|
خطورة الجمع بين الثروة والثورة والسلطة في الحالة الفلسطينية
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 4328 - 2014 / 1 / 7 - 14:46
المحور:
القضية الفلسطينية
فيما وراء : استمرار مفاوضات بالرغم من تكرار الحديث عن فشلها ، و استمرار الحديث عن تسوية سلمية فيما السلام يتباعد يوما بعد يوما ، واستمرار الحديث عن المقاومة فيما المقاومة متوقفة ، والحديث عن سلطة وطنية فيما السلطة تفقد دورها الوطني وتتحول لعبئ على المشروع الوطني ، واستمرار الزعم عن غزة المُحَرَرَة فيما غزة محتلة ومحاصَرة وأهلها يعانون من صنوف ذل وهوان غير مسبوقة ... فيما وراء كل ذلك لا يكمن فقط العدو الإسرائيلي المتفوق ،ولا الوسيط الأمريكي غير النزيه ، ولا تخاذل العرب والمسلمين ، هذه الأسباب موجودة ولكنها ما كانت تؤدي للواقع المزري الذي وصلت إليه قضيتنا الوطنية لولا وجود عامل داخلي يُضعف من قدرة الشعب على مواجهة هذه الأخطار الخارجية ، والعامل الداخلي هو نخب فلسطينية فاشلة وفاسدة تتحكم في مصير الشعب والقضية ، نخب تجمع ما بيد سلطة المال ،وسلطة خطاب الشرعية الثورية والتاريخية والجهادية والدينية،وسلطة السلطة والحكم كممارسة على الأرض . الجمع بين الثروة والسلطة آفة سياسية تؤدي لتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة وبالتالي لفساد السلطة السياسية ، وهو الأمر الذي طالما حذر منه المفكرون ،ويكون الأمر أكثر خطورة عندما تجتمع الثروة والسلطة السياسية والسلطة الدينية بيد شخص أو نخبة ،وقد عانت دول عديدة من هذا الأمر قديما وكانت سببا في انهيارها ،واليوم يتسبب الجمع بين الثروة والسلطة في أزمات خانقة لدول في الجنوب وخصوصا في الدول العربية وهي أزمات تتسبب في حالة عدم استقرار وحروب أهلية تهدد وحدة المجتمع ووجود الدولة . إن كان الجمع بين الثروة والسلطة بالنسبة للدول المستقلة والمستقرة يؤدي لفساد السلطة وإفقار الشعب ،فإن وجود هذه الظاهرة في المجتمعات الخاضعة للاحتلال كالحالة الفلسطينية يؤدي لنتائج كارثية وخصوصا عندما تجتمع الثروة والثورة والسلطة بيد النخبة السياسية ،لأن نتائج ذلك لن يكون فقط على حساب تفقير المواطنين وفساد السلطة، بل على حساب الأرض والحقوق الوطنية . فأن تصبح النخبة السياسية ، وخصوصا نخبة السلطة ذات ثروة ومصالح في ظل الاحتلال وبعضها يدخل في شراكة مع أشخاص ومؤسسات إسرائيلية ، وأن يكون استمرار عملها وضمان مكاسبها مرتهن بسلطة الاحتلال ورضاها، فإن خشية كبيرة أن تنحاز النخبة لمصالحها الذاتية على حساب الانحياز للمصلحة والثوابت الوطنية. تحت ذريعة وجود الاحتلال وحالة الانقسام وضرورة تلبية الحاجات اليومية للمواطنين الخ ، تتلاعب النخبة السياسية بالثوابت وبالحقوق الوطنية وبعقول الشعب ، موظفة كل الوسائل من ترهيب وترغيب ، ابتزاز الموظفين في مسألة الراتب الذي بات وسيلة قمع لتكميم الأفواه ،وديماغوجية سياسية ، وتصريحات بهلوانية وكأنهم يخاطبون شعبا من الجهلة ، وتوظيف ممجوج لمزاعم الشرعية التاريخية أو الثورية أو الدينية الخ . كل ذلك لضمان استمرار النخبة في الحكم واستمرار مصالحها ، لا كثير فرق بين نخب الضفة الغربية ونخب قطاع غزة . هذه النخب الطفيلية التي تتغذي من دم الشعب وعلى حساب كرامته وعلى حساب التفريط بالحقوق الوطنية وصلت لدرجة من الصلافة أو (الكلاحة) بحيث لا يؤثر فيها لا النقد البناء والنصيحة الصادقة ، ولا التجريح وانكشاف فضائحها وفسادها، وكان حال المثقفين والمفكرين وكل من ينتقد النخبة والسلطة ينطبق عليهم المثل العربي : ( أشبعناهم شتما وفازوا بالإبل) فما دام في يدها السلطة والمال فلتترك المعارضين يعزون أنفسهم بنعمة الشتيمة والكلام . الخطورة ليس في وجود شريحة مرفهة أو مستفيدة ماليا في مركز القرار ، ولكن المشكلة عندما تتلاعب هذه النخبة بمصير الوطن وبالمشروع الوطني من خلال تقديم تسهيلات أو ظروف مساعدة لإسرائيل للاستمرار بسياستها الاستيطانية والتهويدية ، سواء من خلال الاستمرار بمفاوضات تمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لاستيطان مزيد من الأرض ، أو من خلال تنسيق امني علني في الضفة وسري في غزة يخدم أمن إسرائيل أكثر مما يخدم أمن الوطن والمواطن الفلسطيني ، أو من خلال علاقات اقتصادية واتفاقات مع إسرائيل وجهات مانحة لا تؤمن حتى الحد الأدنى من متطلبات الحياة للمواطنين ولكنها تُعَظِم من ثروة النخبة السياسية ومن يلتف حولها من نخب مجتمع مدني ، أو من خلال توقيع هدنة مع العدو بمقتضاها يتم وقف المقاومة مقابل الحفاظ على الحكم والسلطة ، كما هو الحال بالنسبة لنخبة حماس في قطاع غزة . وفي السنوات الأخيرة باتت النخب السياسية تلعب دورا خطيرا في صناعة الانقسام والحفاظ عليه لمصلحة العدو الإسرائيلي وأطراف أخرى، والإجراءات التي يتم اتخاذها بشان غزة كالتلاعب برواتب الموظفين ومشكلة الكهرباء الخ يقف وراءها مسئولون وقيادات في السلطة والمنظمة ينفذون مخططا لفصل غزة عن الضفة وهو مخطط تقاطعت عنده مصالح إسرائيل وحركة حماس وواشنطن ومسئولون في السلطة والمنظمة ، وبعض هؤلاء يُشيعون أن غزة سبب الأزمة المالية في السلطة ولو توقفت السلطة عن تقديم المشاريع والرواتب لغزة ستتحسن شروط المعيشة في الضفة !، وفي المقابل فإن نخب طفيلية برزت في قطاع غزة في سنوات الانقسام من خلال تجارة الأنفاق أو أموال الدعم الخارجي غير الخاضعة للرقابة أو احتكار التجارة في بعض القطاعات التجارية والإنتاجية أو من خلال المضاربة بالأرض والتلاعب بالأراضي الحكومية، وقد تحثنا عن الموضوع في مقالات سابقة . في هذا السياق تلعب الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس دورا أساسيا في منظومة التضليل والإفساد والتلاعب بمصير الوطن ، فهؤلاء يوظفون اسم الرئيس ورمزيته موهمين إياه أنهم ملمون بكل صغيرة وكبيرة في الوطن وأنهم الأكثر إخلاصا له والمؤمنون برؤيته الثاقبة للأمور والتي لا تخطئ أبدأ، وأن كل من ينتقد نهج السلطة أو سياسة الرئيس يعتبر عدوا ، وكل من ليس مقربا ومداهنا لبطانة الزعيم هو متآمر على الزعيم والوطن الخ . هذه البطانة تجعل الزعيم يعيش في وهم انه محبوب من كل الشعب وانه يحقق الانتصارات والانجازات التي تجعل الأعداء الخارجيين والخصوم السياسيين يرتعدون خوفا، والحقيقة غير ذلك . سلوك بطانة السوء يعزز من حضورها عند الزعيم وبالتالي يعظم امتيازاتها ومنافعها ، ولكن في المقابل يسيء للرئيس ويخفض من شعبيته واحترامه ويُظهره إمام العالم الخارجي كدكتاتور متفرد بالسلطة ولا تدعمه مؤسسات ولا تأييد شعبي ،وبالتالي لا يمكن المراهنة عليه في أي تسوية نهائية . سواء في الضفة أو قطاع غزة فإن مفارقة تستحق التوقف عندها وهي انه في الوقت الذي تزداد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية الشعب تدهورا وتصل لقياسات غير مسبوقة فإن نخب السلطتين والحكومتين تزداد توسعا وتزداد ثراء ! كيف يمكن أن يستمر الاحتلال و يزداد فقر الشعب وبؤسه وفي الوقت نفسه تزداد نخبة السلطتين ثراء ورفاه ؟ ألا يطرح هذا تساؤلات حول الثمن الذي تدفعه النخب بالعلن أو بالسر حتى تستمر بالسلطة وحتى تستمر مصادر تمويلها وغناها ؟ . نخشى من يوم تصبح مقولة ( إن الفلسطينيين باعوا أرضهم ) وهي الأكذوبة التي روجها بعض العرب للتغطية على هزيمتهم ومسؤوليتهم عن ضياع فلسطين في حربي 48 و 67 ، يصبح لهذه المقولة مؤشرات دالة عليها من خلال معادلة : تمويل ورواتب للعاملين في السلطة وتراكم ثروة النخب والأحزاب الحاكمة ،في مقابل وقف المقاومة واستمرار عمليات الاستيطان ! . ملاحظة : لا نقصد بمصطلح (النخبة) سواء في الحالة الفلسطينية أو العربية أن أفرادهم هم الأفضل أو صفوة المجتمع ،بل المقصود من بيدهم مقاليد الأمور وهؤلاء قد يكونوا أسوأ من في المجتمع لان كل الشرعيات التي يدعونها – تاريخية أو ثورية أو دينية - لا أساس لها من الصحة. 7/1/2014 [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع بداية عام 2014 نودع ثلاثة أوهام
-
من المسئول عن إعاقة استنهاض حركة فتح ؟
-
حماس ليست حركة إرهابية ولكن عليها الاختيار بين : فلسطين أو ا
...
-
عام 2013 يكشف أوهاما وعام 2014 يثير تخوفات
-
خطة كيري تضع الرئيس الفلسطيني أمام خيارات صعبة
-
مستقبل السلطة الفلسطينية بعد الاعتراف الأممي بفلسطين دولة مر
...
-
فشل حل الدولتين أم تغيير في جغرافيتهما ؟
-
خطوة من الجبهة الشعبية تستحق الاحترام
-
تصريحات اوباما ورواتب غزة : أية علاقة؟
-
تصورات أولية حول التمثيل الفلسطيني وإعادة بناء المشروع الوطن
...
-
من وثيقة (كنغ) إلى مخطط (برافو)
-
استشكالات الدين والسياسة في فلسطين
-
نجاح إيراني باهر وتخوفات عربية مشروعة
-
دولة في تضاد مع الوطن والشعب
-
المشاركة السياسية في منظمة التحرير على قاعدة الالتزام بالوطن
...
-
الواقعيون الفلسطينيون الجدد
-
(تنظيم) فتح كعائق أمام استنهاض (حركة) فتح
-
التمويل الخارجي ودوره التخريبي في فلسطين
-
الكل يريد من غزة ولا أحد يريدها
-
الانتفاضة حتمية وضرورية وممكنة
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|