|
أبحاث في العلاقات المسيحية الإسلامية - جزء 2
لطفي حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1230 - 2005 / 6 / 16 - 07:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أبحاث في العلاقة المسيحية الإسلامية جزء -2
ثانياً: مواقف إيجابية في العلاقات المسيحية الإسلامية عبر العصور
أدرس هنا مواقف بعض الجماعات المسيحية أو المسيحيين الأفراد، عبر التاريخ، من المسلمين والإسلام. أولاً: العلاقة بين المسلمين والمسيحيين أيام النبي (ص) والإسلام الأولى ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة: لما رأى الرسول ما يصيب أصحابه من البلاء قال: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم أحد عنده، حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه.. فخرج المسلمون إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام.. واشتدت قريش على المسلمين، وتتابع المسلمون إلى الحبشة فكمل بها تمام اثنين وثمانين رجلاً، والنبي (ص) مقيم بمكة يدعو إلى الله سراً وجهراً، ولما رأت قريش أن المهاجرين قد اطمأنوا بالحبشة وأمنوا، وأن النجاشي قد أحسن صحبتهم، ائتمروا بينهم فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي أمية ومعهما هدية إليه وإلى أعيان أصحابه، فسارا حتى وصلا الحبشة فحملا إلى النجاشي هديته وقالا: إن ناساً من سفهائنا فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دين الملك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم. فردّ النجاشي على من أوصلوا له رسالة الرجلين قائلاً: لا والله لا أسلم قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم وأسألهم عما يقول هذان، فإن كانا صادقين سلمتهم إليهما، وإن كانوا غير ما يذكر هذان منعتهم وأحسنت جوارهم. ثم أرسل النجاشي إلى أصحاب النبي (ص) فدعاهم فحضروا، وقد أجمعوا على صدقه فيما ساءه وسره، وكان المتكلم عنهم جعفر بن أبي طالب. فقال لهم النجاشي: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من الملل؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا لتوحيد الله وأن لا نشرك به شيئاً ونخلع ما كنا نعبد من الأصنام، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم، وأمرنا بالصلاة والصيام. وعدد عليه أمور الإسلام، قال: فآمنا به وصدقناه وحرمنا ما حرم علينا وحللنا ما أحلّ لنا، فتعدى علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان، فلما قهرونا وظلمونا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلادك واخترناك على من سواك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ فقال: نعم.. فقرأ عليه سطراً من كهيعص، فبكى النجاشي وأساقفته، وقال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مسكاة واحدة، انطلقا.. والله لا أسلمهم إليكما أبداً! فلما كان الغد قيل للنجاشي: إن هؤلاء يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً. فأرسل النجاشي فسألهم عن قولهم في المسيح فقال جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. فأخذ النجاشي عوداً من الأرض وقال: ما عدا عيسى ما قلت هذا العود. فنخرت بطارقته. فقال: وإن نخرتم.. وقال للمسلمين: اذهبوا فأنتم آمنون، ما أحب أن لي جبلاً من ذهب وأنني آذيت رجلاً منكم. وردّ هدية قريش وقال: ما أخذ الله الرشوة مني حتى آخذها منكم، ولا أطاع الناس في حتى أطيعهم فيه، وأقام المسلمون بخير دار. ولما مات النجاشي كانوا لا يزالون يرون على قبره نوراً. نصارى نجران: وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله، وأرادوا مباهلته فخرج الرسول ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، فلما رأوهم قالوا: هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها، ولم يباهلوه وصالحوه على ألفي حلة.. ثمن كل حلة أربعون درهماً، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله، وجعل لهم ذمة الله تعالى وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ولا يعشروا، وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به. ومن نص العهد، كما ورد عند البلاذري في فتوح البلدان: "ولنجران وحاشيتها حوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم وأموالهم، وغائبهم وشاهدهم وعيرهم وبعثهم، وأمثلتهم. لا يغيّر ما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم وأمثلتهم. لا يُفتن أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته... وليس عليهم رهق ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ أرضهم جيش. من سأل منهم حقاُ فبينهم النَصَف، غير ظالمين ولا مظلومين بنجران... ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر. ولهم على ما في هذه الصحيفة جوار الله، وذمة محمد النبي أبداً حتى يأتي أمر الله ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئاً بظلم". ومن الأحداث الجميلة التي تدل على سعة صدر المسلمين تجاه المسيحيين قصة وردت في فتوح البلدان للبلاذري حيث يقول: حدثني هشام بن عمار أنه سمع من المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب عند مقدمه الجابية من أرض دمشق مرّ بقوم مجذمين من النصارى فأمر أن يعطوا من الصدقات وأن يُجرى عليهم القوت... وإن التعايش وصل إلى درجة صلاة المسيحيين بطقوسهم داخل المسجد.. فقد ورد في السيرة النبوية لابن هشام، أن الرسول عندما وفد إليه وفد من نجران دخلوا عليه مسجده في المدينة المنورة، وعندما حانت صلاتهم قاموا في مسجد رسول الله يصلون فقال الرسول: "دعوهم فصلوا إلى بيت المشرق". رئيس الكنيسة النسطورية عام 650م: قال: "إن هؤلاء العرب لا يحجمون عن محاربة المسيحية فحسب، بل إنهم يكبرون ديننا ويثنون عليه، ويحترمون قسسنا ورجالنا المقدسين، ويقدمون الهدايا لأديرتنا وكنائسنا". ثانياً: العصر العباسي الأول (750 – 846) من أعظم العصور العربية والإسلامية لانفتاحه على الثقافات المختلفة وتمهيده لساحات لقاء بين الحضارات المنتشرة في البلاد الإسلامية التي شكلت في ذلك الزمن إمبراطورية واسعة الامتداد. ويبدو أن العقلية العباسية تنورت واتبعت أحاديث نبوية تشجع العلم والمعرفة والحكمة، والبحث عنها "ولو في الصين" و" طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". فقدمت الثقافة المسيحية على أيدي النساطرة واليعاقبة والموارنة ومدارسهم الثقافة والفلسفة اليونانية باللغة السريانية ، كما كان الغساسنة والمناذرة عرباً مسيحيين وقد أسهموا في ثقافتهم باللغة العربية في تنويع مصادر الحضارة. لقد شعر الخلفاء العباسيون بالحاجة إلى ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية، فوجدوا في السريان ضالتهم لأنهم يتقنون اليونانية والعربية.. ومن أشهر المدارس في ذلك الوقت كانت مدرسة الرها ومدرسة نصيبين ومدرسة جنديسابور ومدرسة قنسرين ومدرسة أنطاكية ومدرسة حران. كذلك قدمت الثقافة الهندية الكثير من العلم في مجالات الرياضيات والطب والنجوم والإلهيات، بالإضافة إلى ذلك كان هناك اليهود وثقافتهم والصابئة والمجوس والزرادشتيون والمانويون والمزدكيون.. وكل هؤلاء شكلوا مزيجاً متنوعاً متكاملاً من الحضارات والثقافات التي تعمل معاً من أجل ازدهار الدولة والإنسان. ومن الحوادث التي تروى أن الخليفة أبو جعفر المنصور (753 – 775م) كان مصاباً بمرض في معدته، وقد اشتد عليه الداء وامتنع على أطباء بلاطه شفاؤه، فاستقدم الطبيب النسطوري جورجيوس بن بختيشوع ولما شفي بعلاجه أمر الخليفة بتوليه نقل الكتب الطبية إلى العربية لينهل منها جميع العرب. كذلك أنشأ الخلفاء مكتبات وجمعوا الكتب النفيسة من كل حدب وصوب.. وقد بعث المأمون بالوفود إلى الهند وبلاد فارس واليونان للتفتيش عن الكتب العلمية وشرائها، كما جعل الحصول على الكتب من أحد شروط وقف القتال واعتبرها غنيمة من غنائم الحرب. وشجع أيضاً المفكرين والعلماء وجدد مدرسة الترجمة "دار الحكمة" في بغداد.. ومن أهم المترجمين أربعة من العصرين العباسيين الأول والثاني وهم حنين بن إسحق، قسطا بن لوقا، يحي بن عدي، وثابت بن قرة. حوار طيموثاوس الجاثليق مع الخليفة المهديّ سنة 781م( ): هذا الحوار من أجمل الحوارات المسيحية – الإسلامية وربما أوله، وأورده هنا لأظهر مدى انفتاح الديانتين وتسامحهما أيام العصر العباسي. وملكنا الحليم، المملوء حكمة، قالي لي: "ماذا تقول عن محمد؟". فجاوبته قائلاً: إن محمداً يستحق المدح من جميع الناطقين، وذلك لأجل سلوكه في طريق الأنبياء ومحبّي الله. لأن سائر الأنبياء قد علّموا عن وحدانية الله، ومحمد علّم عن ذلك. فإذاً هو أيضاً سلك في طريق الأنبياء. ثم كان أن جميع الأنبياء أبعدوا الناس عن الشر والسيئات وجذبوهم إلى الصلاح والفضيلة، هكذا محمد أبعد بني ملته عن الشر، وجذبهم إلى الصلاح والفضائل، فإذاً، هو أيضاً قد سلك في طريق الأنبياء. ثم إن جميع الأنبياء منعوا بني البشر من سجدة الشياطين وعبادة الأوثان، وحرضوهم على عبادة الله (عزّ وجلّ) والسجود لجلالته. هكذا محمد منع بني ملّته من عبادة الشياطين والسجدة للأوثان، وحرضهم على معرفة الله والسجود لـه تعالى: الذي هو وحده إله، وليس بإله آخر سواه. فقد اتضح إذاً أن محمداً قد سلك في طريق الأنبياء. ثم إن كان محمد قد علّم عن الله وكلمته وروحه فجميع الأنبياء تنبأوا عن ذلك، فمحمد إذاً قد سلك في طريق الأنبياء. فمن لا يمدح ويكرم ويبجّل ذلك الذي يحارب من أجل الله؟ ليس بالكلام فقط بل وبالسيف أيضاً أظهر الغيرة لأجل البارئ تعالى. وكما فعل موسى النبي في بني إسرائيل الذي صنعوا عجلاً من ذهب، وسجدوا له فقتل بالسيف وأباد جميع الذين سجدوا للعجل، هكذا محمد أيضاً صنع، لما أظهر الغيرة من أجل البارئ (سبحانه تعالى) وأحبه وكرّمه أكثر من نفسه وعشيرته وبني أمته. والذين كانوا يتبعونه في إكرام الله ومخافته كان يمجدهم ويكرمهم ويمدحهم ويوعد لهم أيضاً الجنة والمجد والإكرام، من لدن الله في هذا العالم، وفي الآخر بالجنة. والذين كانوا يعبدون الأصنام ويسجدون لها، كان يحاربهم وينذرهم بعذاب أليم في نار الجحيم التي بها يحترق المنافقون، وهم فيها خالدون. وكما فعل إبراهيم، خليل الله، الذي ترك الأوثان وأبناء جنسه، وتبع الله وسجد لـه، فصار يعلّم عن وحدانية الله للأمم.. هكذا صنع أيضاً محمد، لما ترك سجدة الأوثان، والذين كانوا يسجدون لها من بني جنسه وغيرهم من الغرباء، فأكرم فقط ذلك الذين هو وحده إله الحق، وسجد لـه. ثالثاً: العصور الوسطى فرنسيس الأسيزي: من أعظم القديسين في المسيحية وأقربهم إلى روحها.. اختار الفقر التام في شبابه، وجذب إليه آلاف الرهبان والراهبات.. ولد عام 1181، في مدينة أسيزي بإيطاليا، وعاش فترة الحروب الصليبية.. وكإنسان ابن بيئته، جاء إلى الشرق مع إحدى السفن المسافرة التي تقل المحاربين الصليبيين.. وقد أرست تلك الباخرة في دمياط التي كان يحاصرها الصليبيون منذ سنة.. وهناك تبيّن لـه أن دافع الكثيرين لم يكن روحياً أو دينياً، وإنما روح المغامرة والسلب والمتعة، وأدرك سبب فشل الحملات لأنها حملت العنف والقتل والدم.. ولما علم أن الصليبين ينوون الهجوم صباح 29 آب أنذرهم بهزيمة نكراء، لكنهم سخروا منه ومضوا في طريقهم وحلت الكارثة التي أودت بحياة تسعة آلاف محارب!!.. وشعر فرنسيس بعد ذلك أن هؤلاء الذين رفعوا الصليب شعاراً كانوا أبعد عن المسيح من المسلمين الذين جاؤوا "لردهم إلى الدين المسيحي"، فصار يبشر المحاربين بالسلام والفقر والأخوة حتى تخلى الكثيرون عن السلاح واعتنقوا الفقر الفرنسيسكاني.. وفي هذه الأثناء عقدت هدنة بين فريدريك الثاني والملك الكامل، ففكر فرنسيس في بدء حوار مع المسلمين.. واصطحب أحد الإخوة، رغم معارضة القادة العسكريين، وسارا إلى طرف المسلمين.. فاعترضوهما وأوسعوهما ضرباً فيما كان فرنسيس يهتف بأعلى صوته: سلطان.. سلطان.. فظن الجنود أنهم أمام رسولين منتدبين.. فمضوا بهما إلى المعسكر حيث أوضح فرنسيس رغبته في محاورة السلطان بشأن الإنجيل.. وكان الملك الكامل واسع الفكر، رحب الصدر فرحّب بالراهبين.. ويقال إنه دعاهما إلى الصلاة في إحدى المساجد فلم يتردد فرنسيس وقال: "إنني سأدعو هناك ربي فالله في كل مكان". ويبدو أن اللقاء قد صحّح بعض الأفكار المسبقة الخاطئة لكل من الطرفين عن الآخر.. وتبين للملك الكامل أن المسيحيين الحقيقيين هم دعاة سلام ومحبة.. وقد أغدق الملك الهدايا على فرنسيس الذي رفضها وحث السلطان على إنفاقها على الفقراء.. وفي النهاية انصرف فرنسيس وصديقه مشيعين بحجّاب السلطان وتمنياته الطيبة لهما.. وللأسف سقطت دمياط في الخامس من تشرين الثاني 1219 واحتل الصليبيون المدينة، لكن مناظر الموت والسلب أدمت قلب فرنسيس فترك مصر ومضى إلى عكا. بيار أبيلار (1079 – 1142م): هو مؤلف كتاب "اللاهوت المسيحي"، حيث رفض فيه أن المسيحيَّ وحده مهيأ للخلاص، ووصف هذا الاعتقاد بأنه منافٍ للعقل فالله عنده يحب جميع البشر. وبسبب آرائه المنفتحة فُرض عليه أن يلزم الصمت إلى الأبد، ويحجرَ نفسه في أحد الأديرة بناء على قرار باباوي. وتوفي في دير كلوني في بورغوندي. البابا غريغوريوس السابع (1073 – 1085م): تعززت العلاقة بين البابا غريغوريوس السابع وملك موريتانيا المسلم بتحرير بعض الأسرى وإرسال الهدايا والرسائل. ومن قوله في إحدى رسائله: "يجب علينا نحن وأنتم أن نعطي للأمم الأخرى مثالاً على محبة الله، لأننا نؤمن ونعترف بإله واحد ولو بطرق مختلفة، ونسبحه ونعبده كل يوم كخالق الأزمنة كلها وسيد هذا العالم". وهناك أيضاً رسالة بعثها البابا غريغوريوس السابع عام 1076 إلى الأمير المسلم الناصر الذي كان يتولى الحكم في بجاية، الجزائر الحالية وقد جاء فيها: "إن الله القدير الذي يودّ أن يخلص الجميع ولا يهلك أحد لا يحبذ شيئاً فينا أكثر من أن يحب المرء قريبه بعد حب الله، وألا يصنع بالغير ما لا يريد أن يصنع الغير به. إننا نتمنى، نحن وإياكم، هذه المحبة لذواتنا، لا سيما وأننا نؤمن ونعترف بالله الواحد، ونقرّ به، كل على طريقته الخاصة، ونمجده يومياً ونكرمه، هو خالق العالم وسيد هذا العالم". رامون لول: استلهم رامون لول وهو راهب فرنسيسكاني إسباني بعض كتاباته في الحب من متصوفي الأندلس كابن عربي. وهو من مواليد 1232 أيام كانت الحروب الصليبية ما تزال قائمة، وقد كتب باللغة العربية "كتاب الوثني والحكماء الثلاثة" يبين فيه كيف أن (الحكماء الثلاثة) أي اليهودي والمسيحي والمسلم أنقذوا الوثني ويعني به الكافر من يأسه في الحياة، إذ حملوا لـه رسالة السماء وهي أن الإنسان ليس وحيداً وأن للعالم معنى جميلاً. ويذكر رامون أحاديث الحكماء الثلاثة الذين يريد كل منهم أن يبيّن سمو قانونه. وبعد أن أقنعوا الوثني وأعادوا لـه فرح الحياة ومعناها، ذهلوا من نبل صلاته وحرارتها. كما شعروا أنهم آثمون ووعوا وحدة إيمانهم العميق وخطيئة انقسامهم، وانتهوا إلى النتيجة المشتركة التي تكون الإرث الثمين لهذا الاتحاد الوثيق في الأندلس في تلك الأيام بين هذه الثقافات الثلاث: وهذه النتيجة هي أن الحرب والعذاب وروح الإيذاء تفرض على الناس الاختلاف وتمنعهم من الاتفاق على اعتقاد واحد. ومن النقاط الجميلة أيضاً في هذا الكتاب إعراض كل واحد منهم عن استمالة الوثني لدينه بعد أن أخذ يسألهم إلى أي دين يجب أن ينتمي. ويقول رامون لول كخلاصة لكتابه على لسان أحد الحكماء الثلاثة دون ذكر عقيدته ليزيد انطباع التوحد والاتفاق: بما أنه ليس لنا سوى إله واحد، وخالق واحد ورب واحد، فليس عندنا إلا إيمان واحد وناموس واحد وطريقة واحد في محبة الله وإكرامه، فنحب بعضنا بعضاً ويعين بعضنا بعضاً، ولا تعود تفرقنا خلافات في الإيمان وفي الأعراف، إذ أنه بسبب هذه الاختلافات يصنع بعضنا العراقيل للبعض الآخر، ويحارب بعضنا البعض الآخر ويقتل بعضنا بعضاً. والحال أن هذه الحرب وهذا الموت وهذه العبودية أمور تمنعنا من أن نحمد الله ونجله ونكرمه على نحو ما ينبغي أن نصنعه كل أيام حياتنا". توفي رامون لول عام 1316م. فهل من مصغٍ بعد سبعة قرون!. الكاردينال نيقولاوس الكوزاني (1401 – 1461) أسقف كوز: لـه كتاب مهم في السلام بين الأديان الإبراهيمية بعنوان "سلام الإيمان" عام 1453. كما كتب شرحاً نقدياً للقرآن بعنوان "في غربلة القرآن"، الذي يهدف إلى مباشرة حوار ينطلق مما هو مشترك بين المسيحيين والمسلمين. وتواصل أسقف كوز أيضاً مع مطران سيزاره، جان سيغوفي، الذي عمل أيضاً في مجال تفسير القرآن. يصوّر أسقف كوز موقفه العقائدي بشكل رؤيا.. يرى فيها نفسه مرتفعاً إلى السماء حيث يسأل الملائكة الله أن ينعم على البشر بدين وحيد شامل مع اختلاف الطقوس والشعائر والممارسات. وفي تلك الرؤيا يقود المسيح المباحثات التي تنتهي بالحفظ على طقوس كل أمة وشعائرها بعد المحافظة على الإيمان والسلام.. لكن نيقولاوس يفترض أيضاً إيمان الجميع بالله الواحد والله الثالوث والإيمان بالمسيح. ويعتقد أن الاختلاف الظاهري بين الأديان الثلاثة سببه امتناع الله على الإدراك، وأن لا تصور بشرياً يحمل حقيقة الله الكاملة وبالتالي فإن كل تصور إنساني هو ناقص بما فيه التصوّر المسيحي لله. كثيرون اعتبروا الأسقف قد انزلق في هاوية التوفيقية التي تلغي الحقيقة والخصوصية.. وطبعاً الهاوية الأخرى هي التميز والانغلاق والانفصال.. ومن الصعب دوماً السير بين الهاويتين!!. * * في القرن الثالث عشر، كانت بعض بيوت الدومنيكان في إسبانيا مراكز للدراسات الإسلامية. وكانت أول دراسة منتظمة للإسلام وتاريخ الحضارة الإسلامية، في نهاية القرن السادس عشر حيث بدأ تدريس اللغة العربية عام 1587 بشكل منظم في المعهد الفرنسي في باريس. وفي عام 1613، بدأت إمكانية الدراسة الجامعية للغة العربية في جامعة ليدن في هولندا. وتبعتها جامعة كمبرديج عام 1632 وأكسفورد 1634. في القرن السابع عشر قام بادورد بوكوك بدراسات عن علم الأنساب عند العرب وعن الديانات في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وكذلك العقائد الإسلامية الأساسية "وإحياء علوم الدين" للغزالي، وجمع هذه الدراسات في كتابه "نماذج في التاريخ العربي" المكتوب باللاتينية. كما قام جورج سايل بأول ترجمة دقيقة للقرآن إلى الإنكليزية في نهاية القرن السابع عشر معتمداً على الترجمة اللاتينية التي قام بها لودفيكو ماراتشي. يعتبر سلفستر دوساسي (1758 – 1838) مؤسس الدراسات الإسلامية الحديثة في فرنسا، حيث نشأت مدرسة اللغات الشرقية الحية في نهاية القرن الثامن عشر. وكان الطلاب يتوافدون عليه للدراسة من جميع بلدان أوروبا ليتابعوا دراساتهم المتقدمة في العالم الإسلامي. لكن أهم شخصية علمية أوروبية درست الإسلام وتطوره كحضارة ودين كان شخصية "أغناس جولد تسيهر" وهو يهودي هنغاري من القرن التاسع عشر. وقد تابع دراساته في الأزهر بعد تتلمذه على سلفستر دوساسي. ومن جيله كان سنوك هورغرونبه (1857– 1936) الذي أقام في مكة لمدة سنة (1884 – 1885) كراغب في فهم الإسلام، وكتب بعدها كتابه "مكة" الذي يصف الحج والحياة في المدينة المكرمة. وبعد ذلك بأربعة عشر عاماً أقام في إندونيسيا لسبع سنوات كمستشار للحكومة الهولندية المستعمرة هناك. وهناك اكتشف من جديد ما تعلمه في مكة من أن الإسلام حقيقة حية ومتغيرة. إن هذه الفكرة القائلة بأن الإسلام أكثر من مجرد نصوص بل شيء حي في الفرد المسلم كانت فكرة جديدة في الدراسات الأوروبية، تبناها لويس ماسينيون. في عام 1730، نشر هنري دو بولنفيلييه كتاباً عن "حياة محمد" عبّر فيه عن إعجابه البالغ بنبي الإسلام، كما كتب كل من غوته وكارليل وفكتور هيغو صفحات شهيرة في تمجيد النبي محمد. وفي أوبرا "الاختطاف في السراي" قدم موزارت شخصية الباشا سليم، وهو رجل مسلم، في صورة رجل حكيم وكريم يرى "أن مقابلة الإساءة بالإحسان ترضي النفس رضاء أكبر من مقابلة الإساءة بالإساءة" ويطلق الباشا سراح أسيرته كونستانس في نهاية الأوبرا مما يجعل الجمهور يحيّي بإعجاب سمو روحه. • * * وضع وليم مور (1819 – 1905) كتابه الشهير "حياة محمد" الذي بقي المرجع الرئيسي لسنوات طويلة رغم وجود عدد من الصفات السيئة. وفي القرن التاسع عشر كان إرنست رينان (1823 – 1892) أحد أهم المفكرين الأوروبيين الذين درسوا الإسلام، ويخبر رينان كيف فقد إيمانه الكاثوليكي مع احتفاظه بالبحث الصادق عن الحقيقة، وقد اتبع مبدأ أو علم فقه اللغة في بحثه، وكرس حياته لهذا وتعمق في فيلولوجيا اللغات السامية وتاريخ اليهود والمسيحية، ودرس فلسفة ابن رشد، واستخلص من دراساته أن طبيعة اللغة تحدد الحضارة. وأن الروح السامية التي أنتجت الوحدانية الإلهية في الأديان الثلاثة قد أقفلت الدماغ البشري في وجه أية فكرة بارعة، وأي شعور رفيع، وكل بحث عقلاني. وفي محاضرة سلبية حول "الإسلام والعلم" يقول: "كل من زار الشرق أو أفريقيا يُجابه بنوع من الحلقة الحديدية التي تسجن رأس المؤمن، جاعلة إياه مغلقاً تماماً عن استيعاب العلم، وغير قادر على أن ينفتح على أي شيء جديد". طبعاً هذه النظرة المتطرفة جوبهت بردود متعددة منها مقالة لجمال الدين الأفغاني. وقد تكون هذه الاستفزازات سبباً في حركة تجديد الإسلام التي بدأت في تلك العقود على أيدي جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. في القرن التاسع عشر كان ف.د. موريس أحد كبار اللاهوتيين الإنكليز وشغل منصب أستاذ اللاهوت في معهد كينغ في لندن، وكان يرى أن نجاح الرسالة المحمدية لم تكن بمجرد قوة الجيش وإنما إيمان المسلمين، كذلك شخصية النبي وقوة إيمانه الراسخ. ويقول موريس: إن الإسلام قد أعاد إلى العالم الشعور بإرادة الألوهية الفائقة القدرة، التي يجب أن تخضع لها كل إرادات البشر. بالطبع كان موريس والمفكرون الآخرون يرون في الإسلام القرآن والنبي محمداً وفتوحات المسلمين الأوائل، وبقيت هذه الفكرة هي السائدة حتى القرن التاسع عشر.
#لطفي_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينة من نار - جزء رابع
-
أبحاث في العلاقات المسيحية - الإسلامية
-
مدينة من نار - جزء ثالث
-
مدينة من نار - جزء ثانٍ
-
مدينة من نار - جزء أول
-
حضارة الحب
-
حوار لاهوتي بين المسيحية والإسلام
-
المخلصون الجدد
-
المستشرقون والإسلام
-
الإلحاد والبدع المسيحية الجديدة
-
عيسى التائه
-
جماعة كركوك.. الأدب العلماني
-
البابا يوحنا الثاني والإسلام
-
هاننتون وحدود الإسلام الدموية
-
الكتاب المقدس والعنف
-
هنري كوربان والإسلام الشيعي
-
لويس ماسينيون، مسلم على مذهب عيسى
-
جاك بيرك والعروبة
-
ديزموند توتو وسجناء ربيع دمشق
-
مانديلا .. سيد قدره
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|