أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل















المزيد.....

قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1232 - 2005 / 6 / 18 - 09:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تضرب الدنابك في ليل الصحراء بإيقاعات متداخلة مع مدائح تأتي من حناجر متعبة . يضئ الرمل مع الدوائر المشتعلة بحطب الغضى . رجال يرتدون عباءات بيض يتأبطون حركة لامنتظمة مستجبين بشئ من الذعر والخشوع لتلك الإيقاعات الصاخبة وهي تيهمن على فوضى المحتفين بليلة المباركة .
ثمة روح طائرة تشاهد من قبل الدراويش تهيئهم لطقوس تختفي فيها الآم الجسد حين تثقب الخناجر والقضبان والسيوف البطن والخاصرة والفكين . لكي تنظر لهم عليك أن تغمض عينيك . فهم ينبغي أن لا يشاهدوك وأنت تنظر لهم بتساؤلات العلم والطبيعة : كيف لا ينزفون دما ولا يتألمون .
أنها شيء من بارسكولوجيا الشرق . حين يحضر الولي تطير الأجساد الثقيلة على بسط كاشانية تذهب بك أنى تشاء . وكبرق خاطف يمر عليك أحدهم مثل شبح ببياض ساطع في ليل الطرق والأدعية بفطرتها الشعرية وبراءة سجعها ليقول : حي أنه واحد أحد . فلا تشكك بما يهب . ولقد وهبنا أجنحة نوره لنطير .
نذهب بفضله إلى مكة وأنت هنا جالس على الدكة .
في هذا المكان الصحراوي المرتجف من حر الصيف اللاهب . يأتي بشر من شتى البقاع ليقيموا هنا حلقات مودة للذكر النبي على الطريقة الرفاعية . طريقة للمودة بطقوس الدروشة والدرباشة قرب مرقد صاحب هذا المكان الذي نأى به عن بلده ليموت فيه . أرض شبه قاحلة بين بر ميسان وبر الناصرية . جزيرة لا تنطفئ في لياليها النجوم ولا تهدا الذئاب من البحث عن طرائدها من صغار أبن أوى والأرانب البرية حيث لانهر يجري وكل بئر تحفره ذاكرة البشر يأتي بماء وجد ورغم هذا أختار القديس الولي رقدته ونام أبديا في هذا المكان .
في ليلة محددة مع اكتمال قمر والنذر يفكر الناس بهذا اليوم ويجمعون هواجسهم أتجاه ساكن هذه البيداء ليلتقوا عند قبته الخضراء ويقون حلقات ذكر تسبقها صلوات تتعشق حالة الاستعداد التي يمتلكونها لأجل ذروة التعشيق مع الولي النائم في رقدة الرمل فيما الحياء المرتدين أثوابا عريضة براقة ينتظمون بحلقات جالسة وواقفة وينتظرون إيعازا ما ليبدأ ما يمكن أن يطلق عليه حفل طقوس مودة الغياب داخل روح القديس . السيد العلوي . الولي القادر على منحنا ما نطلبه أتقاءا لمحنة أو تخلصا من جوع أو فض لنزاع ما .
فحين ترتفع أصوات الدرابك كمارشات حرب قديمة وتفيض رغبة الراغب لهواية الضياع فيه وكسب مودة روحه تتهدج الأصوات بارتباك الحروف لبيان تكبير ومغفرة وتلاوة أيات فتهمش اللغة وتراكيبها وتتداخل معاني الجمل وتتحد موسيقى الأصوات الطقسية مع إيقاعات غسلت في الليل خمولها لتبدو في وقعها مثل زئير أسود أطلقت بعد جوع طويل .
ولحظة لحظة يتصاعد أداء البشر غناء ا ودورانا لهلوسة الغيب . كأنهم ضائعون في متاهة ليل الصحراء رغم حشد البشر الهائل المحيط بدائرتهم البيضاء والمفتوحة كخاصرة الثلج في مساحة من عشب دافئ .
لمعان السيوف والقضبان يربك الزائر الذي لم يتعود مشاهدة هكذا طقس لكنه سرعان ما ينسجم مع تأثير قوة الإيحاء الصاخب وفوران العيون المنفعلة وسط حمى دورانها حول قطب مرسوم بخطوط وهمية على ساحة المكان فتنغرس الأقدام الحافية بالرمل مثلما تنغرس أوتاد خيمة البدوي لتبدو الدوائر المتعرجة وأثار الدوران كأنها بقايا معركة من معارك الشرق القديم بين خيول من بابل وأخرى أتت من جهة مقدونيا حيث جاء الاسكندر وشاهد في تسلية لمساء بابلي من شرفة القصر الشرقي مثل هكذا طقوس كان فيها البابليون يتوددون شوقا ونفاقا إلى عظيمهم مردوخ الذي تركهم في محنة الانتظار المدد السماوي وسلم المدينة لأحفاد الإغريق وبرابرة الأقوام الجبلية البعيدة .
تعودت عيناي على شكل السيوف ولمعانها ولم تكن رؤية الخناجر بشتى أشكالها غريبة علي الجديد هو القضبان الرفيعة المصنوعة من حديد أملس بنهايات ناتئة وهي ترتفع على مستوى قامات المتمايلة للدروايش والمحتفين ثم تهبط بإتقان لتخترق الخاصرة والبطن في لحظة قشعريرة وخوف تصيب المتفرجين سرعان ما يتلاشى الخوف مع تكبيرات الهستريا والعرق الذي بات يغرق وجه الرجل الذي ادخل القضبان وسط خاصرته وابتهج بغيبوبة مذعورة أمام الحشد ليريهم المعجزة .
ضج الليل بالقرع . أختفت رقة الطبل . بدا في إيقاعه مثل أوزان هائلة تسقط فوق الرؤوس . المؤدون يغيبون عن وعي لحظتهم يثبات جرئ . الأطفال يختبؤن تحت عباءات النساء . كأن هيتشوك يرسم أمامهم رعب الحديد الذي يدخل البطون . خناجر سيوف قضبان حديد لامع . رعشة في عيونهم الصغيرة والجرئ منهم ظل يقرا بشجاعة البراءة تساءل واضح . لماذا يفعلون ذلك ؟ فيجيبهم صوت رجل يدور حول الحلقة شاهرا سيفه دون أن يغرزه بجسده وكأنه منشط للراقصين وعرابهم : أنهم يفعلون ذلك ليقتربوا من محبة الله ورسوله .
الكبار يهللون فيما تدفع براءة الصغار أصابعهم النحيفة لتصفق كأنهم يستحسنون أداء فلما للأفلام المتحركة وبين هذا الصخب والتهليل والتكبير يظل صوت الأطفال المذعورين تحت العباءات يرسم خوفا نفسيا قد يلاحق أحلامهم مثل الكوابيس لزمن ومن ثم يختفي مع قراءة الأمهات على وجهوهم مزيدا من آيات الذكر .
تعذيب الجسد من دون دم أو ألم أنها حسية بارسيكولجية معروفة عند الكثير من الشعوب وأكثرهم الهنود حيث طقوس المشي على الجمر وإدخال النبال في منطقة الوجه وحتى رياضة اليوغا البوذية هي شيء من تعويد الجسد على تكويرات وضع صعب ويحتاج إلى جهد عضلي وتركيز فكري هائل لكنهم هنا يقرنوه بموالاة لذات أخرى صنعتها أشجان صوفية الدين على فكرة أن يكون القلب قريبا من محبه . والولي المدفون بصمت الرمل والبيد المقفر هو المحب .
بدء هكذا هاجس في الذاكرة العربية نمى مع إرهاصات اللقاء المترجم بين فكر العرب وفارس والإغريق أثناء اتساع ذاكرة بيت الحكمة في عهد المأمون العباسي ثم تطور حين بدأت تناقضات المجتمع على مستوى المعيشة والفكر تظهر ومعها ظهر الفكر الصوفي برجالاته الأسطوريين كالحلاج وأبي زيد البسطامي والنفري والسهروردي وغيرهم ..
لقد أشتغلت الفكرة الصوفية على فكرة أحياء الجسد والروح في أرتقاء واحد وكانوا ينظرون الى ما يريدون من خلال الغياب ومخالفة المنظور وتوسيع دائرة الشعور لهذا كان الإيصال بالنسبة لهم يتم بطرائق غير متعارف عليها ولا حتى مقبولة على مستوى الطقس الديني المعروف والمحصور تقريبا بين اداء الصلاة وخطبة المنبر ومواسم الحج وأداء الفروض الأخرى . لقد جاء المتصوفة بفروض جديدة شغلت الحس الفكري والتوافق الأدائي بين الطقس القديم وحركة الجسد فكانت صلواتهم لا تقتصر على سجود وركوع بل ثمة إيماءات وحركات أخرى واغلبها ما يظهر في حركة الرأس أو الغياب الذهني والسكرة الحالمة تحت ظروف غير طبيعية كما يفعل السهروردي في هذا المنظر :

على هكذا رؤى تأسس حس جديد في التعامل مع هيبة الملكوت أو رسوله . زاد في مغالات أو خف فالأمر أرتهن بطبيعة التوارث ومدى تقديس الناس للأثر والإرث وحساب هكذا مشاعر وطقوس وأداء من الكرامات وكان للمخيال الشعبي الدور الكبير في ترصين فكرة التعالي مع العلو وأجبار بعض النساك والأولياء من الصمت إزاء فكرة التبجيل وهالتها ثم تحولت بعد موت الولي أو استشهاده إلى طقس موسمي يصير فيه الاستذكار التقرب والممارسة طقس واجب والمستحب فيه أن تقف صامتا وتهلل باسم الله والنبي وتكثر في الصلواة عليهما .
وهذا الذي كان يجري في الليل المتسع كفؤاد نبي وهو يرى عناد قومه لدعوته ورغم هذا يفكر بصباح جديد وإرشاد جديد لذوي الألباب .
ظلت الدنابك تضرب بارتجاف الأيدي والعيدان . بقيت روحها تمسك هاجس الأبد المنفتح على المكان المضئ بمواقد الصيف وجمرها الذي لا يحتمل فيما كانت أباريق الشاي تشد عطر الهيل والزعفران إلى أنوف من راحوا يوغلون في دفع القضبان إلى داخل البطون المترهلة لتظهر من حافة الخاصرة ثم يزاول عليها دوران مهتز برعشة التكبير والغياب ونظرات الوجوه المنذهلة والتي صبغها خوف رهبة وخشوع وتالم لما يحدث لتك الأجساد التي تطوعت لهكذا غياب ربما بالتوارث وربما بالتعلم وربما برغبة الأكتشاف والذهاب مع روح السهروردي الجالسة تحت لسع الشمس حيث ذكره يطيل عمره وحين الدروشة من اجله تقرب نوره إلى نارنا فتغيب الفصول وتأتي الأصول تعلمنا الطرق المعبدة أليه .
وأنت في دائرة الدهشة عليك أن تراقب الوجوه جيدا . تكاد تلك الوجوه تشتعل باللمعان ، هم ينظرون ولا ينظرون . أتذكر لحظتها كلمات الكاتب الأرجنتيني < خورخي لويس بورخيس > عندما أنهى قراءته الحماسية لكتاب ألف ليلة وليلة : هذا كتاب لفتنة الروح والطقوس التي تجعل الخيال واقعا لا نفترضه بل نمسكه بأصابعنا وكل هذا بفضل روح الكتاب المشعة .
تذكرني جملة الروح المشعة بفيض عجيب من قراءات الرؤى والتودد للفعل الأثري لحاسة السطوع التي تقودنا إلى ممارسة ما نعتقده أقترابنا من ظل خفي يسيطر علينا بحرف اللغز الذي نحسه معانيه لكننا لانقدر على ترجمتها . وذات الروح وجدتها تتساقط عرقا مدافا بذرات رمل لاترى بالعين سوى مساحات ضوئها الناتئة على وجوه أولئك المرتدين أكفان التشوق وهم يدفعون بمقدمة السيوف إلى داخل أجسادهم وكأنهم يطعنون عدوا في معركة . كنت أشاهد في صور الحياة أيادي ترتجف أو سيقان نحيفة يقودها البرد لتتحول مثل سعف النخيل في صباحات الريح النشطة ولكن أن أرى وجوها تهتز باهتزاز الدنابك والطبول من هيبة الصوت ودوي الإيقاع فهذا ما أراه لأول مرة عدا بعض مشاهد سينمائية لوجه يترجف هلعا حين أجلسوه على كرسي الإعدام في أحدى سجون أمريكا .
الآن عرفت أن الوجوه لاترتجف من الهلع فقط . في السعادة أيضا وفي ممارسة هكذا طقس يشد فيه الدرويش روحه إلى روح نصل السيف . وهكذا في غير هكذا طقوس لن نرى تعابير وجه أنساني تبدو في تيه من النظرات والشد وغياب تفسير المشاهدة . ربما لأن صاحب الوجه ليس معنا . بل مع الذي دعاه ليرتفع في الهواء طائرا في فضاء رغبته لمحبه وهذا ما يطلق عليه المتصوفة : التنور بالنور ودخول بهجة المحظور .
أستمر الابتهاج المهيب بسطوة الدوران حول قطب غير معلوم ولا أدري أن كان يستقر على العشب اليابس أم في ذاكرة متبع الطريقة غير أن تصاعد الضرب بالطبول والدانبك والأقراص النحاسية مكنني من تخيل شكل الروح المشعة وطريقة تعاملها مع المدائح النازلة من حنجرة شيخ هرم بدت لحيته مثل كومة من الغيم وهو يسطر بسجع سليم النطق والتحريك قصائد مدح غير مسموعة وليست مسبوكة سبكا جيدا في حق الرسول الكريم ولكن هيبة الرائية المتحركة بانفعال والصخب وتصاعد حدة الشعور بالوصول إلى ذروة ما أعطت لصوت الشيخ بعضا من الأنشداد والتخيل والاستمتاع وعدا ذلك يحس المثقف سماعا أن هذه المدائح لا تتناسب مع روح الشجن المرتبك والذي يعج بفوضى الدوران ولمعان قطع الحديد الملساء خناجر وسيوف وقضبان وأحدهم قال أن في واحدة من حلقات الذكر أفرغ مريد في بطنه شاجور رصاص كامل ولم يمت . هذا في منظور العلم خرافة ولكنه في منظور عاشق الطريقة أمر قابل للحدوث .
أقترب الأعياء من بعضهم . أمتزج التراب بالدخان وبدت قبة مولانا الرفاعي تهتز في ناظور الرائي من الضرب المتتالي على الباحة الترابية وجراء تصادم الإيقاعات بموزائيك القبة لترينا الفسيفساء المطلية بلون الكاشان رموز مشفرة لا تذهب بالذاكرة العارفة بعيدا إذ يمكن تخيل الأمر وفق منطوق :
< أن صاحب الطريقة هو من أوحى لزائريه أن يمارسوا هذه المودة بذلك الشكل وبدت لي أن عيونا من الكبرياء والعز مرسومة في وسط القبة وهي تشع بالابتسام والرضا وتعيد إلى ذاكرة الدائر في المكان وهو يبحث خلال الروح المشعة عن قطب يرتكز عليه هيبة أن يكون أولئك الأولياء الصالحين هو خطوتنا إلى صفاء الذهن وسط عولمة جديدة وحضارة مرتبكة وانتشار مهيب لسذاجات الموسيقى والملبس والسياسة>.
يقودني هكذا شكل من الفنتازيا إلى تخيل ما يجري بصورة أثرية . الاحتفاء بالطقس بطريقة أثراء الذاكرة بالمشاهد الواقعة في خانة < صور فوق العادة > .
أقتراب من الخارقية الملازمة لبعض امكنة الروح والجسد كالتي في الحاسة السادسة .
أن المخبوء الذي في الجسد قد حير العلماء كثيرا وجعلهم يضعون افتراضات كثر لمثل تلك الظواهر .
يقول الدكتور علي الوردي وهو من المبكرين في رصد هكذا ظواهر على المستوى الوطني : أن الأمر يتعدى الشعور بهيمنة الغيب لن ما يحدث يخرج عن نظامه الطبيعي ليصبح شيئا غير خاضع لقانون معروف.
هؤلاء المريدون ربما هم من يقصدهم الدكتور الوردي بكلامه وأخضع حسه وتصرفاتهم إلى علم الخارقية < البارسوكولجي >
وهكذا تهيمن الفكرة على عقل المكان . تضع متنازعات من التفكير بماهية هكذا طقوس . متنازعات لاتمت إلى الواقع سوى أنها تمارس على أرضه أما حقيقتها فأنها مداومة لإثبات خيمياء الإيحاء وقدرتها على تسليط حسنا وطاقتنا الداخلية لصناعة التوحد والتعبد وتلبس ما نتمناه لأخرتنا يدا تقودنا إلى الفردوس وتحلم معنا برؤية المعاني العظيمة وحتما صاحب هذه القبة واحد من تلك المعاني التي ولدت بفضل انتمائها إلى نسل الوجدان والذكر الدائم لصاحب العظمة .
ظل المكان يفيض بسحرية الانتشاء وظلت رائحة الطقوس تبعث تعاريفها ومشاهدها إلى الأنظار المنذهله فيما يد الليل بسطت مساحة التراب والنار والأصوات المتداخلة حتى تحس إن فاصلة الزمن قد فقدت وان عليك أن تثبت بعقلك وجسدك كي لا تطير في الهواء .
كانت الحواس مشغولة بما ترى . أتذكر أبي زيد البسطامي زحفت الانتماء إلى المكان وقصته مع تغريبة النمل فاربط ذاكرة التصوف بهذه الحلقة الرائجة من البياض الذي فقد الكثير من سطوعه بسبب الرمل وعرق الجسد ودخان المواقد الأسود .
أن الصيف يرهقنا بمناخه ويجعل الجسد ينزف ماءا . وهاهم دراويش الطريقة الرفاعية ينزفون ينابيعا من مياه دوارنهم المستمر حول القطب السائب الذي جذب الحلاج إليه ذات يوم وتركه بعد ذلك معلقا على خشبة .
الآن تتعلق حواس المؤدين . تظهر لك صورة مقربة لذات الولي تحسها شعاعا من النجوم وهي تنزع عن أجسادها اللامعة كاشان القبة وتأتي إلينا مرافقة المدائح المسكونة في الحناجر المتعبة .
تستمر وتيرة الهيجان . هم يسمونه ذروة الحضور يدفع بالمحتفي إلى غضب جديد وأداء متشنج ولا شعوري يبدو ظاهرا في تغير مواصفات الجسد . الطويل يلتف على مكانه وبدوراته السريع وترنحه الدائم يتحول إلى خيط من ضوء يتحلزن في المكان كدائرة بيضاء . البدين يصبح مثل بطيخة تكبر مع الحركة والتمازج حتى تحسها ستنفجر بعد لحظة ومن أماكنهن تتصاعد زغاريد النساء فيما رهبة المودة والخوف تجعل مشاعرهن سائحة في المكان ليبدأن بإطلاق أصوات نذرية تقرب أنوثة التشفع إلى الولي الذي جثمت فوق قبته سحابة من ضوء النجوم وشعاع المواقد وركل بدت ذراته تسبح في الفضاء بفزع ولذة .
يبقى المكان وروحه يختلجان بهوى نلك الطقوس . وتتسمر الذاكرة في مكانها . يطل عليك الجنيد والغزالي وعمر الخيام وأبن العربي وأبن الفارض.عمائمهم خضر ونظراتهم منشغلة في رغبة العودة أليه ،
ضوء احمر يدفع بالإيقاعات إلى مدى أبعد فتصاب الصحراء بلذة الإصغاء ولم يعد يسمع للحيوان المتوحش صوتا أو دبيب خطوات .
يفترش الأولياء خواطرهم تدعمهم روح صاحب المكان بمودة المشاركة . تفر من البيد أرواحنا فيما أرواحهم باقية وكأنهم ضيوف حضرته المتوحدة مع النأي الذي أختاره مثلما يختار الوطنيون منافيهم يقيمون معه سعادة المشاركة والحديث ويسألونه عن بهجة تقبيل يد الرسول ؟
فيرد : هو اختارني وإنا اخترته .
يخلعون عمائمهم تشوقا . يدفنون رؤوسهم في الرمل وكمن يغرق في يم لذيذ يغرقون بمتعة النعامات ويكبرون وينشدون الشعر فيما تبقى حلقات البشر وهي تشارف على إطفاء شعلة الود حين يخف ضرب الصنوج والدرابك والطبول وهي تحس بأن السيوف بدت متعبة حين خف لمعانها .
يقترب الصباح من الأجساد المتعبة . تلبسها غفوة قصيرة ومتعبة ولكنها لذيذة . وساعة وترسل الشمس شعاعها اللاسع تحت أجفان النائمين ويقال أن ثمة أصابع مرتجفة هي أصابع الشيخ السيد احمد الرفاعي تمرر حنان اليقظة على العيون وهو تحفزها بالعودة المبكرة إلى ديارها سالمة .

أور السومرية 14 حزيران 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن
- المراة بين اناء العسل وروح الكائن المطيع
- نجمة متقاعدة وقمر في الخدمة وناسا جامع للمتصوفة
- وطن الجنرال ويخت الجنرال ورقصة الجنرال
- فتاة من التبت تحب مارتن لوثر كنغ
- أستطلاع الواقع الثقافي العراقي ..محافظة ذي قار أنموذجاً
- قيامة إبراهيم
- الجندي الأيطالي والمتحف السومري
- تكاليف دفن الشاعر السومري
- جدلية الحلم في قلب الكاهن المندائي
- عقيل علي..موت ثمرة الفراولة


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نعيم عبد مهلهل - قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل