|
الأصولية سياسات يمينية -2
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 4328 - 2014 / 1 / 7 - 11:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأصولية سياسة يمينية - 2 الأصولية الإسلامية الاولى في حلقة سابقة جرى تجميع الشظايا المتناثرة لسيرورة الأصولية وملابسات الظهور التي كشفت وظيفتها كفكر وحركة سياسية. الأصوليتان اليهودية والمسيحية برزتا تيارا سياسيا صهيونيا متكاملا في اواخر القرن التاسع عشر. تواصلت الأصولية المسيحية عبر عدة قرون لاهوتا حمل " نبوءات" عن مجيء المسيح ثانية لم تأخذ بها الكنائس المسيحية المختلفة. أما الأصولية الإسلامية فملابسات ظهورها واستمراريتها تختلف. فهي مقترنة بتعثر عملية التحديث وإصرار البعض على البحث في الماضي عن حلول لمشاكل الحاضر. وفي ذلك دمج الراحل الدكتور مهدي عامل الرؤية التراثية بعلاقة عضوية مع الموقف السياسي الراهن. " ليست معرفة التراث مجرد ضرورة علمية أو ترفا فكريا بل هي ضرورة سياسية لأن هذه المعرفة في إنتاجها أو طمسها أو تشويهها هي موضوع صراع طبقي حاد في حركة تحررنا الوطني"[ أزمة حضارة أم أزمة البرجوازية العربية]. اغتيل الفيلسوف الماركسي بسبب رؤيته الحزبية الطبقية ، ولقي نفس المصير على نفس الأيدي الملوثة الدكتور الراحل حسين مروة حيث فضح التحيز الإيديولوجي للسلفية: "المضمون الحقيقي للرؤية السلفية إلى التراث هو مضمون ترتبط جذوره بالحاضر وتنغرس في تربة الحاضر. هو صيغة من صيغ الإيديولوجيات المتحاربة المعاصرة، هو استنجاد بالأفكار التي تجاوزها الزمن لتثبيت موقع طبقي متزعزع في بنية اجتماعية تتصدع تحت مطرقة الحاضر، طبقة معينة يعبرون عن إيديولوجيتها ، إما لأنهم في موقعها الطبقي نفسه، أو لسبب آخر يتعلق بتكونهم الفكري وغياب الوعي السياسي والطبقي عنهم ." [ مقدمة "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، الجزء الأول، الطبعة السادسة 1985ـ ص23] . يتجه الليبراليون الجدد من العرب تماهي الدين مع التأوبل الأصولي للتيار الديني . ومن سردية ملابسات المنشأ والسيرورة يتضح لكل منصف أن بدائل الأصولية في الفقه الإسلامي بزغت وظلت جذرا مطمورا في التربة الاجتماعية يتغذى من نسغ الحنين إلى العدالة الاجتماعية ، إحدى قيم الدين . حدثت الردة الأولى للفقه الإسلامي إلى الأصول في القرن الثالث الهجري (الثامن الميلادي)، ويممت الردة شطر معاوية الأموي وفرضيته الجبرية والحكم المطلق الذي استنه. ارست الأصولية الأولى تقليد العمل في كنف الحكم المطلق وتبريره؛ فتجلت عبر تتالي القرون عضوية تمنح الحيوية في جسد الحكم المطلق . ركب معاوية والخلفاء من بعده مركب الشطط في العنف ضد خصومهم. قتلوا خصوم الجبرية ممن تصدوا بمنطق ديني مباشر: معبد الجهني، تلميذ أبي ذر الغفاري وغيلان الدمشقي والجعذ بن درهم والجهم بن صفوان. قتل الحكم الأموي حفيد الرسول، الحسين بن علي وعبدالله بن الزبيرحفيد الخليفة الأول أبي بكر الصديق، وشقيقه مصعب ، وهذه كلها دلائل على مفارقة الخلافة الأموية مبدأ المجادلة بالتي هي احسن والاحتكام إلى الشريعة. وعندما كان معاوية على فراش الموت أصر على عدم التصالح مع الدين ففرض ابنه من بعده متسلطا؛ فاستنها ملكا عضوضا. اشتهرت المعركة الكبرى ضد خصوم بني امية بمعركة الجماجم لكثرة من سقط فيها من حفظة القرآن والمجتهدين. ومن أقوال الخليفة عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بطغاتها وجئنا بالحجاج بن يوسف الثقفي لرجحت كفته عليهم جميعا. اغتيل الخليفة العادل والنزيه بالسم ولم تدم خلافته غير عام ونصف العام. العدالة في الإسلام وبعيدا عن المواجهة الصدامية الدينية المباشرة مضى تيار بين المسلمين استهدى بفقه اللغة يشرح به فقه الدين، وصولا إلى التفسير العقلاني لإشكاليات القرآن، وذلك انطلاقا من بدهية أن الكلام الإلهي عقلاني غير عابث. الدراسات القرآنية عموما هي في الحضارة العربية - الإسلامية البيئة الطبيعية التي نضجت في أحضانها كل فروع الدراسات اللغوية والبلاغية. استهل أبو الهذيل العلاف (ت235) وتلميذه ابراهيم ابن السيار النظام (ت 230) التحول من المنهج الديني الخالص إلى الطريقة الجدلية التي يهمها الانتصار على الخصم عن طريق إيراد مقدمات شائعة مشهورة لا يستطيع الخصم المنازعة في صحتها. في نظر الداعيتين أن القرآن الكريم أعلى من قيمة العقل وجعله مناط المسئولية الإنسانية، وذم اولئك الذين لا يعقلون ولا يفقهون.والمعرفة فعل إنساني. نفى النظام عن الله القدرة على الكذب والظلم وسائر القبائح ، وسيلة لنفي مشابهة الله بالبشر؛ الإنسان لا يقدر إلا على الأعراض، وقدرة الله مطلقة تتجلى من خلال نواميس من صنعها وغير مفروضة من الخارج. أما الجاحظ (ت 255) فقد ربط بين المعرفة والعقل والحاجة الإنسانية وضروراتها. رأى أن الإنسان يتميز عن بقية الكائنات بالقدرة على الفعل والاختيار. وهذان دليلان على العقل. رأى الجاحظ أن حاجة بعض الناس إلى بعض الناس ثابتة لا تزايلهم ، ومحيطة بجماعتهم، ومشتملة على أدناهم وأقصاهم." فالمعرفة ضرورة للاجتماع البشري،وتترقى إلى أن تبلغ العقل". واللغة أداة التواصل الإنساني. ساعدت نظرية المعرفة كما طورها المتكلمون الأوائل على إنضاج علم الكلام المعتزلي بما يعزز العقلانية المقرونة بوحدانية الله وعدالته - المحوران الأساس من محاور الفقه المعتزلي. تتدرج المعرفة عند المعتزلة من معرفة غريزية ثم استدلالية من خلال المدركات الحسية، لترتقي إلى العقلانية. راى أبو على الجبائي وابنه هاشم أنه لا يوجد في القرآن ما لا يوافق طريقة العقل، والشريعة مؤكدة لما في العقول ومتفقة معه. الله خلق الإنسان لنفعه ، ثم جعل التكليف وسيلة للنفع وزوده بكل الوسائل التي تعينه على أداء ما كلفه به. وبذا يأتي الفعل على وجه الاختيار الناتج عن العلم بأحواله. وهذا هو مناط الثواب والعقاب . ورأى القاضي عبد الجبار ، احد اعلام المعتزلة، ان العقل عبارة عن جملة من العلوم ، فخلط بين العقل ومنتجاته. ولدى حصول المكلف عليها صح منه الاستدلال والقيام بما كلف به . الشيء الخارجي موضوعي؛ فالمواضعة تحتاج إلى إشارة حسية مادية وللغة وظيفة الإنباء في نظر القاضي عبد الجبار، متجاوزا الجاحظ الذي اعتبر الإبانة وظيفة اللغة. كلها تتفق مع تفريق المعتزلة بين المعرفة الحسية والعقلية. أدخل الجاحظ تعبير المجاز للاستدلال على معاني القرآن. من قبله استعان عبد الله بن عباس بالتشبيه في فهم وتفسير بعض الآيات. ومن بعده الفراء (ت209) الف كتاب معاني القرآن. وحدد ابن قتيبة ت276)جوانب المجاز وجعلها تشمل "الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإظهار والتعريض والإفصاح والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجمع ومخاطبة الجمع خطاب الواحد والجميع خطاب الاثنين، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم وبلفظ العموم لمعنى الخصوص، وأشياء أخرى عديدة". وتداخلت الدراسات البلاغية مع الدراسات اللغوية في كتب النحاة الأوائل أمثال سيبويه واضع علم البيان والمعاني. وكان أبو عبيدة محمد بن المثنى( ت 207) قد ألف كتاب مجاز القرآن وتزامن معه الفراء، مؤلف كتاب معاني القرآن، وله ميول اعتزالية. وطبيعة ثقافة أبي عبيدة والفراء قد اثرت على زاوية رؤية كل منهما للتركيب القرآني، وعلى طريقة تحليلهما لهذه التراكيب وتذوقها. أما دوافع التأليف فهو استغلاق النص على أفهام الكثيرين من رجال الدولة الأعاجم، إلى جانب ضرورات الحوارات الكلامية بين الفرق الدينية. توجب على المفسرين الخوض في مباحث بلاغية وأسلوبية أكثر اتساعا مما تعرض له المفسرون السابقون. كانت الحوارات اللغوية والفقهية مصدر إثراء للفقه وتسهيل لفهم الشريعة. وتأثر أبو حنيفة النعمان بالمناخ العقلاني في التفسير فأفتى بالاستحسان العقلي. غير أن البحث في إعجاز القرآن وكذلك الحوارات والمناظرات توقفت بقرار عرفي. فقد امر الخليفة المتوكل(232 – 847م) بمكافحة الفكر المعتزلي وأنصاره . وفي سبيل ذلك نزل القرار العرفي "بترك النظر والمباحثة في السجال، وترك ما كان عليه الناس في أيام المأمون والمعتصم والواثق، وأمر الناس بالتسليم والتقليد، أي التسليم بالقضاء والقدر، وأمر شيوخ المتحدثين بإظهار السنة والجماعة.أفسح المجال لأبي الحسن الأشعري بالانفراد في ترويج الفكر الحنبلي واجتهاداته، فسيطرت الأشعرية بعقيدتها الجبرية حتى يومنا هذا، نظرا لاندماجها مع الحكم المطلق. استهل ذلك تحت قناع الرجوع إلى السلف او أصول العقيدة تخففا من " أوزار" الفكر المعتزلي. كيف مضت الأمور مع الأصولية في مسيرتها الشائهة؟ تركزت سطوة الحنابلة أكثر فى بغداد والعراق ، فاستمر العلم الحقيقى بعض الشىء خارج العراق فى الشرق ومصر والأندلس . وكان يُنادى فى بغداد عام 279 بتحريم كتب الفلسفة ، وفي نصف رمضان عام 311 أحرق الحنبلة العوام أكواما من الكتب الفلسفية والدينية والمصاحف مما سمّاه ابن الجوزى ( أربعة أعدال من كتب الزنادقة) ، "فسقط منها ذهب وفضة مما كان على المصاحف له قدر" . فيما بعد، انشغل القطران مصر والشام في الصراع ضد الغزو الصليبي ، بينما الحنابلة في العراق يدبرون الفتن ويقترفون المجازر. وفي كتب تاريخ ألفها حنابلة – ابن الجوزي وابن كثير وابن الأثير _ يجد القارئ عرضا مفصلا لتلك المجازر والفتن. أحداث ثلاثة تختزل الحالة البائسة : محنة الطبري؛ مأساة شيخ المعتزلة، أبو علي، المتوفي عام 478؛ ثم ما حصل في حضرة الأمير ركن الدين بن قلج. يقول الباحث في الحضارة العربية – الإسلامية، الدكتور أحمد صبحي منصور "انّ الذى أوقف تطور الفكر المعتزلى وجمد الحياة العقلية والتقدم العلمى هو تسيد العوام الحنابلة بجهلهم وفرض هذا الجهل باسم السنة والإسلام. باتت الفلسفة والمنطق كفرا وزندقة". ينقل الباحث عن المؤرخ ابن كثير في تاريخه عن الطبري" كانت وفاته وقت المغرب عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال من سنة عشر وثلاثمائة ، وقد جاوز الثمانين بخمس سنين، ودفن في داره ، لأن بعض عوام الحنابلة ورعاعهم منعوا دفنه نهاراً، ومن الجهلة من رماه بالإلحاد، وحاشاه من ذلك كله، بل كان أحد أئمة الإسلام علماً وعملاً بكتاب الله وسنته رسوله. إبن كثير كان حنبليا ، لكن ذلك لم يمنعه من وصف الحنابلة بالعوام والرعاع الجهلة. عرف قدر الطبرى ، وتأثربه فى تاريخه ( البداية والنهاية) ، ( تاريخ ابن كثير ) وفى تفسيره ( تفسير ابن كثير )؛ بينما ابن الجوزى انتصر للحنابلة ضد الطبرى المظلوم ، مع أن ابن الجوزى عالة على الطبرى فى التاريخ والتفسير والحديث . ولكن تعصب ابن الجوزى للحنابلة فاق الحدّ . وحين يأتى ابن الجوزى الى وفيات 310 ، وترجمته للطبرى، نجده قد تجاهل تفاصيل محنته . قال عنه: استوطن ابن جرير بغداد إلى حين وفاته. وكان قد جمع من العلم القدر الكبير. وربما بسبب حنبليته فإن إبن كثير أعرض عن تفصيلات محنة الطبرى التى ذكرها المؤرخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، الذى يذكر أن الطبري حين قدم بغداد من طبرستان تعصب عليه ابن الجصاص وابن عرفة والبياضي وأثاروا عليه عوام الحنابلة ، فسألوه في المسائل الخلافية ، ولما لم ترضهم إجابته رموه بمحابرهم ، وكانت ألوفاً ، فهرب منهم إلى داره . واضطر الطبري للاعتكاف في داره، وعمل كتابه المشهور في الاعتذار إليهم، ومات، وعثروا على ذلك الكتاب مدفوناً في التراب فأخرجوه ونسخوه بعد موته..!! والحالة الثانية يتضمنها ما نقله ابن الجوزى عن حياة شيخ المعتزلة أبى على المتكلم المتوفى 478: محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المعتزلي، من الدعاة ، كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى لزوم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر. ( وهذه مأساة تاريخية لم يتحرك لها قلب ابن الجوزى ) الذى يذكر نفس الحقيقة عنه فيقول ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسين بن البصري ولم يرو أبو الحسين غيره. وهو قوله عليه السلام: " إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة. وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا.....وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لا تحل الرواية عنه). وفى وفيات عام 601 يقول عن الأمير ركن الدين بن قلج أرسلان إنه كان متهما بفساد الاعتقاد؛ وإنه يعتقد أن مذهبه مذهب الفلاسفة، وكان كل من يرمى بهذا المذهب يأوي إليه، ولهذه الطائفة منه إحسان كثير، إلا أنه كان عاقلاً يحب ستر هذا المذهب لئلا ينفر الناس عنه. ويحكى ابن الأثير : ( حكي لي أنه كان عنده إنسان، وكان يرمى بالزندقة ومذهب الفلاسفة، وهو قريب منه، فحضر يوماً عنده فقيه، فتناظرا، فأظهر شيئاً من اعتقاد الفلاسفة، فقام الفقيه إليه ولطمه وشتمه بحضرة ركن الدين، وركن الدين ساكت. خرج الفقيه فقال لركن الدين: يجري عليّ مثل هذا في حضرتك ولا تنكره؟ فقال: لو تكلمت لقتلنا جميعاً، ولا يمكن إظهار ما تريده أنت؛ ففارقه..) وهذا يوضح غلبة الحنبلية وتحريمها للفلسفة باعتبارها كفرا وزندقة. وبينما خضعت بغداد لرعاع الحنابلة يحاصرون ابن جرير الطبرى حتى مات عام 310 ، فإن البيئة العلمية خارج بغداد ظلت يتخرج فيها ( أفراد قلائل ) من ( أفذاذ ) العلماء الذين يفخر بهم التاريخ الانسانى برغم أنف الحنابلة . على سبيل المثال ، فى شرق العراق ظهر الفارابى ت 329 والرازى الطبيب ت 311 وابن سينا (ت 428) والبيرونى (ت440 ). وفى مصر ابن الهيثم (ت 430 ) وفى النهاية ابن النفيس( ت607) . حفظ تاريخ الفقه الإسلامي عبر العصر الوسيط رؤى تاريخية تجلت في محاولة إحياء العدالة في الشريعة والاهتمام بمصالح العباد، تجلت في دعوة المعز بن عبد السلام كما برزت في دعوات لتطوير الفقه تبعا لتغير الزمان والمكان ولتطور العلم، وكذلك الابتعاد عن النسخ أو التقليد، وذلك كي يحتفظ بجوهره الإنساني. وممن بذلوا الجهود في هذا المسعى الشاطبي في كتابه " الموافقات"، حيث استخرج من الشريعة بنودا ومقاصد واضحات تختزل في مصالح العباد. أخضع المستخرَج لضرورات واقع الزمان والعادات المتبدلة وفق متغيرات الزمان وتقاليده ومكانه. اشترط الشاطبي عدم تخلف الاجتهاد عن علوم العصر، واوجب على الفقيه أن يكون ملما بعلوم عصره ومتصلا بواقعه حتى ينزل مصلحة العباد ـ مقاصد الشريعة ـ على الواقع الاجتماعي المتعين. وهذا موقف من جانب الفقيه المبدع ينكر الأصولية والسلفية ويستحصل الأحكام من أحكام الشريعة محولة على الواقع المعاش.أكد الشاطبي ضرورة أن يراعي الفقيه الواقع المتعين عند الإفتاء. واقترب الشاطبي من أبي حنيفة في الاستحسان العقلي بقوله ، "وحفظت الشريعة أيضا أمور الناس التحسينية، وهي الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات" . لكن الضربة التي تلقتها العقلانية في الثقافة العربية – الإسلامية، ولم تبرأ منها طوال العصر الوسيط جاءت على يد أبي حامد الغزالي(ت505 هجرية – 1111م) في كتابه "تهافت الفلاسفة". وعى الغزالي جريمته واستتاب، في اعتراف جريء، بولاء فقه السلفية لجور السلاطين، وأن ما كتبه وما درّسه لم يبتغ فيه وجه الحق. احتفظت المحافظة بالشق الأول من فكر الغزالي المتمثل في الحاكمية ، وعتمت بظلاميتها على شق الضمير المستيقظ . أقر الغزالي في يقظة الضمير، قبل أن يتسلل سرا من بغداد ويتوجه إلى دمشق ثم القدس ، حيث أمضى أحد عشر عاما في تأليف كتابه " إحياء علوم الدين: " ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي - وأحسنها التدريس والتعليم ... ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار . جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرّس يوماً واحداً تطييباً للقلوب المختلفة إلي، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة". لم يحتفظ التأويل الأصولي القديم والمعاصر إلا باستبداد الحكم والتنكر لمصالح العباد . تواصل تراث " تهافت الفلاسفة" في الفقه الأصولي ليتدهور إلى ترويج لسطوة صاحب الشوكة ولو كان فاسقا. على هذا استقر ابن تيمية الذي أخذت عنه الأصولية المعاصرة في شخص محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر الميلادي.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصولية سياسات اليمين مهربة في لفافات الدين
-
هذه ديمقراطيتكم أيهذا العالم الحر
-
حصاد العبث السياسي
-
العدالة للشعب الفلسطيني اولا
-
مؤتمر من أجل شرق اوسط خال من أسلحة الإبادة الشاملة
-
مؤتمر دولي حول مخاطر مفاعل ديمونة النووي
-
في يوم التضامن مع شعب فلسطين
-
نظام الأبارتهايد إلى الفاشية
-
في ذكرى الوعد
-
واجهة لاستبداد الحكم تدعمه وتقنع فجوره
-
الأبارتهايد يوزع أسقامه على الجانبين
-
نتنياهو المرعوب من تداعي مواقع الحرب
-
المرأة والديمقراطية والثقافة
-
ماريون فيسنو كاستان
-
في الذكرى العشرين لاتفاق اوسلو
-
سبع دول منذورة للتدمير
-
خلف الأقنعة
-
استهانة بالعقل إفراز التعالي والعنصرية
-
ليبحثوا عن هيكلهم خارج فضاء فلسطين
-
لغز التماهي بين حركتين نشاتا في علاقة عداء
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|