رسميه محمد
الحوار المتمدن-العدد: 1233 - 2005 / 6 / 19 - 08:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أن العولمة هي أحدى النتاجات الاساسية للتشابكات الاقتصادية الداخلية والخارجية للرأسمالية المعاصرة . وقد تنبأ ماركس وانجلس قبل اكثر من 150 عاما بتشكل هذه الظاهرة حين أشارا الى أن البرجوازية سوف تجتاح العالم بأسره مدفوعة بالحاجة لايجاد المزيد من الاسواق لتسويق منتجانها ,وعليها أن توجد في كل مكان وتستغل كل شيئ, وتعقد العلاقات أينما كان. فمن خلال استغلال السوق العالمي تضفي طابعا كوزموبولتيكيا على الانتاج والاستهلاك في كافة البلدان(1). وهذا يعني أن العولمة ليست هي سوى تجديد لاساليب الهيمنة الرأسمالية بسيطرتها على أسواق التصريف , المواد الاولية , ومناطق توضيف الرساميل في البلدان غير المتطورة لنهب ثرواتها .. وفي سبيل ذلك تعمل لكبح عوامل التطور في هذه البلدان, ولخنق مطامح شعوبها الى التقدم. لابد اذن أن تكون القواعد الفكرية والايديولوجية التي اعتمدتها الرأسمالية العالمية هي نفسها القواعد الفكرية والايديولوجية التي تعتمدها الرأسمالية المعولمة بل ان العولمة الراسمالية تحتاج أن تضيف اليها قواعد فكرية وايديولوجية جديدة ايضا لانها تعمل في ظروف يتعاظم فيها دور النشاط الفكري واثره في دفع حركة التطور التاريخي الى امام أو شدها الى الخلف. لهذا نجدها عظيمة الحرص على أن تقرن كل نشاط لها سياسي او اقتصادي أو اجتماعي , بنشاط في مستواه تماما في المجالات الفكرية فهي تنين ذو مئة رأس , وقد يكون رأسها الفكري أخطر رؤسها كلها . ولكن هناك رؤوس تبدو منفصلة تماما عن جسد التنين , فلا تثير ريبة بأمرها , حتى لتستطيع أن تفعل فعل التنين ذاته دون دون أن يعرف أحد من اين اتى , وكيف ... هناك أفراد او فئات أو مؤسسات ذات وجه سياسي تعبئها الرأسمالية المعولمة في صفوفها الخفية وتقنعها بوجوه سياسية وثقافية وطنية مستعارة هي من دقة الصنع بحيث لاتدع مجالا للشك فيها بأنها حقيقية وطبيعية . وهي بهذه الطريقة من التضليل والتمويه تعمل لخاق جو فكري معرقل للحركة الديمقراطية الشعبية أو لخلق تيارات فكرية تشيع في صفوف الجماهير الشعبية أو جماهير المثقفين أشكالا من الافكار أو الاوهام أو المشاعر التي توقض النزعات الفردية أو تدغدغ الغرائز البهيمية الى أخر ماهناك من دعوات هدامة تلبس لباس الرأي أو الفكر.... ازاء هذا الوضع لابد أن نتذكر تلك الواقعات الفاضحة التي كشفتها الصحافة الامريكية نفسها من علاقة وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بكثير من المنظمات الاجتماعية والطلابية والثقافية المنتشرة في بلدان القارتين الاسيوية والافريقية بالخصوص. ومنها المنظمة العالمية لحرية الثقافة كما يذكر الجميع(2). اننا بنظرة علمية لحركة التطور التاريخي, ينبغي أن نرى بوضوح دور الافكار في التأثير على مسيرة التطور هذا , بالقدر نفسه الذي نرى فيه دور حركة التطور في التأثير على اتجاهات الافكار.. ان مكافحة الرأسمالية المعولمة في المجالات الفكرية ينبغي ان تتوازن مع سائر أشكال الكفاح السياسي والجماهيري الشعبي. وهذه الرؤية تتطلب النظر بجد – الى واقع مجتمعنا العراقي , والى الافكار التي تنعكس على هذا الواقع من جوانبه السلبية والايجابية معا, والى الدور الذي تؤديه هذه الافكار أو تلك في دفع المسيرة التقدمية لشعبنا الى الامام أو في كبح هذه المسيرة وتأخيرها.أن الاخذ بهذه الخطة في مكافحة الرأسمالية المعولمة يستوجب منا كشف الاستار عن الافكار والاساليب التي ترسي عليها الرأسمالية العالمية , اهم دعائم وجودها وادهى أشكال حضورها في مجالات النشاط المختلفة عندنا.... واذا نقلنا الكلام في هذا الموضوع من نطاق النظري الى نطاق العملي ومن نطاق العام الى نطاق الخاص يستوقفنا توجه خطر غير منظور لرسملة المنظمات الجماهيرية الوطنية والديمقراطية واليسارية العراقية علما أن هذا التوجه لايقتصر فقط على المنظمات العراقية, أن عملية الرسملة تتم بصيغة مساعدات مالية تقدم من مؤسسات راسمالية رسميه أو من جهات مرتبطة بها الى اشخاص يعملون في هذه المتظمات الجماهيرية بشكل مشاريع خدمية أو ثقافية أو اعمارية وباسم هذه التجمعات والهدف الحقيقي وراء هذه المساعدات هو تفكيك هذه التجمعات وحرفها عن أهدافها النضالية الحقيقية وتجذير الاتجاهات الايديولوجية الغربية في صفوفها والتنكر لكل التراث الفكري الثوري بما يحتويه من قيم انسانية رفيعة. لقد ادعى( أبطال هذه المشاريع) أن الهدف من هذه المشاريع هو خدمة الوطن والشعب العراقي كما ادعو سابقا ان الهدف منها هو خدمة الجالية العراقية في الخارج, ويحتمل جدا انهم مقتنعين بهذا الطرح , ولكن لايمكننا أخذ الادعاء أو حتى القناعة برهانا على أي شيئ. لقد تمت صياغة الخطاب والدعايات التي انتجها ( ابطال المشاريع) المتلفعين بيافطات وطنية وديمقراطية ويسارية وفق مصطلحات اختيرت بدقة وعناية , أما الممارسة العملية فتتنافى تماما مع التوجهات الوطنية والديمقراطية واليسارية. فهم اولا- يستعيضون عن المفهوم التقدمي الجماهير صانعة التاريخ بمفهوم المال كل شيئ من أجل الحركة, لااحد يمكن ان ينكر اهمية المال في تمشية الاعمال ولكن اطلاق دور المال بشكل كلي لايمت بصلة لاي فكر تقدمي.كما يستعيضون عن مفهوم العمل النضالي المجاني الذي هو سر الوجود الانساني وغايته بمفهوم المنفعة المادية الشخصية في العمل النضالي ويسعون لتجذير هذا التفكير في نفوس الجميع , ولا يخفى على أحد ان تجذير هذه الافكار في نفوس الناس يشكل خطرا جديا كابحا للحركة الثورية . ثانيا – يسعون لتنمية الميول المادية الخيالية اللاطبيعية, الفاسدة وغير الانسانية لدى بعض العاملين في هذه المنظمات وارشائهم بهدف خلق بطانة لهم تكرس لهم هيمنتهم في هذه المنظمات وتضمن لهم استمرار نعمتهم , كما يسعون لارهاب البعض نفسيا وفكريا بهدف اسكاتهم واخضاعهم وبالتالي تحييدهم, ويسعون للانتقام من العناصر التي تتصدى لهم ولاتسير في ركابهم. وبذلك تتحول هذه التجمعات الجماهيرية الى مجتمع طبقي متناحر تتجلى فيه عدم المساواة المسببة للحسدوللشقاقات بين أقلية تستحوذ على مصادر المال واغلبية محرومة وبذلك تتحول علاقات الرفقة والتضامن في هذه المنظمات الى علاقات تناحرية تدمر وحدة هذه المنظمات وتبعدها عن الاهداف النضالية الوطنية التي قامت على أساسها. كما انها تضعف ثقة الجماهير بهذه المنظمات وتدفعها للانفضاض عنها وعن الجهات السياسية الوطنية والديمقراطية واليسارية التي تقف ورائها وهنا بالذات تكمن خطورة هذه التوجهات وضروة التصدي لها. ولايقتصر نشاط هذه العناصر والفئات على تعقيد العلاقات داخل المنظمة تفسها بل تسعى لخلق صراعات تناحرية بين المنظمة المعنية والمنظمات الاخرى التي تمتلك ذات التوجهات والتي من المفترض أن تقوم بينها علاقات تنسيق وتعاون. وكمثال ملموس الصراع الذي افتعلته هذه العناصر بين الجمعيات النسائية وتشكيلات رابطة المرأة العراقية في الخارج وزجت فيه عناصر لامصلحة لها في هذا الصراع داعية لمنع تشكيلات الرابطة من الظهور مموهة مواقفها على انها رأي او فكر في حين ان حقيقة ممارساتها تخرج عن نطاق الفكر او الرأي , وفي الوقت الذي تسود فيه مفاهيم التعددية والديمقراطية وفي الوقت الذي سعت فيه وابطة المرأة العراقية وطيلة تاريخها النضالي للتنسيق مع المنظمات النساشية الاخرى من أجل وحدة الحركة النسائية ليس على الصعيد المحلي فقط بل على الصعيد العربي والدولي من خلال مساهمتها الفعالة في الاتحاد النسائي العربي والاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. والدافع الحقيقي لافتعال هذا الصراع ولمنع تشكيلات الرابطة من الظهور هو لضمان هيمنة (ابطال المشاريع) على المنظمات الجماهيرية كلها وابقائها تحت تأثيراتهم ونفوذهم. فتشكيلات الرابطة لاتخضع لاي تاثيرات خارجية ولاتتلقى دعم من أي جهة وهي مستقلة في توجهاتها واهدافها النضالية والعمل فيها مجاني طوعي فضلا أن العاملات فيها يمولن أوجه النشاط بدخولهن الشخصية المتواضعة جدا. وبعد أن اصبحت تشكيلات الرايطة في الخارج واقعا لايمكن الغائه, وعشية التحضير الى المؤتمر العام الخامس لرابطة المرأة العراقية , بدأ سباق هذه العناصر المحموم للوصول الى المؤنمر ولشن حملة افتراء وتشويه مسعورة ضد أبرز الناشطات في اللجان التحضيرية لمؤنمر الرابطةومن ضمنهن كاتبة هذه السطور والسعي حتى لتعقيد علاقاتهن مع اصدقائهن ومعارفهن. والدافع الحقيقي وراء هذه التحركات هو السعي للهيمنة على الرابطة وتوجيهها الوجهه التي تتماشى مع مصالحهم المادية ومصالح المؤسسات العولمية. لذا أناشد جميع الخيرين الحالمين بغد مشرق للبشرية جميع الذين تعز عليهم محنة الشعب العراقي ويقض مضاجعهم استلاب الوطن من سياسيين ومثقفين ومواطنين شرفاءأن يتمحصوا في هذه التوجهات الخطرة الرامية لتغريغ المنظمات الجماهيرية من محتواها النضالي الشعبي وتوجيهها بما يتناسب مع الطموحات الطفيلية والانانية لبعض العناصر والفئات ومصالح المؤسسات العولمية المرتبطة بها, وأن يتصدوا لهذه التوجهات بحس طبقي وبيقظة ثورية فأن القوى الرأسمالية المعولمة تريد اقناع الناس بنظرية نهاية التاريخ وعلينا نحن اثبات العكس.
الهوامش
1- النهج عدد53 ص 105
2- دراسات في الفكر/ص 225
#رسميه_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟