|
-ماركس المنتظر-
عبد الكريم القمش
الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 22:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"ماركس المنتظر"... كثيرا ما يتكلم الناس عن السلفية الدينية، ولا يكاد معظم الناس ومعظم الصحف والمجلات ووسائل الإعلام وأحاديث الصالونات الثقافية تنتبه إلى أن هناك سلفية أخرى أكثر راديكالية وأكثر غباء وأكثر إغراقا في الأحلام السوريالية وعوالم المثل غير القابلة للتحقق أو التحقيق. كلنا نتكلم عن السلفيين الذين يعتمرون لحى طويلة أو قصيرة ويلبسون على الطريقة الأفغانية ويتجولون بيننا وهم يعتقدون أننا جميعا على ضلال وأنهم الوحيدون الذين يحوزون الحقيقة من ألفها إلى يائها، بيد أنهم ليسوا الوحيدين فالمعتنقون للسلفية الأخرى أكثر عنفا وخطورة من الأولين وأكثر يقينا من كون الجميع على خطأ، بل من كون الجميع انتهازيون وخونة مارقون. أتكلم عن السلفية الماركسية، أو السلفية الشيوعية. أتكلم عن أولئك الذين لا زالوا يعبدون لحية ماركس، ويعبدون لينين العظيم، ويتباهون بدموية استالين وهو شي منه.. أتكلم عن أولئك الأصوليين الماركسيين الذين لا زالوا يحلمون بمجتمع العدالة الاجتماعية المثالية وثورة البروليتاريا وديكتاتوريتها، ولازالوا يدافعون عن الحتمية التاريخية رغم كونها رمتهم وفكرهم في مزابل التاريخ، ولازالوا يتكلمون عن الكومبرادور، وعن مفاهيم أكبر منهم ومن عقولهم المستلبة بأفكار النضال المزيف وعوالم اليوتوبيا الحالمة...أتكلم عن أغبى نوع من "الأيديولوجيين" المغاربة ممن لازال فكر الستينات يعشش في أدمغتهم وممن لازالوا يحلمون بعودة "ماركس المنتظر"... مشكلة هؤلاء اليوم أنهم يخونون كل من لم يسب الدولة (أو النظام كما يحلو لهم تسميته)، ويعتبرون كل من جابه أفكارهم بأنهم متحالفون مع البورجوازية للنيل من الطبقة الكادحة وأنهم انتهازيون ينتظرون اللحظة التي ينقضون فيها على المزايا والامتيازات على حساب البروليتاريا الكادحة التي يتم الاستيلاء على وسائل إنتاجها...أما أكبر مشكلة يعاني منها هؤلاء فهي ذلك الفصام الخطير الذي يصيبهم وهم يتكلمون عن الديمقراطية ويحاولون التسويق لأنفسهم برفع شعارها في كل مكان مع أن أكسل يساري مبتدئ في الجامعة يعرف معرفة جيدة أن كلمة الديمقراطية ومفاهيمها لا توجد ولن توجد أبدا في قواميس الاشتراكية والشيوعية. فالمنظومة اليسارية الجذرية منها على الخصوص لا تؤمن في أدبياتها بشيء اسمه الديمقراطية وكل ما سألت أحدا منهم عن هذه المعضلة لف ودار وانتهى به المطاف إلى القول بعدم اعترافهم بديمقراطية الأقلية، وإذا ما أنت سألتهم عما يقصدون بديمقراطية الأقلية لأنه لا وجود لمثل هذه الديمقراطية في العالم كله قالوا لك أن الديمقراطية بدورها طبقية، فهناك ديمقراطية الأغنياء، أي الديمقراطية البورجوازية، وهناك ديمقراطية الكادحين، أي ديمقراطية البروليتاريا. وإذا ما استوضحتهم أكثر حول ما يقصدون قالوا أن هاتان الديمقراطيتان تتصارعان كل يوم حول وسائل الإنتاج وأن ثورة البروليتاريا هي الكفيلة بتحقيق هذه الديمقراطية بين الفقراء والكادحين بعضهم لبعض.. تحاول أن تبذل مجهودا أكثر وأن تبتعد عن صورة نظام كنظام القذافي ولجانه الشعبية فلا تستطيع ولما تفشل وتطلب منهم أن يشرحوا لك أكثر يتوقفون عن الشرح لأنهم هم بدورهم لا يفهمون شيئا مما يقولون ويلجؤون إلى تخوينك واتهامك بالدفاع عن الكومبرادور..هكذا..ثم ينهون النقاش بسلسلة من السباب الطبقي المنحط. مشكلة هؤلاء الكبرى أنهم لا يشعرون بالخجل من أنفسهم وهم يتكلمون عن الديمقراطية ويتغنون بها رغم استحالة وجود شيء اسمه الديمقراطية في ظل نظام شيوعي أو اشتراكي حتى، والتاريخ ينطق بكل الأدلة الممكنة انطلاقا من الاتحاد السوفياتي ووصولا إلى كل الدول التي انضمت وانتمت إلى المحور الشرقي واعتمدت الشيوعية نظاما اقتصاديا وسياسيا. أما ما يغيض حقا فهو كون معظم هؤلاء اليوم ممن لازالوا يقتاتون على أمجاد وهمية للمنظومة الشرقية يعجزون عن مناقشتك ويعجزون عن تبرير ما لا يبرر ومع ذلك يواصلون السب والقذف والتخوين لكل من لم يعتنق أسلوبهم في التفكير السياسي العقيم... عندما تناقش السلفيين الماركسيين تحس أنك أمام مجموعة من الشخصيات الكاريكاتورية الهزلية التي تهتف بشعارات في زمن لم تعد فيه الشعارات تنفع لأن العمل هو الفيصل الذي يحكم بين قيمة هذا الفرد أو ذاك، والجدوى الواقعية من هذا الفكر أو ذاك... لقد أصبحت الماركسية شيئا من الماضي وأثبتت الشيوعية أنها بالفعل اشتراكية طوباوية لا مكان لها على أرض الواقع فديكتاتورية البروليتاريا تتحول إلى "رأسمالية للدولة"،و"الكادحون يتحولون إلى "نومنكلاتورا" (وبمناسبة هذه الكلمة دعوني أسر لكم أني صدمت من حقيقة معظم الماركسيين الذين جادلتهم لا يعرفون معنى هذه الكلمة رغم هيامهم بالاتحاد السوفياتي والأدبيات الشيوعية وتقديسهم لها).. والكومبرادور الذي يحكم بشكل فردي ويراكم الثورات يتحول إلى كومبرادور آخر يجمع الثورات ويعيث في الأرض قتلا وتقتيلا بدعوى أنه يمثل إرادة الشعب.. (لا تنسوا القذافي رجاء وأنتم تدورون هذه الفكرة في رؤوسكم)... عموما لست في حاجة إلى إعادة سرد وقائع التاريخ فتجربة الاتحاد السوفياتي، رائد الشيوعية العالمية، لازالت ماثلة في الأذهان وعلاقة مثل هذا البلد أو مثل حاملي هذا الفكر الشمولي بالديمقراطية لازالت ماثلة أمام الأذهان، فتوقفوا يا معشر السلفيين الماركسيين كذبا وضحكا على الذقون وكفى ترديدا للشعارات الديمقراطية لمجرد أنها عنوان وشعار المرحلة، ويكفيكم أن تواصلوا الحلم فذلك حقكم ويوم يظهر "ماركسكم المنتظر" "سلمو لينا عليه"...
#عبد_الكريم_القمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|