|
ميري كريسماس يا مصر
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 3 - 00:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مصرُ، من بين كل أرض الله، أول دولة تنطق بهذه التهنئة كلَّ عام لكل شعوب العالم. ومَن سواها يستحق؟! أيُّ أرض سوى أرض مصر الطيبة استقبلت هذا الوليد الجليل، وأمَّه البتول الطاهرة، والقديس يوسف النجار، حين فرّوا من هيرودس الشرير بفلسطين، إذْ أراد قتل الطفل الجميل، عليه السلام، الذي حماه اللهُ تعالى من نخْسِ الشيطان هو وأمّه الطاهرة عليها السلام؟ هو الطفل المقدّس الذي سوف يكبر ليغدو رسولَ السلام للإنسانية كافة، "يجول يصنع خيرًا"، بعدما طوّبه اللُه بالسلام عليه: "يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا". أرضنا الطيبة كانت لتلك العائلة المقدسة“ربوة ذات قرار ومعين". جالت فيها سيدةُ الفضيلة عليها السلام، فتنفجرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت في كل بقعة وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُ مصرَ بالبركة والنور والخصب الذي لا يبور، وإن بارت الأرضُ كافة. طافت العائلةُ المطوّبة من شرق مصر إلى غربها إلى جنوبها ثم عادت من حيث أتت. سافرت العذراء ووليدها الكريم من فلسطين ودخلوا مصرَ من "رفح"، ثم ذهبوا إلى "العريش". ومنها إلى "فرما" وهي محطتهم الأخيرة في أرض "سيناء" الطيبة. بعدها دخلوا "تل بسطا" (جوار الزقازيق الراهنة)، وهي مدينة صغيرة كانت تسمى وقتئذ "مدينة الآلهة". جلسوا هناك تحت شجرة، وشعر الطفل المسيح بالظمأ فطلب الماء. ولما لم ينجدهم أحد بشربة ماء، حزنت العذراء، فأمسك يوسف النجار بقضيب من الحديد وضرب الأرض جوار الشجرة فانفجرت بئر ماء روتهم. وفي مدينة "الزقازيق" استقبلهم رجلٌ صالح اسمه "قلوم" أحسن استقبالهم. وكانت زوجته "سارة" طريحة الفراش منذ ثلاث سنوات، فحلّت عليها البركة فشفيت وخرجت مع العذراء ووليدها لزيارة معبد أوثان فتهشمت التماثيل فور دخولهم. وانتشر الخبر في المدينة فخاف قلوم من وصول الخبر إلى جنود هيرودس الذين انتشروا في أرجاء مصر بحثًا عن الطفل لقتله، فاستأنفوا رحلة الهروب حتى وصلوا إلى "مسطرد" ثم "بلبيس" ثم شمالا نحو "سمنّود" ثم غربًا نحو "البُرّلس" ثم "سخا". بعد هذا عبرت العائلة المقدسة ضفة النيل الغربية نحو الشرق ونزلت في "وادي النطرون". بعدها دخلوا منطقة "المطرية" و"عين شمس". ومازالت هناك شجرة عتيقة اسمها "شجرة مريم" حيث تفجّرت هناك بئر مقدسة روت السيدة العذراء وأسرتها. ثم ارتحلت الأسرة إلى "الفسطاط" وهي المنطقة المعروفة باسم "بابليون" بمصر القديمة حيث اختبئوا في مغارة محلّها الآن كنيسة "أبو سرجة" الأثرية. بعد هذا دخلوا منطقة "المعادي" ومكثوا في البقعة التي تحتلها الآن كنيسة "السيدة العذراء" بالمعادي. ثم سافروا جنوبًا نحو صعيد مصر ومكثوا برهة في قرية "البهنسا". ومن بعدها ارتحلت العائلة المقدسة جنوبًا نحو “سمالوط” ومنها عبرت النيل شرقًا حيث "جبل الطير" ودير السيدة العذراء. ثم عبروا من جديد من شرق النيل إلى غربه إلى حيث بلدة "الأشمونيين" التي شهدت معجزات عديدة للسيد المسيح. ثم ساروا جنوبًا حيث قرية "ديروط" التي مكثوا بها عدة أيام وشُفي على أياديهم بأمر الله العديد من المرضى هناك. بعدها دخلوا مدينة "القوصية" ثم غربًا حتى قرية "مير". بعدها دخلت العائلة الطيبة منطقة "دير المحرّق"، وهي أهم محطّات الرحلة المقدسة التي استقرّت بها العائلة قرابة الشهور الستة، وبُنيت حول الغرفة التي سكنتها السيدة الطاهرة أولُ كنيسة في العالم. ثم ذهبوا إلى محطتّهم الأخيرة في "جبل درنكة" بأسيوط حيث سكنوا مغارة قديمة. لتبدأ بعدها رحلة العودة إلى أرض فلسطين الطيبة. طوال تلك الرحلة كانت أرضنا تذوب حبًّا ورحمةً لتلك الفتاة التي اصطفاها الله من بين العالمين لتحمل في أحشائها هذا الرسول المطّوب من دون رجل، ليكون وأمّه آية للعالمين. تتفجر عيون الماء في الصحراء القاحلة بمجرد أن تمسَّ قدمُها رمالَ القحط. وتنبتُ الزهورُ من بين طيّات الصخور. ويتساقط من النخيل الجاف الرطبُ شهيًّا ريّانًا فوق كتفيها المجهدين بالسفر والخوف على وليدها من بطش الشرير. لهذا بارك الكتابُ المقدس أرضنا الكريمة التي استقبلتها بالحبّ، وبارك شعبها الطيبَ الذي أحسن استقبال الطيبين، فقال: “مباركٌ شعبي مصر". هل يجوز بعد كل هذا التاريخ الذي سطرته مصرُ في قلبها للسيد المسيح وأمه البتول، أن يكون لبلد آخر عروةٌ وثقى ورباطٌ أزلي أبدي يربط الأقباطَ بأرضهم مصر، التي سمّاها أجدادنا الفراعنة "ها كا بتاح"، أي "منزل الروح"، ومنها اشتقت كلمة "قَبَط"، ثم "إيجبت"؟! في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 2 يناير 2012، كتبتُ مقالا عنوانه "ميري كريسماس رغم أنفهم"، وكنتُ أعني "أنف" الغلاظ ذوي اللحى الذين أفتوا بحرمة أن نقول لأشقائنا: "كل سنة وأنتم طيبون". وفي الجريدة ذاتها كتبت بعدها بعام بتاريخ 30 ديسمبر 2012 مقالا آخر عنوانه: “ميري كريسماس كمان وكمان". واليوم أقول لكل أقباط مصر، مسيحيين ومسلمين: “ميري كريسماس يا مصر" التي شعبُكِ في رباطٍ إلى يوم الدين، ولو كره الكارهون.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية العمّ العجوز
-
إخوان صهيون
-
صورة السيسي وحطّة فلسطين
-
اقتلْ واحرق بس بسلمية
-
دولة الأوبر
-
أراجوزات الإخوان
-
عود الثقاب الإخوانىّ
-
نحتاج عُصبة من المجانين
-
لماذا أُسميها: -دولة الأوبرا-؟
-
الموتُ أكثر نبلًا
-
بالقلم الكوبيا
-
عش ألف عام يا مانديلا
-
احنا الكفار
-
فيروز حبيبتي
-
إنها الإسكندرية يا صديقتي الخائفة
-
اقتلْ معارضيك
-
الفيلم المسيء للإسلام
-
مرسي وكتاب التاريخ
-
شريهان، العصفور الذي عاد
-
أنهم يسرقون الله!
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|