أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الزهيري - نفسية النص _ الفصل الثالث_ نفسية النص وعلاقتها بالآخر















المزيد.....



نفسية النص _ الفصل الثالث_ نفسية النص وعلاقتها بالآخر


محمود الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 22:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفصل الثالث
نفسية النص
و
علاقتها بالآخر

من الأمور التي تتأزم بها الحياة المعاصرة لكل مجتمع من المجتمعات ذات البعد الديني_ الهام_ في حياتها وآخرتها , ذلك البعد الذي ينظم أمور الحياة جميعها , وأمور مابعد الحياة , أو ماتم تسميتها بالميتافيزيقا , ومايترتب عليهما من تتبع تعاليم ذلك البعد الديني , المستقي من المنظومة الدينية التي أصَلَ لها بشر , تعارف علي تسميتهم بالفقهاء , أو المفسرين , أو الأصوليين ,أوالنحاة , وغيرهم كثير, له إرتباطات عميقة في الإتصال بالدين وسبر أغوار نصوصه الحائزة علي القداسة العليا لما لها من اتصال بالسماء ورب السماء , الموصوف بالصفات العليا , ومنها صفة الخلق والإبداع والتكوين , والعلم والقدرة والطلاقة التي ليس لها حدود تسعها السماء أو تحدها الأرضين , أنه النص الديني , الذي تأزمت به المجتمعات , ومازالت تتأزم حتي الوقت الراهن , وهذا التأزم في مفهومنا ليس , ليس راجع في أسبابه إلي النص ذاته , سواء
سواء في رسم حروفه , أو تشكيلها , أو سبب نزوله , أو ناسخه ومنسوخه , وإنما الأزمة راجعة إلي فهم منطوقه ومسموعه , والتي تأزمت أكثر وأكثر لتتعدي حدود المنطوق والمسموع والمقروء , إلي حدود المسكوت عنه في فهم النص وأبعاده النفسية , التي تؤثر علي الفهم والوعي والإدراك لمراد النص الديني صاحب القدسية السماوية العُليا من لدن رب العالمين , والذي نعتقد جميعاً ونجزم بأن مراد الله من النص , أي نص ديني مقدس , سره كامن في سعادة البشر والخروج بهم من أزماتهم الدنيا , ومشكلات حياتهم المعاصرة والمستقبلية , وهذا السر كامن في مدي الإتصال بالنص الديني المقدس , وسبر أغواره والمعرفة بمراد النص ومبتغاه , ومايرمي إليه من تعاليم كامنة في سلسلة الأوامر والنواهي الإلهية الصادرة من ذات الله ونفسه العلوية القدسية المقدسة , والمتوجب علي كافة المؤمنين بالنص الديني المقدس في مجمله ومجمل النصوص المقدسة , أن يخضعواذواتهم ونفوسهم لذات الله ونفسه العلوية المقدسة , إذ لا ذات , ولا نفس تعلو علي ذات ونفس صاحب طلاقة القدرة والعظمة فهو الخالق المبدع للأكوان وللذوات والأنفس .
ومن داخل إطار منظومة العبادة الماثلة , والمتمثلة في قمة الخضوع والمذلة لله الخالق , في جميع الصور العبادية المرسومة علي هدي النص الديني المقدس , علي مراد الله , تتأتي الصورة المثلي للفوز بالنعيم الأزلي , والأبدي في نهاية الرحلة الإنسانية , والمتمثل في نعيم الجنة , ومن يخالف النص الدين المقدس , يكون الشؤم والعذاب هو الوعد المنتظر له , وتكون جهنم , أو سقر , أو سعير , هي مستقر عذابه وهلاكه .
هذا سرد , الغرض منه التوطئة للدخول في معرفة مدي تأثير النص الديني المقدس في نفوس المؤمنين به والعاملين علي تنفيذه في أوامره ونواهيه , للفوز في نهاية المطاف بالجنة , أما المخالفين للنص , فمصيرهم معلوم حسبما نطق النص وقرر بالعقوبة , والتي هي جهنم .
وهذا من مرادات النص في حيثياته , ومطلقاته الإلهية الربانية العليا .
ولكن الحديث عن النص يجلبنا إلي تساؤل نسرد له موضوعاً مستقلا .
مفهوم النص في القراءة الأولي
نعم ليس هناك من غرابة في أن هناك قراءة أولي للنص الديني المقدس , تليه قراءات متعددة ولانهائية , فالقراءة الأولي هي قراءة السماء للنص علي مسامع الأنبياء والمرسلين , وتتأتي القراءة الثانية , في تبليغ النص الديني المقدس إلي الأتباع من المؤمنين برسالة النص , ثم تتوالي القراءات وتتابع من فرد إلي فرد , أو من فرد إلي افراد , أو إلي جماعات حسب المقدرة علي طلاقة الدعوة والتبشير بالنص ورسالته المحمولة في أفهام من وكلوا بالتبليغ طمعاً في الأجر والثواب , ورهباً من العذاب والعقاب .
ولكن التساؤل الذي نود أن نطرحه علي المسامع لعلنا نتذكر ونعي , أو نفهم ونتدبر , من غير تكلف , ولامشقة , ومن غير عنت , أو تسفيه , وتجهيل , وهو :
هل النصوص الدينية في مجملها نزلت من السماوات العُلي محمولة علي ألواح بهامشها التفسير المبين والمفسر لتلك النصوص ؟
هذا سؤال نبدأ به لنتمكن من حل معضلة فهم النص الديني لدي المؤمنين به , وحتي بالنسبة لغير المؤمنين به , والذين يستخدمونه في أحيان كثيرة غالبها في الطابع هوالتشكيك ومحاولة زحزحة الإيمان بالنص من مرتبة اليقين إلي رتبة الشك والتشكيك .
والسؤال التالي :
هل الانبياء والمرسلين , أخذوا علي عاتقهم تفسير النصوص الدينية المقدسة , في مجملها العام من بداية أول نص مقدس في أي كتاب مقدس , حتي آخر نص في هذا الكتاب أو هذه الكتب المقدسة التي تحمل معني الرسالة , أو مفهوم النبوة ؟
وهذا السؤال هام وخطير في دلالاته ومعانيه التي سيبني عليها أراء قد تحوز الإعجاب , وقد تنال الرفض حسب المفهوم منه , لأن القراءة الأولي للنص هي قراءة السماء وهذه القراءة الأولي لم يستمع إلي منطوقها , أو مقرؤها سوي الأنبياء وحدهم , فهم المبلغون عن رب السماء وحدهم في القراءة الأولي , ومن ثم كانت القراءة الثانية من الأنبياء والمرسلين وهم يبلغون بها أقوامهم والمؤمنين بالنص , والقراءات المتتالية تأتي بعد ذلك تباعاً تباعاً , وليس المقصود بالقراءة الأولي , أو القراءة الثانية , أو القراءات المتتابعة هو معني القراءة الدارجة المنطوقة من شخص , والمسموعة من آخرين , وإنما معني القراءة هو مفهومها لما تهدف إليه وماترمي إليه من غرض .
فإذا كانت القراءة الأولي من غير تفسير , وهي من هي , إنها قراءة السماء , والقراءة الثانية أتت من غير تفسير في مجملها للنصوص , وهي من هي , هي قراءة الأنبياء والمرسلين , كذلك القراءات المتتالية , في عصور الأنبياء والمرسلين لم تأتي مفسرة , وحتي الآن تتوالي القراءات وتتعدد , فإذا كان النص في القراءة الأولي ليس له تفسير إلا لواقعة محددة , أو لأشخاص معلومين , أو لمكان معين بذاته , أو لزمان مبين في صفاته , وإذا كان النص في قراءته الأولي يحمل الحقيقة العليا المطلقة , فلماذا تعددت القراءات لمفهوم النص ؟!!
وإذا كانت هناك حقيقة واحدة , فلماذا تعددت وجهات النظر , وتباينت الأراء حول هذه الحقيقة المطلقة ؟
وأين هي القراءة السليمة المستساغة في المفهوم من النص ؟
وأين هو فهم الدين الصحيح , المحمول علي نصوصه المقدسة , والتي هي أساس الدين وقلبه وروحه , ومنهجه , وكيف نجده , وفي أي قراءة من القراءات هو كائن ؟!!
إن القراءة الأولي غير معلومة إلا لنبي , أو رسول , والقراءة الثانية معلومة للمعاصرين للأنبياء والمرسلين ممن سمعوها منهم , وبعد وفاة الأنبياء والمرسلين , يتوجب علينا أن نسأل , أين هي القراءة السليمة المطابقة للقراءة الأولي , أوالثانية حال تعدد التفسيرات والتأويلات بعد وفاة الأنبياء والمرسلين ؟
وإذا كان النص المقدس يمثل الحقيقة الوحيدة المطلقة في ذاته , فلماذا تعددت التفسيرات ولماذا تنوعت التأويلات ؟!!
وإذا كان هناك نص مقدس واحد , فلماذا تعددت التفسيرات والتأويلات حول فهمه وإستيعاب مراداته السماوية العلوية , الأمر الذي يصل بنا إلي أن ثمة قراءة مستوعبة للنص ووحيدة في قراءتها للمفهوم منه لم تصلنا حتي الأن , وأن جميع القراءات بعد القراءة ألأولي والثانية هي مجرد رؤي لظلال المفاهيم الي إستقاها كل قارئ للنص علي حدة سواء كان متأثراً في قراءته بمن سبقه من قراء , أو كان متبعاً مدرسة دينية في منهج القراءة النصية , المتعلقة بالظاهر المتبدي من النص , دون البحث في ماوراء النص , لأن ماوراء النص يعتبر في فقه هذه المدرسة , وكأنه غيب , ميتافيزيقي , لايجدر البحث في كنهه حتي لايشكل الفهم , وتتبدي الأزمات ليس من خلال ذات النص , ونفسيته , لأنهما متعلقان بذات ونفس الله مبدع , ومعجز النص , وإنما الأزمة تتأتي من النفسيات المتعددة للأشخاص المتعاملة مع النص فهماً , ووعياً , وفقههاً , وتفسيراً أو تأويلاً .
فلماذا تتأتي الأزمة في صورها المتعددة , حينما نتعرض بالتفسير والتأويل للنص المقدس وتتأتي الخلافات والإختلافات في المفهوم الصحيح للنص الديني المقدس , والإجابة كامنة في ليس في أغوار ذات النص أو نفسيته المقدسة , إنما راجعة إلي نفسية المتعامل وذاته البشرية التي أوجبت عليها المشاكل المعاصرة والأزمات الحضارية حسب حضارة كل عصر , أن يتعامل مع النص الديني من خلال المنظور والمرجعية الدينية الشاملة في تفهم النص ومعرفة مرماه وهدفه الذي يبتغيه , ولما كانت نفسية المتعامل مع النص بالتفسير تعود بالتفسير ليس إلي منشأ النص , أو بيئته , أو الثقافة التي كانت مهيمنة علي بيئة النص المقدس , وإنما ترجع في الأساس إالي منشأ ونشأة مفسر النص , ووبيئته التي تربي فيها متأثراً بالعادات والأعراف والتقاليد والسائدة والمسيطرة علي مجتمع مفسر النص الديني , بجانب الموروثات الدينية السائدة والثقافة الإجتماعية التي كانت تشكل الوعي الجمعي لهذه البيئة , وهذا الزمن الناشئ فيه المتعرض للنص بالتفسير , أو التأويل , ومن ثم يضفي نفسيته إضفاءاً مسبوغاً علي النص ليصبغه بصبغته النفسية ذات الملامح والآثار المتعلقة بنفسية بيئته هو , وليس بيئة النص الأولي في قراءته الأولي من لدن السماء , أو بيئته الثانية في قراءته الثانية بواسطة الأنبياء والمرسلين , وذلك لإنقطاع الوحي بوفاة الأنبياء والمرسلين متلقي القراءة الأولي ومبلغيها في صورتها الثانية .
ولكن يوجد تساؤل ملح في هذا الموضوع , وهو هل يجوز أن تتزامل تلك النصوص في بيئاتها وجغرافية وجودها , مع إستحضار الملهمات التاريخية لنفسية تلك النصوص المعبرة عن روح النص وفلسفته زمانياً ومكانياً دون إنتقال لصيرورته الزمانية التاريخية لتحمل سيروة الإنتقال من أبعاد نفسية للنص في فترة زمنية محدودة بجغرافيا محددة لم تجاوزها نفسية النص لنفوس أخري , من غير أن تكون هناك مؤثرات نفسية رافضة لنقل ذات ونفس نفسية النص بتاريخيته المعبقة بالأحداث التاريخية التي لازمت وجوده في زمان محدد ومكان معين بما يحاط به من عادات وأعراف وتقاليد تلك البيئات التاريخية المحددوة بحيز مكاني معين مع الأخذ في الإعتبار القراءة الأولي والثانية للنص الديني ؟
ومن هنا نري أن كل قراءة جديدة للنص الديني بعد القراءة الأولي , وهي قراءة الوحي , والقراءة الثانية وهي قراءة مبلغ الوحي من الأنبياء والمرسلين , تعتبر خيانة جديدة لمفهوم النص نظراً لتغاير البيئات والأزمان , واختلاف المشاكل والأزمات , حتي وإن تقاربت صورها , وتباعدت عن الأزمات والمشاكل المعاصرة , وكذلك كل قراءة جديدة تعتبر مثلة لنفسية قارئ النص وحده , وغير ممثلة علي الإطلاق لنفسية النص المطلق لأنه مستمد حرفاً ونصاً من الذات والنفس الإلهية , ومن هنا لايمكن الإدعاء بأن تفسير ما , للنص يحمل مراد النص المطلق , لأن المتأمل للنص والمتعامل معه حتي في علاقته النفسية الجدلية المبنية علي سبر الحقيقة المطلقة يعتبر محض كذب , وإفتراء علي النص المطلق في ذاته ونفسيته , لأن المتعامل مع النص الديني , وكأنما يتعامل مع المطلق , والمطلق هنا هو الله , وهذا من المستحيل كذلك , فكيف يحل لإنسان أن يدعي أنه يتكلم عن الله , أو يتحدث عن مراد الله , أو بمراد الله , فهو كذلك وكأنما يوقع عن الله , في التعريف والأمر بمسائل الحرام , وأمور الحلال , وفي هذا الشأن يقول إبن القيم في إعلام الموقعين لمن يتعرض لأمور الفتيا :
(( لا يجوز للمفتي أن يشهد على الله ورسوله بأنه أحل كذا أو حرمه أو أوجبه أو كرهه إلا لما يعلم أن الأمر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على إباحته أوتحريمه أو إيجابه أو كراهيته ..قال غير واحد من السلف : ليحذر أحدكم أن يقول : أحل الله كذا أو حرّم كذا ، فيقول الله له كذبت لم أحل كذا ، ولم أحرمه )) .
فهل وصل أمر فهم النص الديني إلي المراد منه في قراءته الأولي , أو الثانية ؟!!
علي نفسية النص يكون الكلام بالنسبة لتعدد القراءات للنص الواحد , فهل تعدد القراءات لنفسية النص تعطي تعدد في النفسيات , أم أن نفسية النص ستصبح واحدة لدي كل من قرأوه وبالتالي تنتقل بذاتها ونفسيتها المتفردة في مبناها ومعناها القيمي والسلوكي الحضاري أم أن النفسيات ستتعدد بتعدد نفسيات من قرأوها ؟
خاصة وأنه لايمكن إستصحاب النص وفرضه نفسياً علي واقعة جديدة من الوقائع من ناحية تفسيره وتأويله إذ أن تفسير النص أصبح هو جزء من نفسية مفسره ولو قلنا أن تفسير النص هو المعبر عن نفسية مفسره فقط وليس نفسية الغير , إذ أن النص أصبح يشابه حالة نفسية مر بها مفسره ومن ثم حدث الإندماج الوجداني والعاطفي مع النص ليشكلا توحداً في النفسية والوجدان والعاطفة فيما بينهم لدرجة كبيرة في التماثل النفسي والإندماج الوحداني .
هذا هو السؤال الهام الذي يتوجب علينا الإجابة عنه بالنسبة لأي نوع من أنواع النصوص علي أخص الوجوه النصوص الدينية المقدسة التي تبني عليها وتقوم مجتمعات بل شعوب ودول وفي أحيان زمنية تقام إمبراطوريات علي أسس النصوص الدينية حسب ماتتواصل نفسية المتعاملين مع هذه النصوص الدينية المقدسة .
نفسيات متعددة : أم نفسية متفردة ؟!!
في حالة قراءة أي نص من النصوص الأدبية أو النصوص الدينية عدة قراءات من عدد من الناس , فهل تتعدد القراءات حسب المفهوم منها لكل قارئ علي حدة أم أن القراءات ستتوحد في قراءة واحدة هي بالمفهوم القراءة الأصلية التي كان يبتغيها النص الأصلي في قراءته الأصلية في سيرها المتواصل وصولاً لأنفس القراء التي تتشكل من خلال المفهوم من النص بما تحمله هذه النفسية من موروثات خاصة بشخص قارئ النص الديني أو النص الأدبي ؟!!
أعتقد أن جميع القراءات ستختلف بالنسبة لنفسيات قارئيها , ومن الصعوبة أن تتفق قراءتان متحدتان في المفهوم والنفسية لنص واحد , إذ أن كل قراءة جديدة تعتبر خيانة للنص في معناه ومفهومه ومن الصعوبة الوصول إلي نفسية النص وإلا إذا إتحدت نفسية النص مع نفسية قارئه يصبح الأمر وكأنه نوع من أنواع الإعجاز وهذا الأمر يتعذر في قراءة النصوص الأدبية , وبالتالي فإنه يصبح من المستحيل بالنسبة للنصوص الدينية المقدسة , ومن ثم لنا في هذا المضمار وقفة .
فمادام الأمر المتصل بقراءة النصوص الدينية المقدسة لايمكن الوصول بأي حال من الأحوال إلي النفسية المطلقة له من خلال قراءة هذا النص الديني المقدس الذي يبني عليه أحكام تشريعية لها أساس من مفهوم النص ومداه المطلق في إطلاقات نفسية النص الديني المقدس .
هذا هو فهم النص بجميع قراءاته المتعددة المتفق عليها والمختلف فيها , هذا هو النص بجميع مفاهيمه الملتبسة في العقل , أو الخارجة عنه , هذا هو النص المصاحب للوجدان أو المفارق له , هذا هو النص الداعي للتحابب في منهجه , أو الحامل لسيف الكراهية والتباغض حسب تفسيره وتأويله.
وفي هذا يذهب إلي أن الأخلاق تتشكل من البيئات الإجتماعية بخلفياتها الإقتصادية والحضارية و بما يحتويه من أخلاقيات بنيت علي أسس ومبادئ الدين , أو ما أثرت فيها من أعراف تجاوبت مع الأخلاق وعادات شكلتها ومواريث نبتت في أرض الأخلاق وكانت هي المشكل النهائي للهيئة الإجتماعية الأخلاقية التي تؤثر في مستقبل المكان ممتدة إلي آفاق المستقبل لتصنع من أبناء هذا الزمان سادة , أو تشكل منهم عبيد , قادة أو مقادين , مبدعين أو إمعات تابعين , يتستروا بستار الوعظ والدين وهم علي غير ذلك , كما يريد بعض من أصحاب المصالح أن يكون الدين موظفاً لدي مصالحهم في هيئتهم الإجتماعية , أو السياسية , أو حتي الهيئة الدينية ذاتها !!
فحينما يسود الكذب والنفاق مجتمع من المجتمعات فليس من شك أن الحق سيضيع ويوصف الناس بغير الحق وهو الباطل , وماكان الحق والباطل في محركاتهما إلا النفسية التي تنطلق من فهمها للنصوص المبتناه علي أنفس أصحابها في جلب المصلحة الشخصية ودرء المفسدة الشخصية كذلك علي نسق نفسي من التفسيرات والتأويلات الخطيرة لبعض النصوص , أية نصوص !! .
فالنص الشعري علي سبيل المثال :
كم وعظ الواعظون منا وقام في الارض أنبياء
فانصرفوا والبلاء باق ولم يزل داؤك العياء

فهذا النص الشعري له نفسية ذهبت بقائله إلي هذا المذهب الذي عبر من خلاله عن نفسيته هو وما أصابها من إعتلال بسبب من نفاق المنافقين وعلل المتعللين المتمسحين بالدين والوعظ والإرشاد دون أن يكون لأقوالهم أثر في الناس , ولدرجة حدت به أنه يري أن الأنبياء أنفسهم وبرغم نبوتهم لم يغيروا العياء , ولم يزيلوه من حياة بني الإنسان حيث أنه يري أن الأنبياء بعد موتهم وإنصرافهم من عالم البشر إلي عالم آخر لم يكن للناس حظ من نبواتهم ورسالاتهم .
وهذا نص وحينما يستوضح آخر هذا النص بالنقد أو التفسير والتحليل نجد له مشرب آخر مخالف لما ذهبنا إليه من تحليل لهذا النص . ولكن لايمكن إستصحاب هذا النص وفرضه نفسياً علي واقعة جديدة من الوقائع من ناحية تفسيره وتأويله إذ أن تفسير النص هو جزء من نفسية مفسره ولو قلنا أن تفسير النص هو المعبر عن نفسية مفسره فقط وليس نفسية الغير , إذ أن النص أصبح يشابه حالة نفسية مر بها مفسره ومن ثم حدث الإندماج الوجداني والعاطفي مع النص ليشكلا توحداً في النفسية والوجدان والعاطفة فيما بينهم لدرجة كبيرة في التماثل النفسي والإندماج الوجداني . مما حدا بالشاعر أبو العلاء أن يذهب إلي القول بهذه الأشعار:
فمنهن بيض في العيون وسود ...... ألا أن أخلاق الفتى كزمانه

فالمرء منا بغير الحق موصوف ........ تبارك الله ! دهر حشوه كذب
وفي هذا يري أبا العلاء أن أخلاق العصر تؤثر في نفوس معاصريه وتشكل منهم الحالات النفسية السوية , أو المريضة . وكان وجود الأنبياء بنبوتهم لم يكن منهي لهذه البلاءات , نظراً لأن داء عدم الفهم هو المرض العضال .
وهل وجد من فهم النص فهما تعدي به إلي حدود ذات النص ونفسيته , حتي يصل بالمفهوم منه إلي مراد إله النص ومبدعه وهو الله تعالي ؟!!
هذا لم يحدث , ولن يحدث علي الإطلاق , حتي مع الصحابة الأوائل , بل وحتي مع الخلفاء المعاصرين للرسول محمد عليه الصلاة والسلام , فقد حدثت أخطاء بشرية عديدة من جانب الصحابة ومن جانب الخلفاء , وهذه الأخطاء من الجسيم الذي لايمكن تداركه , أو علاجه في المستقبل , بل ولاحتي إلي يوم يبعثون .
مثال :
وهذا المثال واضح الأثر فيما ينقله اليعقوبي -في تاريخ اليعقوبي - الجزء ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 126 ) :
وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والانصار قد اجتمعوا مع علي بن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله ، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار ، وخرج علي ومعه السيف ، فلقيه عمر ، فصارعه عمر فصرعه ، وكسر سيفه ، " ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت :
والله لتخرجن أو لاكشفن شعري ولا عجن إلى الله ! " فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم
- ثم قام عمر ، فمشى معه جماعة ، حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، " فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها :
يا أبت يا رسول الله ،
ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ؟.
فلما سمع القوم صوتها وبكاءها ، انصرفوا باكين " ، وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقي عمر ومعه قوم ، فأخرجوا عليا ، فمضوا به إلى أبي بكر.... ".
فهل من قراءة لنصوص الدين الإسلامي جعلت أبا بكر وعمر , ومعهم القوم , في حالة إباحة , وحل من إقتحام دار الزهراء بنت رسول الله ؟!!
وهل كانت هناك قراءات لنصوص الدين الإسلامي تمنع , وتحرم هذا الفعل , الذي ندم عليه أبا بكر الصديق خليفة رسول الله فيما فعله مع إبنة رسول الله , والتي مازالت إبنته عائشة في دار رسول الله , أقصد عائشة بنت أبي بكر , زوج رسول الله ؟!!
نعم إن ابا بكر ذهب في تخطئة نفسه , وأنكر علي نفسه هذا الفعل , مع أفعال أخري إرتكبها وأحس بخطئها , قبل وفاته , ومنها قتل أحد المسلمين حرقاً في المصلي وهو الفجاءة السلمي !!
وعن إعتراف أبا بكر بهذه الأخطاء ورد في :
الطبراني - المعجم الكبير - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 62 ) :

41 - حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصري ، ثنا سعيد بن عفير ، حدثني علوان بن داود البجلي ، عن حميد بن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، قال : دخلت على أبي بكر رضي الله عنه ، أعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت ، فاستوى جالسا ، فقلت : أصبحت بحمد الله بارئا ، فقال :
" أما إني على ما ترى وجع ، وجعلتم لي شغلا مع وجعي ، جعلت لكم عهدا من بعدي ، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ، ورأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل وهي جائية ، وستنجدون بيوتكم بسور الحرير ، ونضائد الديباج ، وتألمون ضجائع الصوف الأذري ، كأن أحدكم على حسك السعدان ، ووالله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه ، في غير حد خير له من أن يسيح في غمرة الدنيا " ثم قال :
" أما إني لا آسى على شيء ، إلا على ثلاث فعلتهن ، وددت أني لم أفعلهن ، وثلاث لم أفعلهن وددت أني فعلتهن ، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن ، فأما الثلاث اللاتي وددت أني لم أفعلهن :
فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته , وأن أغلق علي الحرب .
ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين : أبي عبيدة أو عمر ، فكان أمير المؤمنين ، وكنت وزيرا .
ووددت أني حيث كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة ، أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإلا كنت ردءا أو مددا .
وأما اللاتي وددت أني فعلتها : فوددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه ، فإنه يخيل إلي أنه يكون شر الإطار إليه .
ووددت أني يوم أتيت بالفجاة السلمي لم أكن أحرقه ، وقتلته سريحا ، أو أطلقته نجيحا .
ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر إلى العراق فأكون قد بسطت يدي يميني وشمالي في سبيل الله عز وجل .
وأما الثلاث اللاتي وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : عنهن ، فوددت أني كنت سألته فيمن هذا الأمر فلا ينازعه أهله .
ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر سبب .
ووددت أني سألته عن العمة وبنت الأخ ، فإن في نفسي منهما حاجة .
والملاحظ من كلام أبا بكر الصديق أنه لم يستند إلي نص ديني مقدس , يستند إليه مكرجعية له في الأعمال التي أنجزها وندم عليها أشد الندم , بل إن الملاحظ في سياقات ألفاظه , ورود كلمة آسي , وأن كلمة , وددت تكررت في سياقاتها لكل الحالات , التي رفضها , وجملة : فإن في نفسي منهما حاجة , أي عن ميراث العمة , وبنت الأخ !!
والأحكام التشريعية التي تبني علي النصوص في مبناها العام , والتي تتصف بصفة العمومية والتجريد والمقترنة بحد ديني , أو عقوبة دينية , لايمكن أن تقام علي أسس نفسية , مبنية علي الحب والود , أو الكراهية والحقد , وإنما تبني علي التجريد , وكذلك الأحكام التي تتأثر بها حياة الناس , وحقهم في الحياة , لايمكن أن تقام في أسس بنائها التشريعي علي حب أحد الأفراد , أو كراهيته , أو حسب مايعتمل داخل البناء النفسي للفرد , وكذلك الأحوال الإقتصادية التي تحتاج إلي تشريعات تنظمها مثل المواريث , والتي قال عنها أبا بكر الصديق في معرض حديثه عن العمة وبنت الأخ , والذي يري انه مازال في نفسه حاجة , وذلك حتي تاريخ ماقبل وفاته .
فأين القراءة الأولي أو الثانية للنص الديني في عهد أبا بكر الصديق خليفة رسول الله , وذلك في تفسيره أو تأوله في أمور ورد فيها , إقتحام بيت فاطمة الزهراء إبنه رسول الله , وقتل الفجاءة السلمي حرقاً في المصلي , وحروب الردة التي عارضه فيها عمربن الخطاب ؟!!
فهل كانت هناك قراءات للنصوص الدينية , أو أن النصوص الدينية قد كانت غائبة عن هذه المعالجات التي إرتآها الخليفة الول للمسلمين , ومن ثم فقد أعمل عقله بالإجتهاد , وأسلم فكره للتأويل , حيث كان النص غائباً عن الساحة , ومن ثم إنعدمت القراءاة , ومن ثم إنعدم تأويل , أو تفسير النص , ومن ثم كانت الساحة خالية للإجتهاد الفردي ؟!!
وهاهو أبا بكر الصديق الذي صعد المنبر بعد وفاة رسول الله , فيما يروي عن كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال : 14114- عن عبد الله بن عكيم قال‏:‏ لما بويع أبو بكر صعد المنبر فنزل مرقاة ‏(‏مرقاة‏:‏ المرقاة بالفتح‏ :‏ الدرجة ، ومن كسرها شبهها بالآلة التي يعمل بها ، ومن فتح قال‏ :‏ هذا موضع يفعل فيه، فجعله بفتح الميم مخالفا‏ .‏ عن يعقوب‏.‏ الصحاح للجوهري ‏(‏6/2361‏)‏ ب‏)‏ من مقعد النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال‏ :‏
اعلموا أيها الناس أن أكيس الكيس التقي وأن أحمق الحمق الفجور وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه ، وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه ، إنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ولا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء ، فأطيعوني ما أطعت الله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ‏.
فهل تمت محاسبة أبا بكر الصديق علي إقتحام بيت بنت رسول الله , وهل تمت محاسبته علي قتل الفجاءة حرقاً في المصلاة , خاصة وأنه ندم وأقر واعترف بخطئه علي تلك الأفعال ؟
وهل طلب هو ذاته الإقتصاص منه ؟
فمن إذاً علي حد قول أبا بكر الصديق خليقة رسول الله , له القدرة علي محاسبته فيما جري منه من خطأ , وهو القائل : وإن زغت فقوموني .
وما هي الطريقة أو الوسيلة أو الأداة التي يتم تقويم ابا بكر الصديق بها , وكيف يتم تفعيل ذلك ؟
وأين دور النص الديني من تلك الأفعال والأقوال والأعمال إن وجد وماهي القراءة السليمة التي يتوجب إتباعها والعمل بتأويلها أو تفسيرها ؟!!
أم أن القراءة في المفهوم غير موجودة ؟!!
بل نلحظ ملحظاً شديد الحساسية فيما تأول به أبا بكر الصديق من تأويل وتفسير لمسألة الخمس في الغنائم , حينما جائته فاطمة بنت رسول الله , تسأله عن ميراث رسول الله , وأبا بكر هو والد عائشة زوج رسول الله , فبماذا تأول , وبماذا فسر لفاطمة , وذلك فيما ورد في كنز العمال :
14071- عن أبي الطفيل قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر الصديق فقال‏ :‏
يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله‏ ؟‏
قال‏ :‏ لا بل أهله .
قالت ‏:‏ فما بال الخمس ‏؟‏
فقال‏ :‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏ :‏ إذا أطعم الله نبيا طعمة ، ثم قبضه ، كانت للذي يلي بعده ، فلما وليت رأيت أن ارده على المسلمين .
قالت‏ :‏ فأنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم ثم رجعت ‏.‏
والذي يستتبع نفسية فاطمة الزهراء وهي عائدة إلي أبو بكر الصديق تسأله عن الميراث الخاص بوالدها , رسول الله , وهو في نفس الوقت زوج لعائشة إبنة أبا بكر الصديق , التي هي زوجة أبيها رسول الله , بعد إنتقال الملك والخلافة إلي والد زوجة أبيها , أبا بكر الصديق , وأبا عائشة زوج رسول الله , فهل من تخيل أو تصور لمشهد فاطمة الزهراء , زوجة علياً بن أبي طالب , إبن عم رسول الله , والذي قال لرسول الله في حادث الإفك , آمراً إياه بتطليق عائشة , والتي أسرته في نفسها من يومها , لعلياً , وعائشة , التي أصبح والدها خليفة للمسلمين علي فاطمة , وعلي علياً , وعلي سائر الموحدين !!
فكيف تأول أبا بكر الصديق مفهوم الطعمة , التي أطعمها الله لرسوله , حتي تنتقل من ميراث أسرة الرسول وورثته , ليجعله مضموماً لميراث أمة محمد رسول الله ؟!!
والتساؤل الملازم لنا في هذه الدراسة هو كامن في التعرف علي القراءة الأولي , والثانية للنص , علي خلفية نفسية للمتعاملين مع النص فقهاً , أو تفسيراً , أو تأويلاً , حتي يمكن الفصل بين إرادة رب النص ومنزله ومبدعه , وبين إرادة المتصل بالنص فقهاً , وتفسيراً وتأويلاً , للحفاظ علي قدسية النص الديني من الإلتباس الذي قد يقع فيه المتصلين بالنص , والذين قد تهيئ لهم أنفسهم بإرتداء ثوب النص المقدس , ومن ثم فإن الملامس للمقدس يصبح لديهم مقدس , فما بالنا بمن يجعل من المقدس زياً له يفصل منه مايريد من ألبسة , وأغطية متعددة في الإستعمالات والأغراض و ذلك علي غير إرادة الله وذاته الناطقة بالنص المقروء , والمسموع , والمنطوق من آخرين , أما الأفهام فهي لم تكن علي الدوام والصيرورة موحدة , فهي ممختلفة إختلاف الأنفس والذوات , ومن ثم تختلف القراءات , وتختلف الأفهام , ومن ثم نصبح علي يقين مطلق أنه لايوجد من هو علي علم بمراد الله الكامل من القراءة الأولي للنص , ومعها القراءة الثانية , وإنما هي إجتهادات تخطئ , وقد تصيب , وأن الأزمة في أولياتها ستظل كامنه في المفاهيم المنتجة من النص الديني فهماً , وفقهاً وتفسيراً وتأويلاً .



نفسية أزمة المفاهيم
المفاهيم , وأزمة المفاهيم , هذه الدراسة , تبين أن هناك بعد يضاف إلي جملة أسباب هذه الأزمة المتعلقة بالمفاهيم الدينية التي بني علي أساسها العديد من البنايات ذات المواصفات القياسية بمسطرة العقل والعلم الحديث , ذات الأبعاد العلمية والحضارية التي هي من نتاج مجهودات الإنسانية من غير تفضل من جنس علي جنس آخر من البشر المنتسبين للإنسانية , وهذه المسطرة , هي الفاصلة بين المفاهيم الدينية الثابته , وبين الأصول والقواعد العلمية المتغيرة والمتجددة , والتي تخالف قواعد الإستاتيكا متحولة إلي قواعد الديناميكا بسرعة مذهله تبدت في حجم وشكل علاقات الإنتاج , ومستويات الرفاهية , ومعدلاتها التي هي في إذدياد من خلال منظومة الفصل بين عقائد وعبادات أفراد المجتمعات دون إعمال النظر فيها أو إجراء قياسات لنموها وإذديادها , وإنما تتم دراستها لمعرفة مدي تطور المجتمعات وإتجاهات الرأي العام فيها , ومايؤثر فيها بالسلب والإيجاب , نحو منظومة الرفاهية , وعلاقات العمل والإنتاج المتسارعة في الزيادة , والتسويق والتوزيع , لتحقيق أعلي معدلات إنتاج في كافة مجالات الإنتاج وفروعه .
مع ملاحظة أن المجتمعات العربية / الإسلامية في توجهاتها يعتبر السبب الرئيسي لتخلفها وجعلها في مؤخرة الأمم , وفي مؤخرة الحضارات المعاصرة , هي تلك المفاهيم المتوارثة عن أجداد الماضي , أو فيما يسمي بالسلفية الأصولية التي تريد العودة إلي النبع الأصلي للرافد الوحيد لديها وهو الدين بأصوله وقواعده الثابته , فيما يمكن أن نسميه بحالة من حالات التمثل الطوعي لنماذج الماضي , والغير مشاهدين للسلفية المعاصرة في صورهم وهيئاتهم واساليب وطرائق معيشتهم , واساليب تفكيرهم , والتجهيز لمشاريعهم المستقبلية , في حالة من حالات التمثل الطوعي التاريخي , والمنفصلة عن التمثل الطوعي الحضاري والعلمي , والمتمثلة في إستخدام المنتجات الحضارية , دون إعمال قواعد العلم والمنطق , والإمتثال للنماذج السياسية الفاشلة , والظالمة , والمستبدة , مع إظهار موجبات الطاعة للنظم السياسية هذه مادامت أركان الدين تقام , ومن أولها الصلاة , بإعتبارها الجانب الأهم من منظومة الطاعات في العبادات الدينية , ومنها علي سبيل المثال النقاب أو البرقع , إذ ذكر موقع العربية نت مووعاً متسماً بالغرابة والشذوذ في عرضه إذ أنه غير مألوف لمسامعنا أو تصوراتنا , إذ :
طلبت سيدة سعودية الطلاق من زوجها ، لأنه كشف برقعها خلال نومها لرؤية وجهها لأول مرة منذ 30 عاماً من زواجهما.
فمنذ ارتباط الزوجين ، الذين تجاوزا سن الخمسين ، لم ير الزوج وجه زوجته، عملاً بالتقاليد المحلية المعمول بها في إحدى قرى جنوب بادية خميس مشيط السعودية .

وأدى الغضب بالزوجة إلى مغادرة المنزل ، ملقية باللوم على الزوج الذي ، " بعد هذا العمر، يحاول ارتكاب خطأ كبيرا " ، يتوجب عليه تحمل تبعاته ، وفق ما نقلت صحيفة "الرياض" السعودية الأحد 7-10-2007.
وبالفعل ، تحمل الزوج وزر " خطأه " ، ووجه اعتذارات متكررة لزوجته وأم أولاده ، مع وعود بعد التجرؤ على محاولة رؤية وجه زوجته الخمسينية مرة ثانية .
وسبق أن نشرت " العربية نت " عن حالات مختلفة لسعوديين وسعوديات لم ير أزواجهن وجوههن ، رغم مرور سنوات ، وحتى عقود ، على زواجهم .
مثال ذلك حالة محمد ، الذي لم يتمكن من رؤية وجه زوجته رغم مرور 40 عاماً على زواجهما ، وإنجابهما 3 أولاد . وفي اللحظة التي شاهد وجهها طالبته بالطلاق ، معدة ذلك تجاوزا للعادات والتقاليد التي اعتادت وتربت عليها . أما علي القحطاني أكد أنه رغم مرور عشر سنوات على زواجه لم يتمكن لو مرة واحدة أن يرى وجه زوجته فالبرقع لا يفارق وجهها ، وأشار إلى أنه ذات مرة هم أن ينزع برقعها عن وجهها فهددته بترك المنزل والعودة لبيت أهلها إن فكر بذلك ، ولم يثنيها عن قرارها ذلك إلا بعد أن أقسم بأغلظ الأيمان بعدم التفكير مرة أخرى في فعل ذلك .
أما حسن العتيبي فقد حاول الضغط على زوجته الملثمة من خلال تهديدها بالزواج من أخرى إذا لم تكشف له وجهها ، إلا أنها فضلت أن يكون لها " ضرة "
ولم تكتف بذلك بل رشحت إحدى صديقاتها التي لاتتمسك بهذه العادة الصارمة.
وتقول أم ربيع الجحدري البالغة من العمر سبعين عاما ، وهي أم لشابين لم يرا هما وزوجها وجهها ولو مرة واحدة، إنها اعتادت على ارتداء البرقع منذ أن كنت طفلة معتبرة أن خلعه عيبا كبيرا وخاصة عند عائلتها فقد آلفت أن ترى أخواتها الإناث ووالدتها يرتدينه منذ نعومة أظفارها ، مشيرة إلى أن زوجها لم يطلب منها أن تنزعه لأنه يعلم أن ذلك من العادات التي يجب المحافظة عليها ، وعن إنجابها دون أن يرى زوجها وجهها أشارت الجحدري إلى أن ذلك لا يعد مهما فقد اعتاد ألا يرى وجه والدته وأخواته الإناث مؤكدة أن الألفة والمودة هما أساس العلاقة الزوجية وليس الوجه.
في حين أكدت نوره زوجة ابنها ، وهي أم لسبعه أبناء أن من العادات التي ورثتها عن عائلتها ارتداء البرقع حتى في منزلها ومع عائلتها وزوجها ، وقد طلب زوجها منها مرارا أن تنزع البرقع داخل المنزل لكنها امتنعت عن ذلك مبينه أنها تنام واضعة البرقع على وجهها مما سبب ضيق لزوجها ، والذي حسب حديثها اعتاد على رؤية وجه أمه مرتدية بالبرقع .
والسؤال هل هذا من الدين أم من المفاهيم ؟!!

عن الدين والمجتمع والدولة : أين تكمن الأزمة في المفاهيم

مفاهيم الدين :
هي تلك المفاهيم التي تؤثر في تشكيل الوعي والوجدان الجمعي الموحد علي أساس واحد فقط في مرجعيته الدينية التي هي مرجعية النص الديني الآمر الناهي , القائم بدور المحرم , والمحلل , والمحرض علي التواد والتحابب , او التباغض , والتكاره , المؤلف لقلوب المؤمنين به علي فكرته هو وحده دون باقي الأفكار , هذه هي مرجعية النص الديني التي تحرض علي الإيمان بعقيدة النص , ورفض كافة العقائد الأخري , ومجها وإستنكارها , وجعلها محض كذب وافتراء علي الله , بل وهذه المرجعية الدينية التي أساسها النص , وأسها أعداد المؤمنين بالنص , الداعين له , والمبشرين به , والمحاربين لكافة النصوص القديمة والمعاصرة , والتي ستستجد في المستقبل .
إن النص الديني في المنطقة العربية / الإسلامية , جاء ليؤسس لإيدولوجية عقائدية , تمجد فكرة واحدة وعقيدة واحدة , وعبادة واحدة , وطريقة معاملات واحدة , وتبحث من خلاله عن الفكرة الأممية الواحدة , الرافضة لفكرة الأمم الأخري في التوحد , والتي ينظر إليها علي أنها من الأغيار المخالفين لمنطوق النص الديني , الذي يحمل في حروف كتابته معاني الرفض للآخر , وفي منطوق كلماته توجيه سهام العداءات له , وإدارة هذه العداءات علي خلفية ظاهرة مؤداها هذه هي إرادة الله من منطوق ومرسوم ومشكول كلمات نصوصه الدينية المقدسة .
وعلي ذلك فإن الصراع الديني القائم بشراسة بين الأديان السماوية الثلاث , في ماضيها التاريخي الدموي , عبر الصراعات الحربية , وخلفيات الجهاد المقدس , أو الحروب المقدسة , أو حتي العنف المقدس , المستخدم ضد الإنسان في الأساس , والذي هو محور الأديان الثلاثة , اليهودية , والمسيحية , والإسلام , فكان كل دين يرفض الدين الآخر , ويمج ويرفض أتباع الدين الآخر , ويحرض علي الكراهية , والقتل , من باب الجهاد المقدس , أو الحروب الدينية المقدسة .
فلم تكن الحروب تحت راية الهلال , أو تحت راية الصليب , أو تحت راية نجمة داوود , إلا الرمز الديني الواضح للعيان علي حقيقة تلك العداءات والصراعات .
وهذه الحالات العدائية المتبادلة بين المنتمين للأديان السماوية الثلاثة , كأنها تبرهن علي أن بيوت الله وأماكن عبادته , كأنها تفرخ للعداءات وتؤسس لها , وكأن بيوت الله مزارات إرهاب , أو وحدات عسكرية عدائية , أو مصانع للقنابل والديناميت والجلجنايت والمتفجرات شديدة الإنفجار في وجه الآخر المغاير في الدين والعقيدة , أو كأنها أمكنة لتدبير المكائد وإلحاق الهزائم والنكبات , والنكسات للمغاير في الدين , مع إستخدام عقيدة الإستحلال الديني لمال , ودم , وعرض هؤلاء المخالفين في الدين والعقيدة , علي مرأي ومسمع من عقيدة الولاء والبراء , التي قوامها علي أساس أن من لم يكفر الكافر , فهوكافر , يتوجب التبروء منه ديناً , ودنيا !!
إن الأزمة كامنة في التجمع والتوحد علي عقيدة أو فكرة تكرس للعداء للاخر وبغضه وكراهيته وإقصاؤه ليس من المجتمع فحسب , بل من علي وجه الأرض , بمرجعية دينية محرضة علي ذلك , مستلهمة احداث الماضي المأساوية , ومكرسة لحالات العداء والكراهية , ليس من باب التنافس الحضاري الحضاري , وإنما من أبواب العداءات التاريخية الإستعمارية , المنتهبة لثروات ومقدرات الامم , والمستعبدة لأبنائها , والمستخدمة لهم كسبايا , وأسري وإماء وسراري , فالمسيحيين يسموا إنتهابهم وإحتلالهم للغير بالتبشير بالدين المسيحي , وإرادة الصليب , والمسلمين يسموا ذلك بالفتوحات الإسلامية , والغزوات الدينية , واليهود يكرسوا للوطن المفقود , والهيكل الضائع , والسعي الدؤوب لإقامة مملكة داوود , وكل تلك الصراعات تستهدي بالنصوص الدينية المقدسة في كل دين من الأديان الثلاث .
وكل هذه المصائب البشرية / الإنسانية تتم من التوحد علي العقيدة الدينية , وليس علي الرمز الإنساني , ومن ثم تتوالي الصراعات داخل نطاق كل دين , ومن ثم تتفرع المذاهب , وتتعدد الفرق , وتتشعب الطرق الدينية , والجميع في حالة إدعاء فردانية بإمتلاك الحقيقة المطلقة للدين من خلال النظر في النصوص الدينية المقدسة بوجه النظر والإعتبار , ومن ثم يذداد التشرذم داخل العقيدة الواحدة , وفي إطار الدين الواحد , لتذداد الصراعات ليس بين الأديان , وإنما بين المنتمين للدين الواحد والعقيدة الواحدة , وتنتشر العداءات والإقصاءات , والكراهيات , ليكون الرمز العظيم الذي هو الإنسان , تلتفت عنه الديانات في صراعها , وتلتف حول فكرة الدين في زيادة أعداد أتباعه , بالدعوة , أو بالتبشير , وليبقي الإنسان هو الرمز المرفوض بين الجميع , والذي ينتمون في الأساس إليه , وإلي الإنسانية الجامعة لكل إنسان من نسل آدم , وحواء !!

نفسية نفي الآخر المخاطب ووإذدراء الإنسان المخاطب إليه :

ليست الأزمة الحاضرة في الوعي العقلي بالمفاهيم الدينية فقط , وإنما حينما يتحول الوعي العقلي من خلال فهم مدركات النصوص الدينية من الناحية العقلية , متحولا ً إلي تشكيل البنية النفسية للنص إلي البنية النفسية لمعتنق النص , ملتحماً بها في سياقاتها التاريخية النفسية , ورافضاً الخروج بها إلي نفسية نصية جديدة تتآلف مع معطيات وروافد الواقع الحضاري المعاصر , حتي تتآلف نفسية المتعامل مع النص الديني , والمؤمن به مع القيم الحضارية المعاصرة , من خلال منظور جديد ينظر إلي إنسانية الإنسان نظرة الإحترام والتقدير والتقديس للإنسانية بمنظور بشري ليكون الإنسان في قيمه العليا هو الرمز الأعلي الذي يتوجب الإلتفاف علي مفهوم الإنسان , مع الإحتفاظ بالدين كرافد أساسي للعلاقة الكريمة المتسامحة بين الإنسان ورب الإنسان , ولكن هناك العديد من العوائق التي تقف أمام الرمز الإنساني :

مفهوم الحروب المقدسة , والجهاد المقدس :

هذا هو رأس الأمر في موضوع نفي الآخر والتحريض علي قتله وقتاله , وهذا الأمر مبني علي مفاهيم عتيقة وقديمة قدم الإنسان ذاته ومن بدايات ظهوره علي ظهر الأرض , من أول قابيل , وهابيل , والفكرة القائمة علي تقريب القرابين للرب , حال تقبله من أحدهما ورفضه من الآخر , إذ أن الفكرة من بدايتها لايخلو منها الرمز الديني , المتمثل في الرب , والقربان , مع أن المسألة كانت في أساسها مصلحية قائمة علي الصراع علي أنثي , ومن يفوز بها , ولاننسي أن هناك مثلث , في هذه القصة التاريخية ذات الرمزية الدلالية , والتي نستقي منها , وجود رب , ووجود إنسان , ووجود مصلحة , ووجود ركن الجزاء الآخروي المؤجل للآخرة , فكان الصراع الدائر بين الإنسان واخيه من أجل التحصل علي المصلحة , وهي الأنثي الجميلة الفاتنة , وكانت أداه الحصول علي هذه المصلحة هي القربان للرب , وكانت النتيجة حدوث جريمة القتل الاولي , بسبب تقبل الرب للقربان من إنسان ورفضه من إنسان آخر : وفي هذا يقول القرآن :( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) ) (المائدة)
وكان رد القتيل هابيل علي أخيه القاتل قابيل :
إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ (29) (المائدة)
وهذا ماورد عن القصة في بعض التفاسير: والتي لم تذكر العقوبة التي نالها قابيل جزاء قتله لهابيل كما قال المفسرون لآيات القرآن : فيما يروي عن عبد الله بن مسعود , وابن عباس : وكما يقول ابن كثير- كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان اكبر من هابيل وأخت هابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قربانا، فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال: إنما يتقبل الله من المتقين، وكان آدم مباشرا لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي، وتوعد أخاه فيما بينه وبين نفسه، فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم أخاه قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال: إنما يتقبل الله من المتقين، فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله، وقيل: إنما قتله بصخره رماها على رأسه وهو نائم فشدخته، وقيل: بل خنقه خنقا شديدا وعضه كما تفعل السباع، فمات، والله أعلم .
وهذه هي الجريمة الأولي التي قامت علي الحسد وإبتغاء الوصول لحق الغير , والتي كان موجوداً فيها الرب , والقربان المقدم للرب , والذي بتقبله من أحد , ورفضه من الآخر , إشتعل الحسد في نفس الغير , وكان القتل , بمعني أن المصلحة هي الأساس في إرتكاب جريمة القتل , ومازالت هي التي تحرك كافة الشعوب والأمم للحصول علي أكبر قدر من المصالح , ولكن النفسية المتأزمة هي التي تريد إضفاء الصبغة الدينية علي المصلحة كما في بداية الجريمة الأولي , والمنعقدة علي إرادة الرب في تقبل القرابين , أو رفضها , من الرب , ليكون من تقبل قربانه , هو المقبول عند الرب , ومن رفض قربانه , هو المرفوض , ومن تم رفضه من قبل الرب , إلي أين يذهب ؟
هل كما جاء في العهد القديم فس سفر التكوين : و عرف ادم حواء امراته فحبلت و ولدت قايين و قالت اقتنيت رجلا من عند الرب* 2 ثم عادت فولدت اخاه هابيل و كان هابيل راعيا للغنم و كان قايين عاملا في الارض* 3 و حدث من بعد ايام ان قايين قدم من اثمار الارض قربانا للرب* 4 و قدم هابيل ايضا من ابكار غنمه و من سمانها فنظر الرب الى هابيل و قربانه* 5 و لكن الى قايين و قربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جدا و سقط وجهه* 6 فقال الرب لقايين لماذا اغتظت و لماذا سقط وجهك* 7 ان احسنت افلا رفع و ان لم تحسن فعند الباب خطية رابضة و اليك اشتياقها و انت تسود عليها* 8 و كلم قايين هابيل اخاه و حدث اذ كانا في الحقل ان قايين قام على هابيل اخيه و قتله* 9 فقال الرب لقايين اين هابيل اخوك فقال لا اعلم احارس انا لاخي* 10 فقال ماذا فعلت صوت دم اخيك صارخ الي من الارض* 11 فالان ملعون انت من الارض التي فتحت فاها لتقبل دم اخيك من يدك* 12 متى عملت الارض لا تعود تعطيك قوتها تائها و هاربا تكون في الارض* 13 فقال قايين للرب ذنبي اعظم من ان يحتمل* 14 انك قد طردتني اليوم عن وجه الارض و من وجهك اختفي و اكون تائها و هاربا في الارض فيكون كل من وجدني يقتلني* 15 فقال له الرب لذلك كل من قتل قايين فسبعة اضعاف ينتقم منه و جعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده* 16 فخرج قايين من لدن الرب و سكن في ارض نود شرقي عدن*
واللافت للنظر في النص الديني أنه يذكر أن الله تقبل ماهو غالي وثمين , ورفض ماهو غث ورخيص , وكأن الله يناله من هذه القرابين شئ , فماكان من الله حسب النص أن يقبل بالقربان السمين من أبكار الأغنام , مع أن هابيل ليس لديه مايقدمه سوي الأغنام , إذ أنه يعمل بالرعي , مع ملحوظة أن سياق القربان المتقبل في جميع الديانات هو الكبش , أو ذكور الأغنام كفداء , أو كقربان , والذي يفدي بالذبح وإسالة الدماء , والأضحية هي الرمز المكرر سنوياً في الديانة الإسلامية والتي دارت حولها أدبيات في التقرب والنذر والذبح , وكان قابيل ليس لديه مايقدمه سوي القمح إذ أنه يعمل بالزراعة وهذا نتاج عمله والمتوفر له , ولم يكن هناك من إشتراطات من آدم علي ولديه قابيل وهابيل في شكل القربان ونوعه , ومواصفاته التي يقبلها الرب , ولكن السياقات الخاصة بالنص أتت لتقول أن الله تقبل من هذا , ولم يتقبل من ذاك , بالرغم من أن الإثنان تقربا بالقربان .
والملاحظ ان الذي تم قبوله كقربان هو مايستحق الذبح , والفداء والتضحية , ومع ذلك لم يفتدي هابيل من القتل من جانب أخيه قابيل , بالرغم من أن ملحظ الكباش , او الأغنام هي التي ترمز في الغالب الأعم للفداء والتضحية , وعندك قصة إسماعيل , و وعبد الله والد محمد عليهما السلام .
والذي يمكن أن نلحظه في النفسية الدينية أن تاريخ الذبح والدماء والفداء والتضحية لها مرجعية في النصوص الدينية المقدسة .
ففيما يري د . نزار أباظة أنه حينما: ترك إبراهيم عليه السلام ولده الرضيع إسماعيل وأمه هاجر في مكة وليس معهما أحد، ولم يمضٍ غير قليل حتى نفد الزاد و الماء، وبكى الصغير، فحارت أمه ما تصنع، ثم أخذت تصعد مراراً على صخرتي الصفا والمروة وتجري بينهما تنظر لعل قافلة تسير بقربها، فتقصدها تطلب منها المعونة... فلم تجد أحداً...
ولما يئست عادت إلى ابنها تنتظر الموت، فوجدت المفاجأة تنتظرها من تحت أقدام ابنها، ينبع الماء غزيراً، فخافت عليه فجعلت تحوطه، وتقول زُمّ، زُمّ لئلا يجري... ومن هنا سُمّي زمزم.
ورأت الطيور الماء فأخذت تحلّق فوقه، ورأت القوافل الطيور فعرفت أن ماء نبع هناك فقصدت المكان... واستأذنت إحدى القبائل (وهي قبيلة جرهم) هاجر بالنزول على الماء، فأذنت لها، فصار وادي مكة معموراً بعد أن كان مهجوراً.
وكبر إسماعيل حتى صار غلاماً يافعاً، وإذ ذاك رجع أبوه إبراهيم ففرح به كثيراً، ولكن الله أراد أن يمتحنه كما يمتحن عباده الصالحين، فأمره بذبح ولده إسماعيل... فاضطرب إبراهيم، ولم يدرِ ما يفعل. ولكن لابد من تحقيق أوامر الله.
وبإشفاق الأب الكبير الحنون أخبر إبراهيم ابنه بأمر الله، فرد الغلام بثقة وإيمان:
• يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
ثم طلب الولد من أبيه أن يذبحه من الخلف لئلا يرى وجهه وهو يذبح فيضطرب ويتألم.
وشحذ إبراهيم سكينه لئلا يؤلم الذبح الولد، وسمّى الله وشرع ينفذ أوامره.. ولكن الفرج كان قريباً، أقرب مما تصور إبراهيم، إذ هبط ملاك من السماء يحمل كبشاً كبيراً لفداء إسماعيل.. ونجا الولد وفرح وأبوه.
وكبر إسماعيل، وبنى الكعبة مع أبيه، واستقر في مكة، وتزوج من قبيلة جرهم ورُزق بذرية..كان منها عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم..
كان عبد المطلب زعيم مكة، وكان يسقي الحجاج إلى الكعبة، وكان يتعب في البحث عن الماء الكافي، وكانت بئر زمزم قد ردمت.
ورأى عبد المطلب في منامه شخصاً يدله على مكان زمزم، ويأمره بحفرها ليرتاح من جلب الماء للحجاج، فلما بدأ بحفرها إلى جوار الكعبة يعينه ابنه الصغير الحارث ذو السنوات الثماني سخرت منه قريش، وقالت له:أنطمع أن يتفجر الماء من هنا؟ فلم يأبه لها، ثم لما رأوا الماء ينبع من البئر حسدوه، وقالوا له: هذه البئر لنا جميعاً، لأنها في الحرم والحرم ليس لك وحدك، ثم هجموا عليه وقاتلوه، فلم يستطع أن يدافع عن نفسه و لا عن الولد الصغير.
ثم تصالح عبد المطلب معهم، واتفق الجميع أن يحكّموا بينهم كاهنة كانت في الشام. لتحكم هل الماء لهم جميعاً أم له وحده؟ فرحلوا إليها وفي الطريق احتاج القوم إلى الماء،لم يبق معهم منه قطرة واحدة، وأيقنوا بالموت.
وعندئذ أخذ كل واحد يحفر قبراً لنفسه، فيستلقي به عند دنو أجله ويموت فيه..
ولما بدأ عبد المطلب يحفر قبره بيديه نبع الماء فجأة منه فعرف القوم أن الله قد حكم بينهم، وأن ماء زمزم من حق عبد المطلب..
ولما رجع عبد المطلب إلى مكة قال في نفسه: لو أن لي أولاداً كثيرين ورجالاً يحمونني لما تجرأ عليّ أهل مكة..
ونذر إن رزقه الله عشرة من الأولاد الذكور أن يذبح واحداً منهم.
وحقق الله حلم عبد المطلب، واكتمل له من الأبناء عشرة ولم يبقَ إلا أن يحقق النذر الذي نذره.
فمن يذبح منهم يا ترى.. وكلهم عزيز إلى نفسه.
يجب أن يختار؟
ومن الذي يختار؟
إنها القرعة
أقرع بينهم.. فخرجت القرعة على أحب أولاده إليه عبد الله وحزن عبد المطلب، واضطرب.. ثم لم يجد بُدّاً من تنفيذ النذر، فساق ابنه عبد الله إلى جوار الكعبة يريد أن يذبحه..
وثار رؤساء قريش بعبد المطلب، وأنكروا عليه ما يفعل، وخافوا أن يقلده الناس، فيصير ما يفعله سنة. وما زالوا يكلمونه حتى رضي أن يحتكم إلى كاهنة يرضونها.
قالت الكاهنة يمكن أن تجروا قرعة بين عشرة من الإبل وبين عبد الله فإذا خرجت قرعة عبد الله زدتم عشرة أخرى وهكذا حتى تخرج قرعة الإبل.
وما زال عبد المطلب يزيد في الإبل عشرة عشرة والقرعة تخرج باسم عبد الله حتى وصل عدد الإبل مئة فخرجت قرعة الإبل، واطمأن عبد المطلب وقدم الإبل إلى الذبح..
وذبحت الإبل على الفور ولم يبقَ بيت من بيوتات مكة إلا أكل من الذبائح.. حتى لقد وضع قسم من اللحم على الجبال وفي البوادي لتأكل منها الوحوش.
ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا ابن الذبيحين...
الذبيح الأول إسماعيل بن إبراهيم
والذبيح الثاني عبد الله بن عبد المطلب
وكلاهما نجا من الذبح
فرح عبد المطلب بابنه عبد الله وخطب له امرأة شريفة في قومها، عظيمة في خلقها، هي آمنة بنت وهب ولكن، لم تمضِ شهور على الزواج حتى توفي عبد الله، وكان الرسول حملاً في بطن أمه.
وبالرغم من هذه القصص والمرويات التي تؤصل لحديث أنا إبن الذبيحين وماتم التراكم عليه من آثار وأحاديث ومرويات كثيرة , إلا أن هناك من ذهب إلي أن :
حديث "أنا ابن الذبيحين" متكلم فيه عند أهل الحديث ، وليس هو بصحيح ، فقد رواه الحاكم في (المستدرك 4090) ، وقال عنه الذهبي : " إسناده واهٍ " ، وقال عنه الألباني : " لا أصل له " انظر ( الضعيفة 1677)
فماذا نفعل في مثل هذه المرويات التي بنيت عليها تأصيلات أثرت في نفوس المؤمنين بالنص الديني والغير مميزين للنص وتفسيرات النص أو تأويلاته ؟!!
وبالعودة إلي هابيل وقابيل , نجد أن في الموروث الشعبي , لم يستحي أحد الناس أن يختار إسم هابيل كإسم مختار لأسماء الأبناء , ولكن الذي إختارته الشعوب كإسم , هو إسم قابيل القاتل , ورافضة في ثقافتها التي غاب عنها التسامح وغفران الماضي , فما كان منها إلا أن تصر علي إختيار إسم قابيل رمز الشر والحسد و رفض الرضا , ولم يوافق أي فرد علي إسم هابيل رمز الخير والفضيلة والرضا , والذي إختاره الله , بإختياره قربانه المقدم منه لله !!
مما يؤكد ويدلل علي أن الثقافة الدينية في موروثاتها تشكل النفسية المؤمنة بالنص الديني والمتحولة نفسيتها نحو تحولات تفسيرات وتأويلات النص الديني , فكان الإصرار علي قابيل , في مواجهة الرفض لهابيل , وكأن الإيمان بالقتل اصبح فريضة دينية , وكأن الإيمان بالحسد , وتمني الحصول علي حق الغير أصبح فريضة إجتماعية وسلوك إجتماعي , يتحول بالمجتمعات إلي حالتها البدائية الأولي منذ بدايات قصة الخلق الأولي في الكتب المقدسة .
بل وكأن الوضع لم يتغير منذ ذلك الحين إلي الآن , إذ أن الإيمان بالنصوص الدينية بتفسيراتها وتأويلاتها التاريخية مازال هو الثابت في النفسية المؤمنة بهذه النصوص والمتحركة بعقلية فهم النص علي ذات الآثار النفسية التاريخية دون إجراء أي تعديلات في المفاهيم , ليستديم الصراع القابيلي / الهابيلي علي الدوام , من أجل تحقيق المصلحة بأكبر مقاديرها , وأعلي معدلات قياساتها , ومن ثم يكون رفض الآخر , وتكفيره , ولعنه , وإذدراء عقيدته وتحقيرها , بل وقتله , ولإستحلال دمه وماله وعرضه , هو في نظر عقيدة البعض من أكبر العبادات , وعبادة من أعظم العبادات !!

الآخر .. وتأويل النص الديني
لقد كنتُ قبل اليوم أنكر صاحبى
إذا لم يكن دينى إلى دينه دانى
وقد صار قلبى قابلاً كل ملّة
وديـر لرهبان وكعبة طائـف
وألواح تـوراة ومصحف قرآن
أديـن بدين الحبّ أنىّ توجهت ركائبه
فالحب دينى وإيمانى
"ابن عربى "

تتأتي قراءة الآخر في النصوص الدينية محمولة علي وقائع تاريخية يراد لها أن تكون ثابتة من إرادة فعل صاحب الخطاب المبني علي النص , وكأنها هي والنص سواء بسواء في الثبات واستحالة التحول من هذه الحالة إلي حالة المرونة والموائمة مع مستجدات وضرورات كل عصر والدليل الثابت علي ذلك هو حالة الثبات ذاتها والمهيمنة علي كل التفسيرات والتأويلات للنصوص الدينية التي تعرف الآخر وتضعه في منظور آخر مغاير للعلاقة الإيمانية العارفة بالغيب المتمثل في الإرادة العليا ومشيئة القدرة التي اختارت المؤمن واختارت الآخر الذي هو في المنظور الإيماني يمثل الكافر والفاسق والفاجر والذنديق والملعون والخارج من رحمة الله , والمستحق للنار وسقر وسعير في الآخرة .
ولذك يعرف أحد المفكرين الآخر بتعريف يشهد له بإقتراقه لمعاني جديدة رغم أنها ليست بجديدة وإنما في إستنباطها لمعاني رائعة في تعريف الآخر وهذا هو ماذهب إليه العفيف الأخضر في تقدمته للتعريف بالآخر : في اليونانية "الآخر هو احد الشيْئين المتعارضين"، هو ضد الأنا. معنى الآخر في العبرية لا يختلف عنه في اليونانية. في العبرية هو المغاير مغايرة راديكالية. للصديق شمعون بلاص رواية في العبرية "وهو آخر"، أي مرتد وملعون. عرّبت العربية القرآنية، فيما عربت من العبرية، الآخر بلفظه ومعناه" الآخر (هو) أحد الشيئين". ويضيف "لسان العرب": "وهو الآخر بمعنى، غير، كقولك رجل آخر وثوب آخر. والآخر صفة" وليس اسما. بهذا المعنى اليوناني – العبري – العربي نجده في ثلاث آيات قرآنية: "وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا" (102 التوبة)، "وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ" (41 يوسف)، "الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ" (96 الحِجر). الفرق بين الصالح والسيء، وبين مَن يقدم الخمر قربانا لربه ومن يُصلب وبين الشرك بالله وتوحيده، فرق صارخ.

أما الآخر – الشريك Autrui الذي حولته الفرنسية إلى مفهوم فهو غير الآخر L’Autre العدو الذي لا تُرجى مودته. الآخر – الشريك "اوتروي" ليس أنا آخر غير الأنا، بل هو انا آخر للأنا. هما روحان حَلَلنا بدنا واحدا كما يقول ابن الفارض عن إتّحاده بربه. لكن الآخر في اليونانية والعبرية والعربية هو القريب من الحقيقة التاريخية. وهو الذي استشفّه الخيال الفلسفي. هيجل اعتبر الآخر "منافسا بلْهَ عدوا". علاقة الإنسان بالإنسان هي علاقة صراع و"حرب الجميع ضد الجميع" كما تخيّل هوبز حالة التوحش، "حالة الطبيعة" الافتراضية التي عاشها الإنسان قبل توقيع "العقد الاجتماعي" بين المتوحشين وحكامهم، تخلّى فيه هؤلاء عن حريتهم مقابل الأمن الذي تعهد حكامهم بضمانه لهم.(جريدة إيلاف العدد 2765)
وفي اليقين أن المفاهيم الدينية تذهب في تفسيراتها وتأويلاتها للآخر علي أنه العدو الحقيقي المخالف للإيمان والمحتمي بإيمان آخر مخالف لإيمان الآخر , بجانب من يكفر بأي نوع من أنواع الإيمان , أو من يذهب مذهب الإشراك في الإيمان أو بحسب تعريف الإيمان والكفر والشرك في العبادة والطاعة .
ولأن المؤمن حسب التفسير الديني للنصوص يري أنه يقع علي عاتقه فرضاً دينياً لايكتمل إيمانه إلا بتوجيه الدعوة الإيمانية الخاصة به إلي غيره من المؤمنين أو المشكوك في إيمانهم سواء كانوا من المنافقين أو المشركين , أو من غير المؤمنين بعقيدته الدينية , ومن هنا تكتمل مسيرة البداية لتصل إلي تنازعات النهاية التي غالباً ماتصل لحد إباحة الدم والعرض والمال ..
النص في بدايات نمو المجتمعات التي وجد فيها يكون هادءاً مطمئناً , إلي أن تكتمل مراحل النمو حتي يبدو المجتمع في كامل نضجه واكتمال منظومته المبنية علي مفاهيم نصوصية , وعند تصور إكتمال النضج تأخذ مفاهيم النص حالات جديدة من المواجهة اللفظية , والتي تفضي حتماً في حالات كثيرة إلي المواجهة الدموية , والتي تنتهي بالتخلص من الآخر , أو التعايش معه في حالات إقصائية , تتبدي منها التمايز , وفرض القوة علي الآخر ليسير علي ذات النهج الذي يسير عليه منهج أتباع النص , والمؤمنين به هادياً ومخلصاً , ليستمر طغيان المفاهيم مبسوطاً علي رقبة الآخر المغاير لأتباع النص ..
ولذا كان من المؤمنين بالنص أن يظهروا علي الدوام مدي قوتهم ومنعتهم وشدة حصانتهم , ورباطة جأشهم , وكل ذلك يقع علي الآخر الديني , أو الآخر السياسي أو الثقافي , وفي أحيان كثيرة يحتدم الصراع داخل منظومة الدين الواحد " الديني / الديني" ليستمر الصراع إلي مالانهاية , حسب إدارة صراع المصالح المتوخاة في بداية الأمر بمفاهيمها الدينية بأبعادها الأخروية / الغيبية المقدسة , في إنتصارات مزعومة للإله أو الرب , أو الأنبياء والمرسلين , وبالطبع الإنتصار للنص المقدس , علي حساب الإنسان اللامقدس , وهذا علي غير الحقيقة لأن الإنتصار للإنسان مجرداً , هو حتماً إنتصار للنص المقدس , ولكن الجماعة الدينية الوظيفية تأبي إلا الإنتصار للمصالح الدنيوية في ثياب دينية متعددة الأشكال والألوان والمقاييس ..
وعلي الدوام يظهر الآخر في درجة أدني من الدرجات الإجتماعية , بحسب مقياس الخلل في مفاهيم النص الديني التي تعطي له وتهبه ماليس بمراده , وتتغيا له غايات ليست من سبيل سعيه لتحقيقها , وتتصنع له أهداف لايرمي إليها , ولكن نفسية النص الديني ليست في هذه الحالة إلا نفسية مخترع المفهوم , وصاحب المصلحة من ذات المفهوم الإقصائي للآخر بكافة الأبعاد الإقصائية , وهو في سبيل غايته يذهب إلي أن يتصنع مكانة إجتماعية بخلفيات دينية , يكون الآخر فيها في المرتبة الأدني حيث الإيمان هو المقياس للدرجات الدينية التي هي بالتبعية في مجتمع الإيمان بالنص تهب الدرجات الإجتماعية العليا , والحفاظ علي هذه الدرجات الإيمانية يقتضي بالحتم قدراً من القوة العددية بما تستلزمه من قوة عسكرية , لبسط النفوذ الإيماني , واكتساب أراضي جديدة بخيراتها الدنيوية , وهذا لايتم إلا بفرض الوصايات الدينية علي أتباع النص , وكذا علي الغير مؤمنين بالنص , والذين يعيشوا تحت سطوة أتباع النص , لتتحقق كافة المصالح المبتغاة من وراء هذه الوصايات الدينية , لتكتمل كافة الحلقات وتصل في النهاية إلي حلقة أخيرة مؤداها الحكم والسلطة التي تكون في نهاية الأمر سلطة دينية بمفاهيم مأخوذة من سلطان النصوص الدينية , حتي يكتمل للنص دوره المبتغي في بسط السلطان السياسي بمفاهيم مأخوذة من سلطان النص الديني ..
وإذا كان النص الديني يأتي محمولاً علي ألواح مقدسة تتغيا نشر رسالة النص الديني , حيث الرسالة :" تستلزم لصاحبها شيئاً كثيراً من التميز الإجتماعي بين قومه كما ورد , أنه لايبعث الله نبياً إلا في عز من قومه , ومنعة من عشيرته .
والرسالة تستلزم لصاحبها نوعاً من القوة التي تعده لأن يكون نافذ القول , مجاب الدعوة , فإن الله جل شأنه لايتخذ الرسالة عبثاً , ولا يبعث بالحق رسولاً إلا وقد أراد لدعوته أن تتم , وأن ترسخ أصولها في لوح العالم المحفوظ , وأن تمتزج بحقائق هذا العالم إمتزاجاً "(1)
إلا أن الآخر مازل في الفكر الديني المنحاز للأتباع فقط يعاني من ضيق الصدر في كمد , ومن صعوبة الحياة بحرية في تعاسة , وإذا كان من النابغين النجباء , كانت نجابته ونبوغه مردهما إلي الإنفصال والإنزواء عن المجتمع , وهذه السوءات تتبدي في إكتمال عناصر القوة والمنعة والنصرة الإجتماعية التي يوظفها أرباب الملك والحكم والسلطة , والتي يندمج معها النص ليصير هو الحاكم سواء بسواء وعلي قدم المؤاخاة بينهما ليتوحدا لتكتمل مأساة التوحد بين الحاكم والنص , ليصير الحاكم إلهاً حسب إرادته الطوعية لأتباع النص حسب التفسيرات الباطنية التي يخفيها الحاكم , وليس أدل علي ذلك تلك المرحلة السوداء في تاريخ المسلمين والتي عرفت بعهد الخلافة الفاطمية , والتي ساد فيها الإضطراب الديني .. " ويتسم عهد الخلافة الفاطمية بالإضطرابات الدينية ولعل مرد ذلك عدم وجود سياسة مرسومة للخلفاء الفاطميين , وعدم وضوحآرائهم ومعتقداتهم . فلأنهم باطنيون يخفون الاراء ويضمرون المعتقدات ويعملون في السر , ويتصرفون في الخفاء , فإن نتائج تصرفاتهم بدت وكأنها متذبذبة بغير سبب ظاهر متأرجحة دون مبررمفهوم , مع أنها قد تكون متسقة وفقاً لمخططهم السري , مفهومة تبعاً لأهدافهم المضمرة , متسلسلة مع نواياهم الخفية " .(2)
وكانت الحرب قائمة علي قدم وساق في فترة الخلافة الفاطمية , ضد المنتمين للسنة , بإعتبار أن مرحلة الخلافة الفاطمية مرحلة ساد فيها المذهب الشيعي , فكانت الجرائم الدينية ترتكب منهم بصفتهم مسلمين , ضد المسلمين الذين اصبحوا في مرتبة الآخر بالنسبة لهم , ومنها أنهم :" عملوا علي لعن الخلفاء الثلاثة الأول ( أبو بكر وعمر وعثمان ) , ولعن غيرهم من الصحابة , إذ عدوهم جميعاً أعداء لعلي . وكان الخطباء يلعنون هؤلاء الخلفاء والصحابة من كافة المنابر , ونقشت فضائل علي وأولاده من بعده علي السكة وعلي جدران المساجد , بينما نقش سب الصحابة علي جدران الجامع العتيق ( جامع عمرو ) في الداخل والخارج وعلي أبواب الحوانيت والحجرات وفي المقابر .. وكانت العقوبة الصارمة تنزل بمن يمتدح أي خليفة من الخلفاء السنيين .(3)
وهكذا سارت الخلافة الفاطمية والتي تمثل مرحلة تاريخية في تاريخ المسلمين , وليس في تاريخ الإسلام , حيث النص الديني متجسداً في الشكل والذات في القرآن والسنة الصحيحة , غير غائبين عن المشهد , ولكن بشكل وصورة وذات المفاهيم التي تحولت إلي نص بفعل الحكام , وهذا ماسنلحظه عندما نتعرض في القراءات التالية فيما بعد لمرحلة صلاح الدين الأيوبي , ومافعله مع الفاطميين , من تقتيل وتذبيح .
ونجد في مرحلة الخلافة الفاطمية أنهم أي الفاطميون :" ألزموا جميع المصريين إعتناق المذهب الفاطمي الإسماعيلي , وحتموا علي القضاة إصدار أحكامهم وفقاً لهذا المذهب , وهو أمر دفع كثيراً من الموظفين المسلمين إلي إعتناق المذهب الشيعي , كما أدي إلي تحول بعض أهل الذمة عن مللهم واعتناق الإسلام , واتباع المذهب الفاطمي افسماعيلي بالذات , لكي يتولوا وظائف في الدولة .
واشتد الفاطميون علي أهل السنة ومنعوهم من إقامة مراسمهم . وضرب الخليفة العزيز رجلاً مصرياً وشهر به في المدينة لأنهم وجدوا عنده كتاب الموطأ للفقيه السني مالك بن أنس .(4) بل " وأبطل الخليفة العزيز صلاة التراويح ( سنة 372هـ ـ 982ـ983 م ) من جميع مساجد مصر , وكانت قد أبطلت في سوريا وذلك علي إعتبار أن الذي نظم هذه الصلاة هو عمر بن الخطاب .
وعندما صلي إمام مسجد صلاة التراويح في عهد الحاكم بأمر الله أمر به فضُرب عنقه .
ومنع الفاطميون صلاة الضحي , وهي من صلوات السنة التي لايعترف بها الشيعة , وشهروا بجماعة ضبطت وهي تصلي هذه الصلاة .
وأمر الحاكم بأمر الله أن تقام صلوات الظهر والعصر وفقاً لمواعيد محددة وليس تبعاً لأوضاع الشمس . وأصدر مرسوماً للناس صوم رمضان , وفطر شوال بمتضي حساباتهم الفلكية من غير تحقق رؤية الهلال .
واعتزم الحاكم بأمر الله نبش قبري أبي بكر وعمر في المدينة , ورشا رسلاً لهذا الغرض . وكاد ينجح لولا أن اكتشفت المؤامرة واحبطت . (5)
وإذا كانت هذه الجرائم قد تم إرتكابها ضد أصحاب الدين الواحد , والذين إخترعوا لهم آخر مغاير لهم في ذات الدين , لإتباع الآخر ألواناً من العبادات رآها أتباع النص مخالفة لما يتبعه خلفائهم , وحكامهم , إلا أن نفس الجرائم تم إرتكابها مع الآخر الديني , بجانب محاباة الآخر الديني علي حساب الآخر في ذات الدين فقد :" أدت ضغوط المسلمين علي الخلفاء , وكثرة الشكوي والتعريض , واضطراب عقل الحاكم بأمر الله إلي أن ينكب اليهود والنصاري ( حسب السائد من التسميات في هذه العصور ) وأن يشتد علي كل كبار موظفيه منهم ويحملهم علي الإسلام . وألزم المسيحيين لبس الغيار ( أي المغايرة لثياب المسلمين ) واشترط أن تكون ثيابهم وعمائمهم شديدة السواد . ومنعهم من الإحتفال بأحد الشعانين وعيد الصليب وعمل الغطاس علي ضفاف نهر النيل , وإظهار الإحتفال بأعيادهم ومواسمهم . وقبض علي محابس ( أوقاف ) الكنائس والأديرة وأدخلها في الديوان , وأحرق كثيراً منهم , ومنعهم من شراء العبيد والإماء , وهدم بعض الكنائس وأباح مافيها للناس لنهبها , ومنعهم من ركوب الخيل وافقتصار علي ركوب البغال والحمير بسروج ولُجُم غير محلاة بل من جلود سود , ومنع دق أجراس الكنائس في القاهرة , وحظر علي المكارية ( الحمارين ) والنوتية ( المراكبية ) نقل أي ذمي .
واشترط أن يضع الرجال من المسيحيين صلباناً من الخشب في أعناقهم تكون زنة الصليب خمسة أرطال وأن يضع اليهود في أعناقهم قطعة خشب مدورة بذات زنة صليب المسيحيين . ثم ألزم الجميع بعد ذلك ــ الخروج من أرض مصر فرحلوا إلي بلاد الدولة الرومانية الشرقية ( البيزنطية ) وإلي بلاد النوبة والحبشة ؛ ومن بقي منهم دخل في الإسلام . وعندما تغيرت سياسة الحاكم عاد بعض من تم نفيهم من قبل وارتد منهم في يوم واحد سبعة آلاف شخص ."(6)
ومن الغريب في الأمر أن يزداد الأمر تسفيهاً واذراءاً للآخر الديني إلي أن :" حاول الحاكم بأمر الله هدم كنيسة القيامة بالقدس , وكانت محاولته من أسباب الحروب الصليبية , إذ استفزت المسيحيين الغربيين فهبوا في حرب دينية للذود عن أحد مقدساتهم , إذ يعتقدون ـ كما يعتقد المسيحيين ـ أن الكنيسة قد أقيمت في المكان الذي يقال أن السيد المسيح صلب ودفن فيه ثم قام منه ." ( 7)
وعلي ذات المنوال الإجرامي الذي سارت علي هديه الخلافة الفاطمية , جاء صلاح الدين الأيوبي , ليرد الصاع بصاعين , والجرم بجرمين , ويعمل القتل والتذبيح في المصريين وكأنه ثأراً دينياً مبيتاً لما ارتكبته الخلافة الفاطمية من جرائم في حق المصريين المسلمين من السنة , ويستمر مسلسل الإتهامات بين الفاطميين , والأيوبيين .
ففيما يذكر أنه حسب قول ابن تغري: وكان أهل مصر يؤثرون عودهم - أي عودة الفاطميين - فسير صلاح الدين جيشا كثيفا وجعل مقدمه أخاه الملك العادل فساروا والتقوا به - أي بزعيم الثورة - وكسروه . ثم بعد ذلك استقرت له قواعد الملك . . ) وفي عام 572 ه‍ يقول ابن تغري : وفيها كان مقدم السودان من صعيد مصر . ساروا من الصعيد إلى مصر في مائة ألف أسود ليعيدوا الدولة الفاطمية . فخرج إليهم أخو صلاح الدين الملك العادل بكر وبمن معه من عساكر مصر والتقوا مع السودان فكانت بينهم وقعة هائلة وقتل كبير السودان ومن معه . . وهذه هي الثورة الثالثة التي قام بها الشيعة ضد صلاح الدين وكانت في السنة السادسة من حكمه . . وفي نفس العام أيضا وقعت ثورة أخرى في مدينة قفط بصعيد مصر أخمدها صلاح الدين وأرسل لها أخاه العادل على جيش فقتل من أهلها ثلاثة آلاف وصلبهم على شجرها ظاهر قفط بعمائهم وطيالسينهم . . وقد تعرض صلاح الدين لعدة محاولات لاغتياله في مصر والشام من قبل عناصر شيعية سعت للانتقام منه بسبب جرائمه في حق الشيعة . .

والمتأمل في هذا الصراع الذي دار بين صلاح الدين والشيعة في مصر يتبين له أن صلاح الدين استخدم وسائل غير مشروعة في قمع معارضيه تتنافى مع الإسلام . . وإن لجوء صلاح الدين إلى مثل هذه الوسائل اللاإنسانية التي مارسها على الفاطميين - مثل عزل الرجال عن النساء وإحراق بيوت السودان على أولادهم وأموالهم - هذه الوسائل إنما تكشف عجزه عن استئصال التشيع وحب آل البيت من قلوب المصريين . . خطط المقريزي ج‍ 2 ص 39 . وانظر النجوم الزاهرة ج‍ 5 ترجمة العاضد ص 334 . . وفيه أن صلاح الدين أفرد أهل العاضد ناجية عن القصر وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه . وسلمهم إلى الخادم قراقوش فعزل الرجال عن النساء واحتاط عليهم . الكامل في التاريخ ج‍ 9 ص 111 : 112 . . ويبدو أن فرح العباسيين بموت العاضد ونهاية الفاطميين كان أشد من فرحة الأيوبيين . مع العلم أن الأيوبيين يشكلون نفس التحدي والخطورة على العباسيين . لكن هناك فرق . واعتبر ابن إياس أن استيلاء صلاح الدين على مصر من قبيل الفتوحات . انظر بدائع الزهور ج‍ 1 ق 1 ص 148 . ..

وفي النجوم الزاهرة : توفي العاضد الخليفة الرابع عشر من خلفاء الفاطميين ( ثلاثة في المغرب وإحدى عشر في مصر ) عن ثلاث وعشرين سنة . واختلفوا في أسباب وفاته : أحدها أنه تفكر في أموره فرآها في إدبار فأصابه ذرب عظيم فمات فيه . والثاني أنه لما خطب لبني العباس وبلغه ذلك اغتم ومات . والثالث أنه لما أيقن بزوال دولته كان في يده خاتم له فص مسموم فمصه فمات منه . . ج‍ 5 ص 356 . . هناك الكثير من الإشارات التي تؤكد أن صلاح الدين دبر لقتل العاضد . انظر خطط المقريزي وبدائع الزهور والنجوم الزاهرة والكامل وحسن المحاضرة . .

أحرق صلاح الدين نفائس الكتب التي كانت بدار الحكمة ودار العلم كما أغلق الجامع الأزهر . يروي المقريزي : وأبطل صلاح الدين الخطبة فيه . فلم يزل الجامع الأزهر معطلا عن إقامة الجمعة فيه مائة عام منذ صلاح الدين إلى بيبرس . . ج‍ 3 / 150 .

هو القاضي بهاء الدين الشافعي ت 632 ه‍ . والكتاب هو : النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية . وانظر ترجمة نجم الدين الخبوشاني الفقيه الشافعي نديم صلاح الدين والذي كان يحرضه على الشيعة ويطعن في عقائدها ويكفرها . . ولما مات وجد لديه ألوف الدنانير قد جمعها بغير الحق ولم يصرفها في وجوهها المشروعة . وأسف عليه صلاح الدين وخاب ظنه فيه . . انظر النجوم الزاهرة ج‍ 6 / 116 . .

وتأمل قول الذهبي وهو مؤرخ شامي متعصب : أن هذه الفعلة من أشرف أفعاله . ومن أين أتى بهذا الاتهام التناسخ والحلولية . وهل تقول الشيعة بهذا . . ؟ إن الذهبي نهج نهج مؤرخي السنة مثل ابن كثير وابن الأثير وابن تغري بردي والسيوطي وغيرهم الذين أعماهم الحقد على الشيعة فتصيدوا لها الأخطاء وألقوا عليهم التهم جزافا . والذهبي هذا يعد من تلامذة ابن تيمية وهو الذي قام بتلخيص كتابه منهاج الكرامة . وقد سمى هذا الملخص منهاج الاعتدال وقد انقلب على ابن تيمية بعد ذلك . انظر سير أعلام النبلاء . وانظر لنا عقائد السنة وعقائد الشيعة

وتأمل التهم الجزافية غير المعقولة . ومثل اتخاذ عباد الله من دونه أولياء وتسمية أعداء الله بالأصفياء والتكذيب بالنار . إن مثل هذه التهم لم تسرد على لسان أحد من المؤرخين . فضلا عن كونها تنم عن قلة وعي بالعقائد والأديان . فلم توجد فرقة ولا دين أنكر الآخرة أو كذب بالنار . ثم إنه هل توحدت الأمة بقيام الأيوبيين . وهل كان أمرها مجتمعا قبل قيام الفاطميين . . ؟
وتأمل شماتة مؤرخ آخر هو السيوطي حيث يقول : وأخذ صلاح الدين في نصر السنة وإشاعة الحق وإهانة المبتدعة والانتقام من الروافض وكانوا بمصر كثيرين . . حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ج‍ 2 ص 25 . . وقد انبرى السيوطي في كتاب أصدره بهذه المناسبة أسماه : كشف ما كان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد . . وألف ابن الجوزي كتابا أسماه : النصر على مصر . . وألف أبو بكر الباقلاني كتابا أسماه : كشف الأسرار وهتك الأستار . . وألف الغزالي كتابا أسماه : فضائح الباطنية . . وألف غير ذلك كثير من الكتب بأوامر وتوجيهات الحكام والسلاطين . . أي جناية تلك التي ارتكبها هؤلاء الفقهاء والمؤرخين في حق الأمة وفي حق تاريخها . وفي حق الأجيال القادمة . . ؟ ولم يكن أمر الشماتة ينحصر في الفقهاء والمؤرخين بل امتد ليشمل الشعراء الذين يأكلون على كل الموائد الذين أورد شعرهم السيوطي في حسن المحاضرة . . أنشد العماد يقول : قد خطبنا للمستضئ بمصر * نائب المصطفى إمام العصر ألستم مزيلي دولة الكفر * من بني عبيد بمصر هذا هو الفضل زنادقة شيعية باطنية * مجوس وما في الصالحين لهم أصل الكامل ج‍ 9 ص 123 / 124 . .
ويروي شهاب الدين المقدس في كتابه الروضتين في أخبار الدولتين ص 219 تحت عنوان صلب عمارة اليمني : اجتمع جماعة من دعاة الدولة المصرية المتعصبة المتشددة المتصلبة وتزاوروا فيما بينهم خيفة وخفية وأحكموا الرأي والتدبير وتبيتوا أمرهم بليل . . وبعد أن أوشى بهم زين الدين علي ( واحد منهم ) أمر السلطان بإحضار مقدميهم واعتقالهم لإقامة السياسة فيهم . وصلب يوم السبت ثاني شهر رمضان جماعة منهم بين القصرين منهم عمارة . وأفنى بعد ذلك من بقي منهم . . الكامل ج‍ 9 ص 103 . . (النجوم الزاهرة ج‍ 6 ص 24 وانظر أحداث سنة 584 ه‍ ومحاولة التحريض على الثورة بالقاهرة . للتفصيل ارجع الى الشيعة في مصر - صالح الورداني ص 61 وما بعدها .. (8)
فأين كان موضع النص الديني من الأفهام التي تنتجها العقول المؤمنة بالنص , حينما ارتكب أصحابها تلك الجرائم




مراجع الفصل الثالث
(1) الشيخ علي عبد الرازق , الإسلام وأصول الحكم , بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام , كتاب الهلال , الطبعة الأولي , صـ106 , العدد 596 أغسطس 2000 . القاهرة
صدرت الطبعة الأولي لهذا الكتاب عام 1343 هـ , 1925 م .
(2) المستشار محمد سعيد العشماوي , الخلافة الإسلامية , صـ356 , الطبعة الخامسة , مؤسسة الإنتشار العربي , 2004 , بيروت , لبنان .
(3) المرجع السابق صـ 356 , صـ 357 .
(4) المرجع السابق صـ357
(5) المرجع السابق صـ 357 , صـ 358 .
(6) المرجع السابق صـ 358 , صـ 359 .
(7) المرجع السابق صـ 358 .
(8) موقع منتدي الكفيل : http://alkafeel.net/forums/showthread.php?9789-%D9%85%D9%86-%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A8%D9%8A-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1



#محمود_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرضاوي .. والفتاوي المخبولة !
- السيسي والمؤسسة العسكرية بين مطامع ومطامح الإخوان والوطني وا ...
- زريعة الفلول .. وفاقدي الشرف العقلي
- عن آلهتك : لاتخبرني بشيء
- شكراً للعام 2013 .. عام الفضائح والعار وسقوط الأقنعة
- ويبقي سؤال النخب !
- سؤال الوطن .. وسؤال الدين
- منطقة الشرق الأوسط والإرهاب الديني .. رؤية موجزة !!
- نفسية النص _ الفصل الأول _الموروث وأسر العقل
- هكذا يعتقدون .. سعادة السماء بالعنف والدم والإرهاب !
- الضمائر المخنثة وادعاء الحياد
- الفاشيات تصنع دساتيرها !
- هل لديك ثوب آخر !؟
- رسالة دم
- عتامة
- عصفور الفصل الخامس
- إمرأة .. طفلة .. دروس أطفال التنظيم
- حماة الله .. بسيف الله
- جيسى بولس .. وآلهة القتل
- مساومات الجنرالات مع العصابات الدينية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود الزهيري - نفسية النص _ الفصل الثالث_ نفسية النص وعلاقتها بالآخر