|
( 3 - نشأتي...طفولتي...وصباي ( 2
جاسم الحلوائي
الحوار المتمدن-العدد: 1230 - 2005 / 6 / 16 - 13:00
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
كان نهرالحسينية في كربلاء، المكان الوحيد الذي يصلح للسباحة يقع خارج المدينة. والطريق اليه يتخلله الكثيرمن البساتين والمنعطفات والخلوات؛ فكان والدي يمنعني منعاً باتاً من الذهاب للسباحة فيه. في حين كانت السباحة هوايتي وهواية أصدقائي المفضلة. لذلك فقد كنت أذهب سرا للسباحة الى أن يُكتشف أمري، فعند ذاك يضربني والدي ضربا مبرحاّ بحزامه القوي فأترك السباحة. وفي الواقع فأنه لم يستخدم حزامه الا مرة أو مرتين، و كان يكتفي بصفعة أو بدونها، ولكن مصحوبة دائما بالتهديد بالحزام ، وكان تهديده يكفي لإيقافي عن السباحة ولكن لذلك الموسم فقط ، فقد كنت أعاودها في الموسم التالي. وأخذت أتبع تكتيكاً جديداً ، وهو أن أبدأ السباحةً في الربيع مع أول السّباحين الى أن يُكتشف أمري ، ويكون عادةً قد أنقضى وقت من الصيف ، فأتركها
في العطلة الصيفية كان والدي يودعني عند هذا الحرفي أو ذاك. وفي أحدى المرات قررت أن لا أذهب للعمل في الايام الخمسة الاخيرة من العطلة، وعوضا عن ذلك كنت أذهب للسباحة في نهر الحسينية، قبل الظهر وبعده ! وفي اليوم الاخير فاجأتني امي بالسؤال: أين كنت ؟ فأجبتها عند الاسطة فقالت: "أنت تكذب، فلقد سألت الاسطة وأخبرني بأنك تركت العمل منذ خمسة أيام" وهجمت عليّ لتضربني، وقد أستغربت تصرفها ذاك، لأنني لم أعد أتذكر آخر مرة فعلت ذلك بعد أن كبرت، فمسكت معصميها ولم أدعها تضربني، وكادت أن تقع على الأرض، فلم أدعها ، فتركتني بعد أن يأست من التغلب عليّ . في المساء عندما عاد والدي الى البيت ، أخبرته أمي بفعلتي وبأنها ضربتني الى حد الموت ؟! وبذلك أنقذتني من "موت محقق"، فقد أكتفى والدي بما قامت به والدتي .
كان والدي كثيرالسفرالى بغداد لوجود (الريسس) فيها. وبعد الحاحٍ متواصل، وافق على سفرة للعائلة معه الى بغداد ، وكانت العائلة لا تزال صغيرة آنذاك ، وأما أنا فكنت في الرابعةعشر. ذهبنا الى السينما وشاهدنا فلم (عنتر وعبلة). وكان ذلك أول فلم أشاهده في حياتي؛ وقد إنبهرت وأستمتعت به جداً. ولم أفهم فلما آخر شاهدناه في اليوم التالي ، قيل عنه بأنه إجتماعي، وقد ضجرت منه، ولم أجد عند ذاك أي وجه للمقارنة بين الفلمين!! بعد بضعة سنين، أيضا وبعد إلحاح شديد مني، أصطحبني والدي معه الى بغداد. وقد شاهدت في تلك السفرة فلم (سلاّمة) لأم كلثوم و فلم (منديل الحلو) لعبد العزيز محمود، الفلم الاخيركان في سينما صيفية، وكنا نجلس في مقصورة ( لوج )، فتركني والدي لوحدي، وقد عاد قبل إنتهاء الفلم. وأستنتجت بأنه ذهب ليشرب الخمر (عرق)؛ فكان لحد تلك الساعة لا يرغب بأن يشرب أمامي. في اليوم التالي لسفرتنا، وعند القيلولة، وكنا في ضيافة أقرباء لنا في بغداد، حاول والدي التسلل من البيت لكي يذهب الى ( الريسس )، فنهضت من الفراش، وقلت له : " أريد ان أتي معك " فأصبح أمام الأمر الواقع، فوافق على ذلك ، تحاشيا لجَلبة تزعج المضيّفين وقد تؤدي الى أكتشاف أمره، فقد كان يحاول إخفاء ذهابه الى (الريسس) على الآخرين، جهد الإمكان.
(الريسس)عالم مدهش، صاخب وسريع، وأشك بأن يكون هناك رابحا واحدا في نهاية الأمر، ما عدا مالكي (الريسس) ومستحصلي الضرائب. من الممكن أن يربح المرء في أحدى الجولات أو أكثر، من الجولات الثمانية أو التسعة في هذا اليوم، ولكنه سيخسرفي اليوم التالي؛ واذا لم يخسر هذا الاسبوع ففي الاسبوع الذي يليه، بعد أن يكون قد بذّر، بين الاسبوعين، قسما من الربح أوجله بأعتباره مجّاناً (فلوس بلاش) ؟! ناسيا أو متناسيا بأن هذا الربح هو جزء يسير من المبالغ التي خسرها سابقاً.
أدهشني والدي في (الريسس) بأنه كان، وهو الأمّي، يقرأ الارقام الانكليزيه ويستخدم العديد من كلماتها ومصطلحاتها. جلس والدي في ( كازينو) يحتسي البيرة ويرسلني لألعب له بمبالغ غير كبيرة. وحتى الجولة ما قبل الأخيرة، كانت الحصيلة خسارة حوالي خمسة دنانير. في الجولة الأخيرة لعبت له ديناراً على فرس إسمها "قمرالزمان" (ون وبليس) ــ أي أن المرء يربح في حالة أن يكسب الحصان الموقع الاول والثاني، ولكن يربح أقل مما اذا كان قد لعب (ون) فقط ــ وكنا واقفين في الجولة الأخيرة عند سياج (الرنك) لمشاهدة السباق عن كثب. وقبيل وصول الخيل الى خط النهاية، صاح والدي، وهو الحريص، عادة، أن يكون رزناً، وبصوت عال "حمّودي" وكأنه يريد ، فعلاً ، أن يوصل صوته الى الفارس (الجاكي)، الذي يمتطي " قمر الزمان" وسط تلك الجلّبة الشديدة، التي تتصاعد مع اقتراب الخيل الى خط النهاية. وأخيراً فازت "قمر الزمان" وأبتسم والدي إبتسامة عريضة وسألني متخابثاً ، كم لعبتها؟ فأجبته، هو دينار واحد (ون وبليس)، فقال: " وهذه خمسة دنانير (ون) أنا لعبتها ، إمشي، سنستمتع(نتونس) هذه الليلة " ؟!. وكانت الحصيلة النهائية لذلك اليوم 17 ديناراً ربحاً.
مع الغروب جلسنا في ( كازينو) كبيرة وجميلة في شارع( أبي نؤاس) على ضفاف نهر دجلة. بعد فترة قصيرة تركني والدي وحدي وذهب، بعد أن أوصاني بأن لا أغادر مكاني . بعد حوالي النصف ساعة جاءني نادل وطلب مني مرافقته حيث يجلس والدي في الجهة المقابلة. ذهبت معه فدخلت، للمرة الأولى، باراً. جلست بجانب والدي وكانت أمامه منضدة ملأى بالمأكولات (مزّة) . وقال لي مؤ شراً على (العرق) بأن هذا دواءه ؟! طالبا منّي ان أكل ما أشتهي وبأي مقدار أريد، وبأن له الحق بأن يطلب المزيد ، وبدون مقابل . مع الأسف ، فقد الغيّ هذا التقليد الممتع "مجانية المزّة" لاحقا في العراق. وقد غادرنا البار بعد أن تعشينا كباباً. بعد البار ذهبنا الى ملهى المطربة المشهورة سليمة مراد. وبعد أن بدأ البرنامج، طلب منّي والدي أن أجلس في الصفوف الأمامية لكي أشاهد وأسمع بشكل أفضل، وقد فعلت ذلك شاعراً بأن في الأمر حيلة . فبعد مدة ذهبت الى (التواليت)، وعند عودتي شاهدت أحدى فنانات الملهى جالسة بجانب والدي. فتظاهرت بعدم مشاهدته.
بعد فترة ليست بالقصيرة، ذهبت مع العامل الذي يعمل في محلنا، ولأول مرة ،الى المبغى في بغداد. وأتذكر كيف جرى لنا فحص طبي من قبل موظف صحي في باب المبغى. وقد فوجئت بهذه الكثرة من النساء المتجملات بشكل صارخ، وبالجو الصاخب بمختلف أنواع الموسيقى والاغاني، والكلام البذيئ ، والغزل المكشوف . وكنت مبتهجا بهذا الجو، وخاصةً حرية الاختيارالواسعة أمامي وأنا المراهق الذي بدون وعي سياسي ـ إجتماعي يذكر ، أو واعز أيديولوجي أو أخلاقي ؛ فأبي وعمي وجميع أقربائي كانوا يذهبون الى هذه الاماكن ويتحدثون عن ذلك أمامي. ولم أكن أعي لا عدم إنسانية الظاهرة، ولا أسبابها الإقتصادية والأجتماعية. وقد عرفت بعد ذلك عن هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر والعادات السيئة والأفكار البالية كالقمار و الكذب والخيانة والإيمان بالسحر والخرافات...والخ بفضل علاقتي بالحزب الشيوعي العراقي. بل وأكثر من ذلك تحولت من إنسان أهمل القراءة وكاد أن ينسى الكتابة إلى إنسان واع يعشق وطنه؛ حاول ويحاول أن يسهم، بأي قدر كان، في أن يكون وطنه حرا وشعبه سعيداًً.
يتبع
#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
3 - 1 نشأتي...طفولتي...وصباي
-
منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها 5 -5
-
منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها 4 ــ 5
-
منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها 3 ــ 5
-
منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها 2 -5
-
منظمة راية الشغيلة وتجربتي معها 1 -5
-
حدث هذا قبل نصف قرن 4 ــ 4
-
حدث هذا قبل نصف قرن 3 ــ 4
-
( حدث هذا قبل نصف قرن ( 2 ــ 4
-
حدث هذا قبل نصف قرن 1ـ 4
-
وقفة تأمل
-
ملاحظات حول مقال الأستاذ حامد الحمداني - مسيرة نضالية شاقة..
...
-
هل فازت أم خسرت قائمة -اتحاد الشعب- ؟
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|