|
البعث القومي العربي بين الماضي والحاضر
محمد الحاج ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1232 - 2005 / 6 / 18 - 09:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعيش العالم في زمن التحولات الفكرية والسياسية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي،هذا الانهيار الذي ولد ثلاث اتجاهات ، غارق في الماضي وفاقد لرؤية واقع عالمي متغير يُشكل جزءا منه، ومُتحلل مندلق على الحاضر باتجاهه الغربي دون الأخذ بعين الاعتبار الجذور القومية والطبقية، ومتوازن يتعامل مع المتغيرات العالمية كأمر واقع ليس افتراضي،وما أصاب العالم وصل ساحتنا العربية وصارت قوانا السياسية تحت تأثير هذه الخيارات فخضعت للاختبار ومنها حزب البعث، الذي أسس أو ساهم بتأسيس الحركة القومية العربية، وكان لكوادره نشاطا متميزا في الساحة العربية بدءا من البرلمانات، ومشاركة قواه في كل المعارك القومية التي خاضتها الأمة، وبعد أكثر من أربعين عاما على استلامه السلطة أتساءل هل خضع لمؤثرات المتغيرات العالمية أم لازال حزب الثورة القومية بأفقها الاشتراكي، أم انقطعت جذوره معها؟، هذه التساؤلات وغيرها تدفع باتجاه تحديد أسئلة بهذا الإطار وهي: 1-ما وجه الترابط بين بعث الانطلاق القومي العربي عام 1947 وبعث اليوم وهل بقيت من جسور بينهما وبوضوح أكثر هل هناك من علاقة فكرية أو سياسية ؟. 2-ما هي الأمة العربية الواحدة التي ينشدها بعثيو اليوم بظل التفكك القومي والوطني، والتوجس المجتمعي، والتبعية الاقتصادية، والانسحاق المعلوماتي والتقني، والمواقف المتباينة من الغرب ومن القضايا العربية؟. 3-ما هي الوحدة التي ينشدونها، هل هي الحلم العربي الذي ضيع الوحدة الوطنية في كل الأقاليم إذا صح التعبير واستحضر الماضي بتجلياته بعد اختفائه نتيجة غربة الحاكم عن الواقع المُعاش محليا وعربيا باستثناء الخطاب ذو النبرة العالية الجياشة الذي يوقظ الوجدان في لحظة كمون الذات؟. 4-ما هي الحرية التي يطمحون انتزاعها أو منحها أهي خاصة بالبعثيين (الحزبيين) أم للوطن وجميع المواطنين؟. 5-هل بقيت الاشتراكية أفقا لدى البعثيين أم تخلّوا عنها؟ 6-هل لازال الفكر القومي العربي (البعثي) مُلقّح ماركسيا أم لُقّح ليبراليا مع تغير الظروف الدولية وسيطرة أمريكا على العالم؟ أسئلة صارت من بديهيات المعرفة في هذه الأيام، وهو أن يعرف الرفيق قبل المواطن بأي اتجاه يسير وطنيا وعربيا وعالميا، وأن يعرف أيضا مكون (بعث) اليوم، وهل هو نفسه الذي وُلد عام1947م، أم تقدم وطنيا وقوميا أو تراجع على هذين الصعيدين، وإذا بدأنا من مسقط رأسه دمشق نقاشا حول هذه المسائل ماذا ستكون النتيجة، هل يسمح لي الرفاق البعثيون أن أنتقد ما أراه ضروريا وصحيحا بوقت واحد، وليعذروني لقناعتي بأن النقد والنقد الذاتي من أسس العمل السياسي حسب البرنامج السياسي للحزب، فعندما أسمع بتعبير الوحدة العربية أقرنها مباشرة مع مظاهر استحضار الماضي في هذه الأيام وعلنا على شاشات التلفزة، وأتساءل كيف يمكن لنا أن نحقق وحدة عربية إذا كنا نعيش في بناء اجتماعي ما قبل وطني في الإقليم الواحد ؟، وذلك بعد نضال التيار القومي العربي الذي استلم السلطة عام/1954م/ناصرية مصر و/1963/بعثية العراق وسوريا، وغيرهم من متبني هذه الفكرة التي أخذتنا للأسحار وأعادتنا لنجد أن كل شيء تغير للأسوأ، فلم يعد المواطن مواطنا، بل أصبح فردا أي رقما سهلا مهددا ومطلوبا بكل لحظة في كل الساحة العربية الرسمية وفي سجونها ، ثم ماهي الحرية((حرية الوطن والمواطن)) التي يناضلون من أجلها بظل استلاب مجتمعات بكاملها، وتَدَخُّل الغرب بخصوصيتها حتى الثقافية أي بالمناهج الدراسية، فأي حرية لأمة تلك التي يتحدثون عنها، وأي حرية للمواطن في المجتمع المغيب سياسيا،أليس من حق المواطن أن يتمتع بحرية النقد لأداء الحكومة الرشيدة، أليس من حق المواطن الانضمام للحزب الذي يريد، ألا تعني الحقوق السياسية أنها المقدمة الأولى للحرية، هل هناك قانون يسمح لأحزاب المعارضة بالحضور الفعلي ولماذا لا يسمح، وما هي المرجعية التي تمنح حزب البعث حق المنع لمواطن له نفس حقوق البعثي وعليه واجباته من تشكيل حزب وطني غير بعثي؟،ما علاقة الحزب الحاكم بالاشتراكية هل لازال يتبنى الاشتراكية العلمية أم توجه نحو الليبرالية بشيء من التلاقح التكتيكي أو الاستراتيجي؟. أسئلة جدا هامة بحاجة لإجابة ليدرك المواطن المحكوم والبعثي الحاكم أين هو من قضية الوحدة والحرية والاشتراكية، وماهي السبل لتحقيق هذه الأهداف؟،فما من أمة توحدت وصارت إلا على قاعدة الحرية،أي على مبدأ النقد للسياسة والاقتصاد والمجتمع الذي في صلبه مادة التطور،وأي منع لهذا النقد فهذا يعني استقرار الحالة وكمونها وعدم جدواها، تلك هي مصيبتنا في امتلاك/ نظريات النقد ومنع ممارسته/ في آن واحد. بين ميلاد الحزب 1947م واستلامه السلطة عام 1963م، حدثت ثلاث انتكاسات للأمة هي احتلال فلسطين عام 1948م، والعدوان الثلاثي على بور سعيد عام 1956م، واغتيال نواة الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، وقام البعثيون بكل جهد للمساهمة مع غيرهم بمعالجة هذه المسائل من وجهة نظر قومية عروبية كانت صحيحة في حينها0 من ثم بين استلامه السلطة عام 1963م والعام 2005م، حدثت انتكاسات كبيرة عربية وعالمية بدءا من هزيمة حزيران 1967م، وحرب الخليج الأولى 1979م، وانهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية عام 1989م، وحرب الخليج الثانية عام 1991م، وضربة /11أيلول/ لأمريكا عام2001م، واحتلال العراق 2003م، وانسحاب القوات السورية من لبنان 2005م،هذه الانتكاسات أجرت تغييرا عالميا بكل المستويات، وحُكمت بلداننا به بين منغلق [لم يُدرك حجم التغيير بل بقي على تصوراته الماضوية]، ومنفتح [هرول لحماية نفسه من أن يطاله، فقدم ولاءه عاريا للمغيّر العالمي الأمريكي]،ومناور [بين التحصين والانفتاح فلم يستطع تحديد وجهته فضاع بين الوطنية المُغرقة المتكلسة وبين الانفتاح العاري]، ولم يستطع تبني الخيار الثالث الجامع بين الوطن والحرية أو الديمقراطية التي أصبحت ضرورة الضرورات لوطن مستهدف، ولأمة تكاد أن تُصبح خارج التاريخ، ولازال حالُنا على حالِنا دون القدرة على اتخاذ القرار المناسب بمواجهة صريحة للمجتمع والشعب حول الموقف من أمريكا(المُغيّر العالمي)،وحول المتغيرات العالمية حتى عند الأصدقاء، الذين انقلبوا علينا حرصا على مصالحهم وليس موقفا مبدئيا. توصيات مؤتمر البعث كانت حزبية صرفة وسرية، رغم أن الظرف العالمي يستدعي من الحزب الحاكم في سوريا أن تكون توصياته وطنية وأن يعقد مؤتمره علانية لأن استهداف سوريا أمر واضح وحجم الفساد صار بحاجة للعلنية، ليطمئن المواطن أن تغييرا جديا قادما لبلده تحصينا من الاستهداف ومعالجة لكل المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا، لكن بكل أسف لم يكن ذلك، وبقي النهج على حاله دون أدنى انفتاح، وهو ما توقعته المعارضة الوطنية الديمقراطية نتيجة لقراءتها الدقيقة لبنية النظام التي لاتسمح له أن يُقدم غير ما قدمه. العالم تغير ولازال يتغير وسوريا جزء من هذا العالم معنية بالتغيير، فإن تخلفت عنه صارت بالمواجهة الصعبة التي تزيد من حجم التآمر الخارجي عليها، وذلك باعتماده الإشكالية الداخلية مرتكزا له، وعلى النظام الحاكم ألا يعتبر أن المعارضة هي بضعة أفراد حسبما يُصرّح بعض أقطابه بين الحين والآخر، بل هي المجتمع السوري بما فيه من بعثيين منتظمين في صفوف البعث الحاكم، وأحزاب الجبهة وأقصد الشريحة التحتية، حيث التذمر في ذروته وعامّا من أوضاع يُمكن حصرها بالحرمان من الحرية والكرامة، وهذه معاناة المواطن بشكل عام معارضا كان أم مواليا، فلم تعد المشكلة تخص المعارضة المعروفة فقط بل شملت مجتمعنا بأكمله، وبقيت قلة في الحزب والجبهة مستفيدة تحاول تصوير الأوضاع على أنها بخير وعلى مايُرام، والحقيقة أن الواقع عكس ذلك. الأزمة العالمية بعد انهيار السوفييت دفعت بالبعض من اليسار العالمي نحو الليبرالية الجديدة، أي الارتهان لنظريات الغول الأمريكي، ويمكن أن تزداد حالة التحلل هذه أكثر في المجتمعات العالمية وخاصة الفقيرة، إن لم تتخذ حكومات هذه المجتمعات إجراءات يتم من خلالها تحرير المواطن من ذهنية الاستلاب التغرُّبي عبر تحقيق المواطنة، وتمكينه اقتصاديا برفع مستوى دخله ليعود مواطنا همه وطنه بدلا من الاندلاق على الخارج والاستقواء به، بظل تحكم حكومته فيه عبر الإجراءات الأمنية الظالمة، التي لو استمرت بشكلها الحالي لصار التوجه عاما باتجاه الخارج، وهذا مرده إلى الضغط الداخلي الحكومي الذي يُنتج ضغطا داخليا أهليا محليا أو مغرّبا، ونكون بذلك قد وصلنا إلى وضع يصعب معرفة نهايته، وباعتقادي يُمكن تفاديه قبل حدوثه وإلا سيتطور وبلادنا لها مصلحة بالخروج السلمي من أزماتنا، لكن إن لم يُدرك الحاكم حجم المشكلة الداخلية ويتعاطى معها على أساس الحل وليس التسويف، لن يُدرك حجم الكارثة التي تنتظرنا،والبند رقم /8/ من الدستور يجيز لحزب البعث قيادة الدولة والمجتمع نظريا أما على الأرض فالقيادة ليست له لأن البند رقم/8/يمنح أمين (فرع-شعبة)الحزب توجيه رئيس(فرع-مفرزة)مخابرات هل يحدث ذلك؟، وأخيرا إن حرية العمل السياسي وإلغاء الاستثناءات بكافة أشكالها قانونيا وإجرائيا هي أفضل الخيارات لمجتمعنا.
#محمد_الحاج_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الماركسية عِشْقُ الماضي أم نقده؟
-
لمكتب السياسي – رياض الترك - ثروتان للاستمرار
-
ما الذي يتوخاه المواطن السوري من مؤتمر البعث
-
الحزب السياسي والمجتمع الماقبل وطني
-
الأخلاقية العبثية لقانون الطوارئ
-
سوريا أمام التحديات هل تصمد… أم؟؟؟؟
-
مرض المعارضين المزمن
-
إلى الطيب التيزيني..{{مصياف وردة سورية
-
ضرورة قانون الأحزاب
-
موت القاتل
-
مُرتكزات الطائفيّة المُعاصره
-
الحروب الطائفية القادمة
-
المثقف والدولة بين التنظير والممارسه
-
ضحايا الاستبداد
-
الآثار الاقتصادية السلبية لاغتيال الحريري
-
قمة الشعوب أم السلاطين
-
سوريا في الاختبار الديمقراطي
-
هل يفشل شيراك وبوش في المنطقه؟
-
من قتل رفيق الحريري؟؟؟
-
هل يلتهمُ الغربُ شرقنا ؟ ؟ .
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|