|
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissociation of the structure of ideological´-or-intellectual) ج3
سجاد الوزان
الحوار المتمدن-العدد: 4322 - 2013 / 12 / 31 - 11:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الصياغة الفكرية للبنية المعرفية للعقل العربي : (Formulation of knowledge of the Arab mind)
إن السبيل إلى النهوض في الواقع المعرفي للعقل العربي يستدعي كثيراً من السهر والتفكير والتعب، لأن جميع معارفنا منقطعة وفردية وتعتاش على الفكر الآخر، وترسم مسيرتها من مسيرة تخرج عن واقعها، لأن مقولة البشرية جميعها ترتكز إلى حضارة إنسانية واحدة باطلة ولا دليل على صدقها، فوجود حضارات متعددة هو شيء متحقق في الواقع والأدلة عليه كثيرة حفرية جيولوجية وتاريخية وغيرها، وتعدد الحضارات يعني إنه لكل بيئة ظروف وعوامل تغير وتحكم بنيتها الفكرية، وعوامل تستعيد من بنيتها الفكرية . فلا بد من إصلاح الواقع العربي من واقع عربي، وإنما تبقى تجربة الآخر أنموذجاً لدعم عناصر التجربة، وليست هي التجربة لوحدها، فالعقلية العربية فيها نضوج وذكاء وانتظام وعناية دقيقة بالتفكير، بل وبصحة أغلب نتائج المعرفة العقلية التي أنتجها العقل العربي، وإنما أزمة هبوط العقل العربي مرهونة ومنوطا بعوامل داخلية وخارجية أسهمت إسهاماً كبيراً في تحجيم العقل العربي وجعله يشتغل بأمور تافه، كالتفكير بجواز لبس الحجاب أم لا، وجواز قيادة السيارة من قبل المرأة أم لا، وتقديس السلطان، والتمذهب والتطرف والتكفير والجهاد ضد المخالف بالرأي، وغير ذلك من عوامل سلب النباهة العقلية وعمليات الفكر العقلي والتأمل الباطني للنفس والعقل للخروج بواقع صالح للزمان والمكان والحداثة والتطور .
العامل الداخلي : ويقوم هذا العامل بتجميد دور العقل في البيئة العربية، وجعل الثوابت تتحرك حركة تجبر العقل على القبول بها، لكونها البديل الوحيد لغياب أي نوع من المعرفة، متناسين إن فهم الثابت يحتاج إلى وعي عقلي كبير، ليحقق مفاد النص ومبتغاه، بل وسعت العقول المحكمة بالثابت إلى جعل المجتمع ثابت وبليد ومتكاسل عن كل عملية وعي وفهم وتفكير بذلك الثابت، وهذا ما مارسه الفقهاء على عقلية المتدينين، وبالتالي نتجت عقلية تعبوية تراكمية من النصوص، ومستلبة من حيث الفهم لتلك النصوص، مما عكست بلادتها المعرفية على العقل العربي، مما جعلته يكتري ثقافته وعقلنته من الثقافت الأخرى، مما أفرض عليه واقعاً عقلياً جديداً ينكر واقعه القديم بالجملة، ويثبت واقعه الجديد بالجملة، ثورتاً منه على الواقع القديم وعلى المنطق القديم، وهذا مما أدى إلى جعل العقلية والبنيوية المعرفية الجديدة عند الفرد العربي مضطربة ومتخبطة ومتداخلة الثقافات، بحيث لا يمكن التمييز بين المفيد منها وبين الفاسد منها، بل جعلوها جميعها صالحه للزمان والمكان .
العامل الخارجي : وهو عامل التدخلات الخارجية في بناء العقلية العربية الجديدة، وصياغتها صياغة تتهم واقعها دائماً بالتخلف والانهيار بلا أن تقدم له وسيلة واحدة تصلح ذلك التخلف وتبني ذلك الانهيار، فهي نقدية بامتياز، وعبثية بامتياز، ولكن متكاسلة في برمجة المنظومة المعرفية الجديدة والصالحة بامتياز أيضاً، كما وإن الاستعمار العالمي قد جعل العقلية العربية تنظر إلى نفسها نظرة خذلان واستصغار وانكسار نتيجة تسلط تلك القوى الهيمنية على مقدراتها، متناسية هذه العقلية العربية إن الاستعمار لا يطرق باب البلدان ما لم يكن الباب مفتوحاً، فدول العولمة لا تطرق أبواب الحدود، وإنما تدخل بأنسيابيه من الأبواب وبلا أن تطرقها، وذلك لأنها مقدماً صنعت للعقول التي تقف وراء الأبواب عملية غسل وتمويه، وبناء نظرية (الخيانة السبيل الوحيد لتطور المجتمع من أزمته الراهنة)، فأصبح رأس السلطان فاسداً وعقله خائناً، وأصبحت الرعية فاسدة، وعقل الرعية يعشق الخيانة، ويعشق تمجيد الغير، وتنكيس كل ما يمت لبلاده بصلة، حتى نتجت أزمة (الهوية العربية) و(العقلية العربية) فلا هوية ليتحرك بها الفرد العربي ككيان متحرر من جميع قيود التبعية واستلاب قيمة التي كان يؤمن بها والتي كانت جزئاً من هويته العربية والمعرفية، ولا عقلية صالحة ليتخلص من مرض الخيانة وانعدام الثقة بالآخر وبكل ما يمت للعرب بصلة ثقافتاً وفكراً ومجتمعاً وغير ذلك من عناصر تكوين الهوية والعقلية العربية كصفة تميزها عن غيرها من الثقافات .
تحديد طرق التفكير المعرفي للعقل العربي :
يمكننا أن نحدد ثلاثة أنواع أو طرق من التفكير : التفكير العلمي التجريبي الذي يقوم على التجربة والتطابق مع الواقع، ثم التفكير الفني التأملي ويعتمد على الوجدان الشخصي والشعور الذاتي، وأخيراً التفكير الخرافي المتناقض المتهافت، وإن لكل منهم منهجه الخاص به وخطواته التي تختلف عن غيرها، فالتفكير العلمي يستخدم أدوات أساسية هي العقل باستدلالاته المختلفة إلى جانب التجربة التي يستمدها من العالم الخارجي، وخطواته هي نفسها خطوات المنهج التجريبي : 1) الشعور بالمشكلة وتحديدها . 2) فرض الفروض المختلفة لتفسيرها . 3) التحقق من صحة بعض هذه الفروض بالمناقشة أو التجربة .(16)
والعقلية العربية ولاستعادة نهضتها وبنيتها المعرفية كاملة، تحتاج إلى ترسيخ طريقة (التفكير العلمي التجريبي) المعتمد على أساس التطابق مع الواقع، وبما يناسب البرهان العقلي، وعزل جانب التفكير الفني التأملي الذي يستخدمه الشعراء والعرفاء، لأنه قد يكون مرحلة أعلى من مرحلة التحصل بطريقة العلم التجريبي، وتدمير أي عملية تفكير مما لها صله بذلك الطريق الخرافي والتهافتي المتناقض مع مرجعية العقل وشهودية التأمل . فاليوم مشاكلنا محددة، وجميع المبدعين في نقد الواقع قد أراحونا من عناء البحث عن المشكلة وأزمتها، فمشكلة العقل العربي وواقعه متمركزة بعدة أمور من أبرزها : 1) الدعوة الدينية من قبل فقهاء الدين إلى بناء الحاضر بعينية الموروث القديم، وبلا أن تدخل عليه أي عملية تغيير فهمية بما تناسب الواقع الزمكاني المرتبط بعالم الحداثة والنظرة الكونية الجديدة . 2) عقلية العنف الإجتماعي وجعله الوسيلة المرضية لتحقق جميع الحلول للمشاكل التي يعاني منها الإنسان المقهور والمظلوم والمضطهد، وذلك بسبب غياب نظرية المعرفة في المجتمع، وغياب نظرية العدل الإجتماعي بصورة مطلقة، مما كرس بناء المفهوم العنفي والجريمي لنزع الحقوق وأخذها، أي غياب الدولة الحقيقية في المجتمع العربي . 3) عدم وجود رؤية عربية واضحة حول مفهوم الدولة، والدولة الصالحة، والمواطنة الصالحة، والمجتمع الصالح، والفرد الصالح، وتفرقة هذه المفاهيم عن الدولة الشرورية والدولة الظالمة والمغتصبة لملكية الشعب والفرد والفقراء والمعوزين، وهذا كله ولد مزيداً من الثورة الداخلية على عناصر الهوية والعقلية العربية، حتى وصفت بالتفاهة والخرافة، وكونها بلاد الوحوش، وغياب الطباع الإنسانية . 4) عدم وجود تعليم ناجع وهادف يصنع جيلاً يحمل هم الأمة ويأخذ على عاتقه بناء الأمة، وبناء سعادة حقيقية لهذه المجتمعات التي عانت الويل والاضطهاد على مر التاريخ . 5) غياب البنيوية والشبكة المعرفية التخصصية لرؤساء الدول العربية، مما جعلها تستعين بعقليات غريبة عن واقعها، وعزل شخوص التخصص في البلاد العربية من بناء أوطانهم وبلدانهم . 6) الاستمرار في تمويل العنف الإجتماعي من قبل السلطات الحاكمة، مما جعل المجتمع والعقلية العربية تعيش ديمومة الموت والقتل والعنف، حتى أصبحت عقيدة راسخة في المفهوم العربي .
وإن حل المشكلة متعلقٌ تعلقاً تاماً في فهم وتحديد المشكلة، فتحديد المشكلة هو فرضٌ أولي لحلها، فمثلاً عملية العنف الإجتماعي لا يمكن التخلص منها، ما لم نقطع تمويل مصادر العنف في بلداننا، من قبل السلطان والطاغية، أو من قبل رجل الدين، أو الأحزاب التعسفية القائمة على هذه اللغة العنيفة .(17)
وكذلك لا يمكن أن يتطور العلم لدينا لنلتحق بالدول الأخرى، ما لم نبذل الأموال في سبيل البحوث والعلوم والمعرفة والتعليم، بدلاً من بذلها على المجاهدين الذين يقتلون الأبرياء، وبدلاً من صرفها على تنظيمات إرهابية تقتل أفراد المجتمع بلا تنسكٍ ولا خوف، بل وبدلاً من صرفها على قنوات تقوم بتفكيك وتهديم الروابط الإجتماعية للفرد العربي بل وللمجتمع العربي ككل . ومن المشاكل المهمة التي نحددها هو إننا لا يمكننا صناعة عقلاً عربياً يوازي العقل الغربي، لأنهما ضدان على مر التاريخ، كما وإن الواقع العربي ليس واقعاً غربياً، وعلى المثقفين أن يراعُ ذلك بدقة، وفي التعامل مع عملية النقد للعقل العربي لأنك مقدماً ستفرض فساد واقعنا وتأخره، وستنهي إلى بناء واقع غربي في مجتمع عربي والنتيجة نكران واقع ذلك العقل .
والحال إن وحدة الهوية بين العقلين اليوناني والغربي هي المصادرة الابستمولوجية الكبرى التي يبني عليها الجابري مشروعه في نقد العقل العربي بالضدية معهما، ووحدة الهوية هذه تفرض نفسها كنقطة انطلاق كما نقطة وصول . فإذا فرضناها نقطة انطلاق قلنا إن العقل العربي لا بد أن يكون ضداً للعقل الغربي بقدر ما هو ضد للعقل اليوناني باعتبار وحدة الهوية بين العقلين الآخرين، وإذا فرضناها نقطة وصول قلنا : مادام العقلان اليوناني والغربي واحدين في الهوية، فإن العقل العربي لا يكون ضداً لأولهما بدون أن يكون ضداً في الوقت نفسه، وبالقدر نفسه، لثانيهما .(18)
وفي الحالين كليهما لا يستقيم للجابري مشروعه ما لم يدخل العقل العربي، بعد مقارنته السلبية بالعقل اليوناني، إلى حلبة التباري مع العقل الغربي على الرغم من عدم التكافؤ المطلق : إذ إن العقل العربي يظل قابلاً في نهاية المطاف للمقارنة مع العقل اليوناني ما دام الاثنان ينتميان إلى فضاء عقلي متشابه هو فضاء العصور القديمة والوسطى، بينما شأن من يبغي قسر العقل العربي على الدخول في مباراة ظالمة مع عقل الحداثة الذي هو العقل الغربي كشأن من يود أن يعقد مقارنة في الجدوى الإنتاجية بين سكة الفلاح الخشبية في القرون الوسطى والجرار الآلي الزراعي في القرن العشرين، أو مقارنة في الجدوى القتالية بين نبال الرماة النشّابة والصواريخ العابرة للقارات .(19)
ونحن لا ننكر هذه المقارنة بين العقل العربي والعقل الغربي، إلا إن العقل العربي كان بالموازاة مع العقل اليوناني ويفوقه ببعض المفاهيم، إلا إن العقل الغربي عقل حداثوي متقدم جداً في نظرته للواقع وللكون والطبيعة، فتقدم العقل الغربي على العقل العربي كان دافعاً عفوياً ونقصياً في نفس الوقت من إنكار العقل العربي للفكر والحداثة الغربية، هذه العقلية وليدة الحاضر ووليدة الواقع ووليدة اليوم . أن الحداثة الأوربية، كما صنعها العلم الأوربي، ما سارت (في هذا الاتجاه نفسه) أي (ما قاله الجابري بأن فلاسفة اليونان الذين قالوا بـ المطابقة التامة بين قوانين العقل وقوانين الطبيعة، وكذا الثقافة الأوربية)، بل بالضبط بالاتجاه المعاكس له، أي الاتجاه الذي أنجز من نظام المعرفة المتقدم عليه ((قطيعة))، أو حتى ((ثورة)) بالمدلول الكوبرنيكي للكلمة، إذ أقر للطبيعة بمعقولية ذاتية ومستقلة، وبسببية طبيعية ومحايثة للظاهرات، أي بقابلية هذه الظاهرات للتفسير بالقوى الطبيعية .(20)
ويبين جورج طرابيشي ذلك فيقول : وباختصار الإطار الذي أوجد للحداثة الأوربية الوليدة مستوى انطولوجياً وإطاراً مرجعياً جديدين للتفكير بعمله على استبدال فلسفة الطبيعة بعلم الطبيعة .
والمشكلة الأساس في العقلية العربية والشرقية بصورة عامة، هو إنها تستهلك قدراتها العقلية والمعرفية باتجاه واحد، فإما أن يكون اتجاهها دينياً بحتاً، أو طائفياً بحتاً، فالفقيه مثلاً يستهلك جُل وقته وعقله ونباهته في إثبات إن النبي كان يتبول واقفاً، أو يمشي حافياً، أو يستهلك عقله في إثبات أحقية الشخصية التاريخية المعينة، ناسياً إن الأمة تمر بأزمة خطيرة وكبيرة، تستدعي أن يكون الأنتاج المعرفي كبيراً وواقعياً وحداثوياً، وليس مخرفاً وساذجاً . فنحن اليوم لا نريد عقلاً واعياً بالتاريخ بقدر ما يكون واعياً بأسباب فشل وجود تاريخ عربي سليم وصالح ليكون أنموذجاً يحتذى به، ونحن لا نريد اليوم عقلاً دينياً يريد أن يفرض النص الديني كحلاً مطلقاً لمجريات الواقع بلا أن يكون ذلك العقل مطبقاً تطبيقاً كاملاً لتلك الفرضية على نفسه، فنحن سئمنا من عملية اجترار نفس الخطأ ونفس مجريات الواقع ونفس أخطائه وسلوكياته، بل وسئمنا تلك العقول المسلوب منها كل عمليات الوعي والتفكير والإدراك، فقد نرى أنفسنا في يومٍ من الأيام تحت خط الوعي، بل وتحت خط العقال وليس العقل إذا أستمر جمودنا المعرفي والفكري، لصناعة عقلية تفرض نفسها على الواقع العالمي، وككيان يفكر بصورة مستقلة عن غيره من التركيبات المعرفية، لنكون مساهمين أيضاً في عملية المعرفة العالمية، وعملية العقل العالمي، لنصل إلى عقلية العقل الغربي، لنكون معطين وليس مستعطين، ممدين وليس أخذين . فتقليد الحضارة لا ينفع في بناء حضارة تضاهي الحضارة المقلدة، لأننا سنبقى وراء كل المتقدمين ووراء كل حداثة، (ففي الشرق الأوسط كان المال هو الذي أنتج جملة التطوير، ولم يكن التطوير هو الذي أنتج المال) .
أي إننا ما زلنا صناعة المال والثروة، وليس صناعة الإبداع والعقلية المبتكِرة والعقلية التطويرية، فنحن نسقط لمجرد مغادرة المستثمر الأوربي، ونسقط لمجرد عزل العقل الغربي عنا، لأننا معتمدين في إبداعنا على ما يبدعوه هم، لنستخدمه وليس على إبداعنا لنستخدمه نحن ويستخدموه هم، لذا فأزمتنا كبيرة ومعارفنا العقلية قاصرة عن فهم الكون ومعاني الطبيعة بصورة علمية تجريبية، تعرف الواقع من الواقع، والطبيعة من الطبيعة، والكون من الكون، والإنسان من الإنسان، والصناعة من الثروة، والأخلاق من القيم العليا، والحياة من مأساتنا مع الموت والعنف والقتل .
العقل العربي وإرجاع عملية النباهة له :
العقل العربي كما بينا يمر بمرحلة خطيرة، ويمر بمرحلة الوعي المستلب، فلا فطنة ولا نباهة كاملة ليقرأ واقعه قراءة صحيحة وكاملة، ليستعيد وجوده ومنظومته البنيوية بصورة أكثر حيوية وأكثر تميزاً وإبداعاً . وينبغي علينا اليوم أن نعزز الثقة بأنفسنا وبثقافتنا وبوعينا وبقدرتنا على إستعادة ما فقدناه بأيدينا، أو من أيدي غيرنا، ويجب أن لا نتكاسل عن إثبات هويتنا وعروبتنا وعقليتنا . ويقول علي شريعتي : لا شك أن الجيل الذي يستحقر نفسه بنفسه يكون حقيراً، فسياسة الاستعباد والاسترقاق تقتضي التحقير أولاً، أي يحقر الذي يراد استرقاقه، حتى يظن إنه من طبقة دنية، وأسرة منحطة، ثم يتقبل الذلة بكامل الرحب، يلجأ للعبودية والاسترقاق .(22)
لذا فعلى الجيل العربي الناشئ أن يعزز ارتباطه بعروبته وهويته العربية، لأنه بدونها سيعيش بلا انتماء وبلا بيئة تحتضن وجوده، لأنه سيعيش مشرد الأوطان ذليلاً متنقلاً في الأقطار . فبناء الأفكار الجديدة يحتاج إلى جيل جديد، كما وإنه يحتاج إلى عقلية جديدة تستوعب ذلك الوعي الجديد المرتبط بالحداثة والتطور والاتصال العالمي، والعلمية الإلكترونية، وجعل العالم قرية واحدة أو كوخ صغير متمثلٌ بتطور وسائل الاتصال . حيث، إن فاعلية فكرة من الأفكار أو معرفة من المعارف إنما ترتبط بقيام ظروف اجتماعية وافتصادية ونفسية خاصة تعينها على التخمر والانتشار والتأثير ... فإن فاعليتها ذات علاقة وظيفية بطبيعة علاقتها بمجموع الشروط النفسية والاجتماعية التي ينطبع بها مستوى الحضارة في المجتمع ... ومن أمثلته ذلك أن تراث ابن خلدون قد ظهر في العالم الإسلامي، وهو مع ذلك لم يسهم في تقدمه العقلي والاجتماعي، لأن هذا التراث كان يمثل فكرة لا صلة لها إطلاقاً بالوسط الاجتماعي .(23)
كما وإنه لا يغيب علينا إن تأسيس العلوم الجديدة ليس كان صعب المنال من العقل العربي بل كان مشتغلاً في ذلك، وخصوصاً في العقل الإسلامي، من أمثال الفراهيدي في علم العروض، وسيبويه في علم النحو، وأبو يوسف في علم الخراج، والشافعي في علم أصول الفقه، والأشعري في علم الكلام، وجابر بن حيان في أوليات علم الكيمياء، والغزالي وابن سينا والفارابي وابن رشد وغيرهم الكثير ممن صنع علوماً ومعارفاً جديدتاً بعقلية عربية عربية، إلا إن هذا وللآسف لم يستمر إلى وقتنا الحاضر، فتمجيد عقول التاريخ، لا يبني الواقع العقلي المعاصر، لكن الاستفادة من تجربة الماضي لبناء الواقع المعاصر والحداثوي هو السبيل الوحيد لمزج الثقافة العربية الماضية بالحاضرة، وبناء معارف جديدة وبأصول عقلية جديدة .
مصادر البحث :
(16): كامل محمد عويضه، سيكولوجية العقل البشري، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ص13 . (17): يرجى مراجعة مقالنا في مجموعة الحوار المتمدن، المعنون بـ (سجاد الوزان، الجريمة والعنف الإجتماعي - Crime and Social violence - . (18): جورج طرابيشي، نقد نقد العقل العربي، نظرية العقل، دار الساقي، الطبعة الرابعة 2011، بيروت، ص193 .
(19): نفس المصدر السابق ص 192 .
(20): جورج غوسدورف، العلوم الإنسانية والفكر الغربي، المجلد الثاني، أصول العلوم الإنسانية، ص448، نقلاً عن مصدر (19) .
(21): د.نبيل رشاد، دراسات إنسانية، ط1 بغداد، دار الشؤون الثقافية 2009، ص205 . (22): علي شريعتي، النباهة والاستحمار، دار المعرفة، لبنان ص86 .
(23): حامد عمار، بعض مفاهيم علم الاجتماع ، معهد الدراسات العربية العليا ص55، نقلاً عن، د.علي الوردي، منطق ابن خلد، ص230 .
#سجاد_الوزان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci
...
-
العقل العربي وتفكيك بنيته الفكرية (Arab mind and the dissoci
...
-
نطالبكم بالنظر لما يجري في العراق والعالم العربي دمٌ ينزف، و
...
-
العرب هوية جنسية : (Arabs sexual identity ) الأتهام وقبح الق
...
-
الجريمة والعنف الاجتماعي (Crime and Social violence )
-
الروح بين العالم العقلي ... العالم النفساني (Mental world… P
...
-
الكون بين أزلية التفكير وإشكالية الوجود (niverse Between the
...
-
الشباب بين مشكلة العقل وخطأ التفكير ( Young people between t
...
-
النظرية العكسية ( Inverse Theory )
-
التطرف الإسلامي ( Radicalism Islamic) أسبابه وعلله
-
نظرية المعرفة عند العرب Epistemology when the Arabs
-
الهوية العربية ...بين أزمة البحث عن الذات، والثقافات الدخيلة
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|