجودات تقع تحت الصيرورة والتحول :
دائماً ما يخضع التفسير الكوني إلى استنتاجات عقلية تترتب نتائجها نتيجة تطور المعرفة بذلك الكون، وبعد استخدام الملاحظة والتجربة، وتتبع الظواهر وأستقرائها أستقرائاً تاماً أو ناقصاً . فمثلاً قد أفترض ( بطليموس ) قديماً إن الأرض هي مركز الكون، ووضع الكواكب والشمس حولها في مسارات دائرية وبترتيب : القمر، عطارد، الزهرة، الشمس، المريخ، المشتري، زحل . وظلت هذه النظرية البطليموسية التي عرفت ( نظام بطليموس ) سائدة ما يقارب (16) قرناً من الزمن، ولم يغير رغم الأخطاء الظاهرة فيه . ثم حدثت ثورة على هذا النظام، عندما اعتقد ( كوبر نيكوس )، بأن الشمس هي مركز الكون وليست الأرض، وهي التي تدور حولها الكواكب، وقيل إن أبن الشاطر أول من فند النظرية البطليموسية وقبل كوبر نيكوس . ثم أتبعهم عالم الرياضيات كبلر، وأعقب كبلر عالمٌ أحدث قفزة كبيرة في مفهوم علم الفلك ألا وهو ( جاليلو )، الذي أكد صدق ما توصل إليه كوبرنيكوس، حيث قام ببناء منظاره، حيث رأى أن مجرة درب التبانة مؤلفة من أعداد لا تحصى من النجوم الصغيرة .(4)
ولو فكرنا قليلاً بمكونات الذرة ( atom )، فإننا سنجدها نظاماً كونياً قائماً بذاته، وينتج عند تفاعله أنظمه أخرى أكثر تطوراً وتحولاً، من نفس الذرة، إلا إن عظمة المتحول وزيادة انتظامه ناتجٌ من عظمة نفس الذرة الأولى . ما هيه مكونات الذرة ؟ تتألف الذرة من ثلاث جسيمات : a. البروتونات ( Proton ) ..... ذو شحنة موجبة (+) b. النيوترونات ( Neutron ) .... عديمة الشحنة c. الإلكترونات ( Electron ) .... ذو شحنة سالبة (-) وتتماسك البروتونات والنيوترونات معاً بواسطة قوة هائلة ترصهم وتربطهم معاً، مشكلتاً بذلك النواة، التي تكون صغيرة جداً في مركز الذرة تدور حولها الإلكترونات – شحنة الإلكترون مساوية لشحنة البروتون ومضادة لها - . فلو أخذنا أمثلة على بعض الأصناف النووية، ولتكن النظائر ( Isotops )، ويمكن وصفها بأنها : ( ذرات لنفس العنصر تحتوي عدد مختلف من النيوترونات (n)، حيث تتساوى في أعدادها الذرية (Z)، وتختلف في أعدادها الكتلية (m) ) .(5) فمثلاً توجد ثلاث نظائر من ذرة الهايدروجين (H) : a. هايدروجين (H 1:1) – الذرة الأصلية بلا صيرورة - b. ديتريوم (1:2 D) – بعد الصيرورة الناتج عن موجوده الأول - c. تريتيوم (T 1:3) – بعد الصيرورة الناتجة عن موجودة الثاني – أي (1) عدد ذري، مع وجود فيض نيوتروني يتغير من (1-3)، وبالتالي فإن هذه الصيرورة التحولية لا تبقي الهايدروجين كهيدروجين، على الرغم من إن التحولات الأخيرة هي ناتجة من نفس ذرة الهايدروجين . ويعود هذا إلى وجود قوى جذب تختلف باختلاف طبيعة النويات، فقد يزداد التنافر في ذرة ما فتصبح سهلة السكون وسريعة الفقدان لطاقتها، وقد تصبح شحيحة فتزداد ترابطية النوى وحسب طبيعة القوى التي تنتجها، نتيجة الفيض في مكون من مكوناتها، أو نتيجة النقصان في مكون من مكوناتها، أو حتى التعادل . ومن العجيب إن هذا النظام المصغر للذرة، هو يشبه كثيراً النظام الفلكي في المجموعة الشمسية، حيث إن الإلكترونات تدور في مدارات معينة حول النواة، كما تدور الكواكب الشمسية حول الشمس، بل وتستغل المجموعة الشمسية نفس مفهوم القوى الرابطة والقوى التجاذبية الألكترواستاتيكية للذرة، إلا إنه بصيرورة أكبر، وبقوى أكبر، وطاقة أكبر . نواة ــــــــــ إلكترون ( القوى الرابطة تجاذب كهربائي ) . شمس ـــــــــــ أرض ( القوى الرابطة تجاذب بينهما ) ومن المفارقة العجيبة، هو إن القوى نفسها، إلا إن الطاقة والقدرة الطاقية للقوى الترابطية بين الشمس والأرض هائلة وكبيرة، ويمكن أعتبارها مطلقة بالنسبة للعينة النموذجية من القدرة الطاقية للقوى الترابطية بين النواة والإلكترون في الذرة . النظام الكوني السماوي : شمس ومجموعة شمسية ( علاقة ربط وارتباط ) النظام الذري النموذجي : نواة وإلكترونات ( علاقة ربط وارتباط )
النقص الكتلي وطاقة الربط : Binding Energy
قد يكون النيوترون أثقل من البروتون وذلك بسبب الفرق في إلكترون واحد، فعند حساب كتلة النواة، لا بد من أن تكون قياساً إلى مكوناتها، إلا إنه لوحظ إنها تقل دائماً عن مجموع كتل مكوناتها، ويمكن توضيح السبب في المسألة التالية : لحساب كتلة نواة ذرة الهليوم (He) استنادا لكتلة النيوترون والبروتون المحسوبة قياسياً وكثوابت، إذا كانت الكتلة المحسوبة له عملياً (4.0026 amu) يكون كالتالي : M = Z mp + N mn M = 2 * 1.007825 + 2 * 1.00866 = 4.03297 amu M = m (theory) – m (Experiment) M = 4.03297 – 4.0026 = 0.03037 amu إن هذه القيمة الأخيرة، لم تكن بالحسبان بنظر التجريبي، وهي تمثل الفرق بين القيمة العملية والنظرية، فأين ذهبت هذه الكتلة المفقودة ؟ . إن هذه الكتلة المفقودة قد تحولت إلى طاقة وتدعى هذه الطاقة بـ ( طاقة الارتباط النووية )، وهي المسئولة عن ربط النويات مع بعضها، وتعرف : بأنها ( الطاقة الضرورية للتغلب على قوى التنافر بين البروتونات الموجبة، والمحافظة على النويدات سويتاً داخل النواة، ضمن حجمها الصغير جداً جداً ) .(6) لذا فلا يمكن أن نسمي هذه الطاقة هي طاقة مصروفة ونافذة لوقت محدود، وذلك لأن عملية الترابط مستمرة، وعملية تكوين الذرات مستمرة، فإذا نقلنا هذا المفهوم على النظام الكوني، فسيكون هذا الفرق أكبر وأكبر، لأن الكتلة أكبر، وبالتالي فإن طاقة الربط تكون أكبر، فهي مبذولة في حسابات الرياضيات والعقل، ولكن هي متحولة في نظر الكون والنظام الخارجي . فلو كان هناك نقص معين في الكتلة لتلك المادة لما توفرت طاقة الربط النووية، ولما تغلبت على قوى الذرة، الناتجة من قوى المكونات الداخلية لها، ولما أمكن ربط النواة بما يحيط بها من الكترونات وبروتونات وغيرها . بل وهناك مثال أوضح نذكره وهو حول جزيئة الماء والتي نستخدمها كثيراً في الأمثلة العملية لبساطة مكوناتها وسهولة تكونها . فكلنا نعلم إن جزيئة الماء تتكون من الهيدروجين ( H )، والأوكسجين ( O )، واللذان يتحدان ومن خلال قوة معينة فيشكلان جزيئة الماء . H ـــــــ :O: ــــــــH حيث إن الأوكسجين يكون ذو قوة سحبية ( قوة سحب ) لكل من ذرتي الهيدروجين، تسمى ( بالكهروسالبية )، ناتجة من سحب الكثافة الإلكترونية لكل من ذرتي الهيدروجين فتؤدي إلى تكوين رابطة قوية تربط هذا التركيب تعرف بـ ( التآصر الهيدروجيني )، وتكون سبب في ربط العديد من جزيئات الماء مع بعضها على وجه البسيطة، وهذا يعني إنه لا يكفي توفر مكونات الماء من (H) و (O) لتكوين جزيئات الماء ما لم تتوفر هذه القوى الرابطة . وهذا يفرض علينا أستقرائاً وهو إنه متى ما توفرت مكونات الماء، مع توفر هذه القوى لزم وجود الماء، ولكن هذه القوى هي من حيث العقل خارجة عن كل من هذه العملية الكيميائية، ولكنها لازمة عملياً وتجريبياً، وبالتالي سيقر العقل بوجود ملازمة ربطية بين هذه العملية، وإنها لا تتم إلا بتوفر جميع مكوناتها، وهذا بحد ذاته لا يمكن عده صدفة من حيث توفر كل هذه المكونات لتوفير هذه الجزيئة وغيرها .
مصادر البحث :
(1)المنجد في اللغة والأعلام : مادة قَدَرَ : ص 612 (2)مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار: ص 450 (3)المنهج التعليمي لتعلم الفلسفة : الشخص والهوية : نص 1 . (4)يمكن الأستفادة أكثر مراجعة : أطلس العالم، الكوسمولوجيون وخبايا الكون ( قاسم البغدادي )، الدين والعقل الحديث ( ولتر ستيس ) . (5)محاضرات في الكيمياء الإشعاعية : جامعة البصرة كلية العلوم : قسم الكيمياء : وهي مجموعة من كتاب ( الكيمياء الإشعاعية للدكتور عبد المجيد القيسي ) : المحاضر : الدكتور صبيح الشاوي . ( تم النقل بتصرف كبير ) (6)مصدر سابق ( مع التصرف ) .
#سجاد_الوزان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موت الثقافة وانهزام المثقف ( العراق أنموذجاً )
-
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci
...
-
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci
...
-
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci
...
-
نطالبكم بالنظر لما يجري في العراق والعالم العربي دمٌ ينزف، و
...
-
العرب هوية جنسية : (Arabs sexual identity ) الأتهام وقبح الق
...
-
الجريمة والعنف الاجتماعي (Crime and Social violence )
-
الروح بين العالم العقلي ... العالم النفساني (Mental world… P
...
-
الكون بين أزلية التفكير وإشكالية الوجود (niverse Between the
...
-
الشباب بين مشكلة العقل وخطأ التفكير ( Young people between t
...
-
النظرية العكسية ( Inverse Theory )
-
التطرف الإسلامي ( Radicalism Islamic) أسبابه وعلله
-
نظرية المعرفة عند العرب Epistemology when the Arabs
-
الهوية العربية ...بين أزمة البحث عن الذات، والثقافات الدخيلة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|