أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - داود تلحمي - مسارات الصراع العربي - الإسرائيلي بين حربين (1967-1982)















المزيد.....



مسارات الصراع العربي - الإسرائيلي بين حربين (1967-1982)


داود تلحمي

الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 12 - 21:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


واصل الأستاذ الجامعي والمؤرخ المستشرق البارز هنري لورانس عمله الموسوعي حول "المسألة الفلسطينية"، لينشر في العام 2011 الجزء الرابع من سلسلة كتبه التي تحمل هذا العنوان المشترك، والتي تناولت تطورات المسألة الفلسطينية في المراحل المتعاقبة من القرنين الأخيرين.
وهذا الجزء الرابع، الأحدث، يغطي الفترة بين حربين: حرب 1967 وحرب 1982، أي انه يبدأ بالحديث عن الحرب الإسرائيلية على بلدان الجوار العربي في حزيران/يونيو 1967 ثم يتناول تطورات المسألة الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي طوال السنوات الخمس عشرة اللاحقة وصولاً الى مطلع حزيران/يونيو 1982، عشية الحرب الإسرائيلية الأخرى، هذه المرة على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويقع الكتاب، الذي يحمل عنواناً فرعياً "غصن الزيتون وبندقية المقاتل"، في 896 صفحة من الحجم المتوسط.
وللتذكير، فإن الجزء الأول من هذه السلسلة من مؤلفات الكاتب، وهو الجزء الذي صدر في العام 1999، تناول الفترة من 1799، تاريخ محاولة نابليون بونابارت التمدد من مصر شرقاً عبر فلسطين، وحتى العام 1921، العام الذي شهد تنامي المعارضة الفلسطينية للهجرة الصهيونية عشية صدور قرار عصبة الأمم بفرض الإنتداب البريطاني على فلسطين. أما الجزء الثاني، الذي صدر في العام 2002، فيتناول الفترة من 1922 وحتى 1947، عام صدور قرار تقسيم فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، أي انه يغطي عملياً الفترة الأساسية للإنتداب البريطاني على فلسطين. أما الجزء الثالث فيتناول الفترة من 1947 وحتى مقدمات حرب حزيران/يونيو 1967.
وقد اختار المؤرخ أن يركّز على "المسألة" الفلسطينية، وليس على تاريخ فلسطين، كبلد، أو تاريخ الشعب الفلسطيني بحد ذاته. ومن هذا المنطلق، فهو يتناول تطورات قضية، أو مسألة، فلسطين في سياقها الإقليمي والدولي كأرض صراع وأطماع خارجية وتدخلات وتداخلات مع المحيط العربي وغير العربي. ولذلك فهو، في هذا الجزء الرابع الذي نحن بصدده، لا يتحدث حصراً عن مقاومة الشعب الفلسطيني وعملياته المسلحة وحركته السياسية والدبلوماسية، بالرغم من انه يعطيها حيزاً واسعاً، ولا عن منظمة التحرير والتنظيمات الفلسطينية، بالرغم من انه يتناولها ويتناول مواقفها الرئيسية كلما اقتضت التطورات ذلك، ولكن دون أن يدخل في تفاصيل وآليات العمل الداخلي في المنظمة وبين تنظيماتها إلا بمقدار ما يتعلق ذلك بمسار "المسألة الفلسطينية". وإنما يتناول تطورات البلدان المحيطة بفلسطين بما لها من إنعكاسات وتأثيرات على "المسألة الفلسطينية"، كما يعطي إشارات لتطورات مهمة حدثت على الصعيد الدولي لها تأثيرها أيضاً على مسار المسألة الفلسطينية والصراع العربي- الإسرائيلي وعلى أوضاع المنطقة الشرق متوسطية.
***
وكان الكاتب قد تحدث في مقابلة أجرتها دورية "إيسبري" الفرنسية معه ومع المؤرخ الإسرائيلي، العراقي المولد، المقيم في بريطانيا منذ عدة عقود، آفي شلايم، ونشرها موقع "أوروزين" الإلكتروني بتاريخ 16/11/2010، فأوضح أسلوبه في الكتابة التأريخية في هذه السلسلة من الكتب، حيث قال: "أسعى باستمرار الى توسيع الموضوع حتى أكون أقل خضوعاً للضغوط الداخلية، والعذابات والعواطف التي يثيرها هذا الصراع. ووفق هذا المنطق، اخترت أن أتحدث عن "مسألة فلسطين" وليس تاريخ فلسطين أو تاريخ الصراع الإسرائيلي- العربي. وهذا التوسيع يسمح لي بإدماج تعددية الأطراف الفاعلة- المحلية، والإقليمية أو الدولية...- وكذلك الصراعات على الأرض...".

ديغول لكوسيغين: واشنطن تقرر بقاء إسرائيل في الأراضي المحتلة أو انسحابها

ويفتتح المؤرخ كتابه باستشهاد ملفت للإنتباه من أحد محاضر اللقاءات الرسمية الفرنسية، وهو لقاء جرى يوم 1/7/1967 بين الرئيس الفرنسي شارل ديغول ورئيس الحكومة السوفييتية ألكسي كوسيغين، الذي كان عائداً من لقاء أجراه في بلدة غلاسبورو في الولايات المتحدة مع الرئيس الأميركي ليندون جونسون، تناول في ما تناول قضية الحرب التي شهدها شرق المتوسط في شهر حزيران/يونيو السابق، وذيولها الإقليمية والدولية. وينقل الكاتب عن الرئيس الفرنسي قوله: "بالنسبة لإسرائيل، فسيكون من الصعب جداً تأمين عودتها الى مواقعها السابقة. هذا سيستغرق وقتاً ويتطلب ضغوطات كبيرة. وعلى أية حال، كل شيء يتعلق بالولايات المتحدة. فإذا كان هؤلاء (يقصد الولايات المتحدة) يشجعون إسرائيل من تحت الطاولة على البقاء، فستبقى، ولكن إذا وافقوا على فكرة عودة إسرائيل، فستعود" (صفحة 9). وفي هذه الكلمات تشخيص واضح ودقيق لطبيعة العلاقة بين الحليفين الأميركي والإسرائيلي وسلوكهما بشأن الأراضي العربية المحتلة في تلك المرحلة وما بعدها.
أما رئيس الحكومة السوفييتية، فقال من جانبه للرئيس الفرنسي: "جونسون قال لي ان القوات الإسرائيلية ينبغي أن تخلي الأراضي المستولى عليها، ولكن ينبغي من أجل ذلك حل قضايا مثل الإعتراف بإسرائيل وحرية الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة، وقضية اللاجئين الفلسطينيين...". ويضيف كوسيغين: "اقترحنا البحث في مسألة الإنسحاب (يقصد طبعاً من الأراضي المحتلة) بشكل منفصل، ولكن جونسون لم يوافق... ومن السذاجة محاولة حل مشكلة اللاجئين كما يقترح هو، من خلال هجرة قسم منهم الى كندا وقسم آخر الى الولايات المتحدة، حيث قال لي بأن أميركا ستقبل بهم. لكن اللاجئين لا يقبلون بذلك لأنهم يريدون العودة الى أماكنهم" (صفحة 9-10). وهنا أيضاً يكشف المسؤول السوفييتي عن معرفة جيدة بمعطيات منطقتنا، كما عن النوايا الأميركية بتوظيف التشبث الإسرائيلي بالأراضي التي احتُلت أثناء الحرب كورقة ضغط قوية للحصول على تنازلات كبيرة من الجانب العربي لصالح إسرائيل، وبالتالي لصالح استراتيجية الولايات المتحدة، بما في ذلك في مجال السعي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، الجانب المركزي في القضية الفلسطينية آنذاك.
ويواصل الكاتب توضيح المعطيات المتعلقة بتلك الحرب، فيورد كلاماً لمستشار الرئيس الأميركي جونسون، والتر روستو، في مذكرة قدمها للرئيس في نهاية اليوم الأول للحرب، أي يوم 5/6/1967، يفيد بما معناه ان "الحرب يجب أن تقود الى تسوية سياسية شاملة للصراع على أساس التفوق الكاسح للإسرائيليين وليس على أساس وقف إطلاق النار الذي لا يحل شيئاً"(صفحة 16). وهو ما يشير بوضوح الى حقيقة الرهانات الأميركية على نتائج هذه الحرب. وهو ما اعتبره الكاتب تحولاً في الموقف الأميركي، خاصة بعد أن صدر التصريح الشهير للرئيس جونسون في 19/6/1967 والذي يتحدث عن المبادئ الخمسة لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن ضمنها وردت صيغة "حدود آمنة ومعترف بها"، بما يشير الى إمكانية تغيير الحدود السابقة للحرب، ومما يوحي ضمنياً باستمرار الإحتلال الإسرائيلي حتى رضوخ العرب للشروط الإسرائيلية- الأميركية. (صفحة 40، والهامش 64 صفحة 821)
ويورد الكاتب في هذا السياق بعض ما قاله السفير الأميركي في منظمة الأمم المتحدة، آرثر غولدبرغ، في لقاء خاص مع السفير الفرنسي في المنظمة الدولية، حيث أكد رأي إدارته بأنه ينبغي ألا تكون هناك أية ترضية للعرب لأن ذلك يخدم الإتحاد السوفييتي، وان على الأطراف العربية أن تحاور إسرائيل بشكل مباشر (صفحة 43). ومثل هذه المواقف لم تكن معلنة آنذاك.
وبالرغم من أن قرار مجلس الأمن الرقم 242 الصادر يوم 22/11/1967 لا يشير الى "المفاوضات المباشرة" بين العرب والإسرائيليين، إلا ان كلام غولدبرغ يكشف التوافق الأميركي- الإسرائيلي لاستبعاد أي دور دولي، وخاصة دور الإتحاد السوفييتي، ولكن أيضاً دور دول مثل فرنسا أو بريطانيا كانت مواقفها أقل التصاقاً بالموقف الإسرائيلي من الموقف الأميركي، في عملية التفاوض، ووضع العرب في واقع الحال تحت رحمة المفاوض الإسرائيلي، الخارج من انتصار عسكري كاسح، والذي يسعى أن ينعكس هذا الواقع الميداني على نتيجة التفاوض، عبر فرض الشروط الإسرائيلية على الأطراف العربية.
من جانب آخر، أورد القرار 242 الصيغة التي استخدمها الرئيس الأميركي جونسون في تصريحات سابقة بشأن "الحدود الآمنة والمعترف بها"، وهي صيغة، وإن بدت بريئة ظاهرياً، لكنها تتضمن فعلياً، كما سبق وذكرنا، إجازة لإسرائيل للمطالبة بتعديل حدود ما قبل الحرب تحت يافطة "الحدود الآمنة" بحجة ان حدود الهدنة للعام 1949 لم تكن آمنة. أي انها عملياً تتيح لإسرائيل رفض العودة الى حدود ما قبل حرب 1967. وهذه الصيغة لفتت انتباه الوسيط الدولي الخاص الذي تم تعيينه على أرضية القرار 242، وهو السفير السويدي غونار يارينغ، الذي ينقل عنه الكاتب في لقاء مع الممثلية الفرنسية في الأمم المتحدة في صيف العام 1970 انزعاجه من هذه الصيغة في القرار 242 وتقديره بأن صيغة "الحدود المعترف بها" كانت كافية بحد ذاتها (صفحة 273، وكذلك الهامش 83 صفحة 841).
وبصدد القرار 242، يورد الكاتب أن مندوب بريطانيا في الأمم المتحدة في العام 1967 اللورد كارادون، الذي صاغ النسخة الإنكليزية من القرار، هو أيضاً من صاغ النص الفرنسي للقرار، وأن كلا النصين لهما نفس القوة القانونية. ومعروف أن النص الإنكليزي يتحدث عن انسحاب من "أراضٍ محتلة"، فيما النص الفرنسي يشير الى "الأراضي المحتلة". ويورد أيضاً نقلاً عن المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة معلومة تفيد بأن الوفد الإسرائيلي حاول قبل التصويت على القرار تغيير النص الفرنسي، لكن اللورد كارادون، وكذلك الوفد الفرنسي، رفضا ذلك (صفحة 81).
ويرى المؤرخ أن اللوبي الإسرائيلي لم يلعب دوراً رئيسياً في الولايات المتحدة خلال إدارة جونسون، نظراً لأن جونسون نفسه كان مؤيداً لإسرائيل، وكان منذ البداية يستبعد تكرار سيناريو 1957، حين ضغط الرئيس الأميركي آنذاك دوايت أيزنهاور على إسرائيل للإنسحاب من سيناء وقطاع غزة اللذين احتلتهما ابان الهجوم الثلاثي مع فرنسا وبريطانيا على مصر في أواخر العام 1956 (صفحة 159).
والسياسة الأميركية ذاتها استمرت بعد رحيل إدارة جونسون وحلول إدارة ريتشارد نيكسون في مطلع العام 1969، مع ان نيكسون لم يكن شخصياً بنفس درجة الود تجاه إسرائيل كسلفه. لكن مسألة "الشرق الأوسط"، أو الصراع العربي- الإسرائيلي، وُضعت من قبله ومن قبل مستشاره للأمن القومي ذي النفوذ الواسع هنري كيسنجر، في سياق دولي أوسع: فبالنسبة لكيسنجر الذي لا يعبأ بالقرارات الدولية وقدسية الحدود ويهتم بموازين القوى، حسب الكاتب، "الفكرة هي إفهام السوفييت من خلال الإتصالات الثنائية بأن خطوات التقدم في الشرق الأوسط مشروطة بالتقدم في الملف الفييتنامي" (صفحة 181).
ومعروف ان قضية فييتنام كانت في أوج اشتعالها في أواخر الستينيات، بالرغم من بدء المفاوضات الأميركية- الفييتنامية في باريس في العام 1968، وهي مفاوضات لم تنته إلا في العام 1973 عندما تم توقيع اتفاق باريس، وهو اتفاق لم يحل دون مواصلة الفييتناميين لمعركتهم لإعادة توحيد البلد، وهو الهدف الذي تحقق في ربيع العام 1975. وهنا يبدو واضحاً من خلال ما يورده الكاتب من معلومات وتفاصيل أن الإدارة الأميركية، التي سيزداد نفوذ كيسنجر فيها بعد انفجار فضيحة ووترغيت في العام 1973، كانت تسعى، بمعزل عن الإعتبارات الخاصة بدول الشرق الأوسط، الى استبعاد الإتحاد السوفييتي من المنطقة والإستئثار بالنفوذ فيها، كبديل عن خسارة الهند الصينية (فييتنام وكامبوديا ولاوس) لصالح ما يعتبره الأميركيون النفوذ الشيوعي. بحيث تبدو الأمور بالنسبة لكيسنجر وكأن العالم رقعة شطرنج كبيرة يحرك اللاعب الأميركي فيها حجارته في تنافس فعلي، أو مفترض، مع الخصم السوفييتي على السيطرة على هذه الرقعة الجغرافية أو تلك. علماً بأن منطقة "الشرق الأوسط" باتت، في تلك الحقبة، ذات أهمية استراتيجية كبيرة بفعل تنامي حجم النفط والغاز المكتشفين والمستخرجين فيها.
***
ويعطي الكاتب حيزاً مهماً للتطورات التي شهدتها منطقة الصراع بين العامين 1967 و1970، وخاصة صعود المقاومة الفلسطينية بعد معركة الكرامة في آذار/مارس 1968، وكذلك حرب الإستنزاف التي خاضها الجيش المصري ضد القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس، وهي حرب كبًدت إسرائيل خلال عامين، حسب الكاتب، خسائر لا تقل عن خسائرها خلال حرب 1967 (صفحة 209). وهنا يتناول الكاتب ردود الفعل الإسرائيلية المتصاعدة على هذه الحرب، والتي كانت تدعو الى استخلاص الدرس من هذا الإستنزاف من خلال "التصعيد لتدمير الجيش المصري وإسقاط عبد الناصر"، وفق ما قاله السفير الإٍسرائيلي في الولايات المتحدة إسحق رابين، الذي كان رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي ابان حرب 1967، الحرب التي بات من الواضح أن الإطاحة بعبد الناصر كان أحد أهدافها الرئيسية بالنسبة للإسرائيليين والأميركيين على حد سواء.
ويورد الكاتب تصريحات شبيهة بتصريح رابين هذا على لسان وزير المواصلات في الحكومة الإسرائيلية عيزر فايتسمان ووزير الدفاع موشيه دايان. كما ينقل الكاتب عن مقال نشره شمعون بيريس الذي أصبح وزيراً في الحكومة التي تشكلت في 15/12/1969 برئاسة غولدا مئير، بعد انتخابات الكنيست في الشهر السابق، قوله ان "ناصر سينتهي بالسقوط، وخلفاؤه سيضطرون للإهتمام بالوضع الإقتصادي ويفضلون مصلحة بلدهم على العالم العربي، وبالتالي يتفاوضون مع إسرائيل" (صفحة 224). وهو كلام يتجاوز الإستشراف الى التعبير عن توجه ورهان مبكر على فصل مصر عن محيطها العربي.
ويضيف شمعون بيريس في المقال ذاته: "ينبغي التحادث مع الفلسطينيين وحتى في وقت ما مع "فتح" لإقامة فيدرالية إسرائيلية- فلسطينية، وتقاسم سيناء مع مصر والسيطرة على الجولان والقدس". وهو ما يشير الى خيار سياسي لدى بيريس، وربما لدى غيره من أعضاء الحكومة الإسرائيلية وحزب العمل. لكنه خيار لن يدوم طويلاً، حيث تخلى الدعاة الإسرائيليون عن فكرة الكيان الفلسطيني المرتبط بإسرائيل في الأراضي المحتلة، ومن بينهم وزير الدفاع موشيه دايان، وانتقل معظمهم الى ما عُرف بعد ذلك بـ"الخيار الأردني"، أي حل قضية الضفة الغربية بصيغة ما من الإتفاق مع الأردن، سواء بالتقاسم الإقليمي أو الوظيفي. ولكن من الواضح أن هذا الخيار البديل، الذي اعتُمد طوال السبعينيات ومعظم الثمانينيات من قبل أبرز أقطاب حزب العمل، لن يجد ترجمة عملية له، خاصة بسبب استمرار التشبث الإسرائيلي بمعظم أراضي الضفة الغربية، أو اعتماد ما سمي لاحقاً بـ"التقاسم الوظيفي" كبديل عن تقاسم الأراضي، بعد أن تنامى الإستيطان في الضفة الغربية المحتلة وتنامى نفوذ التيارات الدينية واليمينية التوسعية، التي تعتبر الضفة الغربية جزءً من "أرض إسرائيل الكاملة"، وفق مفاهيم هذه التيارات المتشددة.

عبد الناصر يرجح الخيار العسكري بعد تصلب واشنطن لصالح إسرائيل

ويرى الكاتب ان عبد الناصر، بالرغم من قبوله مبادرة وزير الخارجية الأميركي ويليام روجرز في صيف العام 1970، توصل الى تقدير بأن الولايات المتحدة لن تضغط على إسرائيل للإنسحاب الكامل، مما يجعل الخيار العسكري، برأيه، ضرورياً. ويروي الكاتب أن أوساط أنصار عبد الناصر كانت تتحدث عن استعداد لعبور القناة بعد انتهاء مهلة وقف إطلاق النار المنصوص عليها في مبادرة روجرز، أي في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 1970، أو بعد تمديدها لمرة واحدة، أي في أوائل شباط/فبراير 1971 (صفحة 269).
وينقل عن عبد الناصر قوله لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عرفات، أثناء زيارة لوفد قيادي من حركة "فتح" للقاهرة في 24-26/8/1970، أن هناك "احتمالاً بنسبة واحد في الألف بأن تعيد إسرائيل الأراضي المحتلة"... وإبداءه شكه، من جهة أخرى، بأن"الكفاح المسلح الفلسطيني يمكن أن يدمّر الدولة الصهيونية"، مشيراً الى أن "دولة صغيرة في الضفة الغربية وغزة أفضل من لا شيء" (صفحة 273). وهو كلام يؤشر الى خيار سيفرض نفسه لاحقاً باتجاه السعي لإقامة الدولة الفلسطينية في حدود الأراضي التي احتلت في العام 1967. وهو خيار وتوجه سياسي أخذ يتعزز بشكل متزايد بعد صدامات أيلول/سبتمبر 1970 وصيف العام 1971 في الأردن وخروج المقاومة الفلسطينية من هذا البلد المتاخم للضفة الغربية المحتلة، وطوال الفترة التي فصلت ما بين هذه الأحداث وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، التي ستخاض بعد رحيل عبد الناصر وبإشراف خلفه أنور السادات.
ويورد الكاتب ان الإدارة الأميركية اعتبرت ما جرى في الأردن في أيلول/سبتمبر 1970 أول انتصار كبير لها في السياسة الخارجية، بحيث تم منع السوفييت من السيطرة على الشرق الأوسط، وفق رأيها، وعزز النظرة الأميركية الى إسرائيل باعتبارها "ذخراً إستراتيجياً" (صفحة 288).
ومرة أخرى، من الواضح أن إدارة نيكسون- كيسنجر (1969- 1974)، وإدارة جيرالد فورد- كيسنجر (1974- 1977)، التي جاءت بعد استقالة نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت في آب/أغسطس 1974، كانت تنظر الى ما يجري في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى من منظار "الحرب الباردة" والصراع على النفوذ مع الإتحاد السوفييتي. وهو جوهر نظرة هنري كيسنجر، المخطط الرئيسي للإدارتين على صعيد السياسة الدولية، الى طبيعة الصراع في المنطقة. وبإمكان هذه الإدارة أن تعتبر كل ما جرى بعد ذلك في المنطقة، بدءً من وفاة جمال عبد الناصر في أواخر أيلول/سبتمبر 1970 وتولي أنور السادات بعده رئاسة مصر، كان يعزز تعاظم دورها في المنطقة الشرق متوسطية على حساب الإتحاد السوفييتي، إستناداً الى نتائج حرب 1967 الإسرائيلية وما حققته بعد ذلك من انهيارات في الوضع العربي، بدأت تجلياتها في الظهور منذ مطلع السبعينيات.
ويتناول المؤرخ تطور مواقف أنور السادات تجاه الإتحاد السوفييتي، وهي مواقف انطلقت من شعور أولي سلبي، ولكن غير معلن آنذاك، من جانبه، حيث كان يعتقد، على ما يبدو وفق مصادر أخرى، أن السوفييت كانوا يفضلون عليه علي صبري كخليفة لجمال عبد الناصر. وعلي صبري كان أبرز الذين قام السادات باستبعادهم من السلطة وزجهم في السجون، من قادة المرحلة الناصرية، في حركته الشهيرة في أواسط أيار/مايو 1971، بعد أشهر قليلة من توليه الرئاسة.
والمفارقة أن السادات قام بعد أقل من أسبوعين على هذه التصفيات الداخلية بدعوة القادة السوفييت للتوقيع على معاهدة صداقة بين البلدين، وهو ما تم في القاهرة يوم 27/5/1971 بحضور الرئيس السوفييتي نيكولاي بودغورني. ولكن هذه المعاهدة لم تمنع الرئيس المصري من القيام بخطوة دراماتيكية بعد عام فقط على التوقيع، تمثلت في طرد المستشارين السوفييت من مصر في تموز/يوليو 1972، وهي خطوة يقول الكاتب انها فاجأت واشنطن، وأذهلت كيسنجر الذي استغرب تفريط الرئيس المصري بهذه الورقة (صفحة 349).
وواصل السادات رغم ذلك محاولة الحصول على أسلحة متطورة من الإتحاد السوفييتي، بعد أن لم تلقَ مبادراته السياسية لتحقيق تراجع إسرائيلي عن منطقة القناة أية إستجابة بحيث بات الخيار العسكري يفرض نفسه عليه. ولكنه كان يسعى، قبل كل شيء، الى لفت أنظار الإدارة الأميركية وكسب ودها لمساعدته على تحقيق أهدافه باستعادة الأرض المحتلة، واستبدال العلاقة مع السوفييت، حتى في مجال التسليح، بعلاقة مع الولايات المتحدة. ولم يكن غريباً أن تنتهي الأمور بعد فترة وجيزة من حرب 1973 الى إلغاء المعاهدة مع الإتحاد السوفييتي في أواسط آذار/مارس 1976 بقرار أحادي الجانب من السادات، متحججاً بتقييمات سلبية وردت على لسان الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجنيف، في المؤتمر الخامس والعشرين للحزب (صفحة 558).
ويرصد المؤرخ خطوات تطور العلاقة بين السادات والإدارة الأميركية. فهذه الإدارة لم تكن تأخذه على محمل الجد في المرحلة الأولى من حكمه، خاصة بعد تهديداته المتلاحقة ومواعيده المتعددة، والمؤجلة، لشن الحرب. وذلك لم يحل دون فتح قناة سرية خاصة بين السادات شخصياً وإدارة نيكسون- كيسنجر من وراء ظهر الخارجيتين المصرية والأميركية عبر مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل، وهي قناة بدأت بالعمل منذ أوائل العام 1972. وكان هنري كيسنجر في أواخر العام السابق قد تولى الملف العربي- الإسرائيلي في الإدارة الأميركية منتزعاً إياه من وزير الخارجية ويليام روجرز، وهو استئثار تكرس بشكل رسمي بعد ان استقال روجرز وتولى كيسنجر حقيبة الخارجية مكانه في أيلول/سبتمبر 1973. وكان حافظ اسماعيل قد أجرى في 23/3/1973 لقاء مع الرئيس الأميركي نيكسون، ثم مع هنري كيسنجر، ونقل عن الأخير قوله له ان "الولايات المتحدة لن تضغط على إسرائيل، ولكن تغييراً جدياً في المواقف العربية سيؤثر كثيراً على المواقف الإسرائيلية... وعلى العرب الإقتناع بأنهم لن يحصلوا على شيء من خلال التحالف مع السوفييت" (صفحة 384).
وينقل إسماعيل عن كيسنجر في لقاء لاحق جرى في باريس في 20/5/1973 ان "مصر لا تستطيع أن تحصل من خلال طاولة المفاوضات على ما خسرته في المعركة". ويرى الكاتب ان مثل هذا الكلام ساعد في ترجيح فكرة الحرب لدى السادات (صفحة 390)، مع العلم بأن التحضيرات للحرب كانت قائمة قبل ذلك اللقاء بتنسيق بين القيادتين المصرية والسورية.
ويرى الكاتب ان كيسنجر كان يسعى الى "إنهاك العرب حتى يتم إرغامهم على التفاوض بدون شرط مسبق" (صفحة 399). ويروي عن كيسنجر قوله في حديث له مع مسؤولين إيرانيين جاءوا الى واشنطن في آب/أغسطس 1973 بمناسبة زيارة الشاه للعاصمة الأميركية: "إن مصر تبدو مستعدة لسلام منفرد" (صفحة 399). وهو استخلاص تعززه أيضاً بعض الوثائق التي تم الإفراج عنها في الولايات المتحدة وتتناول لقاءات حافظ إسماعيل مع المسؤولين الأميركيين في الأشهر التي سبقت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973.
ويتحدث لورنس عن عمليات الخداع التي قام بها السادات وإدارته لإسرائيل للتغطية على مشروعه لشن الحرب في خريف العام 1973، ويعتبرها إحدى العمليات الإستثنائية الأكبر للخداع والتمويه في القرن العشرين. ويورد بعض التفاصيل التي ساهمت في التمويه على مشروع الحرب على الجبهتين المصرية والسورية. وبالنتيجة، لم تقم إسرائيل باستنفار احتياطيها إلا قبل ساعات قليلة من اندلاع الحرب بعد أن وصلها تبليغ مباشر من أحد "العملاء" عشية ذلك اليوم، رغم انها كانت قد رصدت ترحيل عائلات الخبراء السوفييت من مصر وسوريا في اليومين السابقين.
ويتناول المؤلف تطورات حرب 1973 الميدانية والسياسية باستفاضة. فيورد أن حافظ إسماعيل أبلغ هنري كيسنجر، يوم 7/10، أي ثاني أيام الحرب، جوهر المشروع العسكري المصري الذي يقوم على عبور القناة والتمركز في شريط ضيق شرقي القناة، على أٍساس دفع إسرائيل للتفاوض اللاحق للإنسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. وهنا يتولى كيسنجر دوراً مركزياً في توجيه الحرب بالإتجاه الذي يخدم سياسته القائمة على استبعاد الإتحاد السوفييتي واستمالة مصر الى المعسكر الأميركي مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية الأساسية، خاصة وأن الرئيس نيكسون كان قد أصبح غارقاً في تفاعلات فضيحة ووترغيت، وقام عملياً بتفويض وزير خارجيته بالتصرف خلال الحرب.
ويتحدث الكاتب عن خلاف نشأ بين كيسنجر ووزير الدفاع في الإدارة الأميركية جيمس شليزنغر حول مسألة توريد السلاح الأميركي لإسرائيل، حيث اعترض شليزنغر على إرسال شحنات كثيفة معتبراً ان الهدف هو الدفاع عن إسرائيل في حدود 1967 وليس عن توسعها، فيما كان كيسنجر يهتم بمنع أي انتصار للجانب العربي يمكن أن يُفهم كانتصار للإتحاد السوفييتي (صفحة 422). وذهب كيسنجر في بعض الحالات الى حد تجاهل تعليمات نيكسون والتغاضي عن استمرار الإسرائيليين في العمليات الحربية بعد يوم 22/20/1973، اليوم المفترض لوقف إطلاق النار وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338، مما سمح لجيش إسرائيل بتوسيع رقعة احتلاله غربي قناة السويس من خلال ثغرة "الدفرسوار" وإحكام محاصرة الجيش المصري الثالث، وهو الحصار الذي سيستخدم كورقة ضغط على السادات للقبول بفك اشتباك محدود مع إسرائيل وتجاوز المطلب الدولي بعودة القوات الإسرائيلية الى خطوط 22/10.
وكان السادات قد طلب في 15/10 من كيسنجر أن يحضر الى مصر، لكن الوزير الأميركي فضّل تأجيل حضوره الى ما بعد وقف إطلاق النار. وحضر فعلاً يوم 7/11/1973 الى القاهرة، ليجري أول لقاء مباشر له مع السادات. واتفق المسؤولان على فك اشتباك بين الجيشين المصري والإسرائيلي وعلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي كانت قد قطعت في العام 1967، وعلى عقد مؤتمر دولي يكون مدخلاً لمفاوضات ثنائية مع إسرائيل (صفحة 462).
ويورد الكاتب قول الرئيس الفرنسي آنذاك، جورج بومبيدو، بأنه يرى أن الولايات المتحدة تسعى لحل منفرد مصري- إسرائيلي، وهو ما سيزيد، برأي الرئيس الفرنسي، عوامل عدم الإستقرار والعنف في المنطقة (صفحة 454). وعشية مؤتمر جنيف المفترض انعقاده في أواخر العام، عاد كيسنجر لزيارة السادات، الذي أبلغه نيته إنهاء كل تعاون عسكري مع السوفييت، وأشار بوضوح الى انه لن يثير مسألة التمثيل الفلسطيني في المؤتمر قبل انتهاء مفاوضات فك الإشتباك (صفحة 462). أما كيسنجر فكان، من جانبه، غير راغب في إشراك الفلسطينيين وفي التخلي عن دور الأردن.
وفي إسرائيل، يقترح كيسنجر على حكومة غولدا مئير، في لقاءات أجراها يومي 12 و13/1/1974، تقديم المقترحات الإسرائيلية بشأن فك الإشتباك الأول وكأنها مشروع أميركي لتسهيل الأمور على السادات، وفق تقديره. وبالفعل، يقبل السادات جوهر "المشروع الأميركي" عندما عرضه كيسنجر عليه في أسوان يوم 14/1، مما أثار استياء معاونيه، وخاصة وزير الخارجية إسماعيل فهمي ورئيس أركان القوات المصرية عبد الغني الجمسي، اللذين كانا يريان بأنه كان بالإمكان التوصل الى اتفاق أفضل. ويرى الكاتب أن رهان السادات كان على توثيق علاقته مع الولايات المتحدة (صفحة 469- 470). ويعتبر انه رغم رفض السادات الإلتزام رسمياً بتعهد بعدم الإعتداء في هذا الإتفاق، فإن إعادة فتح قناة السويس وبناء المدن على القناة لهما عملياً نفس النتيجة، ويرى أن السادات لم يعد يراهن على إبقاء الخيار العسكري خاصة بعد تردي علاقاته مع الإتحاد السوفييتي، المصدر الأساسي للسلاح المصري. ومعروف انه تم التوقيع على اتفاق فك الإشتباك هذا في 18/1/1974 وتم افتتاح القناة رسمياً للملاحة في 5/6/1975، وبذلك، يقول المؤلف، تم فعلاً إنهاء خيار مواصلة المعارك (صفحة 526).
وقبل انتقاله للسعي لفك الإشتباك على الجبهة السورية، أصرّ كيسنجر على إلغاء الحظر النفطي العربي على الولايات المتحدة، الذي فُرض أثناء الحرب. وهو ما تحقق فعلاً عندما تقرر في 18/3/1974 إنهاء حظر النفط ووقف تخفيضات إنتاج النفط من قبل الدول العربية المنتجة. وفي أواخر شهر أيار/مايو التالي جرى التوصل أخيراً الى اتفاق فك الإشتباك على الجبهة السورية.

هاجس كيسنجر الأول... استبعاد الإتحاد السوفييتي وليس حل الصراع في المنطقة

ويعود الكاتب لتناول الجانب الفلسطيني الخاص وانعكاسات الحرب وعواقبها على الموقف الفلسطيني. فيتحدث عن اعتراف الإتحاد السوفييتي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في 2/8/1974، وسعيه لتعزيز علاقاته مع المنظمة مقابل تردي علاقته مع النظام المصري، الذي بات ينحاز بشكل متزايد نحو المعسكر الأميركي.
على الصعيد الأميركي، يرى الكاتب أن كيسنجر يُظهر، من خلال كتاباته، انه يرى ان "بإمكان إسرائيل أن تحتفظ بجزء من مكاسبها في الأرض في حرب 1967 بدعاوى الأمن"... وان "مسألة إقامة مستوطنات الإسكان في الأراضي المحتلة تبدو غائبة تماماً عن اهتماماته. والشيء الوحيد الذي طلبه من السلطة الإسرائيلية بهذا الصدد هو العمل بدون إثارة"، أي بهدوء (صفحة 494). و"التبرير الدائم للسياسة الكيسنجرية هو إضعاف، وحتى إزالة، الوجود السوفييتي في الشرق الأوسط، وليس البحث عن حل للصراع العربي- الإسرائيلي بحد ذاته" (صفحة 495).
وينقل المؤلف كلاماً وجهه كيسنجر لإسحق رابين، الذي أصبح رئيساً للحكومة الإسرائيلية يوم 3/6/1974 بعد استقالة غولدا مئير إثر صدور تقرير لجنة أغرانات حول حرب 1973، جاء فيه: "لو أردنا حدود 1967 كان بإمكاننا الحصول عليها، مع كل الرأي العام العالمي خلفنا، والإستراتيجية تم وضعها من أجل حمايتكم من ذلك" (صفحة 517، والهامش 26 في الصفحة 851). ويستخلص الكاتب من هذا الكلام ان موقفاً للإدارة الأميركية شبيهاً بموقف إيزنهاور في العام 1957 كان، نظرياً، ممكناً. لكن الإدارات الأميركية، منذ إدارة جونسون، اختارت سياسة مختلفة.
وهذا السعي الأميركي لتحجيم وتبديد مكاسب الجانب العربي في حرب 1973 ولمواصلة استبعاد الإتحاد السوفييتي من المنطقة تواصل وحقق إنجازاً آخر عبر فك الإشتباك الثاني على الجبهة المصرية الموقّع في جنيف في 4/9/1975، والذي رَسّم بشكل نهائي وموثّق إنهاء خيار الضغط العسكري من قبل الجانب المصري، عبر التزام الطرفين الموقعين بحل الصراع بالوسائل السلمية، وبقاء هذا الإتفاق صالحاً حتى التوصل الى اتفاق جديد. هذا الى جانب جملة من الإلتزامات الأميركية تجاه إسرائيل مرفقة بالإتفاق، من بينها الإلتزام الشهير بعدم التعامل مع منظمة التحرير إلا بعد موافقتها على القرار 242 والإعتراف بحق إسرائيل في الوجود (أضيف شرط ثالث في أواسط الثمانينيات يتعلق بنبذ الإرهاب)، والتزام واشنطن بعدم قبول أي طرف جديد في مؤتمر جنيف إلا بموافقة كافة الأطراف الأصلية، مما يعني التسليم بحق إسرائيل في النقض (فيتو) تجاه مشاركة أي طرف جديد، والمقصود أولاً الطرف الفلسطيني التمثيلي، منظمة التحرير. ويوضح الكاتب ان استجابة رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين، بالإضافة الى حصوله على جملة الضمانات والإلتزامات الأميركية لصالح إسرائيل، تعود الى رغبته (أي رابين) في دعم التوجه المصري للإرتباط بالولايات المتحدة، وتحقيق كسر الإئتلاف المصري- السوري الذي كان قائماً ابان حرب 1973 (صفحة 534).
***
وحتى قبل توقيع اتفاق فك الإشتباك الثاني على جبهة سيناء، كانت الأوضاع في لبنان قد تدهورت ودخلت في نفق من الحروب الداخلية والإقليمية، أدت عملياً الى إشعال البلد وإشغال منظمة التحرير وقواتها في لبنان لسنوات عديدة. ويتناول المؤرخ خلفيات وتفاصيل تطورات الحرب اللبنانية بكافة لاعبيها وتطوراتها، بما في ذلك دخول القوات السورية الى لبنان في أواسط العام 1976 وبدايات نسج العلاقات المباشرة مع إسرائيل من قبل أطراف في التحالف المسيحي اليميني اللبناني، بدءً بكميل شمعون وحزبه ووصولاً الى حزب الكتائب، وخاصة مع صعود نجم بشير الجميل، الذي تولى رئاسة أركان "القوات اللبنانية" بعد مقتل رئيسها الأول ويليام حاوي أثناء حصار ومعارك مخيم تل الزعتر في ضواحي بيروت في صيف العام 1976. ويعطي المؤرخ حيزاً واسعاً لتطورات وتفاعلات الحرب في لبنان وانعكاساتها على الوضع الفلسطيني والوضع الإقليمي، متناولاً الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان وعمليات القصف المتواصلة في أنحاء البلد وصولاً الى اجتياح آذار/مارس 1978 وتثبيت الشريط الحدودي وتنصيب الضابط سعد حداد كحليف محلي للمساعدة على السيطرة على هذا الشريط ومشاغلة القوات المشتركة الفلسطينية- اللبنانية الوطنية في جنوب لبنان.


مساعي كارتر للحل، وتعنت مناحيم بيغن، واندفاعة السادات لحل سريع

ويتناول الكاتب تطورات الموقف الأميركي اللاحقة على فك الإشتباك الثاني على الجبهة المصرية، فيورد انه حتى في أواخر عهد إدارة فورد تم اعتبار أن صيغة الخطوة خطوة قد استنفدت أغراضها وانه لا بد من العودة الى صيغة جنيف. وهي الصيغة التي تبنتها إدارة خلفه جيمي كارتر في عامها الأول، العام 1977، حيث بدأت تهيئ لانعقاد المؤتمر الدولي في أواخر ذلك العام، وبدأت تتحدث عن تمثيل فلسطيني معين في المؤتمر، إما من خلال أشخاص ملحقين بالوفد الأردني، وهو ما كان إسحق رابين قد تبناه في مقابلة مع مجلة "نيوزويك" الأميركية نشرتها في عدد 13/12/1976 (صفحة 586)، أو من خلال وفد عربي موحد، وهي صيغة كانت مطروحة من قبل بعض الأطراف العربية، وخاصة سوريا، وكانت مقبولة من إدارة كارتر، لكنها كانت مرفوضة من الجانب الإسرائيلي، وكذلك من جانب الرئيس المصري السادات.
وكان السادات يعتبر صيغة الوفد العربي الموحد تقييداً لحرية حركته وتعقيداً كبيراً في مسار التسوية، التي كان يستعجلها لأسباب داخلية، خاصة بعد انفجار الوضع في الشارع المصري في 18 و19/1/1977 في معارضة شعبية واسعة لإجراءات رفع الدعم الحكومي عن السلع الإستهلاكية الأساسية للمواطنين. وهذه الظروف الداخلية في مصر، الى جانب التعقيدات المتوقعة على صعيد التسوية الشاملة، خاصة على الجبهتين الفلسطينية والسورية، دفعت السادات، خاصة بعد وصول اليمين المتشدد بزعامة مناحيم بيغن الى السلطة في إسرائيل إثر انتخابات الكنيست في أيار/مايو 1977، الى السعي لتجاوز جهود إدارة كارتر لعقد المؤتمر الدولي، عبر فتح قناة مباشرة مع إسرائيل بدأت في شهر أيلول/سبتمبر من خلال لقاء نائب رئيس الوزراء المصري حسن التهامي مع وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه دايان برعاية ملك المغرب الحسن الثاني، ثم الزيارة الدراماتيكية التي قام بها السادات الى إسرائيل يوم 19/11/1977. وقد جسد هذا التوجه الجديد من قبل السادات إنتقالاً من نظرية "الـ99 بالمئة من الأوراق بيد واشنطن" الى فرضية "الحاجز النفسي الذي يشكل 70 بالمئة من المشكلة" مع إسرائيل، وهو الحاجز الذي سعى لكسره من خلال زيارته الشهيرة وخطابه أمام الكنيست.
لكن السادات سرعان ما اكتشف أن هذه النظرية أيضاً لا تحل له مشكلته، حيث واجه تعنتاً وتشدداً كبيرين من طرف مناحيم بيغن، الذي خيّب رهاناته، فعاد مرة أخرى الى طلب التدخل الأميركي، وخرج بدعوة واشنطن الى لعب دور "شريك كامل" في المفاوضات، وهي دعوة أفضت الى دعوة كارتر لانعقاد خلوة كامب ديفيد التي انتهت بالتوصل الى الإتفاقات الشهيرة في أواسط أيلول/سبتمبر 1978 ثم المعاهدة المصرية- الإسرائيلية في 26 آذار/مارس 1979. ويبدو واضحاً أن بيغن قد تمكّن من خلال تصلبه والإستفادة من تسرع السادات وأزماته الداخلية من فرض صيغة مرضية له في هذه الإتفاقات ليخرج بشعور المنتصر في هذه العملية. وكان موشيه دايان قد أوضح لوزير الشؤون الخارجية المصري بطرس بطرس غالي الذي رافق السادات أبان زيارته الأولى لإسرائيل في أواخر العام 1977 بأن "الإستنتاج المنطقي الوحيد لمبادرة السادات هو سلام منفرد" (صفحة 635). في حين اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي عيزر فايتسمان محاولات السادات لتضمين الإتفاق مع إسرائيل قسماً خاصاً بالوضع الفلسطيني بمثابة "ورقة توت"، أو "ورقة عنب"، وفق التعبير الفرنسي، تمكّنه من عقد سلام منفرد مع إسرائيل (صفحة 663).
ويتناول الكاتب الوضع الصعب لكارتر الذي كان يتعرض لضغوط "اللوبي الإسرائيلي"، وإيحاءات مناحيم بيغن بأن بإمكانه منع إعادة انتخاب كارتر رئيساً في العام 1980- وهو ما حدث فعلاً -. كما يتناول المناخ الإقليمي الملتهب، خاصة مع تطور الثورة الشعبية في إيران ضد نظام الشاه، الحليف المهم للأميركيين في المنطقة والصديق المقرب لإسرائيل وأحد موردّي النفط الرئيسيين لها، وصولاً الى الإطاحة بهذا النظام في مطلع العام 1979، وهو تطور ساهم بقوة في دفع كارتر والسادات للإسراع في إنجاز الإتفاقات المصرية- الإسرائيلية.
ولكن هذه الضغوط لم تؤثر على تصلب بيغن الذي ضمن في الإتفاقات فصل مصر عن الجبهات العربية الأخرى وعن القضية الفلسطينية، وانتزع تعهدات من الجانب الأميركي بالتعويض عن خسارة مصادر الطاقة في إيران، وفي سيناء، في حال تعثر وصولها بعد الإنسحاب من حقول الطاقة في الصحراء المصرية الشرقية. ويلفت الكاتب النظر بشأن الإتفاقات المتعلقة بالموضوع الفلسطيني انه لا إشارة بشأن مفاوضات الوضع النهائي في الشأن الفلسطيني الى بنود قرار مجلس الأمن رقم 242، بما يعني امكانية ذكر القرار 242 دون تطبيقه (صفحة 681). أي ان بيغن يقول عملياً ان المفاوضات تستند الى القرار 242، ولكن ليست نتائجها (صفحة 859، الهامش 31). وهو توجه إسرائيلي سيعود للبروز في التسعينيات ابان المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.
وقد استغلت الحكومة الإسرائيلية كل هذه التطورات لتكثيف حركة الإستيطان في الأراضي المحتلة، وخاصة في الضفة الغربية، وزادت من إجراءاتها لتغيير الواقع القائم في هذه الأراضي، خاصةً بعد توقيع الإتفاق مع مصر. ففي 16/9/1979، سمحت حكومة إسرائيل للأفراد والشركات بشراء الأراضي في الضفة الغربية. وفي أواسط العام 1980، وبعد أن كانت مهلة السنة المحددة لإنجاز مفاوضات الحكم الذاتي مع مصر قد انتهت في 26/5/1980 بدون التوصل الى أية نتيجة، أصدر الكنيست الإسرائيلي قراراً يعتبر القدس "الموحدة" عاصمة لدولة إسرائيل. كما شنت هجمة على الهيئات الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وصلت في مطلع العام 1982 الى حد إقالة رؤساء البلديات في الضفة الغربية، والذين كانوا قد انتخبوا في العام 1976 وكان معظمهم يدين بالولاء لمنظمة التحرير الفلسطينية. كما بدأت حكومة إسرائيل بتشكيل "روابط القرى"، كنواة لقيادة محلية مرتبطة بإسرائيل وبديلة عن المنظمة. وهي محاولة لم تحقق، في نهاية المطاف، أي نجاح.
ولم تأبه إسرائيل كثيراً لقرار مجلس الأمن رقم 476 الذي صدر في 20/8/1980 بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الولايات المتحدة، وهو القرار الذي يعتبر التصويت في الكنيست بشأن القدس بدون أية قيمة قانونية، كما وكل إجراءات إسرائيل الأخرى في القدس، ويطلب من الدول التي لها سفارات في القدس بنقلها خارجها. وجدير بالتذكير أن كلاً من هولندا و12 دولة من دول أميركا اللاتينية والكاريبي، التي كانت تقيم سفاراتها في القدس، استجابت لهذه الدعوة ونقلتها الى تل أبيب (صفحة 744).
وهكذا، فإن إخلاء سيناء، من وجهة نظر إسرائيل، ينبغي أي يكون له كمقابل إطلاق أيدي إسرائيل في الأراضي المحتلة (صفحة 760). وشارون الذي أصبح وزيراً للدفاع بعد انتخابات الكنيست في حزيران/يونيو 1981 التي جدد الليكود، بزعامة مناحيم بيغن، نجاحه فيها، يقول علانية انه خلال 30 سنة سيكون هناك مليون يهودي في منطقة القدس (في دائرة محيطة بالمدينة من 10- 15 ميلاً)، و300 ألف في بقية الضفة الغربية (صفحة 778). وهو ما عملت كل الحكومات الإسرائيلية بعد ذلك على تحقيقه، كما بات الآن واضحاً.
والى جانب توجيه الضربات للحركة الوطنية الفلسطينية في الأراضي المحتلة وتوسيع رقعة الضم والإستيطان، أخذ آريئيل شارون يخطط، منذ تعيينه وزيراً للدفاع في أواسط العام 1981، لاجتياح لبنان لـ"سحق" منظمة التحرير الفلسطينية وتنصيب رئيس موالٍ لإسرائيل في الإنتخابات الرئاسية اللبنانية المفترضة في أواسط العام 1982. وقام شارون بعرض مشروعين، الأول لاجتياح جزئي لجنوب لبنان والثاني لاجتياح واسع يصل الى بيروت، على الحكومة الإسرائيلية في 20/12/1981. كما قام بزيارة لبنان في 12- 13/1/1982 وشرح مشروعيه لبشير الجميل، المرشح المدعوم من قبله للرئاسة.

"ضوء أصفر" أميركي لحرب شارون على لبنان ومنظمة التحرير في 1982

وينقل الكاتب أن بشير الجميل قام بإبلاغ السفير الأميركي في بيروت بمشروع شارون الموسع. لكن الإدارة الأميركية كانت تحرص، على ما يبدو، بألا يحصل الإجتياح قبل استكمال الإنسحابات الإسرائيلية من سيناء، أي يوم 25/4/1982. وبعد شهر على ذلك اليوم، وتحديداً في 25/5 ، زار شارون واشنطن وشرح لوزير الخارجية الأميركي، ألكسندر هيغ، خطتيه، المحدودة والواسعة. ويشير الكاتب الى رسالة التنبيه التي وجهها هيغ الى مناحيم بيغن في 29/5 بهذا الشأن والتي اعتبر سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، صامويل لويس، مضمونها بمثابة "ضوء برتقالي"، أو ضوء أصفر، لإسرائيل. وفي 3 حزيران/يونيو جرى إطلاق النار على سفير إسرائيل في لندن، شلومو أرغوف، من قبل عناصر تبيّن انها من جماعة أبو نضال البنا، ولكن تساؤلات طُرحت حول إمكانية وجود دور إسرائيلي في هذه العملية. فقد اعتبرها بيغن وشارون، رغم معرفتهما بعدم وجود علاقة لمنظمة التحرير بها، الذريعة المناسبة لبدء الحرب منذ اليوم التالي عبر قصف مكثف للجنوب اللبناني والعاصمة بيروت.
ويتوقف الكاتب عند هذا التاريخ تاركاً التتمة للجزء اللاحق من مشروعه التأريخي الكبير، الذي سيترقبه المتابعون لتاريخ منطقتنا باهتمام.
***
ولا شك أن هذا الجهد الكبير للمؤرخ، الذي اعتمد بدرجة رئيسية على مصادر أولية واسعة، باللغة العربية، التي من الواضح انه يجيدها، كما باللغتين الفرنسية والإنكليزية، من خلال الإعتماد على الوثائق المنشورة أو تلك التي يتم الإفراج عنها سواء في فرنسا أو في الولايات المتحدة وبريطانيا أو في إسرائيل. وبعض هذه المصادر معروفة، ولكن ليس كلها. حيث هناك زخم في الكتاب لوثائق الخارجية الفرنسية المتعلقة بالمنطقة، بما في ذلك محاضر لقاءات على أعلى المستويات، أشرنا هنا الى بعضها.
طبعاً، المؤرخ لورنس يسعى الى قدر كبير من التوازن والتجرد في كتابة تاريخ هذه المنطقة وهذا الصراع، وإن كان لا يخفي تفهمه لمأساة وتطلعات الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة. والمهمة دائماً صعبة في هذا المجال، ولكن الكاتب نجح الى حد كبير في تحقيق درجة عالية من الجدية مستنداً على قدر كبير من المعلومات والمعرفة بشؤون المنطقة وتاريخها، الماضي الأبعد والأقرب، بما في ذلك تلك المرحلة الحساسة التي تناولها في هذا الجزء الرابع من عمله الموسوعي. وهو في ذلك يغني القارئ والمهتمين بشؤون المنطقة وتاريخها المعاصر، ويساعدهم على قراءة التطورات في سياق أوسع من السياق المحلي أو في سياق الحدث المحصور أو المحدد.
يبقى أن القارئ لهذا التاريخ المعاصر، وخاصة لمجريات حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، التي يستفيض المؤرخ في رواية مراحلها وتطوراتها ومجريات الجهود السياسية اللاحقة، قد يشعر بأن هناك بعض الليونة في التعامل مع دور الرئيس المصري أنور السادات في تلك المرحلة. خاصة وأن العديد ممن عملوا معه، وخاصة وزيري الخارجية السابقين اسماعيل فهمي ومحمد إبراهيم كامل، كما ورئيس أركان حرب القوات المسلحة ابان حرب 1973 الفريق سعد الدين الشاذلي، دون إهمال كتابات كبير الصحافيين العرب محمد حسنين هيكل، الذي عمل مع السادات في المرحلة السابقة على الحرب، أشاروا في كتاباتهم الى الكثير من التسرع والتنازلات المبكرة، التي كانوا يرونها غير مبررة، والتي كان يقدمها السادات للطرف الإسرائيلي في عمليات التفاوض، خاصة لإرضاء الجانب الإميركي وتوثيق العلاقة معه، سواء مع هنري كيسنجر خلال إدارتي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، أو مع الرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي لعب دوراً أساسياً في الوصول الى اتفاقات كامب ديفيد والمعاهدة الثنائية اللاحقة.
وحتى من خلال ما يورده من معلومات في روايته لمرحلة ما بعد حرب 1967 مباشرة، في ظل حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي أعدّ لخوض حرب الإستنزاف ثم هيأ الجيش المصري للعملية العسكرية الكبرى، ثم رحل قبل أن يتمكن من تنفيذها، وواصلها السادات وقادة الجيش المصري بعد ذلك، يبدو واضحاً وجود تباين في السلوك الفعلي لأنور السادات في مرحلة ما بعد حرب 1973، أو حتى أثناءها، وبين السلوك المحتمل والمتوقع من جمال عبد الناصر، لو بقي حياً، بناء على المواقف التي اتخذها في أواخر الستينيات، حيث حرص على رفض أية صفقة مصرية- إسرائيلية منفردة وأصرّ على حل شامل يتناول كافة الأراضي العربية المحتلة وحقوق الشعب الفلسطيني.
وبالطبع، ليس من الممكن كتابة التاريخ على أرضية افتراضية، لكن يمكن القول بكثير من المصداقية، ويشهد على ذلك عدد من المسؤولين المصريين والعرب الآخرين الذين عاصروا عبد الناصر والسادات، أن النتيجة كانت ستكون مختلفة لو شاءت الأقدار أن يواصل عبد الناصر قيادة دفة الأمور. وهنا يشير المؤرخ، وبكثير من الصحة، الى دور الوضع الداخلي المصري، وخاصة الإقتصادي- الإجتماعي، وتحديداً بعد التحركات الشعبية المتكررة التي شهدتها مصر في السبعينيات، في دفع السادات للسعي للتوصل السريع الى اتفاقات مع إسرائيل راهن بأنها ستأتي له بالحلول لأوضاع البلد المعيشية الصعبة المزمنة، وحتى بالرخاء. وهي رهانات لم يدم مفعولها طويلاً بعد أن لمست قطاعات الشعب المصري الواسعة أن التغير المنشود لم يحصل، وأن المستفيدين الأساسيين من "سلام كامب ديفيد" ومن سياسة "الإنفتاح" الإقتصادي، التي دشّنها السادات، هم شريحة محدودة من الأثرياء القدماء والجدد، بما في ذلك وخاصة قطاعات بيروقراطية الدولة. وهي السياسة التي أعطت لاحقاً ما أعطت وكانت هدفاً رئيسياً لتحركات شعبية متصلة في مصر انتهت في العام 2011 الى الإطاحة بالنظام القائم.
ويبقى أن هذا الإنجاز الكبير للمؤرخ هنري لورانس يضيف الى المكتبة المتابعة للشؤون الفلسطينية والعربية المشرقية إضافة هامة وذات مستوى عالٍ من المهنية والإحاطة بجوانب الصراع في منطقتنا كما بتطورات المحيط الإقليمي والعالم المؤثرة عليه. وهو عمل يستحق الإهتمام والتقدير الكبيرين، ويفرض القراءة من قبل كل من يهمه، ليس فقط معرفة ما جرى في تلك الفترة الزمنية الهامة، وإنما أيضاً فهم ما جرى بعد ذلك، وخاصة في التسعينيات الماضية، وما يجري حالياً، حيث ما زالت منطقتنا والقضية الفلسطينية تنوء وتتحمل أعباء وعواقب ما جرى في حرب العام 1967 وتلك التسويات المنفردة التي جرت على الجبهة المصرية في أواخر السبعينيات، والتي يتناولها الكتاب بتفصيل ودقة وشمولية عالية المستوى.
#####
# نشرت نسخة مكثفة عن هذه المراجعة لكتاب هنري لورانس "مسألة فلسطين 1967-1982" في العدد الأخير من فصلية "مجلة الدراسات الفلسطينية"- عدد شتاء 2014- التي تصدر من بيروت ورام الله.



#داود_تلحمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور العلاقة بين -الداخل- و-الخارج- الفلسطيني... وآفاقها
- الجنرال جياب: أسطورة ثورية من الكفاءة العالية والتواضع الجم
- آفاق ما بعد 20 عاماً على اتفاق أوسلو
- قراءة في كتاب إريك رولو... في كواليس الشرق الأدنى: مذكرات صح ...
- أي حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؟
- رحل تشافيس... ولكن تطلعاته الإنسانية الطموحة انغرست في عمق ب ...
- هل استسلمت اليابان بسبب القنابل النووية الأميركية، أم إعلان ...
- سمات خاصة لليسار في بلدان -العالم الثالث-
- ما بعد الحرب على غزة... ما بعد التصويت في الأمم المتحدة
- هل التحول نحو الإشتراكية طريق باتجاه واحد؟
- الحروب على غزة تلخّص كل تاريخ الصراع في المنطقة
- بشأن التحول نحو الإشتراكية في العصر الراهن
- فنزويلا: تحديات ما بعد إنتصار تشافيس الجديد
- بصمات قوية تركها المؤرخ الماركسي الموسوعي إريك هوبسباوم
- اليسار الجذري... واليسار الإصلاحي، أو يسار الوسط
- آفاق إنعكاسات الثورة الشعبية المصرية على المنطقة العربية وال ...
- اليسار... كيف نشأ التعبير، وكيف يتم التعامل معه راهنا
- اليسار الفلسطيني: توحيد قواه... أم تفعيل دوره وحضوره؟
- الفلاسفة المعاصرون و-عودة- ماركس
- هل نحن أمام مرحلة تحولات كبيرة في بلدان المركز الرأسمالي؟


المزيد.....




- الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: إعلان الأحكام العرفية وحالة ...
- عقوبات أميركية على 35 كيانا لمساعدة إيران في نقل -النفط غير ...
- كيف أدت الحروب في المنطقة العربية إلى زيادة أعداد ذوي الإعاق ...
- لماذا تمثل سيطرة المعارضة على حلب -نكسة كبيرة- للأسد وإيران؟ ...
- مام شليمون رابما (قائد المئة)
- مؤتمــر، وحفـل، عراقيان، في العاصمة التشيكية
- مصادر ميدانية: استقرار الوضع في دير الزور بعد اشتباكات عنيفة ...
- إعلام: الولايات المتحدة وألمانيا تخشيان دعوة أوكرانيا إلى -ا ...
- نتنياهو: نحن في وقف لاطلاق النار وليس وقف للحرب في لبنان ونن ...
- وزير لبناني يحدد هدف إسرائيل من خروقاتها لاتفاق وقف النار وي ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - داود تلحمي - مسارات الصراع العربي - الإسرائيلي بين حربين (1967-1982)