|
-عالمية الفكرة- عند مالك بن نبي - الثقافة نموذجا-
مزوار محمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 16:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
القدرة على إنتاج الفكرة هي ميزة الإنسان وحده، بحيث أنها تمثل الحد الفاصل بينه و بين جميع الكائنات الأخرى، و بجمع هذه الأفكار المنتجة يظهر النسق الفكري على هيأة أفكار مرتبة، و هذه الأخيرة عند ضمها بعضا إلى بعض تعطي مذهبا أو إيديولوجية معيّنة، و هذا التركيب إن هو وجد مساحة له في الواقع، ليظهر عبر الممارسات المختلفة للأفراد، بعدما يكون قد شغل حيّزا هاما بين مقدساتهم المتنوّعة، فإنّه يطلق عليه مصطلح الثقافة، لذلك فالثقافة هي: ".... ما يبقى عالقا بالأذهان عندما ننسى ما تعلمنا على مقاعد الدراسة و الجامعات.... " . و في هذا العالم الفسيح جغرافيا، هناك الكثير من الثقافات، و قد عاشت متجاورة لوقت ليس بالقصير، حتى أنها في بعض الحالات كانت تنتمي إلى نفس الاتجاه، خاصة الاقتصادي و السياسي، بحيث أنها ربطت مصيرها بتلك التفاصيل الدقيقة لحياة المجتمعات، فكانت الروابط الاجتماعية تأخذ الفرد البشري لتجعل منه مادة خام، قابلة لأن تشكل نواة أمم كثيرة التفرع و التشعب و التعقيد. و على هذا رأينا أنّ الأمم بحاجة إلى التمكن من ثقافتها و التمكين لها، و منه فموضوع يدرس طريق أية ثقافة إلى هدفها يعدّ ضروريا، لما لهذا الطريق من عقبات غير واضحة، بينما تطمح أيّ أمّة تعيش على هذا الكوكب الحي في عبوره، و الوصول إلى نهايته مهما كلّف هذا الأمر من مجهود. و في هذا العصر، أين انتصبت الأمم لتجعل من حياتها قدوة للآخرين، ازداد الحديث حول طريق العالمية، بحيث أقامت مراكز البحث عدة مشاريع لرصد الظاهرة و أبعادها، و من هذا الأساس رأينا أن الأمة الإسلامية، و التي كانت يوما ما قابضة بزمام هذه الظاهرة، و متحكمة فيها، فإنها اليوم في أشدّ الحاجة إلى العودة، فإن لم يكن هذا الرجوع إلى التحكم، فعلى الأقل تكون عودة إلى مكانة حفظ ماء وجه المخلصين من أبنائها. فكل ما يدفع الباحث الجزائري للنظر في هذا الموضوع هو كالآتي: فهم بنية الثقافة و علاقتها بالفكرة السبيل إلى إعطاء أي ثقافة عنصر الجاذبية من أجل وصولها إلى المستوى العالمي و بما أننا طلبة في أروقة الجامعة الجزائرية، فإننا ندخل في دائرة هذا الموضوع، محاولة منا لحل طلاسم هذه المبهمات، قصد تحقيق العودة المذكورة سابقا. ".... يعاد الآن تشكيل السياسة الكونية على امتداد الخطوط الثقافية، و تتقارب الشعوب ذات الثقافات المتشابهة، و تتباعد الشعوب ذات الثقافات المختلفة...." فهذا ما يحدث فعلا، عندما ينحوا العالم باتجاه الصدام، ليس بصدام عنيف تقليدي كما يؤرخ التاريخ للكثير منه، على هيأة حروب و معارك، و لكن عن طريق أفكار تغزوا و تحطم كل ما يقف في طريقها، و بالتالي تتصادم الثقافات باعتبارها مجموعة أفكار قبل أن تكون حزمة ممارسات، فيُنظر للثقافة حسب هذا الاتجاه على أنها وسيلة للهيمنة و السيطرة. لكن هناك طرف آخر يرى أنّ الثقافات هي قابلة للتعايش، تتبادل المعارف و الأفكار و حتى بعض العادات و التقاليد، و هذا طبعا خاضع لجملة من القوانين، تحددها الطبيعة الإنسانية ذاتها، و من هذا المنطلق يمكن القول أنّ تمازج الثقافات يعطي تنوّعا و ثراء، يكون قاعدة تبني عليها الإنسانية ثقافة شاملة، تستوعب كل الاختلافات، و تجعل الضمير الإنساني يقترب من ضمير الزعيم الهندي غاندي و الذي ".... لم يكن يتصرف في صاروخ كوني، أعني في شيء ذي مستوى عالمي، و إنما كان يملك ضميرا تراحب حتى وسع العالم.... " و هذا الضمير الذي نشير إليه هنا لا يأخذ معاني التعريف الذي يعطيه له متخصص في علم النفس فحسب، و إنّما هو تعبير عن ثقافة هندية أصيلة بلغت درجة العالمية دون اللجوء إلى القوة، بحيث تشير مفردة "تراحب" إلى أنّه اتسع دون أن يتوسّع، و بالتالي فعالميته مبنية على سفر الفكرة لا تسفيرها. و في الحالتيْن، فإنّ الهدف لكل ثقافة هو بلوغ العالمية، و بشكل أدق، فإنّ الفكرة مهما كان منشؤها و طبيعتها، فإنّ هدفها هو العالمية، فما هو سبيل فكرة أو ثقافة إلى المستوى العالمي؟ أهمية الإجابة عن هذا السؤال تستقي شرعيتها من أهمية الموضوع في حدّ ذاته، و هذا ما جعل مالكـ بن نبي يعنون سلسلة كتبه بعنوان: مشكلات الحضارة، و منه فإنّ مشكلة الحضارة هي مشكلة ثقافتها، و ما الحضارة سوى تلك المنارة التي تنير العالم. و عليه فإنّ موضوع عالمية الثقافة يأخذ شرعيته من حاجة الإنسان إلى دخول و كسب تحدي وجوده، و بالتالي إثبات أهمية بقائه للعالم بأسره. بحيث أن التاريخ يسجّل الكثير من هذه المحاولات من مصر و بابل و الصين و الهند و اليونان القديمة، و منه ما هو موجود حاليا في بلاد العالم الجديد و أوربا، دون أن ننسى ما نحن ننتمي إليه و طرفا فيه، ألا و هي بلاد المسلمين. و بما أنّ هذه المشكلة تتعلّق في الدرجة الأولى بالأفكار، فإنها تجعل من الموضوع يكتسب قيمة كبرى ضمن مباحث الفلسفة بشكل خاص، و العلوم الإنسانية بشكل عام. و هو يدخل في إطار محاولة فهم حاجة الإنسان الملحة، و مدى بذله لمجهوده الكبير من أجل الوصول إلى مرتبة التفوّق. و لقد وجدنا أنّ المنهج التحليلي هو الأقرب لتوجيه هذا العمل إلى أهدافه، بحيث أنّ التحليل هو ما يجعل الإنسان يكوّن صورة عامة لانشغالاته، اعتمادا على ما هو موجود أمامه، و هذا ما يمكّننا من الفهم الصارم لمشكلة كهذه. كما أنّ هناك دراسات قد أشارت إلى هذا الموضوع أيضا، و إن اختلفت الصيغ و العناوين إلاّ أنّها صبّت في نفس المنحى، كما وجدنا ذلك لدى الأستاذ عبد القادر بوعرفة، في كتابه: الإنسان المستقبلي، و لدى الدكتور: جيلالي بوبكر في كتابه: البناء الحضاري عند مالكـ بن نبي، و هي كلها دراسات نشدت عودة الأمة الإسلامية إلى مكانتها. فهذا العمل يـُراد له أن يتميّز عن هذه الدراسات في أنّه يرصد الفكرة المعبّرة عن الثقافة، و التي نشأت في أحضانها، و تسلسلها عقليا في مبحث بعنوان: الثقافة كفكرة، ثمّ تطبيقها واقعيا في مبحث ثان بعنوان: الثقافة على الأرض، كما أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى توضيح الاتجاه العالمي للثقافة، و الذي تمّ تحليله في مبحثيْن عنونا على الترتيب كالتالي: تأثر الثقافات بعضها ببعض، و ديناميكية التأثير. و كلّ هذه النقاط تمت في فصل واحد أخذ عنوان: عالمية ثقافة. أما الفصل الثاني: و اعتمادا على أنّ الثقافة هي توضيح أفكار في الأساس، فإنّ سلوك الفكرة نحو العالمية يتمّ بولوج هذه الزاوية في مبحثيْن أخذا على الترتيب عنوان: القاعدة الإنسانية للفكرة، و ارتقاء الفكرة، و كلّ منهما تم توضيحه من خلال بيان القاعدة الفردية ثم الاجتماعية لبناء الفكرة، ثمّ إثبات الفكرة لنفسها و سلطتها المهيمنة على العالم، بحيث عنون الفصل الثاني بـ: عالمية الفكرة. و ينتهي هذا العمل بخاتمة تعطي صورة عامة لكل ما تم توضيحه كما ".... جرى العرف إذا ما أريد الحديث عن الثقافة أن تقتصر مشكلاتها في ذهن القارئ على قضية الأفكار...."
#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَتْنُ الصدّيق الفلسفي (دراسة حول -الظاهرة القرآنية-)
-
ضمير تساليا الجزائرية
-
سيارة الإسعاف و الهواري سائقا
-
أسيادهم على مرّ الزمن
-
يوجد موطن الإنسان أينما توجد راحته
-
فلسفة اللآلئ المتوسطية (المدينة: المكونات الفكرية)
-
لا بديل عن الإنسان
-
الجزيرة
-
هناك أكثر من طريقة لسلخ القطة
-
الزلال و الزلزال
-
نَكتة مزمحيداس
-
الفلسفات في العصر الوسيط -العرب و الغرب- دراسة تحليلية نقدية
-
فَلْسَفَة المُسْلِمِينْ الأَوَائِلْ
-
محاورة دوبينوس
-
العنوان الجذاب يخفي موضوعا سيّئا
-
سنبقى ما بقي البقاء
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|