حُسام كصّاي
الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 12 - 22:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مرت اكثر من عشرة اعوام ومازالت صورة المشهد السياسي والامني يكتنفه الكثير من الضبابية والتضليل المتعمد, والتشويه المقصود لتماهي الأصل بالصورة, وإحداث الفجوة الأمنية التي عُدت المدخل لتفكيك أواصر المجتمع وتمزيق وحدته الوطنية والدفع به الى التخندق الطائفي الذيصور للمذاهب بإنه هو الحامي والحارس لها من شرور وتطرف المذاهب الاخرى, مما جعل الطوائف بدلاً من ان تكون متعايشة سلمياً صارت تحمل الضغينة للطوائف الاخرى وتعد العُدة, لأنها لم تعد طوائف تعايش سلمي بل تخاصم سلمي مبطن يتحين الفرصة للفتك بالأخر باسم المقدس والدين والطائفة.
إن مسألة الطائفية قد طُرحت بقوة في العقد الأخير في العالم العربي والشرق الأوسط خاصة بعد احتلال العراق، ومحاولة تأسيس الدولة العراقية (الجديدة) على أسس عرقية وطائفية؛ وهذا الأمر أدخل العراق في دوامة من العنف الطائفي؛ وتنصيصها في الدستور الدائم للدولة سنة 2005 والتي جاءت الديمقراطية التوافقية كسكة يمضى على اكتافها العنف والطائفة والتمذهب العنصري, ليجد مُسبباته ومُسبقاته التي ضحت بما لديها لترسيخ فكرة الطائفية والعنف المسلح وجعلت من خيار الحرب الأهلية شعاراً من الممكن العودة إليه إذا اقتضت الضرورة.
وأن من أهم أسباب العنف الطائفي في العراق هو المحتل الأمريكي، الذي حكم العراق منذ (2003)، الذي أرسى دعائم نظام طائفي وعرقي، ووضع دستورًا يُمَهِّد لهذا التقسيم بحيث يكون العراق دولة ضعيفة ومُفككة، سهل ابتلاعها, وفق سياسات الاحتلال التي عملت على حل مؤسسات الدولة ونشر الفوضى، وعدم ضبط الحدود المفتوحة على مصراعيها؛ الأمر الذي سهل دخول عناصر ومجاميع مسلحة كان لها دور فَعَّال في إذكاء العنف الطائفي خاصة القاعدة والميليشيات, وهو أمر متعلق بتدخلات دول الجوار في الشأن الداخلي والمحلي.
وعلى ما ويبدو أن تدخلات دول الجوار كان لها دور كبير في تغذية العنف الطائفي في العراق، وكان من أبرز هذه الدول إيران من خلال علاقتها بالأحزاب المرتبطة بها والميليشيات المسلحة، التي كان لها دور في إذكاء العنف الطائفي في العراق, والتي تمتلك حصة الأسد بما يتعلق بطول الحدود مع العراق, دون نسيان الموقف السوري الذي لا تقل حدودة عن الحدود مع ايران, والحال ينطبق على السعودية, .. وقد رتب العنف الطائفي في العراق تبعات وتداعيات على الفرد والمجتمع العراقي ثقافيًّا واجتماعيًّا وأمنيًّا، بالرغم من أن الشعب العراقي لم تكن له اليد الطولى في هذا المجال, بل أصبح بلداً من الفقراء والايتام والمشردين والجياعى والمهجرين والمهاجرين والعُزّل, بل اصبح وطناً لا يصلح ملاذاً لفئات كثيرة من الشعب .. ذلك لأن النظام الطائفي يقوم على التمييز بين المواطنين، ومنح الامتيازات لفئة منهم دون أُخرى حسب ترتيب الأولوية الطائفية؛ وبالتالي يثير التعصب والحقد والتنافر والتناقض اللاموضوعي بين المواطنين؛ مما يؤدي إلى تدمير المجتمع والدولة ويدفع نحو ممارسة ثقافة العنف واستخدام السلاح كوسيلة لأسترداد الحقوق المُستلبة, وكآلية تعيد للطوائف الأخرى مكانتها وتمحو شعورها العنيف بالظلم والجور.
فالطائفية تعني اليوم _ بشكل أساسي عندما تستخدم في الحديث السياسي _ العصبية الدينية أو المذهبية، والفعل الطائفي يرد عليه بفعل طائفي فهي شر ممتد ومستمر, والطائفية السياسية آفة الحياة السياسية وموهنة للحياة الوطنية، وهي مكمن الفساد؛ لأن الزعماء لهم قدسيتهم كون الطائفية متراسهم وحاميهم، وهي معوق أمام تطور الممارسة الديمقراطية في المجتمع، بل هي ضد الديمقراطية ومشروعها, وضد الوطنية ومدنيتها ومواطنيتها, فأصحاب المناصب يأخذون مناصبهم حسب قوة طوائفهم وليس حسب كفاءتهم، وهذه هي الطامة الكبرى.
وإن الدولة الطائفية تجعل النسيج الاجتماعي يهترأ وخيوطه تتقطع، وكلما ازداد التمييز والاضطهاد الطائفي ضعف النسيج الاجتماعي, وهي بالحقيقة ليست دولة بل دولة ميليشيات, ومجاميع مسلحة يحكمها منطق العنف والسلاح, دولة ولدت في رحم الأزمات ولا يمكنها الإستمرار إلا من خلال الازمات التي تعتاش عليها وعلى نتائجها لتبرر استمرارها في السلطة وتضمن بقاءها لمدة اطول, لذا نجد ان المسبب لمجمل الاحداث في البلاد هو المحتل الأمريكي حيث كتب باتريك سيل الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ما مفاده: «إن مسؤولية هذا العنف وغياب الأمن تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى الولايات المتحدة؛ فهي قوة الاحتلال القائمة في العراق، التي تمسك بالقرار العسكري والأمني بعدما فككت وألغت الجيش العراقي وأجهزة الأمن والإعلام؛ بناءً على قرار مبعوثها بول بريمر الذي لم يدَّخر وسعًا لتفكيك الدولة العراقية، وإضعافها وهدم مؤسساتها، وتبديد كوادرها المدربة صاحبة الخبرة».
وعلى الصعيد ذاته، كتب تشارلز تريب قائلاً «إن أمريكا تخلصت من صدام واحد لتحل محله خمسين صدامًا»، وأضاف «بالنسبة إلى كثير من الناس أصبح شق طريقهم وسط (الصدامات) وما لدى هؤلاء من ميليشيات، ومراكز اعتقال، ومحاكم محلية، وإتاوات - واقعًا من واقع الحياة، البعض قَبِلَ هذا الوضع بوصفه ثمنًا لأمن أوفر لأُسرهم، وآخرون فرُّوا لأنهم يعرفون ثمن رفض الانصياع والخروج على الواقع», .. بل صنع الحرامي الواحد اربعون حرامي او الف كلهم تميزوا بأحتراف مهنة السرّقة والسطّو على ممتلكات الدولة والتربح بالمال العام, وتحويل العراق الى سوق لتهريب رؤوس الأموال مقابل تصدير رؤوس الأموات ...
فسلاماً عليكَ يا وطني الكبير بالمعاناة !!
#حُسام_كصّاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟