راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4330 - 2014 / 1 / 9 - 21:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- سقوط النجم في بيت علي عليه السلام مثالاً - :
يطيب ليّ أن أقدم للقارئ المحترم هذه القراءة في كتاب - الشيخ الركابي - وهو يبحث في موضوعة مثيرة للجدل ومثيرة للأشمئزاز في كثير من الأحيان ، لأنها تخلط بين ماهو وهمي مع ما هو ظني ثم يُبنى عليه ويؤسس ، وهنا في موضوعة سقوط النجم في بيت علي عليه السلام ، واحدة من الهرطقات الغير منصفة والتي تستدعي التنبيه والإشارة والرفض ، لأنها تسيء لمقام الإمام علي وتحط من قدره الذي نكن له نحن المؤمنون ، فقضية سقوط النجم رواها لنا - ربيعة بن محمد - بسنده عن - أنس بن مالك - ، على هذا النحو :
قال : - أنقض كوكب ، فقال رسول الله – ص - ، أنظروا فمن أنقض في داره فهو الخليفة بعدي ، فنظرنا فإذا هو في منزل علي - ع - ، فقال جماعةٌ : قد غوى محمد في حبّ علي ، فنزلت ( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ) - مناقب أبن المغازلي ص 266 ، وميزان الإعتدال للذهبي ج2 ص 45 - .
وفي تعليقه على هذا الخبر يقول الذهبي : إن هذا الحديث باطل ، لأن فيه - الجوزجاني - وهو راوي هذا الخبر عن ربيعة بن محمد وهو رجل مجهول لا يُعرف بكتب الرجال ، كما إن ربيعة بن محمد لا يعتد بروايته لأنه - متروك الحديث - ، ولم يُتهم ربيعة بن محمد بالتشيع ، ولهذا فلا يمكننا إعتباره من غلاة الشيعة ، ولهذا فخبر ربيعة بن محمد ساقط من الاعتبار من جهة السند ، وأما من حيث المتن فنقول :
1 - إن سورة النجم هي مكية بإجماع ، قال ذلك الطباطبائي في الميزان ج19 ص25 ، كما إن : أنس بن مالك هو من أهل المدينة ، وكان عمره حين هاجر النبي - ص - إليها نحو 9 أو 10 سنيين - أُسد الغابة ج1 ص 127 - ، وهو قبل ذلك الحين لم يزر مكة ، حتى نقول أو لكي نقول عنه : إنه شاهد النجم وهو يهوى في بيت علي – ع - !! .
2 - وفي ذلك الوقت لم يكن للإمام علي - ع - بيت مستقل في مكة ، أي وقت نزول سورة النجم ، ومعلوم إن الإمام في طفولته كان في بيت والده ثم في بيت رسول الله - ص - من قبل ومن بعد البعثة النبوية - أُسد الغابة ج4 ص 17 - ، يقول الطباطبائي في الميزان ج 19 ص 25 : إن سورة النجم هي أول سورة قرأها النبي على المؤمنين والمشركين جميعاً - ، وهذا يعني إنها من أوائل السور التي نزلت بعد البعثة النبوية ، وفي ذلك الوقت يكون علي - ع – في عمر الخمسة عشر سنة تقريبا، وفي ذلك الحين لم يكن قد تزوج بعد بفاطمة ، ولم يكن له بيت مستقل خاص به كما تقول روايات التاريخ المعتبرة .
3 - ولو تنزلنا وقلنا بصحة هذا الخبر ، فإن ذلك يستلزم جدلاً : أن نستبدل كلمة - إذا - بلفظ - إذ - ، ويكون النص على هذا النحو : - والنجم إذ هوى - بدل قوله : - والنجم إذا هوى - ، ومُراد – إذ - في الكتاب المجيد حين تستخدم تكون دالة على مكان ومحل وقوع الحدث ، كما نقرأ ذلك بقوله تعالى : - إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم - الأحزاب 10 - ، ولكن لفظ - إذا - في الكتاب المجيد فيدل على الإستمرار ، كما نقرأ ذلك بقوله تعالى : - والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى - الليل 1 و 2 - ، وهذه العملية التي يتحدث عنها النص هي عملية دورية مستمرة إلى يوم القيامة ، وعليه يكون معنى قوله تعالى : - والنجم إذا هوى - هو دوام الحدوث واستمراره ، كما إن النص ليس في مقام الكلام عن سقوط النجم بقدر ما هو إشارة إلى الطبيعة الكونية لحركة الشمس في كل يوم من شروق وغروب ، ومنه نفهم إن جملة - والنجم إذا هوى - ليست في مقام الحديث عن سقوط النجم في بيت علي عليه السلام .
4 - والحق إن الإستشهاد بسقوط النجم في مقام الخلافة إستشهاد غريب ، ذلك لأن المعلومة العلمية تقول : إن أصغر نجم هو أكبر من كوكب الأرض بمرات ، فلو أفترضنا إن نجماً بحجم الشمس سقط في بيت علي ، فما عساه أن يفعل هذا النجم بعلي وببيته وبالأرض كلها ؟
هذا السؤال يمكن طرحه على من يعتقد بهذه الأكذوبه وبمن يرددها ويعتقد بصحتها من غير تدبر أو إمعان نظر .
فإن قلتم : إن ذلك كان معجزة إلهية ، وهي دليل على القدرة التي لم تترك معها دماراً وخراباً .
قلنا : صحيح ولكن يجب أن لا يكون ذلك نجماً بل يجب ان يكون حجارة صغيرة - كالحجر الأسود - ، حتى نعرف متى وأين سقط ولماذا ؟ ونعرف كل خصوصياته ومزاياه ..
وإذا كان ذلك كذلك كما تقولون : فلماذا لم يسجل لنا رسول الله طبيعة هذه المعجزة وماهيتها وخصوصيتها ؟ طالما كانت بهذه الصورة وبهذا الحجم وبهذه العظمة كما يزعمون ، خاصةً والرواية تتحدث عن الخلافة الزمنية ، فهل يجوز لنا القول : إن الرسول - ص - قد تسامح عن هذا الأمر والشأن الديني المهم ؟ !
نعم حكاية - النجم الذي هوى في بيت علي - حكاية أسطورية غير صحيحة وغير موثقة ذلك لأنها :
1 - جاءتنا من غير سند صحيح ومعتبر .
2 - وهذه الرواية تخالف المعنى الصحيح لمفهوم النص في قوله تعالى : - والنجم إذا هوى - .
3 - وهذه الرواية تعارض الصحيح من سيرة وحياة الإمام علي عليه السلام .
4 - وهذه الرواية تعارض الصحيح من سيرة وحياة أنس بن مالك .
هذا الرواية جاءت بلسان أعداء الإمام وهدفهم فيها واضح وقصدهم معلوم ، ولكن ما بال الشيعة يرددون مثل تلك الأخبار ويروجون لها ؟
وهذا يدل على أن مصدر هذه الخرافة هم مجهولي الحال من أهل السنة ، وأما الشيعة فلم يناقشوا هذه الرواية مناقشة جادة ، ولهم فيما كان يحيط بهم من ظروف سياسية وإجتماعية وثقافية العذر ، الذي حال دون مناقشة هذه الرواية مناقشة موضوعية منطقية ، وتبيان نقاط الضعف فيها ونقاط القوة ، ولهذا رويت هكذا في كتب الشيعة من غير تدقيق أو تعليق عليها ، كما نلاحظ ذلك في أمالي الشيخ الصدوق الحديث 4 و 5 في المجلس رقم 83 والحديث 6 في المجلس رقم 86 ، فهو في كتابه هذا رواها عن طريق أهل السنة ، وبأسانيد مجهولة ومختلفة ، وطبيعي لم يكن الشيخ الصدوق في روايته لها في مقام أثبات حق أميرالمؤمنين بالخلافة والإمامة ، لكنه رواها هكذا فقط لأنها جاءت بلسان محدثي أهل السنة ، ومن دون البحث في صحتها وصحة صدورها ، ولكننا نرى صاحب تفسير البرهان ج4 ص 242 يرويها مرافقة لأمور غير منطقية ومخالفة للعقل والمنطق ورواها بأسانيد غير معتبرة ، عن - الحافظ رجب البرسي - الذي قال عنه العلامة المجلسي : - بأنه مُغالي ومن أهل الارتفاع - ، كما رواها المجلسي في بحاره ج35 من الصفحة 272 إلى الصفحة 284 ، وكلها تتحدث عن سقوط النجم في بيت علي – ع - ، وطبعاً كل هذه الأخبار التي تناولت هذه الحكاية هي أخبار غير صحيحة من جهة السند وغير معتبرة من جهة المعنى والدلالة وليس فيها خبر واحد صحيح ، إضافة إلى ما فيها من تناقض وإختلاف وعلى سبيل المثال :
1 - جاء في بعضها : إن النجم الذي هوى في بيت علي كان في عام الفتح .
2 - وجاء في بعضها الآخر : إن النجم الذي هوى كان في يوم - غدير خم - .
3 - وقال بعضهم : إن النجم الذي هوى كان في يوم مرض الرسول - ص - .
وكل هذه الأوقات التي ذكرها صاحب البحار لا تتفق مع زمن نزول سورة النجم ..
ثم إن هذه الأخبار مختلفة في وقت سقوط النجم ، أهو بالليل أم بالنهار ؟
أ - فمن قائل : إنه سقط بعد صلاة العشاء .
ب - ومن قائل : إنه سقط عند طلوع الفجر .
ج - ومن قائل : إنه سقط بعد طلوع الشمس .
د - ومن قائل : إنه سقط وسط النهار .
وهذا يدل على أن هذه الأخبار إنما وردت بلسان مُحدثها وتبعاً لطبيعته ورغبته وماورد في لسانه ، بدليل قول البعض : إن هذا النجم بعدما هوى في بيت علي - ع - رجع مرةً أخرى إلى السماء - البحار ج35 ص 283 - ، ولذلك نسترعي إنتباه القراء المحترمين إلى ضرورة التأمل والتدبر والتحقيق قبل الوثوق بكل خبر ورواية ، وهذا الذي نقوله يجعل للقراءة هدف ومعنى ، كما ويجعل من مهمة الإصلاح والتصحيح ممكنة وميسورة ، وذلك حماية للعقل والفكر والذوق من التهالك والضعة والتخريف
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟