أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العباسي رشيد - الثقافةالسائدة و الثقافة البديل















المزيد.....



الثقافةالسائدة و الثقافة البديل


العباسي رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 1229 - 2005 / 6 / 15 - 12:06
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


أن البحث العلمي في الثقافة هو كشف ونقص للمظاهر الخاطئة التي يأخذها هذا الارتباط في الوعي , فالبحت العلمي يهدف إلى تصحيح الوعي
بالممارسة الثقافية للجماهير و تنظيم سلطتها الإيديولوجية ضد السيطرة الطبقية . و هو بمثابة نقد جدري لمختلف الأوهام و النزعات البرجوازية التي تسيطر على الجماهير . أي أن الكتابات حول الثقافة تنطلق من المواقع الاجتماعية , و هذا ما يؤكد على أنها مجال للصراع الطبقي . و هذا ما يدفعنا إلى أخذ مجموعة من التعاريف التي تتناسب مع بحثنا و التي يمكن من خلالها إعطاء نظرة علمية لتحليل الثقافة كمفهوم. فنجد عبد الله العروي يقول : "الثقافة هي مجموعة من الرموز التي تعكس الحياة الإجماعية انعكاسا مباشرا لذا يكون كل عضو من أعضاء المجتمع حامل ثقافة رغم أفراد متخصصين , كالشاعر ,أو القصاص , أو الطبيب ... تعبّر كلها عن تعارضات و اختلافات اجتماعية أو مهنية و تطورها يكون موازيا لتطور المجتمع" .

من خلال هذا التعريف و المنظار الجدلي ـ المادي ,الثقافة هي تعبير فوقي على علاقات الإنتاج ( البدائية ؛ العبودية ؛ الإقطاعية ، الرأسمالية ، الاشتراكية ) أي أن الثقافة هي علاقة اجتماعية , مرتبطة عضويا بكل قوى الحياة التي تنتج تاريخ نمو المجتمع و تطوره المادي , و ليست مجموعة جاهزة من الأفكار و العادات و المشاعر ..... و هي من حيث ذات أصول اجتماعية تنبع في مختلف ميادينها من حاجة لمساهمة في حل التناقضات التي هي جوهر البناء الاجتماعي التي نشأت فيه-أي أنمطة الإنتاج القائمة في البنية الإجماعية ،و تغيير هده الأخيرة-أنمطة الإنتاج- يوازيه بل يحدد تغييرها-الثقافة .

أما الثقافة السائدة فهي ثقافة الطبقة المسيطرة اقتصاديا و سياسيا , هذه السيطرة التي تجعل جماهير الطبقة المسيطَر عليها تعيش حالة استلاب أيديولوجي استعباد ثقافي أو بتعبير آخر تتملك و عيا زائفا عن واقعها الاجتماعي , مما يجعل التربة خصبة لانتعاش الفكر العدمي- الظلامي و الهدف كله هو تمييع الشارع المغربي و إقبار الفكر التقدمي العلمي المتنور.

إن حقل الصراع الإيديولوجي/الثقافي حقل حساس جدا إذ تتألف و تتصارع الأفكار لصناعة الموت , بما هي دعوة إلى الإبقاء على القائم (الواقع) , أو لصناعة الحياة , بما هي دعوة إلى الثورة على القديم و الدعوة إلى الجديد ... و على هذا الأساس إن معامل صناعة إيديولوجية البؤس لا تقتصر على مستوى اللباس و السلوك اليومي, بل تتعدى هده الحدود إلى الميوعة الفكرية و المتمثلة في الخطاب التي تروج له الكائنات السياسية الرجعية بالعمل على دغدغة الجماهير عاطفيا، و تحريك الشحنة الدينية , اللغوية الجنسية ... لتفقد الجماهير قدرتها على إحكام العقل و المنطق ، هكذا تصبح الجماهير ضحية بساطتها و حسن نيتها بتبنيها فكر يناقض في أهدافه موقعها الطبقي و بهذا الصدد يقول لينين : " لقد كان الناس و سيظلون أبدا ضحايا ساذجة يخدعون الآخرون و يخدعون أنفسهم ما لم يتعلموا استقراء المصالح الطبقية بين أسطر الخطب و البيانات و المواعظ و الدواعي الدينية و الأخلاقية و السياسية و الاجتماعية".

إن وجود الطبقات يعني وجود ثقافات متصارعة , فإلى جانب الثقافة السائدة هناك الثقافة البديل أي ثقافة التغيير التي تجعل من هموم و قضايا الجماهير الشعبية موضوعا لها ، و من هنا تسمى بالثقافة الملتزمة لأنها تلتزم بقضايا معينة مثل القضية الفلسطينية ، قضية المرأة ، قضية التعليم ...إلى غير ذلك من القضايا المفروض على الجماهير بتبنيها و التعبير عنها في جميع المجالات سواء الشعر ، الأدب , الغناء ... فتحاول بذلك الإجابة عن القضية التي يدور حولها الصراع مثلا القضاء على الاستعمار ، الاستغلال , البؤس...

انطلاقا من كل ما سيق يمكن أن نخلص إلى نتيجة مهمة و أساسية و هي أنه لا يمكن للثقافة أن توجد بشكل محايد في الصراع الإجماعي, فالحياد لا يعني بشكل ضمني إلا الدفاع عن الطرف السائد , و هده الحقيقة أكدها لينين في كتابه ما العمل حين قال : " لا يمكن أن نجد داخل المجتمع الرأسمالي إلا إيديولوجيتين رئيسيتين إيديولوجية برجوازية رجعية تكرس الواقع و إيديولوجية تقدمية تدعوا إلى تغيير الواقع " هكذا يصبح الفكر الذي يريد لنفسه موقع الصفر على حد تعبير مهدي عامل يريد لنفسه موقع الحياد – يكون خارج المواقع كلها رافضا لها فهو فكر ينتج صفرا أي لا شيء سوى الرماد على العيون فيبقى الفكر المسيطر مسيطرا يسعفه في تجديد أزمة سيطرته , فكر يلغي بالوهم نقيضه التقدمي . فلا غرابة عندما تلتجئ الطبقة السائدة إلى الاستعانة بفكر بالي قد يختلف عنها كما يقول مهدي عامل : " عندما يصبح الفكر المسيطر غير قادر على إخضاع الوعي اليومي لسيطرته لا غرابة إن استعان بفكر بالي قد يختلف عنه " .

ملاحظــــــة: نعتذر للقارئ على الأخطاء اللغوية نقصد ما تعلمناه في مؤسسات النظام القائم بالمغرب . أما المضمون السياسي فهو يعكس ما تعلمناه في مدرستنا اوطم.

I)- الثقافة مجال للصراع الطبــــقي

إن معرفة العلاقة بين الصراع الطبقي و الثقافة كبناء فوقي له – تعبير عن الصراع الاجتماعي – لا بد أن نستحضر الينابيع الثقافية الأخرى حتى نحدد متى ظهر الصراع الطبقي و أصبح منبعا للثقافة و أصبحت هي – الثقافة مجالا للصراع الطبقي .

في البدء كان الإنسان يعيش على كل ما كانت تعطيه أمه الطبيعة, من قطف الثمار , الصيد بشكله البدائي ...إلى غير ذلك من الأساليب التي لا يمكن أن نتكلم فيها عن الملكية الفردية , و كانت الطبيعة و القوى الطبيعية تشكل كل ما كان يهدد بقاءه و تأمينه , على هذا الأساس تحكم العلاقة بين الإنسان و الطبيعة عوامل إيجاب و نفي حب و كراهية هكذا دخل الإنسان منذ وجوده في علاقة مع الطبيعة هده العلاقة التي تشكل منبعا ثقافيا .
أمثلة :
- إهداء الفتيات لتهر النيل خوفا من الفيضانات
- رسم الطبيعة تعبيرا عن الحزن أو الحرية
- كتابة الشعر وصفا للطبيعة...

لكن مهما تكن الطبيعة مسالمة و معطاءة تجاه الإنسان ثم نقص دائم يحركه من الداخل انه الطبيعة في الإنسان نفيه الذي يموت و يولد و يتكاثر و يموت .
مثال :
- تحليق الرأس عند بعض العائلات التي نعبر عن "الجود و الكرم" حتى يحيى الرضيع ...

و نجد كذلك الطبيعة الإنسانية تتضمن العلاقة بين الجنسين باعتبار كليهما يتضمن الغريزة الجنسية التي يمكن اعتبارها هي الأخرى ينبوعا ثقافيا لم يعد يحتاج إلى برهان .

إن الميزة الأساسية التي يجب أن نعي بها و هي أن الينابيع التي تطرقنا إليها, لا يمكن اختفاءها, أي أنها مرتبطة بوجود الإنسان و برحلته من مجتمع لا طبقي إلى مجتمع طبقي . هذا الأخير الذي يتميز بوجود الملكية الفردية, أدى إلي صراع الإنسان مع أخيه الإنسان – حفنة من البشر يملكون وسائل الإنتاج و غالبية في طرف آخر لا يملكون إلا قوة عملهم و يبحثون عن تغيير الوضع القائم . هذا هو الذي يسمى بالصراع الطبقي الذي اصبح منبعا ثقافيا تعاظم شأنه حتى غطى على العلاقات مع الطبيعة و كل الينابيع الأخرى دون أن يلغي دورها الثقافي .

إن الحديث عن مجتمع طبقي يعني وجود فقراء و أغنياء في مجتمع تختلف طريقة تفكيرهم , و أفكارهم حول الموضوع نفسه مختلفة , فركوب الحافلة بالنسبة لفقير فهو بدخ , و لكنه بالنسبة للغني الذي يملك سيارة انحدار يعني من الواقع المادي-الوجود الاجتماعي تتولد أشكال روحية ثقافية , أخلاقية تعبر عنه و تسمى بناءه الفوقي عبارة عن ظاهرة اجتماعية ضرورية لكل تشكيلة اجتماعية و مميز لها. و هذا ما نجده في أول وثيقة ماركسية- البيان الشيوعي سنة 1948 "... و هلا برهن تاريخ الأفكار على أن الإنتاج الفكري يتبدل و يتحول مع تبدل الإنتاج المادي و تحوله ".

إذا كيف تكون البنية الفوقية انعكاسا للبنية التحتية ؟ بمعنى آخر كيف يكوّن الوجود الاجتماعي-نمط الإنتاج وعينا الاجتماعي ؟.

« c’est n’est pas la conscience des hommes
qui détermine leurs être , c’est inversement leur être
social qui détermine leur consciences » Marx

لكي نجيب على التساؤل أعلاه سنحاول أن ننصت إلى نبض الواقع المعاش, فلنأخذ مثلا طالبين أحدهما يدرس في القطاع الخاص ( جامعة خاصة ) و له إمكانيات مادية , و الآخر في القطاع العام ( جامعة عمومية مغربية ) , ليس له إمكانات مادية بالإضافة إلى البعد الجغرافي .

النتيجة : بالنسبة للأول يتابع دراسته وفق مناهج متطورة و في ظروف جد مريحة , و بالتالي فوعيه الاجتماعي يكون غالبا منسجما مع وضعه الاجتماعي حيث مكانته مضمونة في سوق الشغل بل مضمونة في السهر على دواليب الدولة الطبقية... أما الثاني فيتابع دراسته بمعانات و تشاؤم , أو يغادرها مجبرا لأنه ببساطة لا يستطيع أن يؤدي فواتير التعليم الخاص , و بالتالي فهو مبشر سلفا بمقعد واسع جدا إلى جانب الجيش الاحتياطي , بهذا الوضع الاجتماعي إلى جانب كونه أرض خصبة لنمو القوى التي تلعب على دغدغة العواطف و تعِدٌ بعالم مستقبلي وهمي , يعوض عن الواقع المرير . فانه (أي الواقع الاجتماعي ) مجال اخصب لإمكانية بروز وعي نقيض يقود إلى المعرفة الحقيقية لأسباب البؤس الاجتماعي و يسعى إلى تغييره , و هنا نستحضر ما ذهب إليه ماركس في كون إذا كانت الفلسفات المثالية ترى في البؤس فقط , فان الفلسفة المادية ترى فيه و إلى جانبه خلق أرضية للثورة .

و في غياب و عي طبقي ,( أي غياب المعبر السياسي عن الكادحين ) يصبح الإنسان المغربي عاجزا مهزوما مما يقوده إلى الارتماء في أحضان ثقافة الاغتراب بكل تلاوينها , الظلامية , الليبرالية , العدمية ... و هذا ما يفقده البوصلة الحقيقية للتعبير عن مصالحه الطبقية و الوصول إلى شاطئ الأمان الاجتماعي .

إنّ العلاقة بين الوجود الاجتماعي ليست علاقة بسيطة و ميكانيكية بل هي علاقة معقدة و متشابكة و لذلك فتملّك الوعي بالطبقة المنتمي إليها لا يكون انعكاسا أوتوماتيكيا , أي بمجرد الانتماء إلى طبقة ما تكسب الوعي بها , افتراض كهذا لا يتوافق مع الواقع لأنه هناك كادحين بما فيهم حاملي الشهادات" لا يملكون وعيا يعبر عن مصالحهم الطبقية-يتوافق مع وجودهم الاجتماعي .

مثال 1 :
مجموعة من المعطلين يعتقدون أنّ البطالة قدرة إلهية لا محال منها لتبرئة نفسه من الوضع الذي يعيشه , لأنه يملك القدرة على ملئ الشبكة و الإذلال بتاريخ الفرق الرياضية في الوقت الذي يجب فيه أن يكون ملتزما بقضيته-البطالة و هموم الجماهير الكادحة من أجل التحرير من نير رأس المال .

مثال 2 :
الفلاحين بمنطقة زاكورة يظنون و يعتقدون أن البؤس و القحط المتتالي على المنطقة , هو نتيجة الفساد , قلة الإيمان , أعمال لا ترضي الله ... و هذا ما تروج له القوى الظلامية التي تبرر الأزمة بالأخلاق ... إذن هناك وعي للفلاحين و إحساسا قواقعهم , لكن انعكاسه ليس صادقا و صحيحا , عندما يعتقدون أن "تغنجة" ستأتيهم بالغيث , أو التمسك بالتقاليد و العادات و كثرة الصلاة ... سيؤدي إلى تساقط الأمطار و هذا ما يسمى بالسائد أما البديل فهو وعي الفلاحين بإصلاح زراعي و هذا لا يأتي إلا عبر طليعة ترتبط بهموم جماهير ( في الفقرة الثانية) .

مثال 3 :
اضطهاد و تسريح العمال في المصانع يدفع العامل-بمفرده- إلى أساليب فردية للدفاع عن نفسه أو رد أمره إلى الغيب ... مما يجعله عديم الحيلة تماما في مواجهة الرأسمالي .

الواقع: الحرمان , الاضطهاد , التجويع...

السائد:. رد الأمر إلى قوة وهمية , الاستعانة بالرأسمالي ,الدفاع بأساليب فردية ... و هدا ما تحاول الطبقة السائدة بما تملك لتكريسه .

البديل : و هو الاحتجاج , الإضرابات أي ثقافة التضامن بين العمال ضد رب المعمل, و هذا ما يؤكده لنا لينين حين يقول : " إن الإضرابات تعلم العمال أن يتحدوا , تعلمهم أنهم لا يمكنهم الكفاح ضد الرأسمالي إلا و هم متحدين " بل أكثر من ذلك فالإضراب يعتبر" مدرسة حرب" حسب الاشتراكيين , يتعلم فيها العمال كيف يشنون الحرب على أعدائهم من أجل تحرير الشعب ككل , من نير رأس المال .

فادا كانت كل طبقة اجتماعية تناضل من موقعها , فالطبقة المالكة لوسائل الإنتاج تحاول جاهدة بكل ما تملك أن تموه الحركة العامة للصراع الطبقي , و تحاول أن تقدم نفسها بأنها طبقة للجميع و في ظل وجودها يمكن أن يتحقق العدل و المساواة و الحرية .... محاولة تفريغ هده الشعارات من محتواها الطبقي و الإبقاء على الطابع الشكلي , هكذا نجد الشارع المغربي في احتواء ما لذ و طاب من أشكال الموضة , و أنماط السلوك , و تعد موضة اللباس من أكثر الموضات انتشارا و من أكثرها تحطيما للقواعد الاجتماعية التي تصاحبها و تجعل الغالبية مصابون بها , و لو كانت بينهم فوارق طبقية فالملابس التي يرتديها الإنسان القادم من أحياء راقية , هي نفسها التي يرتديها الإنسان القادم من أحزمة الفقر معتقدا أنه متحديا فقره بلباسه التسلقي .

بالرغم من الوحدة التي تخلقها الموضة فان الاختلاف و التمايز الطبقي يظل حاضرا على مستوى العمق و مرسوما بإتقان ذلك إن المجتمع يتفنن في تقويمها, و إنتاجها إذ تتحول بعض المحاولات الراغبة في التسلق الطبقي إلى انتحار غير محمود العواقب لذلك تصبح الموضة لإخماد الصراع الطبقي في الوقت الذي يمكن أن تلعب في ظروف و معطيات سوسيوثقافية مختلفة إلى تأجيج الصراع .

و تكون النتيجة في النهاية أبناء طبقتنا أعداءنا , لأنهم سقطوا في موقع اللاموقع بحيادهم السلبي أو برفضهم للطبقة السائدة بفكر ظلامي بالي, لا زالت الإشكالية عنده هل الدخول للمرحاض بالرجل اليمنى , أو بالرجل اليسرى . هكذا يصبح الرفض رضى و موافقة بل إسعاف الطبقة المسيطرة في تجديد سيطرتها , وهذا ما يؤكده لنا صاحب مفهوم الظلامية حين يقول " هكذا تنعقد في الفكر بين تياراته المتصارعة تحالفات تنعقد أيضا في السياسة لا تستقر على ارض ثابتة بل هي في حركة على قاعدة الأرض التاريخية التي تنعقد فيها تتغير بتغير هده الأرضية و لكن الثابت فيها قطباها" و يبقى في آخر المطاف انزلاق مباشر إلى موقع الفكر المسيطر-الثقافة السائدة هكذا يقع هدا الفكر ضحية وهمه و يحض الآخرين الوقوع فيه .

فادا كان الدين يلعب دور سيف ذو حدين , تارة سلبي و تارة إيجابي , فحيت هنا يلعب دورا سلبيا لأنه يستعمل لصالح الطبقة المسيطِرة التي تسخره لتضليل الشعب و لعل هدا الدور الذي يلعبه الدين قد عبر عنه لينين حين قال:" إن جميع الطبقات التي تضْطهِِد تحتاج من أجل الحفاظ على سيادتها إلى وظيفتين اجتماعيتين هي وظيفة الجلاد و وظيفة الكاهن فالجلاد يترتب عليه أن يقمع احتجاج المضطهدين و استنكارهم .أما الثاني- الكاهن- فيترتب عليه أن يعزي المضطهدين و يصّور لهم أفاق حدوث تلطيف في المصائب , و التضحيات مع بقاء السيطرة الطبقية". هدا هو البعد التضليلي للدين حيث يقدم للجماهير الحل في الآخرة و يصرفها عن الحل في الدنيا .

و إلى جانب الدين تعمل الطبقة المسيطرة على كل الواجهات و بكل الوسائل لنشر و تعزيز الثقافة السائدة بين شرائح المجتمع الكادح لجعله مستلبا خنوعا مستسلما انطلاقا من نشر المخدرات , و السموم و كل أشكال التخدير المادي وصولا إلى أشكال التخدير المعنوي ؛ التلفاز , الصحف , المجلات , المذياع , ...و كل وسائل الإعلام التي تقول الكل بخير و على خير دون أن تذكر ما يعانيه هدا الشعب من سوء التطبيب , تفشي الجهل , انتشار البطالة , و كل مظاهر التردي الاجتماعية.

و النتيجة هي خلق إنسان مهزوم يجد في الخرافة و التمسك بالماضي المجيد و الانكفاء على الذات حلا لذاته و لمجتمعه , في الوقت الذي يجب فيه المجابهة و الانخراط في المجتمع بالعمل التقدمي و ليس الهروب من الواقع , و التماهي بالمتسلط كما يقول مصطفى حجازي أي أن التابع- الإنسان المقهور يقوم بنفس نمط السلوكات التي يقوم بها المتسلط الذي جعله منهزما في المجتمع و لا يتكلم إلا ليقول "نعم" و هذا ما يؤكده فيصل دراج في كتابه " الديموقراطية و الثقافة " حين يقول : « تقوم علاقة الامتثال بين حاكم و تابع و هي علاقة تستلزم إلغاء دور و فكر و وجود التابع لأن دوره كل دوره هو أن يقول " نعم" و يصمت ». لأن الطبقة السائدة تدعي و تبين نفسها على أنها الممثل و المدافع على مصالح الإنسان المقهور شكلا , أما مضمونا فهو الحفاظ على مصالحها الضيقة .

أمثلة :
v شعارات حقوق الإنسان , و الواقع هو الاعتقال و التعذيب ( مناضلي اوطم , عمال المناجم بورزازات التي وزعت عليهم 60سنة نافدة... ).
v التضامن الاجتماعي , و الحقيقة هي الإجهاز مكتسبات الشعب المغربي ( التعليم ,السكن , الصحة ...)
v محاربة الأمية في الوقت الذي يمرر فيه المخطط الطبقي للتركيع و التبضيع , أي سياسة الولاء للملكية قولا و كتابة و عدم الوعي بها ...

و الخطورة تكمن في أن الإنسان المقهور يبادلها-الطبقة السائدة نفس النفاق بولائه لها رغم أنه حاقد عليها , إلا أن تصريف حقده هذا يحرفه عن خطه الصحيح في الصراع الإثني , هكذا يصبح المجتمع منافقا بفصله بين الشكل و المضمون , و هذا نجده عند الكائنات السياسية الانتهازية- الوصولية بما فيها المتأسلمة التي ترفع راية الإسلام كشعار (الشكل) , لكنها تعبر عن مصالح ضيقة (المضمون ) أي تحاول إعطاء القديم شكلا جديدا بعرضها جسم العجوز بلباس الصبا الجميل أو ما شابه ذلك.

فادا كانت الطبقة السائدة تنتج خطابا لتمجيدها فان المجتمع الطبقي التناحري , يفرز ثقافة مضادة للأولى- السائدة أي الثقافة البديل نقيض ثقافة الامتثال تنزع إلى المستقبل و تطمح إلى تحرير الإنسان وفق مراحل تطور التاريخ . و هنا نستشهد بالدور التاريخي الذي لعبته البرجوازية في نضالها ضد الكنيسة من أجل السير بالإنسان إلى الأمام . و لهدا يجب أن نميز بين الطبقة في مرحلة الصعود و الطبقة في مرحلة الانحطاط فعبارة " برجوازي " كما يقول بوعلي ياسين " ليس لها عبر التاريخ على الدوام نفس المعنى . قد تعني طبقة شعبية ثورية تقدمية , و قد تعني طبقة استغلالية رجعية " . لكن في المغرب كباقي الدول ذات نمط الإنتاج الكولونيالي , تشكل البرجوازية طبقة عاجزة على القيام بدورها التاريخي لبناء المجتمع الديموقراطي حسب المفهوم البرجوازي .التي يشكل فيها فصل الدين عن الدولة أهم نقط هذه الديموقراطية لتبقى المسؤولية على الجماهير التي يجب أن تحمل ثقافة و وعيا صحيحا , ثقافة التغيير ثقافة الاحتجاج و المطالبة بكل الحقوق المادية و المعنوية المغتصبة من طرف الطبقة السائدة , و ذلك يتم التعبير عنه بالكتابة , الأغاني , المسرح , الشعر ....

إن كل الأشكال الثقافية التي تعبّر عن متطلبات المجتمع التي من شأنها أن تسرع عملية التطور الاجتماعي عندما تصبح قوة مادية- أي تسيطر على الجماهير و تعكسها هي الأخرى على ارض الواقع- و هذا يتطلب مجموعة من المثقفين يرتبطون بالجماهير و يوصلون لهم الوعي الصحيح .






II- المثقفون و الصراع الطبقي :

« les philosophies n’ont fait qu’interpréter
le monde de différentes manières mais il s’agit de le transformer » Marx

إن مفهوم الثقافة عند غرامشي يتحدد على حقيقتين الحقيقة الأولى هي أن المثقف لا يعرف على أساس التفرقة بين العمل اليدوي و العمل الذهني ... بل على أساس المكانة الاجتماعية و الوظيفة التي يقوم بها هدا المثقف داخل البنية الاجتماعية و نظام علاقتها الاجتماعية .أما الحقيقة الثانية فهي أن كل طبقة اجتماعية تولد تحت تأثير نمو القوى المنتجة و انفجار نمط إنتاجي و ولادة نمط آخر تفرز وتنتج شرائح من المثقفين لا يقومون بوظيفة تمثيلها بل يرتبطون بها عضويا .

و المثقف العضوي هو المثقف الذي تكون علاقته مع الطبقة التقدمية ينبوع تفكير مشترك , و يشكل " إسمنتا " يربط البنية التحتية بالبنية الفوقية و هو الذي يقوم بخلق و توزيع و نشر الإيديولوجية من جهة و ضمان انسجام الوعي للطبقة التي يرتبط بها اجتماعيا عضويا- إنتاج معرفة وظيفتها رفع مستوى الوعي للطبقة التي يرتبط بها .

أما رجال الدين وكل الذين يقدمون أنفسهم و يصورون ذواتهم على أنهم مستقلون عن الطبقات الاجتماعية و يؤكدون في خطاباتهم و تصوراتهم على أنهم استمرارية تاريخية يسميهم غرامشي بالمثقفين التقليديين الذين كانوا مثقفين عضويين لطبقات اجتماعية سابقة سادت في زمن معين و داخل نمط إنتاجي معين فذهبت ريحها و انحلت أنظمتها إلا أن الحنين إلى الماضي المجيد و تراثه الثقافي ... يجعل المثقف التقليدي يحتفظ باستمرارية تاريخية حتى و لو بقي معلق بدون أرضية طبقية يتكئ عليها , أكثر من ذلك انه يخلق صراعا أفقيا وهميا يعتبره أزليا يبين أن وجوده هو الآخر أزلي .

وإذا كان غرامشي يعتبر المثقف لا يعرف على أساس التفرقة بين العمل اليدوي و العمل الدهني , فبوعلي ياسين يقول : مع تطور المجتمعات البشرية إلى


طبقات و انقسام البشر إلى سادة و مسودين نشأ المثقفون كفئة مميزة عن عامة الناس أي أن المثقفون يشكلون المنبع و الجماهير تشكل المصب, انه تقسيم عمل أي الفصل بين العمل الفكري و العمل اليدوي. المثقفون يقدمون كلاما و الشغيلة يقدمون طعاما و كساء... إلا أن أسعار السلع الكلامية أغلى من أسعار السلع الحياتية و ما هذا إلا لأن الشغيلة ليسوا من يحدد أسعار التبادل بل الطبقة السائدة.
و يبقى السؤال هو إذا كان المثقفون هم مجموعة العاملين "بالكلمة" بشتى أشكالها, المنطوقة أو المكتوبة أو المتغنى بها ... المؤثرين بها على وعي الناس المتلقين. ما هو تأثير هده الفئة على سير التاريخ ؟

بما أن للجماهير الدور الحاسم في التاريخ و بما أن دورها يتعاظم مع سمو وعيها لدا فان دور المثقفين كشخصيات بارزة مهم بقدر ما تعبر تعبيرا واعيا عن الحاجيات الاجتماعية,وتقوم بدور الطليعة الثقافية في تكوين و نشر الثقافة الملتزمة بتطور العلم, الفن, الأدب ... إلا أن الحقيقة التي يجب أن نعرفها هي أن المثقفين لا يحددون الواقع بأفكارهم كل ما يفعلون هو تفسير الواقع الذي من شانه أن يسرع أ و يعرقل سير التاريخ .

إلا إن الحديث عن المثقف ودوره لابد إن نستحضر منبته الطبقي أي الأصل الطبقي للمثقف – الظروف التي نشا فيها هدا المثقف, تم الوضع الطبقي الذي يعبر عنه – الذي لا يتطابق دائما مع المنبت الثقافي, ثانيا الوعي الطبقي و هو وعي سياسي للصراعات الاجتماعية و وعي ذاتي للمثقف منها و أخيرا -الموقع الأيديولوجي – هو الذي يكون مرتبطا بالوعي الطبقي و هذا الأخير-الموقع الإيديولوجي- هو الذي يشكل النقطة الجوهرية التي يتم على أساسها تصنيف المثقفين و تحديد الدور الذي يلعبه المثقف في الصراع الاجتماعي- لكن للأسف في مجتمعنا المغربي نجد فئة تعتبر نفسها كما قلنا سابقا خارج المواقع, وهي الوصية على التفقيه و الإبداع ... فكل من خالفها فهو ملحد أو كافر لتعطي شرعية وهمية لذاتها ,و الخطير من ذلك أن الجماهير الملتفة نحو الخطاب العاطفي-الديني , اللغوي...الوهمي بشكل عام , لكي تتلقى خطابا , فنا ... تسال عن صاحبه هل هو مسلم أم كافر , هل هو عربي أم أمازيغي ... هكذا تصبح الجماهير بوعيها المغلوط تتزحلق بل تغوص في بحر ملوث بدون قاع , مما يجعل " المثقفون " الظلاميون – الرجعيون ينتعشون في هذا البحر و السر في ذلك أن ماءه عاكر , لتبقى الطبقة السائدة تتقاطع مهم على هذه الأرضية ( أرضية العداء للفكر الثوري ) , أما نقطة الاختلاف بينهما أن الطبقة السائدة تستمد فكرها بالإضافة إلى الدين من الفكر البرجوازي , تأخذ منه الجانب الانحطاطي المهادن للإقطاع و المعادي للفكر التحرري , و الدليل على ذلك برامجها الدراسية, مما يولد اغترابا لدى عامة الشعب , يواجهونه المتأسلمون بأخذ الجانب التقني منه , ( السيارة , التلفاز , الهاتف ...) , و رفض الجانب الثقافي منه ليتظاهروا بلباسهم الأفغاني موهمين أنفسهم و يحاولون أن يوهموننا معهم أنهم متحديين الغرب .

و الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها هي أن المثقفين لا بد أن يحتلوا موقعا في الصراع الاجتماعي , و لا يمكنهم أن يكونوا حياديين طالما هم أعضاء في المجتمع. فالطبقة السائدة تسعى بكل ما ملك من وسائل مادية و معنوية- الترهيبية و الترغيبية لأن تعطي المثقفين دور الأقنية الثقافية لتضخ عبرهم فيما تضخ أقدارها الثقافية.

هكذا نجد في المجتمعات الطبقية بما فيها المجتمع المغربي, مجموعة تسمي نفسها بـ"الفئة المثقفة" و نسميهم نحن من موقعنا أصحاب الأقلام المأجورة, يعتبرون أنفسهم مبدعين يتعالون على الجماهير – الحاملة الوعي المغلوط – فيظنون أنفسهم قد ارتفعوا بالثقافة و الفنون و هم تعلقوا بتعاليهم هذا بأذيال الطبقات الاستغلالية المتسلطة التي تستعملهم كأبواق لتمجيد نفسها , حتى تكسب شرعية مفقودة , أو تهيئ الشروط لتمرير مخططات تخدم مصالحها الضيقة .

مع ذلك فالمثقفون ليسوا جميعا أذيال الطبقة المسيطرة , فإذا سجل التاريخ للبرجوازية فضل تحرير المثقفين من السلطة المادية المباشرة للطبقة العليا- الإقطاعيين فانه يسجل فضل نشر و عيا طبقيا مناهض لرأس المال لمجموعة من المثقفين العضويين- التقدميين رغم أنهم يتعرضوا لإقصاء ممنهج سواء عن طريق القمع أو تضييق الخناق عليهم , فالكثيرون لا يعرفون مظفر النواب , مجموعة أمين التهاني , مجموعة العاشقين الفلسطينية ... لكنهم يعرفون مادونا و مايكل , و قد لا يقف الحد عند التعتيم الإعلامي بل يصل حد الاعتقال او التصفية الجسدية , مهدي عامل , حسني مروة ... و أحسن ما نختم به هذا العمل هو أسماء شهداء الفكر البديل.


ع . ر
عاشق من البديل

المصادر :
- لينين : ما العمل
- لينين : حول الإضرابات
مهدي عامل : نقد الفكر اليومي
مصطفى حجازي : التخلف الإجتماعي
عبد الله العروي :ثقافتنا في ضوء التاريخ
المادية التاريخية : مجموعة من السوفييت
مبادء اولية في الفلسفة : جورج بوليتزر
عمار بلحسن : الأدب والإيديولوجية
منشورات : الإتحاد الوطني لطلبة المغرب
مجلة الجسور
مجلة النهج























#العباسي_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بوتين يكشف عن معلومات جديدة بخصوص الصاروخ -أوريشنيك-
- هجوم روسي على سومي يسفر عن مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين
- طالب نرويجي خلف القضبان بتهمة التجسس على أمريكا لصالح روسيا ...
- -حزب الله-: اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية مع ال ...
- لبنان.. مقتل مدير مستشفى -دار الأمل- الجامعي وعدد من الأشخاص ...
- بعد 4 أشهر من الفضيحة.. وزيرة الخارجية الألمانية تعلن طلاقها ...
- مدفيديف حول استخدام الأسلحة النووية: لا يوجد أشخاص مجانين في ...
- -نيويورك تايمز- عن مسؤولين: شروط وقف إطلاق النار المقترح بين ...
- بايدن وماكرون يبحثان جهود وقف إطلاق النار في لبنان
- الكويت.. الداخلية تنفي شائعات بشأن الجنسية


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - العباسي رشيد - الثقافةالسائدة و الثقافة البديل