أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أسامة عبد الرحمن - 27 ديسمبر 2008















المزيد.....

27 ديسمبر 2008


أسامة عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 4322 - 2013 / 12 / 31 - 21:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


(1)
"أنصمت يا ترى .. لأننا ودعنا عامًا حافلًا بالعذاب ؟ أم لأننا سوف نستقبل عامًا آخر، لا يبدو أقل عذابًا ؟ أم للأمرين معًا ؟ "

غسان كنفاني

(2)
"نفسي فداء للسماء قنابل الفسفور تملؤها كشعر الغول
ألف أفعى بيضاء نحو الأرض تسعى
والسماء تريد أن تنقض كالمبنى القديم
فنرفع الأيدي لنعدل ميلها،
وتكاد أن تنهار لولا ما توفر من أكف الطيبين
يا أهل غزة ما عليكم بعدها
والله لولاكم لما بقيت سماء ما تظل العالمين"

تميم البرغوثي

(3)
مما حدث في الحرب الحرب أن الطائرات كانت تقصف المنازل على من فيها .. وجينها لك نكن نشغل أنفسنا بالبحث عن ألواح اسمنتية تصلح لأن توضع كشواهد قبور .. أنقاض المنزل تكفي ..

(4)
كنت يومها في الجامعة (جامعة الأزهر بغزة) .. القاعة التي كنت أجلس فيها كانت مبنى منفصل مكون من طابق واحد فقط موجود في منتصف الحرم الجامعي .. اذكر أنه كان امتحانا للسنة الثالثة لكلية الصيدلة وكان أول امتحانات الفصل الدراسي النهائية، تأخر الامتحان لمدة نصف ساعة عن موعده بسبب خلل في جدول المواعيد ولو لم يحدث ذلك لبدأت موجة القصف الأولى ونحن في عراء الحرم الجامعي .. وخطورة ذلك تكمن في أننا وبعد سمع صوت الانفجارات بثواني فقط .. سمعنا صوت الشظايا التي تناثرت من موقع مدينة عرفات للشرطة والادارة العامة للجوازات تصطك بسقف القاعة المصنوع من الكرميد .. لقد حمانا القدر بتأخير موعد الامتحان ..

عندما خرجنا - وقبل انهاء الامتحان - واستعددنا لاخلاء الجامعة كانت الأخبار تصلنا تباعا رغم السقوط الذي أصاب شبكة الاتصالات الخلوية بسبب الضغط الهائل عليها .. ولكننا عرفنا أن المستهدف لم يكن موقعا عسكريا واحدا ولكن الأخبار تقول أن ستين طائرة عسكرية اسرائيلية مقاتلة قد نفذت مجموعة واسعة من الهجمات شملت قطاع غزة بالكامل .. واستهدفت فيه في الغالب مواقع حكومية

كان همنا الوحيد هو الوصول الآمن لبيوتنا ومنازلنا .. الآمن وصف للوصول وليس للمنازل والبيوت .. أعني أننا كنا نريد ان نصل للبيوت والمنازل عبر طرق آمنة بعيدة عن موجات القصف التي لم نكن نعرف أين ستحدث حتى إذا ما متنا يكون موتنا في بيوتنا وبجانب أهلينا وعوائلنا .. فذاك موت أكثر جمالا وأقل إزعاجا وحينها سيعرف أهلك بخبر موتك سريعا عندما تكون بالقرب منهم ولن يجتاحهم قلق مهول يمتد لساعات وساعات حتى تصلهم مكالمة من مجهول تخبرهم بأن جثة ابنهم في ثلاجة الموتي في إحدى المستشفيات وأنه قد أصيب بشظية بينما التاكسي الذي يستقله مر بجانب موقع ما تم قصفه بالطيران .. صدقوني ذلك ما كان يجتاح رأسي من هواجس حينها .. هل كانت تلك طريقة تفكير عشوائية وغير منطقية ولا تراعي تسلسلا منطقيا للأولويات؟ ربما! ولكن الحقيقة تقول أنه لم يكن هناك أولويات .. لأنه لم يكن هناك منطق .. كان الوضع قد قلب ميزان الترجيحات رأسا على عقب .. أصبح المكان الآمن شيئا من الخيال فيد الموت تصل إلى كل مكان .. قنابل الفسفور والشظايا العنقودية واليورانيوم وصورايخ طائرات الاستطلاع المذخرة موجودة فوق كل سماء وتصيب كل أرض .. أينما وليت وجهك تجد النار والدخان والدماء والأشلاء وسيارات الإسعاف والموت .. الموت يحيق بكل شيء .. فليس من المنطق ان تفكر في كيف ستنجو منه لأنه لا تعرف يقينا أن ذلك سيحدث .. ولكن بيقينية أكثر ستعرف أنك لو أسرعت الخطى وتحاشيت المشي شرقا في شارع جمال عبد الناصر وهبطت تجاه البحر ثم خضت في غمار الشوارع الجانبية حتى تعود شرقا نحو شارع الجلاء ستصل إلى نقطة بعيدة عن الجوازات ومدينة عرفات للشرطة ولن تضطر للمرور بموقع السرايا الخاص بالأمن الوطني حيث سيكون هناك عدد كافي من سيارات الأجرة التي تستطيع ان تقلك إلى منزلك .. لو أسرعت أكثر وتحليت بالقليل من الصبر ستصل .. ستسبق الموت .. ستكون مع أهلك وأخيرا ستكون مطمئنا إلى أنكم خدعتم الموت ووحدتم مصائركم بعدما كان يريد التفريق فيما بينها ..

(5)
لا كهرباء .. لا ماء .. لا وقود .. لا قدرة على التسوق للحاجيات الاساسية .. لا خبز .. لا طعام .. ولا قدرة على إعداده .. لأنه لا غاز طهي .. وبعد أيام كل ما استطعنا جمعه من حطب قد انتهى .. لا تموين كافي .. ولا علم إلى أين ستسلمنا أيدي الأيام التي كانت تقود خطانا إلى المزيد من المجهول .. تلك كانت حرب .. وهكذا تكون الحروب ..

ملاحظة: انقاض البيوت تشتعل لمرة واحدة فقط .. وأي رغبة في إعادة استخدامها تكون - كما أسلفنا الذكر - لإعداد شواهد القبور وليس لإعداد الطعام ..

(6)
للنفس البشرية قدرة عجيبة على تقبل النقائص داخل الشخصية الواحدة .. وربما يكون الأمر مجرد تفتح للعقل أو اكتساب قدرة على فهم الأمور بصورة مختلفة .. حدث موقف رواه لي صديقي عن والدته بعد انتهاء الـ 23 يوما الخاصة بالحرب نهائيا .. قال لي أنها تعمل مدرسة في مدرسة ابتدائية تقع بجانب موقع الجوازات الشرطي .. أثناء ذلك الصباح المشؤوم (27 ديسمبر) كانت جالسة في التاكسي الذي قام بنقلها إلى مكان عملها في تلك المدرسة التابعة لوكالة الغوث .. شاهدت في الصباح الباكر عشرات الشباب يقومون بتمارين الاحماء والركض في الشارع .. كانت دفعة من متدربي الشرطة الفلسطينية التابعة لحكومة حماس في غزة .. وكان اليوم هو تدريبهم النهائي قبل أن يقوموا بعد عدة ساعات باتمام مراسم تخرجهم من الدورة التدريبية المكثفة واستلام عملهم كمجندين جدد في الشرطة .. كلنا نعرف هذه القصة في غزة ولكن والدة صديقي لديها سيناريو آخر .. فهي قامت بمشاهدتهم وتابعت حركتهم وصرخاتهم العسكرية التي كانت ترج الشارع رجّا .. قالت بصوت عالي أن امحقهم وامحهم عن وجه الأرض يا الله ولا تغادر منهم أحدا (هي ببساطة مناصرة لفتح وتكره حماس .. فقط) .. بعد عدة أيام قال لي صديقي أنه وخلال إحدى المرات التي قامت فيها شركة الكهرباء بخطف دقائق قليلة أوصلت فيها التيار لمنزلهم جعلها تشاهد عبر الانترنت صورة لجثث شهداء مدينة عرفات للشرطة والجوازات .. ميزت فيهم والدته من دعت الله أن يفنيهم .. انخرطت والدته في بكاء هستيري شديد لم يتوقف لساعة أو أكثر .. قال لي صديقي أن والدته كانت تشعر وكأنها تحمل مسؤولية موتهم وتتمنى لو ظلت صامتة في تلك اللحظة .. وفكرت بكل أم وزوجة وابن وابنه وأخ وأخت لم يعد لهم لأنها دعت الله أن يفنيه ويمحقه ..

هذا نحن .. الفلسطينيون دائما هكذا .. نحب بعضنا حتى في أشد لحظات كرهنا لبعضنا البعض .. تذكرت أنني قرأت في مكان ما أن إحدى المعلومات الاستخبارية التي اعتمدت عليها اسرائيل في تنسيق وتجهيز هجومها على جنوب لبنان عام 1982 أن القوات الفلسطينية الموجودة داخل لبنان والتابعة لمنظمة التحرير مشغولة دوما بنزاعات داخلية يسقط فيها قتلى وجرحى في بعض الأحيان .. في 82 لم يُوجه سلاح فلسطيني في لبنان مهما كان انتمائه السياسي أو الحزبي إلا ناحية العدو الحقيقي .. وهكذا كنا في غزة في 2008 / 2009 .. توحدت أسلحتنا ودمائنا ودموعنا وأحزاننا وصبرنا وعزيمتنا وقدرتنا على تخطي هذه الازمة - كما غيرها في السابق - ونحن أقوى وأقدر على المواجهة والصمود ..

(7)
كثير من الاحصائيات صدرت ونشرت في الصحافة تشرح خسائر الحرب البشرية والاقتصادية .. وكلها متضاربة وغير دقيقة .. لا أحد استطاع أن يعطي إحصاء دقيقا لتعداد الشهداء والجرحى فقد كان التعداد آخر همومنا في تلك الأيام السوداء لا أعادها الله .. أصلا ذلك لا يحدث إلا في حالات الإبادة الجماعية .. وأصلا ذلك ما كنت نتعرض له ..

وما حاجتنا إلى الأرقام .. نحن نعرفهم .. الشهداء على كثرتهم وكثرة عددهم نعرفهم .. نعرف وجوههم وملامحهم وطبائعهم وأحلامهم وأمنياتهم .. ونشاركهم فيها .. هما منا ونحن منهم .. سيحدث شيء من اثنين على الدوام لا ثالث لهما: سنلقاهم يوما ما .. أو سنفرح ونحتفل بتحقيق الحلم الذي حلموه جميعا يوما ما ..



#أسامة_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن قلعة الشقيف اتحدث .. 1982
- عندما يضع السياسي رقبته على المقصلة لمصلحة دولته .. ليكود 82 ...
- جلاكسو ستتوقف عن رشوة الأطباء لأنهم أصبحوا يدركون قيمة الأخل ...
- تخلص من الكبدي الوبائي ب84 ألف دولار
- التصنيع الدوائي .. الأولويات والمعايير الأخلاقية
- تنامي الخطر الداهم للسلفية الجهادية في فلسطين


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أسامة عبد الرحمن - 27 ديسمبر 2008