|
أرض الميعاد في اليمن
سامي المنصوري
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 13:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أرض الميعاد في اليمن
ان كتاب فاضل الربيعي يحث على ضرورة تناوله بالقراءه و التحليل وهنا أقدم عرض وتصفح الكاتب
يدهشنا الربيعي في مرجعيات كتابة الجغرافيا التوراتية وفي توطينها. أما المرجعيات فهي أشعار العرب قبل الإسلام مرورا بكتب الجغرافيين والإخباريين التي تجلّى وضوح مطابقة الجغرافيا فيها مع ما ورد في التوراة، فالقارئ للهمداني في كتابيه العظيمين: الإكليل ، و صفة جزيرة العرب ينحاز إلى الروح التي تلبسها الربيعي في مطابقته العجيبة بين ما أوردته نصوص التوراة وما سرده الهمداني من أسماء جغرافية في سراة اليمن. يسأل الجزء الأول من الكتاب عن أرض التوراة ومنازل الأسباط، فيحيلنا إلى الشعر العربي القديم ديوان العرب وموسوعة معارفنا وسبيلنا إلى دراسة المواضع والأمكنة التائهة في منهج يقابل الدراسات الغربية لأرض التوراة. ولا يترك الربيعي لنا سوى عدّ رواية بني إسرائيل التوراتية رواية ميثيولوجية بحتة، استثمرتها الدراسات التوراتية للاستيلاء على الأرض والتاريخ والثقافة. وليس لنا، نحن أبناء اللغة العربية، إلا استثمار السرديات العربية التاريخية والشعر العربي القديم قبالة المرويات التوراتية بما تتضمه كل منها من مواضع وأمكنة وأخبار. لا يتردد الربيعي في البحث عن منازل الأسباط في مؤلفات الهمداني، فسبط بن يامن هو ذاته بنيامين التي تذكره النصوص العبرية وتردده أشعار العرب الجاهلية عند امرئ القيس وطرفة بن العبد، ويلتقط الربيعي فيها أسماء المواضع الجغرافية التي تموضعت في اليمن وذكرتها نصوص العهد القديم لنرى تطابقا في الاشتقاق والدلالة ينزع من أذهاننا أي وساوس أو شكوك. ويمضي المجلد الأول في جزئه الثاني مؤصلاً لجغرافيا التوراة الجديدة في سراة اليمن، فأورشليم ليست القدس ولا هي في فلسطين، بل تلك التي ذكرتها أشعار الجاهليين ووصفها الهمداني باسم أورشليم أو أورسلم في سراة اليمن، وما جبل صهيون سوى ما ذكره الأعشى في مقام تحذيره نجران المسيحية من حرب ذي نواس اليمني اليهودي الحميري، وما حملات نبوخذ نصر على العرب البائدة ومنها بني إسرائيل إلا في نجران حيث كان السبي البابلي للقبائل اليهودية في نجران وعدن وصنعاء. ولقد باد بني إسرائيل في اليمن كما بادت قبائل عربية عرفها التاريخ، وتحول كثير منهم بحتمية المراحل إلى المسيحية ثم إلى الإسلام، وما الكيان المصطنع في فلسطين المحتلة سوى وَهْمٍ كبير أراد الغربيون فيه أن يصدّروا مشاكل اليهودية إلى مناطق خارج أوروبا، فكانت الضفة الغربية لنهر الأردن أرضا وشعبا ضحية وعد بلفور المشؤوم. يمضي الربيعي في المجلد الثاني من كتاب فلسطين المتخيلة (أرض التوراة في اليمن القديم) في تكريس ما بدأه المجلد الأول من أطروحات جديدة مدهشة في جغرافيتها الجديدة وفي مرجعياتها، ومتينة في عرضها بأسلوب ارتقى به الباحث عمقا ورصانة وأكاديمية. يطرح الجزء الثالث من الكتاب أسئلة كبرى، تحمل معنى الاستفهام المتضمن معنى التقرير الإنكاري، فهي أسئلة تجزم بأن الحملات الأشورية لم تكن يوما تجاه فلسطين المحتلة، ولم تتجه غربا البتة، إذ كانت وجهتها تجاه نجران حيث يقطن بني إسرائيل، فالحملات المتكررة استهدفت سواحل اليمن وسراتها، وما حادثة السبي سوى تلك التي كانت في سرو حمير حيث أعيد بناء الهيكل في أورشليم اليمن. وقد قابل الربيعي بمهارة المبدع وحصافة الأكاديمي بين الأماكن والمواضع التي ذكرتها مرثية أشعيا بما وصفة الهمداني لأرض اليمن ليطمئن القارئ بأن حملات سنحاريب والآشوريين لم تكن يوما صوب فلسطين غربي نهر الأردن، وإنما إلى سراة اليمن ونجران ومرتفعات نجد على طول الساحل. ويتوالى الاندهاش كلما غصنا في صفحات المجلد الثاني الضخم، حيث يتحفنا الربيعي في رصد لوائح أسرى قبائل السبي البابلي بين سفري عزرا وما وثّقة الهمداني في كتابيه: الإكليل و صفة جزيرة العرب ، ويجمع الربيعي أسماء خمس وعشرين قبيلة يشترك بهما المصدران العبري والعربي، وهي أسماء يمنية خالصة دفعت الكاتب للسؤال الإنكاري الصراح: وهل عرفت فلسطين اسما واحدا مما ورد في القائمتين؟ . ولما حار التوراتيون وحيروا العالم معهم في مكان الهيكل الذي زعموا وجوده في القدس العربية القديمة وتحت الحرم القدسي، حيث لم تسعف كل المسوحات والحفريات في إيجاد أدنى دليل على ذلك، يأتي الربيعي ليؤكد أن أورشليم وبناء المدينة وهيكل الرب موجودة في سراة اليمن، إذ تؤشر جمهرة الأسماء على اتجاه واحد، حيث المدينة المدمرة المحترقة في وادي شعر باليمن، ولا يأتي الربيعي بدليل جغرافي واحد، بل باثنين وثلاثين اسما يشفع الواحد للآخر في أن أورشليم القديمة يمنية حيث كانت مدينة الضعفاء من الناس. ويرصد الربيعي أسماء القبائل والجماعات التي شاركت في بناء أسوار المدينة ويقارن بين قائمتي عزرا والهمداني، فإذا بها قبائل عربية يمنية لعل كلب إحداها. وتستمر الدهشة في جمال العرض ومتانته، حيث يمضي الباحث في وصف حملات تيجلات بيلاسر الثالث على السراة اليمنية وسقوط قَدَس وليس القُدس، ويورد لنا وصف الهمداني لمسرح هذا الحدث، ويرصد المراسلات التي تمت بين الملوك الآشوريين وبين مخلاف اليهودية، ويوثق للحرب المشهورة المعروفة بمعركة مجدو كبرى الحروب بين الآشوريين والمصريين والتي أجمعت كل الدراسات السابقة أو كادت تجمع على حدوثها على أرض فلسطين، ليتبين لنا أنها حروب كانت على سواحل البحر الأحمر، حيث الصراع على مناطق النفوذ البحري. إذا كانت قبيلة بني إسرائيل وفق الربيعي وكمال صليبي من قبائل العرب البائدة التي ذهبت ريحها منذ القرن الخامس قبل الميلاد، بعدما كان لها ملكها في الجزيرة العربية واليمن، ثم ما لبثوا أن تماهوا في المجتمعات اليمنية والعربية القديمة في الحجاز والعراق وبلاد الشام شعبا ودينا، فكيف يكون السبي؟ وكيف يكون قد حدث في فلسطين، وكيف كان عبور نهر الأردن؟ يجيب الفصل الحادي عشر عن أسطورة عبور نهر الأردن وعن خرافة السبي البابلي باستفاضة يستوجبها المقام وسرد يقتضيه حسن المقال. لقد عاش العرب في تاريخهم المعاصر وعيا ثقافيا مشوها وَهْمَهم يوم كانت قبيلة بني اسرائيل قبيلة صغيرة ما لبثت أن بادت مع قبائل العرب البائدة. ومردّ هذا الذي نذهب إليه غفلتنا طوال قرون عما أوردته آيات القرآن الكريم والأشعار العربية وكتب الإخباريين والجغرافيين عن تاريخ بني إسرائيل الذي لم يكن يوما في فلسطين، فكيف جرؤنا على قراءة القرآن وتراثنا العربي مثلما قرأنا التوراة وفق المنهج الاستشراقي الملفق المتخيل في هذه المسألة؟ إنّ ما نطرحه من أسئلة هنا هو لسان حال كمال الصليبي في كتابه التوراة جاءت من جزيرة العرب ، ولسان حال فاضل الربيعي صاحب هذا السفر الضخم فلسطين المتخيلة ، والذي ينفي في الفصل الثاني عشر من الجزء الثالث أيه صلة توافق أو قرابة بين مؤاب وإسرائيل. يسعى الربيعي في الجزء الأخير من كتابه للوصول إلى أن المرويات التوراتية أساطير عربية يمنية قديمة بِمكوِّن إغريقي، وهي رؤية جواد علي في كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، إذ يرى في مرويات التوراة قصصا أسطوريا عربيا يعود إلى فترة التكوين المبكر، وإن ما يرد في التوراة المعروفة بالإغريقية عبارة عن قصص فينيقية (عربية) بدائية من بلاد البحر الأحمر. هذا الكتاب موعدنا الجديد مع جدل سيبدأ متصاعدا متناميا يثري فكرنا، ويقلقل صدقية ما أوردت الآلف الدراسات والمنشورات التي تفترض فلسطين أرضا لجغرافية التوراة. إن كتاب فاضل الربيعي هذا قمين بالقراءة نستقبله باحتفالية وجذل كبيرين محرضين بكل السبل على ضرورة تناولة بالقراءة والتحليل. عرض د. سلطان المعاني
#سامي_المنصوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الماضي الصفحة السوداء للمسيحيّة
-
قصة إبليس الأسطورية
-
أهل الكهف عند السريانيين
-
40 تناقض في القرآن
-
مختطفات اسلاميه ( 2 )
-
القرآن بشري و محرف - ولكن اين النسخه الاولى
-
قصة إنسان ( من الإسلام إلى اللادينية )
-
القصة الإلهية
-
بدايات ظهور الإسلام – الهرطقات
-
القران يؤكد وقاتلوهم في سبيل الله
-
سوبر ماركت القرآن
-
أثباتات ان القرآن بشري - الطقوس الرمضانية
-
وجهة نظر
-
الى متى يبقى الدين مذهبي التوجه
-
الصراع في قريش - عائلة بني هاشم وبني أميه
-
الشيعه و ولاية الفقيه
-
صفحات في علي بن ابي طالب
-
لاجنه ولا جهنم
-
الطبقه الحاكمه في العراق
-
زبد للانتخابات القادمه
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|