|
رسالة الى شيوخ التكفير الرد الفصيح لتهذيب أبي اللسان القبيح
رشيد لزرق
الحوار المتمدن-العدد: 4325 - 2014 / 1 / 4 - 14:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جميل أن نجد بعض الإخوة من الفرقة الوهابية بالمغرب يفتحون أفقا لوهابيتهم المنغلقة قصد الإطلاع على فلسفة الفكر الحداثي وتمحيص مرجعياته النظرية العقلانية ثم الإفتاء بخلاصة تعارضها مع النظرية الإسلامية للخلق و الكون والإنسان والحياة. فهذا دليل متين على مراجعاتهم المعقلنة وتطورهم المعرفي المنفتح الذي يجعل من المقارعة الفكرية فضاءا رحبا لثنائية الخطأ والصواب، وليس اعتماد النفي المستعجل لصفة الإسلام عن جزء من المغاربة، على اعتبار أن طرح التساؤل حول هل هناك حقيقة لإسلام " العلمانيين المغاربة"؟. يبقى جوابه حقيقة نسبية، فلا أحد منكم يستطيع تشريح قلوبنا لمعرفة حقيقة إيمانها.لذلك ارتأينا الاستفتاح بالنصيحة التي من المفيد أن نسديها بأخوة صادقة مع طرح سؤال هل هناك حقيقة أنكم شققتم عن قلوبنا؟. وهنا منطلق الحوار بجواب قطعي عنوانه الجازم: لا، وكيف لكم ذلك أم هي رفعة الغرور التي قد تنزلكم إلى حضيض التأله على الله المنفرد بالإحاطة بسلامة القلوب وإنابتها. فاحذروا أيها الإخوة الكرام من تلبيس إبليس الذي قد يجعل علمكم وعملكم حطاما تذروه الرياح واتبعوا هدي رب العالمين القائل :" ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا". وحتى نسترسل في نقاشنا وجب التنبيه مرة جديدة إلى حكمة مأثورة تقضي بعدم جواز مقارنة ما لا يقارن ،وبالتالي عدم توفر الشروط الموضوعية لمقارنة الإسلام كدين سماوي بتجربة فكرية بشرية تحت مسمى "علماني مغربي" لا يتعدى حدود المطالبة بحقوق وواجبات المواطنة المكفولة بأحكام الدستور، إن الوعي بالشيء يفرض الاعتراف بأن التناقض ليس بين إسلام وهابي وإسلام علماني، فتفجير دين الله الواحد –الإسلام- بهذه الثنائية يشكل سفها لا شرعيا يقود فاعله إلى خانة المضلل أو المبتدع، فالاختلاف إن وجد، فهو اختلاف بين تأويل وهابي حجازي و تفسير علماني مغربي، تأويل وهابي يلغي زمن الله من معادلة فهم النص، وتفسير علماني لا يلغي العقل من معادلة فهم النص، وحيث أن مبررات التعجيل بطرد الأخر من رحمة الله التي وسعت كل شيء، ليست بمقدور إنسان خطاء لم يضمن بعد لنفسه نجاتها، فاعتماد الدعوات التي يرفعها بعض وجوه العلمانية بالمغرب حول حقوقهم الفردية ووضعها في خانة المبررات الكافية لإعلان كفرهم وبالتالي الإفتاء بقتلهم، لا يغني عنكم شيئا من ضرورة التأصيل الشرعي لمواقفكم الضالة. ولا نحتاج هنا لتذكيركم وأنتم ذوي " السبق العلمي الشرعي" أن تلك الأفعال تندرج شرعا في خانة الكبائر، وصاحب الكبيرة كما هو في نهج الأمة المغربية الأشعري منذ قرون سلفية خلت، يظل في حكم مشيئة الله عز وجل إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عاقبه بفسقه ثم أدخله الجنة، كما أن المؤمن المغربي العاصي المستحق للعقوبة مبشر بشفاعة رسول الرحمة محمد الهادي الأمين بأمر الله وإذنه، ولا يشفع إلا لمن ارتضى. فمن أين لكم هذا التنطع التكفيري الفارغ ولم تستبينوا دلائل شرك بواح تدرءون به عنكم شبهة الغلو المبشر بمصير الخوارج. فكما يمقت الإنسان المغربي الإسقاط الأعمى لفلسفة العلمانية بنسختها اللاموحدة، فإنه يمقت التقليد الغبي لتدين مجتمع أخر ذو ثقافة مختلفة، فتجددنا الحداثي الشعبي يرتكز أساسا على حقيقة الهدي المحمدي بأن لا وساطة بين العبد وربه، وأن التكليفات الشرعية رحيمة بفقه الاستطاعة، كما إن باب التنافس الدنيوي ليس لأحد تحريمه، فالزمن الحاضر ليس زمن تقليد بل هو زمن إبداع قصد الإجابة على أسئلة راهنة لجيل مغربي شبابي لم يكتشف من تأويلكم الوهابي غير استغلال بئيس لظاهر نصوص الإسلام لتصفية حسابات سياسية تحاول إسكات مطالب المواطنة الدستورية بفزاعة "الفئة المارقة". إن التأويل الوهابي الذي تهللون لسياسة العمل به والذي لا يعدو أن يكون اختزالا لحدود الله في ترهيب العقوبة الجلدية أو الرجمية أو القطيعة، لا يرتقي لروح الشريعة المحمدية ومقاصدها التي أسقطت الحدود بالتباس الشبهات (ضرورة الإقرار أو البينة )، كما أسقطت تفعيلها مع انعدام شرط العدالة الاجتماعية (حد السرقة والنهج العمري)، فهل من العدل الإسلامي قطع يد سارق بدافع الحاجة وغض الطرف عن ظروفه الاجتماعية المزرية والصمت عن المتسبب فيها؟ أم أنه "الخلق الإسلامي" الذي يهديكم إلى بذاءة اللسان الفاجر القاذف للمحصنات بتهمة اللباس المختلف أو المطالبة بالحقوق؟ وكيف بكم اختزال صفات العفة والطهارة في حجاب قد يستر العيوب الجسدية، لكنه غير قادر على ستر عيوب القلوب عن علم الإحاطة الذي انفرد به الخالق؟. أم أنه من "الغيرة الوهابية" تبشير المغاربة بحرب استباقية بين حملة سيوف الحجار وراكبي نفاثات الغرب؟ إنه التحريف المتعمد لحقيقة الصراع وطبيعة المعركة، فأن يكون إسلام الدولة تابثا دستوريا فذاك دافع قانوني لإلغاء خطاب الاستعلاء المذموم الذي تنتهجونه في عقيدتكم الوهابية وكأننا بكم تخاطبون تيارا سياسيا جاهليا لم يعرف لا فقه مالك (إمام المدينة مركز الحديث المحمدي الحكيم)، ولا عقيدة الأشعري التي جعلت الوسطية الربانية نبراسا للموازنة بين تعصب الفرق الدينية واختلافاتها، ولا تصوف الجنيد السني السالك العارف بالله المتبع للزهد المحمود. إن أول التلبيسات الإبليسية التي من الواجب عليكم الوعي بها هو تلبيس الزج بحدود الله في متاهات الجدال السياسوي وجعله جدالا يحجب خلفيات أجندات سياسية لا هدف لها إلا التدليس الديني وخلق البلبلة الهدامة للإلتحام الشبابي حول قيم الحرية والكرامة التي هي أسس متينة لمجتمع العدالة الاجتماعية والمواطنة التي تجنون غلتها وتلعنون ملتها، رغم أن الحرية والكرامة هي فعلا من ملة محمد عليه أزكى الصلوات الذي بعث بالبشرى الخاتمة وهي الفوز العظيم لكل قائل بلا إلاه إلا الله محمد عبده ورسوله وتلكم عبارة الموحد الذي لا يشرك بالله شيئا. وذلكم مذهب أهل السنة والجماعة، الذي كان ولا زال حجة على انزلاقات الفرق الدينية كفرقة المعتزلة في قولهم أن صاحب الكبيرة بين الإيمان والكفر وكالخوارج أنه كافر مخلد في النار. فاختاروا صفكم الذي تنحازون إليه، ولا تجعلوا الوطن ضيقا بأدلجة إسلامية الدولة لتميل عن سعة الشرع المحمدي.ولا تأخذكم العزة بشرك التأله على الله، والتدليس بدين الله الإسلام الذي حرر الإنسان من رقبة أخيه الإنسان وجعل ضالة المؤمن حكمة هي له أنى وجدها، وسيجدها حتما في روح العقيدة المحمدية التي تعتمد البصيرة والعقل في الاعتقاد وتسد ذريعة "ما وجدنا عليه أبائنا وأجدادنا" .كما أنه لا مجال في الإسلام لبوليس الكهنوت، بل هو الفرد (ذكرا كان أم أنثى) بكسبه هو رهين لتحقيق الخلاص ، وهي أيضا الدولة "جماعة المجتمع" في شكلها العادل لتحقيق المصلحة الدنيوية للأفراد. و هكذا نبدأ ختمنا لهذا التبادل المعرفي مع إخوتنا المغاربة في الفصيل الوهابي بأن نعوذ بالله أن نكون وإياهم ممن يصح فيهم القول المأثور " أخوف ما أخاف عليه أمتي رجل منافق عليم اللسان غير حكيم القلب يغيرهم بفصاحته و بيانه . ويضلهم بجهله". كما نختم استدلالنا على تثمين الهدي القرآني لسلامة الاعتقاد المستمد من إيمان التفكر والتعقل و التذكر و ابتغاء فضل الله و الشكر ثم الاهتداء لمغفرة الله و رحمته. بهذه الآيات من سورة النحل. يقول الله تبارك وتعالى " وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَُ هوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُون وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُون. صدق الله العظيم
#رشيد_لزرق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل تحالف استراتجي بين الاتحاد والبام
-
النخب العائلية و خطر المؤسساتي
-
المخطط التشريعي والتأويل الأبوي للدستور
-
البديل الحداثي في مواجهة الانتحار السياسي
-
من اجل بديل حداثي .... لا للوصاية باسم الدين أو باسم العائلة
-
المؤتمر التاسع من أجل اتحاد اشتراكي اجل المشروعية التاريخية
...
-
من أجل ثورة ثقافية في المغرب على الحداثين أن يتحدوا ...
-
الاتحاد الاشتراكي و مسؤولياته الحالية
-
التنافي بين صفة النيابة و الوزارة بالمغرب على ضوء التجارب ال
...
-
دعوة لعقد مناظرة حول موضوع الحرية، جواب الجيل الجديد حول الد
...
-
مسار التحول الديمقراطي في المغرب و ليبيا على ضوء التجارب الد
...
-
الحداثة الشعبية
-
التأويل الحداثي للدستورالجديد من اجل تحقيق الأفضل.. بل من اج
...
-
الحركة الاتحادية مسار نضالي الاختيار الثوري .. الخيار الديمق
...
-
الازدواج القيمي و الدستور المغربي أي إصلاح؟
-
مسار العلاقات المغربية الموريتانية
-
من أجل تأصيل نظري لمفهوم الثورة
-
مساهمة في دراسة الجهوية بالمقرب و فق المقاربة السوسيولوجية
-
الجهوية الموسعة و السياق التاريخي
-
الاتحاد الاشتراكي و الأصالة و المعاصرة جدلية التغيير و الاست
...
المزيد.....
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|