أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - حوار بين الحياة و .. الموت!















المزيد.....

حوار بين الحياة و .. الموت!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 4323 - 2014 / 1 / 1 - 21:54
المحور: حقوق الانسان
    


في حادثةٍ غريبةٍ من نوعها لا تتكرر في تاريخِ الخليقةِ إلا مرةً واحدةً، التقىَ الموتُ والحياةُ علىَ غير مَوعدٍ. لـَـمْ يتصافحا، ولـَمْ يتعانقا، لكنَّ الفضولَ دفعهما إلىَ حوارٍ التقطناه عن قُرْبٍ منهما!

الموت: مالـَـكِ تسيرين مُختالة كأنَّ الروحَ باقيةٌ إلىَ يوم الحَشْر؟ كلما رأيتكِ، شاهدتُ الغرورَ مُجَسَّداً، ولمحتُ ريشَ طاووسٍ ينتفضُ من بين جنبيك، وسمعتُ صوتاً به ثقة وثقل وثقال، فذهب الظنُ بي أنْ لا نهاية بعد مغادرة المهد، كأنَّ اللحدَ لا وجود له!
الحياة: أنتَ مرة أخرى! تتجهم للناس كلما ابتسموا لي، وتتوعدهم كلما بدتْ نواجزُهم من الضحك والسعادة، وتأتيهم بغتة بعد كل مأمن يزيدهم حُلماً علىَ حُلمٍ.
تحصد أحياناً في احتفالات بهيجة شعوبا وقبائل، وتستمتع بالأعاصير، وتتلذذ بالكوارث، وترقص طربا للأوبئة!
أتذكر أنكَ تحالفت مع موج البحر وطلبت الإسراع في ابتلاع الباخرة تيتانيك، فكان البحر والظلام والجليد والرعب يزينون في عينيك صرخات المئات وهم يغرقون، فبدا يومَ عيدٍ لكَ ولدودِ الأرض و.. أسماك البحر.

الموت: أنتِ الباطلُ وأنا الحق. أنتِ الخداعُ وأنا الواقع. أنتِ تؤلمين وأنا أخفف تلك الآلامَ أو أزيلها. أنت القسوةُ عليهم وأنا أحتضنهم في باطن الأرض أو حوادث الطائرات أو القطارات أو الطرق أو الحروب أو الزلازل.
أنتِ لا تعبأين بالمرض ولو صرخ مريض لنصف حياته، فأنت ستطيلينها ليزداد عذابُه، وأنا أنهيها في غمضة عين أو.. أقل!
في لحظات اليأس التي يمر بها بنو البشر يستغيثون بي لكي أحصدهم، ويحلمون بيوم قدومي لتخليصهم من مُرّ العيش وشظفها، وصعوبة التحَمُّل، ثم يشاهدونكِ تضحكين وتسخرين وتتوعدينهم بطول العُمر.
في ردهات المستشفيات وفوق أسِّرَتــِـها يتمنى كثيرون زيارة خاطفة مني، وأنت تتمسكين بمرضى لا شفاء لهم منه، وبمن بُترت أعضاء في أجسادهم أو أصابهم الشلل أو الربو أو الزهايمر أو السرطان حتى أن أطباء كثيرين اعتادوا على أصوات المتوجعين فأصبحوا من أنصار " الموت الرحيم" وانضم إليهم أقرباء وأحباب المريض.
الحياة: أنا أتبع سُنـَّـة الخلق، أي الروح في الجسد، والنبض في القلب، والدم في الشريان، والحواس في أماكنها، ولست مسؤولة عما يصيبها من سقم وخلل وضعف ومرض.
بدوني ما وجدت لك عملا، ثم إنك تمثل العقوبة القصوى على الإنسان.
أنت تأتي متخفيا، وتختلس النظرة، وتقبض الروح عندما يكون الأمل بارقاً، والحبيب ينتظر حبيبه، وأحضان الأطفال دافئة لاستقبال الذي غيـَّـبته أنتَ عنهم.
أنت تمد أذرعك المخيفة في كل الكائنات، حتى الحيوانات الأليفة في عمق الغابة تخشاك لأنك تأتيها في مخالب حيوانات مفترسة، فيغدر ضبع بعصفور صغير، ويلحق ذئب بسنجاب جميل فيمزقه بأنيابه قبل أن يلتهمه، ويزحف تمساح وفي دقائق معدودة تكون معدته قد أتخمت من ضحايا ظنوا النهر آمنا لهم.
أنا الذكريات الجميلة التي تمسحها أنت، وانا عبق الزهور، وزقزقة العصافير، ولهو الأطفال وهم يتصايحون فتضحك معهم الدنيا.
وأنا الرسالات السماوية التي تتنزل على الأنبياء ليشكر الناس رب العباد على نعمته إياهم بي، وأن الكتب المقدسة تملأ الدنيا حكمة وأملا وبشائر.
الموت: فلسفتكِ لا تساوي عندي حبة رمل منسيّة على الشاطيء، والكتب المقدسة أيضا تأمرني أن أبذل جهدي لخصوم أنبيائها، والرسالات السماوية كلها استعانت بي للتخلص من غير المؤمنين بها، وعندما أعمل أوفر تايم لقبض الروح يكون الدين غالبا بالقرب مني، فالحروب الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها ظلت على مدى التاريخ تعطيني الفرصة للعمل دون توقف.
إيمانك بعدالة السماء لا يقل عن إيماني بها، وقناعاتك بأن الحياة هي الحب لا تصمد أمام يقيني بأنني، الموت، أمثل الحب سواء حضرت أم كان غيابي حاضرا.
الحياة: أراك تتوهم أنك صاحب رسالة، وأنك لو زرت الملايين في صورة طاعون فأنت بابا نويل توزع هدايا على الجميع، وأنك تفلسف نزع الناس من صدور أحبابهم كأنها رسالة عشق لظلمة القبر.
لولاي لما كان لهذا الحديث بيننا أن يرى النور، فأنت تمشي في الأرض كأنك مصّاص دماء، وأنا أمشي الهوينا فأتغزل في الكائنات الحية الجميلة والقبيحة على حد سواء.
عندما يفترس الإنسان أخاه يستعين بك، فإذا لم يستطع، رفع يديه إلى السماء لكي ترسلك فورا في صورة مرض أو حادث أو سكتة دماغية أو قلبية.
الموت: هذه خزعبلات الأحياء، وخرافات من لم تهرب الروح منهم بعد، لأنني الحقيقة الوحيدة التي يحاول المرء الهروب منها فلا يجد مفرا من الارتماء في أحضاني يوما ما!
تكذبون على الأحياء برسم صورة مشوهة عني، حتى المقابر الجميلة والهادئة والمسكونة بأمواتٍ لا يؤذون البشر تحاولون تنفير الناس منها، رغم أن الأحياء هم الفزع الأكبر، وهم الذي يستدعونني كلما كره بعضهم بعضا. لو لم يكن حُب الطغاة لكِ جامحا ما حصدتُ أنا أرواح الشباب والجنود والمعارضين. أنتم تستدعونني ليلا ونهاراً في نزاعاتكم الحمقاء، ثم تلومونني على جَدّي في العمل، واستجابتي لطلباتكم الـمُلـِحَّة في أن أكون ضيفا عليكم ثم تزعمون بأنني ضيف غير مرغوب فيه.
لم يدر بذهني قط أنْ أتسبب في قبور جماعية، ولكن الحياة التي مـُـنِحتْ لكم هدية رفضتموها في القصور، وبنيتم بيوت الضيافة، سجونا ومعتقلات وأماكن فقر وسموما في المياه والأرض الزراعية. أنا الموت، أشرف من الحياة، ولا أخجل من عملي، ولكن ينبغي أن تخجلي أنتِ من الفوقية المتغطرسة التي تجعلك تظنين الموت قبيحا والحياة بهيجة.
الحياة: قل ما تشاء، لكنني سأظل أنا مركز الكون، وتمنيات كل من حصدت أنتَ أحبابَهم أن يعودوا مرة أخرى ليعيشوا بين ظهرانيهم خالدين في الأرض ثم الخلود الأخروي.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في الأول من يناير 2014
حوارات أخرى للكاتب
حوار بين جاهل و .. مثقف!
حوار بين وافد و .. كفيل
حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك
حوار بين زعيمين عربيين في غرفة مغلقة
حوار بين الشيطان و .. ضيوف الرحمن
حوار بين حُرٍّ سجين و .. سجينٍ حر
حوار بين حمار و .. زعيم عربي
حوار بين مواطن مصري و .. ضابط شرطة!
حوار بين مستشار مصري و .. ابنه!
حوار بين منقبتين في أحد الأسواق الشعبية!
حوار بين كلب الشارع و .. كلب السلطة!
حوار بين الرئيس حسني مبارك و .. الرئيس جمال مبارك!
حوار بين جواز سفر عربي و .. جواز سفر أوروبي!
حوار بين سلفي و .. قبطي!
حوار بين السيدة سوزان والشيخة موزة!
حوار بين الرئيس جمال مبارك و .. الرئيس بشار الأسد
حوار بين حمار و .. رئيس لجنة الانتخابات!
حوار بين مبعوث الحكومة و .. صدام حسين في قبره!
حوار بين رئيس يحتضر و .. رئيس يرث!
حوار بين علماني و .. سلفي!
حوار بين زنزانتين في سجن عربي!
حوار بين إبليس و .. الرئيس حسني مبارك!
حوار بين مواطن خليجي و .. إعلامي عربي!
حوار بين قملتين في شعر رأس صدام حسين!
حوار بين المشير و .. المخلوع!
حوار بين المشير و ..السفيرة الأمريكية!
حوار بين الرئيس مرسي و .. مواطن مصري
حوار بين الرئيس القادم و .. مواطن مصري
حوار بين اخوانجي و .. فلولي!



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن من الخارج أكبر!
- المشهد المصري إذا عاد مرسي رئيساً!
- مقطع من يوميات شاب رابعي!
- أرجوكم، لا تقتلوا السيسي!
- أفراح القتلة وأعراس اللصوص!
- السطريون يسيطرون!
- سيعود الإخوانُ لحُكْمِ مصرَ رغم أنْفِنا!
- الدرويش البطل
- معذرة، فأنا لا أصَدِّق خبرَ الضبطِ والاحضار والقبض على مجرم!
- لماذا يختل ميزان العدل مع الدين؟
- هل أصبح مؤيدو الإخوان طابوراً خامساً؟
- الجبان الديجيتالي!
- أيها المصريون، قفوا مع السيسي في حربه ضد الإرهاب الديني!
- من أين ينبع بركان الكراهية لدى الإسلاميين؟
- كارثة حرب النصوص!
- رسالة إعتذار لسيدنا الرئيس حسني مبارك!
- دعوة لتنازل الملك عبد الله بن عبد العزيز عن العرش!
- أنا أعرف، إذن فأنا جاهل!
- السيارة المفخخة ليست مفاجأة!
- لماذا ساءتْ أخلاقُ الإنترنتّيين؟


المزيد.....




- وزارة الأسرى في غزة تعلن ارتفاع حصيلة الأسرى لدى الاحتلال إل ...
- وزارة الأسرى في غزة: استشهاد 54 أسيرا منذ 7 أكتوبر
- فقدوا أطرافهم وخضعوا لجراحات بدون تخدير.. فلسطينيون يكشفون و ...
- في يومهم العالمي.. اللاجئون السوريون ضحايا -الابتزاز- و-الأو ...
- السويد: تبرئة ضابط سوري سابق من تهمة ارتكاب جرائم حرب لعدم ك ...
- محكمة سويدية تبرئ ضابطاً سابقا في الجيش السوري متهماً بارتكا ...
- السويد: تبرئة ضابط سوري سابق من تهمة ارتكاب جرائم حرب
- الاحتلال يعتقل 20 مواطنا من الضفة ما يرفع حصيلة الاعتقالات م ...
- عائلات الأسرى الإسرائيليين تُواصل الاحتجاج على نتنياهو
- سلطات الهجرة الأميركية للإسرائيليين: هل ارتكبتم جرائم حرب؟


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - حوار بين الحياة و .. الموت!