|
خراءٌ في مخيّم اليرموكِ
محمد الحريبات
الحوار المتمدن-العدد: 4325 - 2014 / 1 / 4 - 19:23
المحور:
القضية الفلسطينية
لستُ بحاجة لأن أضفي شيئاً من الملل في تقديمِ جغرافيا مخيم اليرموك ومساحته وحدوده والتوزيع الديموغرافي والطوائفي لسكّانه، كل هذه المعلومات تملأ الكثير من المواقع والكثير من المدوّنات والمقالات.
مخيم اليرموك حصارٌ مفروض وتكسير لحق اللجوء :
حصارٌ جائر مفروضٌ منذ ما يزيد عن مائة وسبعين يوماً، منع بدوره دخول أو خروج أيّ فردٍ إلى مخيّم اليرموك، وقد نجم عن هذا منعٌ للسكان من حق اللجوء الآمن لدولٍ عربية أو أجنبية أو حتى لأراضٍ آمنة داخل الدولة السورية نفسها. ساهم هذا الطوقُ والحصارُ المفروض على مخيم اليرموك بدوره في إنهيار مستويات الصحة لسكّانه من سوريّين ولاجئين فلسطينيّين، وإنهيارٍ لمستوى مقاومتهم للأمراض والأوبئة في ظروفٍ هي الأفضل لتكاثرها، وكذلك إنهيار للمنظومة التعليمية، إذ أعاق وصولَ الطلبة ومُدرّسيهم لمدارسهم أو ما تبقى من مدارسهم وجامعاتهم، وأدى الطوقُ المفروضُ كذلك إلى الموتِ البطيء لنفاذ الغذاء ومياه الشرب أو لتلوثها مما أسفر بدوره لحصد ما يزيد عن ثلاثٍ وثلاثبن من الأرواح جوعاً، وقد ساهم هذا الحصار بقهر سكّان اليرموك ولاجئيه كذلك قبل موتهم البطيء، من خلال الإستفزازات الدائمةِ بربطاتِ الخبزِ المعلقة في أماكن القنص، سواءاً أتم هذا من قِبل قوات النظام والقوى المتحالفة معه أو من قِبل "المعارضة المسلحة" وما تبعها من قوىً متحالفة معها. وخلال أسابيعِ الحصار كان العجزُ الفلسطينيُّ الرسمي المتمثل بدور منظمة التحرير وكذلك العجز العربي والدّولي يتماهى إلى حدّ التواطئ، مما دفع ببعض لاجئي مخيّم اليرموك على رفع شعار "يا وحدنا" من جديدٍ في إعتصاماتٍ متتالية تم تنفيذها، وقد وصل الأمرُ إلى الطلب المباشر عبر مقاطع فيديو على الإنترنت بقصف المخيم بالكيماوي وقتل كل من فيه لإراحتهم من هذا الموت البطيء والذي أصبح متسارعاً حدودَ السرعةِ القصوى لا بطيئاً بعد أكثر من مائة وسبعينَ يوماً من الطّوق المفروض، ومن أخطأه الصاروخُ ورصاصة القنّاص والهاون، أصابته بالتأكيدِ سهامُ الجوع.
تقويض القوى الفلسطينية لمدرسة الصّمود الفلسطيني :
وعن الصّمود فلم يكن مصطلح الصمود حديثاً في قاموس الحياةِ الفلسطيني، فقد كان إستراتيجية بقاءٍ وكفاحٍ مارسها الفلسطينيون تحت ظروفٍ معادية في فتراتٍ تاريخيةٍ متعددة، حتى تجاوز مضمونُ صمودهم التعريف القاموسي للمصطلح وإكتسب خصوصية فلسطينية يشهد لها الجميع. لكن إنخراطَ قوىً فلسطينية في الصّراعِ الدائرِ على السلطة في سوريا الحبيبة، إما بناءاً على برامج وتحالفات إستراتيجية وشراكة وإما بقوىً مدفوعة الأجر وإما بكون بعض هذه القوى والأفراد المسلحين أُصيبوا مبكراً بمتلازمة ستوكهولم وإلتصاق الضحية بالجلّاد وعشقها له، وكان كلّ هذا يتناقض كل التناقض وبكل ما تحمله الكلمة من معنىً مع فكرة الصّمود ومدرسة الصّمود، وخرجت هذه القوى بكونها أصبحت جزءاً من الصراع الدائر على السلطة ولربما جزءاً محورياً في بعضِ البؤرِ الساخنةِ وعلى رأسها مخيّم اليرموك عن فكرة الصمود الدينامي والصمود المُقاوِم اللذان إنتهجتهما هذه القوى عقب مغادرة الساحة الفلسطينية والذي أسهم بدوره في خلق مدارس وتيّارات تُنَظّر للصمود من زوايا مُختلفة، ونشأ نتيجة لذلك ما سُمّي وقت ذلك فضاءاً ديموقراطيّاً عزّزت التيارات الفلسطينية السياسية المختلفة في إطاره مضامين فكرها الإجتماعي بجدلية عالية، وإستنمطته في مواقعها السياسية لتكسبَ عُمقاً جماهيرياً أكبر دونَ التخلّي عن خصوصياتها الفكرية والمنهجيّة، وهذا ما أُسقِطَ وتبدّدَ قولاً وممارسةً من خلالِ أنّ هذه القُوى أصبحت هى الرافعة لهدم هذا الصمود وتقويضه وتفكيكه، وهي الرافعة أيضاً لردم هذا العمق الجماهيري الذي عملت عليه منذ زمن، وأصبحت شريكاً فعلياً لمن يريق في دماءِ هذا العمق الجماهيري، سواءاً أكانت قوىً تقاتل لجانب النظام وقوّاته في سوريا او إلى جانب المعارضة المسلحة وقوّاتها.
مخيّم اليرموك والعقابُ الجماعي والثأريّة والقانونُ الدوليُّ :
هنا لا بدّ من التوقّف مليّاً عند المادة 33 من إتفاقية جينيف الرابعة الخاصة بحماية السُكّان المدنيّين وقت الحرب والتي تنص على : " عدم جواز معاقبة أي شخص عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيّاً وتُحظَر جميعُ تدابير التهديد والإرهاب والسلب والإقتصاص من الأشخاص المدنيّين وممتلكاتهم".
وكذلك فإنّ القانون الدولي حرّم على الأطرافِ المتحاربة والمتنازعة أن تقومَ بأيِّ ممارسات لا تخدم تحت أي ظرف السكان المدنيَين أو أن تمارس أي وسيلة لقهرهم. ولن أتكلّم عن خرقٍ للقانون الدولي بالشواهدَ هوا، وسأترك لكم مقاطع الفيديو والمدوّنات والمقالات والروايات والشهادات التي تُروَى يومياً منذ اليوم الأول للحصار، وإختاروا منها ما يروقكم.
مخيّم اليرموك والمطلوبُ الآن :
وعن المطلوبِ لا أجدُ إلا مطلباً واحداً مهما كانت المبادرات المطروحة والتي ستُطرَح وهو "وقف الموت وإنهاء حصار مخيّم اليرموك"، أقولُ وقف الموت بكل أشكاله، جوعاً قنصاً قصفاً قهراً، بغض النظر عن من إرتكب ويرتكب هذا الموت، وعن الحقيقة لا كلامٌ بعد الآن، فالكل يعرف الحقيقة حقّ المعرفة ومُسَلّمٌ بها أن هؤلاء أبرياء مدنيّين مسالمين يموتون يومياً، وهنا أستعيدُ لنيتشة قوله " لسنا بحاجة لإستجواب شهيدٍ لمعرفة الحقيقة "، ودونَ الخوض في مسائلَ ضمانِ سيادة الدولة على أراضيها، وإتخاذ العصاباتِ المدنيّين دروعاً بشريّةً لهم وتحصّنهم بين المدنيّين، وعن بديل الإدارة أيضاً، فليس مطلوباً من أمواتِ اليرموكِ أن يخلقوا يديلاً، فهذا دورُ القوى المتنازعة وداعميها وحلفائها ودورُ القوى الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ختاماً : وهنا سأكتُبُ بالقلبِ وسألقي القلمَ جانباً فلا حاجة لليرموك لمزيدٍ من الحبر، وسأكتبُ بالعاطفةِ أيضاً لأفسح مجالاً لكلّ العقلانيّين المُفكرّين المزاودين، إنّ في مخيّم اليرموكِ بشراً إذا جائتهم قُواتُ النظامِ وحلفاءه هتفوا بإسمها وتَغنّوا بها وببقاء نظامها إلى الأبد، وإذا جائتهم قوّات المعارضة المسلحة وحلفائها هتفوا بإسمها أيضاً وتغنّوا بها وتمنّوا نصرها المؤزّر، هذه هي المعادلة بكلّ بساطة، بشراً لا يريدون الموت، بشراً لا يريدون الموت، بشراً لا يريدون الموت.
#محمد_الحريبات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دجاجُ المُدُن
-
أرض منكوبة وعامٌ جديد
-
الأسرى الأردنيين الطريق من الكيان إلى عمّان
المزيد.....
-
مصدر سعودي: الرياض حذرت ألمانيا 3 مرات من المشتبه به في هجوم
...
-
تفاصيل جديدة عن هجوم الدهس في ألمانيا.. هذا ما رصدته كاميرا
...
-
طبيب ولاجئ وملحد.. من هو السعودي المشتبه به تنفيذ هجوم الدهس
...
-
ارتفاع حصيلة هجوم ماغديبورغ وشولتس يتعهد -بعدم الرضوخ للكراه
...
-
وزير الخارجية التركي لا يستبعد نشوب صراع بين إسرائيل وإيران
...
-
زاخاروفا: صمت الغرب عن الهجمات الأوكرانية على قازان مثير للغ
...
-
جائزة خالد الخطيب الدولية لعام 2024
-
سعودي ومعاد للإسلام... ما نعرفه عن منفذ الهجوم على سوق لعيد
...
-
الجيش اللبناني يعلن تسلمه 3 معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية لب
...
-
منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعي
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|