أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي بن رمضان - تصحيح - من الإسلام إلى الربوبية (1) -















المزيد.....


تصحيح - من الإسلام إلى الربوبية (1) -


هادي بن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4328 - 2014 / 1 / 7 - 21:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في طفولتي, وجدت نفسي بين كتب العقيدة التي اشتراها والدي .. كتب التوحيد وقصص الصحابة والغزوات ... كان الله حينها في نظري رمزا للرحمة والحب والعدل . كانت أحلامي كأحلام أي طفل وجد نفسه بين كل ذلك .. خوض حروب بلا نهاية لرفع شأن الإسلام . كان إمام الحي يحدثنا عن جرائم الشيعة وخياناتهم وحقارتهم .. ثم ينهي خطبته بانهم قوم يعبدون عليا لا إله محمد .. كان الإستنتاج المنطقي لطفل حينها أن عليا لا يمكن أن يكون إلا عدوا !! ورغم ذلك فقد تساءلت ببراءة الطفولة كيف يمكن أن يكون احد أقرباء النبي كذلك !!



كبرت وأصبحت مدمنا لكلمات سيد قطب .. لمشاهد القتل والتفجير في العراق وأفغانستان والشيشان ... اجلس امام التلفاز منتظرا أن تمرر الجزيرة مقطعا لعمليات تنظيم القاعدة او بن لادن .. ولازلت اذكر كلمة القاها الزرقاوي حفظتها عن ظهر قلب !! ...


أصبح الناس في نظري مؤمنين وكفار .. لم اعد ارى خيرا ولا عدلا خارج الإسلام . كنت مجبرا على خوض نقاشات كثيرة مع الذين كانوا في نظري أعداء فحفظت الكثير من الايات والاحاديث والقصص التاريخية والتفاسير رغم سني الصغيرة . كان لا بد ان أضع تفسيرات وتبريرات لكل شيىء ! لكلمات إلهي لنبي لأصحابه لخطواتهم لممارستهم الجنس مع زوجاتهم لكلمات وخطوات كل الجنود والجيوش والاباطرة الذي حكموا تحت راية الإسلام .


حتى جرائمهم, حتى احقادهم وغباواتهم, كان لا بد أن أضع لها التفاسير لتتحول إلى رحمة ومحبة ! كان كل المخالفين لمذهبي أعداء يجب أن يقتلوا . كل الشيعة والليبراليين والملاحدة والبوذيين والهندوس كل هؤلاء كانوا اعداء .


كنت أرى الهتهم وأبطالهم وانبياءهم عدوانا على إلهي وأبطالي وأنبيائي . كان لا بد من هدم أوثانهم !


فرحت لهزائمهم .. شعرت بالسعادة وانا اشاهد الطائرات تدك أبراجهم . كم كنت سعيدا حين أرى مشاهد قتل ونحر الشيعة المشركين في العراق !!


كان أبطالي هم أولئك الذين يخوضون الحروب على كل الجبهات .. كانوا في نظري جنودا مرسلين من السماء للدفاع عن الله . كان حلما أن أنظم إليهم !


لم أعتقد يوما أنه يوجد من يستطيع أن يزعزع إيماني . لكن رغم ماخلفه فيا كل ماقرأته وسمعته من نزعة عدوانية فقد كنت في بعض المرات القليلة أشعر بشيىء من الحيرة تجاه ما أؤمن به . كيف أستطيع الجمع بين النقيضين, بين الرحمة وبين القسوة بين المحبة وبين الفضاضة ! لعلي كنت محظوظا أني مررت بكل ذلك ولم أتجاوز سن السابعة عشرة, لعل براءة الطفولة ساعدتني في أن أطرح على نفسي مثل هذه الأسئلة


قررت ذات مرة ان أجلس لمشاهدة احد الافلام الوثائقية "لستيفن هوكينغ". لم أعتقد حينها أنه كان ملحدا وإلا لما شاهدته كان ذلك الفيلم صدفة - هل خلق الله الكون؟


ألقى بي هوكينغ حينها في دوامة من الشك . البارحة كنت أفكر جديا في الذهاب إلى سوريا لقتال الكفار . اليوم حتى إيماني بوجود الله قد تزعزع ! لم أعرف طعم النوم في تلك الليلة . ولا الليالي التي تلتها . أصبحت أبحث عن أجوبة لعلي أنقذ إيماني. فعثرت فجأة على أحد الدعاة ممن يطلق عليهم بالمجددين يشرح ويفسر الكون والرسالات السماوية بطريقة لم اعرفها من قبل !! ما أجمله كان من شعور ! حتى أني لا أستطيع وصفه بدقة . كمن كان تائها زمنا طويلا في الصحراء حتى اعتاد على الجفاف وحر النهار وبرد الليل ثم وجد فجأة نفسه في أحضان وطنه بينابيعه العذبة وأشجاره المورقة !! أخيرا وجدت ما أريد . أستطيع أن أكون مؤمنا دون أن أكون متعطشا لسفك الدماء وخوض الحروب . أستطيع أن اجمع بين الدين والدليل العلمي بعيدا عن روايات الخرافة ! قضيت فترة طويلة أستمتع بخطب ذلك الداعية كما تعرفت أيضا على بعض الأصدقاء من المعتزلة وأهل القران ...


كان أول قرار إتخذته هو تحطيم وثن معاوية ! ذلك النكرة الذي استطاع بمكره وخداعه أن يتحول إلى خليفة على المسلمين ولطخ رسالة الإسلام بقذارته وقذارة عمرو بن العاص ...


كان هذا القرار الأول .. ثم رفعت القدسية عن كتب الحديث والروايات السخيفة التي لا يقبلها العقل .. كما لم أعد مثقلا بجرائم الامبراطوريات الإسلامية .. بل أصبحت ألعن الخلفاء الذين سبوا وقتلوا الشعوب وخرجوا على تعاليم نبي الرحمة .


منذ ذلك الحين وأنا أحاول تبرئة الله ونبيه من النصوص التي اعتقدت انها قد وضعت بأوامر من معاوية أو افتراها ابو هريرة تحت وطأة الخوف أو وضعت في عصر الخلفاء الذين تلوا معاوية .. فكل قسوة او وقاحة ينقلها لنا الرواة إنما من صنع بني أمية ! رفعت القدسية أيضا عن الصحابة .. اصبحوا مجرد بشر يخطئون ويصيبون .



بقيت طويلا على هذه الحال أخوض النقاشات الطويلة مع المذهبيين المتعصبين .. كانت دائما حواراتنا تنتهي بإتهامي بالتشيع أو بالكفر او الزندقة . لقد أصبحت مصابا بالحزن المزمن على مصير علي وأبنائه على مصير أبي ذر على مصير كربلاء . هؤلاء أحببتهم حقا بصدق. محمد, علي, حسن, حسين, ابو ذر عمار, سلمان, فاطمة زيد بن علي ... وأحببت نموذج الرجل الشرقي مع حبيبته التي ترتدي لباسها الأسود كل عاشوراء ...



ناضلت طويلا من اجل إيماني حتى أصبت بالملل والإحباط ... ما أشد قسوة ووقاحة النصوص ... ما أفضع سير قادة الإسلام, ما أقبح تاريخي الذي جاء فوق الجثث . حتى القران لم يسلم من ذلك , حتى النبي !! ...


فإذا كان نبي الرحمة يفعل كل مافعله ويقول كل ما قاله ولا يعاقب سفاح الإسلام خالد بن الوليد على ما ارتكبه من جرائم ويكتفي بالتبرُّئ من أفعاله ودفع الدية .. وإذا كان الرجل الثاني في الإسلام أبو بكر ينقض على من رفضوا الإعتراف به كخليفة ليبيدهم ويسلخهم ويغتصب نساءهم وينجو مرة أخرى سفاح الإسلام من العقاب . وإذا كان الرجل الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب, ذلك الرجل الذي صور لنا كرمز للعدل والحرية ! ينزل إلى ذلك المستوى الاخلاقي في تعامله مع الإماء ويضربهن لينزعن النقاب ويكشفن عن أثدائهن لئلا يتشبهن بالحرائر ! يحدثنا عن الحرية ويملك العبيد, يحدثنا عن العدل ويرسل المرتزقة لغزو العراق بعد إغرائهم بغنائم ال كسرى ! (فتوح البلدان ج2 ص216 - الكامل في التاريخ ج2 ص441) هكذا كان يفعل الرجل الثالث في دولة الإسلام .. ذلك الذي صور لنا كخليفة عادل ! وإذا كان الرجل الرابع في دولة الإسلام يستشري في عهده الفساد المالي فيتوجه بالطرد المذل لأحد كبار رجال الإسلام, أبو ذر, نبي الفقراء .. يطرده الى اعماق الصحراء محاباة لأقربائه وعلى راسهم زعيم الفئة الباغية معاوية ! فإذا كان كبار رموز الإسلام الذين عاصروا فترة الوحي وخاطبهم النبي مباشرة يفعلون كل ذلك فكيف أجرؤ أنا إنسان القرن الواحد والعشرين أن أتحدث عن العدل والرحمة ! كيف تجرؤ انت أن تتحدث عن العدل والرحمة ! كيف يجرؤ المفكرون المسلمون أن يحدثونا عن العدل والرحمة !



كان لا بد حينها أن أتساءل: هل الله عدو أم صديق ! هل الاكتشافات العلمية الجديدة فرصة لمعرفة الله أم للإنتصار عليه ! هل يخلصنا إنتصار الداروينية من القديم بكل مافيه من خرافة وطغيان !



لقد جعلت النبوات من الله طاغية كونيا .. جعلته وحشا يتربص بالإنسان يوقع به الألم والحزن والعذاب ثم يأمره بأن يحبه, ثم يهدده بالجحيم إذا لم يحبه .. لقد جعلت النبوات من الله حاكما مصابا بجنون العظمة يضع الإيمان به الحد الفاصل بين الخير والشر .. جعلته طاغية يخوض حروبا لا عداد لها ويرسل بأنبيائه وملائكته وينزل بكل قواه المادية, بكل معجزاته ليدمر الأوثان التي تهدد وحدانيته دون ان يرسل هذا الإله الرحيم نبيا واحدا لتجريم الإستعباد ! إقرؤوا ماذا يقول الإله العربي يوم يأمر ملائكته بأن تتفخ في الصور. إقرؤوا ماذا سيقول يومها, كيف سيتباهى بأنه الملك الواحد متحديا كل طغاة وملوك الأرض, إقرؤوا واحكموا على الإله العربي, هل هو إله رحيم أم طاغية هائل مجنون !


كيف يا إلهي, كيف تغضب من الأوثان, كيف تغضب من الذنوب الصغيرة ومن عصيان الإنسان لأوامرك, ولا تغضب من أجل طفل يعاني من الجوع او شيخ يعاني من المرض. كيف لا تغضب من ذنوب هذا الكون, من ذنوبك لأنك المخطط لهذا الكون .


كيف يا إلهي تدعي أن هدم الكعبة حجرا حجرا اهون عندك من إراقة دم مسلم ثم ترسل جيوشك من طيور أبابيل وحجارة من سجيل لحماية كعبتك وإنقاذها , ولا ترسل أية جيوش لحماية مسلم واحد يعاني من المجاعة أو المرض او من طغيان الطغاة !


كيف يا إلهي ترسل أنبياءك مبشرين بوحدانيتك وعدلك ورحمتك ولا تضع في حسبانك ان إنسانك سيعاني من جراء إرسالك للنبوات ... ليتك يا إلهي لم ترسل لنا الأنبياء . لقد قتلنا أنبياؤك أكثر مما قتلنا أكبر طغاة الارض .. لقد مات طغاتنا, لقد سقطت إمبراطورياتنا المستبدة, اما نبواتك فهي لعنة أبدية حلت علينا لا تخضع للمنطق ولا للدليل العلمي مستمرة في سفكها للدماء ونشرها للكراهية بلا نهاية حتى تنتحر شمسنا ويموت كوكبنا .


حتى اليوم الذي حدثنا عنه انبياؤك أنك ستحكم فيه بالعدل بين الناس إنما جعلته لتستعرض علينا ذاتك وهيبتك .. هل تشعر بالفرح والعظمة حين يسحقنا الخوف !! ألهذا خلقت المرض والشيخوخة والجفاف والمجاعة والأعاصير والفيضانات والبراكين ! هل انك لست عبقريا بما فيه الكفاية لتخلق الكون والإنسان في نموذج أفضل من هذا .. أم أنك فعلت كل ذلك لتسعد ببكائنا وألمنا, ببكاء وألم أطفالنا ونسائنا وشيخونا . هل تسعد حين نتوجه لك بالدعاء .. ألهذا لا تستجيب لنا لأنك تسعد بذلك .. لأنك تريد أن نواصل في دعائنا لك .. هل يهبك خوفنا ودعاؤنا الخلود !



إني أفضل يا إلهي أن تكون بلا مشاعر, بلا عطف او حنان او رحمة على أن تملك ذلك وتعاملنا بمثل هذه القسوة وتخاطبنا بمثل هاته النصوص !



ما أوقح المؤمنين بك حين يحدثوننا عن الحكمة في كل ماتفعله بنا !لقد كانوا يقولون في عصور البداوة أن الكوارث والأمراض هي عقاب للإنسان على ذنوبه ! واليوم بعد ان بدأنا نحقق الإنتصارات على حساب حكمتك فقد أصبح المؤمنون بك يحدثوننا عن أنك أردت كل ذلك من أمراض وتشوهات وشيخوخة وجفاف ومجاعات وأعاصير و فيضانات وزلازل ... لقد فعلت كل ذلك لأنك أردتنا أن نصل إلى هذا المستوى الحضاري ... ما أشد وقاحة المؤمنين بك حين يحدثوننا عن حكمتك ! هل وردت إشارة في كل النصوص السماوية أن الإله الرحيم خالق كل الشرور سيدفع تعويضات لضحايا حكمته الذين رحلوا للأسف قبل أن تتحقق هذه الحكمة !! ثم بعد أن وصلنا لهذا المستوى الحضاري الذي شئت أن نصل إليه بتسليطك لشرورك علينا لأنك لا تريد أن نكون عبئا عليك ألا تستطيع أن تأمر بأن يتوقف كل ذلك ! أتباعك المؤمنون يقولون أنه لولا حكمتك من ذلك لما وصلنا الى ما وصلنا إليه .. لما صنعنا الطائرات والسفن ولما شيدنا المصانع ... وهل نحتاج لأن يصيبنا الإله بالمرض والكوارث لنصنع الطائرات والسفن ونشيد المصانع !!!



لقد أصبحت هاربا من نصوصك لأني اخشى أن أجدك عدوا للإنسان .. كيف إستطعت أيها الإله أن تعد الجحيم عقابا لنا ثم ترسل لنا الأنبياء ليحدثونا عن رحمتك !!!


لقد صرخ احد من علموني كيف اكون إنسانا ذات يوم مخاطبا العرب :


- ... من تقبلت أخلاقهم وعقولهم وتعاليمهم الجحيم وتصورته وتحدثت عنه وتعلمته .. كيف إستطاعوا أن يظلوا أحياء أو أن يسعدوا بأي شيىء وهم يتصورون ان إنسانا واحدا .. ان إنسانا واحدا فقط قد يعاقب بجحيمهم هذا .. كيف امكن أن يعيش في خيالهم مثل هذا الجحيم .. كيف يستطيعون الإبتسام ...-



منذ ان كنت طفلا .. شاهدت اناسا أخيارا كثيرين قضوا حياتهم دون أن يؤدوا الصلوات أو يدخلوا المعابد .. وشاهدت اناسا اخيارا كثيرين ماتوا وليس في عنقهم بيعة, شتموا الالهة احيانا كثيرة وشكروها أحيانا أخرى ... شاهدتهم في حينا البائس, في محطات السفر, أمام المدرسة ,شاهدتهم في كل مكان نظرت وذهبت إليه ... كل هؤلاء البسطاء الذين لا تهتم الالهة لهمومهم واحلامهم الصغيرة سيخلدون في الجحيم وسيصرخون ويتعذبون وسط ذلك الفرن البشري الهائل

فكم تعرف أنت من أمثال هؤلاء ! فكم يعرف أصدقاؤك من أمثال هؤلاء ! فكم يعرف كل إنسان من أمثال هؤلاء ! هل تستطيع الإيمان بالاله الذي الذي أعد الجحيم لتارك الصلاة ورافض الايمان به مهما فعلا من خير وعبقرية ثم تستطيع الإبتسام ! هل تستطيع الإبتسام حقا وانت مؤمن بهذا الإله ! إنك لو فعلت ذلك ستهبط بأخلاقك إلى الحضيض ! ...



حتى جنتك يا إلهي أصبحت اخشى الدخول إليها او القراءة عنها !


كيف أستطيع أن اسعد في جنتك بين أنهارك وخمورك وحورياتك بينما يقاسي إنسان واحد اهوال الجحيم .. بينما يقاسي أقربائي وأصدقائي والأناس الذين عرفتهم والأناس الذين يرفض منطقي وأخلاقي أن يعاقبوا بالجحيم !!


أخشى يا إلهي العربي أن تنزع مني صفاتي الإنسانية كالحزن والغضب والألم والبكاء لئلا أحزن على أهل الجحيم ! أخشى أن تجعلني في جنتك بمرتبة الحيوان الذي لا يهتم إلا بالأكل والشرب وممارسة الجنس ! حتى ممارسة الجنس مع نساء الجنة التي ستكافئني بها جزاء إيماني بك .. حتى مضاجعتهن ستكون شبيهة بمضاجعة دمية من خشب ! هل توجد لذة في ممارسة الجنس دون أن تبادلك الفتاة حبها ! افضل يا إلهي الرحيم ان تلقي بي حينئذ في جحيمك إلى جانب حبيبتي على ان أمارس الجنس مع حورياتك ! ...



يضرب لكم العقل مثل رجلين إشتركا في حب فتاة .. ثم تقابلوا الثلاثة بين أشجار وملاهي الجنة .. فمن سيفوز بها ! هل يتدخل الإله ليخرج جنته من هذه الورطة بأن يلقي الحب بين إثنين فقط ويصرف الاخر عنهما . أو يترك لها حرية الإختيار . وإذا اختارت أحدهما كيف يمكن لمن لم يقع عليه الإختيار أن يكتم مشاعر الحزن والكراهية والغيرة فيه ! الحزن والحب والكراهية والغيرة هي صفاتنا الإنسانية والتي لا بد ان يتدخل الإله ليقتلها في مشاعر احد الرجلين او يقتلها في من لم يقع عليه الإختيار لينقذ جنته من هذه الورطة .



إنك يا إلهي العربي قاتل لكل معاني الإنسان ...



يقول المؤمنون بك أتك لا يغنيك أو يضرك إيمان أحد .. ويقولون أن قوما إذا عصوا الله جاء بقوم اخرين يحبهم ويحبونه .. ثم يقول هؤلاء ان كل مرتد يجب أن يقتل لأن ردته تهديد لتماسك العقيدة والنظام وانه لو منحت حرية الإرتداد لارتد كل الناس ولما بقي نظام ولا عقيدة .. التفسير الوحيد لمنطق هذا الإله الغفور الرحيم هو ان حديثه عن الجحيم وحديث نبيه عن قتل المرتد ليس إلا مجرد إجراء احترازي خشية ان لا يجد هذا الإله الغفور الرحيم أي إنسان على سطح الأرض يبادله يحبه ويتقرب إليه بنفس المشاعر والتقوى التي يتقرب إليها أولئك الخائفون من الجحيم ومن الحدود المخيفة !


ليتك يا إلهي لم تحدثنا عن جحيمك لنكشف لك عن مشاعرنا تجاهك والتي نخفيها خشية أن تنزل بنا عقابك !


إن كل المؤمنين بك يا إلهي العربي إذا اجتمعوا ليقدموا لنا تصوراتهم لك وتفسيراتهم لكتابك فسيكون حينها أفضل نماذجك هو ذلك الإله الذي أرسل نبيه رحمة للعالمين ليأمر بالعدل وليدعو الناس إلى الإيمان به دون ان يحرض على غزو الشعوب وسبي نسائها واطفالها ودون ان يامر بضرب رقاب المشككين في رسالته ... ثم أتى فجأة معاوية وبنو امية ليضعوا الاحاديث والروايات المفتراة ... وسيكون هذا الإله بريئا من كل اتهام, بريئا من تصرفات الخلفاء ومن الاحاديث الصحيحة ومن تفاسير الفقهاء للقران. وسيكون بريئا من دماء الذين قتلتهم الجيوش التي ذهبت تبشر برسالته وبريئا من صرخات النساء اللواتي سبين وعرضن في اسواق النخاسة ومن دموع الاطفال الذين قتل اباؤهم دفاعا عن أرضهم . سيكون بريئا من كل شيىء لأنه بريء من وجوده ! لأنه يعيش فقط في خيال بعض المؤمنين الطيبين الذين يهربون من النصوص كما كنت يوما اهرب منها !



وإذا افترضنا ان هذا الإله هو النموذج الصحيح, فلا بد حينها ان يكون قد قتله عمرو يوم رفع المصاحف فوق الرماح في صفين ! ولاد بد ان تكون كربلاء محاولة لإحيائه من جديد بعد ان قتله عمرو ! نعم, لقد مات الإله العربي على يدي عمرو بن العاص . لقد مات الإله العربي دون أن يبادله اي انسان يعرف معنى الحرية, معنى العدل, معنى الكرامة,... دون ان يبادله مشاعر الحزن والشفقة بعد ان تورط في كل ماحدث من وقاحات ووحشيات بإرساله للنبوات ولا يضع في حسبانه انه سيكون السبب في المذابح والاحقاد والبغضاء الأبدية !



يوم قال الإله العربي : لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ


لم يكن يعني أنه الرحمان الرحيم السلام الوهاب الرزاق اللطيف الخبير الغفور المجيب الرؤوف الرشيد الحق العدل لهذا فهو فوق كل حساب .. بل كان يعني أنه الإله الملك الجبار المهيمن المتكبر المنتقم العلي الكبير القادر ... القادر على فعل ما يريد دون أن يملك أحد القدرة على محاكمته لعدوانه على الحياة ...



ليت الالهة تملك قدرا ضئيلا من مشاعرنا الإنسانية, من الغضب والحزن ... ستعلم حينها حجم الدمار الذي ألحقته بالحياة بسبب سلوكها الخارج على المنطق والاخلاق .


لم أتخيل يوما أن يحدث لي هذا .. كانت أحلامي دوما في أن أكون مجاهدا في سبيل إلهي .. اليوم أنا في الصف المقابل للإله العربي ! هذه الاسطر لم أستطع كتابتها إلا بعد معاناة طويلة من الشعور بالذنب والهلوسة .. الرجلان اللذان أحببتهما وتخيلتهما دائما إلى جانبي في المواقف الصعبة.. محمد وعلي. أصبحت أتخيلهما ينظران إلي بغضب .. لكن إستطعت أخيرا أن احطم قيودي واغادر ذلك السجن الواسع . لم أعد أصلي لمن يصنع الجوع ويأمرني بالثناء عليه حين يرزقني .. لأن ذلك ليس مزية إنما واجب على من خلقني أن يخلق لي أبسط إحتياجاتي . لا أصلي لمن يرزقني ويترك اخرين يعانون من المجاعة . لا أصلي لمن يشفيني من المرض ويترك اخرين تفتك بهم الامراض والأوبئة ! سأكون وقحا لا أهتم بالاخرين إذا فعلت ذلك ! ...


منذ أن تخليت عن معتقداتي الدينية أصبحت أحيا بلا أهداف أو حوافز لأنه لا غاية من وجودي, من وجود الكون, من وجود كل شيىء, ولأن كل مابنيت عليه أحلامي كان وهما ... أشعر أحيانا بالخوف من العدم لأنه يوجد إحتمال كبير ان لا أرى والدايا مجددا, ان لا أرى أصدقائي, الأناس الذين أحببتهم, الفتاة التي أحببتها ... كل هؤلاء قد لا أراهم مجددا ! لهذا لا بد أن أشعر بنشوة اللحظات السعيدة التي سأقضيها إلى جانبهم ... ولا بد أن أشعر بمتعة التعامل الإنساني مع الاخرين . متعة الفرح والحزن والالم والبكاء والغضب ... لكن رغم كل شيىء فقد أصبحت أملك الإنفتاح الإنساني الذي لم أستطع أن أملكه قديما . يستطيع الان أي إنسان أن يشتم أو يهين كل الالهة التي امنت بها, كل الأنبياء الذين امنت بهم, كل الكتب المقدسة التي جعلت من نصوصها بكل مافيها من غباء ووحشية أخلاقا ومنطقا وحبا وعدلا . يستطيع الان اي انسان ان يفعل ذلك دون أن أطالب بقطع رأسه أو صلبه أو محاكمته بتهمة الزندقة أو الخيانة أو الكفر . يستطيع أن يفعل ذلك دون أن أبادله مشاعر الحقد والبغض والكراهية التي لا أربح منها أو يربح منها شيئا سوى أن تهب هذه الأحقاد الخلود الى الهتنا التي تقتات من إنسانيتنا وتجلس سعيدة في سماواتها تعد الجنة لصانعي الحروب والخصومات والجحيم لصانعي السلام الذين يرفضون ان تتحول الارض الى ساحات قتال حفاظا على وحدانية الإله ! ..



أؤمن بوجود خالق للكون خلقه وتركه دون أن يتواصل معنا ودون ان نعلم هل تقصد إيجادنا ام لا . بدأ الانفجار الكبير ثم ترك الكون . معظم الربوبيين يرفضون فكرة تدخل الإله في الشؤون الإنسانية .. البعض يعتقد ان حقيقة وجود خالق عظيم للكون يمكن الوصول إليها بإستخدام العقل ومراقبة العالم الطبيعي والتعقيد في الكون والإنسان . يؤمنون بوجود مصمم ذكي للكون وضع "التطور" في مساره .بعض الربوبيين يعتقدون أن المصمم خلق الكون وتركه يعمل حسب القوانين الطبيعية التي وضعها في البداية . شخصيا أتبنى وجهة النظر الثانية . عمر الكون حوالي 13.5 مليار سنة . الخالق الذي تقصد إيجاد الإنسان لا يمكن ان يعمل بهذا المنطق . لو كان الخالق يمتلك خطة لإيجادنا لفعل كل ذلك بأمر واحد . النظرية التوراتية للخلق المنسوخة في باقي الديانات مع بعض التعديلات تقول ان الإله قد خلق الكون في ستة أيام . ومنذ ان كشف لنا العلم عن العمر الحقيقي للكون ذهبوا للقول بأن ستة أيام المقصود بها هو في ستة أوامر امتدت على 13.5 مليار سنة ! هل الإله كلي العلم والقدرة والذي يخلق كل هذه المجرات والكواكب والنجوم من أجل إيجادنا ومحاكمتنا على تصرفاتنا يحتاج إلى ستة أوامر ليفعل ذلك ! هل خلق الكون في ستة أوامر لانه ليس كلي القدرة ام أنه ظل يخطط قبل إتخاذ اي قرار . وهل يحتاج للتفكير والتخطيط كلي العلم ! الإله الابراهيمي إما ان يكون ليس كلي القدرة يحتاج لستة أيام لخلق الكون أو ان يكون غير كلي العلم لأنه احتاج للتفكير والتخطيط بعد كل يوم ( = أمر ) . الربوبية تملك الحل لمعضلة الشر . مصمم الكون لا يملك أية مشاعر إنسانية كما تدعي النبوات . لا يهتم لاحزاننا والامنا . التشوهات الخلقية هي نتيجة للعشوائية والتي تبرز لنا أن الإله لا يتدخل في تصميم الجنين في بطن أمه . الزلازل والبراكين والاعاصير والفيضانات ايضا دليل على انه لا يوجد اله رحيم يتحكم في كوكبنا . الامراض والجراثيم والاوبئة جاءت عن غير قصد من الخالق . بل كما جاءت الحياة في كل أشكالها المتنوعة ...



يتبع



#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الإسلام إلى الربوبية (1)
- زرادشت يزور بلاد أبو عرب (1)
- لا بد أن تنتصر سوريا
- من عبد الله القصيمي إلى أنسي الحاج
- بين عبد الله القصيمي و وعاظ السلاطين
- عبد الله القصيمي عن الدولة العربية الواحدة الكبرى
- من هرقل عظيم الروم إلى معاوية ابن ابي سفيان
- هكذا أراد الحسين !
- منظمة شباب هتلر - هل ستعود بعقيدة جديدة ؟
- الحمد لله على نعمة الإسلام !
- كيف أصبحت إشتراكيا
- الفاشية الدينية في السودان تحتضر
- جنون داعية
- المدينة الأناركية (1)
- الطبيعة تنتقم للفقراء
- الظروف هي القاتل
- الثوار ثلاثة
- أعداء الإنسان وأصدقاؤه
- الذباب هو القاتل
- حين يعجز المنطق


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هادي بن رمضان - تصحيح - من الإسلام إلى الربوبية (1) -