أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - لماذا العفيف الأخضر ضرورة الآن؟















المزيد.....

لماذا العفيف الأخضر ضرورة الآن؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1232 - 2005 / 6 / 18 - 09:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-

هل جاء العفيف الأخضر متأخراً عن زمانه، أم جاء متقدماً على زمانه، أم جاء الآن في الوقت المناسب؟

سؤال نطرحه على أنفسنا دائماً عند وجود مفكر متميز واشكالي ومتفرد ومقلق كالعفيف الأخضر.

إن بعض دعوات الأخضر كالحداثة والديمقراطية والمجتمع المدني وإصلاح التعليم الديني الظلامي واشكالية العلمانية والعولمة والإسلام السياسي والأصولية والكفاح المسلح.. الخ. تضع الأخضر في خانة المفكرين الذين كان عليهم أن يأتوا بعد أن تتحقق الأرضية اللازمة لمثل هذه الدعوات.

وأن بعض الدعوات كاصلاح التعليم الديني وتطبيق العلمانية والعولمة، تضع العفيف الأخضر في خانة من نحن بحاجة إليهم الآن لكي يمهدوا الأرضية اللازمة لاقامة الديمقراطية ومجتمع الحداثة.

وإن بعض دعوات الأخضر كالمساواة بين الرجل والمرأة واعطاء حقوق المرأة ووضع حد للكفاح المسلح، تضع الأخضر في مربع المفكرين الذين كان يجب عليهم أن يظهروا منذ فترة طويلة.

-2-



يُعرّف الأخضر نفسه بأنه مفكر عقلاني وحداثي. عقلاني بالمعنى الفلسفي. ويضع نفسه ضمن تيار العقل النقدي الذي يضع كل فكرة موضوع المساءلة بحيث تعطي البرهان على شرعيتها العقلانية. وحداثي، لأنه لا يرى مستقبلاً للعالم العربي خارج تبني القيم الحداثية الكونية، مثل الديمقراطية، وحقوق الانسان، وحق الفرد في المواطنة، والاستقلال النسبي المتمثل بحقه في اختيار قيمه المختلفة عن قيم المجتمع، إلى جانب المساواة بين الجنسين. وما زال الأخضر في الوقت نفسه منتمياً إلى روح الماركسية كما يفهمها، ولا يؤمن بالنصوص. فماركس لم يكن قديساً. ووجهة نظر الأخضر في الماركسية مهمة، لأنها تعتبر أن نقد الدين هو اساس كل نقد. وأنه من مفارقات تاريخنا الحديث أن هذا الشرق الذي ولد فيه الدين لم يلد فيه في تاريخه الحديث نقد الدين. وأن لا طريق إلى الحداثة إلا بمحاربة الكهنة بفلسفة الأنوار. وأن أوروبا لم تدخل ميدان الحداثة إلا عندما نقدت الدين، وتبنّت فلسفة الأنوار. كما تتلخص نظرة الأخضر إلى الماركسية في أن قمة القيم في العصور الوسطى كان الله، ولا شيء غيره. وأن الانسان الصالح الخيّر هو الانسان المؤمن بالله والملتزم بوصاياها. وفي المجتمع الرأسمالي، وفي مجتمع الحداثة جاء المفكرون وعلى رأسهم نيتشه ونادوا بموت الإله. واستبدلت قمة القيم التي كانت سائدة في العصور الوسطى بالمال. ووجهة نظر الأخضر، هي أنه يحلم في عالم مختلف عن عالم القرون الوسطى ومختلف عن العالم الرأسمالي، وهو أن يكون الانسان هو قمة القيم.





-3-



إن أهمية العفيف الأخضر كمفكر تكمن في أنه ليس معارضاً وليس موالياً، وإنما هو مفكر نقدي بالمعنى الفلسفي. أي أنه يتفحص القضايا المطروحة عليه بموضوعية لمعرفة سياقاتها ورهاناتها لتنزيلها في سياقها التاريخي ضمن الاتجاه أو الاتجاه المضاد. فالاتجاه التاريخي اليوم بالنسبة للعفيف الأخضر هو تحديث الحداثة، وبالنسبة للفضاء العربي – الإسلامي تحديداً هو الاندماج في العالم الحديث سياسياً واقتصادياً وثقافياً لتبني القيم الحديثة والكونية، بدلاً من قيمه التقليدية والخصوصية. ولا يسعه إذا كان منطقياً مع حداثته أن ينحاز للاتجاه المضاد المنادي بالنكوص إلى ما قبل الحداثة، سواء إلى البُنى والقيم الاقطاعية في الغرب كما هي حال أقصى اليمين الغربي. فالفاشية والنازية والستالينية كانت دعوات للعودة إلى الاقطاع في حالة الفاشية والنازية، وإلى الاستبداد الشرقي في حالة الستالينية. أو إلى النكوص إلى القيم وأشكال الحكم القروسطية كما في حالة الأصولية الإسلامية التي تريد العودة إلى "دولة المدينة"، وإلى الخلافة الإسلامية.



-4-



نطلق على الأخضر محامي الشيطان. وفي الواقع لسنا نحن الذين نطلق عليه هذا اللقب، ولكنه هو الذي أطلقه على نفسه في إحدى المقالات التي كتبها. وكان يعني بها ما عناه هذا اللقب في الثقافة الفرنسية، وهو من يقف ضد التيار العام، ويفكر تفكيراً مختلفاً في موضوع تراه الأغلبية حقاً، وهو يراه باطلاً، أو على العكس. وكذلك هو من يراجع أفكاره من حين لآخر، ويتخلى بكل شجاعة واقدام عما أصبح من الماضي ومن سقط المتاع. فهو يؤمن ايماناً راسخاً بالفكر المتغير، ويقول أن الحجر هو الذي لا يتغير.

ولقد شهدت مسيرة الأخضر الفكرية عدة "مراجعات" اعتبرها البعض "تراجعات"، وتغيّر في المواقف. وهذا في عُرف الثقافة العربية التقليدية من الأخطاء الفادحة وجريمة يرتكبها المثقف في حق نفسه وفكره. ولكن الأخضر يقول "إن الحجر وحده هو الذي لا يتغير". وتاريخ الأفكار يشهد على مدى تغير الأفكار وتطورها. وأن الانسان الذي يتغير هو انسان ديناميكي، يحاول أن يتكيف مع العالم المتغير. فالأخضر يصف نفسه بأنه ليس نرجسياً إلى حد الادعاء بأن قناعته هي الحق. وهو على استعداد لأن يغير قناعاته كلما اتضح له بأنها خاطئة. فهو يعترف بأنه يتغير دائماً. فقد كتب الأخضر في العام 1973 كتاب "التنظيم الثوري الحديث" قال فيه إن ما كتبه في العام 1971 عن "كيمونة باريس" كان خاطئاً.

فالانسان ليس كائناً ميتافيزيقياً كما كان عليه عرّاف القبيلة، وكما تصوره المؤسسات الدينية والقومية، ولكن الانسان كائن تاريخي. والفكر في عُرف المؤسسات الدينية هو العقيدة، وهو ضرب من ضروب الايمان. ومن هنا كان تغيير الفكر في عُرف المؤسسات الدينية مرادفاً لتغيير الدين. وتغيير الدين هو الرِدة، وحدّه القتل. كذلك تغيير الأفكار الذي يعتبر عاراً كبيراً. ويعتبر الأخضر أن الانسان الذي لا يغير فكرة من حقبة لأخرى هو انسان لا فكر له، أو أن فكره مزيف، لا معنى له. ويصبح مجرد عقيدة ثابتة عابرة للتاريخ. ويصبح فكراً يجتر ذاته، كما هو الحال في الفكر الديني الذي يؤكد دائماً بأن السلف الصالح قد قالوا في كل شيء ولم يبقَ للأواخر من شيء يفكرون به أو يقولونه (لم يترك الأوائل للأواخر شيئاً)، و (ما أغلقه السلف لا يفتحه الخلف) وما علينا إلا أن نجتر، ونتغرغر، ونردد، ونطبّق ما جاءوا به، ولا نأتي بالجديد، لأن "كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، كما يقول الحديث النبوي.

إن من واجب المفكرين الليبراليين العمل على تدمير هذه الاسطورة المدمرة، اسطورة الثبات في الفكر وعدم تغييره مهما تغيرت الأحداث والوقائع والمعطيات. إن الفكر الحقيقي لا بُدَّ له أن يتغير. فالانسان في تعلُّم مستمر، وهو بالتالي في تغيّر مستمر. ثم ما جدوى التاريخ إذ لم نتعلم منه دروس الماضي ونتغير طبقاً لذلك؟

فالانسان حسب نظرية التطور الحديثة لديه ثلاثة أطوار من الأدمغة. الدماغ الأول وهو الدماغ البدائي الغريزي. والدماغ الثاني هو الدماغ الانفعالي. وفي هذين الدماغين يشارك الانسان الحيوان. والدماغ الانفعالي أزلي لا يتغير، فاللاشعور الانساني الحالي هو لا شعور الانسان البدائي منذ ملايين السنين، فهو ثابت وتاريخي كما يقول فرويد. أما الدماغ الثالث فهو الدماغ المعرفي أو العقل وهو الذي يميز الانسان عن الحيوان. والدماغ المعرفي أو العقل مكتسب عبر التجارب التي نخوضها في الحياة وعبر الدروس التي نأخذها من هذه التجارب، وبالتالي فإن العقل ليس غريزياً. ومن هنا فهو خاضع للتطور والتغير. فالفكر الانساني خاضع لمستجدات التاريخ ومتغيرات الزمان والمكان. فالامام الشافعي (767-820) على سبيل المثال، كان له فقه خاص عندما كان في بغداد، وعندما انتقل إلى القاهرة (815-820) غيّر بعض أفكاره خلال خمس سنوات من اقامته في القاهرة واكتسب فقهاً جديداً.



-5-



يتهم كثير من الكتّاب الأخضر بأنه محرّض في العالم العربي، في حين يعترف الأخضر بأن دوره كمثقف ليس التحريض ولكن التحليل. وأن علامة نضج أي أمة هو الانتقال من التمجيد النرجسي للذات إلى نقد الذات.

من مميزات الأخضر كمفكر، الشجاعة الفكرية المتناهية التي تصل في بعض الأحيان إلى التهور كما يصفها معارضوه، والتي أدت في بعض الأحيان إلى إيذائه والتضييق عليه في معاشه وحياته.

ولعل أبرز مثال على شجاعة الأخضر هو موقفه السياسي الايجابي المبكر مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ضد المناضل التونسي اليساري صالح بن يوسف. وكان من الطبيعي في ذلك الوقت – والأخضر مفكر يساري – أن يقف إلى جانب ابن يوسف في معارضته لبورقيبه. ولكن الأخضر اختار الطريق الآخر الذي يبرره تبريراً سياسياً شجاعاً يدل على مدى شجاعته الفكرية والسياسية. فهو يقول أن انتصار ابن يوسف في تونس على بورقيبه كان يعني "كارثة على تحديث تونس"، لأن ابن يوسف كان محافظاً، وقاعدته الاجتماعية أكثر منه محافظة. وما كان ممكناً في ظل حكمه تصفية أملاك الأحباس التي مثلت أحد عوائق التنمية، ولا الحد من الانفجار السكاني الكارثي على التنمية والبيئة، ولا توحيد وتحديث القضاء والتعليم، ولا صدور قوانين الأحوال الشخصية التي أخرجت المرأة التونسية من سن القصور البدني الذي فرضه عليها فقه القرون الوسطى ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات. "

إلا أن هذا الموقف من ابن يوسف لم يمنع الأخضر من التفكير بالسفر إلى القاهرة لابلاغ ابن يوسف بأن هناك مؤامرة تحاك لاغتياله. ولكن ما أن علم الأخضر بأن وزير داخلية صالح بن يوسف هو الموظف السامي في الاستخبارات الفرنسية حتى تراجع عن موقفه من تأييد ابن يوسف وزادت قناعته بالوقوف إلى جانب بورقيبه.



-7-



ومن مميزات الأخضر كمفكر، أن لا ولاء لديه للاشخاص بقدر ما أن ولاءه للأفكار والمواقف. فلا شيء كتاريخ الأفكار لتأكيد أن الإنسانية لا تراوح مكانها سياسياً واخلاقياً. فالحبيب بورقيبه الذي كان الأخضر يقف إلى جانبه بالأمس أصبح الأخضر اليوم من معارضيه. فمنذ العام 1958 أصبح الأخضر من معارضي بورقيبه. وعندما سألته يومية "القدس العربي"، في 7/1/2000 عن الشخصيات الجديرة باهتمامه، ربط اهتمامه بهذه الشخصيات من خلال مواقفها من الفكر والسياسة والحياة بشكل عام. فكان اهتمامه بعبد الرحمن الكواكبي من خلال مواقفه من الخلافة العثمانية المتخلفة. وكان اهتمامه بشبلي الشميّل من خلال وعيه المبكر بأن لا مخرج لشعوب الشرق من خمول القرون الوسطى إلا بالانخراط في ديناميكية الحداثة الأوروبية. وكان اهتمامه بلطفي السيد وطه حسين وقاسم أمين من خلال موقفهم من ضرورة تحديث التعليم واعطاء المرأة حريتها. وكان اهتمامه بالطاهر حداد وبورقيبه من خلال موقفهما من التحديث، وتطبيق الفقه الحديث على الواقع.



-8-



تأتي أهمية العفيف كمفكر ليبرالي حداثي من كونه قد أجاب على سؤال كبير وصعب ومهم، وهو السؤال الذي يطرح على الفكر العربي كل يوم، ولكنا لا نجد له جواباً شافياً، وهو:

لماذا لم تتم المصالحة بين الحداثة والأصالة العربية؟

ويجيب الأخضر على هذا السؤال بهذه النظرة ذات العين الواسعة، والقلب المفتوح، والفكر الطليق بقوله:

لقد استعصت اشكالية الحداثة العربية – الإسلامية على جميع دعاة الإصلاح والنهضة المسلمين في القرن التاسع عشر لأن شروط الوضع العربي – الإسلامي لم تكن ناضجة لاقتباس الحداثة الأوروبية كما اقتبستها اليابان في نفس الفترة. وهذا يعود إلى عدة عوامل رئيسية:

1- غياب فاعل الحداثة التاريخي، وهو البرجوازية الحديثة.

2- عدم وجود أرضية الحداثة؛أي الملكية الخاصة للأرض التي لم تدخل إلى دار الإسلام إلا بعد دخول الاستعمار إليها. فقد كان الخليفة هو المالك الوحيد للأرض ولم يكن ملاكها الفعليون إلا مجرد متصرفين ينتفعون بها مؤقتاً في ظل خوف دائم من مصادرتها.

3- وهناك عامل نفسي وهو عائق نفسي يتمثل بالتثبت العصابي في الماضي المجيد. والتعلق الوجداني العارم بالحضارة القديمة يسترق الفاهمة، لأن نموذج أية حضارة سالفة - خاصة عندما يكون المقدس هو عمودها الفقري - يشكل ضرباً من الضمير الأخلاقي الجمعي الذي يردع ورثتها عن انجاز عملية التلاقح مع حضارة الآخر المنظور اليه عادة بمنظور المركزية الإثنية الاحتقاري على أنه ادنى من الذات التي ترى نفسها خير الذوات، اختارتها العناية الربانية لتقود لا لتنقاد. وهكذا فكل اقتباس لحضارة الآخر "الكافر" يُعاش كخيانة للماضي المجيد، وكانتهاك لمحرماته التي لا يرقى إليها الهمس.

4- لجوء الوعي الإسلامي التقليدي إلى التعزي بماضيه التليد عن حاضرة البئيس دون أن يعي ما وعاه الشاعر الزهاوي:

أإذا كان حاضرنا شقياً

نسود لكون ماضينا سعيد؟!

ولهذا السبب لم تدخل إلى الحضارة بسهولة نسبية إلا الأمم اللقيطة تاريخياً كاليابان مثلاً، التي لا ماضي لها يعتقل عقلها عن التفكير العقلاني في الواقع الماثل نُصب أعينها.

5- أصوليتنا الشعبوية قيادة وجمهوراُ تكره الآخر كراهية عميقة حتى لتكاد تكون الاسمنت الذي يشد النواة الصلبة في هذا الجمهور إلى قيادته التي غالباً ما تكون كراهية الآخر هي كل "مشروعها الحضاري" أو على الأقل البند الرئيسي فيه. وكراهية الآخر تتغذى لدى كل من القيادة والجمهور بمشاعر الاضطهاد البعيدة الغور في الشخصية الشعبوية الأصولية التي لا تفعل في الواقع غير اسقاط المشاعر الشريرة الكظيمة داخلها على الآخر.

6- أصوليتنا الشعبوية تقيم مناحة يومية على الهوية القومية والدينية. وأزمة الهوية بتعريف الحد الأدنى، هي حنين لحقبة خلت، أو بدأت تلوّح بمنديل الوداع. وأزمة الهوية في الفضاء العربي – الإسلامي مظهر من مظاهر أزمة الهوية في العالم. لكن الشعبوية الأصولية تحللها تحليلاً تخييلياً وتقترح مخرجاً سحرياً منها لا يمكن أن يقود إلا إلى العنف الأعمى. فهي ترد أزمة الهوية إلى الاستعمار الذي دخل ولم يخرج من العالم العربي إلا شكلياً، وبقي مضمونه متمثلاً في النخب المستغربة التي واصلت تخريب الهوية بمواصلة انفتاحها النسبي على الحداثة. ومن هنا، فإن أزمة الهوية تعني في التخييل الشعبوي الأصولي التبعية للحضارة الغربية. والخروج منها يتمثل بـ "الاستقلال الحضاري" عن هذه الحضارة، وهو المستحيل لأننا نكون بذلك كمن يقفز فوق ظله إلى أن يسقط مغشياً عليه. إن حقبة الدولة القومية السيدة والهويات المحافظة ظاهرياً على نقاوتها الآفلة، تمر اليوم بفترة انتقال عاصفة عنوانها الكبير العولمة، بما هي مشروع عالمي لتوحيد العالم في السوق وتوحيد الهويات في هوية عالمية متجانسة أكثر فأكثر. فاليوم تطرح الإنسانية من جديد سؤال الهوية وهي تقف في برزخ عصر الهويات والدول القومية أو ما دون القومية المتناحرة وعصر القرية الكونية التي قد تنتج في السيناريو المتفائل وعياً كونياً مطابقاً يتجاوز رواسب الإثنية المركزية ومنتوجها الفرعي وهي النرجسيات القومية والعصبيات الهوياتية.





-9-



ويظل العفيف الأخضر مفكراً مُقلاً جداً. وهو يفضل القراءة على الكتابة. ومن هنا كان نتاجه الفكري قليلاً في كمه، غزيراً في معناه. وفي حياته سنوات طويلة توقف فيها عن الكتابة كلية، وانصرف للقراءة والتأمل فقط. فقد توقف عن الكتابة نهائياً في الفترة 1974- 1993 ثم بدأ منذ العام 1997 ينشر مقالاً اسبوعياً في جريدة "الحياة" إلى أن توقف ثانيةً في العام 2002. ولعل قلة كتاباته كانت سبباً في عدم توضيح الدوافع والأسباب للتغيرات التي طرأت على فكره ودفعته إلى تغيير هذا الفكر نحو الكثير من القضايا العربية والانسانية بشكل عام.



-10-



هذا هو العفيف الأخضر الذي أصبح في المدة الأخيرة هدفاً كبيراً وصيداً سميناً للجماعات الأصولية، التي تحاول الايقاع به بشتى الوسائل والإساءة الية مادياً ومعنوياً وفكريا،ً لكي تتخلص من اسفين غليظ في خاصرتها، يقضُّ مضاجعها، ويعكر صفو أيامها، ويحيل أحلامها "الجميلة" إلى كوابيس.

وهذا هو العفيف الأخضر بأفكاره الجريئة، وخطاباته الحداثية، ورسالته التنويرية الشجاعة والصريحة، والتي هي امتداد لرسالة شبلي شميّل وطه حسين والطاهر عاشور وخالد محمد خالد، وطابور من التنويريين العرب الذين شهد عليهم القرن العشرون.

ـــــــــــــــــــــــ

· هذا المقال من مقدمة لكتابي (محامي الشيطان: دراسة في فكر العفيف الأخضر) الذي سيصدر في بداية خريف هذا العام عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيأتي الإخوان المسلمون بالطوفان الأكبر؟
- هل سيدخل الإخوان المسلمون القفص الذهبي؟
- كيف كانت الأصولية عائقاً سياسياً للعرب؟
- هل بقي ببيروت مكانٌ لقبر آخر؟
- حصاد التوغّل الأمريكي في الشرق الأوسط
- هل غرقت أمريكا حقاً في -المستنقع العربي-؟
- كيف دخلت أمريكا جهنم العرب؟
- الطريق إلى الديمقراطية السعودية
- هل تليق الديمقراطية بالسعوديين؟!
- الكويت تولد من جديد للمرة الرابعة
- لماذا لم يشربوا دم العفيف الأخضر حتى الآن؟
- العَلمانية والديمقراطية جناحان لطائر الحرية
- العَلمانية في العالم العربي : إلى أين؟
- لماذا يحبُ العربُ أمريكا كلَّ هذا الحب؟!
- أولويات العهد العراقي الجديد
- ما أحوجنا الآن الى ثورة التغيير في الإسلام
- فوبيا التغيير تفتك بالعالم العربي
- أحمد البغدادي و- الميديا كارتا
- العرب بين تحديات العصر وعوائق التغيير
- العراق في العام الثاني بعد الميلاد


المزيد.....




- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...
- قائد الثورة الاسلامية: لا يكفي صدور احكام اعتقال قيادات الكي ...
- قائد الثورة الاسلامية: ينبغي صدور أحكام الاعدام ضد قيادات ال ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شاكر النابلسي - لماذا العفيف الأخضر ضرورة الآن؟