أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح















المزيد.....

فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4332 - 2014 / 1 / 12 - 08:12
المحور: القضية الفلسطينية
    



الطفلة آلاء المصري التي التهم يفاعتها في مخيم اليرموك وحش الموت جوعاً قبل أيام ترفع عدد الذين قضوا في المخيم بسبب الجوع أو البرد والمعاناة تحت وطأة الحصار المستمر عدة شهور على المخيم إلى أكثر من عشرين. يُضاف إلى هؤلاء مئات آخرون ماتوا بالرصاص المجنون وفي سعير الحرب بين الأطراف المختلفة. يبقى الموت جوعاً متصدراً قائمة البشاعة في أنواع الموت، لأنه لا يقتل تدريجياً الضحية وحسب، بل أهله ومن حوله، وهم يراقبونه يذوي بين أيديهم وهم لا يستطيعون فعل شيء. لسنا أمام مرض عُضال، سرطان أو قلب مُنهك، عجز الطب عن تقديم شيء له، فجاء الموت المتوقع وأنهى فصل الحزن، أو افتتحه. نحن أمام الموت جوعاً، التضور من نقص الخبز والماء والمواد الأولية للحياة. لم تفلح كل محاولات أهل آلاء في طهو أوراق الشجر والعشب لخداع معدة الصغيرة. ظلت تتضاءل أمامهم، يبرز فكّا وجهها، وتجحظ عيونها، وتتهدل أطرافها إلى أن أغلقت نظراتها المرعوبة من هول ما كان يحصل حولها. آلاء المصري توقع بمغادرتها دخولنا حقبة جديدة من الانحطاط الأخلاقي وتكلس المشاعر، وسيادة التوحش، وتوقع بمغادرتها مرافعة إدانة للنظام المجرم، والمجموعات المسلحة، وفصائل منظمة التحرير، والأونروا، ومنظمات الإغاثة الدولية، وقبل هؤلاء وبعدهم كل القوى الكبرى التي لا تأبه بمصائر البشر وحيواتهم وهي تناكف بعضها بعضاً في لعبة «المصالحة الاستراتيجية».

صور الأطفال الذين يموتون جوعاً القادمة من مخيم اليرموك الواقع بين فكي كماشة قوات النظام والمعارضة في ضواحي دمشق تخلع القلب. والتقارير التلفزيونية التي نجحت في تصوير جوانب من المأساة اليومية التي تحدث هناك تنقل لنا وجوهاً شاحبة، وأجساداً نحيلة عظامها بارزة ملصقة بجلود أصحابها الذين فقدوا كل لحم يصل العظم بالجلد. هؤلاء ما زالوا على الحد الفاصل بين حياة أقرب إلى الموت، والموت نفسه. ما يتبادر إلى الذاكرة فوراً صور أولئك البائسين في حرب البوسنة الذين كانت عصابات الصرب تحتجزهم في معسكرات إبادة وتبقيهم أسابيع من دون طعام أو شراب فيذوون تدريجياً ويسقطون الواحد تلو الآخر، مفتوحي الأفواه، منفوخي البطون الخاوية.

ما يواجهه فلسطينيو مخيم اليرموك تحديداً وبقية فلسطيني سورية، قبل وبعد كل شيء، هو جزء من معاناة ومأساة الشعب السوري، ذلك أنه ليس ثمة استثناء خاص في كمية الموت والجوع وفي تسنم موقع الضحية الأول. في الحروب البشعة كما هي حرب سورية حيث تتلذذ القوة العسكرية الأهم بشواء اللحم البشري بآلة حربها، ليس هناك ما يميز ضحية عن أخرى سوى الرقم الذي تحمله في سجلات الموت.

فلسطينيو سورية مع ذلك يطبق عليهم الموت كما أطبق على سوريين كثيرين مثلهم، وتطبق عليهم تفاهات السياسة العربية والدولية حيث تحظر عليهم حتى «الهرب» و «اللجوء». ممنوع عليهم أن يعبروا الحدود الأردنية لأن الأردن لا يريد المزيد من اللاجئين الفلسطينيين، بما يزيد من الفلسطينيين هناك ويفاقم توجسات الشرق أردنيين. ولبنان لا يستقبلهم لذات الأسباب وحفاظاً على توازن ديموغرافي هش. إذا أطبقت عليهم نار الموت من كل الجهات وبقي منفذ واحد لهم كي يهربوا، فإنهم لا يعرفون إلى أين يهربون. بقي أن يهيموا مع إخوانهم السوريين في الأرض السورية طولاً وعرضاً وبأمل الإبقاء على حياة محطمة تستمر لما بعد توقف آلة الموت الرهيب. وإلى هؤلاء الهائمين ينتمي الآن معظم النصف مليون فلسطيني المقيمين في سورية تحت سمة «لاجئ»، وحيث فرغت منهم مخيماتهم التقليدية التي تشرف عليها الأونروا. وبحسب تقديرات هذه الأخيرة فإن ثلاثة أرباع اللاجئين الفلسطينيين تم تهجيرهم من مخيماتهم الآن.

ملحمة الموت، بخاصة في مخيم اليرموك، مخيفة ومرعبة. فمن أصل ما يُقارب نصف مليون إنسان لم يتبقّ في المخيم إلا اثنا عشر ألفاً، وهؤلاء مقطوعون تماماً الآن من كل ما له علاقة بالعالم الخارجي. فشلت مبادرات تحييد المخيم منذ فترة طويلة، وتحالف ضده مراهقو المجموعات المسلحة التي جاءته من كل الجهات مع إجرام النظام ذاته الذي لم يكن ينقصه المسوغ لقصف المخيم وضربه ومحاصرته. وبين هؤلاء المراهقين وذلك الإجرام كانت تفاهات الفصائل الفلسطينية وكل منها يدعي بطولة تمثيل المخيم وحمايته، ثم يعلن مناصرته للنظام ووقوفه معه، أو وقوفه ضده. تحول المخيم بعد ذلك كله هدفاً مُستباحاً، وانتهى الآن محاصراً يتلقط ناسه ونساؤه وأطفاله العشب وأوراق الشجر ويستصلحون منه ما يرون فيه ما يبقيهم على قيد الحياة، فيطبخونه بالماء، ويأكلون عشباً مسلوقاً علّ بطون الصغار تسكت، ودموعهم تخف.

والتهجير واللجوء الجديد يطرح الآن مشكلة جديدة أمام الأونروا والعالم ومنظمات اللاجئين، ذلك أن لجوء من هو لاجئ أصلاً يدخله في تصنيف جديد وهو اللجوء المزدوج، حيث تغيم المسؤولية الدولية وتتفاقم إشكاليات التعريف، كما يغيب الترحيب من قبل الدول المستضيفة. لهذا السبب، إلى جانب أسباب أخرى، يرفض الأردن ولبنان ومصر أيضاً استقبال أي من اللاجئين الفلسطينيين. مصر مثلاً لا تريد أن تصنف أساساً بلداً مُستضيفاً للاجئين، وهي لا تعرف الآن كيف تتعامل مع الأحد عشر ألف لاجئ فلسطيني الذين وصلوها من سورية بشكل أو بآخر. وهناك هم محرومون من كل شيء إذ لا يحق لهم العمل، ولا لأولادهم الالتحاق بالمدارس المصرية، وسوى ذلك. في الحالات الشبيهة في العالم وحيث يتواجد مثل هذا العدد من اللاجئين تقوم المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة برعايتهم، وإقامة عيادات وفصول مدرسية لأولادهم. لكن يُشترط تعاون الدولة المضيفة والإقرار بوجود لاجئين على ارضها، وهو ما لا تفعله مصر ولا تريده. في حالة هؤلاء البائسين الفلسطينيين في مصر هناك مشكلة أخرى، وهي أنه حتى في حال اعترفت مصر بوجودهم فإن هناك مشكلة في تحديد الطرف الدولي الذي تلقى عليه مسؤولية رعاية هؤلاء اللاجئين. فالمفوضية العليا تقول إن عملها لا يتضمن رعاية اللاجئين الفلسطينيين، لأن تلك هي مسؤولية الأونروا. والأونروا بدورها تقول إن مصر ليست أحد البلدان التي تشتغل فيها بسبب عدم وجود مخيمات فلسطينية فيها، وأن مصر نفسها لا تقبل بعمل الأونروا هناك.

جزء من أولئك الذين وصلوا إلى مصر استطاعوا التسلل إلى قطاع غزة، حوالي ألف وخمسمئة، وهم يعتبرون محظوظين بسبب ذلك. الأقل حظاً والأتعس قدراً هم أولئك الذين تسللوا إلى الشواطئ والتحقوا بقوارب الهرب إلى أوروبا حيث الأمل بحياة مختلفة، فكان أن تلقفهم الموت والتهمتهم مياه البحر قبل أن يصلوا إلى الشاطئ الأوروبي. وفي خضم هذا الموت الذي يحاصر هؤلاء من كل الجهات، تتعالى صيحات ثورية هنا وهناك تندد باستقبال بعض الدول الاسكندنافية لعدد منهم تمكن من فرض نفسه على هذه السفارة أو تلك بعد التسلل إلى لبنان.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساقان اصطناعيتان فلسطينيتان تتسلقان كليمنجارو
- ما هو تاريخ الحاضر؟
- هل الدم والحرب طريق العقلانية؟
- لماذا تغيب فلسطين عن الأجندة الإيرانية مع الغرب؟
- مكارثية العقل الأيديولوجي والكتابة الهوجاء
- لم يصل -نجم- امستردام ... تجازوها
- أنتهاك ثوابت الدين بمتغيرات السياسة
- ضد المكارثية العربية إزاء «الإخوان» أو غيرهم
- أين فلسطين في اتفاق ايران مع الغرب؟
- اوجاع اريترية: الحب والحرب والاغتراب
- مستنقع الطائفية: الغرق جميعاً ام النجاة جميعاً
- انفلات غول الطائفية
- الحداثة وعبقرية النقد الذاتي
- دول الخليج و «الصفقة الكبرى» بين اميركا وإيران
- من حق المرأة السعودية سواقة السيارة ولنغلق هذا الملف!
- مواجهة الاسلاموفوبيا: نموذج بريطاني ناجح
- جدل النص والواقع
- درس ديمقراطي من كردستان
- تعويض عربي لضحايا الإرهاب!
- إيران ودرس سوريا: مصالحة الغرب للاستقواء إقليمي!


المزيد.....




- شاهد رجلًا يقذف طاولات وكراس من الطابق الـ20 على شارع مكتظ ب ...
- لندن.. انقسام المحافظين قبيل الانتخابات
- إعلام إسرائيلي: الجيش يتعرض لحدث صعب في مخيم الشابورة برفح
- هل يمكن لإسرائيل القضاء على حماس؟
- هكذا توعدت واشنطن لبنان إذا لم يوقف حزب الله هجماته على إسرا ...
- فيديو: حادث تصادم قطارين في تشيلي يسفر عن سقوط قتلى وجرحى
- اتهامات لنتنياهو بتدمير إسرائيل وحديث عن تصاعد أزمته مع الجي ...
- -الدعم السريع- تقصف الفاشر ونزوح من مدينة الفولة وتحذيرات أم ...
- الحر الشديد في بغداد..مقاومة بمياه النهر والمسابح وحلبة جليد ...
-  عائلة يمني هولندي معتقل في السعودية قلقة على مصيره


المزيد.....

- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - خالد الحروب - فلسطينيو سورية: مآس مزدوجة وخذلان عربي ودولي فاضح